اسم الله فاطر ونشأة الزمكان بين العلم والنص الإسلامي

إنضم
08/02/2024
المشاركات
24
مستوى التفاعل
4
النقاط
3
العمر
51
الإقامة
مصر، المنصورة
اسم الله فاطر ونشأة الزمكان بين العلم والنص الإسلامي

من الأسئلة التي شغلت العلماء قديماً وحديثاً، السؤال عن بداية الزمان والمكان (الزمكان)، هل بدأ الزمكان مع أم قبل خلق السماوات والأرض؟.

إذا قصدنا أن نسأل عن نشأة الزمكان داخل السماوات والأرض، فنعم خلقهما الله مع خلق السماوات والأرض، وخصوصاً بعد أن شق الله ظلمات السماوات والأرض بضحى الشمس وسائر النجوم، قال الله (ءأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها، وأغطش ليها وأخرج ضحاها)، فصار عد الزمان بتتابع الليل والنهار، بعد أن كان بتتابع حركة خلق مكونات السماوات والأرض.

أما إذا قصدنا بالسؤال عموم الزمكان قبل وبعد خلق السماوات والأرض، فالجواب سيختلف، وحتماً لن يكون الجواب من النظريات العلمية التي لم تثبت صحتها بعد، فنحن نسأل عن غيب لا يعلمه إلا الله، وإذا كنا لم نشهد خلق السماوات والأرض بالعلم، ولا نعلم عن خلقهما إلا القليل، فكيف حالنا إذا سألنا العلماء عما قبل خلق السماوات والأرض، حتماً سنجد جهل مركب. فالعلم مازال يحبو لمحاولة فهم كيف بدأ الإنفجار الكبير من المتفردة (Singularity) العجيبة التي كانت النواة لبداية خلق السماوات والأرض، فهل نتوقع من العلم كلاماً دقيقاً عن نشأة الزمكان؟!.

حالياً هناك جدال علمي معروف حول نشأة الزمكان، فريق يقول لا شيء قبل المتفردة، والزمكان بدأ مع إنفجار أو تمدد المتفردة بسرعة كبيرة ( Big bang or Big inflation). وفريق آخر بعد حسابات معقدة من خلال النسبية العامة لأينشتاين، يرى استحالة تصور نشأة الزمكان مع انفجار المتفردة، وأنه لابد من وجود امتدادٍ ما للزمكان قبل المتفردة، وظهرت العديد من النظريات التي تحاول تفسير وجود الزمكان قبل المتفردة، ومثال ذلك نظرية الأكوان المتوازية (parallel universes)، ونظرية الكون المرتد (Bouncing Universe)، ونظرية الكون المعاكس (mirror image universe)، وللأسف جُل معلوماتهم فلسفات وحسابات لا تخلو من الشطط وغياب البرهان المادي، ولذا يخطيء من يحاول في الوقت الحالي معرفة متى بدأ الزمكان من خلال نظريات العلم الحديث التي لم تستقر على شيءٍ بعد.

بعض المسلمين للأسف تسرعوا في ربط نظريات العلم التي لم تثبت صحتها مع نصوص القرآن والسنة، فرأينا من يظن أنه لم يكن هناك زمكان قبل خلق السماوات والأرض، وأنه بدأ مع الإنفجار الكبير.
ومن وجهة نظري القاصرة أقول لهؤلاء المُتسرعين؛ لم تنصفوا خين أخذتم بنصف العلم الذي يقول بنشأة الزمكان مع الإنفجار الكبير، وتركتم النصف الآخر الذي يقول بوجود امتداد ما للزمكان قبل الانفجار الكبير، وربما كان الإعتقاد بأن السماوات والأرض هما أول خلق الله هو السبب في قولكم بأن الزمكان نشأ مع خلق السماوات والأرض. والإنصاف يقتضي ألا نتأثر بنظريات لم تثبت صحتها، وأن نرجع لنصوص القرآن والسنة لاستنطاقهما بما كان قبل خلق السماوات والأرض. وبالعودة لنصوص الوحيين سنجد أن الزمكان داخل السماوات والأرض سبقه زمكان مختلف، وسنجد أن مادة الرتق للسماوات والأرض قد فُطرت من وجود سابق، وخلق مختلف لا يعلم حقيقته إلا الله، وإليكم الأدلة:

أولاً:
مما يدل على وجود الزمكان قبل خلق السماوات والأرض، أن هناك مخلوقات قبلهما، وهذا يقتضي وجود زمان سابق فيه ترتيب لحركة إيجاد هذه المخلوقات، ومكان سابق يحوي هذه المخلوقات، فقبل السماوات والأرض كان هناك العرش والماء، والقلم واللوح المحفوظ.
قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم (كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شيءٌ قَبْلَهُ، وكانَ عَرْشُهُ علَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضَ، وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شيءٍ) رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم (إنَّ أولَ ما خلق اللهُ القلمُ، فقال لهُ : اكتبْ، قال : ربِّ وماذا أكتبُ ؟ قال : اكتُبْ مقاديرَ كلِّ شيءٍ حتى تقومَ الساعةُ)، رواه الترمذي وأبو داود، وصححه الألباني.

وفي الأدلة السابقة دلالة واضحة على خلق السماوات والأرض في ملك سابق لله به زمان ومكان. فوجود العرش على الماء قبل خلق السماوات والأرض، يدل على وصف لزمن ماضي يسبق زمن خلق السماوات والأرض، وأيضاً إثبات لمكان عظيم الخلق لا نعلمه، هذا المكان يحوي الماء الذي يستقر عليه العرش العظيم، وإذا كان الكرسي الذي هو موضع قدم الله يسع السماوات والأرض (وسع كرسيه السماوات والأرض)، فكيف هو حجم العرش، وكيف هو المكان الذي يشغله، وكيف لقائل أن يقول بأن نشأة الزمان والمكان حدثت مع الانفجار الكبير؟!

ثانياً:
خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام، وحتماً هذه الأيام ليست بمقياس الزمن داخل السماوات والأرض، ولكن بمقياس من ينظر لحركات الحدث من خارجه، وله نظام زمني خاص به يقيس به تتابع ومدة هذه الحركات، وليس أدل على ذلك من أن الله خلق الأرض في يومين، فإن قال قائل هما يومين من أيامنا الأرضية، قلنا له كيف تعدها بالأيام الأرضية والأرض ونظامها الشمسي لم يكتملا، واليوم لم ينشأ بعد!!!.

وأبسط تشبيه توضيحي لحساب الستة أيام بمقياس من خارج السموات والأرض هو مدة خلق الجنين في بطن أمه، نحن نعدها من خارج البطن بتتابع الليل والنهار اي بالزمن الذي نشعر به، بينما لو دخلنا مع الجنين في بطن أمه حيث الظلمات الحالكة، فحتماً لن نعد الزمن بأيام أرضنا، فقط سنرى تتابع حركة خلق الأعضاء.
الحاصل أن هذه الأيام الستة تم عدها من خارج السماوات والأرض بنظام زمني لا يعلمه إلا الله، فكيف نقول أنه لا زمان ولا مكان قبل حدوث الإنفجار الكبير (خلق السماوات والأرض).

ثالثاً:
من شك في وجود نظام زمني لحساب تتابع الحركات قبل خلق السماوات والأرض فقد أنكر صريح قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)، رواه مسلم.
خمسون ألف سنة مرت بين كتابة تقدير الخلائق وبين خلق السماوات والأرض، فإذا كان الله قد خلق السماوات والأرض على عظم خلقهما في ستة أيام، فبالله عليكم، كم خلق عظيم يمكن لله أن يخلقه في خمسين ألف سنة؟!،. وبالله عليكم كيف لنا أن نترك ما قاله الوحي الصحيح لنشابه نظريات علمية لم تثبت صحتها فنقول بأن الزمكان قد بدأ مع الإنفجار الكبير؟!، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت السميع العليم.

رابعاً:
اسم الله فاطر يدل على فطر السماوات والأرض من مُلك سابق، فيه زمان ومكان، كيف ذلك؟!!

كثيراً ما نرى في الكتابات الإسلامية ربط بين اسم الله فاطر والإيجاد من عدم، فالله فطر السماوات والأرض أي بدأهن من عدم، وفطر الإنسان أي بدأه من عدم، ولكن من وجهة نظري القاصرة هذا الربط بين الفطر والإيجاد من العدم ربط خطأ لا يستند لدليل مُعتبر، والأدلة التي سأعرضها الآن ستثبت بلا أدنى شك أن اسم الله فاطر يرتبط بالإيجاد من موجود سابق وليس من عدم، أي أن كل مفطور تم فطره في وجود زمكان سابق له، وإليكم الأدلة:

١. لعل البعض يقول بأن اسم الله فاطر فيه معنى الإيجاد على غير مثال سابق مثل اسم الله البديع، والإيجاد على غير مثال سابق يقتضي الإيجاد من عدم، فأقول وبالله التوفيق بأن هذا الربط غير صحيح، فليس كل ما أوجده الله على غير مثال سابق يكون من العدم، فمثلاً خلق الله آدم على غير مثال سابق، ومع ذلك فمادته لم تكن العدم ولكن مادة أرضنا، وبالمثل الملائكة على غير مثال سابق ولكن من النور، والجان على غير مثال سابق ولكن من نار، وبالتالي ليس بلازم أبداً أن نجعل كل ما خلقه الله على غير مثال سابق يكون إيجاده من عدم، والله تعالى أعلى وأعلم.

٢. قول ابن عباس (ما كنت أَدري ما فاطِرُ السموات والأَرض حتى أَتاني أَعرابيّان يختصمان في بئر فقال أَحدهما: أَنا فَطَرْتُها أَي أَنا ابتدأْت حَفْرها).
وإذا سألنا ابن عباس، ماذا فهمت من قول الأعرابي؟.
فسيقول أن هذا الأعرابي هو أول من أتى لتلك البقعة من الأرض فشقها ليظهر هذا البئر للناس، أي هو الذي استخرج ماءها المخفي في باطن الأرض. ويُستفاد من ذلك أن فاطر تشير لبدأ الإيجاد ولكنها لا تشير أبداً لإيجاد شيء من عدم، فالبئر تم حفره في زمكان سابق كان فيه الماء مخفي في باطن الأرض فكان الفطر إظهار لموجود كان مستتر داخل موجود آخر. ولو كان الفطر إيجاد من عدم لما جاز للأعرابي ولا لإبن عباس قبول ذلك، وهذا ما سنتأكد منه عند دراسة المعنى اللغوي للفطر، والإستخدام القرآني.

٣. من حيث المعنى اللغوي للفطر، تقول معاجم اللغة العربية أن فاطر والفطر يشيران للخلق والبناء، وهو ضد التفطر الذي هو الهدم، والذي يعنينا الآن هو معنى فاطر والفطر اللذان يدلان على البناء والإيجاد من موجود سابق:
@ فطَر الشَّيءَ: اخترعه، وابتدأه على غير مثال سابق
@ فَطَرَ الْخَشَبَ، أي شَقَّهُ
@ فَطَرَ نَابُ البَعِيرِ: أي شَقَّ اللَّحْمَ وَطَلَعَ، ويقال للبعير حينها فاطر.
@ فَطَرَ النَّبَاتُ : شَقَّ الأَرْضَ وَنَبَتَ مِنْهَا
@ فَطَرَ الشَّاةَ فطراً: أي حَلَبَهَا بِالسَّبَّابَةِ وَالإِبْهَامِ، ويقال للبن بعد حلبه الفَطِيرُ.
@ تقول العرب على حبّاتُ العنب أَولَ ما تبدو الفُطْرُ (أو فِطر)، وتقول للقليل من اللبن حين يُحْلَبُ بالسبّابة والإبهام الفُطْرُ.
@ والفِطْرةُ: الخلقة التي يخلق عليها المولود في بطن أمه

مما سبق من المعاني اللغوية يتبين لنا أن فاطر والفطر لم يُستخدما لُغوياً قط للدلالة على الإيجاد من عدم، ولكن للدلالة على الإيجاد من موجود سابق، وعلى اشتقاق القليل من الكثير، مثل الناب من البعير، والنبات من الأرض، واللبن من الشاة، وأول ما يظهر من حبات العنب.

٤. الإستعمال القرآني للفطر يتوافق مع ما فهمناه من حديث ابن عباس، وما فهمناه من الإستعمال اللغوي لفاطر والفطر.

قال تعالى عن فطر الإنسان (الذي فطرني)، وقال (الذي فطركم أول مرة)، (والذي فطرنا). ومعلوم أن الله فطر آدم وحواء من تراب أرضنا، فاشتق مادة جسديهما من مادة سابقة، واشتق لجسديهما القليل من مادة الأرض الكبيرة، وفطرهما على خلقة خاصة لم تكن لغيرهما، أي بدأ خلقهما على غير مثال سابق. ثم فطرني الله وفطركم وفطر كل بني آدم من النطفة أو الماء المهين لآدم وحواء، أي أن مادة ذرية آدم من مادة سابقة، ولا شك أن الماء المهين يمثل اشتقاق قليل من كثير، وكل أفراد بني آدم له خلقته الخاصة.
مع ملاحظة أن الله فطر آدم وحواء على غير مثال سابق، ولكنه فطر ذرية آدم على مثال سابق هو آدم وحواء، ولذا فالفطر من حيث الإستعمال القرآني قد يكون على غير مثال سابق، وقد يكون على مثال سابق والله تعالى أعلى واعلم.

@ ماذا عن فهم فطر السماوات والأرض؟@

قال تعالى (فاطر السماوات والأرض)، وقال (فطر السماوات والأرض)، وقال (رب السماوات والأرض الذي فطرهن).

بتطبيق ما سبق فهمناه عن الفطر من حديث ابن عباس، والفهم اللغوي للفطر، والإستعمال القرآني للفطر يتبين لنا الآتي:
١. أن الله أوجد مادة السماوات والأرض (الرتق) من موجود سابق له زمكانه الخاص به.
٢. اشتق الله مادة السماوات والأرض كقليل من كثير، أي سبقها وجود زمكاني عظيم الحجم لا يعلم حفيقته إلا الله.
٣. فطر الله السماوات والأرض على هيئة معينة.

مما سبق يتبين لنا أن اسم الله فاطر يختص بصفة خاصة دون سائر أسماء الله، ألا وهي ابتداء اشتقاق مواد المخلوقات على اختلاف انواعها من مخلوقات سابقة، وهذا الفطر هو الذي يميز كل مخلوق عن الآخر، فعناصر الإنسان تختلف بعض الشيء عن عناصر باقي الكائنات الحية التي فُطرت من تراب هذه الأرض، وما الإختلاف الواضح بين صفات مخلوقات الأرض والملائكة والجن إلا لإختلاف ماة فطر كل مخلوق منهم، وبالمثل عناصر السماوات والأرض تختلف عن عناصر الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب البشر، ولما كانت صفات الأشياء تابعة لتركيبها الكيميائي حسب تكوينها الذري، فحتماً عناصر الجنة فُطرت بشكل مختلف تماماً عن فطر السماوات والأرض، وذلك يعطينا فكرة بسيطة عن كم العناصر التي في ملك الله ولا نعلم عنها إلا القليل.

وكأني أسمع عقولكم تقول بأن هذا الفهم لفطر السماوات والأرض يخالف ما تنص عليه نظرية الإنفجار الكبير التي جعلت المتفردة (الرتق) تنشأ من عدم والزمكان نشأ بعد انفجار أو تمدد المتفردة.
فأقول وبالله التوفيق، لا يوجد دليل علمي يصف المتفردة (الرتق) ولا ما سبقها، فكل علوم البشر تقف عاجزة عندما تصل للحديث عن تلك المتفردة العجيبة، فقط مجرد نظريات فلسفية عن غيب لا يعلمه إلا الله، والمسلم لا يستمد معلوماته عن الغيب من نظريات فلسفية، ولكن من فهم يقيني سليم للنص الإسلامي. وقد بينت بالدليل القطعي أعلاه أن فطر السماوات والأرض يدل على وجود زمكاني يسبق زمكان السماوات والأرض.

في الختام أود أن أشير إلى أن هذا الفهم السابق يفتح الباب للمزيد من الأسئلة التي تُلح على العقل بشدة، فما هي صفات الوجود الذي سبق فطر الرتق الخاص بالسماوات والأرض؟!، ما هو شكل وحجم وتركيب الرتق؟!، وهل هناك فطر أول وثاني في إيجاد السماوات والأرض، كما هو الحال في فطر آدم وذريته؟! وإذا كان الفطر أوجد مادة السماوات والأرض (الرتق) فما هو فتق الرتق؟!.، وهل الفتق تم عند بداية ستة أيام الخلق، أم عند نهاية أول يومين بعد أن أتم الله خلق مادة الأرض الأساسية، وقبل تقدير الأقوات؟! وهل السماوات الكونية كانت على الصورة الدخانية بعد الفطر، أو حتى بعد الفتق؟!، وهل السماوات المبنية في سورة النازعات هي نفسها السماوات الدُخانية في سورة فُصلت؟!!!.
جواب كل هذه الأسئلة وغيرها يحتاج إلى مزيد تدبر لآيات خلق السماوات والأرض، وعمل مراجعة شاملة، وتصفيه، وتنقيه لكل ما تمت كتابته في مجال الإعجاز العلمي لمراحل خلق السماوات والأرض. أسأل الله أن يعلمني وإياكم كما علم نبيه داود، وأن يرزقني وإياكم الفهم السديد كما رزقه لنبيه سُليمان، وأن يزيدني وإياكم علما كما زاد نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

@ملحوظة مهمة@
الله قادر على الخلق من عدم، وهذا أمر معلوم بالبديهة، فهو الأول وأوليته تقتضي وجوده وحده ولم يكن شيء غيره، فلما أراد الخلق لأول مرة خلق من عدم، ولكن الله لم يذكر لنا ولو مثال واحد على الخلق من عدم، قال ابن تيمية (ولم يذكر القرآن خلق شىء من لا شىء بل ذكر أنه خلق المخلوق بعد أن لم يكن شيئا كما قال وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا مع اخباره أنه خلقه من نطفة) مجموع الفتاوى (18/ 235-236).
ولذا أرجو ألا يتهمني أحد بنفي قدرة الله على الخلق من عدم، فقط هذا البحث يناقش مادة خلق السماوات والأرض، هل هي من عدم أم من مخلوق سابق، والذي تبين لي ولكم بالأدلة الواضحة هو وجود خلق سابق على خلق السماوات والأرض، ومن هذا الخلق السابق فطر الله مادة السماوات والأرض على خلقة معينة سماها الله الرتق، ومن مادة الرتق تم فتق السماوات والأرض والله تعالى أعلى وأعلم.

اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك، وما كان من خطأ أو سهوٍ، أو زلل، أو نسيان، فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء.

د. محمود عبدالله نجا
كلية طب المنصورة، مصر
أستاذ مساعد بكلية الطب بالقنفذة _ جامعة ام القرى
 
عودة
أعلى