استنباط السبكي مسألة "الكف عن الفعل فعل" من آية في سورة الفرقان مع تعقيب الشنقيطي عليه

إنضم
26/02/2014
المشاركات
126
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
----------------
استنباط السبكي مسألة "الكف عن الفعل فعل" من آية في سورة الفرقان مع تعقيب الشنقيطي عليه

قَوْلُهُ تَعَالَى : "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا"
"اعْلَمْ أَنَّ السُّبْكِيَّ قَالَ : إِنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ سُورَةِ «الْفُرْقَانِ» مَسْأَلَةً أُصُولِيَّةً ، وَهِيَ أَنَّ الْكَفَّ عَنِ الْفِعْلِ فِعْلٌ . وَالْمُرَادُ بِالْكَفِّ التَّرْكُ ، قَالَ فِي طَبَقَاتِهِ : لَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَدِلَّةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَفَّ فِعْلٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا عَثَرَ عَلَيْهَا .
أَحَدُهَا : قَوْلُهُ تَعَالَى : وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ، فَإِنَّ الْأَخْذَ : التَّنَاوُلُ ، وَالْمَهْجُورَ : الْمَتْرُوكُ ، فَصَارَ الْمَعْنَى تَنَاوَلُوهُ مَتْرُوكًا ، أَيْ : فَعَلُوا تَرْكَهُ ، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ نَقْلِ صَاحِبِ «نَشْرُ الْبُنُودِ ، شَرْحُ مَرَاقِي السُّعُودِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ :
فَكَفُّنَا بِالنَّهْيِ مَطْلُوبُ النَّبِيِّ
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ : اسْتِنْبَاطُ السُّبْكِيِّ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْكَفَّ فِعْلٌ وَتَفْسِيرُهُ لَهَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، لَمْ يَظْهَرْ لِي كُلَّ الظُّهُورِ ، وَلَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي زَعَمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ دَلَّتْ عَلَيْهِ ، وَهُوَ كَوْنُ الْكَفِّ فِعْلًا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَتَانِ كَرِيمَتَانِ مِنْ سُورَةِ «الْمَائِدَةِ» ، دَلَالَةً وَاضِحَةً لَا لَبْسَ فِيهَا ، وَلَا نِزَاعَ . فَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ مَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ آيَةِ «الْفُرْقَانِ» هَذِهِ ، فَإِنَّهُ قَدْ بَيَّنَتْهُ بِإِيضَاحٍ الْآيَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ مِنْ سُورَةِ «الْمَائِدَةِ» . أَمَّا الْأُولَى مِنْهُمَا ، فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى : " لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" فَتَرْكُ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارِ نَهْيَهُمْ عَنْ قَوْلِ الْإِثْمِ وَأَكْلِ السُّحْتِ سَمَّاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ صُنْعًا فِي قَوْلِهِ : لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ، أَيْ : وَهُوَ تَرْكُهُمُ النَّهْيَ الْمَذْكُورَ ، وَالصُّنْعُ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْفِعْلَ ، فَصَرَاحَةُ لَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ كَمَا تَرَى .
وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ ، فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى : "كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" فَقَدْ سَمَّى جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ تَرْكَهُمُ التَّنَاهِيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِعْلًا ، وَأَنْشَأَ لَهُ الذَّمَّ بِلَفْظَةِ بِئْسَ الَّتِي هِيَ فِعْلٌ جَامِدٌ لِإِنْشَاءِ الذَّمِّ فِي قَوْلِهِ : "لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"أَيْ : وَهُوَ تَرْكُهُمُ التَّنَاهِيَ ، عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ، وَصَرَاحَةُ دَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا عَلَى مَا ذُكِرَ وَاضِحَةٌ ، كَمَا تَرَى .
وَقَدْ دَلَّتْ أَحَادِيثُ نَبَوِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ ; كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» ، فَقَدْ سَمَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَرْكَ أَذَى الْمُسْلِمِينَ إِسْلَامًا ، وَمِمَّا يَدُلُّ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي وَقْتِ بِنَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ :
لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلُ ... لَذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ الْمُضَلِّلُ
فَسَمَّى قُعُودَهُمْ عَنِ الْعَمَلِ ، وَتَرْكَهُمْ لَهُ عَمَلًا مُضَلِّلًا ، وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ «مَرَاقِي السُّعُودِ» ، إِلَى أَنَّ الْكَفَّ فِعْلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ، أَيْ : وَهُوَ الْحَقُّ ".
أضواء البيان 6 :48 .
 
جزاكم الله خيرا؛ حديث أصحاب الغار كذلك قد يكون دليلا؟!
 
عودة
أعلى