فلماذا نقول أن التفضيل رفع فقط بمحاولة قتلهم عيسى عليه السلام مع أنهم قتلوا كثيرا من الأنبياء قبله ؟!
إليك أخى الكريم الجواب المفصل عن سؤالك هذا :
أولا : ليس صحيحا أنهم قتلوا
كثيرا من الأنبياء قبل عيسى عليه السلام ، بل إن من قتلوهم من الأنبياء المعروفين بأسمائهم يعدون على أصابع اليد الواحدة
ثانياً : من الملاحظ أن القرآن أحياناً يذكر صيغة الجمع وهو يريد بها المفرد أو بالأحرى يريد بها " اسم الجنس " ، وقد انطبق هذا أحيانا على لفظ " النبيين " وعلى لفظ " الملائكة " ، حيث كان المراد منه أحيانا الجنس لا الجمع ، وتجد مصداق هذا فى قوله تعالى : " ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً " - آل عمران / 80
فقد وردت هذه الآية ردا على عقيدة النصارى الذين اتخذوا من روح القدس عليه السلام أحد أقانيم ثالوثهم ، كما اتخذوا من المسيح ابن مريم عليه السلام أقنوما آخر وسموه الإبن ، فالمراد بالملائكة هنا جنسهم ، والذى يمثلهم فى هذه الآية روح القدس ، ومعلوم أنه مفرد لا جمع
وكذلك المراد بالنبيين هنا جنسهم ، ويمثلهم فى هذه الآية عيسى عليه السلام ، وهو مفرد كذلك وليس جمعا
والدليل على ذلك من القرآن أنه ذكر في إحدى الآيات أن الملائكة - بصيغة الجمع - قد بشرت مريم بميلاد عيسى عليهما السلام (الآية 42 من سورة آل عمران) بينما ذكر في آية أخرى أن الذي بشرها بذلك هو روح القدس وحده (الآية 17 من سورة مريم)
فهل من بشّرها عدة ملائكة أم مَلَك واحد ؟
هذا المُشكل أجاب عنه علماء التفسير قديما ، إذ قال الفخر الرازي عند تفسير آية آل عمران : (
المراد بالملائكة ههنا جبريل وحده وهذا كقوله سبحانه : (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ) يعني جبريل ) اهـ.
وليس غريبا على لغة العرب أن
يطلق الجمع ويراد به الواحد ، ومن أمثلة هذا في القرآن أيضا قوله سبحانه : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّاسُ إِنَّ
النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران (173
فالمقصود بـ ( الناس ) الأولى : نعيم بن مسعود ، والمقصود بالناس الثانية : أبو سفيان وأصحابه ، وليس المقصود جميع الناس .
كما نجد كذلك الإمام ابن عطية في تفسيره يقول : (
وعبر عن جبريل بالملائكة إذ هو منهم فذكر اسم الجنس ) اهـ .
وهكذا تجد أن صيغة الجمع لا تدل دائما على الكثرة ، وإنما قد يراد بها اسم الجنس ، حتى وإن كان واحدا
وعلى ذلك فإن قتل بنى اسرائيل للأنبياء
لا يدل بالضرورة على كثرة المقتولين من الأنبياء ، ب
ل قد يكون المقتول واحدا فقط ويعبر عنه بالجمع لأن جنسه عظيم كالأنبياء
ثالثا : هناك فرق - كما تعلم - ما بين الرسول والنبى ، فالرسول أعظم درجة من النبى ، فكل رسول هو نبى ، ولكن ليس كل نبى يكون رسولاً
وقد كان المسيح ابن مريم عليه السلام رسولاً إلى بنى اسرائيل ، ولم يكن مجرد نبى
بل وأكثر من هذا فإن عيسى عليه السلام ليس رسولاً عادياً من جملة الرسل ، وإنما هو أحد الخمسة الكبار الموصوفين بـ " أولى العزم من الرسل "
ومن هنا تعلم أن عيسى عليه السلام لا يُقارن بمن سبقه من أنبياء بنى اسرائيل ، فهو أرفع منهم فى الدرجة بكثير
رابعاً : من الثابت تاريخياً أن شتات بنى اسرائيل وتفرقهم فى الأرض بعد أن كانوا يستوطنون واحدة من أطهر بقاع الأرض قاطبة ، وأن الذلة والمسكنة التى ضُربت عليهم من بعد ذلك ، كل هذا لم يحدث لهم إلا من بعد كفرهم بالمسيح ابن مريم عليه السلام ، وفى هذا دلالة واضحة وبرهان قاطع على أن الإمتياز والتفضيل الذى نالوه قد سقط عنهم عقب كفرهم بعيسى عليه السلام ومحاولتهم قتله
أرجو أن تجد فى هذا البيان ما يكفى هذه المرة لقناعتك أخى عبد الرحمن ، والسلام عليكم ورحمة الله