بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
تفسير قوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد: 11):
من اللافت للانتباه أنه قد شاع على ألسنة الدعاة والخطباء، وذاع على أقلام الكتاب والصحفيين والأدباء، تفسير هذه الآية بأن معناها: إن الله لا يغير الواقع السيء الذي يعيشه الناس حتى يعمل الناس لتغيير واقعهم، وكلهم يوردون هذه الآية في سياق شحذ الهمة واستنهاض الأمة إلى التقدم والرقي والإصلاح، ويحضون الأمة على أن تغير ما بها من واقع سيء لكي يغيره الله تعالى، مستشهدين بهذه الآية.
ثم تسرب هذا التفسير إلى بعض التفاسير المعاصرة؛ يقول سيد قطب مثلا في تفسير هذه الآية: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم: فهو يتعقبهم بالحفظة من أمره لمراقبة ما يحدثونه من تغيير بأنفسهم وأحوالهم فيرتب عليه الله تصرفه بهم؛ فإنه لا يغير نعمة أو بؤسا، ولا يغير عزا أو ذلة، ولا يغير مكانة أو مهانة، إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم، فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم. وإن كان الله يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون، ولكن ما يقع عليهم يترتب على ما يكون منهم، ويجيء لاحقا له في الزمان بالقياس إليهم، وإنها لحقيقة تلقي على البشر تبعة ثقيلة؛ فقد قضت مشيئة الله وجرت بها سنته، أن تترتب مشيئة الله بالبشر على تصرف هؤلاء البشر، وأن تنفذ فيهم سنته بناء على تعرضهم لهذه السنة بسلوكهم".
وجه الاستشكال:
أن التفاسير المشهورة قد أجمعت على أن تفسير هذه الآية هو: إن الله لا يغير ما بقوم من النعمة والحالة الحسنة حتى يغيروا ما بأنفسهم من الإيمان والطاعة. قال الرازي في تفسير هذه الآية: "أما قوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فكلام جميع المفسرين يدل على أن المراد لا يغير ما هم فيه من النعم بإنزال الانتقام إلا بأن يكون منهم المعاصي والفساد".
ومن ما يقوي هذا التفسير أنه هو الموافق لقوله تعالى: "ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الأنفال: 53)؛ لأن التفسير ينبغي أن يطلب من القرآن أولا، فما أجمل في موضع ربما يكون قد فصل في موضع آخر، قال السيوطي في الإتقان (في النوع الثامن والسبعين في معرفة شروط المفسر وآدابه): "قال العلماء: من أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه أولا من القرآن؛ فما أجمل منه في مكان فقد فسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر منه".
ومن ما يقوي هذا التفسير أيضا أنه هو الموافق لسياق الآيات كما يقول سيد قطب: "وبعد تقرير المبدأ يبرز السياق حالة تغيير الله ما بقوم إلى السوء؛ لأنهم حسب المفهوم من الآية غيروا ما بأنفسهم إلى أسوأ فأراد لهم الله السوء".
ولم أقف على من خالف هذا التفسير من المفسرين المتقدمين غير القشيري فإنه ذكر في تفسير هذه الآية وجوها منها قوله: "وإذا غيروا ما بهم إلى الطاعات غير الله ما بهم منه من الإحسان والنعمة، وإذا كانوا في نعمة فغيروا ما بهم من الشكر لله تغير عليهم ما من به من الإنعام فيسلبهم ما وهبهم من ذلك، وإذا كانوا في شدة لا يغير ما بهم من البلاء حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أخذوا في التضرع، وأظهروا العجز غير ما بهم من المحنة بالتبديل والتحويل". وكذلك البقاعي فإنه ذكر احتمال أن المغيَّر قد يكون خيرا وقد يكون شرا؛ فقال: "لا يغير ما بقوم، أي: خيرا كان أو شرا، حتى يغيروا ما، أي: الذي بأنفسهم من ما كانوا يزينونها به من التحلي بالأعمال الصالحة والتخلي عن أخلاق المفسدين، فإذا غيروا ذلك غير ما بهم إذا أراد، وإن كانوا في غاية القوة".
فهل التفسير الشائع لهذه الآية مقبول أم لا؟