استدلال النصارى باختلاف القراءات على جواز تناقض الأناجيل

إنضم
14/05/2012
المشاركات
1,111
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
الأردن
عقد موقع تنصيري مقارنة بين إيمان النصارى اليوم بأناجيل أربعة، وإيمان المسلمين بالقراءات والأحرف السبعة، ووصل إلى النتيجة التالية:
ونعرف من الاناجيل الاربعه القائمه في المسيحيه حتى اليوم، وبشهادة التاريخ المسيحي كله، ان الانجيل الواحد دوّن بأربعة احرف او نصوص، الانجيل بحسب متى، الانجيل بحسب مرقس، الانجيل بحسب لوقا، الانجيل بحسب يوحنا، وبحسب لغة الحديث الاسلامي نترجم هذا الواقع بقولنا: (نزل الانجيل على اربعة احرف)، باختلاف الالفاظ واتفاق المعاني. ولم يختلف فيها المسيحيون، ولم يقتتلوا عليها، مع ان كل واحد منها ظهر في مكان وفي زمان غير الاخرين. بل قبلوها جميعهم.
ولكن بفارق تميزت به الأناجيل وهو أنها:
لم يكن المسيحيون بحاجه الى اتلاف حرف من تلك الحروف الاربعة للانجيل، لان الاحرف الاربعة رسوليه قدسيه موحى بها، فهي تتمتع بعصمة الوحي
. [1]

الجواب:
هذه الشبهة قديمة، أجاب عنها الإمام ابن حزم بتفصيل، اختصاره:
كل هذا لا متعلق لهم بشيء منه على ما نبين بما لا إشكال فيه على أحد من الناس، وبالله التوفيق:
أ- أما قولهم: إننا مختلفون في قراءة كتابنا، فبعضنا يزيد حروفاً وبعضنا يسقطها فليس هذا اختلافاً، بل هو اتفاق مِنَّا صحيح؛ لأن تلك الحروف وتلك القراءات كلها مبلَّغ بنقل الكوافِّ إلى رسول الله  أنها نزلت كلها عليه، فأيُّ تلك القراءات قرأنا فهي صحيحة، وهي محصورة كلها مضبوطة معلومة لا زيادة فيها ولا نقص، فبَطُل التعلُّق بهذا..
ب- وأما قولهم: إن طائفة من علمائنا الذين أخذنا عنهم ديننا ذكروا أن عثمان رضي الله عنه إذ كتب المصحف الذي جمع الناس عليه، أسقط ستة أحرف من الأحرف المنزلة، واقتصر على حرف منها، فهو ظنٌّ ظنه ذلك القائل، أخطأ فيه، وليس كما قال.
بل كل هذا باطل ببرهان كالشمس وهو: أن عثمان رضي الله عنه لم يكن إلا وجزيرة العرب كلها مملوءة بالمسلمين، والمصاحف والمساجد، والقراء يُعلِّمون الصبيان والنساء وكل من دب وهب، واليمن كلها، وهي في أيامه مدن، وقرى البحرين كذلك، وعُمَان كذلك وهي بلاد واسعة مدن وقرى ومُلكُها عظيم، ومكة والطائف والمدينة والشام كلها كذلك، والجزيرة بالعراق كذلك ومصر كلها كذلك والكوفة والبصرة كذلك في كل هذه البلاد من المصاحف والقراء ما لا يحصي عددهم إلا الله تعالى وحده فلو رام عثمان رضي الله عنه ما ذكروا، ما قدر على ذلك أصلاً.
ج- وأما قولهم: إنه جمع الناس على مصحف [ كَتَبَه بهواه ] فباطل، ما كان يقدر على ذلك لما ذكرنا، ولا ذهب عثمان رضي الله عنه قط إلى جمعِ الناس على مصحف كَتَبَه، إنما خشي أن يأتي فاسق يسعى في كيد الدين، أو أن يهم واهمٌ من أهل الخير، فيبدل شيئاً من المصحف يفعل ذلك عمداً وهذا وهماً فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال، فكتب مصاحف مجتَمَعَاً عليها، وبعث إلى كل أفق مصحفاً. لكي: إن وهم واهمٌ أو بدَّل مبدلٌّ، رجع إلى المصحف المجتمع عليه فانكشف الحق، وبطُل الكيد والوهم.
د- وأما قول من قال: " أبطلَ باقي الأحرف الستة ". فقد كذب من قال ذلك، بل الأحرف السبعة كلها موجودة عندنا، قائمة كما كانت، والحمد لله رب العالمين.[2]

قلت[ عبدالرحيم] : لا يوجد أي وجه تشابه بين اختلاف القراءات القرآنية المتواترة، وتناقض وتحريف الأناجيل الأربعة (بل وطبعات الإنجيل الواحد)؛ لأن:
1. القراءات المتواترة كلها معلوم مضبوط محدَّد، لا يُختلف في لفظ واحد منها، تجدها ذاتها في أوائل كتب التفسير أو القراءات، والكتب المعاصِرة هيَ هيَ.
فلا يُقبَل ابتداع قراءة ما، بزعم أنها الأليق بالسياق القرآني، أو لأنها أصحّ.
في المقابل: تخضع طبعات الكتاب المقدس لتحريف أهواء الكتبة، دون نكير من خاصَّة المؤمنين به وعامَّتهم.
2. لكل قراءة سند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأسانيد متواترة، لرواة معلومين، يستحيل تواطؤهم على الكذب.
في المقابل: لا يوجد سند متصل واحد لأيٍّ من الأناجيل. [3]
3. يستحيل وجود قراءة متواترة تتناقض مع قراءة أخرى، بل تتكامل في معناها. [4]
ودليل ذلك: أن القراءات معلومة مبيَّنة في مختلف كتب السَّلَف والخَلَف، ومع كثرة بحوث ودراسات المستشرقين ـ وتلاميذهم ـ منذ مئات السنين، إلا أنهم لم يُظهِروا قراءة واحدة متواترة، تتناقض مع قراءة أخرى. في مقابل ما يُرى بأدنى تأمُّل من تناقض الواضح بين الأناجيل، واختلاف كلمات وجُمَل الإنجيل الواحد من طبعة لأخرى.[5]

وصدق أبو عبيدة الخزرجي رحمه الله تعالى، حين قال في مناظرته لأحد رجال دينهم " ومن طالع كتبكم وأناجيلكم وجد فيها من العجائب ما يقضي له بأن شرائعكم، وأحكامكم ونقولكم قد تفرَّقت.. وليس هذا بغريب، فأناجيلكم ما هي إلا حكايات وتواريخ وكلام كهنة وتلاميذ وغيرهم، حتى إني أحلف بالذي لا إله إلا هو أن تاريخ الطبري عندنا أصح نقلاً من الإنجيل، ويعتمد عليه العاقل أكثر. مع أن التاريخ عندنا لا يجوز أن ينبني عليه شيء من أمر الدين، وإنما هو فكاهات في المجالس. وتقولون مع ذلك: إن الإنجيل كتاب الله، أنزله إلينا، وأمرنا المسيح باتباعه، فليت شعري أين هذا الإنجيل المنزل من عند الله، وأين كلماته من بين هذه الكلمات؟! ".[6]
_________________
1) يستدل النصارى على تمتع المكتوب في الأناجيل المعترف بها بعصمة الوحي، بما ورد في الرسالة الثانية لبطرس [1/21]: " لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس".
لكن هذا النص الذي يعتبره النصارى أصرح أدلتهم على إلهامية الكتبة ونبوتهم، لا يصلح في الدلالة على إلهام الإنجيليين؛ فبطرس مات قبل أن يدوِّن مرقس إنجيله ـ وهو أول كُتاب الإنجيل ـ، ثم دوّن بقية الإنجيليين كتاباتهم، فليس أي واحدٍ مِن هؤلاء مَن تحدث عنه بطرس.
انظر: هل العهد الجديد كلمة الله؟، د. منقذ السقار، ص 15.
2) انظر: الفِصَل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم 2 / 64-65.
3) اعترف القس (بافندر) بعدم وجود أي إسناد لأي إنجيل، انظر: هل العهد الجديد كلمة الله ؟، د. منقذ السقار، ص 7.
4) قال ابن الجزري في النشر 1 / 28: " مع كثرة اختلاف القراءات وتنوعها، لم يتطرق إليه [أي القرآن الكريم] تضاد ولا تناقض ولا تخالف، بل كله يصدق بعضه بعضاً، ويُبيِّن بعضه بعضاً، ويشهد بعضه لبعض. على نمط واحد، وأسلوب واحد. وما ذاك إلا آية بالغة، وبرهان قاطع، على صدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ".
5) جاء في دائرة المعارف البريطانية: " إن مقتبسات آباء الكنيسة من العهد الجديد، والتي تغطي كله تقريباً، تظهر أكثر من مائة وخمسين ألفاً من الاختلافات بين النصوص". انظر: هل العهد الجديد كلمة الله ؟، د. منقذ السقار، ص 8.
6) مقامع هامات الصلبان، أبو عبيدة الخزرجي، ص157
 
عودة
أعلى