استخدام لفظة "هلك" مع الصالح والطالح !

إنضم
22/11/2012
المشاركات
17
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
*
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

اعتاد كثير من الكُتَّاب أن يذكروا لفظة (هلك) إذا أرادوا الإخبار عن موت أحد المجرمين ، وبينما يقولون مات فلان إذا كان غير ذلك ..
بينما نجد أن اللفظ ذاته استعمل في القرآن الكريم مع الصالحين؛ بل مع نبي الله يوسف عليه السلام كما في قوله :
{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا }

فهل من توضيح بارك الله فيكم .

أخوكم
:: أبو عمر ::
 
يقول الدكتور فاضل السامرائي في برنامج لمسات بيانية:

[FONT=&quot]الهلاك هو الموت وهو عام يستعمل في الإنسان وغير الإنسان في الأموال وفي كل شيء، الهلاك عام ليس بالضرورة عقوبة، (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ (176) النساء) يعني مات. عن سيدنا يوسف (وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ (34) غافر) الهلاك ليس بالضرورة عقوبة وهو عام (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) الحاقة) (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا (6) البلد) (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا (16) الإسراء) يميتهم، (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (88) القصص) هالك ليس بالضرورة عقوبة.[/FONT]
 
الهلاك هو أن يموت الإنسان ولا يترك وراءه من يخلفه ، وهي مفسرة في الآية الكريمة :
يقول تعالى : {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }النساء176
فأنبياء بني إسرائيل منذ إبراهيم عليه السلام وهم في سلسلة متعاقبة : إبراهيم / إسحاق / يعقوب / يوسف ، عليهم السلام .
في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم ، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام) .
يوسف لم يكن له ولد يخلفه في النبوة ، يقول تعالى : {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ }[غافر:34]
والهلاك كذلك هو القطيعة بين الأجيال : {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ }[الأنعام:6]
{قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }[الأعراف:129]
والله أعلم وأحكم
 
يقول الراغب رحمه الله في (مفرداته)(ص: 844) بعد أن عدَّد أوجه الهلاك على ثلاثة وزاد رابعا ..
قال: (( والثالث: الموت كقوله : {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ}[النساء / 176] .
وقال تعالى مخبرا عن الكفّار : {وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية / 24].
ثم قال: ولم يذكر اللّه الموت بلفظ الهلاك حيث لم يقصد الذّمّ إلّا في هذا الموضع ، وفي قوله :
{ وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا}
[غافر / 34]، وذلك لفائدة يختصّ ذكرها بما بعد هذا الكتاب))
والسؤال:
1- هل يُفهَم من كلام الراغب أن الأصل في ذكر الهلاك هو "الذم" كما هو ظاهر كلام الراغب .
2- هل وقف أحد مشايخنا على الفائدة المشار إليها .
جزاكم الله خيرًا
 
الفاضل محمد ، بارك الله فيك
فالراغب الأصفهاني (ت:502) في المفردات ذكر أربعة أوجه للهلاك وهي :
الأول : افتقاد الشيء عنك ، وهو عند غيرك موجود كقوله تعالى : {هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ }[الحاقة:29]
الثاني: هَلَاكِ الشيء باستحالة وفساد كقوله : {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ }[البقرة:205] ويقال : هَلَكَ الطعام
والثالث : الموت كقوله : {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ}[النساء:176]
الرابع : بطلان الشيء من العالم وعدمه رأسا ، وذلك المسمّى فناء المشار إليه بقوله :
{كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:88]
فبالنسبة للراغب الأصفهاني من خلال هذه الأوجه الأربعة يتبين أن المشترك بينها هو الذم باستثناء مثالين هما :
المثال الأول : {وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية:24]
المثال الثاني : {وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا}[غافر:34]
حيث لاحظ من خلال هذين المثالين أن الهلاك لم يُذكر معه الذم . وهذه الملاحظة تكتسي أهمية كبيرة ، و يجب تبريرها . لكنه أرجأ ذلك إلى مرحلة لاحقة بقوله : " وذلك لفائدة يختص ذكرها بما بعد هذا الكتاب " وهو يعني كتاب (تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد) . هذا الكتاب الذي قال عنه في مقدمة (المفردات) : " وأتبع هذا الكتاب إن شاء الله ونسأ في الأجل بكتاب ينبئ عن تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد وما بينها من الفروق الغامضة ، فبذلك يُعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة دون غيره من أخواته ، نحو ذكره القلب مرة والفؤاد مرة والصدر مرة ..."
إلا أن هذا الكتاب لم يصل إلينا ، أو أن الراغب رحمه الله مات قبل أن يؤلفه .
مع فائق التقدير والاحترام
 
في الحديث: عَنْ جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : "هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ" رواه البخاري
 
الفاضل ماجد ، بارك الله فيك
(هلك)، في هذا السياق تدخل ضمن الوجه الثالث الذي ذكره الراغب الأصفهاني في مفرداته .
إلا أننا في هذه الدراسة نحاول استقصاء المفردة من خلال السياق القرآني ، ومحاولة رصد التغيرات الدلالية وما بينها من فروق غامضة ، ومحاولة تفسيرها ، حسب ما يسر الله من ذلك .
مع فائق التقدير والاحترام
 
يقول الله تعالى في سورة البقرة : [وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ{204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ{205}]

في (أسباب النزول) للواحدي : " ـ قوله : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[البقرة:204] ، قال السدي : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي ، وهو حليف بني زهرة أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فأظهر له الإسلام وأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه ، وقال : إنما جئت أريد الإسلام ، والله يعلم أني لصادق ، وذلك قوله : {وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ }[البقرة:204] . ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر ، فأحرق الزرع وعَقَرَ الحُمُر فأنزل الله تعالى فيه : {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ }[البقرة:205]
فإذا تأملنا هذا السياق سنجد ظلال معنى (الانقطاع) الذي يلازم الفعل (هلك) في المعجم القرآني : فالأخنس بن شريق الثقفي عندما مر بذلك الزرع أحرقه وعقر الحمر ، وبفعله ذلك يكون قد أهلك الحرث فلم يبق منه شيئا بحرقه ،كما أنه لم يُبق من الحمر شيئا حيث عقرها كلها فقطع نسلها ، وهذا الفعل يعتبر قمة الإفساد .

والله أعلم وأحكم
 
متابع ..
جزى الله خيرًا الفضلاء : عبد الكريم عزيز، وماجد العتيبي ، والمتابعين .
 
عودة
أعلى