(استخدام علم الدلالة في فهم القرآن:قراءة في تجربة الياباني توشيهيكو) لعبدالرحمن حللي

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,331
مستوى التفاعل
138
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
أهداني الصديق العزيز الدكتور عبدالرحمن الحاج الأستاذ بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا كتاب (بين الله والإنسان في القرآن : دراسة دلالية لنظرة القرآن إلى العالم) للباحث الياباني توشيهيكو ايزوتسو ، المتوفى عام 1413هـ عن عمر قارب الثمانين عاماً . وهو باحث ياباني مستعرب له ترجمة لمعاني القرآن للغة اليابانية ، وله بحوث موضوعية جيدة حول القرآن الكريم جديرة بالتأمل والقراءة من المتخصصين في الدراسات القرآنية . وله معرفة مذهلة بالشعر الجاهلي ومعانيه ومفرداته الغريبة ، لا تكاد توجد عند كثير من الباحثين العرب ، وهو يعتمد على فهمه له في دراسته للقرآن .

[align=center]
64aea79fbacbb5.jpg
[/align]
وقد أكملتُ قراءة الكتاب في أوقات متعددة ، وحرصتُ على عرض هذا الكتاب المليئ بالنظرات العلمية المفيدة لدارسي القرآن الكريم في جانبه اللغوي الدلالي خصوصاً من باحث منصف ذي ثقافة مختلفة ، وقد نقل تلامذته أنه مات مسلماً . غير أن كثرة الأشغال حالت دون إتمام هذا العرض . حتى عثرت اليوم على بحث قيم للدكتور عبدالرحمن حللي وفقه الله حول هذا الكتاب ، فيه تعريف وافٍ بالكتاب ومؤلفه ، واستنتاجات وتوصيات للباحثين بضرورة الإفادة من منهجية الباحث الياباني في تعميق الدراسات القرآنية ذات الجانب الدلالي وما يمكن أن تضيفه في حقل البحث العلمي . فأحببت نقله لكم ليكون باباً للإفادة من هذا الكتاب ، والتعرف على مؤلفه وسيرته العلمية .
وهذا هو نص البحث

[align=center]استخدام علم الدلالة في فهم القرآن: قراءة في تجربة الباحث الياباني توشيهيكو إيزوتسو Toshihiko Izutsu(*)[/align]

تمهيد:

لقد أنزل الله القرآن ليكون هداية للناس، فقال تعالى: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ" (الإسراء:9)، ويحمل رسالة الله الخاتمة إلى العالمين، "وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ" (الأنعام:19)، فجعله الله كتاباً مصدقاً ومهيمناً "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ" (المائدة:48)، وجعله الله كتاباً مبيناً وعربياً، "الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ - إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (يوسف:1-2)، لكنه رغم وضوحه وجلاء الرسالة التي يحملها يكتنف من المعاني ما لا ينقضي ومن الدلائل ما لا ينفد مهما طال البحث عنها، فهو كتاب إلهي يخاطب العالمين، وهو كما وصف كتاب لا يخلق على كثرة الرد، ولا يحيط بكلماته زمان أو مكان، "قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا"(الكهف:109)، هذه الخصائص لكتاب الله عز وجل تجعل المسؤولية نحوه أكبر وأعمق من أن يتم اختزال العلاقة معه على أنه نص للتعبد فقط، ففيه نظام وإحكام لم يكتشف منه المفسرون والدارسون له إلا القليل، وسيبقى الزمن أهم مفسر للقرآن بما يستجد فيه من علوم ومعارف يمكن أن تسهم في اكتناه معانيه، وقد أدرك المتقدمون ما للعلوم على اختلافها من أثر في فهم القرآن سواء بالفهم المباشر له كعلوم القرآن أو غير المباشر كالعلوم التي تنمي ثقافة المفسر التي تؤثر بدورها في تفسيره، حتى وصل الأمر بالإمام ابن عطية الأندلسي إلى القول: "كتاب الله لا يتفسر إلا بتصريف جميع العلوم فيه"[1]، ولعل أهم العلوم ذات الأثر في فهم كتاب الله هي علوم اللغة، والتي شهدت تطوراً في التقعيد والتصنيف والتحليل، وقد اعتنى المسلمون مبكراً باللغة العربية، وكان الدافع الرئيس لذلك يرتبط بفهم كتاب الله عز وجل.

إلا أن هناك من علوم اللغة ما هو مرتبط باللغة بالعموم وليس خاصاً بلغة بعينها، لاسيما ما له صلة بالجانب التحليلي منها، كما أن تطورات العلوم اللغوية الحديثة آلت إلى نتائج كان علماء اللغة سبقوا إليها ونصوا على مثلها[2]، لكن ذلك لا يعني أن هذه العلوم لم تأت بإضافة يمكن الإفادة منها، فالعلوم منحة إلهية واستثمارها في الخير ينبغي أن يكون مطلباً مشروعاً بل واجباً، لاسيما إن كانت تصلح لأن يفهم بها كتاب الله، لكن مقاربة كتاب الله بها ليست من الأمور السهلة أو القابلة للارتجال والتجربة السطحية، كما أن توسل هذه العلوم من خلال التجارب التي تمت لم يكن في الغالب منتجاً للعلم أو يقدم إضافة نوعية نظراً لتوسل تلك العلوم لأهداف غير علمية كما هو شأن عموم أعمال المستشرقين وتلاميذهم، على أنهم في كثير من الأحيان وجهوا العلوم التي استخدموها لاستنباط ما حرصوا على الوصول إليه، كما هو شأن أدعياء القراءة المعاصرة للقرآن الذين توسلوا مناهج مختلفة وأحياناً تجمع متناقضات منها، ليخرجوا بخليط من الأفكار غير المنسجمة والمتناقضة أحياناً ادعيت دراسة للقرآن الكريم[3]، هذه التجارب أدت إلى زيادة الوثاقة بالمنهج المعهود لدراسة القرآن ومرجعيته، والشك والحذر من أي مقاربة جديدة أو غير مألوفة في درس القرآن الكريم.
لكن الإنصاف يقتضي الإقرار بأن هذا الغالب الشائع ينبغي ألا يخفي النادر المهم والمجهول والذي لم ينل حظه من العناية والتعريف به، بل تم التعتيم عليه أو التقليل من أهميته أو التشكيك في علميته كونه لم يلتق مع الرؤى الاستشراقية السائدة، أو أكد عكس ما هدفت إليه.

وتهدف هذا المقاربة إلى التعريف بنموذج للدراسات القرآنية الحديثة يمثل – فيما أرى- نقلة نوعية في الدرس القرآني المتوسل لعلم الدلالة منهجاً، وأقصد به أعمال الباحث الياباني الراحل توشيهيكو إيزوتسو، وسيكون تناول أعماله من زاوية محددة هي استثماره علم الدلالة الحديث في دراسة القرآن الكريم، وستتضمن الورقة المحاور التالية:

أولاً- علم الدلالة بين القديم والحديث
ثانياً- تعريف بالباحث ايزوتسو Toshihiko Izutsu:
ثالثاً- علم الدلالة ودراسة القرآن من منظور ايزوتسو:(مقاربة المنهج)
رابعاً- الخاتمة: (خلاصة وتقييم)

أولاً: علم الدلالة بين القديم والحديث :
موضوع علم الدلالة هو دراسة المعنى، وقد بدأ البحث عنه منذ أن حصل للإنسان وعي لغوي، وقد وجد هذا مع علماء الهنود واليونان[4]، وقد اهتم اللغويون العرب وعلماء الأصول بدراسة المعنى ووضعوا قواعد وأصولاً لاستنباطه، ولم يكن ثمة فصل في هذا المجال بين البحث في طرق استنباط النص وبين البحث اللغوي، بل إن مباحث الدلالة عند اللغويين تأثرت بمباحث ومناهج الأصوليين في تقعيد فهم النص[5]، وتواتر استعمال مصطلح الدلالة في التعبير عن المعنى المستنبط من النصوص والألفاظ، وكان ذلك بالخصوص في كتب الأصوليين[6]، وقد خصت كتب الأصوليين قسماً خاصاً بمباحث الدلالات، إذ بدأ البحث في دلالة الألفاظ مبكراً عند العرب، وذلك منذ أن بدأ البحث في مشكل الآيات القرآنية وإعجازها وتفسير غريبها واستخراج الأحكام الشرعية منها، فكان علماء الفقه والأصوليون من أوائل من احتضنوا الدراسات التي تدور حول الألفاظ ومعانيها[7]، أما اهتمام اللغويين بدراسة الدلالة فكان مقتصراً على الناحية التاريخية الاشتقاقية للألفاظ، كأن تقارن الكلمة بنظائرها في الصورة والمعنى حتى يتسنى إرجاعها إلى أصل معين[8].

كل هذا الحضور للدلالة في العلوم العربية والشرعية لم ينته إلى ظهور علم مستقل باسم "علم الدلالة"، إذ ظهر هذا الإفراد في أواخر القرن التاسع عشر (1883م) مع اللغوي الفرنسي برييل Breal Michelليعبر عن فرع من علم اللغة العام هو "علم الدلالات" ليقابل "علم الصوتيات"، وقد تم تداول اصطلاح "علم الدلالة" بإجماع لا لبس فيه والتعبير الانكليزي عنه (Semantics)[9]، والأصل في هذه لكلمة أنها تعني الدراسة التاريخية لتغيرات معاني الكلمات[10]، وواضح من تاريخ هذا العلم أنه تطور ليوسع مجاله إلى علوم أخرى كعلم النفس وعلم الإنسان والفلسفة والمنطق والبلاغة وعلم الاجتماع، إذ أصبحت كلمة Semantics توظف كمصطلح عام لدراسة العلاقات بين الدوال والأشياء التي تدل عليها[11].

هذا التطور في علم الدلالة في سياقه الغربي استفاد من تراكمات معرفية سابقة، لكن الباحثين في هذا المجال يلاحظون أن الدراسات الدلالية أغفلت جهود الدلاليين العرب القدامى فلم تأت على ذكرهم في سلسلة تطور الاهتمام الدلالي القديم[12]، وقد أسهمت الدراسات اللغوية العربية الحديثة في إبراز جهود اللغويين والأصوليين في مجال الدلالة، ورغم هذه الجهود فإنهم لم ينكروا الإضافة العلمية في علم الدلالة الحديث وآفاق الاستفادة منه، بل أبرزوا التكامل الذي يضيفه إلى الدراسات العربية.

فقضية المعنى كموضوع لعلم الدلالة لم تعالج في المعاجم والقواميس، والتي قدمت معاني ألفاظ اللغة التي ترصدها دون أن تقدم نظرية حول طبيعة المعنى في اللغة، فما تقدمه المعاجم حكم وصفي لا يعالج سؤال (ما هو المعنى؟) الذي يهتم به علم الدلالة[13].

ومن ناحية أخرى فإن علم الدلالة اتجه إلى العوامل الخارجية ذات الأثر في الألفاظ من إنسانية واجتماعية، بل ونفسية وعاطفية، وما لهذه العوامل من أثر في انكماش بعض الألفاظ في دلالتها أو انحدار في سموها[14]. وبالتالي فنحن أمام علم حديث إن لم يصل إلى نظرية نهائية متسقة في دراسة المعنى فإنه رغم ذلك يشكل إضافة مهمة في دراسة المعنى[15].

هذا الجانب الحديث في علم الدلالة هو ما سنبحث إمكانية استخدامه في فهم القرآن، لكن الحديث إلى حد الآن ما يزال في العموم وفي سياق إثبات أن هناك ما هو جديد في علم الدلالة يختلف عن النظريات الدلالية عند اللغويين والأصوليين التي لا تقل أهمية وعمقاً وثراء واتساقاً، والتحديد الدقيق سيكون لاحقاً عند الحديث عن منهج إيزوتسو ومقدماته النظرية التي ضبط من خلالها ما سيستثمره من علم الدلالة في فهم القرآن.

ثانياً: تعريف بالباحث ايزوتسو Toshihiko Izutsu
من المهم البدء بالتعريف بالباحث إيزوتسو إذ هو مجهول في الأوساط العربية ولا يعرفه إلا القلة من المتخصصين، لذا سأعرف به كمقدمة للتعرف على منهجه.
ولد الباحث الياباني[16] Toshihiko Izutsu في طوكيو في اليابان، عام/1914، وكَانَ باحثاً ولغوياً وأستاذاً جامعياً، درَّس في معهدِ الدِراساتِ الثقافيةِ واللغويةِ من جامعةِ كيو Keio في طوكيو(1954-1968)، وفي المعهد الملكي لدراسة الفلسفةِ في طهران، وفي معهد الدراسات الإسلامية من جامعة مكجل McGill في مونتريال بكندا، وكان أستاذاً فخرياً وعضواًَ في الأكاديمية اليابانية.

ألف عدداً مِنْ الكُتُبِ عن الإسلامِ والأديانِ الأخرى، وعن اللغة والتصوف، وكان موهوباً جداً في تَعلّّم اللغاتِ الأجنبيةِ، وكان على معرفة دقيقة بالعربية، والفرنسية والألمانية، فضلاً عن الإنكليزية، وهو من أوائل من ترجم القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية، وترجمته معروفة بدقتِها اللغويةِ وما زالَتْ مشهورة وكثيرة الاستعمال في الأعمال العلمية.
توفي في:1يوليو/تموز 1993، ونقل تلامذته إسلامه وأنه سمى نفسه (مختار)[17].

ألف بالإنكليزية:
1. المفهومات الأخلاقية - الدينية في القرآن (Ethico-Religious Concepts in the Quran ) طبع منقحاً عام 1966 وأعيد نشره عام 2002، وترجمه إلى العربية الأستاذ الدكتور عيسى علي العاكوب، وصدرت الترجمة عن دار الملتقى بحلب 2008.

2. بين الله والإنسان في القرآن:دراسة دلالية لنظرة القرآن إلى العالم،
GOD AND MAN IN THE KORAN: Semantics of the koranic weltanschauung
وقد صدر للمرة الأولى بالإنكليزية عام 1964 عن معهد جامعة كيو للدراسات الثقافية واللغوية بطوكيو. وبعد تسع سنوات على وفاته عام 1993، صدرت طبعته الثانية بالإنكليزية أيضاً في ماليزيا عام 2002، وترجمه إلى العربية الأستاذ الدكتور عيسى علي العاكوب، وصدرت الترجمة عن دار الملتقى بحلب 2007، وقد صدرت ترجمة أخرى للكتاب بعنوان: "الله والإنسان في القرآن، علم دلالة الرؤية القرآنية للعالم"، أعدها الدكتور هلال محمد الجهاد، وذلك عن المنظمة العربية للترجمة عام 2007.[18].

3. مفهوم الإيمان في علم الكلام الإسلامي Concept of Belief in Islamic Theology صدر عام 1980، وهو قيد الترجمة من قبل الدكتور العاكوب.

4. دراسة مقارنة للمفهومات الفلسفية الرئيسة في التصوف والطاويه (1984)
Sufism and Taoism: A Comparative Study of Key Philosophical Concepts

5. اللغة والسحر Language and Magic (1956)

وله باليابانية المؤلفات التالية:
1. تاريخ الفكر الإسلامي
2. الفلسفة الصوفية
3. الثقافة الإسلامية
4. الوعي والذات
5. الكون وأضداد الكون

ومما تجدر الإشارة إليه في سياق التعريف بإيزوتسو أن أعماله لا تصنف في سياق الدراسات الاستشراقية للقرآن والإسلام، وذلك للأسباب التالية:

أولاً- طبيعة منطلق هذه الدراسات في السياق الياباني، فكما يؤكد الكاتب اللبناني الدكتور مسعود ضاهر فإن "الدراسات اليابانية عن الإسلام والعالم العربي أرادها واضعوها رداً موضوعياً على "الدراسات الاستشراقية" الغربية، بجناحيها الأوروبي والأميركي. ويرفض المستعربون اليابانيون بشدة تصنيفهم كمستشرقين، ويفضلون مصطلح الدراسات العربية في اليابانية بعد أن حمل مصطلح "الاستشراق" وزر المواقف السلبية التي عرّضت أصحابها للنقد الصارم حتى من جانب الباحثين المنصفين أو الموضوعيين في الغرب نفسه"[19].

ثانياً- ما صرح به إيزوتسو نفسه حول قصده من عمله بقوله:"وكان حاديّ في هذا الصّنيع الأملَ في أن أظلّ قادراً على الإسهام بشيء جديد في سبيل فَهْم أفضل لرسالة القرآن لدى أهل عصره الأوّل ولدينا نحن كذلك"[20]، وفي دراسته للمفهومات الأخلاقية يؤكد تحريه منهجاً علمياً يعتمد التجريب والاستقراء، لتحليل البنية الأساسية للحقل الدلالي للتعابير الأخلاقية، ويؤكد أهمية العلمية بحيث تتفادى قدر المستطاع التأثر بالأحكام القبلية لأي موقف نظري للفلسفة الأخلاقية[21].

ثالثاً- ما يؤكد بعد فكر إيزوتسو وتضاده مع الاستشراق ما تميزت به أعماله من الموضوعية والحياد العلمي والإنصاف إن لم يكن الانحياز والاحترام للقرآن والإسلام، وقد تجلى ذلك فيما قام به من جهد ودراسات عن الإسلام والقرآن، فأثبت من خلالها أنه على قدر كبير من التثبت وتقليب وجهات النظر وسعة الاطلاع مما هيأ له قدرة ملحوظة على التمحيص والاختيار والبناء على أسس لها قدر كبير من القيمة[22]، بل يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك، واعتبار أعماله الوجه النقيض للدراسات الاستشراقية المتعلقة بالقرآن، فأثبت في غير موضع احترامه وإجلاله للقرآن وإعجابه بلغته وإحكام آياته، وأثبت قدراً فائقاً من العلمية والتواضع عندما يبدي رأياً في فهم آية على نحو يخالف ما يتجه إليه المفسرون[23] .

هذا ويتميز كتاباه بلغتهما السهلة وأسلوبهما المبسط الذي يبتعد عن التعقيد[24]، بشكل عام، لكن غير المختص قد يجد صعوبة في المقدمات المنهجية لجدتها عليه، مع حرص واضح فيها على الضبط المنهجي المفصل للقارئ. هذا ومما يحسب له في الدقة والعلمية اعتماده المباشر على اللغة العربية وإتقانه الدقيق لتفاصيلها، بل رفضه دراسة المفاهيم القرآنية من خلال لغة أخرى، إذ يؤكد هذا المبدأ بشكل عام بقوله: "وهناك في كل لغة عدد من الكلمات التي تكون عصية على الترجمة على نحو باد للعيان"[25].

كما يسجل احترامه للغة العربية وتقديره لها ولمصادر التراث الإسلامي، فيصف العربية الفصحى بأنها واحدة من اللغات المعروفة جيداً في العالم، ومزودة بأدق تفاصيل النحو والمعجم اللغوي، وفيها معجمات ممتازة، وقد أنجز كثير من الدرس المتصل بفقه اللغة، وفي حقل التفسير القرآني خاصة توجد كثير من التفاسير المعتمدة، ويؤكد اعتماده هذه المصادر كمساعدات قيمة في درسه الدلالي[26].

وهو كباحث لغوي لم ير خصوصية وتميزاً للغة العربية، إذ اعتبر مجيء القرآن بها يرجع إلى كونه أنزل على العرب، وأنها واحدة فقط من لغات كثيرة، وقد انتقده على ذلك الأستاذ الدكتور عيسى العاكوب، مؤكداً "أنّ العربيّة قادرةٌ على الإبانة عن مراد الله سبحانه أكثر من غيرها من اللغات بما توافر لها من وفرة في المفردات المعبرّة عن الشيء الواحد في أوضاعه وأشكاله وخاصّياته المختلفة، وبما انطوت عليه من صِيَغ حرفيّة معبّرة، وبمّا تدلّ عليه أوضاعُها التركيبيّة من دلالات، وبما يوفّره جرْسُ ألفاظها من تماثلات صوتيّة تساعد في إبهاج السّامع وإيقاظ ملكاته الإدراكية لتحصيل أكبر قدر من الطاّقة الدّلاليّة. وما لا ينبغي إغفالُه البتّة في السّياق الذي نحن فيه أنّ مادّة ع ر ب فيما يبدو تفيد البيانَ والوضوح"[27].

ثالثاً: علم الدلالة ودراسة القرآن من منظور ايزوتسو:(مقاربة المنهج)
يفتتح إيزوتسو كتابه "الله والإنسان في القرآن" بفصل خاص بعنوان (الدرس الدلالي والقرآن) يحدد من خلاله معالم دراسته فيذكر أن دلالات الألفاظ وتطوّرها، أو ما يسمّى عِلْم الدّلالة Semantics تمثِّل الجانبَ المنهجيّ لعمله، بينما يمثِّلُ القرآنُ جانبَه المادّي[28]، ويحدد الشريحة التي يتوجه إليها الكتاب بأنهم القرّاء الذين كان لديهم من قبْلُ معرفة عامّةً جيّدةً بالإسلام وهم، تبعاً لذلك، مستّعدون لأن يكونوا منذ البدء مهتمّين بقوّة بالمسائل المفهوميّة التي أثارها هذا الضَّرْبُ من الدَّرْس فيما يتصل بالقرآن نفسه.

ولا يتغاضى إيزوتسو عن حقيقة أنّ ما يسمّى عِلْم الدّلالة Semantics معقَّدٌ على نحو مُذْهِل للغاية. ومن الصّعب جدّاً، هذا إن لم يكن مستحيلاً، على شخصٍ غير متخصّص أن يظفر حتّى بفكرةٍ عامّةٍ عن ماهيّة هذا العِلّم، فـ "عِلْم الدّلالة"، كما يرى إيزوتسو، من حيث هو دراسةٌ للمعنى، لا يمكن أن يكون إلاّ نمطاً جديداً من الفلسفة مبنيّاً على تصوّر جديد تماماً للكون والوجود وشاملاً لأفرع كثيرة مختلفة ومتنوّعة جدّاً من أفرع العِلْم التقليديّ، التي ما تزال حتّى الآن في أيّة حال بعيدةً عن أن تكون قد أنجزت المثَلَ الأعلى لتكاملٍ تامّ. كما يلحظ أنه علم يفتقر إلى التناغم والانسجام، وأن ما نمتلكه في أيدينا عددٌ من النظريات المختلفة للمعنى[29].

تأسيساً على هذه الملاحظات يسجل إيزوتسو تصوره الخاص لعلم الدلالة الذي سيعتمده في دراسته فيقول:"عِلْم الدّلالة كما فهمتهُ هو دراسةٌ تحليلية للتعابير المفتاحية Key- terms في لغةٍ من اللغات ابتغاءَ الوصولِ أخيراً إلى إدراكٍ مفهوميٍّ للنّظرة إلى العالم Weltanschauung لدى النّاس الذين يستخدمون تلك اللّغة أداةً ليس فقط للتحدّث والتفكُّر، بل أيضاً، وهذا أكثرُ أهمّيةً، لتقديم مفهوماتٍ وتفاسير للعالَم الذي يحيط بهم."[30]

فهدف الدراسة الدلالية للقرآن البحث عن رؤية القرآن لكيفية بناء عالَم الوجود، وما المكوِّناتُ الرّئيسةُ للعالم، وكيف يُرْبَط بعضُها ببعض، فيكون عِلْمُ دلالات الألفاظ وتطوّرها، في هذا المعنى، نوعاً من عِلْم الوجود ontology- علم وجود محّدد وحيّ ومتحرّك[31].

ولانجاز عمله يوضح المرتكزات الأساسية التي ستضبط تحليله الدلالي، وذلك من خلال مداخل أساسية، أو مصطلحات اعتمدها أو ابتكرها ليوضح فكرته، وهي:

1-شبكة المفهومات في القرآن:
إن جوهر عمل إيزوتسو كما حدده هو دراسةٌ تحليلية للتعابير المفتاحية في القرآن والتي تعبر عن المنظور القرآني للعالم، لكن ذلك ليس مجرد اختيار مفهومات من المعجم اللغوي للقرآن، بل هي – كما يقول - مهمة صعبة، ذلك لأنّ هذه الكلمات أو المفهومات – كما يصفها إيزوتسو- ليست موجودةً هكذا في القرآن مستقلاً كلٌّ منها عن الأخريات، بل إنّ كلاًّ منها تعتمد على صاحبتها اعتماداً قويّاً، وتستمدّ معانيها المحدّدة على نحو دقيق من جملة نظام العلاقات. وبكلماتٍ أُخَر، تؤلِّف فيما بينها مجموعاتٍ متنوّعة، كبيرة وصغيرةٍ، مرتبطاً كلٌّ منها بالأخرى أيضاً بطرائق مختلفة، وهكذا تؤلّف في النهاية كُلاً منظّماً شبكةً غايةً في التعقيد والتركيب من الترابطات المفهوميّة[32]. فإيزوتسو يبحث عن النظام المفهومي الذي يعمل في القرآن، لا المفهومات الفردية منظوراً إليها بعيداً عن البناء العام، أو ما يسميه "البنية المتكاملة" التي اندمج فيها المفهوم.

2-التحول الدلالي من خلال السياق القرآني:
يسجل إيزوتسو ملاحظة يعتبرها جوهرية في عمله وهي ملاحظة التحول الدلالي للمفردة اللغوية التي كانت متداولة قبل الإسلام عبر إدخالها في سياق قرآني جديد ودمجها ضمن نظام مفهومي مختلف، فألفاظ القرآن كانت متداولة، بل إنه - كما يرى - ليس من التعابير المفتاحية التي تؤدّي وظيفةً حاسمة في صياغة نظرة القرآن إلى العالَم بما فيها اسْمُ "الله" نفسُه، ما كان بأيّ معنى من المعاني تعبيراً جديداً مبتكَراً. فقد كانت كلُّها تقريباً مستخدمةً بصورةٍ أو بأخرى في الأزمنة التي سبقت الإسلام. وعندما بدأ الوَحْيُ الإسلاميّ باستخدام هذه الكلمات، كان النظامُ كلُّه، أي السّياقُ العامُّ الذي استُخدِمت فيه، هو الذي صدَم مشركي مكّة بوصفه شيئاً غريباً تماماً وغيرَ مألوف، ولذلك، غيرَ مقبول، وليس الكلماتِ الفرديّة والمفهومات نفسَها.

فـ "الكلماتُ نفسُها كانت متدوالةً في القرن السّابع (الميلادي)، إن لم يكن ضمن الحدود الضّيّقة لمجتمع مكّة التجاريّ، فعلى الأقلّ في واحدةٍ من الدّوائر الدينيّة في جزيرة العرب، ما جدّ هو فقط أنّه دخلت أنظمةٌ مفهومية مختلفة. والإسلامُ جَمَعها، دَمَجَها جميعاً في شبكةٍ مفهوميّة جديدة تماماً ومجهولة حتّى الآن."[33]

ويذكر نموذجاً لذلك التحول كلمةَ "تقوى"، فالمعنى الصّميمي الأساسيّ لكلمة "تقوى" في الجاهلية "دفاعَ كائن حيّ، حيوان أو إنسان، عن نفسه في مواجهة قوّة مدمِّرة آتية من الخارج". وتدخلُ هذه الكلمةُ في نظام المفهومات الإسلاميّ حاملةً معها هذا المعنى الأساسيّ نفّسه. ولكن ههنا، وتحت التأثير السّاحق لجُمْلة النظام، وخاصّة بفضل كونها الآن موضوعةً في حَقْلٍ دلالّي محدَّدٍ مؤلَّفٍ من مجموعةٍ من المفهومات عليها أن ترتبط بـ "الإيمان" أو الاعتقاد المميَّز للتوحيد الإسلاميّ، اكتسبت معنَّى دينيَّاً في غاية الأهمّية: بعد أن تجتاز التقوى المرحلة المتوسّطة لـ "الخوف من العقاب الإلهيّ في يوم الحساب"، يُقصَد بها في النهاية "الورَع" الشّخصي، الصّافي والبسيط[34].

هذا ويعول إيزوتسو في الكشف عن التحول الدلالي على الشعر الجاهلي"لأنّ المعجم اللغويّ للشّعر الجاهليّ سابقٌ زمانيّاً القرآن، فتكونُ المقارنةُ بينهما يقيناً مثمرةً. ويمكن أن أنّ تلقي ضوءاً كاشفاً على المعنى " الوضْعيّ " لبعض التعابير المفتاحيّة الموجودة في القرآن. بل تسمح بأن نرى على نحو دقيق كيف ظهرت فِكَرٌ وكيف عُدّلت فِكَرٌ قديمة في جزيرة العرب في المرحلة الحاسمة الممتدّة من أواخر العصر الجاهليّ إلى أوائل العصر الإسلاميّ، وكيف أثّر التاريخ تأثيرهَ وصاغ فِكْرَ النّاس وحياتهم"[35]. ويبدو إيزوتسو مقتدراً جداً على فهم الشعر الجاهلي ومعرفة تفاصيل الحياة العربية قبل الإسلام من خلاله، وهذا يؤكد درجة تمكنه من العربية[36].
وفي دراسته للمفهومات الأخلاقية يعدد إيزوتسو أنماطاً للتحول الدلالي في المفهومات الأخلاقية التي كانت في الجاهلية كالكرم والشجاعة والصبر...، فقد أخضعها القرآن لتحول دلالي خاص، فمنها ما وسع ومنها ما ضيق ومنها ما طور في اتجاهات جديدة تماماً[37].

3-المعنى الوضعي والمعنى السياقي:
من المفهومات المنهجيّة في علم الدّلالة ما أسماه معنىً "وَضْعيّاً basic" ومعنىً "سياقياً relational"، فكلّ كلمةٍ مفردةٍ حين تؤخذ معزولةً يكون لها معناها الوضعيُّ الخاصّ أو محتواها المفهوميّ الذي تُبنى عليه حتّى إذا أخرجنا الكلمة من سياقها القرآنيّ. فكلمة "كتاب" مثلاً تعني أساساً الشيءَ نفسَه سواءٌ أوُجِدت في القرآن أم خارجه. فالعنصرُ الدّلالي الثابت الذي يظلّ ملازماً للكلمة حيثما يمّمت وكيفما استُخدمت، يسمّيه المعنى "الوَضْعيّ"، أمّا في السّياق القرآني فإنّ كلمة "كتاب" تتّخذ أهمّيةً غير عادية بوصفها العلامةَ لمفهوم دينيًّ خاصّ جداً محاطٍ بهالة من التّقديس. وينشأ هذا عن أنّه في هذا السّياق ترتبط الكلمةُ ارتباطاً قوياً بمفهوم الوَحْي الإلهيّ، أو على الأصحّ بمفهومات مختلفة ذات صلة مباشرة بالوَحْي. فكلمة "كتاب" البسيطة بمعناها الوضعيّ الواضح "كتاب"، بمجرّد أن تدخل في نظامٍ خاصّ وتُعطى مكاناً محدَّداً معيَّناً فيه تكتسب عدداً وافراً من العناصر الدّلاليّة الجديدة المنبثقة من هذا الوضع الخاصّ، وكذلك من العلاقات المختلفة بالمفهومات الرّئيسة الأخّر في ذلك النّظام التي تُعدّ هذه الكلمة لتضمُّنها. وينتهي إلى أن الكلمة في السياق القرآني المثقل بالدلالة ينبغي أن تفهم بلغة هذه التعابير المترابطة، وهذا ما يقصده بالمعنى السياقي[38]. ويعتبر إيزوتسو في كتابه المفهومات الأخلاقية منهج التحليل الذي يعتمده نوعاً من التفسير السياقي، الذي يجمع ويقارن ويربط بين كل التعابير التي تتشابه وتتضاد وتتطابق فيما بينها[39].

ويسجل إيزوتسو في إطار حديثه عن السياق احتواء القرآن على منظومة مفهومية كبيرة مؤلفة من عدد من منظومات مفهومية متداخلة أصغر تسمى في علم الدلالة "حقول الدلالة"، كحقل الكلمات المتصلة بالنشور والحساب، والذي يسهم في اكتشاف النظرة إلى العالم في القرآن، ويسميه "حقل الأخرويات"[40].

"وكثيراً ما يحدث أنّ القوّة المعدِّلة لجُملة المنظومة تفعلُ فِعْلَها في الكلمة إلى حدّ أنها تفقد تقريباً معناها المفهوميّ الأصليّ. وعندما يحدث هذا يكون لدينا كلمةٌ مختلفة، وبتعبير آخر، نشهد ولادةَ كلمة جديدة."[41]

4- " التعابيرَ المفتاحيّة" : المعجم اللغوي والنظرة إلى العالم:
يؤكد إيزوتسو أن التحليل الدّلاليّ ليس تحليلاً بسيطاً للبنية الشكليّة للكلمة وليس دراسةً للمعنى الأصليّ المرتبط بصورة الكلمة، أي دراسةً تُعنى بأصل الكلمات وتاريخها. ذلك لأنّ دراسة أصل الكلمات، -كما يرى- حتىّ حين نكون محظوظين تماماً بمعرفتها، تزوّدنا فقط بمفتاح فيما يتّصل بالمعنى "الوضعي" للكلمة، ويذكّر بأن "دراسة أصل الكلمات" في أحوالٍ كثيرة تظلُّ عملاً معتمداً على التخمين، وفي معظم الأحيان لُغْزاً لا حلّ له[42]، لذلك فهو يعول على المعنى السياقي لأن الكلمات في الّلغة تؤلَّف نظاماً شديد التّماسك. والنّمط الرّئيسُ لذلك النظام يحدّده عددٌ معيّنٌ من الكلمات الشديدة الأهمّية.

ويلاحظ أن الكلماتُ في المعجم اللغويّ ليست على قدْرٍ واحدٍ من القيمة في تشكيل البنية الأساسيّة للتصوّر الوجوديُّ الذي يشكّل أساس المعجم، أيّاً كانت أهمّيتُها من وجهات نظر أخرى[43]، فكل معجم لغوي يمثل ويجسد نظرة خاصة إلى العالم[44]. ويسمي تلك الكلماتُ التي تلعبُ دوراً حاسماً ً في تشييد البنْية المفهوميّة الأساسيّة لنظرة القرآن إلى العالم، " التعابيرَ المفتاحيّة" للقرآن. وتمثَّل كلماتُ: الله، الإسلام، الإيمان، الكافر، النّبيّ، الرّسول، بعضَ الأمثلة البارزة.

ويذكر أن ثمة صعوبة في عَمَلِ الدّارس الدّلاليّ في اختيار بعض التعابير المفتاحيّة لجُمْلة المعجم اللغويّ في القرآن دون غيرها، ولهذه الخطوة أهمية كبرى لأنّها ستحدّد جُملةَ العمل التحليليّ اللاّحق الذي سيقوم به، ويقر بوجود قدر من الاعتباطية في هذه المرحلة لكن ذلك ليس بمشكلةً حقيقيّة، لأنّه فيما يتعلّق، على الأقلّ، بالهيكل الرّئيس للتعابير المفتاحيّة ربّما لا يوجد هناك تعارضٌ جوهريٌ، ولا أحد سيشكّّ في اختيار كلماتٍ مثل إسلام، إيمان، كُفْر، نبيّ، الخ، ناهيك عن كلمة "الله" نفسها[45].

5-الحقول الدلالية:
يقصد بالحقل الدلالي "مجموعة من الصلات الدلالية ذات طابع نمطي بين كلمات محددة في لغة من اللغات"[46]، فـ"حقول الدّلالة" هي المناطقُ أو المقاطعُ التي شكّلتها العلاقاتُ المختلفة للكلمات فيما بينها، ويمثل كل حقلٍ دلاليّ مجالاً مفهوميّاً مستقِلاًّ نسبياً مشابهاً تماماً في الطبيعة للمعجم اللغويّ. والاختلافُ بين "المعجم" و"الحقل الدّلاليّ" اختلافٌ نسبيٌّ، ومن الناحية الجوهريّة، لا يمكن أن يكون هناك اختلافٌ البتّة فيما بينها. لأنّه في الأحوال كلّها، ليس "الحقْلُ الدّلاليُّ " كُلاًّ أقلَّ تنظيماً من "المعجم اللغويّ ". لأنهّ كتلةٌ كاملة من كلماتٍ مرتّبةٍ في نمط دالً ممثّلٍ لمنظومة مفهوماتٍ مرتَّبةٍ ومبنيّةٍ وفقاً لمبدأ تنظيم المفهوميّ[47].

فالمعجم اللغويّ بوصفه حقلاً مفهوميّاً واسعاً مقسّمٌ على حقول محدّدة مختلفة. ولكن كلاًّ من الحقول المحدّدة، من حيث هو قطاعٌ منظّمٌ من المعجم اللغويّ، هو نفسهُ مؤهَّلٌ تماماً لأن يسمى "معجماً لغويّاً" إذا ما كان كبيراً إلى الحدّ الذي يُعَدّ فيه وحْدةً مستقلّة. ومن الوجهة النظريّة سيكون ممكناً والحالُ كذلك اعتبارُ المعجم اللغويّ القرآنيّ نفسه "حقلاً محّدداً " ضمن كلًّ أكبر كثيراً، هو المعجم اللغويّ للسان العرب في ذلك العصر. ويشترك شعراء الجاهليّة – وجزئيّاً أيضاً الشعراءُ المخضرمون – مع القرآن في مقدارٍ مهمّ من التعابير المفتاحيّة، لكنّ معجمهم اللغويّ ونظرتهم إلى العالَم مبنيّان على خطوط مختلفة جوهريًاً عن تلك التي للقرآن[48]. ويشير إيزوتسو لاحقاً إلى استخدامه مصطلحي "منظومة مفهوميّة Conceptual System" و"معجم لغويّ Vocabulary" من دون تمييز بينهما، كونهما مظهرين مختلفين لشيءٍ واحدٍ، يعني أنّ اللغويّ. هو ببساطة الجانبُ الآخر للمفهوميّ[49].

6-الكلمة الصميمة:
يقصد بـ"الكلمة الصميميّة focus – word" تعبيراً مفتاحيّاً مهمّاً جدّاً يشير ويحدّد مجالاً مفهوميّاً مستقِلاً ومتميّزاً نسبيّاً، أي "حقلاً دلاليّاً"، ضمن الكلّ الواسع للمعجم اللغويّ. فالكلمةُ الصميمية إذاً هي المركزُ المفهوميُّ لقطاع دلاليّ مهمًّ من المعجم اللغوي متضمّناً عدداً محدّداً من الكلمات المفتاحيّة.
ومفهوم " الكلمة الصميميّة " مفهوم مرن، وإذا ما هُيّئت كلمةٌ لأنّ تعمل "كلمةً صميميّة" في حقل دلاليّ محدّد، فإنّ ذلك لا يمنع الكلمةَ نفسَها من أن تتصرّف بوضعها كلمةً مفتاحيّة عاديّة في حقل آخر أو حقول أخرى. ويضرب مثلاً لذلك بكلمة "إيمان" ومشتقاتها إذ تلعب في القرآن دوراً في غاية الأهميّة. ولن يعترض أحدّ على عدها كلمةً صميميّةً تحكم حقلاً خاصّاً بها. وبالتالي يمكن أن نرى عدداً معيّناً من الكلمات الأُخَر المهمّة، أي الكلمات المفتاحيّة، تتجمّع حولها بوضعها النّواة المفهوميّة the conceptual nucleus أو نقطة البؤرة، مشكلةً معاً مجالاً مفهوميّاً دالاً ضمن المعجم اللغويّ الشامل للقرآن[50]. ويسجل في هذا السياق أهم فكرة في كتابه "الله والإنسان في القرآن" بقوله:"ولنقل الحقيقة، إنّ كلمة "الله" هي أسمى كلمة صميميّة في المعجم اللغويّ للقرآن، مهيمنةً على الميدان كلّه. وما هذا سوى المظهر الدّلاليّ لما نعنيه عموماً بالقول إنّ عالَم القرآن مرتكزٌ أساساً على الله"[51].

هذه هي أهم المداخل المنهجية التي أوضحها إيزوتسو في الفصول الأولى من كتابيه، وهي بالتأكيد ليست مبادئ جديدة بمفردها، إذ إنه قد استعمل بعضها في العلوم اللغوية وأصول الفقه، فمبدأ التحول الدلالي قد طبقه الأصوليون عند الحديث عن الحقيقة اللغوية والحقيقة الشرعية، كما بحث اللغويون تحول دلالات الألفاظ في اللغة مقارنة بالشعر الجاهلي[52]، وإن كانت دراسات قليلة وجزئية ولم تتطور إلى معجم تاريخي للغة العربية، إذ من الصعوبات التي لا تخفى عند المعنيين بالقضايا اللغوية غياب معجم تاريخي للألفاظ العربية، وعدم مراعاة التطور الدلالي في المعاجم المتوفرة[53].

وكذلك الشأن بالنسبة لأهمية السياق النصي فقد اعتنى به المفسرون في إطار ما عرف بتفسير القرآن بالقرآن، لكن هذا الاهتمام بهذه الجوانب ظل في إطار فهم النص والمعنى، لا في إطار تحليل المفهومات القرآنية ضمن نسق محدد.

رابعاً: الخاتمة:(خلاصة وتقييم)
إذا أردنا أن نلخص منهج إيزوتسو في تطبيق علم الدلالة في فهم القرآن، يمكن أن نسجل النقاط التالية:
· تطبيق عِلْم الدّلالة في دراسة القرآن عند إيزوتسو هو دراسةٌ تحليلية للتعابير المفتاحية في لغةٍ القرآن ابتغاءَ الوصولِ إلى إدراكٍ مفهوميٍّ للنّظرة القرآنية إلى العالم. فهو بعبارة أخرى محاولة للكشف عن تصور الإنسان والكون والحياة كما يتجلى في القرآن.

· يؤكد إيزوتسو أن الكلمات القرآنية منثورة بشكل منظم وفائق الضبط، وثمة علاقات فيما بينها ولا يمكن فهم كلمة دون الربط بينها وبين شبكة المنظومات المفهومية التي تنتمي إليها.

· يستحضر إيزوتسو حقيقة أن لكل كلمة معنى وضعياً أساسياً لا يتغير بتغير الاستعمال، ومعنى سياقياً يضفي على الكلمة معان جديدة قد تقطع مع معناها الأصلي وتصبح كلمة جديدة كلياً في معناها، وهذا شأن المفردات القرآنية.

· يرى إيزوتسو أن الكشف عن الرؤية القرآنية للعالم يعتمد على دراسة ما يسميه التعابير المفتاحية في القرآن وهي الكلمات الرئيسة التي تمثل مركزاً في فهم موضوع معين أو حقل دلالي تنتمي إليه مجموعة أخرى من الكلمات. فثمة حقل دلالي (منظومة من المفهومات تدور حول موضوع مترابط، مثلاً حقل الأخرويات) وتعابير مفتاحية (كلمات أساسية تعتبر مفتاحاً لفهم المعاني في هذا الحقل الدلالي، مثلاً البعث والحساب والجزاء..).

· وثمة ما يسميه الكلمة الصميمة، وهي المركزُ المفهوميُّ لقطاع دلاليّ مهمًّ من المعجم اللغوي متضمّناً عدداً محدّداً من الكلمات المفتاحيّة، ويعتبر لفظ الجلالة هي الكلمة الصميمة للمعجم اللغوي القرآني، فكل شيء في القرآن مرتبط بها.

إدراك هذه المعطيات يجعل تصور عمل إيزوتسو واضحاً، وسيجد القارئ للكتاب نفسه بعد معرفته هذه الأمور أنه يسير بسلاسة في فهم المعنى الذي يبحث عنه إيزوتسو وهو نظرة القرآن إلى العالم، وسيجد من خلال الكتابين تطبيقات دقيقة وعميقة لما سبق من وضوح منهجي.

ولا يسع المتأمل والناقد لهذه المقدمات ولما تم من تطبيقات إلا أن يعتبرها معطيات تقدم إضافة علمية ومنهجية في درس القرآن وتدبره، واكتشاف إحكامه وتفصيل آياته، فالمقدمات المذكورة هي مقدمات لها سوابق في علوم اللغة والأصول لكنها لم تطبق مترابطة مع بعضها[54]، وكان الهدف منها درس المعنى الجزئي لا درس البنية المتكاملة للموضوع في كامل القرآن، فالبحث الأصولي والفقهي في المصطلحات الشرعية، والفرق بين الحقيقة اللغوية والحقيقة الشرعية إنما اتجه إلى نماذج محدودة من المفردات، وهي مفردات ظاهرة التباين والاختلاف بين المعنى اللغوي والمعنى في السياق القرآني، والهدف منها البحث في الأحكام الشرعية المستنبطة من القرآن، أما إعمال علم الدلالة في منهج إيزوتسو فهو أشمل من المفهومات الشرعية المألوفة، ويهدف أساساً إلى إدراك طبيعة التحول في المفهوم وكيف تم توظيفه في التحول الفكري الذي جاء به القرآن، ومن ثم (كيف) صاغ من خلاله منظراً جديداً للعالم.

فإدراك هذه المنهجية القرآنية في توظيف المفهومات وتحويلها ضمن السياق القرآني يسهم بقدر كبير في اكتشاف منهج القرآن في التغيير والدعوة، ومنهجية التغيير الاجتماعي والثقافي وصولاً إلى غرس المفهوم الإسلامي في المجتمع، باستثمار مجموعة المفهومات التي يستخدمها الأفراد بمعان مشترك جزئياً أو مباينة كلياً للمعنى الجديد، لكن في توظيفها توطين للفكرة الجديدة في عقول المدعوين.

فهذا اللون الجديد في الدرس القرآني يمكن اعتباره تطويراً عميقاً في أكثر من مجال في العلوم الإسلامية، فهو يسهم في تطوير مناهج التفسير الموضوعي، كما يمكن اعتباره لوناً من الدرس البلاغي للقرآن، وفي إطاره الأسمى هو درس للفلسفة الإسلامية التي يقدمها القرآن للعالم، ومنهجية التغيير التي احتواها القرآن وتجسدت في عصر نزوله.

من جهة أخرى فإن هذه المنهجية يمكن توظيفها في نقد مفهومات العلوم الإسلامية في ضوء صلتها بالمفهوم القرآني، لاسيما المفهومات المشكلة كالتي تنتمي إلى حقل علم الكلام، وقد أشار إيزوتسو إلى ذلك، وربما طبقه في دراسة خاصة عن الإيمان في علم الكلام، إذ يفتح إيزوتسو نافذة في هذا المنهج لدراسة المفهومات الأساسية في حقول دلالية خاصة بعد النص القرآني كحقل التصوف وعلم الكلام والفلسفة، وغيرها، ومقارنة صلة المفهومات في هذه الحقول بالمفهوم القرآني، وهذه الزاوية تسهم في تقديم نظرة نقدية لمختلف الأنساق في العلوم الإسلامية تسهم في التقريب بينها أو ترجيح ما اختلفت فيه من خلال دقة صلتها بالمفهوم القرآني، ذلك أن هذه الدراسة للمعنى من خلال القرآن نفسه، تسهم إلى حد كبير في الحياد العلمي في دراسة القرآن، إذ طبيعة هذه المنهجية تستبعد ابتداء الأسبقية لدى القارئ وتجعله يستسلم لما يقوده إليه النظام المفهومي والعلاقات بين الكلمات القرآنية في حقلها الدلالي.

لكن هذا الفأل بإمكان الاستفادة من هذه المقدمات المنهجية لا يعني التسليم بتطبيقاتها إذ قد تختلف من باحث لآخر، فهي خاضعة للتجريب والنقد، بالقدر الذي هي واعدة بإضافة علمية، وكذلك الأمر بالنسبة لتطبيقات إيزوتسو نفسها فهي تحتاج إلى دراسات أخرى تسبر دقتها، إذ هي من العمق والدقة ما يحتاج إلى التتبع والتحليل بما لا يتسع له مقام هذه الورقة حتى بمستوى العرض، والأمل أن تفتح هذه المقاربة نافذة جديدة للدرس القرآني من خلال هذا النموذج الذي عرضته، فأعمال إيزوتسو – فيما أحسب-، يمكن أن تقدم إطاراً منهجياً قابلاً للتطوير والتطبيق في الدراسات القرآنية، ويمكن لهذا الإطار أن يقدم إضافة نوعية في تدبر المعنى القرآني، واكتشاف إحكامه وتفصيله، لاسيما من زاوية دراسة المفهومات القرآنية.

الحواشي : ------------
(*)بحث مشارك في المؤتمر العلمي الدولي:"التعامل مع النصوص الشرعية (القرآن والحديث) عند المعاصرين" الذي نظمته كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، وذلك خلال الفترة من 6-8 ذو القعدة 1429هـ -الموافق 4 – 6/11/2008م

[1] ابن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق:عبد السلام عبد الشافي محمد، ط:1- دار الكتب العلمية - لبنان - 1413هـ ـ 1993م، ج1 ص35

[2] ينظر في هذا المجال أعمال المرحوم الدكتور عبد العزيز حمودة في سلسلة عالم المعرفة، المرايا المحدبة: من البنيوية إلى التفكيك، ط:1 عدد:232– أبريل 1998، والمرايا المقعرة:نحو نظرية نقدية عربية، ط:1 عدد:272 –أغسطس 2001، الخروج من التيه:دراسة في سلطة النص، ط:1 عدد:298– نوفمبر 2003.

[3] انظر:عبد الرحمن حللي، استخدام المناهج الحديثة في دراسة الإسلام / قراءة في كتاب الإسلام بين الرسالة والتاريخ لعبد المجيد الشرفي، مجلة إسلامية المعرفة، العدد: 27 /2002.

[4] انظر:منقور عبد الجليل، علم الدلالة:أصوله ومباحثه في التراث العربي، ط:اتحاد الكتاب العرب- دمشق 2001، ص15
[5] انظر:منقور عبد الجليل، علم الدلالة:أصوله ومباحثه في التراث العربي، م.س، ص 16
[6] انظر: فايز الداية، علم الدلالة العربي:النظرية والتطبيق، ط:2 دار الفكر – دمشق 1996، ص8
[7] انظر: عبد الكريم مجاهد، الدلالة اللغوية عند العرب، ط:دار الضياء- عمان1985، ص9
[8] انظر: إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ط:3 مكتبة الأنكلو المصرية 1976، ص7
[9] انظر: فايز الداية، علم الدلالة العربي:النظرية والتطبيق، م.س، ص6
[10] انظر: عبد الكريم مجاهد، الدلالة اللغوية عند العرب، م.س، ص12
[11] انظر: عبد الكريم مجاهد، الدلالة اللغوية عند العرب، م.س، ص12-13
[12] انظر: فايز الداية، علم الدلالة العربي:النظرية والتطبيق، م.س، ص8
[13] انظر: عبد المجيد جحفة، مدخل إلى الدلالة الحديثة، ط:1 دار تبقال-الدار البيضاء 2000، ص14
[14] انظر: إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، م.س، ص7
[15] انظر: جون لاينز، علم الدلالة، ترجمة مجيد عبد الحليم الماشطة وآخرون، ط:كلية الآداب- جامعة البصرة 1980، ص14

[16] تنظر ترجمته في ترجمات كتبه، وفي موقع موسوعة ويكبيديا على الانترنت من مدخل اسمه بالإنكليزية، (http://ar.wikipedia.org )، وقد عقد مؤخراً مؤتمر خاص عن أعمال إيزوتسو في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، أيام 4-6/8/2008، ولم يتيسر الاطلاع على أعماله، كما نشر كتاب عنه بالانكليزية بعنوان:
Consciousness and Reality: Studies in Memory of Toshihiko Izutsu By Jalāl al-Dīn Āshtiyānī, Toshihiko Izutsu By Jalāl al-Dīn Āshtiyānī, Toshihiko Izutsu. Published 2000 – Brill .

[17] لم تذكر مصادر ترجمته إسلامه، إنما علم ذلك من قبل تلامذته، وقد نقل إلي ذلك الصديق الدكتور محمد الطاهر الميساوي، الأستاذ في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، نقلاً عمن التقى بتلامذته في اليابان، فمصدر المعلومات في ذلك هم بعض تلاميذه اليابانيين الذين يعيشون الآن في اليابان وهم مسلمون، وكذلك بعض الإيرانيين وخاصة الأستاذ الدكتور مهدي محقق، ويقال أنه مال في آخر حياته إلى رؤية أقرب إلى التصوف الذي يوحد بين الأديان.

[18] سأعتمد في هذا البحث على كتابيه الأولين المتعلقين بالقرآن الكريم، وترجمة الدكتور العاكوب لهما وسأختصر الإحالة إلى الكتاب الأول بـ: الله والإنسان، ص ، والإحالة على الكتاب الثاني بـ: المفهومات، ص ، وسأحاول في عرض منهجه الاعتماد ما أمكن على عبارته حرصاً على الدقة.

[19] مسعود ضاهر، الياباني إيزوتسو والرؤية القرآنية للعالم، صحيفة المستقبل اللبنانية -العدد 2639- الأحد 10 حزيران 2007، وقد انتقد في المقال تصنيف المترجم هلال محمد الجهاد لإيزوتسو في سياق المستشرقين، انظر مقدمة ترجمته، ص 10، ط:1 المنظمة العربية للترجمة – بيروت 2007.

[20] الله والإنسان، ص25
[21] انظر: المفهومات، ص 60
[22] انظر: عيسى علي العاكوب، مقدمة ترجمة "المفهومات الأخلاقية الدينية في القرآن"، ط:1دار المتقى- 2008، ص31

[23] من ذلك قوله:" والآية الآتية من سورة البقرة تفهم جيداً، فيما أحسب، على أنها تشير إلى هذه النقطة، برغم أنها وفقاً للتفاسير القديمة قابلة لأن تفسر بطرق أخرى كثيرة..."، المفهومات الأخلاقية- الدينية في القرآن، م.س، ص159

[24] يؤكد الدكتور العاكوب ذلك في مقدمتي الترجمة لكتابيه، وكذلك الدكتور هلال الجهاد في مقدمة ترجمة كتابه "الله والإنسان".

[25] المفهومات، ص81
[26] انظر: المفهومات، ص63
[27] عيسى علي العاكوب، مقدمة ترجمة كتاب "بين الله والإنسان"، ص22
[28] الله والإنسان، ص28
[29] الله والإنسان، ص29
[30] الله والإنسان، ص30
[31] الله والإنسان، ص30
[32] الله والإنسان، ص31
[33] الله والإنسان، ص32
[34] انظر:الله والإنسان، ص38
[35] انظر:الله والإنسان، ص52
[36] يلاحظ عليه المترجم الدكتور هلال الجهاد اعتماده على نشرة لديوان عنترة بن شداد تأكد فيما بعد أنها أغلب ما فيها شعر إسلامي منحول أو مزيف، ويلتمس له عذراً كون النشرة المحققة لم تصدر حتى عام 1970 بعد تأليف الكتاب بسنوات، انظر: مقدمة المترجم، ص15-16.

[37] انظر: المفهومات، ص152-153
[38] انظر: الله والإنسان، ص39-40
[39] انظر:المفهومات، ص95-96
[40] الله والإنسان، ص41-42
[41] الله والإنسان، ص43
[42] انظر:الله والإنسان، ص46، يقلل إيزوتسو هنا من أهمية معرفة جذر الكلمة ويعول على السياق، ولعله في هذا يعمم المبدأ العام في اللغات فيما يخص أصول الكلمات، لكن محاولات عدة في اللغة العربية أثبت إمكان العثور أو الاقتراب من المعنى الوضعي للكلمة ومعرفة الجذر، ولهذا الجذر أهميته في فهم المفردة القرآنية، حتى مع مراعاة المعنى السياقي الذي يعول عليه، وكان الحكيم الترمذي قد حاول ذلك في دراسة نظائر القرآن، انظر:سلوى محمد العوا، الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، ط:1 دار الشروق- القاهرة 1998، ص23 .

[43] انظر:الله والإنسان، ص47
[44] انظر:المفهومات، ص57
[45] انظر:الله والإنسان، ص49
[46] المفهومات،ص102
[47] انظر:الله والإنسان، ص50
[48] انظر: الله والإنسان، ص51
[49] انظر:الله والإنسان، ص60
[50] انظر:الله والإنسان، ص53-54
[51] الله والإنسان، ص56 يؤكد هذا المعنى في أماكن كثيرة من كتابيه، من ذلك قوله:" وفي المنظومة القرآنية لا يوجد حتى حقل دلالي واحد غير مرتبط بـ"الله" وغير محكوم بمفهومه الأساسي" (الله والإنسان، ص70)، وقوله:"لا يوجد مفهوم رئيس في القرآن يكون مستقلاً تماماً عن مفهوم الله" (المفهومات،ص68).

[52] تجدر الإشارة هنا إلى ما قام به أبو حاتم الرازي في كتابه "الزينة" حيث تناول مجموعة من الألفاظ الإسلامية المتطورة دلالياً، يقول:"فمن الأسماء ما هي قديمة في كلام العرب، اشتقاقاتها معروفة، ومنها أسام دل عليها النبي (صلى الله عليه وسلم) في هذه الشريعة ونزل بها القرآن، فصارت أصولاً في الدين وفروعاً في الشريعة لم تكن تعرف قبل ذلك، وهي مشتقة من ألفاظ العرب. وأسام جاءت في القرآن لم تكن تعرفها العرب ولا غيرهم من الأمم"، وحول الآفاق التطورية التي قدمها الدلاليون العرب انظر: فايز الداية، علم الدلالة العربي:النظرية والتطبيق، م.س، ص274 .

[53] انظر: صالح غرم الله زياد، "المصطلح الأدبي: بين غناه بالمعرفة وغناه في التاريخ"، مجلة عالم الفكر- الكويت ، مجلد:28 ، عدد:3 (يناير- مارس 2000م)، ص:107، والغريب أن أول إنتاج من هذا النوع قام به مستشرقون كالمعجم اللغوي التاريخي: للمستشرق الألماني أوغست فيشر، وقد أصدر مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة منه أوله من أول حرف الهمزة إلى (أبد)، (القاهرة 1387هـ 1967م)، ومن المعاجم التاريخية التي قام بها المستشرقون: (تكملة المعاجم العربية – للهولندي رينهارت دوزي) وقد تُرجم منه ثمانية أجزاء كبيرة، (معجم اللغة العربية الفصحى – لعدّة مستشرقين ألمان بالاشتراك:كريمر ، شبيتالر ، جيتيه) ولم يترجم من الألمانية، انظر: بن حميد الحميد، عبد العزيز،" أعمال المستشرقين العربية في المعجم العربي – دراسة وتقويم"، (رسالة دكتوراه، كلية اللغة العربية- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض 1416 هـ)، المقدمة.

[54] يشير إيزوتسو إلى اعتماد الإمام الغزالي هذا التحليل المفهومي في دحض المفاهيم التي أسس عليها الفلاسفة فكرهم، ويصف كتابه "تهافت التهافت" بقوله:"وكثير من مقاطعه يمكن أن يقدم، كما هو، مثالاً إيضاحياً للتقانة التحليلية في الدرس الدلالي الحديث"، (بين الله والإنسان في القرآن، ص84- الحاشية).

منقول من الملتقى الفكري للإبداع هنا .
 
مقالة موجزة عن الباحث الياباني بقلم د. سامر رشواني وفقه الله

مقالة موجزة عن الباحث الياباني بقلم د. سامر رشواني وفقه الله

أثناء البحث في الانترنت عن المقالات التي دارت حول كتاب الباحث الياباني توشيهيكو إيزوتسو عثرت على مقالة موجزة تعرف به وبكتبه التي ألفها حول القرآن الكريم للزميل في الملتقى الدكتور سامر رشواني الأستاذ بجامعة دمشق . وهي تزيد المعرفة بهذا الباحث الياباني .


[align=center]الله والإنسان في القرآن [/align]
للدكتور سامر رشواني

قد أَلِفنا منذ ما يزيد على قرن من الدراسات الاستشراقية للقرآن اهتمامها وعنايتها الفائقة بالبحث في تاريخ القرآن: نشأته وتطوره ومصادره؛ وإهمالها لقراءة النص القرآني كبنية متماسكة أو معطى ديني ذي رسالة متكاملة إلى العالم. والدراسات القليلة التي اشتغلت من هذا المنظور غالبًا ما كانت تقوم على مقارنته بالكتاب المقدس في اليهودية والمسيحية باعتبارهما المصادر الأساسية التي شكَّل القرآن من خلالها عقائده.

إلا أنه في منتصف القرن العشرين ظهر عالم ياباني متبحر في العربية وآدابها هو توشيهيكو إيزوتسو (الأستاذ بمعهد الدراسات الثقافية واللغوية بجامعة كيو بطوكيو) فقدم دراسات عديدة عن القرآن الكريم بما هو نص لغوي ديني مستقل بذاته، محاولاً فيها تطبيق ما توصلت إليه نظريات علم الدلالة في حينها. وظهرت أبحاثه هذه في كتبه الثلاثة:

- الله والإنسان في القرآن: دراسة دلالية لنظرة القرآن إلى العالم (طوكيو: 1964).
- المصطلحات الأخلاقية الدينية في القرآن، ط.2 (مونتريال: 1966).
- مفهوم الإيمان في علم الكلام الإسلامي (طوكيو: 1965).

وعلى الرغم من مضي أكثر من نصف قرن على صدور هذه الكتابات، فإن قلة نادرة من الباحثين العرب من عرفوا بهذه الدراسات أو اطلعوا عليها. وبقي الحال على هذا حتى ترجم كتابه: (الله والإنسان في القرآن) على يد الأستاذ عيسى العاكوب[1]

رسالة القرآن.. في ألفاظه !

وكتاب إيزوتسو هذا يقوم على نظرة مفادها: أن رسالة القرآن ورؤيته للعالم وفلسفته عن الوجود مركوزة في ألفاظه، أو بعبارة أدق: في الدلالات المكتنَزة في الألفاظ التي استعملها القرآن لبيان رسالته؛ وأن الدرس الدلالي لهذه الألفاظ سيكشف عن التطور الذي أحدثه الاستعمال القرآني في دلالاتها التي كانت شائعة عند العرب قبل الإسلام؛ لتصبح هذه الألفاظ حاملة لرؤية جديدة للكون، وفلسفة مختلفة للعالم.

ومنهج البحث الدلالي الذي يعتمده إيزوتسو يلتقي في أصوله بالفلسفة اللغوية الهمبولدتية (نسبة إلى همبولدت فيلسوف اللغة الألماني)، وكذلك بما يسمى "فرضية وورف وسابير" اللغوية، كما يستثمر بقوة ما توصل إليه اللغوي الألماني ليو فايسجربر Leo Weisgerber. والخيط الجامع بين هذه النظريات كامن في رؤيتها للصلة الوثيقة بين اللغة والفكر والثقافة؛ فاللغة ليس أداة للتواصل فحسب، بل هي أداة للتفكر أيضًا، ومن هذا المنظور فإنها وسيلة أساسية لتقديم مفهومات وتفاسير للعالم الذي يحيط بأهل اللغة. هكذا تصبح اللغة عملية عقلية تصوغ أو تعكس رؤية العالم عند أمة من الأمم أو ثقافة من الثقافات. فالثقافة تصوغ اللغة بالقدر الذي تصوغ به اللغة الثقافة، واللغة هي المفتاح لفهم فلسفة ثقافة ما، وإدراك رؤيتها للعالم.

وبهذا يصبح علم الدلالة كما يفهمه إيزوتسو: دراسة تحليلية للتعابير المفتاحية في لغة من اللغات ابتغاء الوصول إلى فهم رؤية العالم weltanschauung عند القوم الذين يستخدمون هذه اللغة في مرحلة محددة من تاريخهم الثقافي. ومن خلال هذا البحث يطمح إيزوتسو إلى الوصول إلى الفهوم الأولى أو التلقي الأول للوحي كما تجلى في عصر الرسول والصحابة.. باعتباره فترة الصدمة أو النقلة الدلالية المباشرة.. التي أدركها العرب حينها على نحو جليًّ وحاد.

نظرية الحقول الدلالية :

يقوم منهج إيزوتسو في التحليل الدلالي على نظرية "الحقول الدلالية". فالمعجم اللغوي لأي لغة من اللغات، أو نص من النصوص يتألف من عدد من الحقول الدلالية [المتشابكة]، كل حقل منها يتألف من مجموعة من الكلمات تربط بينها علاقات دلالية معينة، وتسمى هذه الكلمات مفتاحيةً؛ ومن بين هذه الكلمات كلمة صميمية، هي المركز المفهومي في الحقل الدلالي.

وقد وضح إيزوتسو منهجه في التحليل وأسسه النظرية على نحو دقيق ومفصَّل استغرق الثلث الأول من كتابه، وذلك قبل أن ينتقل إلى القسم التطبيقي الذي سعى فيه إلى الكشف عن رؤية القرآن للعالم، وفلسفته في الوجود. وقد خلص فيه إلى أن رؤية القرآن للعالم من الوجهة الدلالية قابلة لأن تُمثَّل في صورة منظومات مبنية على مبدأ التضاد المفهومي:

أولها: منظومة الله والإنسان: حيث ترتسم العلاقة بين الله والإنسان في خمسة وجوه يحكمها التضاد المفهومي أيضًا:

- علاقة وجودية: (خلق الإنسان - قدر الإنسان).

- علاقة اتصالية غير لغوية بين الله والإنسان: تمثلها العلاقة بين مفهومي آيات الله وهداه من جهة، ومفهوم الإيمان والكفر والعبادة من جهة أخرى؛ آيات الله في الآفاق والأنفس والتاريخ باعتبارها الدعوة غير اللغوية من الله لهداية بني الإنسان، والإيمان والكفر باعتبارهما نوعي الاستجابة البشرية لهذه الدعوة، وعن الإيمان تنتج العبادة التي تعبر عن الاتصال الصاعد من الإنسان باتجاه الله.

- علاقة اتصالية لغوية: تتمثل في العلاقة بين كلام الله (الوحي) باعتباره ضربًا من الاتصال اللفظي يحدث نزولاً من الله إلى الإنسان، و(الدعاء) باعتباره مبادرة إنسانية للاتصال اللفظي صعودًا مع الله.

- علاقة العبودية: وتتمثل في العلاقة بين مفهومي: الرب والعبد، وما تستدعيه من مفاهيم الإسلام والجاهلية والدين.

- علاقة أخلاقية: وتتمثل في العلاقة بين مفاهيم: الرحمة والانتقام، والوعد والوعيد الصادرة من جهة الله، ومفهوم التقوى (أو الكفر) باعتباره الاستجابة البشرية لهذه المفاهيم.

أما المنظومة المفاهيمية الثانية التي يتجلى فيها التضاد المفهومي فتتجلى في: مفهومي الغيب والشهادة، حيث ينقسم العالم من المنظور القرآني إلى قسمين: عالم الشهادة، وعالم الغيب. ويتبعهما: مفهوما الدنيا والآخرة.

النص القرآني قائم بذاته :

إن دراسات إيزوتسو القرآنية تثبت أن النص القرآني قائم بذاته وذو رسالة متكاملة ورؤية شاملة للإنسان والكون، رؤية لا يمكن ردها إلى -أو استنسابها من- أفكار العرب في الجاهلية أو من التراث اليهودي أو المسيحي، رؤية تجلت واضحة من خلال النقلة الدلالية الواسعة التي أدخلها القرآن على المعجم العربي؛ لتعكس فلسفته عن الكون والوجود.

ولعل هذا يفسر لنا إهمال معظم المستشرقين الدارسين للقرآن لأبحاث إيزوتسو القرآنية؛ وإن كان بعضهم قد قلل من أهمية أبحاثه لأسباب تتصل بإشكالات نظرية تتعلق بالنظرية الدلالية التي اعتمد عليها؛ أو لأنها -كما يرى شاخت مثلاً- لا تشكل إضافة إلى البحث الفيلولوجي الذي اعتاد المستشرقون القيام به منذ زمن طويل.

على أية حال فإن أبحاث إيزوتسو القرآنية بحاجة إلى قراءة عربية جادة (بعد استكمال ترجمة باقي كتبه) تستكشف آفاق البحث الدلالي وتطبيقاته على القرآن. فأبحاثه أكثر عمقًا وأجدى نفعًا من كثير من الدراسات العربية التي ظهرت خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين وحاولت الاستفادة من العلوم اللغوية الحديثة في دراسة القرآن، ولكنها انحدرت إلى مزلقين: تشويه النص القرآني (أو تحريفه) من جهة، وتشويه البحث اللغوي الحديث بفروعه المختلفة، وآفتها في ذلك -باختصار- التوظيف الأيديولوجي.

الله والإنسان في القرآن: دراسة دلالية لنظرة القرآن إلى العالم

المؤلف: توشيهيكو إيزوتسو
ترجمة: د. عيسى العاكوب (حلب: دار الملتقى ، 2007).

ــــ الحواشي ــــــــ :
[1] هناك ترجمة أخرى للكتاب صدرت سنة 2007 في بيروت عن مركز الترجمة، يقوم بتوزيعها مركز دراسات الوحدة العربية (المحرر).


المصدر : موقع مدارك .
 
مقالة أخرى بعنوان (الياباني إيزوتسو والرؤية القرآنية للعالم) لمسعود ضاهر

مقالة أخرى بعنوان (الياباني إيزوتسو والرؤية القرآنية للعالم) لمسعود ضاهر

وهذه مقالة عن الباحث الياباني كذلك للباحث مسعود ضاهر نشرها في صحيفة المستقبل اللبنانية بعنوان :

[align=center]الياباني إيزوتسو والرؤية القرآنية للعالم[/align]

بعد تأخير طويل وغير مبرر لترجمة الأعمال النقدية والإبداعية من مصادرها الآسيوية، وبشكل خاص عن المصادر اليابانية والصينية، بدأت مؤخرا محاولات خجولة لسد هذه الثغرة المستمرة حتى الآن، علماً أن الترجمات عن المصادر الآسيوية ما زالت تتم عن ترجمات من الإنكليزية أو الفرنسية وليس عن مصادرها الأصلية.

لكن كتاب توشيهيكو إيزوتسو: "الله والإنسان في القرآن، علم دلالة الرؤية القرآنية للعالم"، يقدم نموذجاً فاضحاً على إهمال العرب والمسلمين للدراسات الآسيوية. فقد وضع الكتاب أساساً باللغة الإنكليزية وليس اليابانية عام1964، وصدرت طبعته الثانية أيضاً بالإنكليزية عام 2002، حتى تنبه له العرب فصدرت ترجمته مؤخراً ضمن منشورات المنظمة العربية للترجمة. ويشكل الكتاب مرجعاً مهماً ومعلماً بارزاً يلقي الضوء على خصائص الدراسات اليابانية عن الإسلام.

تجدر الإشارة إلى أن إشارة المترجم الواردة في الصفحة العاشرة من مقدمته لم تكن دقيقة لجهة تصنيف هذا الكتاب ضمن "الجهد الإستشراقي" الصادر عن باحث ياباني إمتاز بموقفه من الإسلام بالموضوعية. فالدراسات اليابانية عن الإسلام والعالم العربي أرادها واضعوها ردا موضوعيا على "الدراسات الإستشراقية" الغربية، بجناحيها الأوروبي والأميركي. ويرفض المستعربون اليابانيون بشدة تصنيفهم كمستشرقين،ويفضلون مصطلح الدراسات العربية في اليابانية بعد أن حمل مصطلح "الإستشراق" وزر المواقف السلبية التي عرّضت أصحابها للنقد الصارم حتى من جانب الباحثين المنصفين أو الموضوعيين في الغرب نفسه.

تأتي أهمية هذا الكتاب من شخصية مؤلفه الذي يعد واحداً من أبرز الباحثين اليابانيين في الدراسات الإسلامية .فقد ولد إيزوتسو في عام 1914، وعاش عمراً مديداً حتى العام 1993. وعايش التبدلات الكبرى التي شهدتها اليابان بعد إصلاحات الإمبراطور المتنور مايجي الذي، في أواخر عهده، تحولت اليابان إلى دولة إمبريالية تخيف الغرب بعد ان كانت تخاف منه. وفي عهد خلفائه، لجأت الإدارة اليابانية إلى بعض المثقفين الذين كانوا على معرفة شمولية بتاريخ الشعوب الإسلامية من أجل إقناع المسلمين بأهمية دور اليابان الفتية في إستنهاض آسيا، والوقوف بوجه السيطرة الإستعمارية الغربية. وشجعت، بكل الوسائل المتاحة لديها، مقولة "آسيا للآسيويين"، التي إستقطبت عددا من مثقفي الجماعات الإسلامية في آسيا للترويج لتلك المقولة .وقد حللت في كتابي "اليابان بعيون عربية 1904 ـ 2004" الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عام 2005، بالتفصيل مقولة الإمام المعصومي الضبابية التي قال فيها بأن الإمبراطور مايجي قرر إعتناق الإسلام ،وما زعمه الجرجاوي من أن آلاف اليابانيين إعتنقوا الإسلام خلال إقامته في طوكيو التي لم تتعد الشهر الواحد.

وبعد أن إحتلت اليابان مساحات كبيرة من أراضي الدول الاسيوية المجاورة لها إبان فترة ما بين الحربين العالميتين، وجدت نفسها أمام مجموعات سكانية كبيرة من المسلمين. ومن خلال الممارسة القمعية للقوى الإمبراطورية اليابانية تيقن المسلمون وغيرهم من شعوب جنوب وشرق آسيا عدم وجود أي فارق يذكر بين الإحتلال الغربي والإحتلال الياباني لأراضيهم.

مع ذلك، إستفاد الباحثون اليابانيون المتخصصون في مجال الدراسات الإسلامية من الدعم المادي الذي قدمته لهم الإدارة الإمبراطورية لتقديم دراسات رصينة لتاريخ الشعوب الإسلامية وثقافاتها. لكن ثمرة أبحاثهم وظفت لخدمة أهداف إمبريالية تبنتها العسكرتاريا اليابانية إلى أن إنتهت بهزيمة اليابان وسقوطها تحت الإحتلال الأميركي، فشهدت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ولادة أبرز رواد الدراسات العربية والإسلامية في اليابان على أسس موضوعية تتناقض جذريا مع الأهداف التي رسمتها لها الإدارة الإمبراطورية.

يعتبر توشيهيكو إيزوتسو من أبرز هؤلاء الرواد الذين تميزت اعمالهم بكثير من الدقة والموضوعية. فقد درس في جامعتي كيو، وطوكيو، ومارس التدريس في جامعات يابانية وكندية وإيرانية، وكتب دراساته باليابانية والإنكليزية، وكان على معرفة بالعربية، والفرنسية والألمانية. ومن المؤكد أنه من أوائل من ترجم القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية، إلا أن ترجمته قد لا تكون بنيت مباشرة على أساس النص العربي للقرآن الكريم بل من خلال ترجمات إلى اللغات الأوروبية.
نشر إيزوتسو باللغة الإنكليزية دراسات عدة أبرزها "بنية المصطلحات الأخلاقية في القرآن"، و"مفهوم الإيمان في الدين الإسلامي"، و"المفاهيم الأخلاقية الدينية في القرآن"، و"دراسة مقارنة للمفاهيم الفلسفية المفتاحية في الصوفية والطاوية". هذا بالإضافة إلى دراساته العلمية الكثيرة المنشورة باللغة اليابانية.

دلالة ذلك أن إيزوتسو كان متعمقا بالدراسات الإسلامية في مختلف جوانبها. وحتى الآن، لديه تقدير خاص لدى الباحثين اليابانيين الذين يعتبرون أن دراساته عن الإسلام شكلت ركيزة صلبة لولادة تيار عريض من الباحثين المهتمين بالدراسات العربية والإسلامية في اليابان في النصف الثاني من القرن العشرين. وقد تتلمذ عليه جيل كامل من الذين تخصصوا في حقول معينة في تراث وآداب وتاريخ الشعوب العربية والإسلامية.

أصدر إيزوتسو كتابه "الله والإنسان في القرآن"، للمرة الأولى بالإنكليزية عام 1964 عن معهد جامعة كيو للدراسات الثقافية واللغوية بطوكيو. وبعد تسع سنوات على وفاته عام 1993، صدرت طبعته الثانية بالإنكليزية أيضاً في ماليزيا عام 2002، وهي الطبعة التي إعتمدها مترجم الكتاب إلى العربية، وأضاف إليها مراجعة مهمة للباحث الإسلامي فضل الرحمن، كانت قد نشرت في مجلة "دراسات إسلامية" التي تصدر في "إسلام أباد"، في عدد حزيران للعام 1966.

كان فضل الرحمن قد عرف المؤلف إيزوتسو شخصياً أثناء إقامة مشتركة معه في جامعة مكجيل بمونتريال في كندا عام 1960 ـ1961. ومما جاء في دراسته: "إن هذا الكتاب لا يمثل إضافة سارة إلى الأدبيات الموجودة عن الإسلام فقط، بل يقدم مقاربة جديدة لفهم الإسلام، خاصة من قبل غير المسلمين، وهي المقاربة العلم ـ لغوية".

تضمن الكتاب تسعة فصول حملت الموضوعات التالية: علم الدلالة في القرآن، المصطلحات المفتاحية القرآنية في التاريخ، البنية الأساسية للرؤية القرآنية للعالم، مفهوم "الله" لدى الوثنيين واليهود والمسيحيين والحنفاء، العلاقة الوجودية بين الله والإنسان، العلاقة التواصلية بين الله والإنسان، "الجاهلية" والإسلام، العلاقة الأخلاقية بين الله والإسلام. وقد تضمنت مكتبة البحث مصادر عربية من الدرجة الأولى مما يدل على سعة إطلاع المؤلف بالدراسات العربية والإسلامية في تلك الفترة، بالإضافة إلى مصادر ومراجع باللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية واليابانية التي لم تتم الإشارة إليها لصعوبة كتابتها في الطبعة الإنكليزية التي نقلت عنها الترجمة العربية.

ليس من شك في أن معالجة الموضوعات المشار إليها أعلاه تتطلب معرفة معمقة بالتراث العربي والإسلامي. كما تفترض الدقة والرصانة في معالجة موضوعات دينية ذات طابع خلافي بين علماء المسلمين من جهة، وبين الباحثين في التاريخ الديني من أديان مختلفة. لكن معرفة إيزوتسو بالثقافات الآسيوية سهلت عليه سبل إكتساب معرفة عميقة بالثقافة العربية الإسلامية. وكانت لديه خبرة واسعة بعلم الدلالة الأوروبي الذي شكل ركيزة صلبة لتحليل السمات الأساسية للمفاهيم اللغوية ودلالاتها الإجتماعية والثقافية والروحية والصوفية. وكان من رواد التحليل السميولوجي في اليابان الذي يحضر لولادة إنسان متجدد بإستمرار في رؤيته لذاته، ولمحيطه العام، وللكون اللامتناهي. فهناك مستويات عدة للنص اللغوي إستند إليها إيزوتسو لتقديم دراسة متطورة عن الرؤية القرآنية منذ أكثر من أربعين سنة.

لقد أنهى فضل الرحمن مقالته عن هذا الكتاب بقوله: "ختاماً، يرغب المرء بالتأكيد على حقيقة أن هذا الكتاب كتبه باحث آسيوي جاد غير مسلم وياباني. وبما أن الأمر كذلك، فإننا نرحب بعمل إيزوتسو ونأمل أنه سيكون رائدا لتقليد متطور للبحوث الإسلامية في الشرق الأقصى".

يحتمل هذا النص وجود نوع من التحفظ على ترجمة ما كان يكتبه الآسيويون بشكل عام، وغير المسلمين منهم بشكل خاص، في مجال الدراسات الإسلامية. وهذا ما يفسر، جزئياً، تقاعس المترجمين ودور النشر ومنظمات الترجمة العربية طوال أربعين عاماً عن ترجمة هذا الكتاب المهم والصادر باللغة الإنكليزية. ولهذا التقاعس دلالة إضافية لأن التجاهل لما كتبه الباحثون الآسيويون، من صينيين ويابانيين وكوريين وهنود وغيرهم عن العالمين العربي والإسلامي، لم يتم التعامل معه بالمثل. فقد نشط الباحثون الآسيويون إلى ترجمة الكثير من المصادر والأعمال الإبداعية العربية.

ختاما، ترك تجاهل المترجمين العرب للأعمال المهمة التي كتبها باحثون آسيويون عن التراث العربي والإسلامي أثراً سلبياً للغاية على تطور العلاقات الثقافية بين الجانبين. ولعل صدور ترجمة هذا الكتاب عن المنظمة العربية للترجمة، وهي أهم مؤسسة ثقافية عربية تعنى اليوم بالترجمات العلمية الرصينة إلى اللغة العربية، يشكل مدخلاً سليماً لتصويب تلك العلاقات، وذلك يتطلب تحضير برنامج طويل الأمد لترجمة أهم المصادر الآسيوية عن العرب والإسلام ووضعها بتصرف الباحثين العرب والمسلمين.

المصدر : صحيفة المستقبل اللبنانية
 
بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الكاتب الياباني فيه من الإنصاف الشيء الكثير رحمه الله تعالى.
ونرى في جنبات أفكاره ما يدلنا على أنه باحث بحث بتجرد عن هواه وما يرقب فأتى بحثه منطقي ، يحاكي ما ذهب إليه كثير من أهل العلم ، فقد تلاقت أفكاره مع أفكارهم وإن لم تتشابه المصطلحات ، ولا يكفي ما ذكر للحكم على الباحث ، ولكنه تجنب الحساسية التي تظهر من غير العرب عند دراستهم للقرآن ومواجهتهم لحقيقة أهمية لغة العرب وبالتالي دراسة تاريخهم لفهم القرآن ، مع أن العرب لم يظهر منهم تعصب فيما يخص افتخارهم بنزول الدين على جنسهم بل اعتزاز وهذا واجبهم ، والدليل أنهم نشروا العلم كما الدين وبأمانة ، أما تعصبهم لجنسهم فهو جاهلي وقديم وموجود في غيرهم ، ولا دخل له بالدين .
 
دراسات توشيهيكو إيزوتسو القرآنية

دراسات توشيهيكو إيزوتسو القرآنية

الدكتور العزيز عبد الرحمن الشهري سعدت باهتمامك بكتاب توشيهيكو وإنتاجه العلمي في دراسة القرآن. والحقيقة أننا في الملتقى الفكري للإبداع مهتمون كثيراً بهذه الدراسات منذ نحو عشر سنوات، وهذا الذي دفعنا للعمل على ترجمة كتبه هذا وقد عقد في جامعتنا (الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا) 5-7 آب/أغسطس 2008 أول مؤتمر دولي متخصص عن هذا العالم والفيلسوف الياباني تحت عنوان:
[align=center]المساهمة اليابانية في الدراسات الإسلامية: تراث توشيهيكو إيزوتسو (مؤتمر دولي في المعرفة المعاصرة عن الإسلام)[/align][align=center]Japanese Contribution to Islamic Studies: The Legacy of Toshihiko Izutsu, International Conference on Contemporary Scholarship on Islam (ICONSIST), International Islamic University (IIUM), 5-7 Aug 2008[/align].
وقد ساهمت بورقة بحثية عنه بعنوان: "مرجعية البحث اللساني في دراسات توشيهيكو إيزوتسو القرآنية". وهذه الدراسة غير منشورة، حال أوراق المؤتمر جميعها.
وبهذه المناسبة فإني أرغب بمشاركتكم ببعض مقتطفات مما ورد في بحثي، وهو بحث -فيما أعتقد - يكمل ما ورد لدى كل من الأصدقاء د. حللي ود.رشواني:


قدمت دراسات ايزوتسو اكتشافات مهمة في فهم الخطاب للقرآن؛ وفيما انشغل في كتابه "الله والإنسان" في توضيح تفاصيل المنهج وتطبيقاته فإنه في كتابه " المفهومة الأخلاقية الدينية في القرآن" انشغل بتوضيح موسع لأصول المنهج الذي اعتمده في دراسة الخطاب القرآني.
المفهوم المفتاحي ـ والذي نسج حوله إيزوتسو كل تفاصيل منهجه ـ هو "التصور اللغوي للعالم"، هذا المفهوم الذي ابتكره العالم اللساني الألماني ليو يسجربر (Leo Weisgerber) (1899- 1984) الذي نقل نظرية ارتباط اللغة بالثقافة من حيز الدراسات الإنثربولوجية إلى الدراسات اللغوية اللسانية بعد أن تأثر بنظريات الأب المؤسس للسانيات الحديثة العالم النمساوي "فرديان دي سوسير".
يعي إيزوتسو جيداً أن التطورات الحاصلة في الإنثربولوجيا الثقافية لها الفضل الأول في اكتشاف الترابط المفهومي اللغوي للعالم، بل وانطلاقاً من يسبجربر يتجه إل تأصيل دراسته في إطار الحقل الإنثربولوجي، فنظريّة المعنى ـ التي تشكِّل الأساسَ للبنية الكلّية لدراسات إيزوتسو ـ "ليست البتّة إسهامًا أصيلًا له" على حد تعبيره. بل هي مبنيّة على نمط خاصّ لعلم الدلالة طوّره وأحكمه في ألمانية الغربية يسجربر الذي يسمّيه التّصوّر اللغويّ للعالم، الذي تتفق نظريّته في خلاصاتها الرّئيسة مع ما هو معروف عادةً اليومَ بـ "اللسانيات العرقية Ethno Linguistics", "وهي نظريّة للعلاقات بين الأنماط اللّغوية والأنماط الثقافية وضع أساسَها إدوارد سابير Edward Sapir في سنيه الأخيرة في الولايات المتحدة".
يحيل إيزوتسو أثناء شرحه للنظرية وتفصيلها إلى عدد من العلماء الأنثربولوجيين مثل: بنيامين وورف، وروجر براون، وبول هانيل، وعدد من الفلاسفة مثل: هنري برجسون، وجون لاد، ولايحيل علماء اللسانيات باستثناء يسجربر إلا إلى لساني واحد هو ستيفن ألمان ( أكسفورد 1962).
وقد أمده البحث اللساني ـ خصوصاً الذي أضافه يسجربر إلى النظرية الأنثربولوجية اللغوية ـ ما يجعل تطبيق النظرية على النصوص فعالة بدلا من اللغة الشفاهية والأمثال والقصص والمرويات الأسطورية، وعلى الرغم من أن إيزوتسو لم يفصل مرجعية أدواته المنهجية، إلا أن دارسي اللسانيات بإمكانهم أن يكتشفوا ذلك بسهولة؛ إذ تعد المنهجية التزامنية (Synchronic) فكرة لسانية بامتياز، فقد تأسست نشأة علم اللسانيات انطلاقاً منها، بعد أن كانت الدراسات الفيلولوجية تنحو منحى تطورياً تاريخياً (Diachronic)، وبالتأكيد استمد إيزوتسو هذه الفكرة الرئيسية من يسبرجر الذي عرف بتأثره بسوسير أساساً.
كما أن مفهوم "البنية" - الذي يشكل مفهوماً مفتاحياً لدراسات إيزوتسو - ينتمي أيضاً إلى اللسانيات، بالإضافة إلى ذلك تتضح المرجعية اللسانية في "المعنى الأساسي" الذي اتخذ أداة لفهم كيف تجري التحولات الدلالية في إطار منظومة محددة.
إن اختيارات إيزوتسو المنهجية ترجع في الواقع إلى أصول فلسفية، فالأساس الذي دفع إيزوتسو للدراسات القرآنية كان أساساً فلسفياً بالدرجة الأولى، وطبيعة الوعي الفلسفي هي النزوع الكلي للمفاهيم وعالم المعنى، فاهتمام إيزوتسو في هذ النوع من الدراسات انحصر كلياً بالمجال التصوري العقدي والمجال التصوري الأخلاقي، وعلى العكس من المسار المنطقي للدراسات الفلسفية التي تنحدر من نطاق العلة الأولى وتداعياتها إلى الدرس الأخلاقي، ييدأ إيزوتسو رحلته من الدرس الأخلاقي القرآني إلى المجال التصوري العقدي الكلي الذي يشكل أساساً للدرس الأخلاقي، فمن المعلوم أنه ألف أولاً (بنية المصطلحات الأخلاقية في القرآن) عام 1959 ثم ألف تالياً كتابه "الله والإنسان" عام 1964، وعلى أية يفصح لإيزوتسو عن اهتمامه الفلسفي في كل الدراستين.
هكذا تتلحض المرجعية منظور فلسفي يتقاطع بالبحث الأنثربولوجي الثقافي، يفضي إلى أدوات منهجية لسانية.
بالتأكيد لم تكن هذه العملية آلية؛ إذ الانتقال من مجال إلى آخر كان عبر وسيط (يسبرجر) يجمع المرجعيات الثلاثة ذاتها (لا نعرف من خلال الدراستين كيف اكتشفه)، لكن الشيء المهم الذي عمله إيزوتسو هو أمران:
الأول أن قام بتبيئة الأدوات المنهجية وركبها لتقرأ النص القرآني بوصفها خطاباً ثقافياً مغلقاً (تاماً)، الأمر الذي ساعده على قراءة نصية كانت أدواتها قد بدأت بالظهور أثناء تأليفه، إلا أنه لم يكتب له ـ على ما يبدو ـ الاطلاع عليها.
الأمر الثاني أنه استطاع الحفاظ على النص ذاته بأقل قدر من التدخل لفرض مفاهيم مسبقة، وذلك على الرغم من أن نظرية ارتباط الفكر بالثقافة تفضي إلى ما يسمى بالحتمية اللغوية أي بمعنى من المعاني الانحباس في إطار مفهومي ثقافي بسبب اللغة، إذ لا تفكير إلا من خلالها! وعلى الرغم من أن إيزوتسو لم يفرق بشكل واضح بين ارتباط اللغة بالثقافة وارتباط اللغة بالفكر، إلا أنه استطاع عبر الدراسة المقارنة واكتشاف آليات التحويل في المنظومات المفاهيمية الخروج من التداعيات العنصرية والأيديولوجية لنظرية يسجربر.
 
د. عبد الرحمن الحاج يسعدني التواصل معك.. اود سؤالك عن أوراق المؤتمر الذي أشرتم إليه هل بالامكان الحصول عليها مطبوعة او نسخة الكترونية؟
 
الصديق العزيز د. عبد الله الجيوسي، يسرني التواصل معكم أيضاً، للأسف أوراق المؤتمر الدولي الخاص بـ "توشيهيكو إيزوتسو" الذي عقد في ماليزيا غير مطبوعة، ولسوء الحظ أنها ليست متوفرة لدي، وألفت انتباهكم إلى أن معظمها باللغة الإنكليزية.
 
شكراً للصديق العزيز عبدالرحمن الحاج على هذه الإضافة المفيدة حول هذه الشخصية العلمية المغمورة .
وأشكر أخي محمد العبادي على إضافته لرابط الكتاب فلم أرها إلا من خلال تنبيهك ، فجزى الله الأستاذ محمد بن جماعة على وضعه . وهي ترجمة أخرى للكتاب صدرت عن (المنظمة العربية للترجمة) وهي جهة معتمدة في الترجمة كما أخبرني بذلك الدكتور عبدالرحمن الحاج وفقه الله .
 
الياباني توشيهيكو لم يأت بجديد إطلاقا لا في المضمون ولا في الشكل

وإنما كما قال هو :

"فإن علم الدلالة بوصفه دراسة للمعنى لا يمكن أن يكون إلا فلسفة من نوع جديد"

إذا ما كتبه هوفلسفة من نوع جديد في نظره هو ، أما المتأمل فيما كتب فيرى أنه لم يأت بجديد إطلاقاً.
 
الياباني توشيهيكو لم يأت بجديد إطلاقا لا في المضمون ولا في الشكل

وإنما كما قال هو :

"فإن علم الدلالة بوصفه دراسة للمعنى لا يمكن أن يكون إلا فلسفة من نوع جديد"

إذا ما كتبه هوفلسفة من نوع جديد في نظره هو ، أما المتأمل فيما كتب فيرى أنه لم يأت بجديد إطلاقاً.

هل تقول هذا عن خبرة بكتابه أم مجرد فهم للنص المقتبس من كلامه ؟
 
هل تقول هذا عن خبرة بكتابه أم مجرد فهم للنص المقتبس من كلامه ؟

بل من خلال مطالعة لكتابه.
ومن يقل إنه أتى بجديد فليبينه لنا بالمثال من كتابه وأكون له من الشاكرين.
 

يكفي أنَّ الكتاب كتبه رجل ياباني تعلم العربية وأتقنها وسلك مسلكاً مختلفاً في الوصول لنتيجة معروفة عند العلماء ، وهذا يؤكد هذه الحقيقة ويزيدها قوة .
وفوائد هذا الكتاب - عندي على الأقل - كثيرة . مع معرفتي المتواضعة بما كتبه علماؤنا رحمهم الله في لغة القرآن ، ولكنَّ الظروف الكثيرة التي احتفت بالكتاب أعطته قيمةً مختلفةً لمَنْ أرادَ الاستفادة حقاً .
نسأل الله أن يرزقنا جميعاً العلم النافع ، والعمل الصالح .
 
نعم أتفق معك أن أهمية الكتاب تنبع من كون الكاتب ياباني وهذا أمر يحتاج إلى عناية خاصة.

أما الجديد فليس هناك جديد.
 
[align=center]أهمية دراسات توشيهيكو إيزوتسو القرآنية[/align]
الدكتور العزيز عبد الرحمن الشهري أود التنويه إلى أن شخصية العالم إيزوتسو ليست مغمورة إلا في العالم العربي، والذين يجيدون الإنكليزية يعرفونه جيداً، وعلى سبيل المثال فإن دراسة المستشرق الاسترالي دانيال ما ديغان (صورة القرآن عن نفسه: الكتابة والسلطة) (ط 2000) استندت بشكل شبه كامل على منهجية إيزوتسو. ثم إنه لأمر مألوف أن يُستخف بالنتاج العلمي الجديد للدراسات القرآنية، خصوصاً ذلك الذي يأتينا به الغربيون وقرنائهم من المستعربين (المستشرقين)، ومن لم يجد الجديد في دراسات إيزوتسو رغم كل ما نقل أعلاه عنه، فاعتقد أنه لا يريد أن يرى الجديد أساساً.
ومع ذلك أود تلخيص أهم ما يسم دراسات إيزوتسو بالجدة والفائدة باختصار:
1. الدراسة أثبتت أن استخدام العلوم اللسانية الحديثة أمر ممكن ومفيد في دراسة القرآن، ولنتذكر أن تجربة إيزوتسو ترجع إلى ما قبل نصف قرن، وبالتالي هي رائدة في هذا المجال.
2. الدراسة قدمت وجهات نظر منهجية جديدة للغاية، تمكن من دراسة القرآن كوحدة منهجية ليس من خلال تقاطع الآيات وحسب، بل من خلال البناء المفهومي، عبر استخدام المفردة القرآنية بوصفها وسيلة لتحليل الخطاب.
3. أثبت دراسة إيزوتسو أهمية المفردة القرآنية في تحليل الخطاب، وأرجو أن ينتبه إلى الفرق بين التفسير وتحليل الخطاب.
4. باستخدام نظريات (مثل الحقول الدلالية والجمع بين الدراسة التزامنية والتطورية، والشبكة المفهومية) والتحول بين المنظومات الفكرية قدم إيزوتسو منهجاً دقيقاً لدراسة التصور القرآني للعالم ومدى مفارقته للتصور الجاهلي والتصور اللاحق في المنظومات المشتقة من القرآن، خصوصاً في كتابه (المفاهيم الأخلاقية الدينية في القرآن). وعلى كل حال من لا يعرف معنى "تصور العالم" لا يدرك أهمية هذه النقطة. فضلاً عن التدقيق في كثير من المفاهيم القرآنية (اعتماداً على الحقل الدلالي) مما يزيل كثير من الالتباس الذي لم تنفع معه المناهج التقليدية.
 
أخي العزيز الدكتور عبدالرحمن الحاج وفقه الله .
أشكرك على تعقيبك المفيد ، وأقصد بكونه مغموراً أي عندي على الأقل ،وفي المحيط القريب مني .
وأما تعقيب أخي حجازي الهوى فقد كتبت له رسالة خاصة أطلب منه فيها الإبانة عن شخصيته العلمية حتى أنظر أين أضع كلامه ، فقد يكون يختفي وراء مُعرِّف (حجازي الهوى) عالمٌ جليل له خبرته ومعرفته بمثل هذه الأساليب والمناهج العلمية .
وهذه مشكلة نواجهها مع الزملاء الذين يكتبون بأسماء مستعارة في الملتقى لم نصل بعد لحل مناسب للتعامل معها . فاختفاء الشخصية تماماً أمرٌ يوقعنا في الكثير من الحرج .
وإن كنتُ أختلف معه في كون توشيهيكو إيزوتسو لم يأت بجديد .
 
كتاب قيم ، اطلعتُ عليه وفي أسلوبه صعوبة لم أفهم بعض ما فيه .
وليت الأخ الغامدي يبين لنا وجهة نظره بشكل أكثر تفصيلاً بدلاً من الجرح المبهم لنستفيد أكثر.
 
3. أثبت دراسة إيزوتسو أهمية المفردة القرآنية في تحليل الخطاب، وأرجو أن ينتبه إلى الفرق بين التفسير وتحليل الخطاب.
.
ارجو من الاستاذ الفاضل عبد الرحمن الحاج ان يقدم لنا مفهوما وتعريفا ومقارنة بين كل من التفسير وتحليل الخطاب ؟
 
كتاب قيم ، اطلعتُ عليه وفي أسلوبه صعوبة لم أفهم بعض ما فيه .
وليت الأخ الغامدي يبين لنا وجهة نظره بشكل أكثر تفصيلاً بدلاً من الجرح المبهم لنستفيد أكثر.

الأخ الفاضل
ما ذكرته عن كون المؤلف لم يأت بجديد ليس فيه تجريح على الإطلاق وليس فيه تقليل من قدر الكتاب
وإنما هي الحقيقة أن الرجل وصل إلى نتيجة من طريق مطولة يغني عنها غيرها مما هو أقرب منها إلى الفهم.
وإذا كنت ترى أن الرجل توصل إلى نتيجة كانت غائبة عن أذهان من سبقه من المفسرين والعلماء والمفكرين فأرجوا أن تذكرها لنا.
أما إذا كنت تتحدث عن الوسيلة التي توصل بها إلى النتائج التي توصل إليها في كتابه فقل لي ما هي الفائدة التي أضافتها هذه الوسيلة لفهم القرآن بالذات؟
أما الحديث عن كون الرجل سلك وسيلة ربما تصلح لبعض الناس لإيقافهم على حقيقة القرآن فهذا الذي أعتقد أنه ربما يكون هو الجانب الذي تميز به كتابه عن غيره وهذا هو الذي يجب أن يعتني به المهتمون بهذا الكتاب والخروج بفوائد منه.
 
عودة
أعلى