ارتِبَاطُ التَّوْجِيْهِ النَّحْوِيّ بِالمَعْنى وأثره على الوقف والابتداء

إنضم
22/05/2006
المشاركات
2,552
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
59
الإقامة
الرياض
ارتِبَاطُ التَّوْجِيْهِ النَّحْوِيّ بِالمَعْنى وأثره على الوقف والابتداء
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد
لما كان الإعراب هو الإفصاح والبيان وغَايَةُ المُعْرِبِ هو إيضاح المعنى، فكان لزاما على المعرب أن أَنْ يَرْتَكِزَ عَلَى أَسَاس المَعْنى، وهو التَّفْسِيْرُ.
ومن يتأمل تَوْجِيْهَاتِ النُّحَاةِ وأَقْوالهم يلاحظ أنها تَرْجَمَةٌ لأَقْوَالِ المفسرين، بل إن تَعَدُّدَ الآرَاءِ النَّحْوِيّة مُرْتَبِطٌ ارتباط وثيق بِتَعَدُّدِ آرَاءِ أَهْلِ التَّفْسِيْرِ بِالمَأثُورِ، مثال ذلك :
1- قوله تعالى: ] وَإِذْ قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مّلُوكاً وَآتَاكُمْ مّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مّن الْعَالَمِينَ [ المائدة: 30].
أقوال النحاة:
اختلف النحاة في جملة (وَآتَاكُمْ) على قولين:
الأول: أنها مستأنفة باعتبار انفصال المعنى عما سبق.
الثاني: أنها في محلّ جرّ معطوفة على جملة جعل فيكم باعتبار اتصال المعنى بما سبق[1].
أقول أهل التفسير:
إذا تأملنا الأقوال السابقة وربطنها بأقول أهل التفسير سنعرف أن ذلك الاختلاف ناتج عن اختلاف المفسرين في توجيه المقصود بقوله: (وَآتَاكُمْ مّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مّن الْعَالَمِينَ) على قولين:
الأول: أن الكلام موجه لأمة محمد r وهو قول سعيد بن جبير[2]
الثاني: أن الكلام موجه لأمة موسى، وهو قول مجاهد .. يعنى: المن والسلوى. [3]
واستدل اصحاب الرأي الأول بما روي عن أبي مالك وسعيد بن جبير: "وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين"، قالا أمة محمد صلى الله عليه وسلم [4]
واستدل أصحاب الرأي الثاني بما روي عن قال مجاهد فِي قَوْلِهِ: {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 20] قَالَ: «يَعْنِي الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرَ وَالْغَمَامَ»[5]
أقوال أهل الوقف والابتداء:
وبناء على اختلاف أهل اللغة والتفسير في التوجيه اختلف أهل الوقف والابتداء على قولين:
الأول: أن الوقف تام: إن كان ما بعده لأمة محمد r، وهو قول الداني عن نافع .
الثاني: لا وقف إن كان ما بعده لأمة موسى يعنى: المن والسلوى، وهو قول السجاوندي.
الثالث: الوقف صالح، أي كاف وهو قول الأنصاري.
الرابع: التفصيل بين التمام وعدم الوقف، وهو قول النحاس، والأنصاري والأشموني.
قال الداني-رحمه الله- [ت:444 هـ] : « قال نافع: {وجعلكم ملوكاً} تام. وهذا إذا جعل [ما] بعده لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قول أبي مالك وسعيد بن جبير» [6]
قال النحاس -رحمه الله-[ت:338 هـ]: « قال نافع: ( وجعلكم ملوكا) تم، وقال غيره: ليس بتمام ولكنه قطع صالح وما بعده معطوف عليه» [7].
وقال السجاوندي-رحمه الله- [ت:560 هـ]: « ق: قد قيل ولا يصح إلا ضرورة للعطف »[8].
وقال الأنصاري -رحمه الله-[ت:926 هـ]: « وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا)ً صالح. وقال أبو عمرو: تام » ([9])
وقال الأشموني -رحمه الله-[ت:111 هـ]: « {مُلُوكًا} [20]: حسن، إن جعل ما بعد لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو قول سعيد بن جبير، وليس بوقف لمن قال: إنَّه لقوم موسى، وهو قول مجاهد، يعني بذلك: المنِّ، والسلوى، وانفلاق البحر، وانفجار الحجر، والتظليل بالغمام، وعليه فلا يوقف على ملوكًا؛ لأنَّ ما بعده معطوف على ما قبله » ([10])
ترجيح الأقوال:
بعد عرض أقوال النحاة والتفسير والوقف والابتداء يتضح أن ترجيح الخلاف يكون من خلال التفسير، والذي عليه جمهور المفسرين كالطبري وابن كثير، والشوكاني وغيرهم أن قوله تعالى: (وَآتَاكُمْ مّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مّن الْعَالَمِينَ) لأمة موسى عليه السلام، وأن المقصود بقوله: ( وأتاكم) هو تفضيلهم على أهل زمانهم، وعللوا ذلك بأنه لا ينبغي العدول عن الظاهر لغير مُوجِبٍ، وبدون دليل، فالظاهر أن سياق الكلام كله عن بني إسرائيل فلا يعدل عنه إلا بدليل.
قال أبو جعفر-رحمه الله- : « وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: (وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين)، في سياق قوله: "اذكروا نعمة الله عليكم"، ومعطوفٌ عليه. ولا دلالة في الكلام تدلّ على أن قوله: " وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ " مصروف عن خطاب الذين ابتدئَ بخطابهم في أوّل الآية. فإذ كان ذلك كذلك، فأنْ يكون خطابًا لهم، أولى من أن يقال: هو مصروف عنهم إلى غيرهم»[11]
وقال ابن كثير-رحمه الله-: « وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ مَنَّ مُوسَى لِقَوْمِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَالَمِي زَمَانِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ: {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} يَعْنِي بِذَلِكَ: مَا كَانَ تَعَالَى نَزَّلَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وتَظلَّلهم مِنَ الْغَمَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا كَانَ تَعَالَى يَخُصُّهُمْ بِهِ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ »[12]
وقال الشوكاني-رحمه الله-: « وَالصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ مُوسَى لِقَوْمِهِ، وَخَاطَبَهُمْ بِهَذَا الْخِطَابِ تَوْطِئَةً وَتَمْهِيدًا لِمَا بَعْدَهُ مِنْ أَمَرِهِ لَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ » [13].

وخلاصة القول: أن الراجح في المسألة هو أن الكلام يعود على أمة موسى عليه السلام، لعدم العدول عن الظاهر بغير موجب، وبناء عليه تكون جملة ( وأتاكم..) في محلّ جرّ معطوفة على جملة جعل فيكم باعتبار اتصال المعنى بما سبق، ويترتب على ذلك في الوقف والابتداء: أن الأولى هو عدم الوقف على ( ملوكا) للتعلق اللفظي بينها وبين ما بعدها ، والله تعالى أعلى وأعلم.
[1] انظر البحر المحيط: 216
[2] تفسير الطبري: 10/ 166
[3] انظر: البحر المحيط: 216
[4] تفسير الطبري: 10/ 166
[5] تفسير مجاهد: 305، ومعاني القرآن للزجاج: 2/162
[6] المكتفى: 58.
[7] القطع: 199
[8] علل الوقوف: 449
([9]) المنار مع المقصد/ 244
([10]) المنار مع المقصد/ 244
[11] تفسير الطبري: 10/ 166
[12]ابن كثير: 3 / 74
[13] فتح القدير / 2/32

أعد هذا المبحث / من كتاب / (مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء) لـ جمال القرش تحت الإعداد
 
ولعل من أظهر الآيات تناولا في مبحث الوقف والابتداء قوله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب)

فإذا كان الراسخون في العلم يعلمون تأويله فالواو تُعرب عاطفة، وإن لم يكونوا يعلمون على رأي آخر فالواو للاستئناف.
 
الوقف على قوله: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا) البقرة: 9
الوقف على قوله:{وَالَّذِينَ آَمَنُوا} [9] من قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }البقرة: 9.
التوجيه النحوي:
اختلف النحويون في توجيه إعراب جملة « وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم » على أقوال.
الأول: مستأنفة، قاله النحاس: (وما يَخْدَعُونَ ولا موضع لها من الإعراب ) [1]
الثاني: «ما يخدعون ... » في محلّ نصب حال من فاعل يخادعون [2]
الثالث: معطوفة على الجملة المستأنفة « يُخَادِعُونَ اللّهَ » لا محل لها[3]
توجيه علماء الوقف:
اختلف علماء الوقف في الوقف على (آمنوا) على أقوال:
الأول: جائز عند السجاوندي، قال: «لعطف الجملتين المتفقتين مع ابتداء النفي»[4].
الثاني: كاف عند النحاس، والداني[5].
الثالث: حسن عند ابن الأنباري والأشموني، قال: نفس تعليل السجاوندي[6].
الرابع: تام ، وهو قول الأنصاري ، قال: (والذين آمنوا تام ) [7].
توجيه المصاحف:
لم يشر مصحف المدينة برمز لهذا الموضع.
المناقشة والموازنة:
اختلاف التوجيه النحوي ترتب عليه اختلاف أوجه الوقف على قوله ( والذين أمنوا) كما يلي:
1. من يرى أن جملة «وما يخدعون ... » معطوفة على الجملة المستأنفة « يُخَادِعُونَ اللّهَ » فالوقف جائز وهو اختيار السجاوندي، أو حسن وهو اختيار ابن الأنباري، والأشموني، والحسن عندهما ملحق بالكافي.
2. ومن يرى أن الجملة مستأنفة مع اتصال المعنى فالوقف كاف وهو اختيار النحاس والداني، باعتبار استقلال كل جملة عن الأخرى، فالأولى: (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) عن حقيقتهم وهو خداعهم للمؤمنين، والثانية: (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم) حكم عليهم.
3. ومن يرى أنها في محلّ نصب حال من فاعل يخادعون على تقدير: حال كونهم مخادعين لله وللؤمنين، فلا وقف عنده للتعلق اللفظي بين الحال وصاحبه.
القول الراجح:
والراجح أن يكون الوقف كافيا مع أولوية الوصل، للأسباب التالية:
1. استقلال كل جملة عن الأخرى مع اتصال المعنى عن المنافقين.
2. الابتداء بعده بالنفي في قوله (وما يخدعون) بعد الأخبار.
3. أنه اختيار أكثر علماء الوقف والابتداء
وبناء عليه أرى أن الأولى وضع علامة ( صلى) على ( آمنوا) والتي تعنى جواز الوقف والوصل، مع أولوية الوصل.

[1] إعراب القرآن للنحاس: 1/29
[2] الجدول 1/ 48.والمجتبى في مشكل القرآن 1/7، وإعراب القرآن للدعاس: 1/11
[3] الجدول : 1/ 48.
[4] علل الوقوف: 182
[5] القطع والإتناف: (37)، و المكتفى: 1/ 19
[6] الإيضاح: 1/ 497 و المنار مع المقصد: 83
[7] المنار مع المقصد: 83
أعد هذا المبحث / من كتاب / (مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء) لـ جمال القرش تحت الإعداد
 
سلسلة من اللقاءات والصوتيات في الوقف والابتداء للشيخ جمال القرش
أسال الله القبول وحسن العمل
‫زاد المقرئين ج 6 مقدمة في الوقف والابتداء 1 3 ...
http://www.youtube.com/watch?v=rztWx98YkHE
لطائف في الوقف والابتداء مع ثلة من العلماء
http://www.youtube.com/watch?v=IHg04KjfqEA
زاد المقرئين ج 7 الوقف والابتداء الوقف على نعم 4 4
http://www.youtube.com/watch?v=6HFm-GDazJ8
الوقف والابتداء الوقف على بلى 3 4
http://www.youtube.com/watch?v=3KET4B1HJWw
الوقف والابتداء الوقف على كلا 2 4 للشيخ
http://www.youtube.com/watch?v=NTysoB3ev3g
اثر تقدير القول على الوقف والابتداء 1 4
http://www.youtube.com/watch?v=ectqZYJ8Rz8
زاد المقرئين ج6 الوقف القبيح 3 3
http://www.youtube.com/watch?v=tiuGWePhsco
زاد المقرئين ج6 صور من الوقف اللازم 2 3
http://www.youtube.com/watch?v=FEdk6jiAbsY
أهمية الوقف والابتداء ونموذج لاختلاف المصاحف
http://www.youtube.com/watch?v=SjptJnA1VqU
زاد المقرئين الجزء الثاني لقاء مع ثلة لطائف في الوقف والابتداء 5 7
http://www.youtube.com/watch?v=aTlJUvMpYwc
الوقف والابتداء من سورة الأحزاب 1 3
http://www.youtube.com/watch?v=3-PzHjaEGMo
الوقف والابتداء من سورة ص آية 1 2
http://www.youtube.com/watch?v=q_D7URjXuuQ
القرآن والوقف والابتداء من سورة الزمر 1 3
http://www.youtube.com/watch?v=mFfmaL7rwS8
الوقف والابتداء من سورة الروم آية 1
http://www.youtube.com/watch?v=pryDDOwKBFM
الوقف والابتداء من سورة العنكبوت ج1آية 1
http://www.youtube.com/watch?v=lM_qFeo0m_M
الوقف والابتداء من سورة فاطر آية 1
http://www.youtube.com/watch?v=4asWZg7y7_w
الوقف والابتداء من سورة الصافات آية 1 2
http://www.youtube.com/watch?v=od2ir1mKrwM
لطائف للوقف والابتداء للشيخ إبراهيم الأخضر
http://www.youtube.com/watch…
لطائف في الوقف والابتداء الشيخ / عبد العزيز القارئ (1)
http://www.youtube.com/watch…
لطائف في الوقف والابتداء الشيخ / عبد العزيز القارئ (2)
http://www.youtube.com/watch…
لطائف في الوقف والابتداء الشيخ / رزق خليل حبه
www.youtube.com/watch…
المقطوع والموصول
http://www.youtube.com/watch…
الوقف على تاء التأنيث
http://www.youtube.com/watch…
الوقف بالإثبات والحذف
http://www.youtube.com/watch…
 
[FONT=&quot]حمل كتب الوقف والابتداء من رابط أخر [/FONT]
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=338693
[FONT=&quot]نفائس الوقف والابتداء[/FONT]
https://vb.tafsir.net/tafsir52911/#.WS_vq9QrK0M
[FONT=&quot]برنامج الوقف والابتداء على قناة الأحواز [/FONT]
https://vb.tafsir.net/tafsir52931/#.WS_vqNQrK0M
[FONT=&quot]خطوات عملية في اكتشاف الوقف والابتداء [/FONT]
https://vb.tafsir.net/tafsir52773/#.WTBCbdQrK0M
 
عودة
أعلى