أحمد العمراني
New member
"ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"
الخطاب الديني هو كل بيان باسم الإسلام يوجه للناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين لتعريفهم بالإسلام، وقد يأخذ هذا الخطاب شكل خطبة أو محاضرة، أو رسالة، أو مقال، أو كتاب، أو مسرحية، أو أعمال درامية، وغيرها. وبذلك ينبغي ألا نحصر الخطاب الديني في خطبة الجمعة فقط.
والرسول صل1 بعث بالكلمة، ورسالته كلها مبنية على التبليغ باللسان، دون نفي أثر الوسائل الأخرى المتمثلة في الفعال والاقتداء بها.
وانطلاقًا من هذه الأهمية تكفل الشارع الحكيم بترشيد نبيه محمد الأمين للسبيل الأقوم لإيصال خطابه الى الناس كافة، ليقتدي به العلماء وفرسان المنابر والدعاة الى الله .
وقد تعرض الخطاب الاسلامي السائد لسلبيات كثيرة، حيث لم يعد يتساوق مع ظروف المكان ولا الزمان، والتعامل الفكري مع القرن الحادي والعشرين بعقلية القرون الماضية لا يتسق مع المنطق السليم، مما يقتضي الرجوع الى الأصل والقدوة لبيان توجيهاته صلى الله عليه وسلم في ترشيد الخطاب الديني .
فالأمة الاسلامية اليوم تعيش زمنا اختلطت فيه المفاهيم والتبست، وكثرت فيه التوجيهات عبر وسائل الاعلام المختلفة سواء منها المكتوبة أم المرئية أم المسموعة . وبالتأمل قليلا في منهج دعوته صل1وفي سيرته العطرة وحياته الدعوية يتبين باستقراء تام، أن خطابه صلى الله عليه وسلم تميز بتوجيهات خاصة لابد من مراعاتها في زمننا للسير سيره والاقتداء بآثاره.
ومن هذه التوجيهات العامة ما يلي :
1-الدعوة الى الاهتمام بالأمور العقدية : حيث حرص صلى الله عليه وسلم في خطابه على دعوة الناس إلى توحيد الله وعبادته وحده وعدم الاشراك به، لأن التوحيد هو الأصل في بعثة الأنبياء والرسل، ومهمتهم تصحيح عقيدة الناس التي انحرفت، وخير مثال لذلك ما أخرجه البخاري عن النبي صل1 لما بعث مُعَاذاً رضي الله عنه عَلَى الْيَمَنِ قَالَ: " إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ …".
لهذا يبقى الخطاب العقدي أصل الخطاب الذي لا ينبغي أن يغيب، ولا بأس بتكراره، وبطرق ووسائل تبليغية، تواكب مستجدات الشرك ومستحدثاته، كما تُبدع في وسائل الخطاب الذي يحاربه، وبلغة سهلة ميسرة تصل الى القلوب قبل الأسماع .
2-توجيه الأمة الى الاجتهاد في الخطاب: لأنه ليس توقيفيا، فالمطلوب الاجتهاد فيه والاعداد الجيد لمواضيعه، والابداع المستمر لما يُقدم للناس، مع تجاوز المكرور من الخطاب حتى لا يمل الناس فيملوه.
3- التدرج في الخطاب : وهذا أمر بدأ به أمر الدين وخُتم، فكل ما حُرم على الأمة حرم تدريجيا وعلى مراحل، وما أمر الخمر والربا في تنزيلات القرآن بخاف على المسلم. فعلى المتكلم بخطاب الدين إن قصد بخطابه توجيه النصح أو الرغبة في تغيير ما يستحق التغيير أن يعرف كيف يعالج الأمر، وأن يستلهم منهجه ذلك من منهج رسول الانسانية والرحمة المهداة للعالمين .
4-الخطاب المتفاعل مع الواقع: أي خطاب يعترف بالواقع ومشاكله، ويعرف كيف يخرج الناس من مشاكل الحياة وصعوباتها، ويقدم لهم الحلول المناسبة التي تهدئ النفوس وتطمئن القلوب.
5-تغليب خطاب الهداية على الجباية : أي الحرص في الخطاب على هدي الناس الى البر، مع تجنب الجباية أو طلبها بالخطاب. والله في عون كل من رغب في هداية الناس الى الخير ويوفقه ويجازيه خير الجزاء.
6- خطاب جامع لا مفرق : فالمتكلم باسم الدين لا لون له ولا توجه له، فهو أب الجميع ومعلم الجميع، مثل شجرة الزيتون"لا شرقية ولا غربية" ينير ضوؤه طريق كل الناس بمختلف ألوانهم وأشكالهم.
7-خطاب التيسير لا التعسير: خطاب التشديد غير نافع في زمننا، ولم يكن كذلك في زمن الكرام. فكل من شاد الدين غُلب كما في الحديث:" الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه". وقد تحدثت نصوص كثيرة عن التبشير والتيسير وعدم التعسير والتنفير. كما بين صل1 للمسلمين بأن الدين متين والإيغال فيه ينبغي أن يكون برفق .
8-خطاب حواري إقناعي لا إقصائي: والحوار والمجادلة بالتي هي أحسن أمر أساسي في تكوين من يسعى لمخاطبة الناس في أمور دينهم، لأنه بالحوار يصل الى المطلوب المتمثل في حسن الافهام والاقناع والتصحيح.
ومما قاله بعض المُتمرّسين في هذا الشأن: دَعْ صاحبك في الطرف الآخر يوافق ويجيب بـ(نعم)، وحِلْ ما استطعت بينه وبين (لا)؛ لأن كلمة (لا) عقبة كؤود يصعب اقتحامها وتجاوزها، فمتى قال صاحبك: (لا)؛ أوجَبَتْ عليه كبرياؤه أن يظلّ مناصراً لنفسه . وما أجمل أن نستحضر هنا كلمات تستحق أن تكتب بمداد من ذهب، وردت على لسان أهل العلم ودونها السيوطي في الأشباه والنظائر، قولهم:" إذا سئلنا عن مذهبنا ومذهب مخالفينا في الفروع يجب علينا أن نجيب: بان مذهبنا صواب يحتمل الخطأ ومذهب مخالفينا خطأ يحتمل الصواب، لأنك لو قطعت القول لم يصح قولنا: إن المجتهد يخطىء ويصيب. وإذا سئلنا عن معتقدنا ومعتقد خصومنا في العقائد، يجب علينا أن نقول: الحق ما نحن عليه والباطل ما عليه خصومنا".
9-خطاب الرحمة والأمل لا خطاب التيئيس والعذاب : كثير من الناس حين يخاطبون الناس في أمور دينهم بخطابهم الديني، لا يعرفون منه إلا النار والعذاب والعقاب وعذاب القبر وغير ذلك، وهذا ليس مرفوضا لأنه من الدين، لكن الخطاب الديني ليصل الى الأسماع وتقبله العقول وتهتدي به النفوس الضالة يحتاج الى حديث الرحمة لا العذاب، حديث المغفرة والصفح لا حديث العقاب والانتقام .
10-تجنب التعيين أثناء الخطاب : لتغيير المنكر وتصحيح الأخطاء أساليب ووسائل أساسية استعملها القرآن الكريم تعليما لنا، بقوله تعالى:" ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". وأثبتها التعليم النبوي في خطاباته ودروسه ونصائحه، جعلها لنا منهاجا ونبراسا نقتدي بها في خطابنا ودعوتنا وتعليمنا .فالمتأمل في الحديث النبوي ودعوة رسول الله صل1وتغييره للمنكر وتصحيحه للأخطاء التي كان يقع فيها الصحابة في مختلف مسؤولياتهم تتضح له جملة أمور، من بينها:
إن النبي الكريم في كل مواقفه التغييرية لم تنبس شفتاه باسم المخطئ، أو بتعيين المسيء تجنبا لفضحه وسترا له أمام غيره .
-11تجنب الترويج للشائعات : يعتبر صاحب الخطاب الديني مرآة تنعكس عليها هموم الأمة ومشاكلها، إليه يلجأ كل الناس إن وثقوا به ليسترشدوا ويتعلموا، كل واحد منهم ينتظر جوابا عن سؤال أرقه، أو مشكل همه، أو حادث ملأ سمعه، ويريد تبين صدقه أو كذبه . وكثيرا ما يطلق أناس شائعة غالبا ما تضاف إليها إضافات وزيادات، فتصبح كأنها حقيقة لا مراء فيها، لكن عند أول سؤال في محاولة تبين حقيقتها ومصدرها، تجد الكل يتبرأ منها وينسبها الى غيره أو الى قائل مجهول . ولمعالجة هذه الظاهرة وجب على المتكلم بالخطاب الديني تمثل ما يلي :
أ-ضرورة التبين : لقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ".
ب-تعليم الناس البعد عن الإمعية: فمن العار على أمة إقرأ أن تبقى رهينة ترويج الشائعات وتناقل الأخبار الكاذبة، وترتع في براثن التخلف وتجر أذيال الشعوذة والخرافات، بل وتقع فيها راتعة، بينما الأمم الأخرى تبني الحضارات، فعلى المخطاب الديني أن يرتقي في خطابه للناس، بحيث يوصل الى أسماعهم وقلوبهم ما يرقى بفكرهم، ويكسبهم قدرا من العلم والفقه يميزوا به الصحيح من الكذب والغث من السمين.
ج-تحذير الناس من خطورة الكلمة: لعل من أخطر ما ينخر كيان الأمة في عمقها، أصغر جرم فيها، وكيف لا وقد قال فيه صل1كما في رواية البخاري :" من ضمن لي ما بين لحييه وفخذيه ضمنت له الجنة "..لذا وجب تعليم الناس ضبطه وإمساكه وعدم التلفظ بكل صغيرة وكبيرة إلا بعد تبين حقيقتها ومعرفة حكم الشارع فيها ومما يعين على ذلك :
-تعليمهم عدم التحايل على إخوانهم أثناء التحديث : حيث نهى النبيصل1 وحذر من الكذب بل واعتبر من أكبر الخيانة أن تكذب على من يثق بك، ويصغي إليك بقلبه وأذنه وأنت تكذب عليه، فقال كما في رواية أحمد: " كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو به مصدق وأنت له به كاذب ".
-توجيههم لعدم التحديث بكل المسموع : وما أكثرها ومنها الحديث بكل ما يسمع، والرسول صل1 قد حذر من هذا فقال كما في رواية أبي داود :" كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ".
د/ أحمد العمراني .
أستاذ التعليم العالي الجديدة.المغرب.