اختلاف الألسنة...

إنضم
26/12/2005
المشاركات
770
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
اختلاف الألسنة..

1- نقل الألفاظ إلى غير ما كانت تدل عليه هو اختلاف الألسنة , لا الحقيقة والمجاز
قال الله تعالى تعالى : ((ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)) , وألسنة الناس تختلف في الأحرف التي ينطقون بها , وهو ما يسمى علم الأصوات , وفي الألفاظ المفردة , وهو التصريف أو الصرف , وفي أوجه تأليف الألفاظ وجمع بعضها إلى بعض , وهو النحو , وفيما تدل عليه الألفاظ المفردة والمؤلفة , وهو علم الدلالة, وتكلم المستشرق الألماني برجشتراسر في اختلاف الألسنة , وسمَّاه التطور اللغوي , وتبعه على ذلك د. رمضان عبد التواب وغيره ( 1) , وأخذوا تلك التسمية من كلام دارون وأصحابه في التطور , وكلامهم كله باطل , وقول الله تعالى هو الحق المبين , والألسنة لا تتطور , ولكنها تختلف .
وأسرع ما تختلف فيه الألسنة هو ما تدل عليه الألفاظ , فاللفظة الواحدة قد تدل بلسان قوم على غير ما تدل عليه بلسان قوم آخرين , ويختلف ما تدل عليه اللفظة الواحدة بلسان نفس القوم من قرن إل قرن , وقد يحدث ذلك الاختلاف في قرن واحد منهم , وقد يحدث في قرون متقاربة , وكلما كان أولئك القوم أكثر عزلة عن غيرهم , قل اختلاف لسانهم من قرن إلى قرن , وظلت أكثر ألفاظهم تدل بلسان القرن اللاحق على نفس ما كانت تدل عليه بلسان القرن السابق , وأعظم ما تختلف به الألسنة هو اختلاط الأمم , ونقل الكتب من لسان إلى لسان , فالناس ينقلون الألفاظ كثيراً إلى غير ما كانت تدل عليه عند غيرهم , وبذلك النقل تختلف ألسنتهم , ولا يظل اللسان بعد ذلك النقل لساناً واحداً , ولكنه يصير ألسنة مختلفة , وإذا نقل رجلٌ لفظة أو ألفاظاً إلى غير ما تدل عليه عند قوم اختلف لسانه عن لسانهم , وحدث لسان جديد , وقد يكون ذلك الرجل شاعراً أو خطيباً , أو كاتباً وقد يكون سيداً مطاعاً أو عامياً وقد يتبعه على ذلك اللسان الجديد قومه , أو تتبعه طائفة من الناس فلسان كل قوم أو رجل هو ما تدل عليه الألفاظ في كلام ذلك الرجل وأولئك القوم , ولا ريب أن لكل قوم أولاً اتبعوه على لسانه , فإذا علم ذلك الأول نسب اللسان إليه , وإذا نسي وبعد العهد به ينسب اللسان إلى أولئك القوم .
ونقل الألفاظ إلى غير ما كانت تدل عليه قد يكون خطأ أو جهلاً باللسان الأول , أو خلطاً بينه وين لسان آخر , وبين لسان آخر , وقد يكون عمداً , واللفظة قد تنقل من العموم إلى الخصوص , فتصير خاصة بعد ما كانت عامَّة , وتنقل من الخصوص إلى العموم , فتصير عامَّة بعدما كانت خاصة , وتعزل عن الإضافة بعدما كانت تذكر إلا مضافة , أو تضاف إلى غير ما كانت تضاف إليه وتقرن به وقد يزاد فيما تدل عليه شيء أو أشياء أو تنقل من شيء إلى غيره , وقد يكون ما نقلت إليه يشبه ما كانت له أو يقاربه , فيسمي الشيء باسم ما يشبهه , أو باسم مكانه , أو ما يجاوره , أو يتصل به ويسمى الكل باسم البعض , أو البعض باسم الكل , وكل ما ذكروه من المجازات والاستعارات فهي أوجه من ذلك النقل , وقد تنقل اللفظة إلى شيء لا يشبه ما كانت له ولا يقاربه , وقد يكون ما نقلت إليه أبعد شيء عما كانت عليه , وذلك النقل كله خطأه وعمد لا ميزان له , ولا يجري طريقة واحدة , بل قد يكون ما نقلت اللفظة إليه أبعد شيء عما كانت له , ولو كان نقل الألفاظ إلى غير ما كانت تدل عليه له بميزان يوزن به , أو له طريقة واحدة أو طرق معدودة يجري عليها , لكان ما نقلت إليه اللفظة باللسان الآخر , يدلُّ على ما كانت له باللسان الأول , ولكن ذلك النقل لا ميزان له , ولا يجري على طريقة واحدة , ولا طرق معدودة , وهو يكون بأوجه من العمد والخطأ لا سبيل إلى حصرها , فما نقلت اللفظة إليه باللسان الآخر لا يهدي إلى ما كانت له باللسان الأول , ولا يدل عليه , والمتكلم بلسان قوم لا يعني إلا ما تدل عليه الألفاظ بلسان أولئك القوم , ولا يخطر بقلبه ما تدل عليه بلسان قوم آخرين لا قبلهم ولا بعدهم , وإذا كان اللسان الأول محفوظاً , علم ما كانت تدل عليه الألفاظ أولاً , وما نقلت إليه بعد ذلك , وأما إذا كان اللسان الأول ليس محفوظاً , فلا يعلم ما كانت تدل عليه الألفاظ أولاً , ولا يدري أنقلت أم لم تنقل , فذلك النقل لا سبيل إلى علمه إلا في لسانين محفوظين , أحدهما قبل الآخر .
ولسان العرب الذي حفظه الله تعالى لنا هو لسان العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم قومه صلى الله عليه وسلم , ولا ريب أن لسان أولئك العرب كان يختلف عن لسان العرب القديم الأول قبلهم , ولسان العرب قبلهم لم يحفظ لنا , فلا ندري ما كانت تدل عليه الألفاظ بلسان العرب الأول , ولا ما نقل منها إلى غير ما كان يدل عليه , ولا ما لم ينقل , ولو حفظ لسان العرب الأول لم ينفع في دين الله شيئاً , والله تعالى أنزل كتابه وبعث نبيه صلى الله عليه وسلم بلسان العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وليس بلسان العرب قبلهم ولا بعدهم , فما تدل عليه الألفاظ في كتاب الله تعالى وحديث رسوله هو ما كانت تدل عليه عند أولئك العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وليس ما ما كانت تدل عليه قبلهم .
فإذا كانت العرب قوم النبي صلى الله عليه وسلم , يقولون أسدٌ لذلك السبع , ويقولون أسدٌ للرجل الجرئ الذي لا يفر , فلا تدري بأيهما تكلموا أولاً , ولا سبيل إلى العلم به , لا بنبأ صادق , ولا ببرهان , فإن لسان العرب القديم الأول ليس محفوظاً , وما ثقلت اللفظة إليه بلسان الآخر , لا يهدي إلى ما كانت له بلسان الأول , ولئن قلنا إنها كانت قبلهم تدل على أحدهما دون الآخر , فلقد صارت بلسانهم تدل عليها جميعاً , وصاروا يقولون : أسد للسبع والرجل سواءً , فلا تدل تلك اللفظة على أحدهما دون الآخر إلا بينة من كلام المتكلم أو حاله , والمحفوظ من كلامهم يشهد بذلك وسيأتي ذكره إن شاء الله , فقولهم : إنها وضعت للسبع , ثم نقلت للرجل , فهي حقيقة في السبع , مجازٌ في الرجل , زعم باطلٌ , وقولهم : إنها تدل على السبع بغير قرينة , ولا تدلُّ على الرجل إلا بقرينة , زعم باطل مثله , ولابدَّ لهم من هذين الزَّعمين في كل لفظة يدَّعون فيها حقيقة ومجازاً , وكلاهما زعم باطل لا حجّة لهم به , وإذا صارت اللفظة بلسان قوم تدل أكثر من دلالة , فلابدَّ أن يكون في كلام المتكلم أو حاله ما يبيِّن ما أراده بها , وسواءٌ أراد بها ما كانت له أوَّلاً , أو ما نقلت إليه بعد ذلك , وسواءٌ علمنا ما كانت له أولاً , وما نقلت إليه بعد ذلك , أم لم نعلمه .
2- اختلاف ألسنة العرب قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعده
وألسنة العرب قبل النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ألسنة كثيرة مختلفة , وليس لسان العرب واحداً من لدن معد بن عدنان إلى آخر الدهر , ولا ألسنة غيرهم من الأمم , وألسنة العرب القدماء قبل النبي صلى الله عليه وسلم ليست محفوظةً , ولو وُجد منها شيء , فلا يعلم ما يدل عليه إلا ظناً ؛ وكذلك كل لسان ذهب القوم الذين كانوا يتكلمون به , ثم وجد منه شيء قليل بعدهم مكتوباً , فلا يعلم ما كان يدل عليه عندهم إلا ظناً ؛ وحدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ألسنة كثيرة , ونقل كثيرٌ من ألفاظ العرب إلى غير ما كان يدل عليه , فإن العرب بعد النبي صلى الله عليه وسلم خالطوا كثيراً من الأمم غيرهم , وتكلم بلسانهم من ليس منهم من المستعمرين من العجم والموالي , وكل من نشأ بين لسانين أخطأ فيه وغيره , ولم يزل ينزع به إلى لسانه الأول , ونقلت إلى العربية كثير من كتب الفلاسفة وغيرها , والذين نقلوا تلك الكتب لم يكونوا عرباً , فخلطوا كثيراً من ألفاظهم وكلامهم بكلام العرب وكلامهم إلى غير ما كان يدل عليه , وأحدثت طائفة من الكتاب والشعراء مذهب البديع , وأخذوه من كتاب العجم وشعرائهم وتوسعوا في الاستعارات , فنقلوا كثيراً من ألفاظ العرب وكلامهم إلى غير ما كانت تدل عليه , وتكلموا بما لم تتكلم به العرب , والمتكلمون من المعتزلة وغيرهم أخذوا كثيراً من ألفاظ الناقلين لكتب الفلاسفة ومن ألفاظ المتكلمين من اليهود والنصارى وغيرها من الأمم , وخلطوها بكلام العرب , ونقلوا كثيراً منه إلى غير ما كان يدل عليه وكانوا من العجم والموالي , وكذلك النحويون نقلوا كثيراً من ألفاظ العرب إلى غير ما تدل عليه , وكثير من ألفاظ النحويين تدل على نفس ما تدل عليه عند المعتزلة , وأكثر النحويين من البصريين والكوفيين ومن بعدهم كانوا معتزلة , وزعم كثيرٌ منهم أنهم كانوا لا يخلطون بين كلامهم في المنطق والفلسفة وكلامهم في النحو , وهو زعم باطلٌ , وكلامهم في النحو يكذبه , وما يدل عليه لفظ الاسم والصفة والعلة وغيرها عند النحويين هو نفس ما يدل عليه عند المعتزلة , والفقهاء من أهل الرأي والحديث , والصوفية وغيرهم من الخاصة والعامة , كلهم تكلموا بما لم تكن تتكلم به العرب , ونقلوا ألفاظ العرب إلى غير ما كانت تدل عليه , وحدثت ألسنة أخرى عربية مولدة , وكثرت تلك الألسنة واختلط بعضها ببعض وصارت اللفظة الواحدة تدل عند كل طائفة منهم على غير ما تدل عليه عند غيرهم , وقد تدل اللفظة في كلام رجل على غير ما تدل عليه عند غيره من الناس كلهم , وينقل ذلك الرجل تلك اللفظة إلى شيء لم يسبقه إليه أحدٌ , ولا تبعه عليه أحدٌ , فيكون ما تدل عليه بلسان ذلك الرجل خاصة غير ما تدل عليه بلسان غيره من الناس كلهم , وتلك الألسنة المحدثة كلها عربية أخرى غير لسان العرب الذي نزل القرآن به .
وتلك الألسنة المحدثة المولدة كانت قريباً من عهد النبي صلى الله عليه وسلم , ولعل بعضها حدث أوائله في آخر المائة الأولى , وقال أبو سليمان الخطابي في كتابه ((بيان إعجاز القرآن)) : أخبرني الحسن بن عبد الرحيم , عن أبي خليفة , عن محمد بن سلام الجمحي , قال : قال أبو عمرو بن العلاء : اللسان الذي نزل به القرآن , وتكلمت به العرب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم عربية أخرى غير كلامنا هذا (2 ) . اهـ , وهو في طبقات الشعراء لابن سلام , وقال ابن سلام بعده : قال أبو عمرو بن العلاء : ما لسان حمير وأقاصي اليمن اليوم بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا (3 ) اهـ ؛ وقال الخطابي : وقد زعم بعضهم أن كلام العرب كان باقياً على نجره الأول وعلى سطح طبعه الأقدم , إلى زمان بني أمية , ثم دخله الخلل , فاختل منه أشياء , قال : ولهذا صار العلماء لا يحتجون بشعر المحدثين , ولا يستشهدون به , كبشار بن برد , والحسن بن هانئ , ودعبل , والعتَّابي , وأحزابهم من فصحاء الشعراء والمتقدمين في صنعة الشعر , وإنما يرجعون في الاستشهاد إلى شعراء الجاهلية , وإلى المخضرمين منهم , وإلى الطبقة الثالثة التي أدركت المخضرمين , وذلك لعلمهم بما دخل الكلام في الزمان المتأخر من الخلل , والاستحالة عن رسمه الأول ( 4) اهـ وقال ابن برهان في كتابه ((الوصول إلى الأصول)) : وأما كلام الشافعي , وأبي حنيفة رضي الله عنهما فلا يحتج به ؛ لأن الحجة إنما تثبت بأقوال العرب والفصحاء الأقحاح الأفصاح , الذين أنطقتهم طباعهم , فأما من أخذ اللغة عن العلماء وتلقف من الأدباء , وقال ما قال عن الاجتهاد , فقوله لا يكون حجة , بل لابد من النظر في دليله(5 ) يعني لا يكون حجة في العربية وعلم لسان العرب , قال الشاطبي في كتابه ((الموافقات)) : ووجه آخر وهو أن كثيراً مما ليس بمحتاج إليه في علم الشريعة قد أدخل فيها وصار من مسائلها , ولو فرض رفعه من الوجود رأسا لما اختل مما يحتاج إليه في الشريعة شيء , بدليل ما كان عليه السلف الصالح في فهمها , دع العرب المحفوظة اللسان , كالصحابة ومن يليهم من غيرهم , بل من ولد بعدما فسد اللسان , فاحتاج إلى علم كلام العرب , كمالك والشافعي وأبي حنيفة ومن قبلهم أو بعدهم , وأمثالهم , فلما دخلت تلك الأمور وقع الخلاف بسببها , ولو لم تدخل فيها لم يقع ذلك الخلاف , ومن استقرأ مسائل الشريعة وجد منها في كلام المتأخرين عن تلك الطبقة كثيراً , وقد مر في المقدمات تنبيه على هذا المعنى (6 ) .اهـ وكلام أئمة العربية في ذلك كثير معروف .
3- لسان العرب الذي نزل القرآن به , هو لسان العرب قوم النبي
صلى الله عليه وسلم
فما تدل عليه الألفاظ في كتاب الله تعالى , وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم هو ما كانت تدل عليه في كلام أولئك العرب , قوم النبي صلى الله عليه وسلم , وليس ما كانت تدل عليه قبلهم , ولا ما صارت تدلُّ عليه بعدهم , ولا يفقه أحدٌ في الدين حتى يعلم ما كانت تدل عليه تلك الألفاظ عند أولئك العرب الذين بعث النبي صلى الله عليه وسلم ويعلم ما تدل عليه الألفاظ عندهم من كلام أئمة العربية الموثوق بهم , وما تشهد به مواضع تلك الألفاظ في كتاب الله تعالى , وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات وحفظت ألفاظها , وأشعار العرب وأمثالهم التي يوثق بعربيتها ورواتها وكلام كل قوم المحفوظ عنهم يفسر بعضه بعضاً , ويبين ما تدل عليه الألفاظ عندهم , وإذا جمعت مواضع اللفظ في كلام قوم أو كثير منها ما يدل عليه عندهم , وما اختلف فيه أئمة العربية , فتلك الشواهد تدل المجتهد على الصواب فيه إن شاء الله تعالى .
وكل من فسر شيئاً من القرآن والحديث بغير ما كان يدل عليه عند العرب قوم النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ فيه ؛ والمتكلمون من المعتزلة وغيرهم فسروا كثيراً من القرآن والحديث بأهوائهم , وبما تدل عليه الألفاظ عند الفلاسفة والناقلين عنهم , وليس بما تدل عليه عند العرب , فأخطأوا واختلفوا , وضلوا وأضلوا كثيراً من الناس , وكان لسان الفلاسفة والناقلين عنهم هو أضر الألسنة للمتفقهين ؛ وروي عن الشافعي رحمه الله أنه قال : ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب , وميلهم إلى لسان أرسطوطاليس (7 ) .

===========
الحواشي:
( 1 ) ((التطور النحوي للغة العربية)) محاضرات ألقاها برجشتراسر في جامعة القاهرة 1929 م ونشرها د. رمضان عبد التواب , و((التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه)) د. رمضان عبد التواب
( 2) ((بيان إعجاز القرآن)) ضمن ثلاث رسائل ص 45, 46
( 3) ((طبقات فحول الشعراء)) 1/10-11
(4 ) ((بيان إعجاز القرآن)) ص 46
( 5 ) ((الوصول إلى الأصول)) 1/347
( 6 ) ((الموافقات)) 3/96
( 7) صون المنطق والكلام : (1/47- 48)
 
إذا كانت اللفظة الواحدة يمكن أن تدل على أكثر من معنى في اللسان العربي، وكان السلف قد ذكروا من معاني اللفظة بعض ما تدل عليه بحسب ما توارد على فهومهم وما كان من معهودهم، وتنوعت أقوالهم في هذا، ألا يعد هذا دليلا على خطأ حصر معاني الآية بما ذكروه من معاني لهذه اللفظة؟
بمعنى:
هل نزول القرآن الكريم على معهود الأميين في الخطاب يدل على أن القرآن لا يمكن أن يدل على غير هذا المعهود حتى لو احتمل لفظ الآية معنى غيره؟
 
الذي أراه والله أعلم يضبط ذلك هو :
أن يكون المعنى الجديد مما تحتمله الآية .

وهذا يشمل :

1- أن يكون المعنى مما يحتمله اللفظ في اللسان العربي القديم .وأما تحميل اللفظ ما ليس من معانيه أو ما هو من معانيه في اللسان الحادث(وقد يكون الحادث بعد الهجرة بمائتي عام فقط ) = فهو فاسد.

2- ألايكون في سياق الآية ما يمنع حمل هذا اللفظ على ذاك المعنى.

3- ألا يكون في مجموع القرائن الخارجية (عموم كلام الشرع) ما يمنع حمل هذا اللفظ على ذاك المعنى.

4-إذا كان المعنى الجديد وخلافه للمعاني السالفة من جنس خلاف التنوع فلا يجوز لصاحبه إبطال المعاني الواردة عن السلف.

5- إذا كان المعنى الجديد وخلافه للمعاني السالفة من جنس خلاف التضاد فيُحكم على إبطاله لمعاني السلف بميزان قطعية الإجماع الضمني الوارد عن السلف وظنيته وقوة مستند صاحب المعنى الجديد .
 
أعود للموضوع أخي الفاضل ..

الضابط الذي ذكرته صحيح وهو: "أن يكون المعنى الجديد مما تحتمله الآية"
ولكن اللإشكال فيما ذكرته بعده بقولك: "أن يكون المعنى مما يحتمله اللفظ في اللسان العربي القديم"
فما الدليل على هذا ؟
فأعيد السؤال الذي ذكرتُه سابقا وهو :
إذا كان القرآن قد نزل على معهود الأميين في الخطاب، فهل هذا يدل على أنه لا يمكن أن يدل على غير هذا المعهود حتى لو احتمل لفظ الآية معنى غيره؟
بمعنى:
ما الإشكال المترتب على جعل لفظ القرآن واسعا يحتمل المعنى القديم، كما يحتمل المعنى الجديد إذا لم يمنع مانع من حمل الآية عليه من مناقضة قول السلف أو المخالفة للسياق أو الأدلة الأخرى؟

وهو سؤال للمدارسة العامة أيضا حيث يضبط كثيرا من الأمور..
جزاكم الله خيرا
 
[align=center] [ما الإشكال المترتب على جعل لفظ القرآن واسعا يحتمل المعنى القديم، كما يحتمل المعنى الجديد إذا لم يمنع مانع من حمل الآية عليه من مناقضة قول السلف أو المخالفة للسياق أو الأدلة الأخرى؟]

بعث النبي صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأنبياء- بلسان قومه ،وكان هذا شرطاً لإقامة الحجة وتبيين المحجة .

فلو تكلم سبحانه باللفظ وأراد معنى لا يعرفه أهل اللسان الأول (لأنه سيحدث بعدهم) = لزم من ذلك أنه سبحانه تكلم بكلام أراد به معنى لم يفقهه لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه،ويكون هناك بعض الحق فات على قرن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدركه منهم أحد وعمي عليهم،ويكونون جميعاً قد اجتمعوا على عدم فقه هذا المعنى ولا معرفته..

وكل ذلك باطل لا يجوز ،ولا يجوز أن يخاطب الله النبي والصحابة بمعان ليست من لسانهم ولا يفقهوها ولا يعرفون المراد بها.
ولا يجوز أن يكون شيء من القرآن لفظ أو معنى يغبى علمه على قرن النبي جميعه لا يدركه منهم أحد.
ولا يجوز أن يكون شيء من الدين الحق المتمم المكمل لدى هذا القرن = قد فاتهم فلم يدركه منهم أحد
..[/align]
 
ما فهمه الرعيل الأول ممن نزل عليهم القرآن الكريم هو الفهم الذي قامت به الحجة وتم به الدين، ولا إشكال في هذا والحمد لله.

ولكن ما المناع من أن تكون بعض المعاني الزائدة الداخلة في حد الاستباط التي لا تنقض الأقوال السابقة ولا يمنع منها مانع ولا تُقصر عليها الآية، ما المانع من أن تكون بعض هذه المعاني مما لم يذكره السلف ولم يكن في معهودهم =داخلا فيما تدل عليه الآية؟

ما المانع من هذا؟ وما الدليل على منعه؟

لأن قولك أخي:

ولا يجوز أن يخاطب الله النبي والصحابة بمعان ليست من لسانهم ولا يفقهوها ولا يعرفون المراد بها.
ولا يجوز أن يكون شيء من القرآن لفظ أو معنى يغبى علمه على قرن النبي جميعه لا يدركه منهم أحد.

ليس جوابا عن الإشكال، بل تقرير لما ذكرتَه سابقا ونتيجة عنه، وليس تفنيدا لما ذكرتُه وطلبت عليه جوابا..
 
[align=center]ليس كلامي تكراراً بل هو حجة ولعلي أعبر عنها بعبارة أخرى ...

1- إذا أراد الله تلك المعاني الحادثة فقد خاطبهم بغير لسانهم وهذا ممنوع بنص القرآن .

2- إذا أراد الله تلك المعاني الحادثة فلن يدركوها هم وهذا يقتضي غياب معنى النص عن قرن النبي وفواته لهم وهذا اجتماع منهم على تضييع بعض الحق وهو ضلالة.ولا يجتمعون على ضلالة.

3- إذا أراد الله تلك المعاني الحادثة فلن يدركوها هم وهذا يقتضي أن الدين الذي معهم لم يكن تاماً ولا كاملاً وهذا خلاف نص القرآن المقتضي أنهم قد بلغهم الدين تاماً كاملاً.

4- إذا أراد الله تلك المعاني الحادثة فلن يدركها النبي وهذا نافي تمام علم النبي بالرسالة والوحي.

5- فإذا علمها بطريق ما تدعيه ؛فهو لم يبلغها وهذا ينافي وجوب التبليغ التام المأمور به.

6- وإا بلغها فهي من لسانهم وكلامهم وخرجت عن حد المسألة
..[/align]
 
1- إذا أراد الله تلك المعاني الحادثة فقد خاطبهم بغير لسانهم وهذا ممنوع بنص القرآن .
لعلك تقصد قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ...)
وهذه الآية لا تدل على ما ذهبت إليه أخي الحبيب، فالآية إنما تبين أن القرآن نزل باللسان العربي لا بلسانٍ غيره، وكان هذا في معارضة قول المشركين إن القرآن لا بد أن ينزل باللسان السرياني أو غيره كما كانت الكتب السابقة تنزل، فجاءت الآية ردا على هذا وبيانا أن القرآن لم ينزل إلا باللسان العربي ليتم لهم البيان.
فليست المسألة في إرادة الله تعالى، فموافقة هذه الإرادة إنما هي ظنية اجتهادية، والعبرة بالتزام أصول التفسير المعتبرة التي لا يكون بها المفسر قائلا في القرآن بمجرد الرأي.
وخلاف العلماء في التفسير إنما سببه أن كلا منهم قصد موافقة مراد الله تعالى من كلامه، فمنهم من يصيب ومنهم من يخطئ، وهذا هو الاجتهاد، فإذا كان على الأصول المرعية فهو من الرأي المحمود، ولو أخطأ صاحبه.
وعليه فما المانع بعدها من أن يقال: إن باب الفهم والاستنباط ما زال مفتوحا لمن يملك أدواته، ولو ذهب صاحبه إلى معاني لم يفهمها من سبق ما دام اللفظ يحتمله، فالعبرة بصحة حمل الآية على هذا المعنى لا بما كان من معهود الأميين.
ولو قلنا بلازم ما ذكرت لانغلق باب الاستنباط.

2- إذا أراد الله تلك المعاني الحادثة فلن يدركوها هم وهذا يقتضي غياب معنى النص عن قرن النبي وفواته لهم وهذا اجتماع منهم على تضييع بعض الحق وهو ضلالة.ولا يجتمعون على ضلالة.
3- إذا أراد الله تلك المعاني الحادثة فلن يدركوها هم وهذا يقتضي أن الدين الذي معهم لم يكن تاماً ولا كاملاً وهذا خلاف نص القرآن المقتضي أنهم قد بلغهم الدين تاماً كاملاً.
4- إذا أراد الله تلك المعاني الحادثة فلن يدركها النبي وهذا نافي تمام علم النبي بالرسالة والوحي.
5- فإذا علمها بطريق ما تدعيه ؛فهو لم يبلغها وهذا ينافي وجوب التبليغ التام المأمور به.

ليس هذا من تضييع الحق في شيء، لأن المعنى الأصلي هو المأمور ببلاغه وهو الذي قد ثبتت به الحجة وقامت به المحجة وتم به الدين، وعليه فلو فاتت المعاني المحدثة لم يكن نقصا بعد ثبات المعنى الأصلي للآية.
 
[align=center]1- كلامك في معنى الآية = مصادرة على المطلوب فلا فرق عندنا بين السريانية وبين كثير من عربية اليوم فكلاهما ليس لسان قوم النبي ..فلسان القوم هو ما يتحدثون به من الألفاظ والدلالات المنافية للسريانية وللعربية البائدة والحادثة ولو أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعربية عاد وثمود = لما كان مرسلاً بلسان قومه وإن كان أرسل بما يُسمى عربية.

2- كلامك عن أصول التفسير مصادرة على المطلوب أيضاً لأنا نزعم أن من أصول التفسير ألا يقال في كتاب الله إلا بما هو مراد الله (ظناً أو قطعاً ليس البحث هاهنا) أما الزعم بأن معنى ما هو معنى الآية وليس مراداً لله فهذا عدول بكلام المتكلم عن مقاصده ووضع لكلام المتكلم في غير ما أراد.

3- إذا ثبت أن للآية معنيان = وجب أن يكونا مقصودين متعبد بفقههما وفوت أحد المعنيين يعني ضياع بعض الحق والقول بأن واحداً منهما هو الأصلي الذي تقوم به الحجة ويتم به الدين والآخر ليس كذلك = محض تحكم.

4- نحن لم نقل إن باب الفهم والاستنباط أغلق ولا نقول لابد أن يكون كل معنى يثبت للفظ القرآني ثبت تفسير اللفظ به عن السلف،وإنما نقول : يجب أن يكون هذا المعنى المثبت مما يحتمله النص وفق اللسان الأول وإن لم يتكلم به السلف تفسيراً في هذا الموضع المعين..[/align]
 
عودة
أعلى