اختلاف أذواق الناس في التفضيل بين القراء

ضيف الله الشمراني

ملتقى القراءات والتجويد
إنضم
30/11/2007
المشاركات
1,508
مستوى التفاعل
3
النقاط
38
الإقامة
المدينة المنورة
يختلف الناس كثيراً في تفاصيل متعددة من شؤون حياتهم نظرياً وعملياً، وهذا الاختلاف أمر لابد منه، ولا مناص من وقوعه، وما دام الاختلاف مستنداً إلى دليل صحيح، معضداً بعقل رجيح = فهو أمر سائغ، لا تثريب على صاحبه، و لا ملامة على منتحله.
ألا وإن من الخلاف الواقع، الذي ليس له دافع = ما يتعلق بذوق الناس في الإعجاب بقرأة القرآن، وحملة الفرقان، سواء أكانوا من الشيوخ الكُمَّل، أو من دونهم من الذين لم يبلغوا شأوهم، ولم يتسنموا مراتبهم.
وأود في هذه الأكتوبة أن أشير إلى مهمات تتعلق بهذه المسألة:
أولها: أن الحكم على القارئ بجودة قراءته يستند إلى قانونين:
الأول: قانون التجويد بتفصيلاته المعروفة في كتب الفن.
الثاني: قانون النغم، وهو المسمى: "المقامات".
فكلما زادت معرفة القارئ بهذين القانونين، وتمكنه منهما = أتى بالقراءة على وجهها، بريئة من اللحن والغلط الإخلال، فإن رزق صوتا حسناً أخذ بمجامع القلوب، واستولى على كمائن النفوس، وحلّق بالأرواح في عالم آخر!
وأجدني هنا مفتقراً إلى تحرير الحافظ ابن حجر العسقلاني –رحمه الله- دفعاً لسهام النقد المتوقعة، فتدبر ما رقمه أمير المؤمنين في الحديث –أنعم الله بك عيناً-.
قال في فتح الباري (9/91): "والذي يتحصّل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع، كما قال ابن أبي مُليكة أحد رواة الحديث، وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح.
ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النغم، فإن الحسن الصوت يزداد حسناً بذلك، وإن خرج عنها أثّر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها، ما لم يخرج عن الشرط المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يفِ تحسين الصوت بقبح الأداء، ولعلّ هذا مستند من منع القراءة بالأنغام؛ لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعي الأداء، فإن وُجد من يراعيهما معاً فلا شك في أنه أرجح من غيره؛ لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت، ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء، والله أعلم" انتهى بحروفه.
وهذا كلام في غاية الحسن، وكمال الإنصاف، يجمع بين النصوص الواردة في الباب.
ثانيها: أن الإنسان قد يعجب بقراءة قارئ، مع إخلاله بشيء قليل أو كثير من القانونين المذكورين، وذلك لكونه يتأثر بقراءته، ويجد لها لذة لا يعرف لها تفسيراً، وهذا أمر أجده من نفسي وأعرفه عن كثير من الأحبة من أهل المعرفة والنظر.
وممن يعجبني على هذه الطريقة القارئ مصطفى اللاهوني.
ثالثاً: أن القارئ تعتريه أحوال توجب تفاوت قراءته جودة ورداءة، ومن الأمور المؤثرة في ذلك هذه:
1. القراءة في الصلاة، إذ لها خصوصية وأحوال لا يقاس عليها إطلاقاً، ولذلك اعتاد كثير من القراءة المتقنين التسامح فيما يقرأ في الصلاة في أمور لا يتسامحون فيها في مجلس الدرس، ويشبه أن يكون هذا التسامح إجماعاً سكوتيا:)
2. صفاء الذهن من المكدرات له أثر قوي في جودة القراءة.
3. اعتدال المزاج، ولا شيء أفسد له من نومة العصر، لا سيما في الشتاء!
4. المكان الذي يُقرأ فيه يؤثر على نفسية صاحبه، إيجاباً أو سلباً.
5. خشوع القارئ وتفكره فيما يقرأ.
6. معرفة القارئ معاني الآيات.
7. توجه القلب بلا إخلال إلى حضرة ذي الجلال.
رابعا: معلوم أن للقراءة مراتب، ومرتبة القراءة التي يختارها القارئ مؤثرة، والذي يؤثر أكثر مرتبة التحقيق والتدوير، وأما الحدر فدونهما كثيراً، لقلة من يتقنه، ومن القليل الشيخ إبراهيم الأخضر، تجد ذلك فيما سُجل له من صلاة التراويح.
خامساً: من الهبات الربانية التي يمنحها ربنا من يشاء من عباده = سلاسة القراءة، تسمع قارئاً تشعر أنه ينحت الحروف من ظهر جبل وعر، ويطربك آخر حتى لكأنك ترى الدر ينظم في سلك ناعم، بتناسق متقن، وتتابع مبهر!
واسمع إن شئتَ القراء محمد أيوب أو خليفة الطنيجي أو مشاري العفاسي.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن أهلك وخاصتك، وأذقنا حلاوة فهم كتابك، وارزقنا العمل بمحكمه، والإيمان بمتشابهه، وتلاوته حق تلاوته.
كتبه/ضيف الله بن محمد الشمراني
يوم الجمعة 19/2/1433هـ
 
الأخ الكريم ضيف الله الشمراني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
بارك الله فيكم، وجزاكم خيرا ، وأشكر لك الموضوع القيم .
ولي تعليق أيها الكريم ، القانونان المذكوران سلفا لابد أن يتقيدا بحسن الأداء ، فكم من قارئ متقن لأحكام التجويد ، ومدرك للمقامات ، ومع ذلك يفتقر إلى حسن الأداء ، فينتقل بين المقامات من دون ضوابط ، ويصعد من القرار إلى الجواب أو العكس ، بغرض تنوع المقامات ، والنبرة الصوتية ، فيأتي بقراءة مكتظة بالنشاز ، لا تطيق أن تسمع له وجها واحدا فضلا عن غيره .
وقد يكون القارئ متقنا لما تفضلت به ، ومدركا لكيفية التنقل بين المقامات من دون أن يشعر القارئ بذلك ، لكن يطلب حسن الأداء بكثرة النبر في القراءة فتفقد القراءة حسنها وجمالها ، ولن أذكر أسماء بعض القراء الذين يفعلون ذلك .
ولكن أقول : لعل تميز القراء الخمسة(الحصري، المنشاوي ، عبد الباسط ، البنا ، مصطفى إسماعيل ) يبرهن لك ما أسلفتُ ذكره ، فتجد القراءة في غاية الحسن ، خلية من النشاز ، ومن كثر النبر ، ولا أخصهم وحدهم بل هناك غيرهم كثير.
والفرق بين الاثنين أن الثاني يتأتى النبر معه من دون تعمد ، بل يغلبه الأداء والمعاني على ذلك ، والثاني يتعمد كثرة النبر ليأتي بزيادة الحسن ، وقد تكون كذلك لكن تمل من القراءة مع سماعك لسورة واحدة ، فقلة مواطن الجمال تجعلك تتشوق إلى سماعها مرة أخرى ، ولكن كثرتها وترددها كثيرا ، يفقد هذا الجمال لذته .
بارك الله فيك ، والسلام عليكم
 
جميلٌ يا جميلُ.!
بارك الله تعالى فيك , واسمح لي أن أقول إنَّ بالمدينة لرجَالاً ما تُمَلُّ خلفَهم الصًّلاةُ إذْ يُذكّرونكَ بتَنَغٌّم ذي النَّغَم الغَرد , ولكنَّهم يتخفَّوْن , ومنهم على سبيل التمثيل لا الحصر: شيخنا الأعذبُ الغرّيد: محمد صالح أبو زيد - محمد عمر الجنايني - سيف الرحمن بن حافظ - ضيف الله الشمراني - (محمد و محمود وأحمد) أبناء الشيخ خليل القارئ - سلمان طاشكندي - محمد سيف - نايف السالم - والقائمة تطول.
 
جميلٌ يا جميلُ.!
بارك الله تعالى فيك , واسمح لي أن أقول إنَّ بالمدينة لرجَالاً ما تُمَلُّ خلفَهم الصًّلاةُ إذْ يُذكّرونكَ بتَنَغٌّم ذي النَّغَم الغَرد , ولكنَّهم يتخفَّوْن , ومنهم على سبيل التمثيل لا الحصر: شيخنا الأعذبُ الغرّيد: محمد صالح أبو زيد - محمد عمر الجنايني - سيف الرحمن بن حافظ - ضيف الله الشمراني - (محمد و محمود وأحمد) أبناء الشيخ خليل القارئ - سلمان طاشكندي - محمد سيف - نايف السالم - _والقائمة تطول.
أُكرمت ، عسى الله أن يمن علينا ونصلي القيام خلف أحدهم .
 
فكلما زادت معرفة القارئ بهذين القانونين، وتمكنه منهما = أتى بالقراءة على وجهها، بريئة من اللحن والغلط الإخلال، فإن رزق صوتا حسناً أخذ بمجامع القلوب، واستولى على كمائن النفوس، وحلّق بالأرواح في عالم آخر!

معرفة المقامات واستخدامها في القراءة تؤدي أحيانا إلى اللحن الجلي وتمطيط الحركات إن لم يحترز منها القارئ
 
الأخ الكريم ضيف الله الشمراني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
بارك الله فيكم، وجزاكم خيرا ، وأشكر لك الموضوع القيم .
ولي تعليق أيها الكريم ، القانونان المذكوران سلفا لابد أن يتقيدا بحسن الأداء ، فكم من قارئ متقن لأحكام التجويد ، ومدرك للمقامات ، ومع ذلك يفتقر إلى حسن الأداء ، فينتقل بين المقامات من دون ضوابط ، ويصعد من القرار إلى الجواب أو العكس ، بغرض تنوع المقامات ، والنبرة الصوتية ، فيأتي بقراءة مكتظة بالنشاز ، لا تطيق أن تسمع له وجها واحدا فضلا عن غيره .
وقد يكون القارئ متقنا لما تفضلت به ، ومدركا لكيفية التنقل بين المقامات من دون أن يشعر القارئ بذلك ، لكن يطلب حسن الأداء بكثرة النبر في القراءة فتفقد القراءة حسنها وجمالها ، ولن أذكر أسماء بعض القراء الذين يفعلون ذلك .
ولكن أقول : لعل تميز القراء الخمسة(الحصري، المنشاوي ، عبد الباسط ، البنا ، مصطفى إسماعيل ) يبرهن لك ما أسلفتُ ذكره ، فتجد القراءة في غاية الحسن ، خلية من النشاز ، ومن كثر النبر ، ولا أخصهم وحدهم بل هناك غيرهم كثير.
والفرق بين الاثنين أن الثاني يتأتى النبر معه من دون تعمد ، بل يغلبه الأداء والمعاني على ذلك ، والثاني يتعمد كثرة النبر ليأتي بزيادة الحسن ، وقد تكون كذلك لكن تمل من القراءة مع سماعك لسورة واحدة ، فقلة مواطن الجمال تجعلك تتشوق إلى سماعها مرة أخرى ، ولكن كثرتها وترددها كثيرا ، يفقد هذا الجمال لذته .
بارك الله فيك ، والسلام عليكم
أحسنتَ يا شيخ أحمد جزاك الله خيراً.
الذي يظهر لي أن حسن الأداء ناتج عن العمل بالقانونين المذكورين، والله أعلم.
 
معرفة المقامات واستخدامها في القراءة تؤدي أحيانا إلى اللحن الجلي وتمطيط الحركات إن لم يحترز منها القارئ
أخي الكريم: لا تنسَ أن القانون الأول هو التجويد، أرجو أن تقرأ المقال مرة أخرى بتمعّن -بارك الله فيك-.
 
قرأت مقالك جيدا يا أخي ولم أعارضك أبدا وإنما نبهت الأخطاء التي تقع من بعض المقاميين من تمطيط الحركات وزيادة المدود وهذا مما لا يختلف فيه اثنان وتكلم عنه كثير من قراء زماننا.
 
أحسنتَ يا شيخ أحمد جزاك الله خيراً.
الذي يظهر لي أن حسن الأداء ناتج عن العمل بالقانونين المذكورين، والله أعلم.
نعم بارك الله فيكم ، لذا قلت بالتقييد ، ولم أمنع أحدهما ، مع اعتبار الفرق بين معرفة المقامات ، وآدائها.
بمعنى أن كل قراءة حسنة لا بد أن توافق مقاما موسيقيا ، وإن كان القارئ ليس له دراية بالمقامات .
وكنت أحيانا أقرأ أمام المشتغلين بهذا العلم فيذكر لي أن قراءتي على مقام معين ، مع أني لا أقصد ذلك ، وليس لي علم بالمقامات .
وقد سمعت أحد أبناء الشيخ مصطفى إسماعيل يقول: إن أباه لم يكن يعرف شيئا عن المقامات ، وأنا أستبعد ذلك كل البعد ، والمستمع لقراءة الشيخ يدرك ذلك .
على كل بارك الله فيك ونفع بكم وحفظكم وأهليكم من كل سوء ، والسلام عليكم .
 
معرفة المقامات واستخدامها في القراءة تؤدي أحيانا إلى اللحن الجلي وتمطيط الحركات إن لم يحترز منها القارئ
هذا الخطأ من القارئ ، ولذا نبه من أشار إلى القراءة بالمقامات على أدائها من دون خلل في الأحكام .
مع العلم أن هذا الخطأ يقع فيه من لا يعرف المقامات أيضا ، فليس محجورا عليهم .
والسلام عليكم
 
قرأت مقالك جيدا يا أخي ولم أعارضك أبدا وإنما نبهت الأخطاء التي تقع من بعض المقاميين من تمطيط الحركات وزيادة المدود وهذا مما لا يختلف فيه اثنان وتكلم عنه كثير من قراء زماننا.
عفواً أخي الكريم، فهمتُ غير ما قصدتَ.
 
واسمع إن شئتَ القراء محمد أيوب أو خليفة الطنيجي أو مشاري العفاسي.
مع حبي واحترامي للشيخ ضيف الله إلا أن ذكر الشيخ الثالث مع الشيخين فيه نظر ونظر كبير أيضاً ، وكلكم نظر !! .
 
موضوع طريف وفقك الله أخي الكريم ، وليت الزملاء المقرئين في الملتقى يتحفوننا بتسجيلات خاصة في الملتقى إما من صلاتهم في مساجدهم أو بتسجيل خاص للملتقى حتى نستمتع بهذه التلاوات ونتعلم منها بعض المهارات والفروق الدقيقة لبعض قضايا الأداء .
وفقكم الله لكل خير وزادكم علماً وتوفيقاً .
 
روى ابن ماجة في سننه بسند صحيح من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
«إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله» .
فهذا هو العامل الأول و الأهم فإذا اجتمع معه صوت عذب وقراءة خاشعة في صلاة دون تكلف مع ضبط لأحكام التلاوة كاد القلب أن يطير و يفارق هذه الدنيا .
 
لديَّ إضافاتٌ قد تتعلَّقُ بالموضوع:
* من باب التأصيل أسرُد أسماءَ بعض المغَرِّدينَ بكلام الله تعالى من سلفنا الصالح رضي الله عنهم بعد أنبياء الله عليهم السلام:

[*] أبو موسى الأشعريُّ رضي الله عنه.

[*] أسيد بن حضير رضي الله عنه.

[*] معاذ بن جبل رضي الله عنه.

[*] عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

[*] عمر بن عبد العزيز رحمه الله.

[*] علقمة بن قيس النخعي رحمه الله (إمام الكوفة وفقيهها).

[*] العلاء بن كثير القرشي رحمه الله

[*] ورش بن سعيد راوي نافع رحمهما الله

[*] الموفق بن قدامة رحمه الله.

[*] أمير المؤمنين في التفسير أبو جعفر الطبري رحمه الله , قال عنه الحافظ ابن كثير رحمه الله (وكان حسن الصوت بالقراءة مع المعرفة التامة بالقراءات على أحسن الصفات).

[*] ليسَ عيباً ولا قدحاً أن يكون الواحدُ من أهل القرآن والقراءات وليسَ حسن الصَّوت ولا قريباً من ذلكَ ؛ ومن تأمَّل أساطين القراءات وعلماءها المعاصرين اليوم وجدَ شاهد هذه المقالة , بل ومن طالع غايةَ ابن الجزري وجده يُترجمُ للعشَراتِ متتاليةً أسماؤهم لا يُثني على واحدٍ منهم بحُسن صوته ويفعل ذلك في ثلاثة وأربعةٍ متتالين كل منهم يقول عنه كان حسَن الصوت , مما يؤكد أن العلم بالقرآن لا يشينه عدمُ حسن الصوتِ والعكسُ صحيحٌ مُرادٌ مقصودٌ.!

[*] من دقَّة أسلافِنا رحمهم الله في التَّفريق بين حُسن الصوت المقرون بمهارة الأداء القرآنيِّ , وبين حُسن الصوت في غير القرآن أنَّهم عند التَّرجَمة لجميلي الأصوات من غير قراء الصحابة والتابعين أنهم يقيدون حُسن أصواتهم عند الإشارة إليه فيقولون عن أنجشة رضي الله عنه وكان حسن الصوت بالحُداء , وكذلك أبو محذورة وبلال رضي الله عنهما في الأذان , والبراء بن مالك رضي الله عنه في الحُداء كذلك , وهذه لفتة ينبغي أن نحتَسب في تعليمها للمنشدين والمغنين الذين أصبح من (صرخاتهم) الإعلامية تسجيل مقاطع وسور من القرآن وإذاعتها للعالمين على علاَّتِها ولُحُونها , وتتهافتُ - مع الأسف - القنواتُ والإذاعاتُ لحيازة السبق في بث تلاواتهم مع أنَّ أقلَّ أحوال إسماعها للعامَّة الكَراهةُ , ومن تابعَ أحدَهم عجِب من التُّخمَة النغَميَّة التي تصيبه جرَّاء الخلط بين الأذان والقراءة والمجسَّات والموواويل والشيلات وغير ذلك.

[*] هذا التفريقُ له أصلٌ نبويٌّ وليس هو تحكُّماً اعتباطياً ذلك أنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم قال لما سمع تأذين الفتية بمكة (وفيهم أبو محذورة رضي الله عنه) {قَدْ سَمِعْتُ فِي هَؤُلاَءِ تَأْذِينَ إِنْسَانٍ حَسَنِ الصَّوْت} رواه النسائيُّ صحيحاً , ومع ذلك لا أعلمُ نصا صحيحاً فيه إيحاءٌ بأخذ القرآن عنهُ أو عن أنجشة أو بلال أو البراء رضي الله عنهم أو قراءته كما يقرؤونه أو تقديم أحدهم إماماً أو غير ذلك مما يختص به مهرةُ القراء وهذا تأصيلٌ فيما أحسبُ لاحترام التخصُّص (وإن كان عدمُ العلم لا يلزمُ منهُ العدَمُ).

[*][*] لفتَةٌ هامَّةٌ: من المُخيفات والمواعظ البيِّنات في هذا الباب أنَّ قارونَ المخسوفَ به وبدَاره كان أجمل بني إسرائيل صوتاً بالقرآن بعد كليم الله وأخيه هارون عليهما السلامُ , وكان حَسَن الصَّوت جداً , فليحذَر المُقدَّمُون لحُسن أصواتهم وهم يعلمون دواهيهم مع الله أن يكونوا خُلفاء قارون , ولئن لم يخسف الله بدُورهم فليخسفَنَّ بأقدارهم وآثارهم وذكرهم الحَسَن ولو بعدَ حين.
 
أمير المؤمنين في التفسير أبو جعفر الطبري رحمه الله , قال عنه الحافظ ابن كثير رحمه الله (وكان حسن الصوت بالقراءة مع المعرفة التامة بالقراءات على أحسن الصفات).
قال الخطيب البغدادي:
حدثني أبو القاسم الأزهري قال حكى لنا أبو الحسن بن رزقويه عن أبي علي الطوماري قال كنت أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدي أبي بكر بن مجاهد إلى المسجد لصلاة التراويح فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره واجتاز على مسجده فلم يدخله وأنا معه وسار حتى انتهى إلى آخر سوق العطش فوقف بباب مسجد محمد بن جرير ومحمد يقرأ سورة الرحمن فاستمع قراءته طويلا ثم انصرف فقلت له يا أستاذ تركت الناس ينتظرونك وجئت تسمع قراءة هذا فقال يا أبا علي دع هذا عنك ما ظننت ان الله تعالى خلق بشرا يحسن يقرأ هذه القراءة


ليسَ عيباً ولا قدحاً أن يكون الواحدُ من أهل القرآن والقراءات وليسَ حسن الصَّوت ولا قريباً من ذلكَ ؛ ومن تأمَّل أساطين القراءات وعلماءها المعاصرين اليوم وجدَ شاهد هذه المقالة , بل ومن طالع غايةَ ابن الجزري وجده يُترجمُ للعشَراتِ متتاليةً أسماؤهم لا يُثني على واحدٍ منهم بحُسن صوته ويفعل ذلك في ثلاثة وأربعةٍ متتالين كل منهم يقول عنه كان حسَن الصوت , مما يؤكد أن العلم بالقرآن لا يشينه عدمُ حسن الصوتِ والعكسُ صحيحٌ مُرادٌ مقصودٌ.!
قال ابن الجزري في النشر:

وَلَقَدْ أَدْرَكْنَا مِنْ شُيُوخِنَا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُسْنُ صَوْتٍ وَلَا مَعْرِفَةٌ بِالْأَلْحَانِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ جَيِّدَ الْأَدَاءِ قَيِّمًا بِاللَّفْظِ ، فَكَانَ إِذَا قَرَأَ أَطْرَبَ الْمَسَامِعَ ، وَأَخَذَ مِنَ الْقُلُوبِ بِالْمَجَامِعِ ، وَكَانَ الْخَلْقُ يَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ ، وَيَجْتَمِعُونَ عَلَى الِاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ ، أُمَمٌ مِنَ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ ، يَشْتَرِكُ فِي ذَلِكَ مِنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ مِنْ سَائِرِ الْأَنَامِ مَعَ تَرْكِهِمْ جَمَاعَاتٍ مِنْ ذَوِي الْأَصْوَاتِ الْحِسَانِ ، عَارِفِينَ بِالْمَقَامَاتِ وَالْأَلْحَانِ لِخُرُوجِهِمْ عَنِ التَّجْوِيدِ وَالْإِتْقَانِ ، وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِي وَغَيْرِهِمْ أَخْبَارًا بَلَغَتِ التَّوَاتُرَ عَنْ شَيْخِهِمُ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّائِغِ الْمِصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَكَانَ أُسْتَاذًا فِي التَّجْوِيدِ أَنَّهُ قَرَأَ يَوْمًا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ وَكَرَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ فَنَزَلَ طَائِرٌ عَلَى رَأْسِ الشَّيْخِ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ حَتَّى أَكْمَلَهَا فَنَظَرُوا إِلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ هُدْهُدٌ ، وَبَلَغَنَا عَنِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ الْمَعْرُوفِ بِسِبْطِ الْخَيَّاطِ مُؤَلِّفِ الْمُبْهِجِ وَغَيْرِهِ فِي الْقِرَاءَاتِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ قَدْ أُعْطِيَ مِنْ ذَلِكَ حَظًّا عَظِيمًا ، وَأَنَّهُ أَسْلَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ سَمَاعِ قِرَاءَتِهِ ، وَآخِرُ مَنْ عَلِمْنَاهُ بَلَغَ النِّهَايَةَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُصْخَانَ شَيْخُ الشَّامِ ، وَالشَّيْخُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحِكْرِيُّ شَيْخُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - ، وَأَمَّا الْيَوْمُ فَهَذَا بَابٌ أُغْلِقَ ، وَطَرِيقٌ سُدَّ ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ قُصُورِ الْهِمَمِ وَنَفَاقِ سُوقِ الْجَهْلِ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ
 
عودة
أعلى