ماجد بن محمد العريفي
New member
( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
********
٢+١- القول في تأويل ( الْحَمْدُ لِلَّهِ )
١- قال أبو جعفر: ومعنى (الْحَمْدُ لِلَّهِ) : الشكر خالصًا لله جل ثناؤه دون سائر ما يُعبد من دونه، ودون كلِّ ما برَأَ من خلقه ، بما أنعم على عباده من النِّعم التي لا يُحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحدٌ، في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح أجسام المكلَّفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق، وَغذَاهم به من نعيم العيش، من غير استحقاق منهم لذلك عليه، ومع ما نبَّههم عليه ودعاهم إليه، من الأسباب المؤدِّية إلى دوام الخلود في دار المُقام في النعيم المقيم. فلربِّنا الحمدُ على ذلك كله أولا وآخرًا.
وبما ذكرنا من تأويل قول ربنا جلّ ذكره وتقدَّست أسماؤه: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، جاء الخبرُ عن ابن عباس وغيره:-
- عن ابن عباس، قال: قال جبريل لمحمد صلى الله عليهما: قل يا محمد "الحمد لله " قال ابن عباس: "الحمد لله": هو الشكر لله، والاستخذاء لله، والإقرار بنعمته وهدايته وابتدائه، وغير ذلك. **ضعفه احمد شاكر***
- عن الحكم بن عُمَير - وكانت له صحبة - قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إذا قلت "الحمد لله ربِّ العالمين"، فقد شكرت الله، فزادك. ***ضعفه احمد شاكر***
- قال: وقد قيل: إنّ قول القائل "الحمد لله"، ثناء على الله بأسمائه وصفاته الحُسنى، وقوله: "الشكر لله"، ثناء عليه بنعمه وأياديه.
- وقد رُوي عن كعب الأحبار أنه قال: "الحمد لله"، ثناءٌ على الله. ولم يبيّن في الرواية عنه، من أي معنيي الثناء اللذين ذكرنا ذلك.
- عن كعب، قال: من قال "الحمد لله"، فذلك ثناء على الله.
- عن الأسود بن سريع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس شيءٌ أحبَّ إليه الحمد، من الله تعالى، ولذلك أثنى على نَفسه فقال: "الحمد لله".***اسناده صحيح قاله احمد شاكر***
٢- قال أبو جعفر: ولا تَمانُع بين أهل المعرفة بلغات العرب من الحُكْم ، لقول القائل: "الحمد لله شكرًا" - بالصحة. فقد تبيّن - إذْ كان ذلك عند جميعهم صحيحًا - أنّ الحمد لله قد يُنطق به في موضع الشكر، وأن الشكر قد يوضع موضعَ الحمد. لأن ذلك لو لم يكن كذلك، لما جاز أن يُقال "الحمد لله شكرًا"، فيُخْرِج من قول القائل "الحمد لله" مُصَدَّرَ: "أشكُرُ"، لأن الشكر لو لم يكن بمعنى الحمد، كان خطأ أن يُصَدَّرَ من الحمد غيرُ معناه وغير لفظه.
٣- فإن قال لنا قائل: وما وجه إدخال الألف واللام في الحمد؟ وهلا قيل: حمدًا لله رب العالمين؟
* قيل: إن لدخول الألف واللام في الحمد، معنى لا يؤديه قول القائل "حَمْدًا"، بإسقاط الألف واللام. وذلك أن دخولهما في الحمد مُنْبِئٌ عن أن معناه : جميعُ المحامد والشكرُ الكامل لله.
- ولو أسقطتا منه لما دَلّ إلا على أنّ حَمْدَ قائلِ ذلك لله، دون المحامد كلها. إذْ كان معنى قول القائل: "حمدًا لله" أو "حمدٌ لله":أحمد الله حمدًا،
٤- وليس التأويل في قول القائل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، تاليًا سورةَ أم القرآن: أحمدُ الله، بل التأويلُ في ذلك ما وصفنا قبلُ، من أنّ جميع المحامد لله بألوهيّته وإنعامه على خلقه بما أنعم به عليهم من النعم التي لا كِفاء لها في الدين والدنيا، والعاجل والآجل.
ولذلك من المعنى، تتابعتْ قراءة القرّاء وعلماء الأمة على رَفع الحمد من (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) دون نصبها، الذي يؤدي إلى الدلالة على أن معنى تاليه كذلك: أحمد الله حمدًا.
ولو قرأ قارئ ذلك بالنصب، لكان عندي مُحيلا معناه، ومستحقًّا العقوبةَ على قراءته إياه كذلك، إذا تعمَّد قراءتَه كذلك، وهو عالم بخطئه وفساد تأويله.
٥- فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله "الحمد لله"؟ أحَمِد الله نفسه جلّ ثناؤه فأثنى عليها، ثم علَّمنَاه لنقول ذلك كما قال ووصَف به نفسه؟ فإن كان ذلك كذلك، فما وجه قوله تعالى ذكره إذًا (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وهو عزّ ذكرُه معبودٌ لا عابدٌ؟ أم ذلك من قِيلِ جبريلَ أو محمدٍ رَسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقد بَطل أن يكون ذلك لله كلامًا.
* قيل: بل ذلك كله كلام الله جل ثناؤه، ولكنه جلّ ذكره حَمِد نفسه وأثنى عليها بما هو له أهلٌ، ثم علَّم ذلك عباده، وفرض عليهم تلاوته، اختبارًا منه لهم وابتلاءً، فقال لهم قولوا: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، وقولوا: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) . فقوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) مما علمهم جلّ ذكره أن يقولوه ويَدينُوا له بمعناه، وذلك موصول بقوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، وكأنه قال: قولوا هذا وهذا.
٦- فإن قال: وأين قوله: "قولوا"، فيكونَ تأويلُ ذلك ما ادَّعَيْتَ؟
* قيل: قد دللنا فيما مضى أن العرب من شأنها - إذا عرفتْ مكان الكلمة، ولم تَشكَّك أنّ سامعها يعرف، بما أظهرت من منطقها، ما حذفت -حذفُ ما كفى منه الظاهرُ من منطقها، ولا سيما إن كانت تلك الكلمة التي حُذفت، قولا أو تأويلَ قولٍ، كما قال الشاعر:
وأَعْلَمُ أَنَّنِي سَأَكُونُ رَمْسًا ...
إذَا سَارَ النَّوَاعِجُ لا يَسِيرُ
فَقَالَ السّائلون لِمَنْ حَفَرْتُمْ? ...
فَقَالَ المُخْبِرُون لَهُمْ: وزيرُ
قال أبو جعفر: يريد بذلك، فقال المخبرون لهم: الميِّتُ وزيرٌ، فأسقَط الميت ، إذ كان قد أتى من الكلام بما دلّ على ذلك.
- وكذلك قول الآخر:
وَرأَيتِ زَوْجَكِ في الوغَى ...
مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا
وقد علم أنّ الرمح لا يُتَقَلَّد، وإنما أراد: وحاملا رمحًا، ولكن لما كان معلومًا معناه، اكتفى بما قد ظَهر من كلامه، عن إظهار ما حذف منه.
- وقد يقولون للمسافر إذا ودَّعوه: "مُصاحَبًا مُعافًى"، يحذفون "سر، واخرج"، إذ كان معلومًا معناه، وإن أسقط ذكره.
- فكذلك ما حُذف من قول الله تعالى ذكره: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، لمَّا عُلم بقوله جل وعزّ: (إيّاكَ نَعبُد) ما أراد بقوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، من معنى أمره عبادَه، أغنتْ دلالةُ ما ظُهِر عليه من القول عن إبداء ما حُذف.
- وقد روينا الخبرَ الذي قدمنا ذكره مبتَدأ في تأويل قول الله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، عن ابن عباس، وأنه كان يقول: إن جبريل قال لمحمد: قل يا محمد: "الحمد لله رب العالمين"، وبيّنا أن جبريل إنما علّم محمدًا ما أُمِر بتعليمه إياه. وهذا الخبر يُنبئ عن صحة ما قلنا في تأويل ذلك.**ضعفه احمد شاكر***
~~~~~~~
٢+٢- القول في تأويل قوله: {رَبِّ} .
~~~~~
١- قال أبو جعفر: قد مضى البيان عن تأويل اسم الله الذي هو "الله"، في "بسم الله"، فلا حاجة بنا إلى تكراره في هذا الموضع.
٢- وأما تأويل قوله (رَبِّ) ، فإن الرّب في كلام العرب منصرفٌ على معان:
أ- فالسيد المطاع فيها يدعَى ربًّا،
- ومن ذلك قول لَبِيد بن ربيعة:
وأَهْلكْنَ يومًا ربَّ كِنْدَة وابنَه ...
ورَبَّ مَعدٍّ، بين خَبْتٍ وعَرْعَرِ
يعني بربِّ كندة: سيِّد كندة.
- ومنه قول نابغة بني ذُبيان:
تَخُبُّ إلى النُّعْمَانِ حَتَّى تَنالَهُ ...
فِدًى لكَ من رَبٍّ طَرِيفِي وَتَالِدِي
ب- والرجل المصلح للشيء يُدعى ربًّا،
- ومنه قول الفرزدق بن غالب:
كانُوا كَسَالِئَةٍ حَمْقَاءَ إذْ حَقَنتْ ...
سِلاءَها فِي أدِيم غَيْرِ مَرْبُوبِ
يعني بذلك: في أديم غير مُصلَحٍ.
- ومن ذلك قيل: إن فلانًا يَرُبُّ صنيعته عند فلان؛ إذا كان يحاول إصلاحها وإدامتها،
- ومن ذلك قول علقمة بن عَبَدة:
فكُنْتَ امرَأً أَفْضَتْ إليك رِبَابَتي ...
وَقَبْلَكَ رَبَّتْني، فَضِعْتُ رُبُوبُ
يعنى بقوله: "أفضتْ إليك" أي وصلتْ إليك رِبَابتي، فصرتَ أنت الذي ترُبُّ أمري فتصلحه، لمّا خرجتُ من ربابة غيرك من الملوك الذين كانوا قبلك عليّ ، فضيَّعوا أمري وتركوا تفقُّده - وهم الرُّبوب: واحدهم ربٌّ.
ج- والمالك للشيء يدعى رَبَّه.
د- وقد يتصرف أيضًا معنى "الربّ" في وجوه غير ذلك،
- غير أنها تعود إلى بعض هذه الوجوه الثلاثة.
٣- فربّنا جلّ ثناؤه: السيد الذي لا شِبْه لهُ، ولا مثل في سُؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر.
- وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله جلّ ثناؤه (رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، جاءت الرواية عن ابن عباس:-، قال: قال جبريل لمحمد: "يا محمد قل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) "، قال ابن عباس: يقول: قل الحمد لله الذي له الخلق كله - السمواتُ كلهن ومن فيهنّ، والأَرَضُون كلُّهنّ ومن فيهنّ وما بينهن، مما يُعلم ومما لا يُعلم. يقول: اعلم يا محمد أن ربَّك هذا لا يشبهه شيء. ***ضعفه احمد شاكر***
~~~~~
٢+٣- القول في تأويل قوله: {الْعَالَمِينَ} .
~~~~~
١- قاله أبو جعفر: والعالَمون جمع عالَم، والعالَم: جمعٌ لا واحدَ له من لفظه، كالأنام والرهط والجيش، ونحو ذلك من الأسماء التي هي موضوعات على جِمَاعٍ لا واحد له من لفظه.
٢- والعالم اسم لأصناف الأمم، وكل صنف منها عالَمٌ، وأهل كل قَرْن من كل صنف منها عالم ذلك القرن وذلك الزمان.
فالإنس عالَم، وكل أهل زمان منهم عالمُ ذلك الزمان.
والجنُّ عالم، وكذلك سائر أجناس الخلق، كلّ جنس منها عالمُ زمانه.
٣- ولذلك جُمع فقيل: عالمون، وواحده جمعٌ، لكون عالم كلّ زمان من ذلك عالم ذلك الزمان. ومن ذلك قول العجاج:
* فَخِنْدِفٌ هامَةُ هَذَا العَالَمِ *
فجعلهم عالمَ زمانه.
- وهذا القول الذي قلناه، قولُ ابن عباس وسعيد بن جبير، وهو معنى قول عامّة المفسرين.
- عن ابن عباس: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، الحمد لله الذي له الخلق كله: السموات والأرضون ومَن فيهنّ، وما بينهن، مما يُعلم ولا يعلم. **ضعفه احمد شاكر**
- عن ابن عباس: (رب العالمين) : الجن والإنس. **اسناده صحيح ذكره احمد شاكر**
- عن ابن عباس، في قول الله جل وعزّ (رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، قال: ربِّ الجن والإنس. **اسناده حسن ذكره احمد شاكر***
- عن سعيد بن جبير: قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، قال: الجنّ والإنس. **اسناده حسن ذكره احمد شاكر**
- عن سعيد بن جبير، قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال: ابن آدم، والجن والإنس، كل أمة منهم عالمٌ على حِدَته.
- عن مجاهد: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، قال: الإنس والجن. **اسناده ضعيف قاله احمد شاكر**
- عن قتادة: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال: كلّ صنف عالم.
- عن أبي العالية، في قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، قال: الإنس عالَمٌ، والجنّ عالم، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم، أو أربعةَ عشر ألف عالم - هو يشكّ - من الملائكة على الأرض، وللأرض أربع زوايا، في كل زاوية ثلاثة آلافِ عالم وخمسمائة عالَمٍ، خلقهم لعبادته.
- عن ابن جُريج، في قوله: (رَبِّ الَعَالَمِينَ) قال: الجن والإنس.
اختصره ماجد بن محمد العريفي
يوم الخميس ٢٥-٩-١٤٣٧هـ
********
٢+١- القول في تأويل ( الْحَمْدُ لِلَّهِ )
١- قال أبو جعفر: ومعنى (الْحَمْدُ لِلَّهِ) : الشكر خالصًا لله جل ثناؤه دون سائر ما يُعبد من دونه، ودون كلِّ ما برَأَ من خلقه ، بما أنعم على عباده من النِّعم التي لا يُحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحدٌ، في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح أجسام المكلَّفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق، وَغذَاهم به من نعيم العيش، من غير استحقاق منهم لذلك عليه، ومع ما نبَّههم عليه ودعاهم إليه، من الأسباب المؤدِّية إلى دوام الخلود في دار المُقام في النعيم المقيم. فلربِّنا الحمدُ على ذلك كله أولا وآخرًا.
وبما ذكرنا من تأويل قول ربنا جلّ ذكره وتقدَّست أسماؤه: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، جاء الخبرُ عن ابن عباس وغيره:-
- عن ابن عباس، قال: قال جبريل لمحمد صلى الله عليهما: قل يا محمد "الحمد لله " قال ابن عباس: "الحمد لله": هو الشكر لله، والاستخذاء لله، والإقرار بنعمته وهدايته وابتدائه، وغير ذلك. **ضعفه احمد شاكر***
- عن الحكم بن عُمَير - وكانت له صحبة - قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إذا قلت "الحمد لله ربِّ العالمين"، فقد شكرت الله، فزادك. ***ضعفه احمد شاكر***
- قال: وقد قيل: إنّ قول القائل "الحمد لله"، ثناء على الله بأسمائه وصفاته الحُسنى، وقوله: "الشكر لله"، ثناء عليه بنعمه وأياديه.
- وقد رُوي عن كعب الأحبار أنه قال: "الحمد لله"، ثناءٌ على الله. ولم يبيّن في الرواية عنه، من أي معنيي الثناء اللذين ذكرنا ذلك.
- عن كعب، قال: من قال "الحمد لله"، فذلك ثناء على الله.
- عن الأسود بن سريع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس شيءٌ أحبَّ إليه الحمد، من الله تعالى، ولذلك أثنى على نَفسه فقال: "الحمد لله".***اسناده صحيح قاله احمد شاكر***
٢- قال أبو جعفر: ولا تَمانُع بين أهل المعرفة بلغات العرب من الحُكْم ، لقول القائل: "الحمد لله شكرًا" - بالصحة. فقد تبيّن - إذْ كان ذلك عند جميعهم صحيحًا - أنّ الحمد لله قد يُنطق به في موضع الشكر، وأن الشكر قد يوضع موضعَ الحمد. لأن ذلك لو لم يكن كذلك، لما جاز أن يُقال "الحمد لله شكرًا"، فيُخْرِج من قول القائل "الحمد لله" مُصَدَّرَ: "أشكُرُ"، لأن الشكر لو لم يكن بمعنى الحمد، كان خطأ أن يُصَدَّرَ من الحمد غيرُ معناه وغير لفظه.
٣- فإن قال لنا قائل: وما وجه إدخال الألف واللام في الحمد؟ وهلا قيل: حمدًا لله رب العالمين؟
* قيل: إن لدخول الألف واللام في الحمد، معنى لا يؤديه قول القائل "حَمْدًا"، بإسقاط الألف واللام. وذلك أن دخولهما في الحمد مُنْبِئٌ عن أن معناه : جميعُ المحامد والشكرُ الكامل لله.
- ولو أسقطتا منه لما دَلّ إلا على أنّ حَمْدَ قائلِ ذلك لله، دون المحامد كلها. إذْ كان معنى قول القائل: "حمدًا لله" أو "حمدٌ لله":أحمد الله حمدًا،
٤- وليس التأويل في قول القائل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، تاليًا سورةَ أم القرآن: أحمدُ الله، بل التأويلُ في ذلك ما وصفنا قبلُ، من أنّ جميع المحامد لله بألوهيّته وإنعامه على خلقه بما أنعم به عليهم من النعم التي لا كِفاء لها في الدين والدنيا، والعاجل والآجل.
ولذلك من المعنى، تتابعتْ قراءة القرّاء وعلماء الأمة على رَفع الحمد من (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) دون نصبها، الذي يؤدي إلى الدلالة على أن معنى تاليه كذلك: أحمد الله حمدًا.
ولو قرأ قارئ ذلك بالنصب، لكان عندي مُحيلا معناه، ومستحقًّا العقوبةَ على قراءته إياه كذلك، إذا تعمَّد قراءتَه كذلك، وهو عالم بخطئه وفساد تأويله.
٥- فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله "الحمد لله"؟ أحَمِد الله نفسه جلّ ثناؤه فأثنى عليها، ثم علَّمنَاه لنقول ذلك كما قال ووصَف به نفسه؟ فإن كان ذلك كذلك، فما وجه قوله تعالى ذكره إذًا (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وهو عزّ ذكرُه معبودٌ لا عابدٌ؟ أم ذلك من قِيلِ جبريلَ أو محمدٍ رَسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقد بَطل أن يكون ذلك لله كلامًا.
* قيل: بل ذلك كله كلام الله جل ثناؤه، ولكنه جلّ ذكره حَمِد نفسه وأثنى عليها بما هو له أهلٌ، ثم علَّم ذلك عباده، وفرض عليهم تلاوته، اختبارًا منه لهم وابتلاءً، فقال لهم قولوا: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، وقولوا: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) . فقوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) مما علمهم جلّ ذكره أن يقولوه ويَدينُوا له بمعناه، وذلك موصول بقوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، وكأنه قال: قولوا هذا وهذا.
٦- فإن قال: وأين قوله: "قولوا"، فيكونَ تأويلُ ذلك ما ادَّعَيْتَ؟
* قيل: قد دللنا فيما مضى أن العرب من شأنها - إذا عرفتْ مكان الكلمة، ولم تَشكَّك أنّ سامعها يعرف، بما أظهرت من منطقها، ما حذفت -حذفُ ما كفى منه الظاهرُ من منطقها، ولا سيما إن كانت تلك الكلمة التي حُذفت، قولا أو تأويلَ قولٍ، كما قال الشاعر:
وأَعْلَمُ أَنَّنِي سَأَكُونُ رَمْسًا ...
إذَا سَارَ النَّوَاعِجُ لا يَسِيرُ
فَقَالَ السّائلون لِمَنْ حَفَرْتُمْ? ...
فَقَالَ المُخْبِرُون لَهُمْ: وزيرُ
قال أبو جعفر: يريد بذلك، فقال المخبرون لهم: الميِّتُ وزيرٌ، فأسقَط الميت ، إذ كان قد أتى من الكلام بما دلّ على ذلك.
- وكذلك قول الآخر:
وَرأَيتِ زَوْجَكِ في الوغَى ...
مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا
وقد علم أنّ الرمح لا يُتَقَلَّد، وإنما أراد: وحاملا رمحًا، ولكن لما كان معلومًا معناه، اكتفى بما قد ظَهر من كلامه، عن إظهار ما حذف منه.
- وقد يقولون للمسافر إذا ودَّعوه: "مُصاحَبًا مُعافًى"، يحذفون "سر، واخرج"، إذ كان معلومًا معناه، وإن أسقط ذكره.
- فكذلك ما حُذف من قول الله تعالى ذكره: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، لمَّا عُلم بقوله جل وعزّ: (إيّاكَ نَعبُد) ما أراد بقوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، من معنى أمره عبادَه، أغنتْ دلالةُ ما ظُهِر عليه من القول عن إبداء ما حُذف.
- وقد روينا الخبرَ الذي قدمنا ذكره مبتَدأ في تأويل قول الله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، عن ابن عباس، وأنه كان يقول: إن جبريل قال لمحمد: قل يا محمد: "الحمد لله رب العالمين"، وبيّنا أن جبريل إنما علّم محمدًا ما أُمِر بتعليمه إياه. وهذا الخبر يُنبئ عن صحة ما قلنا في تأويل ذلك.**ضعفه احمد شاكر***
~~~~~~~
٢+٢- القول في تأويل قوله: {رَبِّ} .
~~~~~
١- قال أبو جعفر: قد مضى البيان عن تأويل اسم الله الذي هو "الله"، في "بسم الله"، فلا حاجة بنا إلى تكراره في هذا الموضع.
٢- وأما تأويل قوله (رَبِّ) ، فإن الرّب في كلام العرب منصرفٌ على معان:
أ- فالسيد المطاع فيها يدعَى ربًّا،
- ومن ذلك قول لَبِيد بن ربيعة:
وأَهْلكْنَ يومًا ربَّ كِنْدَة وابنَه ...
ورَبَّ مَعدٍّ، بين خَبْتٍ وعَرْعَرِ
يعني بربِّ كندة: سيِّد كندة.
- ومنه قول نابغة بني ذُبيان:
تَخُبُّ إلى النُّعْمَانِ حَتَّى تَنالَهُ ...
فِدًى لكَ من رَبٍّ طَرِيفِي وَتَالِدِي
ب- والرجل المصلح للشيء يُدعى ربًّا،
- ومنه قول الفرزدق بن غالب:
كانُوا كَسَالِئَةٍ حَمْقَاءَ إذْ حَقَنتْ ...
سِلاءَها فِي أدِيم غَيْرِ مَرْبُوبِ
يعني بذلك: في أديم غير مُصلَحٍ.
- ومن ذلك قيل: إن فلانًا يَرُبُّ صنيعته عند فلان؛ إذا كان يحاول إصلاحها وإدامتها،
- ومن ذلك قول علقمة بن عَبَدة:
فكُنْتَ امرَأً أَفْضَتْ إليك رِبَابَتي ...
وَقَبْلَكَ رَبَّتْني، فَضِعْتُ رُبُوبُ
يعنى بقوله: "أفضتْ إليك" أي وصلتْ إليك رِبَابتي، فصرتَ أنت الذي ترُبُّ أمري فتصلحه، لمّا خرجتُ من ربابة غيرك من الملوك الذين كانوا قبلك عليّ ، فضيَّعوا أمري وتركوا تفقُّده - وهم الرُّبوب: واحدهم ربٌّ.
ج- والمالك للشيء يدعى رَبَّه.
د- وقد يتصرف أيضًا معنى "الربّ" في وجوه غير ذلك،
- غير أنها تعود إلى بعض هذه الوجوه الثلاثة.
٣- فربّنا جلّ ثناؤه: السيد الذي لا شِبْه لهُ، ولا مثل في سُؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر.
- وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله جلّ ثناؤه (رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، جاءت الرواية عن ابن عباس:-، قال: قال جبريل لمحمد: "يا محمد قل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) "، قال ابن عباس: يقول: قل الحمد لله الذي له الخلق كله - السمواتُ كلهن ومن فيهنّ، والأَرَضُون كلُّهنّ ومن فيهنّ وما بينهن، مما يُعلم ومما لا يُعلم. يقول: اعلم يا محمد أن ربَّك هذا لا يشبهه شيء. ***ضعفه احمد شاكر***
~~~~~
٢+٣- القول في تأويل قوله: {الْعَالَمِينَ} .
~~~~~
١- قاله أبو جعفر: والعالَمون جمع عالَم، والعالَم: جمعٌ لا واحدَ له من لفظه، كالأنام والرهط والجيش، ونحو ذلك من الأسماء التي هي موضوعات على جِمَاعٍ لا واحد له من لفظه.
٢- والعالم اسم لأصناف الأمم، وكل صنف منها عالَمٌ، وأهل كل قَرْن من كل صنف منها عالم ذلك القرن وذلك الزمان.
فالإنس عالَم، وكل أهل زمان منهم عالمُ ذلك الزمان.
والجنُّ عالم، وكذلك سائر أجناس الخلق، كلّ جنس منها عالمُ زمانه.
٣- ولذلك جُمع فقيل: عالمون، وواحده جمعٌ، لكون عالم كلّ زمان من ذلك عالم ذلك الزمان. ومن ذلك قول العجاج:
* فَخِنْدِفٌ هامَةُ هَذَا العَالَمِ *
فجعلهم عالمَ زمانه.
- وهذا القول الذي قلناه، قولُ ابن عباس وسعيد بن جبير، وهو معنى قول عامّة المفسرين.
- عن ابن عباس: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، الحمد لله الذي له الخلق كله: السموات والأرضون ومَن فيهنّ، وما بينهن، مما يُعلم ولا يعلم. **ضعفه احمد شاكر**
- عن ابن عباس: (رب العالمين) : الجن والإنس. **اسناده صحيح ذكره احمد شاكر**
- عن ابن عباس، في قول الله جل وعزّ (رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، قال: ربِّ الجن والإنس. **اسناده حسن ذكره احمد شاكر***
- عن سعيد بن جبير: قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، قال: الجنّ والإنس. **اسناده حسن ذكره احمد شاكر**
- عن سعيد بن جبير، قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال: ابن آدم، والجن والإنس، كل أمة منهم عالمٌ على حِدَته.
- عن مجاهد: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، قال: الإنس والجن. **اسناده ضعيف قاله احمد شاكر**
- عن قتادة: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال: كلّ صنف عالم.
- عن أبي العالية، في قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، قال: الإنس عالَمٌ، والجنّ عالم، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم، أو أربعةَ عشر ألف عالم - هو يشكّ - من الملائكة على الأرض، وللأرض أربع زوايا، في كل زاوية ثلاثة آلافِ عالم وخمسمائة عالَمٍ، خلقهم لعبادته.
- عن ابن جُريج، في قوله: (رَبِّ الَعَالَمِينَ) قال: الجن والإنس.
اختصره ماجد بن محمد العريفي
يوم الخميس ٢٥-٩-١٤٣٧هـ