احذروا هذه الفتنة !!

إنضم
17/12/2003
المشاركات
25
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
احذروا هذه الفتنة !!
إعداد
عبد الله بن حميد الفلاسي


اضغط هنا لقراءة الموضوع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

فإن من أعظم مكايد الشيطان التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله تعالى فتنته: ما أوحاه قديماً وحديثاً إلى حزبه وأوليائه من الافتتان بالقبور.

حتى آل الأمر فيها إلى أن عُبد أربابها من دون الله، وعُبدت قُبورهم، واتُّخذت أوثاناً، وبُنيت عليها الهياكل والقُبب، وصُورت صور أربابها فيها، ثم جعلت تلك الصور أجساداً لها ظلٌّ، ثم ُجعلت أصناماً، وعبدت مع الله تعالى.

ولهذا أضع بين يديك أيها القارئ العزيز،- سائلاً الله لك الهداية والتوفيق والسعادة والسداد - هذا الجمع من المسائل، وستكون على النحو التالي:

1- الزيارة الشرعية للقبور.
2- حكم البناء على القبور.
3- حكم الصلاة عند القبور.
4- حكم النذر والتبرك بالقبور.
5- حكم الطواف بالقبور والحلف بأصحابها.
6- حكم دعاء أصحاب القبور.
7- حكم إيقاد السرج على القبور

1- الزيارة الشرعية للقبور [1]:

زيارة القبور سنة أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد أن نهى عنها كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم ، في قوله ‏:‏ ‏( ‏كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة‏ )‏ رواه مسلم‏.‏ فزيارة القبور للتذكر والاتعاظ سنة ، فإن الإنسان إذا زار هؤلاء الموتى في قبورهم ، وكان هؤلاء بالأمس معه على ظهر الأرض يأكلون كما يأكل ، ويشربون كما يشرب ، ويتمتعون بدنياهم وأصبحوا الآن رهناً لأعمالهم إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر فإنه لا بد أن يتعظ ويلين قلبه ويتوجه إلى الله - عز وجل - بالإقلاع عن معصيته إلى طاعته‏.‏

وينبغي لمن زار المقبرة أن يدعو بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به وعلمه أمته‏:‏ ‏" ‏السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم ‏" يقول ‏:‏ هذا الدعاء‏.‏

ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يقرأ الفاتحة عند زيارة القبور، فالخير كل الخير في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع ما فعل واجتناب ما ترك مثلاً .

وأما زيارة القبور للنساء فإن ذلك محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج، فلا يحل للمرأة أن تزور المقبرة هذا إذا خرجت من بيتها لقصد الزيارة ، أما إذا مرت بالمقبرة بدون قصد الزيارة فلا حرج عليها أن تقف وأن تسلم على أهل المقبرة بما علمه النبي ، صلى الله عليه وسلم أمته، فيفرق بالنسبة للنساء بين من خرجت من بيتها لقصد الزيارة ،ومن مرت بالمقبرة بدون قصد فوقفت وسلمت، فالأولى التي خرجت من بيتها للزيارة قد فعلت محرماً وعرضت نفسها للعنة الله -عز وجل- وأما الثانية فلا حرج عليها ‏.‏

2- حكم البناء على القبور [2]:

البناء على القبور محرم، سواء كان مسجداً أو قبة أو أي بناء، فإنه لا يجوز ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) فعلل اللعنة باتخاذهم المساجد على القبور، فدل ذلك على تحريم البناء على القبور وأنه لا يجوز اتخذوها مساجد ؛ لأن اتخاذها مساجد من أسباب الفتنة بها لأنها إذا وضعت عليها المساجد افتتن بها الناس، وربما دعوها دون الله واستغاثوا بها فوقع الشرك، وفي حديث جندب بن عبد الله البجلي عند مسلم في صحيحه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ) .

هكذا يقول صلى الله عليه وسلم يحذرنا من اتخاذ المساجد على القبور، فينبغي لأهل الإسلام أن يحذروا ذلك، بل الواجب عليهم أن يحذروا ذلك، وفي حديث جابر عند مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه نهى عن تجصيص القبور وعن القعود عليها، وعن البناء عليها )، فالبناء عليها منهي عنه مطلقا، واتخاذ المساجد والقباب عليها كذلك؛ لأن ذلك من وسائل الشرك، إذا بني على القبر مسجد أو قبة ونحو ذلك عظمه الناس، وفتن به الناس، وصار من أسباب الشرك به، والدعاء لأصحاب القبور من دون الله عز وجل شرك بالله، كما هو الواقع في بلدان كثيرة عظمت القبور، وبنيت عليها المساجد، وصار الجهلة يطوفون بها، ويدعونها، ويستغيثون بأهلها، وينذرون لهم، ويتبركون بقبورهم، ويتمسحون بها.

كل هذا وقع بسبب البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وهذا من الغلو الذي حرمه الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) وقال: ( هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون يعني المتشددون الغالون ).

والخلاصة أنه لا يجوز البناء على القبور، لا مسجد ولا غير مسجد، ولا قبة، وأن هذا من المحرمات العظيمة، ومن وسائل الشرك، فلا يجوز فعل ذلك، وإذا وقع فالواجب على ولاة الأمور إزالته وهدمه، وألا يبقى على القبور مساجد ولا قباب، بل تبقى ضاحية مكشوفة كما كان هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي عهد أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم والسلف الصالح، ولأن بناء المساجد على القبور من وسائل الشرك، وكذلك القباب والأبنية الأخرى كلها من وسائل الشرك كما تقدم، فلا تجوز فعلها.

بل الواجب إزالتها وهدمها لأن ذلك هو مقتضى أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أمر عليه الصلاة والسلام بأن تزار القبور للذكرى والعظة، ونهى عن البناء عليها، واتخاذ المساجد عليها؛ لأن هذا يجعلها مساجد تعبد من دون الله، أي يجعلها آلهة، ويجعلها أوثانا تعبد من دون الله؛ فلهذا شرع امتثال أمره بالزيارة فهي مستحبة، فشرع لنا أن نزورها للذكرى، والدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة، لكن لا نبني عليها لا مساجد ولا قبابا ولا أبنية أخرى، لأن البناء عليها من وسائل الشرك والفتنة بها.

وكذلك وضع القبور في المسجد لا يجوز، فبعض الناس إذا مات يدفن في المسجد، فهذا لا يجوز، وليس لأحد أن يدفن في المسجد بل يجب أن ينبش القبر، وينقل إلى المقبرة، فإذا دفن الميت بالمسجد فإنه ينبش وينقل إلى المقبرة، ولا يجوز بقاؤه في المساجد أبدا والواجب على أهل الإسلام أن لا يدفنوا في المساجد.

3- حكم الصلاة عند القبر [3]:

إذا صلى المسلم على الميت صلاة الجنازة مع الناس، فلا حاجة إلى إعادة الصلاة، بل تكون الزيارة للعظة والدعاء فقط، بمعنى أن يأتي المقبرة، ويسلم على أهل القبور، ويدعو لهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة ) وكان النبي يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية ) هذه هي السنة.

أما إذا لم يصلي مع الناس على الميت، فإنه يذهب إلى قبر الميت، ويصلي عليه في مدة شهر فأقل إذا كان مضى له شهر أو أقل، أما إذا طالت المدة فلا صلاة عند جمع من أهل العلم، والدعاء يكفي والاستغفار، والترحم، والتصدق عنه بالمال، كل هذا ينفع الميت من أب وغيره.

4- حكم النذر والتبرك بالقبور [4]:

النذر عبادة لا تجوز إلا لله - عز وجل - وكل من صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله فهو مشرك كافر ، قد حرم الله عليه الجنة ، ومأواه النار ، قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ، ومأواه النار وما للظالمين من أنصار‏}‏ ‏.‏

وأما التبرك بها ‏:‏ فإن كان يعتقد أنها تنفع من دون الله - عز وجل - فهذا شرك في الربوبية مخرج عن الملة , وإن كان يعتقد أنها سبب وليست تنفع من دون الله فهو ضال غير مصيب ، وما اعتقده فإنه من الشرك الأصغر ، ومن الأدلة على ما ذكرنا من تحريم التبرك بأرض القبور وأهلها وأن ذلك من الشرك الأكبر ما رواه الترمذي وغيره بإسناد صحيح عن أبي واقد الليثي قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها‏:‏ ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا‏:‏ يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ( الله أكبر، إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى‏:‏ {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } ).

فعلى من ابتلي بمثل هذه المسائل أن يتوب إلى الله - سبحانه وتعالى - وأن يقلع عن ذلك قبل أن يفاجئه الموت ، فينتقل من الدنيا على أسوأ حال ، وليعلم أن الذي يملك الضر والنفع هو الله - سبحانه وتعالى - وأنه هو ملجأ كل أحد ، كما قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون‏}‏، وبدلاً من أن يتعب نفسه في الالتجاء إلى قبر فلان وفلان ، ممن يعتقدونهم أولياء ، ليلتفت إلى ربه- عز وجل- وليسأله جلب النفع ودفع الضر ، فإن الله - سبحانه وتعالى - هو الذي يملك هذا‏.‏

5- حكم الطواف بالقبور والحلف بأصحابها [5]:

لا يجوز الطواف بالقبور، لا بقبر أبي الحسن الشاذلي، ولا بقبر البدوي، ولا بقبر الحسين، ولا بالسيدة زينب، ولا بالسيدة نفيسة ولا بقبر من هو أفضل منهم، لأن الطواف عبادة لله وإنما يكون بالكعبة خاصة، ولا يجوز الطواف بغير الكعبة أبدا، وإذا طاف بقبر أبي الحسن الشاذلي أو بمقامه يتقرب إليه بالطواف، صار شركا أكبر، وليس هو يقوم مقام حجة، ولا مقام عمرة، بل هو كفر وضلال، ومنكر عظيم، وفيه إثم عظيم.

فإن كان طاف يحسب أنه مشروع، ويطوف لله لا لأجل أبي الحسن فهذا يكون بدعة ومنكرا، وإذا كان طوافه من أجل أبي الحسن ومن أجل التقرب إليه فهو شرك أكبر- والعياذ بالله- وهكذا دعاؤه والاستغاثة بأبي الحسن الشاذلي، أو النذر له، أو الذبح له، كله كفر أكبر -نعوذ بالله- وكذلك الحلف بأبي الحسن، وكذلك الحلف بالنبي، أو بالحسن، أو بالحسين، أو بفاطمة، أو بالكعبة، أو بالأمانة، أو الحلف بحياة فلان أو شرفه كله لا يجوز لأن الحلف بغير الله ممنوع وهو شرك أصغر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد كفر ) وفي لفظ: ( فقد أشرك ) وفي لفظ آخر: ( فقد كفر أو أشرك ) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بالأمانة فليس منا ) ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون ).

6- حكم دعاء أصحاب القبور [6]:

إن أصحاب القبـور ينقسمون إلى قسمين :

القسم الأول : قسم توفي على الإسلام ويثني الناس عليه خيراً ، فهذا يرجى له الخير ، ولكنه مفتقر إلى إخوانه المسلمين يدعون الله له بالمغفرة والرحمة ، وهو داخل في عموم قوله تعـالى : { والذين جـاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذي سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غـلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم } ( سورة الحشر : 10 ) .

وهو بنفسه لا ينفع أحداً إذ أنه ميت جثة لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الضر ولا عن غـيره ، ولا أن يجلب لنفسه النفع ولا لغيره فهو محتاج إلى نفع إخوانه غير نافع لهم .

القسم الثاني من أصحاب القبور : من أفعـاله تؤدي إلى فسقه الفسق المخرج من الملة كأولئك الذين يدّعون أنهم أولياء ، ويعلمون الغيب ، ويشفون من المرض ، ويجلبون الخير والنفع بأسباب غير معلومة حسّاً ولا شرعاً، فهؤلاء الذين ماتوا على الكفر ، لا يجوز الدعاء لهم ، ولا الترحم عليهم لقوله تعالى : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ، وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم } ( سورة التوبة : 113،114 ) وهم لا ينفعون أحداً ولا يضرونه ، ولا يجوز لأحد أن يتعلق بهم ، وإن قدر أن أحداً رأى كرامات لهم مثل أن يتراءى له أن في قبورهم نوراً ، أو أنه يخرج منها رائحة طيبة أو ما أشبه بذلك ، وهم معروفون بأنهم ماتوا على الكفـر ، فإن هذا من خداع إبليس وغروره ليفـتن هـؤلاء بأصحاب هذه القبور .

وإنني أحذر إخواني المسلمين من أن يتعلقوا بأحد سوى الله عز وجل ، فإنه سبحانه وتعـالى هو الذي بيده ملكوت السموات والأرض وإليه يرجـع الأمر كله ، ولا يجيب دعوة المضطر إلا الله ، ولا يكشف السوء إلا الله قال تعـالى : { وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } ( سورة النحل : 53 ) ونصيحتي لهم أيضاً أن لا يقلدوا في دينهم ولا يتبعوا أحداً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعـالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكـر الله كثـيراً } ( سورة الأحزاب : 21 ) ولقوله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ( سورة آل عمران : 31 )

ويجب على جميع المسلمين أن يزنوا أعمـال من يدعي الولاية بما جـاء في الكتاب والسنة ، فإن وافق الكتاب والسنة فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله ، وإن خالف الكتاب والسنة فليس من أولياء الله وقـد ذكر الله في كتابه ميزاناً قسطاً عدلاً في معرفة أولياء الله حيث قال : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون } ( سورة يونس : 62،63 ) فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً ، ومن لم يكن كذلك فليس بولي لله ومن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيء من الولاية ومع ذلك فإننا لا نجـزم لشخص بعينه بشيء ، ولكننا نقول على سبيل العموم ، كل ما كان مؤمنا تقياً كان لله ولياً .

وليعلم أن الله عز وجل قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور ، فقد يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه ، ويكون ذلك فتنة من الله عز وجل لهذا الرجل لأننـا نعلم أن هذا القبر لا يجيب الدعاء ، وأن هذا التراب لا يكون سبباً لزوال ضرر أو جلب نفع نعلم ذلك لقول الله تعالى : { ومن أضل ممن يدعـو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون . وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين } ( سورة الأحقاف : 5،6 ) .

وقال تعالى : { والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ، أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون } ( سورة النحل : 20،21 ) . والآيات في هذا المعنى كثيرة تدل على أن كل من دعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع الداعي ، ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتـنة وامتحاناً .

ونقول : إن حصل هذا الشيء عند الدعاء - أي عنـد هذا الذي دعي من دون الله - لا بدعائه ، وفرق بين حصول الشيء بالشيء ، وبين حصول الشيء عند الشيء ، فإننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سبباً لجلب النفع أو دفع الضرر بالآيات الكثيرة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه ، ولكـن قد يحصل الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحاناً ، والله تعالى قد يبتلي الإنسان بأسباب المعصية ليعلم سبحانه وتعالى من كان عبداً لله ومن كان عبداً لهواه ، ألا ترى إلى أصحـاب السبت من اليهود حيث حـرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتـان في يوم السبت فابتلاهم الله عز وجـل فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة عظيمة وفي غير يوم السبت تختفي فطال عليهم الأمد ، وقالوا : كيف نحرم أنفسنا هذه الحيـتان ؟ ثم فكروا وقدروا ونظروا فقالوا : نجعل شبكة ونضعها يوم الجمعة ونأخذ الحيتان منها يوم الأحد، فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله ، فقلبهم الله قردة خاسئين ، قال الله تعالى : { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهـم بما كانوا يفسقون } ( سورة الأعراف : 163 ) وقال عز وجـل : { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنـا لهم كونوا قردة خاسئين ، فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفهـا وموعظة للمتقين } ( سورة البقرة : 65،66 ) فانظر كيف يسر الله لهـم هذه الحيتان في اليوم الذي منعوا من صيـدها فيه ، ولكنهم - والعياذ بالله - لم يصبروا ، فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله .

انظر إلى ما حصـل لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حيث ابتلاهم الله تعالى وهم محرمون بالصيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ولكنهم - رضي الله عنهم - لم يجرؤوا على شيء منها قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله مـن يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } ( سورة المائدة : 94 ) كانت الصيود في متناول أيديهم يمسكون الصيد العادي باليد وينالون الصيد الطائر بالرماح فيسهل عليهم جداً ، ولكنهم - رضي الله عنهم خافوا الله عز وجل فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود .

وهكذا يجب على المرء إذا هيئت له أسباب الفعل المحرم أن يتقي الله عز وجل وأن لا يقدم على فـعل هذا المحرم ، وأن يعلم أن تيسير أسبابه من باب الابتلاء والامتحان ، فليحجم وليصبر ، فإن العاقبة للمتقي .

7- حكم إيقاد السرج على القبور [7]:

المقبرة التي لا يحتاج الناس إليها كما لو كانت المقبرة واسعة ، وفيها موضع قد انتهى الناس من الدفن فيه فلا حاجة إلى إسراجه، أما الموضع الذي يقبر فيه فيسرج ما حوله فقد يقال ‏:‏ بجوازه لأنها لا تسرج إلا بالليل فليس في ذلك ما يدل على تعظيم القبر بل اتخذت للحاجة ‏.‏ ولكن الذي نرى المنع مطلقاً للأسباب الآتية ‏:‏

السبب الأول ‏:‏ أنه ليس هناك ضرورة ‏.‏

السبب الثاني ‏:‏ أن الناس إذا وجدوا ضرورة لذلك فيمكنهم أن يحملوا سراجاً معهم‏.‏

السبب الثالث‏:‏ أنه إذا فتح هذا الباب فإن الشر سيتسع في قلوب الناس ولا يمكن ضبطه فيما بعد‏.‏

أما إذا كان في المقبرة حجرة يوضع فيها اللبن ونحوه ، فلا بأس بإضاءتها لأنها بعيدة عن القبور ، والإضاءة داخلة لا تشاهد‏.‏

وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة ؟

وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجباً؟

لقد أسمعت لو ناديت حياً == ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو ناراً نفخت بها أضاءت == ولكن أنت تنفخ في رماد

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش
(1) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله – المجلد الثاني / السؤال رقم 308
(2) فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله – السؤال رقم 116.
(3) أنظر: فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله – السؤال رقم 117 ( بتصرف ).
(4) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله – المجلد الثاني / السؤال رقم 242
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – المجلد الأول / فتوى رقم 5339
(5) فتاوى نور على الدرب لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله – السؤل رقم 128
(6) من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله – منقول من موقع الشبكة الإسلامية:
http://www.islamweb.net/aqeda/fatawe_alaqeda/7.htm
(7) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله – المجلد الثاني / السؤال رقم 298
 
أحببت التنبيه على أني قمت بتعديل الموضوع الأصلي في موقعي وأضافة هذه الخاتمة:

وفي الختام: أنقل كلمة للعلامة الشوكاني رحمه الله تعالى في كتابه القيم "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار"{4\102} معلقاً على حديث أبي الهياج الأسدي عن عليٍّ رضي الله عنه قال: ألا أبعثُك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تدعْ تِمثالاً إلا طَمَستَه ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته. ( أخرجه مسلم).

قال رحمه الله : (( ... ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولاً أوّليّاً القُبب والمشاهد المعمورة على القبور وأيضاً هو من اتخاذ القبور مساجد, وقد لعن النبيّ صلى الله عليه وسلم; فاعل ذلك كما سيأتي.

وكم قد سرّي عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام ,

منها: اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام , وعَظُم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصداً لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم , وشدّوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا.

وبالجملة فإنهم لم يدعوا شيئاً مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه ؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون .

ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالماً ولا متعلماً ولا أميراً ولا وزيراً ولا ملكاً .

وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيراً من هؤلاء المقبورين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجراً , فإذا قيل له بعد ذلك : احلف بشيخك ومعتقدك الوليّ الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق.

وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال : إن الله ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة.

فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أيّ رزء للإسلام أشد من الكفر وأيّ بلاء لهذا الدين أضرّ عليه من عبادة غير الله ؟

وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة ؟

وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجباً

لقد أسمعت لو ناديت حياً == ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو ناراً نفخت بها أضاءت == ولكن أنت تنفخ في رماد )) أ.هـ

فيا لها من كلمات عجيبة خرجت ممن عرف خطورة الشرك بالله تعالى، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 
بارك الله فيك اخي عبدالله
 
عودة
أعلى