أحمد القصير
New member
أخي الكريم :
هذا بحث مختصر في تحقيق المروي عن ابن مسعود – رضي الله عنه - في إنكاره كون الفاتحة ، من القرآن الكريم .
**************************************************
روى الأعمش ، عن إبراهيم قال :« قيل لعبد الله بن مسعود : لِمَ لمْ تكتب فاتحة الكتاب في مصحفك ؟ فقال : لو كتبتها لكتبتها مع كل سورة » .(1)
قال أبو بكر الأنباري :« يعني أن كل ركعة سبيلها أن تفتتح بأم القرآن قبل السورة المتلوة بعدها ، فقال : اختصرتُ بإسقاطها ، ووثقتُ بحفظ المسلمين لها ، ولم أثبتها في موضع فيلزمني أن أكتبها مع كل سورة إذا كانت تتقدمها في الصلاة » .(2)
وروى أبو عبيد ، عن ابن سيرين قال :« كتب أبي بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب ، وتركها ابن مسعود » .(3)
وقد اختلف العلماء في المروي عن ابن مسعود في ذلك :
1- فذهبت طائفة إلى رد الرواية ، وإنكارها ، منهم : ابن حزم ، والفخر الرازي ، والنووي ، والزرقاني .(4)
قَالَ اَبْنُ حَزْمٍ : « كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ : مِنْ أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ ، وَأُمَّ الْقُرْآنِ لَمْ تَكُنْ فِي مُصْحَفِهِ ؛ فَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ لَا يَصِحُّ ؛ وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَنْهُ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَفِيهَا أُمُّ الْقُرْآنِ ، وَالْمُعَوِّذَتَانِ » .(5)
وقال الرازي :« الأغلب على الظن أن نقل هذا المذهب عن ابن مسعود ، نقل كاذب باطل ».(6)
وقال النووي :« أجمع المسلمون على أن المعوذتين ، والفاتحة ، وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن ، وأن من جحد شيئا منه كفر ، وما نقل عن ابن مسعود في الفاتحة والمعوذتين باطل ، ليس بصحيح عنه » . (7)
2- وذهبت طائفة إلى قبول الرواية وتصحيحها ، وقالوا : لم ينكر ابن مسعود قرءانيتها، وإنما أنكر إثباتها في المصحف .
قال ابن قتيبة : « وأما فاتحة الكتاب ؛ فإني أشك فيما روي عن عبد الله من تركه إثباتها في مصحفه ، فإن كان هذا محفوظاً ، فليس يجوز لمسلم أن يظن به الجهل بأنها من القرآن ، ولكنه ذهب فيما يظن أهل النظر إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان ، والزيادة والنقصان ، ورأى ذلك لا يجوز على سورة الحمد لقصرها ، فلما أمن عليها العلة التي من أجلها كتب المصحف ؛ ترك كتابتها ، وهو يعلم أنها من القرآن » . ( 8)
وقال أبو بكر الباقلاني : « لم ينكر عبد الله بن مسعود كون الفاتحة من القرآن ؛ وإنما أنكر إثباتها في المصحف ؛لأنه كانت السنة عنده ألا يثبت إلا ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإثباته وكتْبه ، ولم نجده كتب ذلك ولا سمع أمره به ، وهذا تأويل منه ، وليس جحداً لكونها قرآناً ».(9)
والصحيح عدم صحة الرواية عن ابن مسعود في ذلك ؛ حيث لا يوجد إسناد متصل صحيح يوجب القطع بصحة الرواية ، والله تعالى أعلم .
============================================
الحواشي
============================================
(1) ذكره القرطبي ( 1 / 81 ) ، وابن كثير ( 1 / 10 ) ، في تفسيريهما ، وفي سنده انقطاع ؛ فإن إبراهيم النخعي ،لم يدرك ابن مسعود . كما في [ تهذيب التهذيب ( 1 / 155 ) ].
(2) تفسير القرطبي ( 1 / 81 ) .
(3) ذكره السيوطي في الإتقان ( 1 / 205 ، 249 ) ، وصحح إسناده .
(4) مناهل العرفان ( 1 / 274 ) .
(5) المحلى ( 1 / 32 ) .
(6) مفاتيح الغيب ( 1 / 178 ) .
(7) المجموع ( 3 / 363 ) .
(8) تأويل مشكل القرآن ( 42-49 ) ، باختصار .
(9) فتح الباري ( 8 / 615 ) ، والبرهان في علوم القرآن ( 2 / 255 ) ، بتصرف يسير .
هذا بحث مختصر في تحقيق المروي عن ابن مسعود – رضي الله عنه - في إنكاره كون الفاتحة ، من القرآن الكريم .
**************************************************
روى الأعمش ، عن إبراهيم قال :« قيل لعبد الله بن مسعود : لِمَ لمْ تكتب فاتحة الكتاب في مصحفك ؟ فقال : لو كتبتها لكتبتها مع كل سورة » .(1)
قال أبو بكر الأنباري :« يعني أن كل ركعة سبيلها أن تفتتح بأم القرآن قبل السورة المتلوة بعدها ، فقال : اختصرتُ بإسقاطها ، ووثقتُ بحفظ المسلمين لها ، ولم أثبتها في موضع فيلزمني أن أكتبها مع كل سورة إذا كانت تتقدمها في الصلاة » .(2)
وروى أبو عبيد ، عن ابن سيرين قال :« كتب أبي بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب ، وتركها ابن مسعود » .(3)
وقد اختلف العلماء في المروي عن ابن مسعود في ذلك :
1- فذهبت طائفة إلى رد الرواية ، وإنكارها ، منهم : ابن حزم ، والفخر الرازي ، والنووي ، والزرقاني .(4)
قَالَ اَبْنُ حَزْمٍ : « كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ : مِنْ أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ ، وَأُمَّ الْقُرْآنِ لَمْ تَكُنْ فِي مُصْحَفِهِ ؛ فَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ لَا يَصِحُّ ؛ وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَنْهُ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَفِيهَا أُمُّ الْقُرْآنِ ، وَالْمُعَوِّذَتَانِ » .(5)
وقال الرازي :« الأغلب على الظن أن نقل هذا المذهب عن ابن مسعود ، نقل كاذب باطل ».(6)
وقال النووي :« أجمع المسلمون على أن المعوذتين ، والفاتحة ، وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن ، وأن من جحد شيئا منه كفر ، وما نقل عن ابن مسعود في الفاتحة والمعوذتين باطل ، ليس بصحيح عنه » . (7)
2- وذهبت طائفة إلى قبول الرواية وتصحيحها ، وقالوا : لم ينكر ابن مسعود قرءانيتها، وإنما أنكر إثباتها في المصحف .
قال ابن قتيبة : « وأما فاتحة الكتاب ؛ فإني أشك فيما روي عن عبد الله من تركه إثباتها في مصحفه ، فإن كان هذا محفوظاً ، فليس يجوز لمسلم أن يظن به الجهل بأنها من القرآن ، ولكنه ذهب فيما يظن أهل النظر إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان ، والزيادة والنقصان ، ورأى ذلك لا يجوز على سورة الحمد لقصرها ، فلما أمن عليها العلة التي من أجلها كتب المصحف ؛ ترك كتابتها ، وهو يعلم أنها من القرآن » . ( 8)
وقال أبو بكر الباقلاني : « لم ينكر عبد الله بن مسعود كون الفاتحة من القرآن ؛ وإنما أنكر إثباتها في المصحف ؛لأنه كانت السنة عنده ألا يثبت إلا ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإثباته وكتْبه ، ولم نجده كتب ذلك ولا سمع أمره به ، وهذا تأويل منه ، وليس جحداً لكونها قرآناً ».(9)
والصحيح عدم صحة الرواية عن ابن مسعود في ذلك ؛ حيث لا يوجد إسناد متصل صحيح يوجب القطع بصحة الرواية ، والله تعالى أعلم .
============================================
الحواشي
============================================
(1) ذكره القرطبي ( 1 / 81 ) ، وابن كثير ( 1 / 10 ) ، في تفسيريهما ، وفي سنده انقطاع ؛ فإن إبراهيم النخعي ،لم يدرك ابن مسعود . كما في [ تهذيب التهذيب ( 1 / 155 ) ].
(2) تفسير القرطبي ( 1 / 81 ) .
(3) ذكره السيوطي في الإتقان ( 1 / 205 ، 249 ) ، وصحح إسناده .
(4) مناهل العرفان ( 1 / 274 ) .
(5) المحلى ( 1 / 32 ) .
(6) مفاتيح الغيب ( 1 / 178 ) .
(7) المجموع ( 3 / 363 ) .
(8) تأويل مشكل القرآن ( 42-49 ) ، باختصار .
(9) فتح الباري ( 8 / 615 ) ، والبرهان في علوم القرآن ( 2 / 255 ) ، بتصرف يسير .