ابن عاشور: هدهد سليمان لا يعقل الكلام الوارد على لسانه

إنضم
01/02/2016
المشاركات
695
مستوى التفاعل
20
النقاط
18
الإقامة
مصر
"قال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين (22) إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم (23) وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون (24) ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون (25) الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم (26) قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين (27)"


"القول المسند إلى الهدهد - إن حُمل على حقيقة القول، وهو الكلام الذي من شأنه أن ينطق به الناس - فقول الهدهد هذا ليس من دلالة "منطق الطير" الذي عُلّمه سليمان، لأن ذلك هو المنطق الدال على "ما في نفوس الطير من المدركات"، وهي محدودة كما قدمنا بيانه عند قوله تعالى: علمنا منطق الطير.
وليس للهدهد قِبل بإدراك ما اشتمل عليه القول المنسوب إليه، ولا باستفادة الأحوال من مشاهدة الأقوام والبلدان حتى تخطر في نفسه وحتى يعبر عنها بمنطقه الذي علم سليمان دلالته كما قدمناه.
فهذا وحي لسليمان أجراه الله على لسان الهدهد"
"أما قول سليمان: سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين.. فيجوز أن يكون سليمان خشي أن يكون ذلك الكلام الذي سمعه من تلقاء الهدهد كلاما ألقاه الشيطان من جانب الهدهد ليضلل سليمان ويفتنه بالبحث عن مملكة موهومة ليسخر به كما يسخر بالمتثائب، فعزم سليمان على استثبات الخبر بالبحث"
التحرير والتنوير (19/ 249)

اعتراضه هو أن الحيوانات في العادة لا تفهم المجتمعات البشرية ولا تستطيع التمييز بين فلانة حاكمة البلد وبين أي امرأة أخرى من الرعايا، ولا تستطيع التمييز بين سرير عادي وبين عرش مخصص للملوك، إلخ.
فحاول الخروج من الإشكالية بأن افترض أن الهدهد نطق بوحي دون أن يفهم الكلمات المنطوقة. ثم لما وجد النص يعارض كلامه - حيث شكك سليمان في صدق الهدهد - قال ربما أن التشكيك كان في مصدر هذا الوحي، أشيطاني هو أم رحماني.
 
صراحة أنا لا أرى الحاجة للإيمان بقول ابن عاشور في هذه المسألة. حتى وإن كان الطير غالبة لا تدرك أفعال البشر بهذا الشكل، قد يكون الهدهد المذكور في القرآن هدهد مختلف عن الطير العادي. يعني قد يكون الهدهد المذكور هنا يعقل الأشياء الذي لا يعقله الطير العادي والله قادر أن يمكّن الهدهد المذكور بذلك، كما مَكَّن الله لسليمان أن يفهم ويفعل بعض الأشياء الذي لا يستطيعه الإنسان العادي.
الكلام الذي أتى به ابن عاشور في هذه المسألة لا يوجد أي إشارة قطعيّة يؤيّده أبدا، بل هناك إشارات قطعيّة قد تعارض ما قاله ابن عاشور رحمه الله (مع احترامي لابن عاشور، أرى أن تفسيره تفسير أفضل من معظم التفاسير الذي أُلِّف):
﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ
﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
القول الأول:
"والقَوْلُ المُسْنَدُ إلى الهُدْهُدِ...فَهَذا وحْيٌ لِسُلَيْمانَ أجْراهُ اللَّهُ عَلى لِسانِ الهُدْهُدِ"

الرد: إذا كان ذلك صحيحا، فما الحكمة من ذلك؟ لماذا ذُكر قصة الهدهد بالطريقة المذكورة في القرآن كأنّ الهدهد يفهم ما يقوله...إلخ؟ كأن الله تعالى أراد من ذكر قصة الهدهد أن يعلّمنا أنّه مَكَّن هذا الهدهد بأشياء خاصّة لم يمكّن به الهداهد غيره. لو نظرنا إلى مسألة الوحي في القرآن، يبدو أن الله تعالى غالبا يجعل طريقة الوحي واضحة في كل سياق ذُكر إما بالإشارات القطعية الواضحة، أو بتصريح.
القول الثاني:
"وأمّا قَوْلُ سُلَيْمانَ: ﴿سَنَنْظُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِينَ﴾ [النمل: ٢٧] فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ سُلَيْمانُ خَشِيَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ الكَلامُ الَّذِي سَمِعَهُ مِن تِلْقاءِ الهُدْهُدِ كَلامًا ألْقاهُ الشَّيْطانُ مِن جانِبِ الهُدْهُدِ لِيُضَلِّلَ سُلَيْمانَ ويَفْتِنَهُ بِالبَحْثِ عَنْ مَمْلَكَةٍ مَوْهُومَةٍ لِيَسْخَرَ بِهِ كَما يَسْخَرُ بِالمُتَثائِبِ، فَعَزَمَ سُلَيْمانُ عَلى اسْتِثْباتِ الخَبَرِ بِالبَحْثِ الَّذِي لا يَتْرُكُ رِيبَةً في صِحَّتِهِ خِزْيًا لِلشَّيْطانِ"

الرد: غالبا نرى أن الله تعالى يصرّح بالابتلاءات، بالذات عند الأنبياء، مثل ابتلاء إبراهيم عليه السلام:
﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ(103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ(104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ(106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ

هنا صرّح الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾ بأن هذا كان بلاء. لو كان سليمان ابتلي بكلام "ألْقاهُ الشَّيْطانُ مِن جانِبِ الهُدْهُدِ لِيُضَلِّلَ سُلَيْمانَ" فلماذا لم يصرّح الله تعالى بهذا في سياقه؟
طبعا، ظاهر المعنى المستنبط من ﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ أنّ سليمان قرّر أن يعّذب الهدهد إذا لم يأته بسلطان مبين، المذكور في ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾.
هناك أيضا ملاحظة مهمّة: عندما نرى مسائل في القرآن تفصّل تفصيلا واضحا، مثل التفاصيل الواضحة في قصص الأنبياء في القرآن، علينا أن نسأل لماذا ذكر هذه التفاصيل ولماذا لم يُذكر تفاصيل أخرى. مثل:
﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا
هنا، لا يوجد فائدة من ذكر هل ﴿ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ أو ﴿خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ إلخ صحيح أم لا، لأن ذلك علم لا يعطينا أيّ عبرة فيه فائدة.

لكن في مسالة الهدهد، صراحة أرى أنّه لو كان فعلا كلام "ألْقاهُ الشَّيْطانُ مِن جانِبِ الهُدْهُدِ لِيُضَلِّلَ سُلَيْمانَ ويَفْتِنَهُ" لصرّح الله تعالى بذلك في سياقه.
 
لماذا افترض ابن عاشور أنه وحي؟
أليس اجراء معنى الآية على ظاهرها أولى ... خاصة أن الله تعالى قال على لسان سليمان :(سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ) فهذا قرينة على أنه كلام حقيقي أن الهدهد رأى هذه المرأة وعبر عن مارأه ..فهذا لا يحتاج معه إلى افترض أنه وحي .

ولإعتراض بأن الحيوانات لا تفهم قد يعارضه قصة النمل مع سليمان عليه السلام ففيها دلالة واضحه على أن الحيوانات تفهم طبيعة البشر والمجتمعات ،فتحذير النملة قومها بقوله (ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان جنوده وهم لا يشعرون)...

فتكون تلك من تسخير الله لسليمان فلا يستغرب من هذا شيء .

والله أعلم ...
 
قال {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} فعل "أحاط" ينتاقد كون ما جاء على لسان الهدهد وحي.

إن الإحاطة تكون بالعلم و ليس بالوحي



الله يعلم
 
عودة
أعلى