محيي الدين عبد الحق
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله اللهم صل على محمد وال محمد
ابن تيمية فكره واسلوبه واثره
من اكثر الذين اختلف العلماء في تقييمه هو ابن تيمية وذلك لانه درس الفلسفة واعتمدها في اسلوبه في الكلام اكثر من اتباعه لاسلوب الصحابة رضي الله عنهم والعلماء الذين اتبعوهم في طريقة الكلام في المسائل الشرعية وبسبب اعتماده لهذا الاسلوب في الكلام صار من الصعب على القارئ تمييزالبدع والاخطاء التي جاءت في كلامه وذلك لانها ترد محشوة في ثنايا الكلام الصحيح الذي يورده وسأبين هذه الاساليب وابين قسما من اخطاءه
الفصل الاول
البدع التي جاء بها ابن تيمية
البدعة الاولى
اطلاقه لمصطلح السلف ووجوب حصرفهم القران الكريم والسنة النبوية بفهمهم بغير ضابط وهذا لا اصل له في الشريعة وابين هذا فيما يلي
اولا :- قال الله سبحانه وتعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة100
فجاء قول الله سبحانه وتعالى ( اتبعوهم ) وليس ( تبعوهم ) فالمتبع ليس كالتابع فالاتباع هو السيرعلى المنهج الذي سلكه السابقون الاولون وذلك بان يكون المتبع مؤمنا تقيا صادقا صالحا متفكرا متعقلا متفقها قاصدا للحق مجتهدا بعقله لفهم المسائل الشرعية ولذلك قال الله تبارك وتعالى ( باحسان ) اما التابع فهو اخذ قول القائل بغير تعقل حتى لو كان مخالفا للمعقول وهذا ما ذهب اليه ابن تيمية ويحتج به ودعا اليه ضمنا وتصريحا وهذا مالم يأمر به الله سبحانه وتعالى ونهى عنه فهذه الدرجة من السمع والطاعة لا تجوز الا لله ورسوله
ثانيا :- لقد امر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده وليس كل احد فغيرهؤلاء لم يامر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه وان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعينهم بالذكر ليكونوا خلفاء له ولكن من خلال وصفه لهم ومن خلال بيان منزلتهم واستشارته لهم عرف بقية الصحابة رضي الله عنهم اولويتهم للخلافة ولو ذكرهم بالنص لوجبت طاعتهم كطاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ترك معرفتهم للاجتهاد حتى لا يكونون هم والنبي صلى الله عليه وسلم سواء في وجوب الطاعة فالنبي صلى الله عليه وسلم وحده من تجب طاعته طاعة مطلقة ولا يجوز رد ما جاء به وقد اجمع اهل السنة على ان الخلفاء الاربعة منهم وقد يقول قائل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عين عليا رضي الله عنه وقال من كنت مولاه فهذا علي مولاه فاقول ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعينه خليفة له بعد موته ولكنه امر بموالاته في حياته فكانت ولاية علي رضي الله عنه محكومة بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فمقامها كمقام الامراء الذين يبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم وكالذين يخلفهم على المدينة في غزواته وكمن كان يفتي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كابي بكر وعمر رضي الله عنهما وان الطاعة المطلقة توجبها العصمة والعصمة توجبها النبوة والنبوة يوجبها الوحي فاذا انقطع الوحي انعدمت العصمة والنبوة وان ما اوجبت ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم اولى بالمؤمنين من انفسهم هي النبوة وان النبي صلى الله عليه وسلم اكد على موالاة علي رضي الله عنه ولكن عليا رضي الله عنه ليس نبيا ولذلك عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه في حديث اخر اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى ولان المقارنة كانت مع نبي قال النبي صلى الله عليه وسلم بعدها الا انه لا نبي بعدي أي انك لست قرينا له في النبوة فكانت ولاية علي رضي الله عنه غير مقترنة بالعصمة فهي كولاية غيره من كبار الصحابة رضي الله عنهم وكان بود النبي صلى الله عليه وسلم ان يعين خليفة له حرصا منه للحفاظ على وحدة المسلمين ولكن تعيينه للخليفة يوجب طاعة الخليفة طاعة مطلقة كوجوب طاعته وهذا ما لا يصح مع انقطاع الوحي ولذلك لم يعين النبي صلى الله عليه وسلم خليفة له
ثالثا :- لم يحدد ابن تيمية من هم السلف الذين اوجب ان يفهم القران الكريم والسنة بفهمهم سوى انه يذكرعددا من بين مئات العلماء ولم يضع ضابطا لتعيينهم الا ضابطا واحدا وهو رأيه فيهم وبالتالي يكون الاتباع لرأيه هو وليس لسند او دليل شرعي وكثيرا من العلماء الذين خصهم ابن تيمية بجوب الفهم بفهمهم مختلفون في مسائل العقيدة والفقه ومن بين ما تبعهم ابن تيمية واعتبر اقواله حجة واوجب اتباعه هو الامام احمد ابن حنبل وقد اخطأ الامام احمد ابن حنبل في فهم قسم من مسائل العقيدة وفي فهم قسم من احاديث وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وكان لهذا الخطأ اثرا سيئا على الامة الاسلامية سابينه فيما بعد
وقد اخطأ الاصوليون في هذه المسألة ولم يضعوا ضابطا صحيحا للاصول الثلاثة وهي القران الكريم والسنة النبوية والاجماع فاصبح القران الكريم مجرد نص يرجع اليه اما معاني اياته فحصروها في من فسره من المفسرين الاوائل وبالتالي يكون المرجع هو قول المفسرين وليس القران الكريم وكذلك اخطأ الاصوليون في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا درجتها في الروايات كدرجة سمعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك اخطأوا في جعل درجة الاجماع ثابتة
فالضابط الصحيح لهذه الاصول كما يلي
كما هو معلوم ان الدرجة الاسمى والاصل الاول للشريعة هو القران الكريم وقد بلغه النبي صلى الله عليه وسلم وبين احكامه وفصل مجمله وقيد مطلقه وخصص عمومه واحل وحرم ونسخ ولكن لم يكلف الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم بتفسير كل القران الكريم ففسر النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يمكن تفسيره الا عن طريق النبوة وما شاء الله تفسيره وجعل الله سبحانه وتعالى القران عربيا وجعل عهدة بيانه عليه سبحانه وتعالى لاسباب اقتضتها حكمته قال الله سبحانه وتعالى
{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }18{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }القيامة19
فشاء الله سبحانه وتعالى ان يكون بيان القران الكريم ساريا على مر العصور فكلما مر الزمان وتدبره العلماء وجدوا فيه معان جديدة وبما ان النبي صلى الله عليه وسلم ليس حيا بيننا ليصحح لنا ومن اجل ان يكون القران الكريم عمليا هو الاصل الاول والاسمى في الشريعة يجب ان يكون الضابط لصحة التفسيرهو ماكانت معانيه اوضح بيانا واوسع تفصيلا واكثردقة واعمق فهما لمعاني القران الكريم وان يكون التفسير موافقا للقران الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وغير معارض لها ولا شبهة فيه وذلك بمعيارالعقل واللغة التي نزل بها القران الكريم وهي اللغة العربية وبما ان تفاسير السلف لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم فربما تكون فيها اخطاء فلا يصح جعلها مرجعا بحيث لا يجوز معارضتها وان في القران الكريم ما هو قابل للاجتهاد فالقران الكريم لا تنقضي معانيه الى يوم القيامة لانه كلام رب العالمين فالصحيح ان يعتمد في تفسيره على تفاسير السلف والاستعانة بها وليس جعلها مرجعا لا يجوز معارضتها فما يجب على علماء كل زمان دراسة ما يستجد من المعاني التي يذكرها المجتهدون في تفسير القران الكريم فاذا ما اجمعوا على صحة تفسير وفقا لهذه الضوابط اعتمدوه وجعلوه ناسخا لما قبله حتى وان كان مخالفا لتفسير السلف واذا لم يكن التعامل مع القران الكريم بهذه الطريقة لا يكون الاصل الاول من اصول الشريعة وهذا ما اخطأ فيه الاصوليون فجعلوا القران الكريم درجة وقدرا هو الاصل الاول ولكن عمليا ليس هو الاصل الاول فقيدوا معانيه بما جاء من اقوال المفسرين الاوائل وبالنتيجة تكون اقوال المفسرين هي الاصل الاول وليس القران الكريم
اما قول النبي صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه فليس خاصا في العلم ولكنه شموليا للعبادة والفقه وحسن الخلق والادب والوحدة والمحبة وكل ما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم من امورهم الدينية فقول النبي صلى الله عليه وسلم يعني الخيرية بالشمول وليس بالخصوص فمن المحتمل ان يأتي بعد هذه القرون من هو اوسع فهما لايات معينة من القران الكريم ممن قبله فكلمة خير ليست خاصة بالعلم ولكن معناها كمعنى كلمة خير في الفرق بين فاطمة وعائشة رضي الله عنهما فان فاطمة خير من عائشة وعائشة افضل من فاطمة رضي الله عنهما فقد كانت فاطمة رضي الله عنها احسن تدينا وخلقا وادبا من عائشة رضي الله عنها لانها بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت عائشة رضي الله عنها اكثر فقها من فاطمة رضي الله عنها وذلك لملازمتها للنبي صلى الله عليه وسلم لانها زوجه وبهذا الخصوص كانت افضل من فاطمة رضي الله عنها فكانت فاطمة رضي الله عنها خير النساء وعائشة رضي الله عنها افضل النساء
اما السنة النبوية فقد اخطأ الاصوليون في جعل درجتها في الروايات كدرجة سمعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم فان السنة النبوية لم تكن محفوظة من قبل الله سبحانه وتعالى كما هو الحال مع القران الكريم ولم يكن الاهتمام بكتابتها ودرجة تواترها كما هو الحال مع القران الكريم فمن المستحيل نقل السنة النبوية كما هي عن طريق الروايات فلا يمكن الاحاطة بها لسعتها فمرة يكون خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لكل الناس ومرة لخاصة منهم ومرة للافراد ومرة يكون مشروطا بحدث ومرة غير مشروط ومرة يكون مرحليا ومرة ابديا ومرة يكون للحث ومرة يكون للحكم ومرة يكون من اختصاص الرسالة ومرة من اختصاص النبوة فما كان من اختصاص الرسالة قال فيه الله سبحانه وتعالى يا ايها الرسول وما كان من اختصاص النبوة يقول يا ايها النبي وغير هذا من المفارقات ففي السنة من الاحوال ما لا يمكن حصرها في الروايات ولهذا السبب لا يصح ان تكون درجة السنة في الروايات كدرجة سماعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك يجب ان يكون شرط تمام صحة الحديث الوارد في الروايات هو توافقه مع القران الكريم وعدم تعارضه معه فان كان الحديث صحيحا سندا ولكن متنه معارض للقران الكريم لا يجب الاخذ به ويجب التوقف فيه حتى ينفى تعارضه ولكن ليس كطريقة ابن تيمية في تفسيره لحديث المحاججة بين موسى وادم عليهما الصلاة والسلام فقد كانت طريقته تسفيها للعقول فهو يقول ان اللوم كان على المصيبة وليس على الذنب فيا ليت شعري هل وقعت المصيبة الا بسبب الذنب فان هذا الحديث واحاديث اخرى غيرها وردت في البخاري ومسلم مثل حديث يكشف الله ساقه يوم القيامة وحديث يضع الله قدمه في جهنم وحديث ياتي الله يوم القيامة على المنافقين بصورة غير الصورة التي يعرفونه بها وغيرها فان مثل هذه الاحاديث لا يجب الاخذ يها وان كان سندها صحيحا لانها متعارضة مع القران الكريم فحديث المحاججة يتعارض مع القران الكريم في متنه فهو لا يتناسب مع ادب الانبياء في التخاطب فيما بينهم الا ان يكون المتن ناقصا لكلام يكون باتمامه المعنى متناسبا وجاء في القران الكريم ان ادم عليه الصلاة والسلام كان يسكن الجنة هو وحواء بلا تناسل وكان ذنب ادم هو السبب في نزع لباسهما الذي يواري سوآتهما ليبدأ التناسل فلولا نزع اللباس لما كان هناك تناسل ولما خلق موسى عليه الصلاة والسلام اصلا فكيف يقول لادم عليه الصلاة والسلام انت الذي اخرجتنا ونفسك من الجنة فلا يمكن حمل جواب ادم عليه الصلاة والسلام بهذا المتن من الحديث الا على الاحتجاج بالقدر للاستبراء من الذنب او حمله على معنى ان الله سبحانه وتعالى شاء هذا فما شاء كان واذا قلنا هذا فسيكون مضمونه طعنا في موسى عليه الصلاة والسلام فبغض النظرعن سبب المحاججة سواء كانت لهذا السبب او ذاك فانه من المستحيل ان تكون كلمة اخرجتنا في قول موسى عليه الصلاة والسلام مناسبة لانه لو قدرلادم ان يخلد في الجنة لبقي هو وحواء لوحدهما في الجنة ولم يخلق موسى عليهما الصلاة والسلام لانه لا تناسل فيها الا ان تكون الجنة غير الجنة التي نعرفها ويكون اللباس الذي يواري سوآتهما غير اللباس الذي نعرفه فلا يمكن اعتبارهذا الحديث صحيحا متنا وسندا الا عند من سفه عقله فاما ان السند ضعيف واما المتن ضعيف
فالقران الكريم والسنة النبوية المروية متعاضدان ومترابطان ولكن لا يستويان فالقران الكريم هو المهيمن فما تعارض من السنة النبوية المروية مع القران الكريم توجب الحكم فيه للقران الكريم
اما الاجماع فكذلك اخطأ فيه الاصوليون فجعلوا درجته ثابتة في كل الاحوال واعتبروا الاكثرية اجماعا فاصبح من يخالف هذا الاجماع مفارقا للجماعة فمنهم من فسقه ومنهم من كفره ومنهم من حرم الاجتهاد بعد هذا الاجماع وكل هذا مستندين فيه الى قول النبي صلى الله عليه وسلم ان امتي لا تجتمع على ضلالة والصحيح ان كل احاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي جاء فيها ذكر الجماعة لا تنطبق على الامة الاسلامية بعد ظهور الفرق لان الامة الاسلامية لم تجتمع منذ ظهورالفرق الى يومنا هذا فذكر الجماعة يعني ان تجتمع الامة بلا مخالف وليس بالاكثرية فحتى لو بلغت نسبة المجتمعين تسعة وتسعين من مئة لا تعتبر الامة جميع فاما ان يكون الصواب مع الكثرة واما مع القلة او كلاهما ليس على صواب فان كان الصواب مع القلة وفقا للضوابط المذكورة سابقا فيتوجب على القلة السعي لاقناع الاكثرية ويتوجب على الاكثرية اتباع القلة وليس اعتبارهم مفارقين للجماعة حتى وان كان المخالف وحيدا لان الاصل هو وجوب اتباع الصواب اينما وجد والاجماع هو وسيلة لمعرفة الصواب وليس الصواب بعينه فالاجماع الذي وضعه الاصوليون لا يعتبر جميع وانما اكثرية فاذا ما اجتهد مجتهد في تفسير القران الكريم اوالسنة النبوية وتبينت له معاني تخالف الاجماع فمن الواجب على العلماء دراستها وفقا للضوابط المذكورة سابقا فاذا اجمعواعلى صحتها توجب اعتماده وجعله ناسخا للاجماع السابق والا كان الاجماع هو الاصل الاول او الثاني وليس الثالث
البدعة الثانية
قوله بان السلف كانوا يثبتون من الصفاة ما اثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه وما اثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم والحقيقة ان هذه القاعدة من ابتداعه هو وليس من عقيدة السلف الذين يعنيهم ابن تيمية لان السلف كانوا يؤمنون بها ويقولون امروها كما جاءت من غير تمثيل ولا تعطيل وهذا لا يعني انهم يثبتونها فلو كانوا يقصدون اثباتها لقالوا خذوا بظاهرمعناها من غير تمثيل ولا تعطيل اما الاثبات الذي يقول به ابن تيمية فلا يعتبر اثباتا فعندما ياتي ذكر اليد والوجه وغيرها بالسياق الذي ورد ذكرها في الايات لا يعتبراثباتا لليد والوجه وغيره ولو ان مايعتبره ابن تيمية اثباتا لوجب اثبات الارادة للجدار عندما قال الله سبحانه وتعالى
{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }الكهف77
ولوجب اثبات اليدين للكتاب عندما قال الله سبحانه وتعالى
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ }آل عمران3
فورود الكلمة بسياق المشاكلة والمجاز لا يعتبر اثباتا ولكن الاثبات ان ياتي السياق بصيغة يكون فيها معنى الاثبات تاما أي محكما مثل قول الله سبحانه وتعالى الله لا اله الا هو الحي القيوم او الا ان لله ما في السموات والارض او قل هو الله احد او ان الله عزيز حكيم او وكان الله عليما حكيما ونحوه فلو جاءت في النصوص الشرعية عبارة ان لله يد لكان الاثبات لليد صحيحا
اما قول الله سبحانه وتعالى {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }ص75
فلا يعتبر اثباتا لليدين ولكن معنى بيدي اي بمباشرتي له في الخلق بغير واسطة ذلك ان الله سبحانه وتعالى خلق ادم في مراحل عدة فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلط الطين والماء حتى صار لازبا ثم تركه حتى صار حمأ ثم شكله ثم تركه حتى صار صلصالا ثم نفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى ولم يأمر احدا من الملائكة للقيام بهذا العمل وان ذكر الخلق باليدين لم يات لبيان تكريم ادم كما يقول ابن تيمية فهو يحتج بهذه الاية لاثبات اليدين فيقول لو كان خلق الله سبحانه وتعالى لابليس وادم سواء ولو لم يكن ذكر تخصيص خلق الله سبحانه وتعالى لادم بيديه تكريما له لما كان لذكرها معنى ولاحتج ابليس بهذا فيستدل ابن تيمية بهذا على اثبات اليدين والصحيح ان ذكر اليدين في قول الله سبحانه وتعالى لم يكن تكريما لادم ولكن جاء ردا على قول ابليس عندما قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين وكأنه ينبئ الله سبحانه وتعالى بما لا يعلم فجاء قول الله سبحانه وتعالى ليأكد لابليس انني خلقته بيدي أي بمباشرتي له في الخلق وبغير واسطة فانا اعلم مم خلقته وانا الذي جعلته بهذه المنزلة وهذا لا يعني تقييد علم الله سبحانه وتعالى في من خلقهم بهذه الطريقة ولكنه للتأكيد ومثال هذا انك اذا اوصلت ابنك الى المدرسة بسيارتك وجاء من يشكك في وجود ابنك في المدرسة ويقول لك ان ابنك ليس في المدرسة فمن اجل ان تاكد له وجوده في المدرسة فستقول له انا الذي اوصلته بيدي مع انك لم تحمله بيديك لتوصله الى المدرسة فلم يكن قول الله عز وجل لابليس تبيينا لتكريم ادم كما يقول ابن تيمية والا لكانت هذه هي علة تكريم ادم على الملائكة الذين سجدوا له ولوجب ان يكون ادم افضل من جميع الملائكة والصحيح انه ليس خلق الله عز وجل لادم بيديه هوعلة تكريمه ولم يأمر الله عز وجل الملائكة بالسجود له لهذا السبب ولم يأمر الله عز وجل جبريل وميكال واسرافيل وملك الموت وحملة العرش بالسجود لادم فلا يمكن للملائكة الذين يحملون العرش ان يتركوا حمل العرش ويسجدوا لادم وان منزلة جبريل وميكال واسرافيل وملك الموت اعلى من منزلة ادم واعلى من منزلة الملائكة المدبرات امرا الذين سجدوا لادم ولم يكن قول الله عز وجل لابليس من جنس المعنى الذي كان يتكلم عنه ابليس ولكنه جاء ليبين معنى اخر وهو ان علة وجوب الطاعة هو صدور الامر من الله سبحانه وتعالى وليس ذكر علة التشريع ولو اعتبرناه لذكر العلة كما يفهمه ابن تيمية لكان من حق العبد الاعتراض على الله عز وجل في ما شرع ولكان من الواجب على الله عز وجل ذكر العلة في كل ما شرع ولكن علة جعل منزلة ادم اعلى من منزلة الملائكة الذين سجدوا له كانت لغير الخلق باليدين وقد ذكرته في موضوع اخر كنت قد كتبته ونشرته على الانترنيت بعنوان قصة ادم عليه السلام
البدعة الثالثة
قوله بان القدر يؤمن به ولا يحتج به والقدر يحتج به في المصائب ولا يحتج به في المعائب فهذا القول من ابتداعه هو وليس له سند او دليل شرعي فكيف يؤمن الانسان ولا يحتج بما امن به فان امن الانسان بالله الا يحتج بوجوده ووحدانيته وكذلك الايمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر ولكن ابن تيمية لا يعرف معنى القدر وعندما قصر عقله عن معرفته ابتدع هذه القاعدة والصحيح ان القدر يحتج به في المصائب والمعائب وفي كل شيئ لان الله تبارك وتعالى قال
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2
فالمصائب والمعائب كلاهما بقدر الله ويجب الاحتجاج بانها وقعت بقدر الله ولكن لايصح الاحتجاج بالقدر للاستبراء من الذنب لان العبد هو الذي تصرف في المقدرات وارتكب الذنب وكذلك باستطاعته ان يتصرف في المقدرات ولا يرتكب الذنب ولذلك فان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه اقر للسارق احتجاجه بالقدرفعندما قال له السارق سرقت بقدر الله لم ينكرعليه قوله واقره عليه ولكنه لم يقبل منه الاستبراء من الذنب بحجة القدر فاجابه وقال له وانا اقطع يدك بقدر الله
وقد ذكر ابن تيمية هذا المعنى وقال يجب على العبد الاستغفار من الذنب وعدم الاحتجاج بالقدر ولكنه لم يبين علاقته بالقدر فقد اورده من باب مايجب على المذنب فعله وليس من باب تعلقه بالقدر
فابن تيمية لا يميز بين القضاء والقدر ولا يميز بين كتابة الله سبحانه وتعالى للقدر وبين وقوعه فاحيانا يورد كلاما اذا نسب الى كتابة القدر يكون صحيحا ولكنه ينسبه الى وقوعه او بالعكس وكذلك بخصوص الارادة والمشيئة فعندما يقرا القارئ جزءا من كلامه يجده صحيحا ولكن لو اخذ كل كلامه مجملا وقارن بين مافيه لوجده متناقضا ويتبين هذا في قصيدته التي اجاب فيها على سؤال الذمي
والصحيح ان معنى القضاء هو الامضاء ومنه الحكم أي اتخاذ القرار فاذا قضي امر ما صار هذا الامر مفروغا منه وكان في عداد الماضي قال الله سبحانه وتعالى
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً }الأحزاب36
{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ }القصص29
اما القدر فهو من التقدير أي تعيين مكونات الشيء وهناك فرق بين كتابة الله سبحانه وتعالى للقدر وبين وقوعه فكتابته تتعلق بالقضاء اما وقوعه فيتعلق بتفاعل المقدرات نفسها أي الاسباب التي خلقها الله تبارك وتعالى واعطاها قدرها فان الله سبحانه وتعالى قدر للماء ان يكون سائلا مكونا من الاوكسجين والهيدروجين وقدر للهواء ان يكون غازا مكونا من الاوكسجين وثاني اوكسيد الكاربون والهيروجين الخ وقدر للنخلة ان تكون صلبة مكونة من الجذر والجذع والسعف وقدر ان يكون طلعها وثمرها بالشكل والمكونات التي هي عليها وقدر لها ان تستمد حياتها من الشمس والماء والتربة فمثلا اذا اخذت سعفة من النخلة واشعلتها فان الله سبحانه وتعالى هو الذي قدر مكونات النار وهو الذي قدر للسعفة ان تكون قابلة للاشتعال وهو الذي قدرالاوكسجين في الهواء وجعله مساعدا للاشتعال فتكون قد اشعلت النار بقدر الله وكذلك اذا اطفأتها بالماء وكذلك في كل شيئ خلقه الله سبحانه وتعالى قال الله تبارك وتعالى
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2
وكذلك الانسان فقد خلقه الله سبحانه وتعالى وقدر له ان يكون حيا سميعا بصيرا وله عقل وقلب ونفس وجوارح وارادة وقدر لنفسه ان تكون قابلة للفجور والتقوى وقدر لقلبه ان يكون واعيا للاحاسيس وباعثا لطريقة التفكير وقدر لعقله ان يكون مميزا ومسيطرا وموجها للنفس والجوارح والارادة وقدر لما في السماء والارض ان تكون ايات على وجوده ووحدانيته وخول الانسان في التصرف بالمقدرات وهنا يجب الاشارة الى ان الله عز وجل لم يخول الانسان بالتصرف في كل شيئ ولكن بحدود جعله خليفة في الارض فاي فعل يفعله الانسان سواء كان خيرا او شرا فهو بقدر الله فلو اخذ انسان مطرقة حديدية وكسر بها زجاجة يكون قد كسرها بقدر الله لان الله سبحانه وتعالى هو الذي قدرللانسان مكونات العقل الذي قرر به كسر الزجاجة فجعله ممييزا وهو الذي قدرمكونات الارادة التي عزم بها وخوله بالتصرف بها وهو الذي قدرمكونات اليد التي امسك بها المطرقة وهو الذي قدرمكونات المطرقة وجعلها صلبة مؤثرة في عملية الكسر وهو الذي قدر مكونات الزجاج وجعله قابلا للكسر وكذلك اذا اماط الاذى عن الطريق وكذلك اذا صلى وصام او اذا سرق او شرب خمرا وكذلك في جميع افعال الانسان فالانسان يكون قد كسر الزجاجة واماط الاذى عن الطريق وصلى وصام اوسرق وشرب الخمر وفعل جميع افعاله سواء كانت خيرا او شرا كلها بقدر الله وكلها قد كتبها الله سبحانه وتعالى قبل ان يخلق الخلق بخمسين الف سنة
اما كون الله سبحانه وتعالى قد قضى كتابتها ووقوعها قبل ان يخلق الخلق فهذا لا يلزم منه ان يكون بمثابة اجبار للانسان على فعلها ولكن الله علم مسبقا بان الانسان سيفعل هذا الفعل فقضى كتابته عنده سبحانه وتعالى وكل مايقع من فعل الانسان فهو بمشيئة الله سبحانه وتعالى لانه هو الذي خلق المقدرات وقدرها وهو مالكها ولم يملكها للانسان ولكن الله عز وجل خول الانسان في التصرف بها فلو شاء الله سبحانه وتعالى ان يسلب او يعطل المقدرات لما وقع فعل من الانسان فقد امر الله سبحانه وتعالى ابراهيم ان يذبح اسماعيل عليهما الصلاة والسلام ولكنه لم يشأ ذبحه واراد ان لا يذبح فعطل القدر الذي به تقطع السكين فلم تتم عملية الذبح والحديث يجرنا الى ان نبين ان لله سبحانه وتعالى ارادتان فله سبحانه وتعالى ارادة عزم وارادة حتم وقد ورد في روايات الشيعة هذا المعنى عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه وان لم يكن سند الحديث صحيحا ولكن معناه صحيح فقد جاء في روايات اهل السنة ما يؤيد هذا المعنى
فقد أورد أبو القاسم بن حبيب في تفسيره بإسناده أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سأله سائل عن القدر فقال طريق دقيق لا تمش فيه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال بحر عميق لا تخض فيه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال سر خفي لله لا تفشه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال علي رضي الله عنه يا سائل إن الله تعالى خلقك كما شاء أو كما شئت فقال كما شاء قال إن الله تعالى يبعثك يوم القيامة كما شئت أو كما يشاء فقال كما يشاء فقال يا سائل لك مشيئة مع الله أو فوق مشيئته أو دون مشيئته فإن قلت مع مشيئته ادعيت الشركة معه وإن قلت دون مشيئته استغنيت عن مشيئته وإن قلت فوق مشيئتة كانت مشيئتك غالبة على مشيئته ثم قال ألست تسأل الله العافية فقال نعم فقال فعن ماذا تسأله العافية أمن بلاء هو ابتلاك به أو من بلاء غيره ابتلاك به قال من بلاء ابتلاني به فقال ألست تقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال بلى قال تعرف تفسيرها فقال لا يا أمير المؤمنين علمني مما علمك الله فقال تفسيره إن العبد لا قدرة له على طاعة الله ولا على معصيته إلا بالله عز وجل يا سائل إن الله يسقم ويداوي منه الداء ومنه الدواء اعقل عن الله فقال السائل عقلت فقال له إلا صرت مسلما قوموا إلى أخيكم المسلم وخذوا بيده ثم قال علي لو وجدت رجلا من أهل القدر لأخذت بعنقه ولا أزال أضربه حتى أكسر عنقه فإنهم يهود هذه الأمة (انتهى)
وروى ابن عساكر
حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار النحوي قال حدثنا أبي قال حدثنا القاسم بن يزيد الهمداني حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا نوح بن قيس قال حدثنا سلامة الكندي قال قال شيخ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عند منصرفه من الشام أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أبقضاء من الله وقدر أم غيرهما قال علي رحمه الله والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ما علوتم تلة ولا هبطتم واديا إلا بقضاء من الله وقدره قال الشيخ عند الله أحتسب عنائي وإليه أشكو خيبة رجائي ما أجد لي من الأجر شيئا قال بلى قد أعظم الله لكم الأجر على مسيركم وأنتم سائرون وعلى مقامكم وأنتم مقيمون وما وضعتم قدما ولا رفعتم أخرى إلا وقد كتب الله لكم أجرا عظيما قال الشيخ كيف يا أمير المؤمنين والقضاء والقدر ساقانا وعنهما وردنا وصدرنا فقال علي رضي الله عنه أيها الشيخ لعلك ظننته قضاء جبرا وقدرا قسرا لو كان ذلك كذلك لبطل الأمر والنهي والوعد والوعيد وبطل الثواب والعقاب ولم يكن المحسن أولى بمثوبة الاحسان من المسئ ولا المسئ أولى بعقوبة الاسائة من المحسن قال الشيخ فما قضاء والقدر قال علي العلم السابق في اللوح المحفوظ والرق المنثور بكل ما كان وبما هو كائن وبتوفيق الله ومعونته لمن اجتباه بولايته وطاعته وبخذلان الله وتخليته لمن أراد له وأحب شقاه بمعصيته ومخالفته فلا تحسبن غير ذلك فتوافق مقالة الشيطان وعبدة الأوثان وقدرية هذه الأمة ومجوسها ثم إن الله عز وجل أمر تحذيرا ونهى تخبيرا ولم يطع غالبا ولم يعص مغلوبا ولم يك في الخلق شئ حدث في علمه فمن أحسن فتوفيق الله ورحمته ومن أساء فبخذلان الله و أساءته هلك لا الذي أحسن استغنى عن توفيق الله ولا الذي أساء عليه ولا استبد بشئ يخرج به عن قدرته ثم لم يرسل الرسل باطلا ولم ير الآيات والعزائم عبثا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار(انتهى)
فهناك فرق بين مشيئة الله سبحانه وتعالى وبين ارادته وهناك فرق بين ارادة العزم وارادة الحتم
واضرب مثلا لتوضيح الفرق بين الارادتين واشير الى الفارق فان ارادة الله عز وجل مقرونة بالملك اما ارادة العبد فهي غير مقرونة بالملك
فاقول اذا اراد المرء ان يسافر فسيكون هو من عزم على السفر وهذه هي ارادة العزم ولكن اذا اراد ابنه ان يسافر وأذن له الاب فستكون ارادة الاب لسفر ابنه ارادة حتم لانه ليس هوالذي قهر ابنه وجعله يعزم على السفرولكن ابنه من عزم على السفر ولو لم يسمح الاب لابنه بالسفر ومنعه لما سافر الابن وبهذا يكون سفر الابن قد وقع بارادة الاب الحتمية وليست العزمية
وكذلك وقوع الكفر من الكافر ووقوع المعصية من العاصي فانها تقع بارادة الله الحتمية وليست العزمية لان الله عز وجل لم يقهره قهراعلى فعلها ولكن الله عز وجل هو خالق ومقدر الاسباب التي ادت الى وقوع المعصية وهو مالك الاسباب وقادر على سلبها او تعطيلها ولو سلبها او عطلها لما كفر الكافر ولما وقعت المعصية من العاصي وكذلك الحال مع المؤمن
وبهذا المعنى جاءت الايات الكريمات
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }الحج16
{فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125
{وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }هود34
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة41
وقال الله سبحانه وتعالى في ايات اخر
{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }الزمر3
{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }غافر28
{إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ }النحل37
فاذا لم يرد الانسان الهداية بداية لا يهديه الله واذا لم يرد الانسان الضلال بداية لا يضله الله اما مسالة التسلسل والترجيح بلا مرجح فهي باطلة وسابين بطلانها في موضوع اخر ان شاء الله قال الله سبحانه وتعالى
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ{27} لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ{28} وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{29}
فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10}
{ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } (51){ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (52) {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال53
وان ارادة الله سبحانه وتعالى هي تخصيص للمشيئة فالله سبحانه وتعالى يشاء ان يريد فان شاء اراد وان لم يشأ لم يرد فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن قال الله عز وجل
{مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً }الإسراء18
فجاءت المشيئة عامة والارادة خاصة
وان ابن تيمية لم يميز بين القضاء وبين القدر ولا بين ارادة العزم وارادة الحتم وعندما جهل هذا ابتدع القاعدة التي قال فيها ان القدر يؤمن به ولا يحتج به وقال ان القدر يحتج به في المصائب ولا يحتج به في المعائب وابتدع الارادة القدرية والارادة الشرعية والصحيح انه ليس لله سبحانه وتعالى ارادة قدرية ولا ارادة شرعية ولكن له ارادة ومشيئة اما التشريع فهو امر من الله سبحانه وتعالى وليس ارادة شرعية فالله سبحانه وتعالى اراد ان يشرع فشرع وامر ونهى وهذا داخل في عموم الارادة وليست ارادة خاصة
وان ابن تيمية لم يفهم قول الله عز وجل الذي حكاه عن ابليس حين قال فبما اغويتني لاقعدن لهم سراطك المستقيم وحمله على ان ابليس احتج بالقدر والصحيح ان ابليس لم يقل هذا احتجاجا بالقدرولكن كان سبب اغواءه هوخلق الله سبحانه وتعالى لادم من طين فاعتمد طريقة القياس لوجوب طاعة الله عز وجل بدلا من ان يعتمد الصحيح وهو ان الذي يوجب الطاعة هو كون الامر صادرمن الله عز وجل وليست علة التشريع فغوى وجرى له ماجرى واختلف العلماء في معنى اغويتني والصحيح ان نسبة الاغواء الى الله عز وجل هو من باب نسبة السبب الى مسببه كما لو كنت عطشانا واعطاك احد ماءا وشربت وقلت له شكرا لك لقد ارويتني فليس معنى هذا انه هو الذي سقاك ولكن انت الذي سقيت نفسك وكان هو المسبب لاروائك وكان الماء سبب الارواء وكذلك قول ابليس اغويتني فان الله عز وجل لم يقهر ابليس على الاغواء قهرا فهو حر في ان يغوى او لا يغوى ولكن كان خلق الله عز وجل لادم من طين سببا في اغواءه اما عبارة ( بما ) فجاءت لمعنيين اثنين وكان لاضافة الالف الى عبارة بم اتماما للمعنيين فالاول هو الانتقام من ادم لشدة حقده عليه فعبارة بم هي تعيين لجواب عن سؤال مقدر أي باي شيئ اغويتني فيكون الجواب بادم فيكون المعنى انه بما ان ادم هو الذي اغويتني به فسانتقم منه ولاقعدن له ولذريته سراطك المستقيم واغويهم والثاني كان عنادا ومساومة لله عز وجل أي بما انك خلقت ادم من طين وجعلته مدعاة للاغواء فاغويتني به لاقعدن لهم سراطك المستقيم ولاصرفنهم عن عبادتك وبما انه ليس لابليس من الامر شيئ وانما الامر كله بيد الله سبحانه وتعالى فقد اقر الله عز وجل له المساومة واستجاب له طلبه بالانظار كي لا يكون لتهديد ابليس اعتبارا فان الله عز وجل هو الغني الحميد ولا يزيد في ملكه ايمان المؤمن ولا ينقص من ملكه كفر الكافر ولو رفض الله عز وجل طلب ابليس للانظارلكان لتهديده اعتبارا فيكون المعنى وحاشا لله ان الله يفتقر الى ايمان المؤمن فيتأثر فيمن يغويهم ابليس وقد يقول قائل ما وجه المقارنة بين الخالق والمخلوق كي يكون ابليس مساوما لله عز وجل فاقول لا وجه للمقارنة فان الله عز وجل قادرعلى هلاك ابليس ولكن رحمة الله سبحانه وتعالى وحكمته اقتضت ذلك لانه هو رب ابليس وهو رب العالمين وليتبين للناس سعة رحمته وعدله سبحانه وتعالى اما الغي فهو الاستدلال بغير الصواب وقد استدل ابليس بطريقة القياس على وجوب الطاعة وهي طريقة خاطئة فغوى وكذلك يغوى الذين يتبعون الشهوات
قال الله عز وجل
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً }مريم59
وان كثيرا من العلماء لم يميزوا بين القضاء والقدر وحشروا القضاء مع القدر مع ان الحديث الشريف ذكر ان من اركان الايمان هو الايمان بالقدر خيره وشره ولم يأت ذكر القضاء فيه وكذلك لم يميزوا بين ارادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته فمنهم من حمل معنى الارادة على انها المشيئة ومنهم من حمل معنى ارادة الحتم على انها ارادة العزم وكذلك في غيرها من مسائل العقيدة فقد أخطأ المرجئة والخوارج والمعتزلة والاشعرية والسلفية والاباظية والصوفية في فهم معاني ايات القران الكريم المتشابهة وفي فهم الاحاديث النبوية الشريفة وعلى اثرها تفرقت الامة الاسلامية ومن هؤلاء العلماء الامام احمد بن حنبل فانه لم يعرف القدر فقد روي عنه انه قال ان القدر هو قدرة الله وكذلك قال كثير من العلماء المعاصرين مثل هذا القول والصحيح ان القدر ليس هذا معناه والصحيح ان وقوع القدر لايتعلق بقدرة الله عز وجل ولكنه يتعلق بمشيئته اما قدرته سبحانه وتعالى فقد مضت في خلق المقدرات وتقديرها اما وقوع القدر فهو نتيجة تفاعل المقدرات نفسها الا ان تكون معجزة خارقة للمقدرات فانها تكون متعلقة بقدرة الله سبحانه وتعالى
البدعة الرابعة
قوله بان المشركين العرب موحدين او يوحدون الخالق وهذا لا يجوز فحتى لو قالوا ان خالق السموات والارض هو الله فان اطلاق هكذا كلمة على من وصفهم الله عز وجل بالمشركين في ايات كثيرة في القران الكريم يعتبر تجرؤا على الله سبحانه وتعالى
والصحيح ان المشركين العرب لم يكونوا يؤمنون ايمانا بان الله سبحانه وتعالى هوالخالق كما يقول ابن تيمية حسب فهمه الخاطئ لايات القران الكريم ولكن كانوا يقرون تعجيزا بهذا فان الله عز وجل قال
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان25
وهذا ليس ايمانا منهم به ولكن لانهم لايملكون جوابا غيره فهم لا يستطيعون ان ينسبوا الخلق الا لله سبحانه وتعالى ولو نسبوه لالهتم او لانفسهم او لاي مخلوق اخر لكانت حجتهم داحضة لان الخالق لابد ان يكون هو الاول ليس قبله شيء وهذا ما يعجزون ان يثبتوه لغير الله سبحانه وتعالى ولذلك يضطرون اضطرارا الى الاقرار بان الخالق هو الله وليس ايمانا منهم به ولذلك قال الله عز وجل
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان25
فليس في الاية الكريمة مايثبت ايمانهم بما يقولون ولكن جاءت لتظهرعجزهم عن اثبات الخلق لغيره سبحانه وتعالى ولذلك قال الله عز وجل قل الحمد لله أي الحمد لله الذي جعل حجته هي الغالبة
فلا يجوز القول بانهم موحدين او يوحدون ويجب ان يقال عنهم انهم مقرين او يقرون بان الخالق هو الله وقد قال ابن تيمية هذا عنهم في مواضع كثيرة ولكنه حمل معناه على انهم يؤمنون به ايمانا والصحيح انهم ليسوا كذلك فيجب الاشارة الى ان اقرارهم عن عجز وليس عن ايمان وقد كذبهم وكفرهم الله عز وجل فقال
{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }الزمر3
البدعة الخامسة
ايجاده للحسبة وهو تخصيص جماعة معينة من المسلمين للامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراقبة الناس والتدخل بشؤونهم ومحاسبتهم وهذا ما لم يامر به الله عز وجل ولم يرد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم وقد ابتدع ابن تيمية هذه البدعة نتيجة فهمه الخاطئ لايات القران الكريم فان الله عز وجل قال
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104
فكان معنى امة شاملا لكل افراد الامة كما جاء في اية اخرى
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110
ولم يكن المعنى لطائفة منها فقد قال الله عز وجل
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة122
وكذلك قال الله عز وجل في نهاية الاية واولئك هم المفلحون فلو كان المعنى لطائفة من الامة لكان افراد هذه الطائفة فقط هم المفلحون دون بقية الامة
وقال النبي صلى الله عليه وسلم من رأئ منكم منكرا فليغيره بيده الى اخر الحديث فكانت الدعوة لكل الامة وليس لجماعة خاصة
فكان ابتداع ابن تيمية للحسبة مخالفة للقران الكريم ولسنة النبي صلى الله عليه وسلم
ومن شأن الحسبة ان تفرق بين المسلمين وتسلط بعضهم على بعض وهذا ما لا يرضاه الله ورسوله وكذلك من شأنها التجسس على المسلمين وقد نهى الله تبارك وتعالى عنه وقد شرع الله عز وجل اقامة الحدود على المذنبين للردع وليس للانتقام وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم يدرأون الحدود عن المسلمين بالشبهات اما الحسبة فمن شأنها ملاحقة المذنبين واقامة الحدود عليهم
الفصل الثاني
اخطاء ابن تيمية
الخطأ الاول
فهمه لمعنى لا اله الا الله بانها لا معبود الا الله او لا معبود بحق الا الله او لا يستحق العبادة الا الله وهذا خطأ والصحيح ان معناها لا وجود لاله الا الله لانك اذا قلت لا معبود الا الله او لامعبود بحق الا الله فسيصبح المعنى وكانك تمنح الالوهية لله منحة أي انه لا يكون الاها حتى تقر له انت بها وليست اصلا فيه وكذلك اذا قلت انه لا معبود بحق الا الله فانك بهذا القول قد جعلته في مقام المقارنة مع الالهة التي تعبد بغيرحق وان مجرد جعله في مقام المقارنة هو تقليل من شأن وحدانيته في الالوهية ولذلك سمى الله سبحانه وتعالى نفسه الله بحذف الالف وتشديد اللام من كلمة الاله ليكون المعنى ان الالوهية اصلا فيه وليست تعيينا فانك اذا قلت ان الاله هو الله فسيكون مضمون الكلام وكانك انت الذي تعين الالوهية لله اما اذا قلت ان الله هو الله فتكون قد استبعدت مضمون التعيين ليكون المعنى ان الالوهية اصلا في الله سبحانه وتعالى
فمعنى لا اله الا الله انه لا وجود لاله الا الله وليس لا معبود الا الله او لا معبود بحق الا الله وبعد ثبوت هذا المعنى يكون اللازم منه هو وحده من يستحق العبادة
الخطأ الثاني
تقلبه وتناقضه في مسألة قياس الخالق على المخلوق في المعنى والكيف ويصرفها حسب مايشتهي وليس وفقا لضوابط فتراه يسلك طريقة معينة للقياس ولكنه لا يجيزها لمخالفيه وينتقدهم على سلوكها وما يعتبره تمثيلا عند غيره لا يعتبره تمثيلا عنده والصحيح ان كلمة مثل تستعمل للتعبيرعن وجود معنى اوخصوص او صفة او غيرها في شيئين فاذا اشترك شيئان في وجود شيئ منها كان هذان الشيئان متماثلين في ما وجد في كل واحد منهما ولذلك اضاف الله سبحانه وتعالى كاف التشبيه الى كلمة مثل فقال ليس كمثله شيئ ليكون المعنى نفي المثل في الخصوص والصفة وليس نفي المثل نفيا مطلقا في كل شيئ فان نفي المثل نفيا مطلقا لا يكون الا للعدم فكل ماهو ضد العدم متماثل مع غيره في معنى الوجود فان قلت ليس مثل الله شيئ فسيكون المعنى ان الله عدما لانك نفيت معنى الوجود لله سبحانه وتعالى الذي هو مثل معنى الوجود للمخلوق فكلا الوجودين ضدها العدم ولكنك اذا قلت ليس كمثل الله شيئ فسيكون المعنى انك لم تنف المثل نفيا مطلقا ولكنك نفيت التشابه بين المثلين فتكون قد اثبت الوجود لله سبحانه وتعالى في المعنى ولكنه ليس مثل وجود المخلوق في الخصوص فيكون وجود الله سبحانه وتعالى ليس كوجود المخلوق وكذلك في معنى الحياة والنفس والكلام والقدرة والعلم والسمع والبصر وسائر خصوصيات صفاة وافعال الله سبحانه وتعالى
ويجب التفصيل في هذه المسألة وقبل ان افصل هذا اشير الى ان المتكلمين في التوحيد قد غلوا في الكلام في هذه المسألة غلوا تجاوز الحد الذي جاء به الشرع فان كلمة التوحيد لم ترد في النصوص الشرعية منفردة ولم ترد مضافة الى الله عز وجل بغير تخصيص فان القران الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم يدعوان الى عبادة الله وحده فيقول القران الكريم اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ان حق الله على العباد ان يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئا فلم ترد عبارة التوحيد او توحيد الله الا مع التخصيص فيقال توحيد الله في العبادة او توحيد الله في التوكل ونحوها فمصطلح التوحيد بالصيغة المطلقة اخذه المعتزلة عن الفلاسفة وغلوا فيه فجرهم الى الضلال وأخطأ الاشعرية وابن تيمية فسلكوا مسلكهم للرد عليهم وهذا المسلك غلو في طريقة الكلام للاستدلال على المطلوب كالغلو في الدين والصحيح ان هناك فرق بين ان تعبد الله وحده ولا تشرك به شيئا وبين معرفة الله سبحانه وتعالى بالتفصيل فمعرفة الله سبحانه وتعالى بالتفصيل ليست شرطا او ركنا من شروط او اركان الايمان او توحيد الله في العبادة فمن امن بان الله سبحانه وتعالى واحد وهو خالق كل شيئ ومالكه وهو رب العالمين وهو مدبر الامر ولم يمثل الله سبحانه وتعالى بخلقه بالمجمل وعبده وحده ولم يشرك به شيئا فقد حقق المطلوب وكان مؤمنا حتى وان لم يعرف الله معرفة تفصيلية اما التفكر في صفاة الله سبحانه وتعالى فهو للتوسع في معرفة الله سبحانه وتعالى ولم يامر الشرع بالغلو في الكلام للاستدلال على معرفة صفاة الله سبحانه وتعالى كما فعل المعتزلة وان الجهل في معرفة صفاة الله بالتفصيل ومعرفتها بالمجمل خير من الخوض في تفاصيلها بطريقة الغلو فالصحيح ان يكون الكلام عن الصفاة بطريقة وسط كطريقة الاعرابي الذي قال ان البعر تدل على البعير والاثر يدل على المسير بغير غلو فاقول
ان لله سبحانه وتعالى صفاة وافعال وهناك اختلاف في تعلقاتها فمنها ما لهاعلاقة بالخالق وحده ومنها ما لها علاقة بالخالق والمخلوق ومنها ما يستفهم عن معناها ومنها ما يستفهم عن كيفها ومنها ما يجوز القياس فيها على المخلوق ومنها ما لايجوز
فاما الصفاة فتنقسم الى قسمين
اولا :- الصفاة التي لها علاقة بالخالق وحده مثل الحي القادر اما اليد والوجه والعين فليست صفة من صفاة الله وسياتي الكلام عنها
ثانيا :- الصفاة التي لها علاقة بالخالق والمخلوق وتنقسم الى قسمين
1 :- الصفاة التي يكون متعلقها يصدر من المخلوق والمدرك لها هو الخالق مثل السميع البصير فان الصوت يصدر من المخلوق والمدرك له هو الخالق وكذلك البصير
2:- الصفاة التي يكون متعلقها يصدر من الخالق والمدرك لمتعلقها المخلوق مثل صفة الكلام والرؤية
اما الافعال فكلها لها علاقة بالخالق والمخلوق مثل الرازق المحيي المميت ومثل الاستواء على العرش والنزول
فالقياس يكون كما يلي
اولا :- ان جميع الصفاة يجوز فيها قياس الخالق على المخلوق في المعنى بل لايمكن معرفة معانيها الا بقياسها على المخلوق فلا يعرف معنى السمع انه ادراك للصوت الا بالقياس على المخلوق وكذلك سائر المعاني واستنادا الى هذا القياس فكل صفة وجودها كمال وعدمها نقص يجب اثباتها للخالق وكل صفة وجودها نقص وعدمها كمال يجب نفيها عن الخالق
ثانيا :- الصفاة التي لها علاقة بالخالق وحده لا يجوز القياس فيها على المخلوق في الكيف مثل الحي القادر لان الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيئ
ثالثا :- الصفاة التي لها علاقة بالخالق والمخلوق والتي يكون متعلقها يصدر من المخلوق والمدرك لها الخالق مثل السميع البصير لا يجوز القياس فيها على المخلوق في الكيف لان الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيئ
رابعا :- الصفاة التي لها علاقة بالخالق والمخلوق والتي يكون متعلقها يصدر من الخالق والمدرك لمتعلقها المخلوق مثل صفة الكلام والرؤية يجوز القياس فيهاعلى المخلوق في الكيف من وجه تعلقها بالمخلوق ولا يجوز فيها القياس من وجه تعلقها بالخالق وكما يلي
لصفة الكلام وجود ونوع واخراج وخروج وانتقال وادراك
1:- وجود الكلام في نفس الله سبحانه وتعالى يجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى فنقول وجود الكلام في نفس الله سبحانه وتعالى كوجوده في انفسنا ولكنه اولا كاولية علمه وسائر صفاته ولا يجوز القياس فيه على المخلوق في الكيف لان الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيئ
3:- وجود الكلام خارج نفس الله سبحانه وتعالى يجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى والكيف من وجه ولا يجوز من وجه اخر فالقران الكريم مكتوب في الكتاب المكنون عند الله سبحانه وتعالى في حجاب من حجب العرش وقد انزله الله تبارك وتعالى في ليلة مباركة فاما كتابة الله سبحانه وتعالى له في الكتاب المكنون فتنقسم الى قسمين
أ:- القيام بعملية الكتابة وهذه تتعلق بالخالق ويجوز القياس فيها على المخلوق في المعنى ولا يجوز القياس فيها في الكيف لان الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيئ
ب:- اثر الكتابة وهذا يتعلق بالمخلوق فيجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى والكيف فنقول ان القران الكريم مكتوب في الكتاب المكنون كالكتابة عندنا على الورق لان الكتاب المكنون مخلوق ولكنه بالنسبة لنا غيبا
4:- نوع الكلام في نفس الله سبحانه وتعالى يجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى فنقول نوع الكلام في نفس الله سبحانه وتعالى كنوع الكلام عندنا وهو حروف مقطعة من كل اللغات
5:- اخراج الكلام لا يجوز فيه القياس على المخلوق في الكيف فنقول يخرج الكلام من نفس الله سبحانه وتعالى بغير الة كما انه سبحانه وتعالى يسمع ويرى بغير الة
6:- خروج الكلام يجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى والكيف فنقول الكلام المخرج من نفس الله سبحانه وتعالى حروف مقطعة بصوت كصوت الكلام عندنا يخرجه الله سبحانه وتعالى متى وكيف شاء
7:- انتقال الكلام يجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى والكيف فنقول ينتقل كلام الله سبحانه وتعالى بعوامل انتقال الصوت كما ينتقل الكلام عندنا ولكن من وراء حجاب
8:- ادراك الكلام يجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى والكيف فنقول يدرك كلام الله سبحانه وتعالى بحاسة السمع كما يدرك الكلام عندنا
اما الرؤية فانها حق ولكنها ليست كما يقول ابن تيمية ولها مقام اخر وتحتاج الى وسائل ايضاح ومن الصعب توضيحها عن طريق الكتابة لما فيها من تعلقات تحتاج الى تفاصيل كثيرة واخشى ان لا تفهم فهما صحيحا ولكن فقط اقول ان الله سبحانه وتعالى لايرى بذاته فلا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار فلا يجوز ولا يصح اثباتها من عدة وجوه وابين هذا في ما يلي
اولا :- لان الله هو العزيز ومعنى العزيز أي الذي لاينال فان ادرك فقد نيل وان نيل فقد انتفى كونه عزيزا
ثانيا :- بغض النظر عن كيفية الرؤية سواءا كانت بعوامل الابصار المعروفة او اي طريقة اخرى فانه يلزم من اثبات الرؤية اما ان تكون لله جهة ينظر اليه فيها دون غيرها وهذا باطل لانه يعني ان لله حد او لا تكون له جهة فان لم تكن له جهة فاما ان تكون الرؤية ملازمة للرائي لان الله في كل الجهات او غير ملازمة له فان قيل ملازمة فهذا باطل لانه اختلاط مع بقية نعيم الجنة وكذلك سيكون قدرها اقل او مساوي لقدر سائر نعيم الجنة وكذلك من غير المعقول ان يكون بامكان الرائي ان يتنعم بها وبالنظر الى الحور العين وسائر نعيم الجنة في نفس الوقت وان قيل غير ملازمة فاما ان يكون المتحكم بها هو الله سبحانه وتعالى او الرائي اما التحكم بها من قبل الله سبحانه وتعالى فهذا لم يرد لا في القران الكريم ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم واما التحكم بها من قبل الرائي فهوغير ممكن لانه دفع من الرائي لضرورة وجود الرؤية لان وجودها من وجود الله سبحانه وتعالى
ثالثا :- قال الله تبارك وتعالى وخر موسى صعقا فلما افاق قال سبحانك تبت اليك وانا اول المؤمنين فدل هذا على ان موسى عليه الصلاة والسلام كان اول المؤمنين بان الله عز وجل لا يرى
رابعا :- قال الله تبارك وتعالى وناديناه من جانب الطور الايمن وقربناه نجيا فلو ان الرؤية ممكنة لانعم الله تبارك وتعالى على موسى عليه الصلاة والسلام بها كما قربه نجيا
وهناك من حاول الالتفاف على معاني ايات القران الكريم وقال ان معنى ( لن ) في قول الله تبارك وتعالى لن تراني ليست ابدية فهي في الدنيا فقط وقالوا ان الله تبارك وتعالى ربط امكانية الرؤية بعدم تحمل الجبل للتجلي وهذا لا يعني عدم امكانية حصولها بالمطلق فان وجد ماهو اشد من الجبل امكن حصولها وهذه الاقوال واهية لانه لو لم تكن الرؤية غير ممكنة بالمطلق لكان يكفي ان يقول الله عز وجل لموسى عليه الصلاة والسلام لن تراني في الدنيا ولما كانت هناك حاجة لتجلي الله سبحانه وتعالى للجبل وجعله دكا ولو لم يفهم موسى عليه الصلاة والسلام من عدم تحمل الجبل للتجلي ان الرؤية غير ممكنة بالمطلق لدعا ربه وقال رب اجعلني اشد قوة من الجبل كي اراك ولم يقل تبت اليك وانا اول المؤمنين فان دلائل وقرائن عدم امكانية حصول الرؤية في القران الكريم ابين واقوى واكثر من هذه المحاولات وكان الاولى بمن يحاول الالتفاف على معاني ايات القران الكريم ان يفكر في احاديث الرؤية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويجتهد في فهمها فمن عرف معنى عبارة لا تضارون او لا تضامون في رؤيته التي وردت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم تبين له عدم معارضة الحديث للقران الكريم وقد يقول قائل ان هذا الكلام يلزم منه ان موسى عليه الصلاة والسلام اخطأ في طلبه الرؤية وكان يجهل عدم امكانية رؤية الله سبحانه وتعالى فاقول نعم ان موسى عليه الصلاة والسلام كان يجهل هذا فعلمه الله عز وجل ونحن علمناه من تعليم الله سبحانه وتعالى له ولنا وان موسى عليه الصلاة والسلام اخطأ في هذا فقال سبحانك تبت اليك فالانبياء عليهم الصلاة والسلام ليسوا معصومين بالخلقة ولكنهم معصومون بمتابعة الوحي لهم فاذا اخطأوا صحح لهم الله عز وجل وقد يقول قائل ان الله تبارك وتعالى قال وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى فاقول ان معنى النطق غير معنى اللفظ فليس معنى قول الله تبارك وتعالى وما ينطق عن الهوى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتلفظ بلفظ الا بوحي ولكن ماكان يوحى اليه من القران الكريم ومما كان وحيا فقط اما غيرها من الكلام فليس بوحي وسابين هذا في موضوع اخر ان شاء الله
اما الافعال فلا يجوز فيها القياس على المخلوق من وجه تعلقها بالخالق ويجوز فيها القياس على المخلوق من وجه تعلقها بالمخلوق فنقول ان معنى الاستواء هو الاستقرار والهيمنة فلم يزل الله عز وجل مستقرا مهيمنا على العرش منذ خلقه اما الكيف فيجوز فيه القياس على المخلوق من جهة تعلقه بالعرش ولا يجوز فيه القياس على المخلوق من جهة تعلقه بالله سبحانه وتعالى وانا والحمد لله ممن يعلمون كيفية الاستواء ولكن هذه المسالة ومسالة النزول ومعنى ثم استوى الى السماء وهي دخان وحديث الجارية وحديث اطيط العرش الذي رواه ابو داوود في سننه وان ضعفه الالباني فقد صححه غيره ومعناه صحيح وحديث اذا تكلم الله بالوحي سمع اهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا الذي رواه ابو داوود في سننه وصححه الالباني فهذه المسائل كمسالة الرؤية يصعب ايضاحها عن طريق الكتابة ولكن فقط اقول ان الله سبحانه وتعالى موجود فوق العرش وتحت العرش كما قال الله عز وجل هو في السماء اله وفي الارض اله وهو معكم اينما كنتم وهو اقرب اليكم من حبل الوريد وكما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ان الذي تدعون اقرب الى احدكم من عنق راحلته ولكن وجوده سبحانه وتعالى فوق العرش ليس كوجوده تحت العرش فقد قال الله عزوجل وهو بكل شيئ عليم وكذلك قال عز وجل وهو بكل شيئ محيط فدل هذا على ان معنى بكل شيئ عليم غير معنى بكل شيئ محيط ويتبين هذا لمن يعلم التفسير الصحيح لهذه الاية
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }النور35
وبعد هذا اقول من لم يكتف بهكذا نوع من الكلام وهكذا قدر من البيان ليهتدي ولا يهتدي الا بالكلام عن الجوهر والعرض والقدم والحدث وغيرها من مصطلحات الفلاسفة فهو وشأنه والى جهنم وبئس المصير فنحن غير ملزمين باتباع طريقتهم في الكلام لاقناعهم
بعد هذا اقول ان ابن تيمية من اجل ان يثبت اليد وضع قاعدة للقياس فيقول ان اثبات بعض الصفاة اثبات للباقي ويقول ان القول في بعض الصفاة كالقول في الباقي ويقول ان القول بالذات كالقول بالصفاة ولكنه ينقض هذه القاعدة عندما يتكلم عن مسألة اخرى فهو يفسر قول الله سبحانه وتعالى وهو معكم اين ما كنتم بان الله سبحانه وتعالى فوق عرشه بائن من خلقه ولكنه مع خلقه بعلمه فنقض القاعدة التي وضعها وافرد صفة العلم في معيتها للمخلوق دون بقية الصفاة كالقدرة والسمع والبصر والحكمة والرحمة واللطف والحياة والقوة وسائر الصفاة وكذلك هو يثبت اليد ويقول ان الله خلق ادم بيديه ومن المعلوم ان الله سبحانه وتعالى خلق ادم في الجنة أي تحت العرش فاما ان الله سبحانه وتعالى بائن من خلقه في كل صفاته او غير بائن والا فهذا تخبط
اما قوله ان الله فوق عرشه بائن من خلقه فان عبارة بائن من خلقه لم ينسبها ابن تيمية بالسند الا الى عبد الله بن المبارك وابن خزيمة وقلة اخرين ويحشرها حشرا مع الاكثرية الذين يقولون ان الله فوق عرشه بدون عبارة بائن من خلقه ليقول ان الائمة والسلف كانوا يقولون بها والقول بان الله بائن من خلقه باطل لانه يلزم من البينونة ان لله حد ينتهي عند العرش وهذا تمثيل ويلزم من البينونة عدم احاطة الله بكل شيئ واذا قيل ان معنى الاحاطة هو بالعلم دون بقية الصفاة فهذا يعني ان ماحصل تحت العرش من خلق الله عز وجل للسماوات والارض وما بينهما والقيمومة عليها وحفظها وما يحصل لها يوم القيامة تمت وتتم بصفة العلم دون بقية الصفاة
وكذلك ان ابن تيمية يصرف القياس حسب مايشتهي عندما يفسر معنى بل يداه مبسوطتان فانه يثبت اليد بغير القياس على المخلوق ولكنه يفسر معنى البسط بالقياس على المخلوق مع ان اليد والبسط متلازمان فاما ان يكون معنى يداه مبسوطتان مؤولا بمجمل الاية ليكون المعنى هو الرزق والجود والعطاء او ان يحمل النص كله على الاثبات فيكون اثباتا لليد والبسط معا فيلزم منه ان يقيس اليد والبسط على المخلوق ليكون لها معنى او لا يكون لها معنى وعندها سيكون المعنى ان يدي الله مبسوطتان ابدا لاتنقبض وكذلك في قول الله عز وجل كل شيئ هالك الا وجهه فاما ان يؤول الوجه الى غير ظاهر معناه او يكون الله ابعاضا تهلك الا وجهه
فلا يجوز اثبات اليد والعين والوجه لله سبحانه وتعالى لانه تمثيل وبيانه من عدة وجوه
اولا :- لا يستوي القول ان لله سمع او بصر والقول ان لله يد او عين لان في الاول اضافة معنى وفي الثاني اضافة جارحة فاذا قيل ان الله سميع بصير ولكن بغير الة او سميع بصير ولكن ليس كالاسماع والابصار فسيكون هذا القول اثباتا للمعنى وتنزيها لله سبحانه وتعالى عن المثل ولكن اذا قيل ان لله يد او عين ولكن ليست كالايدي والاعين فلا يكون القول ليست كالايدي والاعين تنزيها لله سبحانه وتعالى الا اذا نفي المعنى بانها جارحة واذا نفي المعنى نفي الاثبات
ثانيا :- اثبات ما لايليق معناه في الاصل يبقى لا يليق حتى وان اختلف الكيف لان وجوده بالاصل نقص ولا يمكن جعله لا ئقا بالقول بان هناك فرق في الكيف وبقول عبارة يليق بجلاله بعد اثبات ما لا يليق كما هو دأب ابن تيمية فان اثبات ما كان معناه جارحة كاليد يقتضي بقاء صفتها كجارحة يفتقر اليها وان اختلف الكيف فيها بين الخالق والمخلوق فهو تمثيل بان الله يفتقر اليها كما يفتقر المخلوق اليها واذا قيل ان الله لا يفتقر اليها فهو قادر على فعل مايشاء بغير يد كما هو الصحيح فلم يبق لوجودها معنى ويكون اثباتها كمن يثبت عدما
ثالثا :- اثبات الجارحة وان اختلفت في الكيف عن المخلوق يلزم منه ان يكون الله ابعاضا وهذا باطل
رابعا :- اذا اثبتنا الجارحة فسيلزم من قول النبي صلى الله عليه وسلم كلتا يديه يمين ان لله حد وهذا باطل
فلا يجوز الاخذ بقول ابن تيمية ولا بقول من قال ان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم كان تصديقا لقول الحبر عندما قال ان الله يضع السموات على اصبع والاراضين على اصبع الى نهاية الحديث فوالله لا اخذ بهذا القول سواء كان عن السلف او الخلف الم يقل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما ضحك وما قدروا الله حق قدره فكيف يعقل ان يكون ضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقا لقول الحبر فلا يقول هذا القول الا من سفه عقله وسبحان الله عما يقول الحبر وسبحان الله عما يقول ابن تيمية
الخطأ الثالث
قوله بان الملائكة عليهم السلام حكموا على بني ادم بالفساد وان الله عز وجل اعلمهم بما سيكون من بني ادم وقد قال هذا القول بسبب فهمه الخاطئ لقول الملائكة عليهم السلام اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء والصحيح ان الملائكة لم يحكموا بهذا حكما وان الله عز وجل لم يعلمهم بما سيكون من ذرية ادم ولكنهم علموا هذا من تعليم الله سبحانه وتعالى لادم الاسماء كلها وكذلك اخطأ هو والامام احمد بن حنبل بقولهم ان الله عز وجل لعن ابليس بسبب كفره ولم يميزوا بين سبب عصيان ابليس وبين سبب كفره وبين سبب لعنه والصحيح ان الله عز وجل لم يلعن ابليس بسبب كفره ولكن طرده من الجنة بسببه ولم يلعنه الا بعد ما ساجل الله عز وجل وساومه وكذلك قوله في مجموع الفتاوى في فصل التفضيل بين الملائكة والناس ( وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا : أَنَّ الْعِلْمَ مَقْسُومٌ مِنْ اللَّهِ ؛ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ هَذَا الْغَبِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَيْدِي الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ بَلْ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَصَّ آدَمَ بِعِلْمِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ عِلْمُ الْأَسْمَاءِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْعُلُومِ وَحَكَمَ بِفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ لِمَزِيدِ الْعِلْمِ فَأَيْنَ الْعُدُولُ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى بِنْيَاتِ الطَّرِيقِ ؟ ) والصحيح ان الله عز وجل لم يحكم بفضل ادم على الملائكة لمزيد من العلم ولم يكن علم الاسماء اشرف العلوم وقد ذكرت هذه التفاصيل وغيرها في قصة ادم التي كتبتها ونشرتها على الانترنيت بعنوان قصة ادم عليه السلام وكذلك لم يفهم ابن تيمية اكثر الايات التي تحدثت عن قصة ادم وما اثار استغرابي هو كلامه عن الجنة التي كان يسكنها ادم عليه السلام ففي كتاب النبوات قال ان جنة ادم كانت في مكان مرتفع من الارض في ناحية المشرق واسماها جنة التكليف وذكر في مجموع الفتاوى ان السلف كانوا يقولون ان الجنة هي الجنة التي في السماء فلا ادري اهذا تناقض منه ام ان هناك خطأ في النقل او الطبع فلم اتحقق منه
الخطأ الرابع
اثباته للرؤية فمن اجل اثباتها عمد الى تحريف معنى الادراك في قول الله سبحانه وتعالى لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار فقال ان معنى الادراك هو الاحاطة بالشيئ وشبه عدم قدرة الناظر على ادراك الله عز وجل بعدم ادراك الناظر للسماء فاذا راى الناظر بعض السماء ولم يرها كلها فهو غير مدرك لها فيا ليت شعري باي شيئ امتاز وأي مدح بقي لله سبحانه وتعالى في قوله لا تدركه الابصار اذا استوى هو والسماء في عدم القدرة على ادراكهما بالبصر فالصحيح ان الادراك هو الوصول الى الشيئ ونيله قال الله تبارك وتعالى
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى }طه77
{لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }يس40
{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }النساء78
والرؤية حق ولكنها ليست كما يقول ابن تيمية
الخطأ الخامس
تعميمه للاحتجاج بمشيئة الله سبحانه وتعالى واطلاقها حتى على المستحيلات فهو يذكرعبارة قول القائل ( وإذا قال لك الجهمي: أنا كفرت برب ينزل، فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء ) فهو يقول ان الله عز وجل فوق عرشه بائن من خلقه وكذلك يقول ان الله عز وجل ينزل الى السماء الدنيا كما يشاء وبغض النظرعن كيفية النزول فان الجمع بين البينونة وعدم البينونة من المستحيلات لانه جمع بين نقيضين فاما ان الله عز وجل بائن من خلقه فلا ينزل واما انه ينزل فهو غير بائن من خلقه فلا يصح ان تحتج بمشيئة الله فتقول اذا شاء الله امات او قتل نفسه لانه من المستحيلات
الخطأ السادس
اخذه بالحديث الضعيف والاحتجاج به ليؤيد قوله الخاطئ بان الصالح من بني ادم افضل من جميع الملائكة فيقول جاء في الاثر { يَا عَبْدِي أَنَا أَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ أَطِعْنِي أَجْعَلْك تَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ يَا عَبْدِي أَنَا الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَطِعْنِي أَجْعَلْك حَيًّا لَا تَمُوتُ } وهذا القول هو الشرك بعينه ولو اتبعنا طريقة ابن تيمية في رايه بمخالفيه لاعتبرناه من المشركين
الخطأ السابع
فهمه الخاطئ لقول ابن عباس رضي الله عنه القران كلام الله غير مربوب منه خرج واليه يعود فيقول عن معنى اليه يعود جاء في الآثار: «إن القرآن يسرى به حتى لا يبقى في المصاحف منه حرف ولا في القلوب منه آية» والصحيح ان معنى اليه يعود أي اليه تعود نسبته كالقول رحمة الله فهو كلامه سبحانه وتعالى كما رحمته
الخطأ الثامن
فهمه الخاطئ هو والامام احمد بن حنبل لحديث النبي صلى الله عليه وسلم «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً مَا أَنَا عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي»
فقد اخطأ الامام احمد ابن حنبل في فهم الحديث ففهمه وكأن النبي صلى الله عليه وسلم وحاشا له يؤصل لتفريق الامة ويقر لها فرقتها فعين الامام احمد فرقة من اجتهاده هو وقال هذه هي الفرقة الناجية التي خصها الحديث وتلقفها منه ابن تيمية وجعلها اصلا في العقيدة وتولى الى ركنه وجعل نفسه واتباعه هم اصحاب هذه الفرقة وغيره من المخالفين له ليسوا من الناجين فصار ينظر هو واتباعه الى انفسهم وكانهم احباء الله وغيرهم هم اصحاب النار والصحيح ان الحديث الشريف لم يخص فرقة من الفرق الثلاث وسبعين بالنجاة فقال كلها في النار والاستثناء للجنس وليس للعدد لان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما انا عليه اليوم واصحابي فقول النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الى الجماعة وعدم التفرقة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه امة واحدة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في رواية اخرى الجماعة فمن الواجب على كل الفرق الاسلامية السعي الى ازالة الخلاف بين الامة وتحقيق الجماعة لتنجو من النار وان الاشاعرة على مر العصور كانوا يسعون لهذا اما السلفية فلا يسعون لهذا ولا يستجيبون لمن يسعى لهذا الا ان تتبع ابن تيمية معتقدين انهم هم وحدهم الفرقة الناجية لان ابن تيمية اغلق عقولهم باسلوبه الفلسفي كما سيأتي الحديث عنه مع ان الاشاعرة اقرب منهم الى الصواب في كثير من المسائل الخلافية وان كانوا مخطئين في عدد منها اما قول النبي صلى الله عليه وسلم كلها في النار فليس معناه انها ستدخل النار بالضرورة ولكن معناه ان من يخالف امر الله عز وجل في امره للامة بالجماعة ويؤصل للتفريق ويذكيه فان هذا الفعل يوجب دخول النار ولكن من الممكن ان يغفر الله تبارك وتعالى لمن يفعل هذا ولا يدخله النار
الخطأ التاسع
فهمه الخاطئ هو والامام احمد بن حنبل لمعنى الخروج على السلطان وفهموه على انه لا يجوز العمل على عزل السلطان والصحيح ان معنى الخروج على السلطان هو التمرد على اوامره وعدم طاعته وليس عدم جواز العمل على عزله فان امر النبي صلى الله عليه وسلم للرعية بطاعة الوالي لا يجوز اعتباره مطلقا فان لم يكن الخليفة معينا بطريقة شرعية فلا ينطبق هذا الحديث على الرعية لان وجوب طاعة الرعية للوالي مشروط بكون الوالي معينا بطريقة شرعية كما قال الله عز وجل
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59
فان الطاعة مشروطة بكون الوالي من المؤمنين وان اعتباره من المؤمنين مشروط بكونه معينا بطريقة شرعية أي ان يكون الخليفة من قريش وان يكون معينا من قبل اهل الحل والعقد شورى بينهم وليس كما هو الحال عندنا اليوم من النظام الملكي اوالاميري اوكما يسمونه الديمقراطي فان هذه الطرق كلها غير شرعية وان الطريقة الشرعية التي يعين فيها الخليفة والتي كان عليها الصحابة رضي الله عنهم هي الشورى بين اهل الحل والعقد ويجب على اهل الحل والعقد متابعة الخليفة وتقويمه وان ظلم وفجر وفسق فلا طاعة له ووجب عزله لان ظلمه وفجوره وفسوقه فساد والله لا يحب الفساد وان ابى وجب عزله بالقوة ولكن بغير فساد وتخريب للبلاد وقتل للعباد فلا يجوز تطبيق الشرع من جانب واحد ليطبق على الرعية ولا يطبق على الوالي اما كون الخليفة او الوالي معينا بطريقة غير شرعية ومن يخرج عليه يحكم عليه بانه من الخوارج كما يقول به ابن تيمية فهذا ليس من الشرع في شيئ فقد عاب الله عز وجل على اليهود انهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض
الخطأ العاشر
قوله هو والامام احمد بن حنبل بوجوب الجهاد مع كل بر وفاجر فهذا خطأ لان الفاجر يفتقد الى الغرض الذي شرع من اجله الجهاد وهو اعلاء كلمة الله فان كان الوالي فاجرا فلا يمكن اعتباره مجاهدا في سبيل اعلاء كلمة الله وبهذا يبطل وجوب الجهاد معه الا ان يكون دفعا لعدوان على ديار المسلمين وقد اخطأ كثير من المسلمين في فهم معنى الجهاد وفهموه على انه القتال فمن المسلمين من عنده من المال ما يستطيع به ان يجاهد في سبيل الله باعانة من هو بحاجة الى المال لتدبير امور معيشته ولكنه لا يبذله في هذا السبيل ولا يعمل على سد حاجات المحتاجين اما ان كان قتالا فتراه يسارع اليه حتى وان لم يكن شرعيا والصحيح ان الجهاد الذي امر به الله سبحانه وتعالى هو كل مال او جهد يبذل في سبيل الله واعلاء كلمته وتطبيق شرعه وطاعته وليس القتال فقط وهو على درجات ورب جهاد بغير قتال خير من جهاد بقتال
وهناك اخطاء اخرى لابن تيمية ولكن اكتفي بما ذكرت
الفصل الثالث
اسلوب ابن تيمية
الاسلوب الاول
اعتماده طريقة التكرار للتأثيرعلى فكر القارئ في التسليم لصحة ما يكرره فهو يكرر كلمة السلف تكرارا كثيرا ليحقق من هذا التكرار قناعة لدى القارئ وكأن اجماع السلف على ما يقول مسالة مسلم بصحتها ليكون قوله حجة على مخالفيه وعند التحقيق تجد ان السلف لم يكونوا مجمعين على ما يقول وكانوا مختلفين في عدة مسائل
الاسلوب الثاني
اعتماده طريقة رمي المخالف بالبدعة بحق وبغيرحق ليخلق لدى القارئ صورة سيئة لمخالفيه تجعله ينفر كلامهم جملة وتفصيلا حتى وان كان منه ما هو صحيح وليبعد الشك لدى القارئ باحتمال ان يأتي هو ببدعة ولدى التحقيق تجد ان اقوال مخالفيه منه ماليس بدعة وتجد ان من اقواله ومنهجه ما هو بدعة
الاسلوب الثالث
اعتماده طريقة الاسهاب والتشعب في الكلام والانتقال من موضوع الى اخر ويزيد زيادة مفرطة من ذكر الايات والاحاديث عند الاستشهاد بها ويكثر من ذكر اقوال مخالفيه بغير داع بدلا من تبويب الكلام واختصاره وعدم التشعب فيه والتركيزعلى مايخص الموضوع الذي يتحدث عنه ليسهل فهمه كما هي طريقة الصحابة رضي الله عنهم في الكلام وطريقة كل العلماء الحريصين على تفهيم السامع او القارئ للمسائل الشرعية الذين يتحدثون عنها ولكنه يعتمد هذا الاسلوب لتحقيق عدة اغراض
اولا:- من المعروف ان ابن تيمية حافظ للقران الكريم وللسنة النبوية ومطلع اطلاعا واسعا على اقوال الفرق الاسلامية وعلى اقوال اليهود والنصارى واقوال الفلاسفة واحوال الناس وعلى اللغة العربية والادب العربي والتاريخ وغيرها من العلوم وهذا واضح في كلامه ولذلك فان ابن تيمية عند الكلام عن موضوع معين لا يحصر كلامه في مايخص الموضوع الذي يتحدث عنه ولكنه يتخذ من اسلوب الاطالة والاسهاب والتشعب والانتقال من موضوع الى اخر ليحشر ماعنده من الحفظ حشرا لا علاقة له في الموضوع الذي يتحدث عنه حتى انك لا تكاد تجد في عدة صفحات من كلامه الا جملا محدودة لها علاقة بالموضوع الذي يتحدث عنه وذلك ليبهر القارئ بما عنده من الحفظ ليخلق انطباعا لدى القارئ بانه ذا علم واسع ليكون له اثر على عقل القارئ فيخلق عند اصحاب العقول المحدودة الذين لا يستطيعون تمييز الكلام قناعة وهمية بصحة ما يقول استنادا الى انبهارهم بهذا العلم وليس استنادا الى القيمة العلمية الحقيقية التي ترد في كلامه وهذا ما اصيب به السلفية حيث انهم انبهروا بكلام ابن تيمية انبهارا طغى على عقولهم فرفعوا قدر ابن تيمية رفعة مفرطة واعتبروا كلامه لا تدانيه العقول فطغى على عقولهم واغلقها وجعلها لا تفهم القران الكريم والسنة النبوية والعلوم الشرعية الا من خلال فهمه هو لها فتولدت عندهم قاعدة وقناعة وهمية مفادها ان ما قال به ابن تيمية فهو حق وما خالفه فهو باطل بغير علم فاصبحوا قوما لا يفقهون فاذا ما ناقشت سلفيا في مسالة شرعية لا يدري ان ابن تيمية له قول فيها وجئته بادلة شرعية تثبت قولا يخالف قول ابن تيمية واقتنع بها ثم تبين له بعد ذلك ان ابن تيمية له قول فيها يخالف قناعته فانه يعدل عن قناعته ويسلم الى قول ابن تيمية بغيرعلم فاحتمال خطأ ابن تيمية غير وارد عند السلفية فاذا ما قلت لسلفي ان ابن تيمية اخطأ في مسالة ما فلا يحتج عليك بالادلة الشرعية ولكن يحتج عليك بان ابن تيمية فوق الذرى وجبل اشم لا تنال منه السهام ولا تدرك علمه العقول وغيره من كلام الاعجاب فجعلوا الدين وسيلة لتعظيم ابن تيمية بدلا من الصحيح وهو ان يكون العلماء وسيلة لتعظيم الدين والحقيقة انه اذا ما استبعدنا من كلام ابن تيمية ما هو شبيه بكلام الفلاسفة وما كان يحفظه فان قيمة كلامه العلمية بين العلماء في المسائل الشرعية لا ترقى ان تكون وسطا فكلامه مليئ بالاخطاء والمغالطات كما بينته سابقا
ثانيا:- يعتمد اسلوب الاسهاب والتشعب والانتقال من موضوع الى اخر ليحشو ما يريد حشوه من المغالطات في ثنايا الكلام ليصعب تمييزها فياخذها القارئ وكانها مسلم بصحتها
ثالثا:- من المعروف عن كل العلماء انهم يتبعون طريقة التبويب والفصول وعنونة المواضيع في كلامهم ليسهل فهمه على القارئ فاذا تكلم احدهم عن موضوع ما واوجز فيه وكان لهذا الموضوع تفصيل في موضع اخر فانهم يشيرون الى ذلك الموضع بذكرعنوانه لمن اراد التفصيل لكن ابن تيمية شذ وانفرد في طريقة كلامه فاتبع طريقة بعثرة الكلام وعدم تبويبه وعنونة مواضيعه والاكثار في ثناياه من عبارة ( بسطنا الكلام في غير هذا الموضع ) بغير ذكر عنوان لهذا الموضع ويقول هذه العبارة بعد ما يسهب في الكلام عن الموضوع ليقول للقارئ بانه بعد كل هذا الكلام هناك كلام اوسع فيوحي اليه بانه ذوعلم واسع ولكن عند التحقيق لا تجد موضعا مخصصا لبسط الكلام عن أي موضوع من المواضيع فالكلام متشابه في كل المواضع واينما قرأت تجد هذه العبارة وكذلك يعتمد طريقة خلط الكلام بعضه ببعض فيخلط كلامه بكلام من يوافقهم في الكلام ومن يخالفهم فيورد كلامه بطريقة موهمة بحيث يكون فيها الكلام قابلا لان ينصرف له ولغيره وقابلا لان ينصرف فيه المعنى للاقرار والانكار وذلك ليستطيع التفلت من المغالطات في كلامه عند الزامه بها من قبل مخالفيه
رابعا:- لقد كان من اقوال مخالفي ابن تيمية ما هو كفر ومنه ما ليس كفرا ولكن ابن تيمية غلا في تكفير مخالفيه فحمل من اقوالهم ماليس كفرا على انه كفر ولكنه يكفرهم بالتضمن وليس بالتصريح واضرب مثلا لتوضيح هذا الاسلوب فاقول هب ان احدا اسمه جلاجل وجلاجل هذا يرتدي ملابس سوداء ويلبس خاتما من ذهب ويضع على راسه قلنسوة ويلبس نعلين من جلد فيقول قائل ان لبس الملابس السوداء كفر وان لبس الذهب كفر وان وضع القلنسوة على الراس كفر وان لبس النعلين من جلد كفر ثم بعد ذلك يقول القائل انا لا اقول بان جلاجل كافر وهذا الاسلوب هو الذي يتبعه ابن تيمية مع مخالفيه فانه يكفرهم ضمنا ولكنه عند التصريح يقول باننا لا نكفر احدا ليتفلت من تهمة الغلو في التكفيرفعند ذكره لاقوال مخالفيه يصفهم بانهم يتبعون الكفار والمشركين واليهود والنصارى والمجوس فاثرهذا الاسلوب على اتباعه فحشاهم غلا وبغضا على مخالفيهم من حيث لا يشعرون مما جعلهم يستبيحون دماء واموال واعراض مخالفيهم وتخريب بلادهم كما فعل محمد عبد الوهاب وابن باز وسياتي الحديث عن هذا في اثر ابن تيمية
خامسا:- اتبع هذا الاسلوب ليصنع مجدا له بين الناس اكثر من فائدته للمسلمين وكل هذه الاساليب التي ذكرتها اخذها ابن تيمية عن الفلاسفة وبسببها اختلف العلماء فيه فمنهم من يستطيع تمييز كلامه فيقيمه استنادا الى مضامين كلامه ومنهم من لا يستطيع تمييزها كما هو حال السلفية فيقيمونه استنادا الى الى ماهو مصرح به
الفصل الرابع
اثرابن تيمية
كان لفكر ابن تيمية اثرا منه ماهو حسن ومنه ما هو سيئ فمما هو حسن هو دعوته الى عدم الابتداع عموما والتأسي بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ومحاربته للمعتزلة الذين جعلوا العقل وسيلة للحكم على الامور الشرعية وشرطا للتسليم لها بدلا من الصحيح وهو ان يكون العقل وسيلة لفهم الامور الشرعية بعد التسليم لها ومحاربته للمنحرفين من الصوفية في مسالة زيارة القبور وغيرها من المسائل المخالفة للشرع ومحاربته للشيعة واحياءه لاحكام الطلاق الصحيحة اما ما كان سيئا فهي بدعه واخطاؤه التي كانت سببا في تضليل المسلمين واذكاءا للتفريق بينهم ومنها ماكان له اثر سيئ على الامة في تاريخها الحديث والمعاصرفان من الطرق التي يعتمدها الانكليز في سياستهم لتحقيق اغراضهم الشريرة في المنطقة هي طريقة توظيف الافكار فعندما عرف الانكليز ان الشيعة يتبعون مراجعهم بطريقة عمياء فقدعمدوا الى صناعة المراجع الشيعية في العراق للسيطرة على الشيعة وتوظيفهم لمصلحتهم فصنعوا الخوئي والخميني وغيرهم واخرهم السيستاني فعندما ارادوا غزو العراق امروا السيستاني باصدار فتوى بعدم جواز مقاتلة الامريكان فلم يقاتلهم الشيعة ومازالوا يستخدمونه في سياستهم في العراق لتحشيد الشيعة على السنة ومن يعتبر السيستاني صناعة ايرانية فهو واهم اما سياسة الانكليزمع السنة فان الانكليز كانوا يحاربون الدولة العثمانية وكان العثمانيون مسلمين صوفية فكانوا يعظمون قبور الصالحين ويقومون على زيارتها بطريقة مخالفة للشريعة الاسلامية وكان ابن تيمية معارض لهذه الطريقة ومحارب لها وهو محق في هذا ولكن لا يجوز الحكم على كل من قام بزيارة القبور بهذه الطريقة بانه مشرك كما فعل محمد عبد الوهاب ففي هذه المسالة تفصيل لسنا بصدد ذكره ولكن المقصود هو الاشارة الى الفرق بين الافكار فاقول لقد وجد الانكليز في فكر محمد عبد الوهاب الذي استقاه من فكر ابن تيمية ما يخدم مصلحتهم وانا لا استبعد ان يكون الانكليز هم من انشأوا محمد عبد الوهاب هذه النشأة بطريق مباشر او غير مباشر ليوظفوا فكره لمصلحتهم فقد استغل الانكليز اربع نقاط في عقيدة محمد عبد الوهاب ووظفوها لمصلحتهم وهي
1:- عقيدة الفرقة الناجية
2:- اعتقاده بان زوار القبور مشركين
3:- اباحته لقتل المسلمين بحجة محاربة البدعة
4:- فهمه الخاطئ لمعنى الخروج على السلطان
فلما اراد الانكليز القضاء على الدولة العثمانية والسيطرة على المنطقة عمدوا الى دعم محمد عبد الوهاب بالمال والسلاح بواسطة محمد بن سعود لمحاربة العثمانيين واستنادا الى عقيدته الخاطئة التي استقاها من فكرابن تيمية اعتبر نفسه واتباعه هم الفرقة الناجية وزوار القبور مشركين فاستباح دماء واموال واعراض المسلمين بغيرحق بحجة محاربة البدع والخرافات واحياء السنة ولو كان هذا صحيحا لما اصبحت السعودية موالية لبريطانيا بواسطة ملوكها الذين دعمتهم فقد ظلت بريطانيا تدعم هذه الحركة حتى قضت على الدولة العثمانية ونصبت عبد العزيز آل سعود ملكا على السعودية واخذت منه عهدا ابرمته معه بواسطة السير بيرسي كوكس تدعى معاهدة بيرسي كوكس جاء فيها ما يلي ( اني الملك عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية اقر واعترف بانه لا مانع لدينا من اعطاء فلسطين للمساكين اليهود واننا لن نخرج عن رأي بريطانيا حتى تصيح الساعة ) وبما ان السلفية يحرمون الخروج على السلطان حتى وان كان فاجرا استنادا الى قول الامام احمد بن حنبل وفكر ابن تيمية فقد ضمنت بريطانيا لعبد العزيز وذريته بقاءهم في السلطة وبهذه الطريقة وظفت بريطانيا السلفية في السعودية لمصلحتها فاستخرجت النفط وبنت اقتصادها على النفط السعودي وعلى اشتثماراموال الملوك والاغنياء السعوديين في بنوكها فاصبحت السعودية مصدر قوة لبريطانيا ومصدر ضعف للدول العربية والاسلامية والتي هي بالاصل لها حق ونصيب في النفط السعودي حسب احكام الشريعة الاسلامية فان لمصر والاردن والصومال والمغرب وغيرها حق ونصيب في النفط السعودي بقدر حق ونصيب السعودية وقد بينت هذا في موضوع نشرته على الانترنيت بعنوان احكام التمليك في الشريعة الاسلامية وكذلك فان بريطانيا اتخذت من ملوك السعودية اداة لتنفيذ مخططاتها في المنطقة فعندما اراد النصارى غزو العراق ومن اجل المحافظة على استقرارالاقتصاد في العالم امرت بريطانيا ملك السعودية قبل الغزو بزيادة انتاج النفط حتى بلغ تسعة عشر مليون برميل يوميا وافتى ابن باز بجواز الاستعانة بالاجنبي لانه يحمل نفس فكر محمد عبد الوهاب ففتحت السعودية ارضها التي اجلاهم منها عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لقواعدهم العسكرية فاعانت السعودية النصارى على غزوالعراق فعاثوا فيه الفساد وخذلت السنة فيه لان السلفية لا يرونهم من الفرقة الناجية وعندما قام الشيعة بالاضطرابات في البحرين امرتها بريطانيا بارسال قوات عسكرية الى هناك للقضاء على الاضطرابات ولكن عندما سيطر الشيعة الحوثيون على اليمن وخربوها لم تنتصر السعودية للسنة هناك وخذلتهم لان بريطانيا لم تامرها بذلك وكذلك في سوريا وليبيا وعندما ارادت بريطانيا تخريب مصر اعتبرت السعودية الاخوان المسلمين ارهابيين وخوارج فهي توظف احكام الشريعة تبعا لما تمليه عليها بريطانيا فصحيح ان ما يقوم به الاخوان المسلمون من قتل وتخريب هو مخالف للشريعة الاسلامية ولا يرضي الله ورسوله بل يغضب الله قال الله عز وجل { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93 وان زوال الدنيا اهون عند الله من قتل رجل مسلم كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم فالاخوان المسلمون مخطئون ولكن لا يجوز وصفهم بالخوارج لان الحكومة المصرية لم تتسلم الحكم بطريقة شرعية كي يحكم على من حاربها بانه من الخوارج ولكن اقتناعهم بضرورة عودة مرسي الى الحكم واتباعهم لطريقة القتل والتخريب من اجل تغيير الحكم ليست شرعية وفي هذه المسالة تفصيل لسنا بصدد ذكره وانا لا استبعد ان تكون بريطانيا هي التي انشأت حسن البنا ودعمته لتوظيف فكره لمصلحتها كما فعلت مع محمد عبد الوهاب وان كلمة ارهابيين ليس لها اصل في احكام الشريعة الاسلامية ولكنه مصطلح اطلقه النصارى على كل من لا يسير في ركبهم وينفذ مخططاتهم الشريرة فانني اوجه ندائي الى الاخوان المسلمين واقول لهم اتقوا الله في انفسكم وفي بلدكم وفي اخوانكم المصريين حكومة وجيشا فانهم اخوانكم في الدين والعروبة وان الحكومة لم تعتد عليكم الا بعد ان اعتديتم انتم على مصالح الناس وممتلكاتهم وان مرسي والسيسي كلاهما تسلم السلطة بطريقة الانتخابات أي بطريقة مخالفة للشرع وان السيسي من المسلمين وهو اصوب من مرسي في ادارة البلاد وفي دفع مايخطط لها لتخريبها فعليكم مؤازرته وعليكم الحفاظ على الجيش المصري العربي الاصيل قويا معافى للحفاظ على امن البلد والدفاع عن الامة العربية والاسلامية لما يحيط بها من مخاطر واوجه ندائي الى الحكومة المصرية واقول لها كوني اما للاخوان المسلمين واعملي على دفع اذاهم وتصويب افكارهم ولا تعاديهم فانهم مسلمون مخطئون ولا تعادي تركيا وقطر فانهم مسلمون وان كانوا مخطئين واعملي على محاربة من يسمون انفسهم بالتنويريين بما تستطيعين فانهم ليسوا تنويريين بل هم تظليميون تضليليون فاسقون وهم جنود ابليس لان طريقة تفكيرهم كطريقة تفكير ابليس فانهم يقيسون الدين بعقولهم كما قاس ابليس ويتخذون الدين هزوا وانهم فتنة والفتنة اشد من القتل وانا لا استبعد ان يكونوا صناعة بريطانية واوجه ندائي الى الازهر الشريف ان يقوم بمهمة الاصلاح بين الاخوان المسلمين والحكومة المصرية لان الجميع مسلمون وان يحثوا الحكومة المصرية على محاربة التضليليين الفاسقين وان مصر في قلوب كل العرب والمسلمين وهي ام لهم ويحز في قلوبنا ما يحصل فيها وان الازهر الشريف اهل لهذه المهمة السامية ومن الله التوفيق اعود الى الموضوع فاقول ان السعودية حكمت على الاخوان المسلمين بانهم ارهابيين وخوارج تبعا لما املته عليها بريطانيا وليس اتباعا للشرع ومنعتهم من دخول اراضيها حتى ان كان لاداء فريضة الحج ولكنها بالمقابل تسمح بدخول اراضيها للشيعة المنافقين الذين من علمائهم من هم مشركين وقد حرم الله عز وجل على المشركين دخول المسجد الحرام فمن الاوجب على السعودية محاربة ايران ووقف توسعها وسيطرتها على البلاد الاسلامية في العراق واليمن وغيرها وليس محاربة الاخوان المسلمين وكذلك استفادت بريطانيا من عقيدة السلفية بانهم الفرقة الناجية فوظفتها لاذكاء التفريق بين المسلمين لانهم يرون مخالفيهم غير ناجين وكذلك شاركت السعودية في صناعة داعش في العالم من خلال نشرها لفكر ابن تيمية بين المسلمين في العالم فاستقاه منه داعش وهناك قضايا اخرى قامت بها السعودية تنفيذا لمخططات بريطانيا في المنطقة وكذلك وظفت بريطانيا امراء الكويت لمصلحتها كما فعلت في السعودية فاصبحت محاربة البدعة التي يتحجج بها السلفية ذريعة للقضاء على كل من لا يوالي بريطانيا من المسلمين اما من يوالي بريطانيا فليس مبتدعا حتى وان كان نظام حكمه ملكيا مبتدعا وكان الوالي فاجرا وخائنا لامته وحتى ان خالف حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ان الائمة من قريش
سيحاسب امام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة محمد عبد الوهاب عما فعل بالمسلمين وسيحاسب ابن باز وملك السعودية عن كل من قتل من الرجال والنساء والاطفال في العراق وغيره من البلاد الاسلامية لانهم شركاء في قتلهم وتخريب بلادهم وسيحاسبون عن موالاتهم للنصارى وخذلانهم للمسلمين وخيانتهم لامتهم وسيحاسب علماء الدين في السعودية عن مبايعتهم لملوكهم الموالين للنصارى
فكان لفكر ابن تيمية اثرا سيئا على الامة الاسلامية من الناحية السياسية والشرعية فالسلفية لا يريدون الامن والامان الا لانفسهم وبلدهم حتى وان كان على حساب دمار كل البلدان الاسلامية غير السلفية اما من الناحية الشرعية فكما ذكرت سابقا فان اسلوب ابن تيمية اغلق عقول السلفية وجعلهم لا يفقهون واذا انكر السلفية قولي هذا عنهم فانني اوجه سؤالا شرعيا الى كل السلفية سواءا كانوا من كبارعلمائهم او من الاصوليين في جامعاتهم وعامة علماءهم واقول لهم يبينوا للناس فقه الزكاة ان كنتم صادقين بمعنى على أي اصل بنيت الزكاة وبمعنى اخر ما هو الاصل الذي فرض الشرع بموجبه حقا للفقراء في اموال الاغنياء مع ان الفقراء لم يشاركوا الاغنياء في اموالهم علما ان الزكاة هي الركن الثاني من اركان الاسلام ولكنه لا يعرف هذا الاصل لا ابن تيمية ولا كبار علماء السلفية ولا الاصوليون منهم ولا عامة علمائهم ولا مبينا في فقه الامام احمد بن حنبل
فليعرفوا هذا ان كانوا يفقهون
فهذا هو فكر ابن تيمية وهذا اسلوبه وهذا اثره
اسال الله لي وله ولجميع المسلمين العفو والعافية والمغفرة انه هو السميع المجيب
اللهم اسالك العون لكل من يسعى في صلاح الامة ووحدتها ويسر امره ووفقه فانه منك العون والتوفيق وبيدك الخير وانك على كل شيئ قدير
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله اللهم صل على محمد وال محمد
ابن تيمية فكره واسلوبه واثره
من اكثر الذين اختلف العلماء في تقييمه هو ابن تيمية وذلك لانه درس الفلسفة واعتمدها في اسلوبه في الكلام اكثر من اتباعه لاسلوب الصحابة رضي الله عنهم والعلماء الذين اتبعوهم في طريقة الكلام في المسائل الشرعية وبسبب اعتماده لهذا الاسلوب في الكلام صار من الصعب على القارئ تمييزالبدع والاخطاء التي جاءت في كلامه وذلك لانها ترد محشوة في ثنايا الكلام الصحيح الذي يورده وسأبين هذه الاساليب وابين قسما من اخطاءه
الفصل الاول
البدع التي جاء بها ابن تيمية
البدعة الاولى
اطلاقه لمصطلح السلف ووجوب حصرفهم القران الكريم والسنة النبوية بفهمهم بغير ضابط وهذا لا اصل له في الشريعة وابين هذا فيما يلي
اولا :- قال الله سبحانه وتعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة100
فجاء قول الله سبحانه وتعالى ( اتبعوهم ) وليس ( تبعوهم ) فالمتبع ليس كالتابع فالاتباع هو السيرعلى المنهج الذي سلكه السابقون الاولون وذلك بان يكون المتبع مؤمنا تقيا صادقا صالحا متفكرا متعقلا متفقها قاصدا للحق مجتهدا بعقله لفهم المسائل الشرعية ولذلك قال الله تبارك وتعالى ( باحسان ) اما التابع فهو اخذ قول القائل بغير تعقل حتى لو كان مخالفا للمعقول وهذا ما ذهب اليه ابن تيمية ويحتج به ودعا اليه ضمنا وتصريحا وهذا مالم يأمر به الله سبحانه وتعالى ونهى عنه فهذه الدرجة من السمع والطاعة لا تجوز الا لله ورسوله
ثانيا :- لقد امر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده وليس كل احد فغيرهؤلاء لم يامر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه وان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعينهم بالذكر ليكونوا خلفاء له ولكن من خلال وصفه لهم ومن خلال بيان منزلتهم واستشارته لهم عرف بقية الصحابة رضي الله عنهم اولويتهم للخلافة ولو ذكرهم بالنص لوجبت طاعتهم كطاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ترك معرفتهم للاجتهاد حتى لا يكونون هم والنبي صلى الله عليه وسلم سواء في وجوب الطاعة فالنبي صلى الله عليه وسلم وحده من تجب طاعته طاعة مطلقة ولا يجوز رد ما جاء به وقد اجمع اهل السنة على ان الخلفاء الاربعة منهم وقد يقول قائل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عين عليا رضي الله عنه وقال من كنت مولاه فهذا علي مولاه فاقول ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعينه خليفة له بعد موته ولكنه امر بموالاته في حياته فكانت ولاية علي رضي الله عنه محكومة بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فمقامها كمقام الامراء الذين يبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم وكالذين يخلفهم على المدينة في غزواته وكمن كان يفتي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كابي بكر وعمر رضي الله عنهما وان الطاعة المطلقة توجبها العصمة والعصمة توجبها النبوة والنبوة يوجبها الوحي فاذا انقطع الوحي انعدمت العصمة والنبوة وان ما اوجبت ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم اولى بالمؤمنين من انفسهم هي النبوة وان النبي صلى الله عليه وسلم اكد على موالاة علي رضي الله عنه ولكن عليا رضي الله عنه ليس نبيا ولذلك عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه في حديث اخر اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى ولان المقارنة كانت مع نبي قال النبي صلى الله عليه وسلم بعدها الا انه لا نبي بعدي أي انك لست قرينا له في النبوة فكانت ولاية علي رضي الله عنه غير مقترنة بالعصمة فهي كولاية غيره من كبار الصحابة رضي الله عنهم وكان بود النبي صلى الله عليه وسلم ان يعين خليفة له حرصا منه للحفاظ على وحدة المسلمين ولكن تعيينه للخليفة يوجب طاعة الخليفة طاعة مطلقة كوجوب طاعته وهذا ما لا يصح مع انقطاع الوحي ولذلك لم يعين النبي صلى الله عليه وسلم خليفة له
ثالثا :- لم يحدد ابن تيمية من هم السلف الذين اوجب ان يفهم القران الكريم والسنة بفهمهم سوى انه يذكرعددا من بين مئات العلماء ولم يضع ضابطا لتعيينهم الا ضابطا واحدا وهو رأيه فيهم وبالتالي يكون الاتباع لرأيه هو وليس لسند او دليل شرعي وكثيرا من العلماء الذين خصهم ابن تيمية بجوب الفهم بفهمهم مختلفون في مسائل العقيدة والفقه ومن بين ما تبعهم ابن تيمية واعتبر اقواله حجة واوجب اتباعه هو الامام احمد ابن حنبل وقد اخطأ الامام احمد ابن حنبل في فهم قسم من مسائل العقيدة وفي فهم قسم من احاديث وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وكان لهذا الخطأ اثرا سيئا على الامة الاسلامية سابينه فيما بعد
وقد اخطأ الاصوليون في هذه المسألة ولم يضعوا ضابطا صحيحا للاصول الثلاثة وهي القران الكريم والسنة النبوية والاجماع فاصبح القران الكريم مجرد نص يرجع اليه اما معاني اياته فحصروها في من فسره من المفسرين الاوائل وبالتالي يكون المرجع هو قول المفسرين وليس القران الكريم وكذلك اخطأ الاصوليون في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا درجتها في الروايات كدرجة سمعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك اخطأوا في جعل درجة الاجماع ثابتة
فالضابط الصحيح لهذه الاصول كما يلي
كما هو معلوم ان الدرجة الاسمى والاصل الاول للشريعة هو القران الكريم وقد بلغه النبي صلى الله عليه وسلم وبين احكامه وفصل مجمله وقيد مطلقه وخصص عمومه واحل وحرم ونسخ ولكن لم يكلف الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم بتفسير كل القران الكريم ففسر النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يمكن تفسيره الا عن طريق النبوة وما شاء الله تفسيره وجعل الله سبحانه وتعالى القران عربيا وجعل عهدة بيانه عليه سبحانه وتعالى لاسباب اقتضتها حكمته قال الله سبحانه وتعالى
{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }18{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }القيامة19
فشاء الله سبحانه وتعالى ان يكون بيان القران الكريم ساريا على مر العصور فكلما مر الزمان وتدبره العلماء وجدوا فيه معان جديدة وبما ان النبي صلى الله عليه وسلم ليس حيا بيننا ليصحح لنا ومن اجل ان يكون القران الكريم عمليا هو الاصل الاول والاسمى في الشريعة يجب ان يكون الضابط لصحة التفسيرهو ماكانت معانيه اوضح بيانا واوسع تفصيلا واكثردقة واعمق فهما لمعاني القران الكريم وان يكون التفسير موافقا للقران الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وغير معارض لها ولا شبهة فيه وذلك بمعيارالعقل واللغة التي نزل بها القران الكريم وهي اللغة العربية وبما ان تفاسير السلف لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم فربما تكون فيها اخطاء فلا يصح جعلها مرجعا بحيث لا يجوز معارضتها وان في القران الكريم ما هو قابل للاجتهاد فالقران الكريم لا تنقضي معانيه الى يوم القيامة لانه كلام رب العالمين فالصحيح ان يعتمد في تفسيره على تفاسير السلف والاستعانة بها وليس جعلها مرجعا لا يجوز معارضتها فما يجب على علماء كل زمان دراسة ما يستجد من المعاني التي يذكرها المجتهدون في تفسير القران الكريم فاذا ما اجمعوا على صحة تفسير وفقا لهذه الضوابط اعتمدوه وجعلوه ناسخا لما قبله حتى وان كان مخالفا لتفسير السلف واذا لم يكن التعامل مع القران الكريم بهذه الطريقة لا يكون الاصل الاول من اصول الشريعة وهذا ما اخطأ فيه الاصوليون فجعلوا القران الكريم درجة وقدرا هو الاصل الاول ولكن عمليا ليس هو الاصل الاول فقيدوا معانيه بما جاء من اقوال المفسرين الاوائل وبالنتيجة تكون اقوال المفسرين هي الاصل الاول وليس القران الكريم
اما قول النبي صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه فليس خاصا في العلم ولكنه شموليا للعبادة والفقه وحسن الخلق والادب والوحدة والمحبة وكل ما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم من امورهم الدينية فقول النبي صلى الله عليه وسلم يعني الخيرية بالشمول وليس بالخصوص فمن المحتمل ان يأتي بعد هذه القرون من هو اوسع فهما لايات معينة من القران الكريم ممن قبله فكلمة خير ليست خاصة بالعلم ولكن معناها كمعنى كلمة خير في الفرق بين فاطمة وعائشة رضي الله عنهما فان فاطمة خير من عائشة وعائشة افضل من فاطمة رضي الله عنهما فقد كانت فاطمة رضي الله عنها احسن تدينا وخلقا وادبا من عائشة رضي الله عنها لانها بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت عائشة رضي الله عنها اكثر فقها من فاطمة رضي الله عنها وذلك لملازمتها للنبي صلى الله عليه وسلم لانها زوجه وبهذا الخصوص كانت افضل من فاطمة رضي الله عنها فكانت فاطمة رضي الله عنها خير النساء وعائشة رضي الله عنها افضل النساء
اما السنة النبوية فقد اخطأ الاصوليون في جعل درجتها في الروايات كدرجة سمعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم فان السنة النبوية لم تكن محفوظة من قبل الله سبحانه وتعالى كما هو الحال مع القران الكريم ولم يكن الاهتمام بكتابتها ودرجة تواترها كما هو الحال مع القران الكريم فمن المستحيل نقل السنة النبوية كما هي عن طريق الروايات فلا يمكن الاحاطة بها لسعتها فمرة يكون خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لكل الناس ومرة لخاصة منهم ومرة للافراد ومرة يكون مشروطا بحدث ومرة غير مشروط ومرة يكون مرحليا ومرة ابديا ومرة يكون للحث ومرة يكون للحكم ومرة يكون من اختصاص الرسالة ومرة من اختصاص النبوة فما كان من اختصاص الرسالة قال فيه الله سبحانه وتعالى يا ايها الرسول وما كان من اختصاص النبوة يقول يا ايها النبي وغير هذا من المفارقات ففي السنة من الاحوال ما لا يمكن حصرها في الروايات ولهذا السبب لا يصح ان تكون درجة السنة في الروايات كدرجة سماعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك يجب ان يكون شرط تمام صحة الحديث الوارد في الروايات هو توافقه مع القران الكريم وعدم تعارضه معه فان كان الحديث صحيحا سندا ولكن متنه معارض للقران الكريم لا يجب الاخذ به ويجب التوقف فيه حتى ينفى تعارضه ولكن ليس كطريقة ابن تيمية في تفسيره لحديث المحاججة بين موسى وادم عليهما الصلاة والسلام فقد كانت طريقته تسفيها للعقول فهو يقول ان اللوم كان على المصيبة وليس على الذنب فيا ليت شعري هل وقعت المصيبة الا بسبب الذنب فان هذا الحديث واحاديث اخرى غيرها وردت في البخاري ومسلم مثل حديث يكشف الله ساقه يوم القيامة وحديث يضع الله قدمه في جهنم وحديث ياتي الله يوم القيامة على المنافقين بصورة غير الصورة التي يعرفونه بها وغيرها فان مثل هذه الاحاديث لا يجب الاخذ يها وان كان سندها صحيحا لانها متعارضة مع القران الكريم فحديث المحاججة يتعارض مع القران الكريم في متنه فهو لا يتناسب مع ادب الانبياء في التخاطب فيما بينهم الا ان يكون المتن ناقصا لكلام يكون باتمامه المعنى متناسبا وجاء في القران الكريم ان ادم عليه الصلاة والسلام كان يسكن الجنة هو وحواء بلا تناسل وكان ذنب ادم هو السبب في نزع لباسهما الذي يواري سوآتهما ليبدأ التناسل فلولا نزع اللباس لما كان هناك تناسل ولما خلق موسى عليه الصلاة والسلام اصلا فكيف يقول لادم عليه الصلاة والسلام انت الذي اخرجتنا ونفسك من الجنة فلا يمكن حمل جواب ادم عليه الصلاة والسلام بهذا المتن من الحديث الا على الاحتجاج بالقدر للاستبراء من الذنب او حمله على معنى ان الله سبحانه وتعالى شاء هذا فما شاء كان واذا قلنا هذا فسيكون مضمونه طعنا في موسى عليه الصلاة والسلام فبغض النظرعن سبب المحاججة سواء كانت لهذا السبب او ذاك فانه من المستحيل ان تكون كلمة اخرجتنا في قول موسى عليه الصلاة والسلام مناسبة لانه لو قدرلادم ان يخلد في الجنة لبقي هو وحواء لوحدهما في الجنة ولم يخلق موسى عليهما الصلاة والسلام لانه لا تناسل فيها الا ان تكون الجنة غير الجنة التي نعرفها ويكون اللباس الذي يواري سوآتهما غير اللباس الذي نعرفه فلا يمكن اعتبارهذا الحديث صحيحا متنا وسندا الا عند من سفه عقله فاما ان السند ضعيف واما المتن ضعيف
فالقران الكريم والسنة النبوية المروية متعاضدان ومترابطان ولكن لا يستويان فالقران الكريم هو المهيمن فما تعارض من السنة النبوية المروية مع القران الكريم توجب الحكم فيه للقران الكريم
اما الاجماع فكذلك اخطأ فيه الاصوليون فجعلوا درجته ثابتة في كل الاحوال واعتبروا الاكثرية اجماعا فاصبح من يخالف هذا الاجماع مفارقا للجماعة فمنهم من فسقه ومنهم من كفره ومنهم من حرم الاجتهاد بعد هذا الاجماع وكل هذا مستندين فيه الى قول النبي صلى الله عليه وسلم ان امتي لا تجتمع على ضلالة والصحيح ان كل احاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي جاء فيها ذكر الجماعة لا تنطبق على الامة الاسلامية بعد ظهور الفرق لان الامة الاسلامية لم تجتمع منذ ظهورالفرق الى يومنا هذا فذكر الجماعة يعني ان تجتمع الامة بلا مخالف وليس بالاكثرية فحتى لو بلغت نسبة المجتمعين تسعة وتسعين من مئة لا تعتبر الامة جميع فاما ان يكون الصواب مع الكثرة واما مع القلة او كلاهما ليس على صواب فان كان الصواب مع القلة وفقا للضوابط المذكورة سابقا فيتوجب على القلة السعي لاقناع الاكثرية ويتوجب على الاكثرية اتباع القلة وليس اعتبارهم مفارقين للجماعة حتى وان كان المخالف وحيدا لان الاصل هو وجوب اتباع الصواب اينما وجد والاجماع هو وسيلة لمعرفة الصواب وليس الصواب بعينه فالاجماع الذي وضعه الاصوليون لا يعتبر جميع وانما اكثرية فاذا ما اجتهد مجتهد في تفسير القران الكريم اوالسنة النبوية وتبينت له معاني تخالف الاجماع فمن الواجب على العلماء دراستها وفقا للضوابط المذكورة سابقا فاذا اجمعواعلى صحتها توجب اعتماده وجعله ناسخا للاجماع السابق والا كان الاجماع هو الاصل الاول او الثاني وليس الثالث
البدعة الثانية
قوله بان السلف كانوا يثبتون من الصفاة ما اثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه وما اثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم والحقيقة ان هذه القاعدة من ابتداعه هو وليس من عقيدة السلف الذين يعنيهم ابن تيمية لان السلف كانوا يؤمنون بها ويقولون امروها كما جاءت من غير تمثيل ولا تعطيل وهذا لا يعني انهم يثبتونها فلو كانوا يقصدون اثباتها لقالوا خذوا بظاهرمعناها من غير تمثيل ولا تعطيل اما الاثبات الذي يقول به ابن تيمية فلا يعتبر اثباتا فعندما ياتي ذكر اليد والوجه وغيرها بالسياق الذي ورد ذكرها في الايات لا يعتبراثباتا لليد والوجه وغيره ولو ان مايعتبره ابن تيمية اثباتا لوجب اثبات الارادة للجدار عندما قال الله سبحانه وتعالى
{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }الكهف77
ولوجب اثبات اليدين للكتاب عندما قال الله سبحانه وتعالى
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ }آل عمران3
فورود الكلمة بسياق المشاكلة والمجاز لا يعتبر اثباتا ولكن الاثبات ان ياتي السياق بصيغة يكون فيها معنى الاثبات تاما أي محكما مثل قول الله سبحانه وتعالى الله لا اله الا هو الحي القيوم او الا ان لله ما في السموات والارض او قل هو الله احد او ان الله عزيز حكيم او وكان الله عليما حكيما ونحوه فلو جاءت في النصوص الشرعية عبارة ان لله يد لكان الاثبات لليد صحيحا
اما قول الله سبحانه وتعالى {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }ص75
فلا يعتبر اثباتا لليدين ولكن معنى بيدي اي بمباشرتي له في الخلق بغير واسطة ذلك ان الله سبحانه وتعالى خلق ادم في مراحل عدة فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلط الطين والماء حتى صار لازبا ثم تركه حتى صار حمأ ثم شكله ثم تركه حتى صار صلصالا ثم نفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى ولم يأمر احدا من الملائكة للقيام بهذا العمل وان ذكر الخلق باليدين لم يات لبيان تكريم ادم كما يقول ابن تيمية فهو يحتج بهذه الاية لاثبات اليدين فيقول لو كان خلق الله سبحانه وتعالى لابليس وادم سواء ولو لم يكن ذكر تخصيص خلق الله سبحانه وتعالى لادم بيديه تكريما له لما كان لذكرها معنى ولاحتج ابليس بهذا فيستدل ابن تيمية بهذا على اثبات اليدين والصحيح ان ذكر اليدين في قول الله سبحانه وتعالى لم يكن تكريما لادم ولكن جاء ردا على قول ابليس عندما قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين وكأنه ينبئ الله سبحانه وتعالى بما لا يعلم فجاء قول الله سبحانه وتعالى ليأكد لابليس انني خلقته بيدي أي بمباشرتي له في الخلق وبغير واسطة فانا اعلم مم خلقته وانا الذي جعلته بهذه المنزلة وهذا لا يعني تقييد علم الله سبحانه وتعالى في من خلقهم بهذه الطريقة ولكنه للتأكيد ومثال هذا انك اذا اوصلت ابنك الى المدرسة بسيارتك وجاء من يشكك في وجود ابنك في المدرسة ويقول لك ان ابنك ليس في المدرسة فمن اجل ان تاكد له وجوده في المدرسة فستقول له انا الذي اوصلته بيدي مع انك لم تحمله بيديك لتوصله الى المدرسة فلم يكن قول الله عز وجل لابليس تبيينا لتكريم ادم كما يقول ابن تيمية والا لكانت هذه هي علة تكريم ادم على الملائكة الذين سجدوا له ولوجب ان يكون ادم افضل من جميع الملائكة والصحيح انه ليس خلق الله عز وجل لادم بيديه هوعلة تكريمه ولم يأمر الله عز وجل الملائكة بالسجود له لهذا السبب ولم يأمر الله عز وجل جبريل وميكال واسرافيل وملك الموت وحملة العرش بالسجود لادم فلا يمكن للملائكة الذين يحملون العرش ان يتركوا حمل العرش ويسجدوا لادم وان منزلة جبريل وميكال واسرافيل وملك الموت اعلى من منزلة ادم واعلى من منزلة الملائكة المدبرات امرا الذين سجدوا لادم ولم يكن قول الله عز وجل لابليس من جنس المعنى الذي كان يتكلم عنه ابليس ولكنه جاء ليبين معنى اخر وهو ان علة وجوب الطاعة هو صدور الامر من الله سبحانه وتعالى وليس ذكر علة التشريع ولو اعتبرناه لذكر العلة كما يفهمه ابن تيمية لكان من حق العبد الاعتراض على الله عز وجل في ما شرع ولكان من الواجب على الله عز وجل ذكر العلة في كل ما شرع ولكن علة جعل منزلة ادم اعلى من منزلة الملائكة الذين سجدوا له كانت لغير الخلق باليدين وقد ذكرته في موضوع اخر كنت قد كتبته ونشرته على الانترنيت بعنوان قصة ادم عليه السلام
البدعة الثالثة
قوله بان القدر يؤمن به ولا يحتج به والقدر يحتج به في المصائب ولا يحتج به في المعائب فهذا القول من ابتداعه هو وليس له سند او دليل شرعي فكيف يؤمن الانسان ولا يحتج بما امن به فان امن الانسان بالله الا يحتج بوجوده ووحدانيته وكذلك الايمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر ولكن ابن تيمية لا يعرف معنى القدر وعندما قصر عقله عن معرفته ابتدع هذه القاعدة والصحيح ان القدر يحتج به في المصائب والمعائب وفي كل شيئ لان الله تبارك وتعالى قال
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2
فالمصائب والمعائب كلاهما بقدر الله ويجب الاحتجاج بانها وقعت بقدر الله ولكن لايصح الاحتجاج بالقدر للاستبراء من الذنب لان العبد هو الذي تصرف في المقدرات وارتكب الذنب وكذلك باستطاعته ان يتصرف في المقدرات ولا يرتكب الذنب ولذلك فان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه اقر للسارق احتجاجه بالقدرفعندما قال له السارق سرقت بقدر الله لم ينكرعليه قوله واقره عليه ولكنه لم يقبل منه الاستبراء من الذنب بحجة القدر فاجابه وقال له وانا اقطع يدك بقدر الله
وقد ذكر ابن تيمية هذا المعنى وقال يجب على العبد الاستغفار من الذنب وعدم الاحتجاج بالقدر ولكنه لم يبين علاقته بالقدر فقد اورده من باب مايجب على المذنب فعله وليس من باب تعلقه بالقدر
فابن تيمية لا يميز بين القضاء والقدر ولا يميز بين كتابة الله سبحانه وتعالى للقدر وبين وقوعه فاحيانا يورد كلاما اذا نسب الى كتابة القدر يكون صحيحا ولكنه ينسبه الى وقوعه او بالعكس وكذلك بخصوص الارادة والمشيئة فعندما يقرا القارئ جزءا من كلامه يجده صحيحا ولكن لو اخذ كل كلامه مجملا وقارن بين مافيه لوجده متناقضا ويتبين هذا في قصيدته التي اجاب فيها على سؤال الذمي
والصحيح ان معنى القضاء هو الامضاء ومنه الحكم أي اتخاذ القرار فاذا قضي امر ما صار هذا الامر مفروغا منه وكان في عداد الماضي قال الله سبحانه وتعالى
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً }الأحزاب36
{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ }القصص29
اما القدر فهو من التقدير أي تعيين مكونات الشيء وهناك فرق بين كتابة الله سبحانه وتعالى للقدر وبين وقوعه فكتابته تتعلق بالقضاء اما وقوعه فيتعلق بتفاعل المقدرات نفسها أي الاسباب التي خلقها الله تبارك وتعالى واعطاها قدرها فان الله سبحانه وتعالى قدر للماء ان يكون سائلا مكونا من الاوكسجين والهيدروجين وقدر للهواء ان يكون غازا مكونا من الاوكسجين وثاني اوكسيد الكاربون والهيروجين الخ وقدر للنخلة ان تكون صلبة مكونة من الجذر والجذع والسعف وقدر ان يكون طلعها وثمرها بالشكل والمكونات التي هي عليها وقدر لها ان تستمد حياتها من الشمس والماء والتربة فمثلا اذا اخذت سعفة من النخلة واشعلتها فان الله سبحانه وتعالى هو الذي قدر مكونات النار وهو الذي قدر للسعفة ان تكون قابلة للاشتعال وهو الذي قدرالاوكسجين في الهواء وجعله مساعدا للاشتعال فتكون قد اشعلت النار بقدر الله وكذلك اذا اطفأتها بالماء وكذلك في كل شيئ خلقه الله سبحانه وتعالى قال الله تبارك وتعالى
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2
وكذلك الانسان فقد خلقه الله سبحانه وتعالى وقدر له ان يكون حيا سميعا بصيرا وله عقل وقلب ونفس وجوارح وارادة وقدر لنفسه ان تكون قابلة للفجور والتقوى وقدر لقلبه ان يكون واعيا للاحاسيس وباعثا لطريقة التفكير وقدر لعقله ان يكون مميزا ومسيطرا وموجها للنفس والجوارح والارادة وقدر لما في السماء والارض ان تكون ايات على وجوده ووحدانيته وخول الانسان في التصرف بالمقدرات وهنا يجب الاشارة الى ان الله عز وجل لم يخول الانسان بالتصرف في كل شيئ ولكن بحدود جعله خليفة في الارض فاي فعل يفعله الانسان سواء كان خيرا او شرا فهو بقدر الله فلو اخذ انسان مطرقة حديدية وكسر بها زجاجة يكون قد كسرها بقدر الله لان الله سبحانه وتعالى هو الذي قدرللانسان مكونات العقل الذي قرر به كسر الزجاجة فجعله ممييزا وهو الذي قدرمكونات الارادة التي عزم بها وخوله بالتصرف بها وهو الذي قدرمكونات اليد التي امسك بها المطرقة وهو الذي قدرمكونات المطرقة وجعلها صلبة مؤثرة في عملية الكسر وهو الذي قدر مكونات الزجاج وجعله قابلا للكسر وكذلك اذا اماط الاذى عن الطريق وكذلك اذا صلى وصام او اذا سرق او شرب خمرا وكذلك في جميع افعال الانسان فالانسان يكون قد كسر الزجاجة واماط الاذى عن الطريق وصلى وصام اوسرق وشرب الخمر وفعل جميع افعاله سواء كانت خيرا او شرا كلها بقدر الله وكلها قد كتبها الله سبحانه وتعالى قبل ان يخلق الخلق بخمسين الف سنة
اما كون الله سبحانه وتعالى قد قضى كتابتها ووقوعها قبل ان يخلق الخلق فهذا لا يلزم منه ان يكون بمثابة اجبار للانسان على فعلها ولكن الله علم مسبقا بان الانسان سيفعل هذا الفعل فقضى كتابته عنده سبحانه وتعالى وكل مايقع من فعل الانسان فهو بمشيئة الله سبحانه وتعالى لانه هو الذي خلق المقدرات وقدرها وهو مالكها ولم يملكها للانسان ولكن الله عز وجل خول الانسان في التصرف بها فلو شاء الله سبحانه وتعالى ان يسلب او يعطل المقدرات لما وقع فعل من الانسان فقد امر الله سبحانه وتعالى ابراهيم ان يذبح اسماعيل عليهما الصلاة والسلام ولكنه لم يشأ ذبحه واراد ان لا يذبح فعطل القدر الذي به تقطع السكين فلم تتم عملية الذبح والحديث يجرنا الى ان نبين ان لله سبحانه وتعالى ارادتان فله سبحانه وتعالى ارادة عزم وارادة حتم وقد ورد في روايات الشيعة هذا المعنى عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه وان لم يكن سند الحديث صحيحا ولكن معناه صحيح فقد جاء في روايات اهل السنة ما يؤيد هذا المعنى
فقد أورد أبو القاسم بن حبيب في تفسيره بإسناده أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سأله سائل عن القدر فقال طريق دقيق لا تمش فيه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال بحر عميق لا تخض فيه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال سر خفي لله لا تفشه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال علي رضي الله عنه يا سائل إن الله تعالى خلقك كما شاء أو كما شئت فقال كما شاء قال إن الله تعالى يبعثك يوم القيامة كما شئت أو كما يشاء فقال كما يشاء فقال يا سائل لك مشيئة مع الله أو فوق مشيئته أو دون مشيئته فإن قلت مع مشيئته ادعيت الشركة معه وإن قلت دون مشيئته استغنيت عن مشيئته وإن قلت فوق مشيئتة كانت مشيئتك غالبة على مشيئته ثم قال ألست تسأل الله العافية فقال نعم فقال فعن ماذا تسأله العافية أمن بلاء هو ابتلاك به أو من بلاء غيره ابتلاك به قال من بلاء ابتلاني به فقال ألست تقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال بلى قال تعرف تفسيرها فقال لا يا أمير المؤمنين علمني مما علمك الله فقال تفسيره إن العبد لا قدرة له على طاعة الله ولا على معصيته إلا بالله عز وجل يا سائل إن الله يسقم ويداوي منه الداء ومنه الدواء اعقل عن الله فقال السائل عقلت فقال له إلا صرت مسلما قوموا إلى أخيكم المسلم وخذوا بيده ثم قال علي لو وجدت رجلا من أهل القدر لأخذت بعنقه ولا أزال أضربه حتى أكسر عنقه فإنهم يهود هذه الأمة (انتهى)
وروى ابن عساكر
حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار النحوي قال حدثنا أبي قال حدثنا القاسم بن يزيد الهمداني حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا نوح بن قيس قال حدثنا سلامة الكندي قال قال شيخ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عند منصرفه من الشام أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أبقضاء من الله وقدر أم غيرهما قال علي رحمه الله والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ما علوتم تلة ولا هبطتم واديا إلا بقضاء من الله وقدره قال الشيخ عند الله أحتسب عنائي وإليه أشكو خيبة رجائي ما أجد لي من الأجر شيئا قال بلى قد أعظم الله لكم الأجر على مسيركم وأنتم سائرون وعلى مقامكم وأنتم مقيمون وما وضعتم قدما ولا رفعتم أخرى إلا وقد كتب الله لكم أجرا عظيما قال الشيخ كيف يا أمير المؤمنين والقضاء والقدر ساقانا وعنهما وردنا وصدرنا فقال علي رضي الله عنه أيها الشيخ لعلك ظننته قضاء جبرا وقدرا قسرا لو كان ذلك كذلك لبطل الأمر والنهي والوعد والوعيد وبطل الثواب والعقاب ولم يكن المحسن أولى بمثوبة الاحسان من المسئ ولا المسئ أولى بعقوبة الاسائة من المحسن قال الشيخ فما قضاء والقدر قال علي العلم السابق في اللوح المحفوظ والرق المنثور بكل ما كان وبما هو كائن وبتوفيق الله ومعونته لمن اجتباه بولايته وطاعته وبخذلان الله وتخليته لمن أراد له وأحب شقاه بمعصيته ومخالفته فلا تحسبن غير ذلك فتوافق مقالة الشيطان وعبدة الأوثان وقدرية هذه الأمة ومجوسها ثم إن الله عز وجل أمر تحذيرا ونهى تخبيرا ولم يطع غالبا ولم يعص مغلوبا ولم يك في الخلق شئ حدث في علمه فمن أحسن فتوفيق الله ورحمته ومن أساء فبخذلان الله و أساءته هلك لا الذي أحسن استغنى عن توفيق الله ولا الذي أساء عليه ولا استبد بشئ يخرج به عن قدرته ثم لم يرسل الرسل باطلا ولم ير الآيات والعزائم عبثا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار(انتهى)
فهناك فرق بين مشيئة الله سبحانه وتعالى وبين ارادته وهناك فرق بين ارادة العزم وارادة الحتم
واضرب مثلا لتوضيح الفرق بين الارادتين واشير الى الفارق فان ارادة الله عز وجل مقرونة بالملك اما ارادة العبد فهي غير مقرونة بالملك
فاقول اذا اراد المرء ان يسافر فسيكون هو من عزم على السفر وهذه هي ارادة العزم ولكن اذا اراد ابنه ان يسافر وأذن له الاب فستكون ارادة الاب لسفر ابنه ارادة حتم لانه ليس هوالذي قهر ابنه وجعله يعزم على السفرولكن ابنه من عزم على السفر ولو لم يسمح الاب لابنه بالسفر ومنعه لما سافر الابن وبهذا يكون سفر الابن قد وقع بارادة الاب الحتمية وليست العزمية
وكذلك وقوع الكفر من الكافر ووقوع المعصية من العاصي فانها تقع بارادة الله الحتمية وليست العزمية لان الله عز وجل لم يقهره قهراعلى فعلها ولكن الله عز وجل هو خالق ومقدر الاسباب التي ادت الى وقوع المعصية وهو مالك الاسباب وقادر على سلبها او تعطيلها ولو سلبها او عطلها لما كفر الكافر ولما وقعت المعصية من العاصي وكذلك الحال مع المؤمن
وبهذا المعنى جاءت الايات الكريمات
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }الحج16
{فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125
{وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }هود34
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة41
وقال الله سبحانه وتعالى في ايات اخر
{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }الزمر3
{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }غافر28
{إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ }النحل37
فاذا لم يرد الانسان الهداية بداية لا يهديه الله واذا لم يرد الانسان الضلال بداية لا يضله الله اما مسالة التسلسل والترجيح بلا مرجح فهي باطلة وسابين بطلانها في موضوع اخر ان شاء الله قال الله سبحانه وتعالى
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ{27} لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ{28} وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{29}
فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10}
{ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } (51){ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (52) {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال53
وان ارادة الله سبحانه وتعالى هي تخصيص للمشيئة فالله سبحانه وتعالى يشاء ان يريد فان شاء اراد وان لم يشأ لم يرد فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن قال الله عز وجل
{مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً }الإسراء18
فجاءت المشيئة عامة والارادة خاصة
وان ابن تيمية لم يميز بين القضاء وبين القدر ولا بين ارادة العزم وارادة الحتم وعندما جهل هذا ابتدع القاعدة التي قال فيها ان القدر يؤمن به ولا يحتج به وقال ان القدر يحتج به في المصائب ولا يحتج به في المعائب وابتدع الارادة القدرية والارادة الشرعية والصحيح انه ليس لله سبحانه وتعالى ارادة قدرية ولا ارادة شرعية ولكن له ارادة ومشيئة اما التشريع فهو امر من الله سبحانه وتعالى وليس ارادة شرعية فالله سبحانه وتعالى اراد ان يشرع فشرع وامر ونهى وهذا داخل في عموم الارادة وليست ارادة خاصة
وان ابن تيمية لم يفهم قول الله عز وجل الذي حكاه عن ابليس حين قال فبما اغويتني لاقعدن لهم سراطك المستقيم وحمله على ان ابليس احتج بالقدر والصحيح ان ابليس لم يقل هذا احتجاجا بالقدرولكن كان سبب اغواءه هوخلق الله سبحانه وتعالى لادم من طين فاعتمد طريقة القياس لوجوب طاعة الله عز وجل بدلا من ان يعتمد الصحيح وهو ان الذي يوجب الطاعة هو كون الامر صادرمن الله عز وجل وليست علة التشريع فغوى وجرى له ماجرى واختلف العلماء في معنى اغويتني والصحيح ان نسبة الاغواء الى الله عز وجل هو من باب نسبة السبب الى مسببه كما لو كنت عطشانا واعطاك احد ماءا وشربت وقلت له شكرا لك لقد ارويتني فليس معنى هذا انه هو الذي سقاك ولكن انت الذي سقيت نفسك وكان هو المسبب لاروائك وكان الماء سبب الارواء وكذلك قول ابليس اغويتني فان الله عز وجل لم يقهر ابليس على الاغواء قهرا فهو حر في ان يغوى او لا يغوى ولكن كان خلق الله عز وجل لادم من طين سببا في اغواءه اما عبارة ( بما ) فجاءت لمعنيين اثنين وكان لاضافة الالف الى عبارة بم اتماما للمعنيين فالاول هو الانتقام من ادم لشدة حقده عليه فعبارة بم هي تعيين لجواب عن سؤال مقدر أي باي شيئ اغويتني فيكون الجواب بادم فيكون المعنى انه بما ان ادم هو الذي اغويتني به فسانتقم منه ولاقعدن له ولذريته سراطك المستقيم واغويهم والثاني كان عنادا ومساومة لله عز وجل أي بما انك خلقت ادم من طين وجعلته مدعاة للاغواء فاغويتني به لاقعدن لهم سراطك المستقيم ولاصرفنهم عن عبادتك وبما انه ليس لابليس من الامر شيئ وانما الامر كله بيد الله سبحانه وتعالى فقد اقر الله عز وجل له المساومة واستجاب له طلبه بالانظار كي لا يكون لتهديد ابليس اعتبارا فان الله عز وجل هو الغني الحميد ولا يزيد في ملكه ايمان المؤمن ولا ينقص من ملكه كفر الكافر ولو رفض الله عز وجل طلب ابليس للانظارلكان لتهديده اعتبارا فيكون المعنى وحاشا لله ان الله يفتقر الى ايمان المؤمن فيتأثر فيمن يغويهم ابليس وقد يقول قائل ما وجه المقارنة بين الخالق والمخلوق كي يكون ابليس مساوما لله عز وجل فاقول لا وجه للمقارنة فان الله عز وجل قادرعلى هلاك ابليس ولكن رحمة الله سبحانه وتعالى وحكمته اقتضت ذلك لانه هو رب ابليس وهو رب العالمين وليتبين للناس سعة رحمته وعدله سبحانه وتعالى اما الغي فهو الاستدلال بغير الصواب وقد استدل ابليس بطريقة القياس على وجوب الطاعة وهي طريقة خاطئة فغوى وكذلك يغوى الذين يتبعون الشهوات
قال الله عز وجل
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً }مريم59
وان كثيرا من العلماء لم يميزوا بين القضاء والقدر وحشروا القضاء مع القدر مع ان الحديث الشريف ذكر ان من اركان الايمان هو الايمان بالقدر خيره وشره ولم يأت ذكر القضاء فيه وكذلك لم يميزوا بين ارادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته فمنهم من حمل معنى الارادة على انها المشيئة ومنهم من حمل معنى ارادة الحتم على انها ارادة العزم وكذلك في غيرها من مسائل العقيدة فقد أخطأ المرجئة والخوارج والمعتزلة والاشعرية والسلفية والاباظية والصوفية في فهم معاني ايات القران الكريم المتشابهة وفي فهم الاحاديث النبوية الشريفة وعلى اثرها تفرقت الامة الاسلامية ومن هؤلاء العلماء الامام احمد بن حنبل فانه لم يعرف القدر فقد روي عنه انه قال ان القدر هو قدرة الله وكذلك قال كثير من العلماء المعاصرين مثل هذا القول والصحيح ان القدر ليس هذا معناه والصحيح ان وقوع القدر لايتعلق بقدرة الله عز وجل ولكنه يتعلق بمشيئته اما قدرته سبحانه وتعالى فقد مضت في خلق المقدرات وتقديرها اما وقوع القدر فهو نتيجة تفاعل المقدرات نفسها الا ان تكون معجزة خارقة للمقدرات فانها تكون متعلقة بقدرة الله سبحانه وتعالى
البدعة الرابعة
قوله بان المشركين العرب موحدين او يوحدون الخالق وهذا لا يجوز فحتى لو قالوا ان خالق السموات والارض هو الله فان اطلاق هكذا كلمة على من وصفهم الله عز وجل بالمشركين في ايات كثيرة في القران الكريم يعتبر تجرؤا على الله سبحانه وتعالى
والصحيح ان المشركين العرب لم يكونوا يؤمنون ايمانا بان الله سبحانه وتعالى هوالخالق كما يقول ابن تيمية حسب فهمه الخاطئ لايات القران الكريم ولكن كانوا يقرون تعجيزا بهذا فان الله عز وجل قال
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان25
وهذا ليس ايمانا منهم به ولكن لانهم لايملكون جوابا غيره فهم لا يستطيعون ان ينسبوا الخلق الا لله سبحانه وتعالى ولو نسبوه لالهتم او لانفسهم او لاي مخلوق اخر لكانت حجتهم داحضة لان الخالق لابد ان يكون هو الاول ليس قبله شيء وهذا ما يعجزون ان يثبتوه لغير الله سبحانه وتعالى ولذلك يضطرون اضطرارا الى الاقرار بان الخالق هو الله وليس ايمانا منهم به ولذلك قال الله عز وجل
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان25
فليس في الاية الكريمة مايثبت ايمانهم بما يقولون ولكن جاءت لتظهرعجزهم عن اثبات الخلق لغيره سبحانه وتعالى ولذلك قال الله عز وجل قل الحمد لله أي الحمد لله الذي جعل حجته هي الغالبة
فلا يجوز القول بانهم موحدين او يوحدون ويجب ان يقال عنهم انهم مقرين او يقرون بان الخالق هو الله وقد قال ابن تيمية هذا عنهم في مواضع كثيرة ولكنه حمل معناه على انهم يؤمنون به ايمانا والصحيح انهم ليسوا كذلك فيجب الاشارة الى ان اقرارهم عن عجز وليس عن ايمان وقد كذبهم وكفرهم الله عز وجل فقال
{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }الزمر3
البدعة الخامسة
ايجاده للحسبة وهو تخصيص جماعة معينة من المسلمين للامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراقبة الناس والتدخل بشؤونهم ومحاسبتهم وهذا ما لم يامر به الله عز وجل ولم يرد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم وقد ابتدع ابن تيمية هذه البدعة نتيجة فهمه الخاطئ لايات القران الكريم فان الله عز وجل قال
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104
فكان معنى امة شاملا لكل افراد الامة كما جاء في اية اخرى
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110
ولم يكن المعنى لطائفة منها فقد قال الله عز وجل
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة122
وكذلك قال الله عز وجل في نهاية الاية واولئك هم المفلحون فلو كان المعنى لطائفة من الامة لكان افراد هذه الطائفة فقط هم المفلحون دون بقية الامة
وقال النبي صلى الله عليه وسلم من رأئ منكم منكرا فليغيره بيده الى اخر الحديث فكانت الدعوة لكل الامة وليس لجماعة خاصة
فكان ابتداع ابن تيمية للحسبة مخالفة للقران الكريم ولسنة النبي صلى الله عليه وسلم
ومن شأن الحسبة ان تفرق بين المسلمين وتسلط بعضهم على بعض وهذا ما لا يرضاه الله ورسوله وكذلك من شأنها التجسس على المسلمين وقد نهى الله تبارك وتعالى عنه وقد شرع الله عز وجل اقامة الحدود على المذنبين للردع وليس للانتقام وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم يدرأون الحدود عن المسلمين بالشبهات اما الحسبة فمن شأنها ملاحقة المذنبين واقامة الحدود عليهم
الفصل الثاني
اخطاء ابن تيمية
الخطأ الاول
فهمه لمعنى لا اله الا الله بانها لا معبود الا الله او لا معبود بحق الا الله او لا يستحق العبادة الا الله وهذا خطأ والصحيح ان معناها لا وجود لاله الا الله لانك اذا قلت لا معبود الا الله او لامعبود بحق الا الله فسيصبح المعنى وكانك تمنح الالوهية لله منحة أي انه لا يكون الاها حتى تقر له انت بها وليست اصلا فيه وكذلك اذا قلت انه لا معبود بحق الا الله فانك بهذا القول قد جعلته في مقام المقارنة مع الالهة التي تعبد بغيرحق وان مجرد جعله في مقام المقارنة هو تقليل من شأن وحدانيته في الالوهية ولذلك سمى الله سبحانه وتعالى نفسه الله بحذف الالف وتشديد اللام من كلمة الاله ليكون المعنى ان الالوهية اصلا فيه وليست تعيينا فانك اذا قلت ان الاله هو الله فسيكون مضمون الكلام وكانك انت الذي تعين الالوهية لله اما اذا قلت ان الله هو الله فتكون قد استبعدت مضمون التعيين ليكون المعنى ان الالوهية اصلا في الله سبحانه وتعالى
فمعنى لا اله الا الله انه لا وجود لاله الا الله وليس لا معبود الا الله او لا معبود بحق الا الله وبعد ثبوت هذا المعنى يكون اللازم منه هو وحده من يستحق العبادة
الخطأ الثاني
تقلبه وتناقضه في مسألة قياس الخالق على المخلوق في المعنى والكيف ويصرفها حسب مايشتهي وليس وفقا لضوابط فتراه يسلك طريقة معينة للقياس ولكنه لا يجيزها لمخالفيه وينتقدهم على سلوكها وما يعتبره تمثيلا عند غيره لا يعتبره تمثيلا عنده والصحيح ان كلمة مثل تستعمل للتعبيرعن وجود معنى اوخصوص او صفة او غيرها في شيئين فاذا اشترك شيئان في وجود شيئ منها كان هذان الشيئان متماثلين في ما وجد في كل واحد منهما ولذلك اضاف الله سبحانه وتعالى كاف التشبيه الى كلمة مثل فقال ليس كمثله شيئ ليكون المعنى نفي المثل في الخصوص والصفة وليس نفي المثل نفيا مطلقا في كل شيئ فان نفي المثل نفيا مطلقا لا يكون الا للعدم فكل ماهو ضد العدم متماثل مع غيره في معنى الوجود فان قلت ليس مثل الله شيئ فسيكون المعنى ان الله عدما لانك نفيت معنى الوجود لله سبحانه وتعالى الذي هو مثل معنى الوجود للمخلوق فكلا الوجودين ضدها العدم ولكنك اذا قلت ليس كمثل الله شيئ فسيكون المعنى انك لم تنف المثل نفيا مطلقا ولكنك نفيت التشابه بين المثلين فتكون قد اثبت الوجود لله سبحانه وتعالى في المعنى ولكنه ليس مثل وجود المخلوق في الخصوص فيكون وجود الله سبحانه وتعالى ليس كوجود المخلوق وكذلك في معنى الحياة والنفس والكلام والقدرة والعلم والسمع والبصر وسائر خصوصيات صفاة وافعال الله سبحانه وتعالى
ويجب التفصيل في هذه المسألة وقبل ان افصل هذا اشير الى ان المتكلمين في التوحيد قد غلوا في الكلام في هذه المسألة غلوا تجاوز الحد الذي جاء به الشرع فان كلمة التوحيد لم ترد في النصوص الشرعية منفردة ولم ترد مضافة الى الله عز وجل بغير تخصيص فان القران الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم يدعوان الى عبادة الله وحده فيقول القران الكريم اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ان حق الله على العباد ان يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئا فلم ترد عبارة التوحيد او توحيد الله الا مع التخصيص فيقال توحيد الله في العبادة او توحيد الله في التوكل ونحوها فمصطلح التوحيد بالصيغة المطلقة اخذه المعتزلة عن الفلاسفة وغلوا فيه فجرهم الى الضلال وأخطأ الاشعرية وابن تيمية فسلكوا مسلكهم للرد عليهم وهذا المسلك غلو في طريقة الكلام للاستدلال على المطلوب كالغلو في الدين والصحيح ان هناك فرق بين ان تعبد الله وحده ولا تشرك به شيئا وبين معرفة الله سبحانه وتعالى بالتفصيل فمعرفة الله سبحانه وتعالى بالتفصيل ليست شرطا او ركنا من شروط او اركان الايمان او توحيد الله في العبادة فمن امن بان الله سبحانه وتعالى واحد وهو خالق كل شيئ ومالكه وهو رب العالمين وهو مدبر الامر ولم يمثل الله سبحانه وتعالى بخلقه بالمجمل وعبده وحده ولم يشرك به شيئا فقد حقق المطلوب وكان مؤمنا حتى وان لم يعرف الله معرفة تفصيلية اما التفكر في صفاة الله سبحانه وتعالى فهو للتوسع في معرفة الله سبحانه وتعالى ولم يامر الشرع بالغلو في الكلام للاستدلال على معرفة صفاة الله سبحانه وتعالى كما فعل المعتزلة وان الجهل في معرفة صفاة الله بالتفصيل ومعرفتها بالمجمل خير من الخوض في تفاصيلها بطريقة الغلو فالصحيح ان يكون الكلام عن الصفاة بطريقة وسط كطريقة الاعرابي الذي قال ان البعر تدل على البعير والاثر يدل على المسير بغير غلو فاقول
ان لله سبحانه وتعالى صفاة وافعال وهناك اختلاف في تعلقاتها فمنها ما لهاعلاقة بالخالق وحده ومنها ما لها علاقة بالخالق والمخلوق ومنها ما يستفهم عن معناها ومنها ما يستفهم عن كيفها ومنها ما يجوز القياس فيها على المخلوق ومنها ما لايجوز
فاما الصفاة فتنقسم الى قسمين
اولا :- الصفاة التي لها علاقة بالخالق وحده مثل الحي القادر اما اليد والوجه والعين فليست صفة من صفاة الله وسياتي الكلام عنها
ثانيا :- الصفاة التي لها علاقة بالخالق والمخلوق وتنقسم الى قسمين
1 :- الصفاة التي يكون متعلقها يصدر من المخلوق والمدرك لها هو الخالق مثل السميع البصير فان الصوت يصدر من المخلوق والمدرك له هو الخالق وكذلك البصير
2:- الصفاة التي يكون متعلقها يصدر من الخالق والمدرك لمتعلقها المخلوق مثل صفة الكلام والرؤية
اما الافعال فكلها لها علاقة بالخالق والمخلوق مثل الرازق المحيي المميت ومثل الاستواء على العرش والنزول
فالقياس يكون كما يلي
اولا :- ان جميع الصفاة يجوز فيها قياس الخالق على المخلوق في المعنى بل لايمكن معرفة معانيها الا بقياسها على المخلوق فلا يعرف معنى السمع انه ادراك للصوت الا بالقياس على المخلوق وكذلك سائر المعاني واستنادا الى هذا القياس فكل صفة وجودها كمال وعدمها نقص يجب اثباتها للخالق وكل صفة وجودها نقص وعدمها كمال يجب نفيها عن الخالق
ثانيا :- الصفاة التي لها علاقة بالخالق وحده لا يجوز القياس فيها على المخلوق في الكيف مثل الحي القادر لان الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيئ
ثالثا :- الصفاة التي لها علاقة بالخالق والمخلوق والتي يكون متعلقها يصدر من المخلوق والمدرك لها الخالق مثل السميع البصير لا يجوز القياس فيها على المخلوق في الكيف لان الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيئ
رابعا :- الصفاة التي لها علاقة بالخالق والمخلوق والتي يكون متعلقها يصدر من الخالق والمدرك لمتعلقها المخلوق مثل صفة الكلام والرؤية يجوز القياس فيهاعلى المخلوق في الكيف من وجه تعلقها بالمخلوق ولا يجوز فيها القياس من وجه تعلقها بالخالق وكما يلي
لصفة الكلام وجود ونوع واخراج وخروج وانتقال وادراك
1:- وجود الكلام في نفس الله سبحانه وتعالى يجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى فنقول وجود الكلام في نفس الله سبحانه وتعالى كوجوده في انفسنا ولكنه اولا كاولية علمه وسائر صفاته ولا يجوز القياس فيه على المخلوق في الكيف لان الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيئ
3:- وجود الكلام خارج نفس الله سبحانه وتعالى يجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى والكيف من وجه ولا يجوز من وجه اخر فالقران الكريم مكتوب في الكتاب المكنون عند الله سبحانه وتعالى في حجاب من حجب العرش وقد انزله الله تبارك وتعالى في ليلة مباركة فاما كتابة الله سبحانه وتعالى له في الكتاب المكنون فتنقسم الى قسمين
أ:- القيام بعملية الكتابة وهذه تتعلق بالخالق ويجوز القياس فيها على المخلوق في المعنى ولا يجوز القياس فيها في الكيف لان الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيئ
ب:- اثر الكتابة وهذا يتعلق بالمخلوق فيجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى والكيف فنقول ان القران الكريم مكتوب في الكتاب المكنون كالكتابة عندنا على الورق لان الكتاب المكنون مخلوق ولكنه بالنسبة لنا غيبا
4:- نوع الكلام في نفس الله سبحانه وتعالى يجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى فنقول نوع الكلام في نفس الله سبحانه وتعالى كنوع الكلام عندنا وهو حروف مقطعة من كل اللغات
5:- اخراج الكلام لا يجوز فيه القياس على المخلوق في الكيف فنقول يخرج الكلام من نفس الله سبحانه وتعالى بغير الة كما انه سبحانه وتعالى يسمع ويرى بغير الة
6:- خروج الكلام يجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى والكيف فنقول الكلام المخرج من نفس الله سبحانه وتعالى حروف مقطعة بصوت كصوت الكلام عندنا يخرجه الله سبحانه وتعالى متى وكيف شاء
7:- انتقال الكلام يجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى والكيف فنقول ينتقل كلام الله سبحانه وتعالى بعوامل انتقال الصوت كما ينتقل الكلام عندنا ولكن من وراء حجاب
8:- ادراك الكلام يجوز فيه القياس على المخلوق في المعنى والكيف فنقول يدرك كلام الله سبحانه وتعالى بحاسة السمع كما يدرك الكلام عندنا
اما الرؤية فانها حق ولكنها ليست كما يقول ابن تيمية ولها مقام اخر وتحتاج الى وسائل ايضاح ومن الصعب توضيحها عن طريق الكتابة لما فيها من تعلقات تحتاج الى تفاصيل كثيرة واخشى ان لا تفهم فهما صحيحا ولكن فقط اقول ان الله سبحانه وتعالى لايرى بذاته فلا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار فلا يجوز ولا يصح اثباتها من عدة وجوه وابين هذا في ما يلي
اولا :- لان الله هو العزيز ومعنى العزيز أي الذي لاينال فان ادرك فقد نيل وان نيل فقد انتفى كونه عزيزا
ثانيا :- بغض النظر عن كيفية الرؤية سواءا كانت بعوامل الابصار المعروفة او اي طريقة اخرى فانه يلزم من اثبات الرؤية اما ان تكون لله جهة ينظر اليه فيها دون غيرها وهذا باطل لانه يعني ان لله حد او لا تكون له جهة فان لم تكن له جهة فاما ان تكون الرؤية ملازمة للرائي لان الله في كل الجهات او غير ملازمة له فان قيل ملازمة فهذا باطل لانه اختلاط مع بقية نعيم الجنة وكذلك سيكون قدرها اقل او مساوي لقدر سائر نعيم الجنة وكذلك من غير المعقول ان يكون بامكان الرائي ان يتنعم بها وبالنظر الى الحور العين وسائر نعيم الجنة في نفس الوقت وان قيل غير ملازمة فاما ان يكون المتحكم بها هو الله سبحانه وتعالى او الرائي اما التحكم بها من قبل الله سبحانه وتعالى فهذا لم يرد لا في القران الكريم ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم واما التحكم بها من قبل الرائي فهوغير ممكن لانه دفع من الرائي لضرورة وجود الرؤية لان وجودها من وجود الله سبحانه وتعالى
ثالثا :- قال الله تبارك وتعالى وخر موسى صعقا فلما افاق قال سبحانك تبت اليك وانا اول المؤمنين فدل هذا على ان موسى عليه الصلاة والسلام كان اول المؤمنين بان الله عز وجل لا يرى
رابعا :- قال الله تبارك وتعالى وناديناه من جانب الطور الايمن وقربناه نجيا فلو ان الرؤية ممكنة لانعم الله تبارك وتعالى على موسى عليه الصلاة والسلام بها كما قربه نجيا
وهناك من حاول الالتفاف على معاني ايات القران الكريم وقال ان معنى ( لن ) في قول الله تبارك وتعالى لن تراني ليست ابدية فهي في الدنيا فقط وقالوا ان الله تبارك وتعالى ربط امكانية الرؤية بعدم تحمل الجبل للتجلي وهذا لا يعني عدم امكانية حصولها بالمطلق فان وجد ماهو اشد من الجبل امكن حصولها وهذه الاقوال واهية لانه لو لم تكن الرؤية غير ممكنة بالمطلق لكان يكفي ان يقول الله عز وجل لموسى عليه الصلاة والسلام لن تراني في الدنيا ولما كانت هناك حاجة لتجلي الله سبحانه وتعالى للجبل وجعله دكا ولو لم يفهم موسى عليه الصلاة والسلام من عدم تحمل الجبل للتجلي ان الرؤية غير ممكنة بالمطلق لدعا ربه وقال رب اجعلني اشد قوة من الجبل كي اراك ولم يقل تبت اليك وانا اول المؤمنين فان دلائل وقرائن عدم امكانية حصول الرؤية في القران الكريم ابين واقوى واكثر من هذه المحاولات وكان الاولى بمن يحاول الالتفاف على معاني ايات القران الكريم ان يفكر في احاديث الرؤية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويجتهد في فهمها فمن عرف معنى عبارة لا تضارون او لا تضامون في رؤيته التي وردت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم تبين له عدم معارضة الحديث للقران الكريم وقد يقول قائل ان هذا الكلام يلزم منه ان موسى عليه الصلاة والسلام اخطأ في طلبه الرؤية وكان يجهل عدم امكانية رؤية الله سبحانه وتعالى فاقول نعم ان موسى عليه الصلاة والسلام كان يجهل هذا فعلمه الله عز وجل ونحن علمناه من تعليم الله سبحانه وتعالى له ولنا وان موسى عليه الصلاة والسلام اخطأ في هذا فقال سبحانك تبت اليك فالانبياء عليهم الصلاة والسلام ليسوا معصومين بالخلقة ولكنهم معصومون بمتابعة الوحي لهم فاذا اخطأوا صحح لهم الله عز وجل وقد يقول قائل ان الله تبارك وتعالى قال وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى فاقول ان معنى النطق غير معنى اللفظ فليس معنى قول الله تبارك وتعالى وما ينطق عن الهوى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتلفظ بلفظ الا بوحي ولكن ماكان يوحى اليه من القران الكريم ومما كان وحيا فقط اما غيرها من الكلام فليس بوحي وسابين هذا في موضوع اخر ان شاء الله
اما الافعال فلا يجوز فيها القياس على المخلوق من وجه تعلقها بالخالق ويجوز فيها القياس على المخلوق من وجه تعلقها بالمخلوق فنقول ان معنى الاستواء هو الاستقرار والهيمنة فلم يزل الله عز وجل مستقرا مهيمنا على العرش منذ خلقه اما الكيف فيجوز فيه القياس على المخلوق من جهة تعلقه بالعرش ولا يجوز فيه القياس على المخلوق من جهة تعلقه بالله سبحانه وتعالى وانا والحمد لله ممن يعلمون كيفية الاستواء ولكن هذه المسالة ومسالة النزول ومعنى ثم استوى الى السماء وهي دخان وحديث الجارية وحديث اطيط العرش الذي رواه ابو داوود في سننه وان ضعفه الالباني فقد صححه غيره ومعناه صحيح وحديث اذا تكلم الله بالوحي سمع اهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا الذي رواه ابو داوود في سننه وصححه الالباني فهذه المسائل كمسالة الرؤية يصعب ايضاحها عن طريق الكتابة ولكن فقط اقول ان الله سبحانه وتعالى موجود فوق العرش وتحت العرش كما قال الله عز وجل هو في السماء اله وفي الارض اله وهو معكم اينما كنتم وهو اقرب اليكم من حبل الوريد وكما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ان الذي تدعون اقرب الى احدكم من عنق راحلته ولكن وجوده سبحانه وتعالى فوق العرش ليس كوجوده تحت العرش فقد قال الله عزوجل وهو بكل شيئ عليم وكذلك قال عز وجل وهو بكل شيئ محيط فدل هذا على ان معنى بكل شيئ عليم غير معنى بكل شيئ محيط ويتبين هذا لمن يعلم التفسير الصحيح لهذه الاية
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }النور35
وبعد هذا اقول من لم يكتف بهكذا نوع من الكلام وهكذا قدر من البيان ليهتدي ولا يهتدي الا بالكلام عن الجوهر والعرض والقدم والحدث وغيرها من مصطلحات الفلاسفة فهو وشأنه والى جهنم وبئس المصير فنحن غير ملزمين باتباع طريقتهم في الكلام لاقناعهم
بعد هذا اقول ان ابن تيمية من اجل ان يثبت اليد وضع قاعدة للقياس فيقول ان اثبات بعض الصفاة اثبات للباقي ويقول ان القول في بعض الصفاة كالقول في الباقي ويقول ان القول بالذات كالقول بالصفاة ولكنه ينقض هذه القاعدة عندما يتكلم عن مسألة اخرى فهو يفسر قول الله سبحانه وتعالى وهو معكم اين ما كنتم بان الله سبحانه وتعالى فوق عرشه بائن من خلقه ولكنه مع خلقه بعلمه فنقض القاعدة التي وضعها وافرد صفة العلم في معيتها للمخلوق دون بقية الصفاة كالقدرة والسمع والبصر والحكمة والرحمة واللطف والحياة والقوة وسائر الصفاة وكذلك هو يثبت اليد ويقول ان الله خلق ادم بيديه ومن المعلوم ان الله سبحانه وتعالى خلق ادم في الجنة أي تحت العرش فاما ان الله سبحانه وتعالى بائن من خلقه في كل صفاته او غير بائن والا فهذا تخبط
اما قوله ان الله فوق عرشه بائن من خلقه فان عبارة بائن من خلقه لم ينسبها ابن تيمية بالسند الا الى عبد الله بن المبارك وابن خزيمة وقلة اخرين ويحشرها حشرا مع الاكثرية الذين يقولون ان الله فوق عرشه بدون عبارة بائن من خلقه ليقول ان الائمة والسلف كانوا يقولون بها والقول بان الله بائن من خلقه باطل لانه يلزم من البينونة ان لله حد ينتهي عند العرش وهذا تمثيل ويلزم من البينونة عدم احاطة الله بكل شيئ واذا قيل ان معنى الاحاطة هو بالعلم دون بقية الصفاة فهذا يعني ان ماحصل تحت العرش من خلق الله عز وجل للسماوات والارض وما بينهما والقيمومة عليها وحفظها وما يحصل لها يوم القيامة تمت وتتم بصفة العلم دون بقية الصفاة
وكذلك ان ابن تيمية يصرف القياس حسب مايشتهي عندما يفسر معنى بل يداه مبسوطتان فانه يثبت اليد بغير القياس على المخلوق ولكنه يفسر معنى البسط بالقياس على المخلوق مع ان اليد والبسط متلازمان فاما ان يكون معنى يداه مبسوطتان مؤولا بمجمل الاية ليكون المعنى هو الرزق والجود والعطاء او ان يحمل النص كله على الاثبات فيكون اثباتا لليد والبسط معا فيلزم منه ان يقيس اليد والبسط على المخلوق ليكون لها معنى او لا يكون لها معنى وعندها سيكون المعنى ان يدي الله مبسوطتان ابدا لاتنقبض وكذلك في قول الله عز وجل كل شيئ هالك الا وجهه فاما ان يؤول الوجه الى غير ظاهر معناه او يكون الله ابعاضا تهلك الا وجهه
فلا يجوز اثبات اليد والعين والوجه لله سبحانه وتعالى لانه تمثيل وبيانه من عدة وجوه
اولا :- لا يستوي القول ان لله سمع او بصر والقول ان لله يد او عين لان في الاول اضافة معنى وفي الثاني اضافة جارحة فاذا قيل ان الله سميع بصير ولكن بغير الة او سميع بصير ولكن ليس كالاسماع والابصار فسيكون هذا القول اثباتا للمعنى وتنزيها لله سبحانه وتعالى عن المثل ولكن اذا قيل ان لله يد او عين ولكن ليست كالايدي والاعين فلا يكون القول ليست كالايدي والاعين تنزيها لله سبحانه وتعالى الا اذا نفي المعنى بانها جارحة واذا نفي المعنى نفي الاثبات
ثانيا :- اثبات ما لايليق معناه في الاصل يبقى لا يليق حتى وان اختلف الكيف لان وجوده بالاصل نقص ولا يمكن جعله لا ئقا بالقول بان هناك فرق في الكيف وبقول عبارة يليق بجلاله بعد اثبات ما لا يليق كما هو دأب ابن تيمية فان اثبات ما كان معناه جارحة كاليد يقتضي بقاء صفتها كجارحة يفتقر اليها وان اختلف الكيف فيها بين الخالق والمخلوق فهو تمثيل بان الله يفتقر اليها كما يفتقر المخلوق اليها واذا قيل ان الله لا يفتقر اليها فهو قادر على فعل مايشاء بغير يد كما هو الصحيح فلم يبق لوجودها معنى ويكون اثباتها كمن يثبت عدما
ثالثا :- اثبات الجارحة وان اختلفت في الكيف عن المخلوق يلزم منه ان يكون الله ابعاضا وهذا باطل
رابعا :- اذا اثبتنا الجارحة فسيلزم من قول النبي صلى الله عليه وسلم كلتا يديه يمين ان لله حد وهذا باطل
فلا يجوز الاخذ بقول ابن تيمية ولا بقول من قال ان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم كان تصديقا لقول الحبر عندما قال ان الله يضع السموات على اصبع والاراضين على اصبع الى نهاية الحديث فوالله لا اخذ بهذا القول سواء كان عن السلف او الخلف الم يقل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما ضحك وما قدروا الله حق قدره فكيف يعقل ان يكون ضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقا لقول الحبر فلا يقول هذا القول الا من سفه عقله وسبحان الله عما يقول الحبر وسبحان الله عما يقول ابن تيمية
الخطأ الثالث
قوله بان الملائكة عليهم السلام حكموا على بني ادم بالفساد وان الله عز وجل اعلمهم بما سيكون من بني ادم وقد قال هذا القول بسبب فهمه الخاطئ لقول الملائكة عليهم السلام اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء والصحيح ان الملائكة لم يحكموا بهذا حكما وان الله عز وجل لم يعلمهم بما سيكون من ذرية ادم ولكنهم علموا هذا من تعليم الله سبحانه وتعالى لادم الاسماء كلها وكذلك اخطأ هو والامام احمد بن حنبل بقولهم ان الله عز وجل لعن ابليس بسبب كفره ولم يميزوا بين سبب عصيان ابليس وبين سبب كفره وبين سبب لعنه والصحيح ان الله عز وجل لم يلعن ابليس بسبب كفره ولكن طرده من الجنة بسببه ولم يلعنه الا بعد ما ساجل الله عز وجل وساومه وكذلك قوله في مجموع الفتاوى في فصل التفضيل بين الملائكة والناس ( وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا : أَنَّ الْعِلْمَ مَقْسُومٌ مِنْ اللَّهِ ؛ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ هَذَا الْغَبِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَيْدِي الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ بَلْ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَصَّ آدَمَ بِعِلْمِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ عِلْمُ الْأَسْمَاءِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْعُلُومِ وَحَكَمَ بِفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ لِمَزِيدِ الْعِلْمِ فَأَيْنَ الْعُدُولُ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى بِنْيَاتِ الطَّرِيقِ ؟ ) والصحيح ان الله عز وجل لم يحكم بفضل ادم على الملائكة لمزيد من العلم ولم يكن علم الاسماء اشرف العلوم وقد ذكرت هذه التفاصيل وغيرها في قصة ادم التي كتبتها ونشرتها على الانترنيت بعنوان قصة ادم عليه السلام وكذلك لم يفهم ابن تيمية اكثر الايات التي تحدثت عن قصة ادم وما اثار استغرابي هو كلامه عن الجنة التي كان يسكنها ادم عليه السلام ففي كتاب النبوات قال ان جنة ادم كانت في مكان مرتفع من الارض في ناحية المشرق واسماها جنة التكليف وذكر في مجموع الفتاوى ان السلف كانوا يقولون ان الجنة هي الجنة التي في السماء فلا ادري اهذا تناقض منه ام ان هناك خطأ في النقل او الطبع فلم اتحقق منه
الخطأ الرابع
اثباته للرؤية فمن اجل اثباتها عمد الى تحريف معنى الادراك في قول الله سبحانه وتعالى لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار فقال ان معنى الادراك هو الاحاطة بالشيئ وشبه عدم قدرة الناظر على ادراك الله عز وجل بعدم ادراك الناظر للسماء فاذا راى الناظر بعض السماء ولم يرها كلها فهو غير مدرك لها فيا ليت شعري باي شيئ امتاز وأي مدح بقي لله سبحانه وتعالى في قوله لا تدركه الابصار اذا استوى هو والسماء في عدم القدرة على ادراكهما بالبصر فالصحيح ان الادراك هو الوصول الى الشيئ ونيله قال الله تبارك وتعالى
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى }طه77
{لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }يس40
{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }النساء78
والرؤية حق ولكنها ليست كما يقول ابن تيمية
الخطأ الخامس
تعميمه للاحتجاج بمشيئة الله سبحانه وتعالى واطلاقها حتى على المستحيلات فهو يذكرعبارة قول القائل ( وإذا قال لك الجهمي: أنا كفرت برب ينزل، فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء ) فهو يقول ان الله عز وجل فوق عرشه بائن من خلقه وكذلك يقول ان الله عز وجل ينزل الى السماء الدنيا كما يشاء وبغض النظرعن كيفية النزول فان الجمع بين البينونة وعدم البينونة من المستحيلات لانه جمع بين نقيضين فاما ان الله عز وجل بائن من خلقه فلا ينزل واما انه ينزل فهو غير بائن من خلقه فلا يصح ان تحتج بمشيئة الله فتقول اذا شاء الله امات او قتل نفسه لانه من المستحيلات
الخطأ السادس
اخذه بالحديث الضعيف والاحتجاج به ليؤيد قوله الخاطئ بان الصالح من بني ادم افضل من جميع الملائكة فيقول جاء في الاثر { يَا عَبْدِي أَنَا أَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ أَطِعْنِي أَجْعَلْك تَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ يَا عَبْدِي أَنَا الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَطِعْنِي أَجْعَلْك حَيًّا لَا تَمُوتُ } وهذا القول هو الشرك بعينه ولو اتبعنا طريقة ابن تيمية في رايه بمخالفيه لاعتبرناه من المشركين
الخطأ السابع
فهمه الخاطئ لقول ابن عباس رضي الله عنه القران كلام الله غير مربوب منه خرج واليه يعود فيقول عن معنى اليه يعود جاء في الآثار: «إن القرآن يسرى به حتى لا يبقى في المصاحف منه حرف ولا في القلوب منه آية» والصحيح ان معنى اليه يعود أي اليه تعود نسبته كالقول رحمة الله فهو كلامه سبحانه وتعالى كما رحمته
الخطأ الثامن
فهمه الخاطئ هو والامام احمد بن حنبل لحديث النبي صلى الله عليه وسلم «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً مَا أَنَا عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي»
فقد اخطأ الامام احمد ابن حنبل في فهم الحديث ففهمه وكأن النبي صلى الله عليه وسلم وحاشا له يؤصل لتفريق الامة ويقر لها فرقتها فعين الامام احمد فرقة من اجتهاده هو وقال هذه هي الفرقة الناجية التي خصها الحديث وتلقفها منه ابن تيمية وجعلها اصلا في العقيدة وتولى الى ركنه وجعل نفسه واتباعه هم اصحاب هذه الفرقة وغيره من المخالفين له ليسوا من الناجين فصار ينظر هو واتباعه الى انفسهم وكانهم احباء الله وغيرهم هم اصحاب النار والصحيح ان الحديث الشريف لم يخص فرقة من الفرق الثلاث وسبعين بالنجاة فقال كلها في النار والاستثناء للجنس وليس للعدد لان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما انا عليه اليوم واصحابي فقول النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الى الجماعة وعدم التفرقة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه امة واحدة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في رواية اخرى الجماعة فمن الواجب على كل الفرق الاسلامية السعي الى ازالة الخلاف بين الامة وتحقيق الجماعة لتنجو من النار وان الاشاعرة على مر العصور كانوا يسعون لهذا اما السلفية فلا يسعون لهذا ولا يستجيبون لمن يسعى لهذا الا ان تتبع ابن تيمية معتقدين انهم هم وحدهم الفرقة الناجية لان ابن تيمية اغلق عقولهم باسلوبه الفلسفي كما سيأتي الحديث عنه مع ان الاشاعرة اقرب منهم الى الصواب في كثير من المسائل الخلافية وان كانوا مخطئين في عدد منها اما قول النبي صلى الله عليه وسلم كلها في النار فليس معناه انها ستدخل النار بالضرورة ولكن معناه ان من يخالف امر الله عز وجل في امره للامة بالجماعة ويؤصل للتفريق ويذكيه فان هذا الفعل يوجب دخول النار ولكن من الممكن ان يغفر الله تبارك وتعالى لمن يفعل هذا ولا يدخله النار
الخطأ التاسع
فهمه الخاطئ هو والامام احمد بن حنبل لمعنى الخروج على السلطان وفهموه على انه لا يجوز العمل على عزل السلطان والصحيح ان معنى الخروج على السلطان هو التمرد على اوامره وعدم طاعته وليس عدم جواز العمل على عزله فان امر النبي صلى الله عليه وسلم للرعية بطاعة الوالي لا يجوز اعتباره مطلقا فان لم يكن الخليفة معينا بطريقة شرعية فلا ينطبق هذا الحديث على الرعية لان وجوب طاعة الرعية للوالي مشروط بكون الوالي معينا بطريقة شرعية كما قال الله عز وجل
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59
فان الطاعة مشروطة بكون الوالي من المؤمنين وان اعتباره من المؤمنين مشروط بكونه معينا بطريقة شرعية أي ان يكون الخليفة من قريش وان يكون معينا من قبل اهل الحل والعقد شورى بينهم وليس كما هو الحال عندنا اليوم من النظام الملكي اوالاميري اوكما يسمونه الديمقراطي فان هذه الطرق كلها غير شرعية وان الطريقة الشرعية التي يعين فيها الخليفة والتي كان عليها الصحابة رضي الله عنهم هي الشورى بين اهل الحل والعقد ويجب على اهل الحل والعقد متابعة الخليفة وتقويمه وان ظلم وفجر وفسق فلا طاعة له ووجب عزله لان ظلمه وفجوره وفسوقه فساد والله لا يحب الفساد وان ابى وجب عزله بالقوة ولكن بغير فساد وتخريب للبلاد وقتل للعباد فلا يجوز تطبيق الشرع من جانب واحد ليطبق على الرعية ولا يطبق على الوالي اما كون الخليفة او الوالي معينا بطريقة غير شرعية ومن يخرج عليه يحكم عليه بانه من الخوارج كما يقول به ابن تيمية فهذا ليس من الشرع في شيئ فقد عاب الله عز وجل على اليهود انهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض
الخطأ العاشر
قوله هو والامام احمد بن حنبل بوجوب الجهاد مع كل بر وفاجر فهذا خطأ لان الفاجر يفتقد الى الغرض الذي شرع من اجله الجهاد وهو اعلاء كلمة الله فان كان الوالي فاجرا فلا يمكن اعتباره مجاهدا في سبيل اعلاء كلمة الله وبهذا يبطل وجوب الجهاد معه الا ان يكون دفعا لعدوان على ديار المسلمين وقد اخطأ كثير من المسلمين في فهم معنى الجهاد وفهموه على انه القتال فمن المسلمين من عنده من المال ما يستطيع به ان يجاهد في سبيل الله باعانة من هو بحاجة الى المال لتدبير امور معيشته ولكنه لا يبذله في هذا السبيل ولا يعمل على سد حاجات المحتاجين اما ان كان قتالا فتراه يسارع اليه حتى وان لم يكن شرعيا والصحيح ان الجهاد الذي امر به الله سبحانه وتعالى هو كل مال او جهد يبذل في سبيل الله واعلاء كلمته وتطبيق شرعه وطاعته وليس القتال فقط وهو على درجات ورب جهاد بغير قتال خير من جهاد بقتال
وهناك اخطاء اخرى لابن تيمية ولكن اكتفي بما ذكرت
الفصل الثالث
اسلوب ابن تيمية
الاسلوب الاول
اعتماده طريقة التكرار للتأثيرعلى فكر القارئ في التسليم لصحة ما يكرره فهو يكرر كلمة السلف تكرارا كثيرا ليحقق من هذا التكرار قناعة لدى القارئ وكأن اجماع السلف على ما يقول مسالة مسلم بصحتها ليكون قوله حجة على مخالفيه وعند التحقيق تجد ان السلف لم يكونوا مجمعين على ما يقول وكانوا مختلفين في عدة مسائل
الاسلوب الثاني
اعتماده طريقة رمي المخالف بالبدعة بحق وبغيرحق ليخلق لدى القارئ صورة سيئة لمخالفيه تجعله ينفر كلامهم جملة وتفصيلا حتى وان كان منه ما هو صحيح وليبعد الشك لدى القارئ باحتمال ان يأتي هو ببدعة ولدى التحقيق تجد ان اقوال مخالفيه منه ماليس بدعة وتجد ان من اقواله ومنهجه ما هو بدعة
الاسلوب الثالث
اعتماده طريقة الاسهاب والتشعب في الكلام والانتقال من موضوع الى اخر ويزيد زيادة مفرطة من ذكر الايات والاحاديث عند الاستشهاد بها ويكثر من ذكر اقوال مخالفيه بغير داع بدلا من تبويب الكلام واختصاره وعدم التشعب فيه والتركيزعلى مايخص الموضوع الذي يتحدث عنه ليسهل فهمه كما هي طريقة الصحابة رضي الله عنهم في الكلام وطريقة كل العلماء الحريصين على تفهيم السامع او القارئ للمسائل الشرعية الذين يتحدثون عنها ولكنه يعتمد هذا الاسلوب لتحقيق عدة اغراض
اولا:- من المعروف ان ابن تيمية حافظ للقران الكريم وللسنة النبوية ومطلع اطلاعا واسعا على اقوال الفرق الاسلامية وعلى اقوال اليهود والنصارى واقوال الفلاسفة واحوال الناس وعلى اللغة العربية والادب العربي والتاريخ وغيرها من العلوم وهذا واضح في كلامه ولذلك فان ابن تيمية عند الكلام عن موضوع معين لا يحصر كلامه في مايخص الموضوع الذي يتحدث عنه ولكنه يتخذ من اسلوب الاطالة والاسهاب والتشعب والانتقال من موضوع الى اخر ليحشر ماعنده من الحفظ حشرا لا علاقة له في الموضوع الذي يتحدث عنه حتى انك لا تكاد تجد في عدة صفحات من كلامه الا جملا محدودة لها علاقة بالموضوع الذي يتحدث عنه وذلك ليبهر القارئ بما عنده من الحفظ ليخلق انطباعا لدى القارئ بانه ذا علم واسع ليكون له اثر على عقل القارئ فيخلق عند اصحاب العقول المحدودة الذين لا يستطيعون تمييز الكلام قناعة وهمية بصحة ما يقول استنادا الى انبهارهم بهذا العلم وليس استنادا الى القيمة العلمية الحقيقية التي ترد في كلامه وهذا ما اصيب به السلفية حيث انهم انبهروا بكلام ابن تيمية انبهارا طغى على عقولهم فرفعوا قدر ابن تيمية رفعة مفرطة واعتبروا كلامه لا تدانيه العقول فطغى على عقولهم واغلقها وجعلها لا تفهم القران الكريم والسنة النبوية والعلوم الشرعية الا من خلال فهمه هو لها فتولدت عندهم قاعدة وقناعة وهمية مفادها ان ما قال به ابن تيمية فهو حق وما خالفه فهو باطل بغير علم فاصبحوا قوما لا يفقهون فاذا ما ناقشت سلفيا في مسالة شرعية لا يدري ان ابن تيمية له قول فيها وجئته بادلة شرعية تثبت قولا يخالف قول ابن تيمية واقتنع بها ثم تبين له بعد ذلك ان ابن تيمية له قول فيها يخالف قناعته فانه يعدل عن قناعته ويسلم الى قول ابن تيمية بغيرعلم فاحتمال خطأ ابن تيمية غير وارد عند السلفية فاذا ما قلت لسلفي ان ابن تيمية اخطأ في مسالة ما فلا يحتج عليك بالادلة الشرعية ولكن يحتج عليك بان ابن تيمية فوق الذرى وجبل اشم لا تنال منه السهام ولا تدرك علمه العقول وغيره من كلام الاعجاب فجعلوا الدين وسيلة لتعظيم ابن تيمية بدلا من الصحيح وهو ان يكون العلماء وسيلة لتعظيم الدين والحقيقة انه اذا ما استبعدنا من كلام ابن تيمية ما هو شبيه بكلام الفلاسفة وما كان يحفظه فان قيمة كلامه العلمية بين العلماء في المسائل الشرعية لا ترقى ان تكون وسطا فكلامه مليئ بالاخطاء والمغالطات كما بينته سابقا
ثانيا:- يعتمد اسلوب الاسهاب والتشعب والانتقال من موضوع الى اخر ليحشو ما يريد حشوه من المغالطات في ثنايا الكلام ليصعب تمييزها فياخذها القارئ وكانها مسلم بصحتها
ثالثا:- من المعروف عن كل العلماء انهم يتبعون طريقة التبويب والفصول وعنونة المواضيع في كلامهم ليسهل فهمه على القارئ فاذا تكلم احدهم عن موضوع ما واوجز فيه وكان لهذا الموضوع تفصيل في موضع اخر فانهم يشيرون الى ذلك الموضع بذكرعنوانه لمن اراد التفصيل لكن ابن تيمية شذ وانفرد في طريقة كلامه فاتبع طريقة بعثرة الكلام وعدم تبويبه وعنونة مواضيعه والاكثار في ثناياه من عبارة ( بسطنا الكلام في غير هذا الموضع ) بغير ذكر عنوان لهذا الموضع ويقول هذه العبارة بعد ما يسهب في الكلام عن الموضوع ليقول للقارئ بانه بعد كل هذا الكلام هناك كلام اوسع فيوحي اليه بانه ذوعلم واسع ولكن عند التحقيق لا تجد موضعا مخصصا لبسط الكلام عن أي موضوع من المواضيع فالكلام متشابه في كل المواضع واينما قرأت تجد هذه العبارة وكذلك يعتمد طريقة خلط الكلام بعضه ببعض فيخلط كلامه بكلام من يوافقهم في الكلام ومن يخالفهم فيورد كلامه بطريقة موهمة بحيث يكون فيها الكلام قابلا لان ينصرف له ولغيره وقابلا لان ينصرف فيه المعنى للاقرار والانكار وذلك ليستطيع التفلت من المغالطات في كلامه عند الزامه بها من قبل مخالفيه
رابعا:- لقد كان من اقوال مخالفي ابن تيمية ما هو كفر ومنه ما ليس كفرا ولكن ابن تيمية غلا في تكفير مخالفيه فحمل من اقوالهم ماليس كفرا على انه كفر ولكنه يكفرهم بالتضمن وليس بالتصريح واضرب مثلا لتوضيح هذا الاسلوب فاقول هب ان احدا اسمه جلاجل وجلاجل هذا يرتدي ملابس سوداء ويلبس خاتما من ذهب ويضع على راسه قلنسوة ويلبس نعلين من جلد فيقول قائل ان لبس الملابس السوداء كفر وان لبس الذهب كفر وان وضع القلنسوة على الراس كفر وان لبس النعلين من جلد كفر ثم بعد ذلك يقول القائل انا لا اقول بان جلاجل كافر وهذا الاسلوب هو الذي يتبعه ابن تيمية مع مخالفيه فانه يكفرهم ضمنا ولكنه عند التصريح يقول باننا لا نكفر احدا ليتفلت من تهمة الغلو في التكفيرفعند ذكره لاقوال مخالفيه يصفهم بانهم يتبعون الكفار والمشركين واليهود والنصارى والمجوس فاثرهذا الاسلوب على اتباعه فحشاهم غلا وبغضا على مخالفيهم من حيث لا يشعرون مما جعلهم يستبيحون دماء واموال واعراض مخالفيهم وتخريب بلادهم كما فعل محمد عبد الوهاب وابن باز وسياتي الحديث عن هذا في اثر ابن تيمية
خامسا:- اتبع هذا الاسلوب ليصنع مجدا له بين الناس اكثر من فائدته للمسلمين وكل هذه الاساليب التي ذكرتها اخذها ابن تيمية عن الفلاسفة وبسببها اختلف العلماء فيه فمنهم من يستطيع تمييز كلامه فيقيمه استنادا الى مضامين كلامه ومنهم من لا يستطيع تمييزها كما هو حال السلفية فيقيمونه استنادا الى الى ماهو مصرح به
الفصل الرابع
اثرابن تيمية
كان لفكر ابن تيمية اثرا منه ماهو حسن ومنه ما هو سيئ فمما هو حسن هو دعوته الى عدم الابتداع عموما والتأسي بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ومحاربته للمعتزلة الذين جعلوا العقل وسيلة للحكم على الامور الشرعية وشرطا للتسليم لها بدلا من الصحيح وهو ان يكون العقل وسيلة لفهم الامور الشرعية بعد التسليم لها ومحاربته للمنحرفين من الصوفية في مسالة زيارة القبور وغيرها من المسائل المخالفة للشرع ومحاربته للشيعة واحياءه لاحكام الطلاق الصحيحة اما ما كان سيئا فهي بدعه واخطاؤه التي كانت سببا في تضليل المسلمين واذكاءا للتفريق بينهم ومنها ماكان له اثر سيئ على الامة في تاريخها الحديث والمعاصرفان من الطرق التي يعتمدها الانكليز في سياستهم لتحقيق اغراضهم الشريرة في المنطقة هي طريقة توظيف الافكار فعندما عرف الانكليز ان الشيعة يتبعون مراجعهم بطريقة عمياء فقدعمدوا الى صناعة المراجع الشيعية في العراق للسيطرة على الشيعة وتوظيفهم لمصلحتهم فصنعوا الخوئي والخميني وغيرهم واخرهم السيستاني فعندما ارادوا غزو العراق امروا السيستاني باصدار فتوى بعدم جواز مقاتلة الامريكان فلم يقاتلهم الشيعة ومازالوا يستخدمونه في سياستهم في العراق لتحشيد الشيعة على السنة ومن يعتبر السيستاني صناعة ايرانية فهو واهم اما سياسة الانكليزمع السنة فان الانكليز كانوا يحاربون الدولة العثمانية وكان العثمانيون مسلمين صوفية فكانوا يعظمون قبور الصالحين ويقومون على زيارتها بطريقة مخالفة للشريعة الاسلامية وكان ابن تيمية معارض لهذه الطريقة ومحارب لها وهو محق في هذا ولكن لا يجوز الحكم على كل من قام بزيارة القبور بهذه الطريقة بانه مشرك كما فعل محمد عبد الوهاب ففي هذه المسالة تفصيل لسنا بصدد ذكره ولكن المقصود هو الاشارة الى الفرق بين الافكار فاقول لقد وجد الانكليز في فكر محمد عبد الوهاب الذي استقاه من فكر ابن تيمية ما يخدم مصلحتهم وانا لا استبعد ان يكون الانكليز هم من انشأوا محمد عبد الوهاب هذه النشأة بطريق مباشر او غير مباشر ليوظفوا فكره لمصلحتهم فقد استغل الانكليز اربع نقاط في عقيدة محمد عبد الوهاب ووظفوها لمصلحتهم وهي
1:- عقيدة الفرقة الناجية
2:- اعتقاده بان زوار القبور مشركين
3:- اباحته لقتل المسلمين بحجة محاربة البدعة
4:- فهمه الخاطئ لمعنى الخروج على السلطان
فلما اراد الانكليز القضاء على الدولة العثمانية والسيطرة على المنطقة عمدوا الى دعم محمد عبد الوهاب بالمال والسلاح بواسطة محمد بن سعود لمحاربة العثمانيين واستنادا الى عقيدته الخاطئة التي استقاها من فكرابن تيمية اعتبر نفسه واتباعه هم الفرقة الناجية وزوار القبور مشركين فاستباح دماء واموال واعراض المسلمين بغيرحق بحجة محاربة البدع والخرافات واحياء السنة ولو كان هذا صحيحا لما اصبحت السعودية موالية لبريطانيا بواسطة ملوكها الذين دعمتهم فقد ظلت بريطانيا تدعم هذه الحركة حتى قضت على الدولة العثمانية ونصبت عبد العزيز آل سعود ملكا على السعودية واخذت منه عهدا ابرمته معه بواسطة السير بيرسي كوكس تدعى معاهدة بيرسي كوكس جاء فيها ما يلي ( اني الملك عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية اقر واعترف بانه لا مانع لدينا من اعطاء فلسطين للمساكين اليهود واننا لن نخرج عن رأي بريطانيا حتى تصيح الساعة ) وبما ان السلفية يحرمون الخروج على السلطان حتى وان كان فاجرا استنادا الى قول الامام احمد بن حنبل وفكر ابن تيمية فقد ضمنت بريطانيا لعبد العزيز وذريته بقاءهم في السلطة وبهذه الطريقة وظفت بريطانيا السلفية في السعودية لمصلحتها فاستخرجت النفط وبنت اقتصادها على النفط السعودي وعلى اشتثماراموال الملوك والاغنياء السعوديين في بنوكها فاصبحت السعودية مصدر قوة لبريطانيا ومصدر ضعف للدول العربية والاسلامية والتي هي بالاصل لها حق ونصيب في النفط السعودي حسب احكام الشريعة الاسلامية فان لمصر والاردن والصومال والمغرب وغيرها حق ونصيب في النفط السعودي بقدر حق ونصيب السعودية وقد بينت هذا في موضوع نشرته على الانترنيت بعنوان احكام التمليك في الشريعة الاسلامية وكذلك فان بريطانيا اتخذت من ملوك السعودية اداة لتنفيذ مخططاتها في المنطقة فعندما اراد النصارى غزو العراق ومن اجل المحافظة على استقرارالاقتصاد في العالم امرت بريطانيا ملك السعودية قبل الغزو بزيادة انتاج النفط حتى بلغ تسعة عشر مليون برميل يوميا وافتى ابن باز بجواز الاستعانة بالاجنبي لانه يحمل نفس فكر محمد عبد الوهاب ففتحت السعودية ارضها التي اجلاهم منها عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لقواعدهم العسكرية فاعانت السعودية النصارى على غزوالعراق فعاثوا فيه الفساد وخذلت السنة فيه لان السلفية لا يرونهم من الفرقة الناجية وعندما قام الشيعة بالاضطرابات في البحرين امرتها بريطانيا بارسال قوات عسكرية الى هناك للقضاء على الاضطرابات ولكن عندما سيطر الشيعة الحوثيون على اليمن وخربوها لم تنتصر السعودية للسنة هناك وخذلتهم لان بريطانيا لم تامرها بذلك وكذلك في سوريا وليبيا وعندما ارادت بريطانيا تخريب مصر اعتبرت السعودية الاخوان المسلمين ارهابيين وخوارج فهي توظف احكام الشريعة تبعا لما تمليه عليها بريطانيا فصحيح ان ما يقوم به الاخوان المسلمون من قتل وتخريب هو مخالف للشريعة الاسلامية ولا يرضي الله ورسوله بل يغضب الله قال الله عز وجل { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93 وان زوال الدنيا اهون عند الله من قتل رجل مسلم كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم فالاخوان المسلمون مخطئون ولكن لا يجوز وصفهم بالخوارج لان الحكومة المصرية لم تتسلم الحكم بطريقة شرعية كي يحكم على من حاربها بانه من الخوارج ولكن اقتناعهم بضرورة عودة مرسي الى الحكم واتباعهم لطريقة القتل والتخريب من اجل تغيير الحكم ليست شرعية وفي هذه المسالة تفصيل لسنا بصدد ذكره وانا لا استبعد ان تكون بريطانيا هي التي انشأت حسن البنا ودعمته لتوظيف فكره لمصلحتها كما فعلت مع محمد عبد الوهاب وان كلمة ارهابيين ليس لها اصل في احكام الشريعة الاسلامية ولكنه مصطلح اطلقه النصارى على كل من لا يسير في ركبهم وينفذ مخططاتهم الشريرة فانني اوجه ندائي الى الاخوان المسلمين واقول لهم اتقوا الله في انفسكم وفي بلدكم وفي اخوانكم المصريين حكومة وجيشا فانهم اخوانكم في الدين والعروبة وان الحكومة لم تعتد عليكم الا بعد ان اعتديتم انتم على مصالح الناس وممتلكاتهم وان مرسي والسيسي كلاهما تسلم السلطة بطريقة الانتخابات أي بطريقة مخالفة للشرع وان السيسي من المسلمين وهو اصوب من مرسي في ادارة البلاد وفي دفع مايخطط لها لتخريبها فعليكم مؤازرته وعليكم الحفاظ على الجيش المصري العربي الاصيل قويا معافى للحفاظ على امن البلد والدفاع عن الامة العربية والاسلامية لما يحيط بها من مخاطر واوجه ندائي الى الحكومة المصرية واقول لها كوني اما للاخوان المسلمين واعملي على دفع اذاهم وتصويب افكارهم ولا تعاديهم فانهم مسلمون مخطئون ولا تعادي تركيا وقطر فانهم مسلمون وان كانوا مخطئين واعملي على محاربة من يسمون انفسهم بالتنويريين بما تستطيعين فانهم ليسوا تنويريين بل هم تظليميون تضليليون فاسقون وهم جنود ابليس لان طريقة تفكيرهم كطريقة تفكير ابليس فانهم يقيسون الدين بعقولهم كما قاس ابليس ويتخذون الدين هزوا وانهم فتنة والفتنة اشد من القتل وانا لا استبعد ان يكونوا صناعة بريطانية واوجه ندائي الى الازهر الشريف ان يقوم بمهمة الاصلاح بين الاخوان المسلمين والحكومة المصرية لان الجميع مسلمون وان يحثوا الحكومة المصرية على محاربة التضليليين الفاسقين وان مصر في قلوب كل العرب والمسلمين وهي ام لهم ويحز في قلوبنا ما يحصل فيها وان الازهر الشريف اهل لهذه المهمة السامية ومن الله التوفيق اعود الى الموضوع فاقول ان السعودية حكمت على الاخوان المسلمين بانهم ارهابيين وخوارج تبعا لما املته عليها بريطانيا وليس اتباعا للشرع ومنعتهم من دخول اراضيها حتى ان كان لاداء فريضة الحج ولكنها بالمقابل تسمح بدخول اراضيها للشيعة المنافقين الذين من علمائهم من هم مشركين وقد حرم الله عز وجل على المشركين دخول المسجد الحرام فمن الاوجب على السعودية محاربة ايران ووقف توسعها وسيطرتها على البلاد الاسلامية في العراق واليمن وغيرها وليس محاربة الاخوان المسلمين وكذلك استفادت بريطانيا من عقيدة السلفية بانهم الفرقة الناجية فوظفتها لاذكاء التفريق بين المسلمين لانهم يرون مخالفيهم غير ناجين وكذلك شاركت السعودية في صناعة داعش في العالم من خلال نشرها لفكر ابن تيمية بين المسلمين في العالم فاستقاه منه داعش وهناك قضايا اخرى قامت بها السعودية تنفيذا لمخططات بريطانيا في المنطقة وكذلك وظفت بريطانيا امراء الكويت لمصلحتها كما فعلت في السعودية فاصبحت محاربة البدعة التي يتحجج بها السلفية ذريعة للقضاء على كل من لا يوالي بريطانيا من المسلمين اما من يوالي بريطانيا فليس مبتدعا حتى وان كان نظام حكمه ملكيا مبتدعا وكان الوالي فاجرا وخائنا لامته وحتى ان خالف حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ان الائمة من قريش
سيحاسب امام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة محمد عبد الوهاب عما فعل بالمسلمين وسيحاسب ابن باز وملك السعودية عن كل من قتل من الرجال والنساء والاطفال في العراق وغيره من البلاد الاسلامية لانهم شركاء في قتلهم وتخريب بلادهم وسيحاسبون عن موالاتهم للنصارى وخذلانهم للمسلمين وخيانتهم لامتهم وسيحاسب علماء الدين في السعودية عن مبايعتهم لملوكهم الموالين للنصارى
فكان لفكر ابن تيمية اثرا سيئا على الامة الاسلامية من الناحية السياسية والشرعية فالسلفية لا يريدون الامن والامان الا لانفسهم وبلدهم حتى وان كان على حساب دمار كل البلدان الاسلامية غير السلفية اما من الناحية الشرعية فكما ذكرت سابقا فان اسلوب ابن تيمية اغلق عقول السلفية وجعلهم لا يفقهون واذا انكر السلفية قولي هذا عنهم فانني اوجه سؤالا شرعيا الى كل السلفية سواءا كانوا من كبارعلمائهم او من الاصوليين في جامعاتهم وعامة علماءهم واقول لهم يبينوا للناس فقه الزكاة ان كنتم صادقين بمعنى على أي اصل بنيت الزكاة وبمعنى اخر ما هو الاصل الذي فرض الشرع بموجبه حقا للفقراء في اموال الاغنياء مع ان الفقراء لم يشاركوا الاغنياء في اموالهم علما ان الزكاة هي الركن الثاني من اركان الاسلام ولكنه لا يعرف هذا الاصل لا ابن تيمية ولا كبار علماء السلفية ولا الاصوليون منهم ولا عامة علمائهم ولا مبينا في فقه الامام احمد بن حنبل
فليعرفوا هذا ان كانوا يفقهون
فهذا هو فكر ابن تيمية وهذا اسلوبه وهذا اثره
اسال الله لي وله ولجميع المسلمين العفو والعافية والمغفرة انه هو السميع المجيب
اللهم اسالك العون لكل من يسعى في صلاح الامة ووحدتها ويسر امره ووفقه فانه منك العون والتوفيق وبيدك الخير وانك على كل شيئ قدير
والحمد لله رب العالمين