ابراهيم البيومي ومونتجمري وات والوعي الغربي عن الإسلام، مقال للدكتور البيومي نُشر اليوم

طارق منينة

New member
إنضم
19/07/2010
المشاركات
6,330
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الوعي الغربي المسيء للإسلام
د.إبراهيم البيومي غانم
وقعت أحداث عنف ومصادمات جديدة بين المتظاهرين وقوات الشرطة في أنحاء متفرقة من العالم الإسلامي يوم الجمعة (12/9/2012) بعد أن نشرت مجلة «تشارلي إبدو» الفرنسية صباح يوم الأربعاء (19/9/2012) رسوماً جديدة مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، متحدية مشاعر مليار ونصف مليار مسلم، غير عابئة بالعواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على نشر هذه الرسوم. وجاء هذا النشر الجديد المسيء في الوقت الذي ما تزال فيه الشعوب الإسلامية تنتفض للتعبير عن غضبها من «الفيلم» الأمريكي المسيء للرسول صلى الله عليه!
تحسباً لردة فعل الشارع الإسلامي على تلك الرسوم، قامت الحكومة الفرنسية بإغلاق مقراتها الدبلوماسية ومراكزها الثقافية ومدارسها في عشرين دولة عربية وإسلامية. وقامت دول غربية أخرى باتخاذ تدابير وقائية متنوعة؛ لتفادي ردات الفعل الغاضبة أيضاً. وتوالت تصريحات المسؤولين الحكوميين في أوروبا وأمريكا تتناول القضية من زاوية واحدة فقط تزيد من غضب الشارع الإسلامي، وهي «أن حرية التعبير خط أحمر»، ولا يجوز تقييدها على أي نحو كان. في حين يتناسى أولئك الساسة أن أياً منهم لا يجرؤ على أن يمس قضية «الهولوكوست» مثلاً بأدنى تشكيك، وإلا تمت جرجرته إلى المحاكمة بتهمة معاداة السامية.
إن صناع تلك الإساءات المتكررة لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم وللقرآن الكريم أيضاً، لهم أهداف مغرضة علينا أن نكون على وعي بها، فهم يريدون من جهة أن يرسلوا رسالة إلى شعوبهم -قبل أن تكون إلى شعوبنا العربية والإسلامية- تذكرهم أن لهم «عدواً» اسمه الإسلام، وأن عليهم أن يظلوا يقظين ومتأهبين باستمرار لمواجهته! ويريدون من جهة أخرى إثارة الفوضى، وإشعال نيران العنف في طول بلاد المسلمين وعرضها، وخاصة في بلدان الربيع العربي حتى لا تتمكن من الوقوف على أقدامها، وكي تظل عاجزة عن إعادة بناء قوتها. وهم يريدون، من جهة ثالثة أن يستفزوا المشاعر الطائفية ويشعلوا نار الفتن الدينية بين الأغلبيات المسلمة والأقليات المسيحية في البلدان الإسلامية والعربية.
لا تختلف تصريحات الساسة الأمريكيين عن تصريحات نظرائهم الأوروبيين، ولا عن الأفعال التي يقوم بها صناع الأفلام والرسوم المسيئة إلا في الشكل فقط. فجميعهم متفقون على أن ما يقومون به أمر عادي ولا غضاضة فيه. وقد سمعنا بعض الساسة الأمريكيين يقولون إن تلك الأعمال المسيئة غير مقبولة، أو «مقززة» (تصريح هيلاري كلينتون)، ولكنهم يستدركون بالمسارعة إلى نفي أن تكون هذه الإساءات مبررة لمنعها، أو مسوغة للعنف الذي جاء رداً عليها. وسمعنا بعض الساسة الفرنسيين وهم يعلنون تحفظهم على الرسوم التي نشرتها مجلة «تشارلي إبدو» (جان مارك رئيس وزراء فرنسا)، ولكنهم استدركوا على ما أعلنوه بسرعة بالقول: إن من يتضرر من مثل هذه الرسوم عليه أن يلجأ إلى القضاء!
ما يبعث على الريبة في تصريحات أولئك المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين هو أنهم في الوقت الذي يحاولون فيه الظهور بمظهر عقلاني براجماتي، يتغافلون عن «الواقع» الفعلي المفترض أن يشكل أساس نظرتهم العقلانية البراجماتية للأزمة المتفجرة. فوزيرة الخارجية الأمريكية تعرف تماماً أن ردات الفعل الغاضبة لن تتوقف، وأن ضحاياها سيزداد عددهم، رغم رفضنا العنف كوسيلة للتعبير عن الغضب. ويعلم رئيس وزراء فرنسا أيضاً أن أحدا لن يلجأ إلى القضاء الفرنسي لملاحقة المجلة المسيئة؛ لسبب بسيط هو أن القانون الفرنسي لا يجرم مثل هذه الإساءات، بل يعتبرها نوعاً من أنواع «حرية التعبير» التي تقدسها الجمهورية الفرنسية.
لا أظن أن هذا «الواقع» غائب عن وعي هؤلاء الساسة الأمريكيين أو الأوربيين عندما يدلون بمثل تصريحاتهم تلك، وهم يحاولون دوماً أن يصوروا المشكلة على أنها «تعارض بين مبدأ الحرية» الذي يقدسونه، و»العقيدة» التي يؤمن بها المسلمون. وهذا تصوير مغلوط جملة وتفصيلاً؛ ليس لأن الحرية يجب أن تنتهي عندما تبدأ حريات الآخرين كما يقول فلاسفتهم ولا يلتزمون هم بذلك، وإنما لأن عقيدة الإسلام هي التي أرست معنى «الحرية»، وفتحت الطريق إليها من كل جهة، وهي التي جعلت حق الإنسان في الحرية أغلى وأبقى من حقه في الحياة ذاتها. وأن الإنسان يمكنه إدراك جوهر الحرية فقط عندما يتحرر من كل شيء سوى عبوديته لله سبحانه وتعالى. ومن هنا تصبح «الحرية» حرية حقيقية نابعة من أعماق الروح الإنسانية، وليست مجرد محصلة لعلاقات القوة على النحو الذي يشير إليه معناها في الفلسفة الغربية الحديثة.
إذن، المشكلة بيننا وبينهم ليست كامنة في التعارض بين حريتهم وعقيدتنا. وإنما هي كامنة في أعماق الوعي الغربي ذاته تجاه الإسلام خاصة، وتجاه الدين عامة، بل تجاه الآخر الذي لا ينتمي إلى الحضارة الغربية ويرفض الانصهار فيها، ويأبى أن يتخلى عن هويته الذاتية.
مكمن المشكلة هي في «الوعي الغربي» ذاته، وهذا الوعي قد ارتسمت في أعماقه صورة شائهة عن الإسلام ونبيه الكريم وكتابه العظيم منذ كانت أوروبا تعيش في عصورها الوسطى. والذي يقول ذلك هو «مونتجمري وات»، وهو أحد أهم المستشرقين المعاصرين الذين درسوا الإسلام وحضارته بتوسع ولسنوات طويلة. ولهذا المستشرق كتاب أصدرته جامعة إدنبرة عام 1972 بعنوان:
“The Influence of Islam on Medieval Europe”
وهو يقول في الفصل السادس منه إن صورة الإسلام في العصور الوسطى تحددت في أربع نقاط رئيسية هي:
1- أن الدين الإسلامي أكذوبة وتشويه متعمد للحقيقة، والسبب في رأي «وات» هو «أن مفهوم الأوروبيين في العصور الوسطى عن العالم والإنسان والرب كان شديد الارتباط بمفاهيم الكتاب المقدس؛ بحيث لم يكن في وسعهم أن يدركوا إمكان توفر صياغات بديلة للتعبير عن هذه المفاهيم، وبالتالي كلما اختلفت تعاليم الإسلام مع تعاليم المسيحية، قيل إن الأولى زائفة بالضرورة». وضرب مثلا بما ذهب إليه القديس توما الإكويني، فرغم ما يقال من أنه من أكثر علماء اللاهوت المسيحي اعتدالاً(!) إلا أنه أصر على أن محمداً صلى الله عليه وسلم خلط الحق بالباطل، وأن الكتاب المقدس وحده هو التعبير النقي الذي لا تشوبه شائبة عن الحقيقة الإلهية.
2- أن الإسلام دين العنف وأنه انتشر بالسيف، بل يعتقد الأوروبيون أنه يدعو إلى السرقة من أعداء الله ورسوله وأسرهم وقتلهم.. إلخ. ويقول وات إنهم أرادوا بتلك الصورة الإيحاء بأن الإسلام مخالف للمسيحية، باعتبارها دين سلام انتشر بالإقناع. ثم يقول وات أيضاً: «ومن الغريب أن يصدق الرجال الذين شاركوا في الحروب الصليبية أن دينهم دين سلام، وأن دين خصومهم (المسلمين) دين عنف!».
3- أن الإسلام دين يطلق لشهوات المرء العنان، وخاصة الشهوة الجنسية. ويقول وات: «إن من الكتاب الغربيين من كان يعلم أن الإسلام لا يبيح الزواج بأكثر من أربع نساء، ومع ذلك كتب يقول إن الحد الأقصى هو سبع أو عشر نسوة». ويقول أيضاً: «كثيرا ما ترجموا آيات قرآنية بحيث توحي بمعنى جنسي منفر، والآيات بريئة من ذلك». ثم يخلص إلى أن الهدف من هذا التشويه كان الغرض منه هو الإيحاء بأن العالم المسيحي يكبح جماح شهواته، بينما الإسلام يدعو إلى إطلاق الشهوات من عنانها.
4- أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو المسيح الدجال، حيث لم يكتف بعض الدارسين الأوروبيين للإسلام بالزعم أن القرآن يحوي الكثير من الكذب، وأن محمداً ليس بنبي -كما يقول وات أيضاً وحاشا لله- وإنما ذهبوا إلى القول بأن الإسلام هرطقة مسيحية، وأن من الواجب اعتبار المسلمين كفرة. وبهذا جعل الأوروبيون الإسلام والمسيحية على طرفي نقيض». (انتهى كلام مونتجمري وات، وقد نقلناه من كتابه المشار إليه باختصار).
لقد حاول مونتجمري وات أن يبرهن على أن تلك الصورة المشوهة عن الإسلام ورسوله كانت بنت العصور الوسطى فقط، وأنها تغيرت كثيراً في العصر الحديث. ولكن ما نراه من تكرار الإساءات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القرآن الكريم، وسماح المجتمعات الغربية ببث الكراهية تجاه المسلمين وعقيدتهم تحت غطاء «حرية الرأي التعبير»، كل ذلك يبرهن على أن شيئاً لم يتغير في تلك الصورة التي نقلها لنا وات من تلافيف الوعي الأوربي في عصوره المظلمة. ويؤكد أيضاً أن هذا «الوعي» هو ما يجب أن يتغير، وإلا فإنه سيظل ينتج مثل هذه الإساءات دون توقف.
الوعي الغربي المسيء للإسلام
 
الصورة تغيّرت فعلا أستاذنا منينة لكن ليس عند الجميع أي أن الخلفية الفكريّة والفكرانيّة تلعب دورا مركزيّا في صيغة وتصييغ هذه الصورة. هناك خوف من الاسلام سببه المثلثي: الاعلام الامبريالصهيوماسوني، تصرفات بعض المسلمين والمستوى الانحطاطي الذي وصلت اليه المجتمعات الاسلامية. هذا الخوف يستغله السياسيون من القومية الاصولية أو اليمين المتطرف، وهنا لابد من نشر صورة للاسلام تتناغم وهذه الاسلاموفوبيا وتلك الصورة مطابقة للتي كانت في العصور الوسطى ولذلك نجد من هؤلاء من يعود إلى التاريخ يريد من خلاله إثبات الصراع بين الاسلام و ((الغرب)) فتراه يوظف صورة يقتبسها من تاريخ مضى لأنه، في نظرهم، تاريخ يعيد نفسه أي أننا دخلنا في حقبة جديدة من "أسلمة الغرب". هذه الصورة ليست هي نفسها التي نجدها عند التيارات السياسية الأخرى التي تتبنى وتنشر صورا أكاديمية للإسلام مع تعديل تتأثر فيه كل ومبادئه الفكرانيّة. أما الصورة الأكاديمية في ذاتها فيجب فيها الفصل بين الاسلاميات (دراسات تهتم بالاسلام بعيون لااسلامية) القديمة قبل الثورة و الاسلاميات ما بعد الثورة، والتي تهمنا هي الثانية أي التي تتدعي الحيادية وانفصالها عن النظرة المسيحية وتأثيراتها وهذه الصورة أيضا صور مختلفة لأن هناك مناهج مختلفة.

والنوع الثالث هو طريقة المهاجرين من البلدان الاسلامية المعادين لهذه البلدان أو للثقافات المهيمنة فيها بغض النظر عن الاسباب النفسية والدينية والفكرانية، إذ يصيغون صورة للاسلام متأثرة بواقع تلك البلدان أو بواقع هم عاشوه في تلك البلدان، وقد تجد منهم من يريد أن يربط ذلك الواقع بالنصوص الاسلامية حرفيا حينا وبتأويل غريب حينا آخر وهذا التأويل يتأثر بالأحكام المسبقة أي يجب يخرج الربط بما يناسب الحكم لهذا السبب أو ذاك. (عندكم من قبل آيان هيرسي علي وقصة ختان الاناث على عادات القرن الافريقي -مجرد مثال).
 
عودة
أعلى