عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة
New member
قوله تعالى
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ): التوبة [34]
قوله «يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان»: الأحبار العلماء، والرهبان أصحاب الصوامع.
حكاه السمرقندي عن ابن عباس.
قال القرطبي: والأحبار علماء اليهود. والرهبان مجتهدو النصارى في العبادة. انتهى
وقد بينت معناه بشيء من التفصيل؛ في الآية التي قبلها. بحمد الله.
قال الإيجي الشافعي: والمقصود التحذير من علماء السوء وعباد الضلال.
قوله «ليأكلون»: يأخذون.
قاله السيوطي.
نكتة:
فإن قلت كيف عبر عن الأخذ بالأكل؟
ج: قال الرازي: أن المقصود الأعظم من جمع الأموال هو الأكل، فسمي الشيء باسم ما هو أعظم مقاصده.
لطيفة:
العالم إذا ارتفق بأموال الناس عوضا عما يعلمهم زالت بركات علمه، ولم يطب في طريق الزهد مطعمه.
قاله القشيري.
قوله «أموال الناس بالباطل»: من كتب يكتبونها، والرشا في الحكم، وصكوك الغفران، وأخذهم المال من العامة ليرخصوا لهم في الدين...إلخ
قال صديق حسن خان: والباطل كتب كتبوها لم ينزلها الله فأكلوا بها أموال الناس، وذلك قوله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله).
قال الثعلبي: أي يأخذون الرشوة في أحكامهم ويحرفون كتاب الله ويكتبون بأيديهم كتبا يقولون: هذه من عند الله، ويأخذون بها ثمنا قليلا من سفلتهم، وهي المآكل التي كانوا يصيبونها منهم على تكذيبهم محمد صلى الله عليه وسلم ولو آمنوا به لذهبت عنهم تلك المآكل.
وجزم البيضاوي، والنسفي وغيرهما: أنه بالرشا في الأحكام.
قوله «ويصدون عن سبيل الله»: يصرفون الناس عن دين الله.
وقال الواحدي في الوسيط: ويصرفون الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال القرطبي: أي يمنعون أهل دينهم عن الدخول في دين الإسلام، واتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت ( عبدالرحيم ): قال غلام ثعلب: صد: أي: أعرض، وصد: ضج، وصد: منع، وصد: هجر.
وقال ابن منظور في اللسان: وصده عنه وأصده: صرفه.
وقال أيضا: الإعراض والصدوف. صد عنه يصد ويصد صدا وصدودا: أعرض.
قلت: ومنه قوله ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب ): أي صرفوا الناس عن دين الله.
وقوله ( فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه ): قال السمرقندي، والثعلبي: أعرض عنه. وزاد السمرقندي: مكذبا. وقال مكي: أعرض ولم يؤمن.
وقوله ( الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ): قال غلام ثعلب: يصدون: يعرضون.
وقوله عن المنافقين ( لووا رءوسهم ورايتهم يصدون وهم مستكبرون ): قال الطبري: ورأيتهم يُعْرضون عما دُعوا إليه بوجوههم.
وقوله ( رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ): قال غلام ثعلب: يعرضون عنك اعراضا.
وقوله ( وصدها ما كانت تعبد من دون الله ): أي وصرفها.
قوله «سبيل الله»: دين الله.
ومنه قوله تعالى ( فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين. الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ): قال الطبري: حاولوا سبيل الله وهو دينه أن يغيروه ...
قوله «والذين»: كلام مستأنف، وهو رفع على الابتداء.
قاله القرطبي.
قال السيوطي: مبتدأ.
قال الواحدي في الوسيط: أكثر المفسرين على أنه مستأنف...
قلت ( عبدالرحيم ): أي ليس بعطف على الأحبار والرهبان، إنما هو كلام جديد، لأن من العلماء من قال أن معنى قوله ( والذين ): هم الأحبار والرهبان.
قال القرطبي: لو أراد أهل الكتاب خاصة لقال: ويكنزون، بغير والذين.
وقال السمعاني: قال بعضهم: نزلت في أهل الكتاب، والأكثرون أنها نزلت في الكل.
قال القرطبي: وهو الصحيح.
قال الرازي: ويحتمل أن يكون المراد منه كل من كنز المال ولم يخرج منه الحقوق الواجبة سواء كان من الأحبار والرهبان أو كان من المسلمين.
قوله «يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها»: هم الذين لا يؤدون زكاة أموالهم.
وحكاه الرازي عن الأكثرين.
قال أبو حيان: ( يكنزون ): لا يؤدون الزكاة.
قال الراغب الأصفهاني: أي يدخرونها.
قال أبو السعود: أي يجمعونهما ويحفظونهما سواء كان ذلك بالدفن أو بوجه آخر.
قال السمعاني: الكنز هو المال المجموع.
قال الراغب: الكنز: جعل المال بعضه على بعض وحفظه. وأصله من: كنزت التمر في الوعاء.
قال القرطبي: الكنز أصله في اللغة الضم والجمع ولا يختص ذلك بالذهب والفضة.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أديت زكاته فليس بكنز.
حكاه الرازي.
قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: يكنزون الذهب والفضة: كل مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفونا. وكل مال لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا.
قال القاضي عبدالجبار: تخصيص هذا المعنى بمنع الزكاة لا سبيل إليه، بل الواجب أن يقال: الكنز هو المال الذي ما أخرج عنه ما وجب إخراجه عنه، ولا فرق بين الزكاة وبين ما يجب من الكفارات، وبين ما يلزم من نفقة الحج أو الجمعة، وبين ما يجب إخراجه في الدين والحقوق والإنفاق على الأهل أو العيال وضمان المتلفات وأروش الجنايات فيجب في كل هذه الأقسام أن يكون داخلا في الوعيد.
حكاه الرازي.
لطيفة:
أوجب الزكاة؛ وذلك سعي في تنقيص المال، ولو كان تكثيره فضيلة لما سعى الشرع في تنقيصه.
قاله الرازي.
قوله «في سبيل الله»: أي لا يأدون منها حقه من الزكاة والخير.
قاله السيوطي.
قوله «فبشرهم»: أخبرهم.
قاله السيوطي، والبغوي وغيرهما.
قال السمعاني: معناه: ضع هذا الوعيد موضع البشارة، وإلا فالوعيد لا يكون بشارة حقيقة.
وقال الواحدي في الوسيط: أي: اجعل الوعيد لهم بالعذاب موضع البشرى والنعيم.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ): قال مكي في الهداية: المعنى اجعل ما يقوم لهم مقام البشارة بالعذاب الأليم.
قوله «بعذاب أليم»: مؤلم.
قاله السيوطي.
قال أبو العالية ( رفيع بن مهران الرياحي ): الأليم الموجع في القرآن كله . وكذلك فسره ابن عباس، وسعيد بن جبير، والضحاك بن مزاحم، وقتادة وأبو مالك، وأبو عمران الجوني ومقاتل بن حيان.
قاله ابن أبي حاتم في تفسيره.
___________
المصدر:
ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير الطبري، تفسير ابن أبي حاتم،تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، التفسير الكبير للرازي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير البيضاوي، تفسير القرطبي، تفسير النسفي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير السمعاني، لطائف الإشارات للقشيري، الكشف والبيان للثعلبي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ): التوبة [34]
قوله «يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان»: الأحبار العلماء، والرهبان أصحاب الصوامع.
حكاه السمرقندي عن ابن عباس.
قال القرطبي: والأحبار علماء اليهود. والرهبان مجتهدو النصارى في العبادة. انتهى
وقد بينت معناه بشيء من التفصيل؛ في الآية التي قبلها. بحمد الله.
قال الإيجي الشافعي: والمقصود التحذير من علماء السوء وعباد الضلال.
قوله «ليأكلون»: يأخذون.
قاله السيوطي.
نكتة:
فإن قلت كيف عبر عن الأخذ بالأكل؟
ج: قال الرازي: أن المقصود الأعظم من جمع الأموال هو الأكل، فسمي الشيء باسم ما هو أعظم مقاصده.
لطيفة:
العالم إذا ارتفق بأموال الناس عوضا عما يعلمهم زالت بركات علمه، ولم يطب في طريق الزهد مطعمه.
قاله القشيري.
قوله «أموال الناس بالباطل»: من كتب يكتبونها، والرشا في الحكم، وصكوك الغفران، وأخذهم المال من العامة ليرخصوا لهم في الدين...إلخ
قال صديق حسن خان: والباطل كتب كتبوها لم ينزلها الله فأكلوا بها أموال الناس، وذلك قوله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله).
قال الثعلبي: أي يأخذون الرشوة في أحكامهم ويحرفون كتاب الله ويكتبون بأيديهم كتبا يقولون: هذه من عند الله، ويأخذون بها ثمنا قليلا من سفلتهم، وهي المآكل التي كانوا يصيبونها منهم على تكذيبهم محمد صلى الله عليه وسلم ولو آمنوا به لذهبت عنهم تلك المآكل.
وجزم البيضاوي، والنسفي وغيرهما: أنه بالرشا في الأحكام.
قوله «ويصدون عن سبيل الله»: يصرفون الناس عن دين الله.
وقال الواحدي في الوسيط: ويصرفون الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال القرطبي: أي يمنعون أهل دينهم عن الدخول في دين الإسلام، واتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت ( عبدالرحيم ): قال غلام ثعلب: صد: أي: أعرض، وصد: ضج، وصد: منع، وصد: هجر.
وقال ابن منظور في اللسان: وصده عنه وأصده: صرفه.
وقال أيضا: الإعراض والصدوف. صد عنه يصد ويصد صدا وصدودا: أعرض.
قلت: ومنه قوله ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب ): أي صرفوا الناس عن دين الله.
وقوله ( فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه ): قال السمرقندي، والثعلبي: أعرض عنه. وزاد السمرقندي: مكذبا. وقال مكي: أعرض ولم يؤمن.
وقوله ( الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ): قال غلام ثعلب: يصدون: يعرضون.
وقوله عن المنافقين ( لووا رءوسهم ورايتهم يصدون وهم مستكبرون ): قال الطبري: ورأيتهم يُعْرضون عما دُعوا إليه بوجوههم.
وقوله ( رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ): قال غلام ثعلب: يعرضون عنك اعراضا.
وقوله ( وصدها ما كانت تعبد من دون الله ): أي وصرفها.
قوله «سبيل الله»: دين الله.
ومنه قوله تعالى ( فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين. الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ): قال الطبري: حاولوا سبيل الله وهو دينه أن يغيروه ...
قوله «والذين»: كلام مستأنف، وهو رفع على الابتداء.
قاله القرطبي.
قال السيوطي: مبتدأ.
قال الواحدي في الوسيط: أكثر المفسرين على أنه مستأنف...
قلت ( عبدالرحيم ): أي ليس بعطف على الأحبار والرهبان، إنما هو كلام جديد، لأن من العلماء من قال أن معنى قوله ( والذين ): هم الأحبار والرهبان.
قال القرطبي: لو أراد أهل الكتاب خاصة لقال: ويكنزون، بغير والذين.
وقال السمعاني: قال بعضهم: نزلت في أهل الكتاب، والأكثرون أنها نزلت في الكل.
قال القرطبي: وهو الصحيح.
قال الرازي: ويحتمل أن يكون المراد منه كل من كنز المال ولم يخرج منه الحقوق الواجبة سواء كان من الأحبار والرهبان أو كان من المسلمين.
قوله «يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها»: هم الذين لا يؤدون زكاة أموالهم.
وحكاه الرازي عن الأكثرين.
قال أبو حيان: ( يكنزون ): لا يؤدون الزكاة.
قال الراغب الأصفهاني: أي يدخرونها.
قال أبو السعود: أي يجمعونهما ويحفظونهما سواء كان ذلك بالدفن أو بوجه آخر.
قال السمعاني: الكنز هو المال المجموع.
قال الراغب: الكنز: جعل المال بعضه على بعض وحفظه. وأصله من: كنزت التمر في الوعاء.
قال القرطبي: الكنز أصله في اللغة الضم والجمع ولا يختص ذلك بالذهب والفضة.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أديت زكاته فليس بكنز.
حكاه الرازي.
قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: يكنزون الذهب والفضة: كل مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفونا. وكل مال لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا.
قال القاضي عبدالجبار: تخصيص هذا المعنى بمنع الزكاة لا سبيل إليه، بل الواجب أن يقال: الكنز هو المال الذي ما أخرج عنه ما وجب إخراجه عنه، ولا فرق بين الزكاة وبين ما يجب من الكفارات، وبين ما يلزم من نفقة الحج أو الجمعة، وبين ما يجب إخراجه في الدين والحقوق والإنفاق على الأهل أو العيال وضمان المتلفات وأروش الجنايات فيجب في كل هذه الأقسام أن يكون داخلا في الوعيد.
حكاه الرازي.
لطيفة:
أوجب الزكاة؛ وذلك سعي في تنقيص المال، ولو كان تكثيره فضيلة لما سعى الشرع في تنقيصه.
قاله الرازي.
قوله «في سبيل الله»: أي لا يأدون منها حقه من الزكاة والخير.
قاله السيوطي.
قوله «فبشرهم»: أخبرهم.
قاله السيوطي، والبغوي وغيرهما.
قال السمعاني: معناه: ضع هذا الوعيد موضع البشارة، وإلا فالوعيد لا يكون بشارة حقيقة.
وقال الواحدي في الوسيط: أي: اجعل الوعيد لهم بالعذاب موضع البشرى والنعيم.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ): قال مكي في الهداية: المعنى اجعل ما يقوم لهم مقام البشارة بالعذاب الأليم.
قوله «بعذاب أليم»: مؤلم.
قاله السيوطي.
قال أبو العالية ( رفيع بن مهران الرياحي ): الأليم الموجع في القرآن كله . وكذلك فسره ابن عباس، وسعيد بن جبير، والضحاك بن مزاحم، وقتادة وأبو مالك، وأبو عمران الجوني ومقاتل بن حيان.
قاله ابن أبي حاتم في تفسيره.
___________
المصدر:
ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير الطبري، تفسير ابن أبي حاتم،تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، التفسير الكبير للرازي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير البيضاوي، تفسير القرطبي، تفسير النسفي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير السمعاني، لطائف الإشارات للقشيري، الكشف والبيان للثعلبي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424