محمد محمود إبراهيم عطية
Member
] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [
جاء قوله تعالى : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ في آيات ذوات عدد ، تدعوا ذوي العقول إلى التدبر ، ثم تبين أنه لا ينتفع بها إلا أهل الإيمان والتصديق ، وتقيم الحجة على من لا يوحد الله تعالى بعد رؤية هذه الآيات .
إنها قضايا إيمانية ، يصدقها المؤمنون وينتفعون بها ، وتدعوا غير المؤمنين إلى أن يصدقوا ويؤمنوا لينتفعوا كما انتفع المؤمنون .
فتعالوا بنا نتدبر هذه الآيات معا في هذا الملتقى المبارك :
الآية الأولى
قوله تعالى : ] أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ [ النحل : 79 ] .
هذه آية دالة على قدرة الله Y وعلمه وعظمته ، وأن المنتفع بتدبر ما فيها هم المؤمنون.
قال شيخ المفسرين الطبري – رحمه الله : أي : ما طيرانها في الجوِّ إلا بالله وبتسخيره إياها بذلك ، ولو سلبها ما أعطاها من الطيران لم تقدر على النهوض ارتفاعًا ؛ وقوله : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ [ أي : إن في تسخير الله الطير ، وتمكينه لها الطيران في جوِّ السماء ، لعلامات ودلالات على أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنه لا حظ للأصنام والأوثان في الألوهة ، ] لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ يعني : لقوم يقرُّون بوجدانٍ ما تعاينه أبصارهم وتحسهحواسهم .ا.هـ ( [1] ) . فالإيمان التصديق ، ومن يتأمل هذه الآيات في تسخير الطير ، فلابد أن يصدق بأن وراء ذلك إله عظيم قدير مدبر .... إنها قضية إيمان ؛ فلا ينتفع بها إلا المؤمنون ، وهي داعية لمن كان صادقًا في طلبه الحق أن يكون من هؤلاء الذين ينتفعون بهذه الآيات ، فيؤمن بالله العظيم ، ويوحده .
فالجوُّ - كما يقول ابن عاشور - الفضاء الذي بين الأرض والسماء ، وإضافته إلى السماء لأنه يبدو متّصلاً بالقبَّة الزرقاء في ما يخال النَّاظر .
والإمساك : الشدُّ عن التفَلُّت ؛ والمراد هنا : ما يمسكهنّ عن السقوط إلى الأرض من دون إرادتها ؛ والرؤية : بصرية . وفعلها يتعدَّى بنفسه ، فتعديته بحرف ( إلى ) لتضمين الفعل معنى ( ينظروا ) ... والاستفهام إنكاري ؛ معناه : إنكار انتفاء رؤيتهم الطير مسخَّرات في الجوِّ بتنزيل رؤيتهم إيَّاها منزلة عدم الرؤية ، لانعدام فائدة الرؤية من إدراك ما يدلُّ عليه المرئيِّ من انفراد الله تعالى بالإلهية ؛ وجملة : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ مستأنفة استئنافًا بيانيًا ، لأن الإنكار على المشركين عدم الانتفاع بما يرونه من الدلائل يثير سؤالاً في نفس السامع : أكان عدم الانتفاع بدلالة رؤية الطير عامًا في البشر؟ فيجاب بأن المؤمنين يستدلُّون من ذلك بدلالات كثيرة .
والتأكيد بـ ] إِنَّ [ مناسب لاستفهام الإنكار على الذين لم يروا تلك الآيات ، فأكَّدت الجملة الدَّالة على انتفاع المؤمنين بتلك الدَّلالة ، لأن الكلام موجَّهٌ للذين لم يهتدوا بتلك الدَّلالة ، فهم بمنزلة من ينكر أن في ذلك دلالة للمؤمنين لأن المشركين ينظرون بمرآة أنفسهم .
وجمع الآيات لأن في الطير دلائل مختلفة : من خلقة الهواء ، وخلقة أجساد الطير مناسبة للطيران في الهواء ، وخلق الإلهام للطير بأن يسبح في الجو ، وبأن لا يسقط إلى الأرض إلا بإرادته .
وخصّت الآيات بالمؤمنين لأنهم بخلُق الإيمان قد ألفوا إعمال تفكيرهم في الاستدلال على حقائق الأشياء ، بخلاف أهل الكفر فإنَّ خُلُقَ الكفر مطبوع على النفرة من الاقتداء بالنّاصحين ، وعلى مكابرة الحقِّ ( [2] ) .
وللحديث صلة .
[1]- انظر ( تفسير الطبري ) عند الآية ( 79 ) من سورة النحل .
[2]- انظر ( التحرير والتنوير ) عند الآية ( 79 ) من سورة النحل ، باختصار .
التعديل الأخير: