[ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ]

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [

جاء قوله تعالى : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ في آيات ذوات عدد ، تدعوا ذوي العقول إلى التدبر ، ثم تبين أنه لا ينتفع بها إلا أهل الإيمان والتصديق ، وتقيم الحجة على من لا يوحد الله تعالى بعد رؤية هذه الآيات .
إنها قضايا إيمانية ، يصدقها المؤمنون وينتفعون بها ، وتدعوا غير المؤمنين إلى أن يصدقوا ويؤمنوا لينتفعوا كما انتفع المؤمنون .
فتعالوا بنا نتدبر هذه الآيات معا في هذا الملتقى المبارك :

الآية الأولى

قوله تعالى : ] أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ [ النحل : 79 ] .
هذه آية دالة على قدرة الله Y وعلمه وعظمته ، وأن المنتفع بتدبر ما فيها هم المؤمنون.
قال شيخ المفسرين الطبري – رحمه الله : أي : ما طيرانها في الجوِّ إلا بالله وبتسخيره إياها بذلك ، ولو سلبها ما أعطاها من الطيران لم تقدر على النهوض ارتفاعًا ؛ وقوله : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ [ أي : إن في تسخير الله الطير ، وتمكينه لها الطيران في جوِّ السماء ، لعلامات ودلالات على أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنه لا حظ للأصنام والأوثان في الألوهة ، ] لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ يعني : لقوم يقرُّون بوجدانٍ ما تعاينه أبصارهم وتحسهحواسهم .ا.هـ ( [1] ) . فالإيمان التصديق ، ومن يتأمل هذه الآيات في تسخير الطير ، فلابد أن يصدق بأن وراء ذلك إله عظيم قدير مدبر .... إنها قضية إيمان ؛ فلا ينتفع بها إلا المؤمنون ، وهي داعية لمن كان صادقًا في طلبه الحق أن يكون من هؤلاء الذين ينتفعون بهذه الآيات ، فيؤمن بالله العظيم ، ويوحده .
فالجوُّ - كما يقول ابن عاشور - الفضاء الذي بين الأرض والسماء ، وإضافته إلى السماء لأنه يبدو متّصلاً بالقبَّة الزرقاء في ما يخال النَّاظر .
والإمساك : الشدُّ عن التفَلُّت ؛ والمراد هنا : ما يمسكهنّ عن السقوط إلى الأرض من دون إرادتها ؛ والرؤية : بصرية . وفعلها يتعدَّى بنفسه ، فتعديته بحرف ( إلى ) لتضمين الفعل معنى ( ينظروا ) ... والاستفهام إنكاري ؛ معناه : إنكار انتفاء رؤيتهم الطير مسخَّرات في الجوِّ بتنزيل رؤيتهم إيَّاها منزلة عدم الرؤية ، لانعدام فائدة الرؤية من إدراك ما يدلُّ عليه المرئيِّ من انفراد الله تعالى بالإلهية ؛ وجملة : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ مستأنفة استئنافًا بيانيًا ، لأن الإنكار على المشركين عدم الانتفاع بما يرونه من الدلائل يثير سؤالاً في نفس السامع : أكان عدم الانتفاع بدلالة رؤية الطير عامًا في البشر؟ فيجاب بأن المؤمنين يستدلُّون من ذلك بدلالات كثيرة .
والتأكيد بـ ] إِنَّ [ مناسب لاستفهام الإنكار على الذين لم يروا تلك الآيات ، فأكَّدت الجملة الدَّالة على انتفاع المؤمنين بتلك الدَّلالة ، لأن الكلام موجَّهٌ للذين لم يهتدوا بتلك الدَّلالة ، فهم بمنزلة من ينكر أن في ذلك دلالة للمؤمنين لأن المشركين ينظرون بمرآة أنفسهم .
وجمع الآيات لأن في الطير دلائل مختلفة : من خلقة الهواء ، وخلقة أجساد الطير مناسبة للطيران في الهواء ، وخلق الإلهام للطير بأن يسبح في الجو ، وبأن لا يسقط إلى الأرض إلا بإرادته .
وخصّت الآيات بالمؤمنين لأنهم بخلُق الإيمان قد ألفوا إعمال تفكيرهم في الاستدلال على حقائق الأشياء ، بخلاف أهل الكفر فإنَّ خُلُقَ الكفر مطبوع على النفرة من الاقتداء بالنّاصحين ، وعلى مكابرة الحقِّ ( [2] ) .
وللحديث صلة .

[1]- انظر ( تفسير الطبري ) عند الآية ( 79 ) من سورة النحل .

[2]- انظر ( التحرير والتنوير ) عند الآية ( 79 ) من سورة النحل ، باختصار .
 
التعديل الأخير:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
مجرد تساؤلات
ألَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل : 79
قال تعالى لقوم يؤمنون فقيد الاية وحصرها بقوله "لقوم " ولم يقل لنا بماذا يؤمنون
قال تعالى قبلها "وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل : 78 فعلمنا ان المخاطبين في قوله تعالى "ألم يروا " هم جميع الخلق الذين أخرجهم الله من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا
الطير جمع طائر ,ومؤنته الطائرة فالطائرة من الطير وهي مسخرة بقدرة الله في جو السماء لهذا كتبت { مسخرات} بالالف المحدوفة , والمحدوف إما لقرءاة تعارضها { كقوله تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تـَفَـاوت . مانرى في خلق الرحمن من تَـفَـوَّتْ} أو لمعنى تشير إليه يجب البحث عنه .مسخرات في الرسم محدوفة الالف .تعني أن كل وتسخيره فتسخير الطيور الحية { التي عندما أفردها تعالى بالذكر قال ولا طائر يطير بجناحيه } لا يشابه تسخيره تعالى للطائرات ولا تسخيره للنجوم { والنجوم مسخرات}
إن في ذلك التسخير في جو السماء والامساك عن الوقوع لآيات لقوم يومنون .والطائرة تزن الاطنان
عندما اراد الله تعالى الاشارة الى المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ....لم يضف اليهم "قوم"
ولم ينكرهم قال تعالى في 3 أيات :
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ [الحجر : 77
خلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ [العنكبوت : 44
إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ [الجاثية : 3]
فقوله تعالى: لقوم يؤمنون من الممكن أن تعني قوم أخرجهم الله من بطون أمهاتهم لايعلمون شيئا وجعل لهم السمع والأبصار والافئدة فعلموا وآمنوا أن كل شئ في الكون الالهي يمشي بنظام وانتظام إذ ليس العبث في الملك الالهي وأن القوانين الطبيعية والفزيائية والفلكية... هي من وضع خالق هذا الكون فأدركوا أن لهذا الكون خالقا مدبر ا مهندسا
فاهتدوا بعلمهم الى معرفتة ,فآمنوا به وبملائكته وبكتبه ورسله وباليوم الاخر ....والامثلة كثيرة, لأمثال هؤلاء الناس الذين اهتدوا بهذه الطريقة و اعتنقوا الاسلام
{ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } فانتقالنا من الجهل إلى العلم ف{ جعل لكم السمع } لتسمعوا مواعظ الله { والأبصار } لتبصروا دلائل الله ، والأفئدة لتعقلوا عظمة الله ،
 
الأخ الفاضل / د. طبيب لحميتي محمد .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فأولا : أشكر لك تفاعلك ومشاركتك ، وأسأل الله تعالى أن يرزقني وإياك الحق ويثبتنا عليه .
ثانيا : جميل أن نتدبر آيات القرآن ، ونصل بعضها ببعض ، ونبحث عن المتناظرات ، لنصل إلى المراد من كلام الله بحسب الطاقة ، والله يغفر لنا تقصيرنا .
ولي بعض التعقيبات على ( مجرد تساؤلات ) :
الأولى : قولك : ( قال تعالى : ( لقوم يؤمنون ) فقيَّد الآية وحصرها بقوله : ( لقوم ) ، ولم يقل لنا بماذا يؤمنون ؟ ) .
إنما قيد القوم بالمؤمنين ، والقوم من ألفاظ العموم للرجال ، فيدخل فيه من ذكرت وغيرهم .
والإيمان عند إطلاقه ينصرف إلى الإيمان الشرعي ، إلا إذا جاءت القرينة التي تدل على غيره ، وقد بينت في المقالة قول شيخ المفسرين - رحمه الله : لقوم يقرُّون بوجدانٍ ما تعاينه أبصارهم وتحسه حواسهم .ا.هـ ( [1] ) .
فالإيمان التصديق ، ومن يتأمل هذه الآيات في تسخير الطير ، فلابد أن يصدق بأن وراء ذلك إله عظيم قدير مدبر .... إنها قضية إيمان ؛ فلا ينتفع بها إلا المؤمنون ، وهي داعية لمن كان صادقًا في طلبه الحق أن يكون من هؤلاء الذين ينتفعون بهذه الآيات ، فيؤمن بالله العظيم ، ويوحده .
وأما قولك : ( فقوله تعالى : ] لقوم يؤمنون [ من الممكن أن تعني قومًا أخرجهم الله من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئًا ، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ، فعلموا وآمنوا أن كل شيء في الكون الإلهي يمشي بنظام وانتظام ، إذ ليس العبث في الملك الإلهي ، وأن القوانين الطبيعية والفزيائية والفلكية... هي من وضع خالق هذا الكون ، فأدركوا أن لهذا الكون خالقًا مدبرًا ( مهندسا !) ؛ فاهتدوا بعلمهم إلى معرفته , فآمنوا به وبملائكته وبكتبه ورسله وباليوم الآخر .... والأمثلة كثيرة , لأمثال هؤلاء الناس الذين اهتدوا بهذه الطريقة و اعتنقوا الإسلام ) .
هؤلاء - أخي - يدخلون في الآية ، فالآية تعمهم كما يدخل فيها غيرهم ممن لم يعلم علومهم ، فالعاقل الذي ليس عنده من هذه العلوم شيء يمكن أن يتدبر الآيات التي في تسخير الطير في السماء بقدر استطاعته ويصل إلى ما وصل إليه هؤلاء الذين تعلموا تلك العلوم وكانت سببًا في اهتدائهم إلى الله تعالى ؛ وقد سئل بعض الأعراب : ما الدليل على وجود الرب تعالى ؟ فقال : يا سبحان الله ! إن البعر ليدل على البعير ، وإن أثر الأقدام لتدل على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير .

الثانية : وأما قولك : ( الطير جمع طائر , ومؤنثه الطائرة ، فالطائرة من الطير وهي مسخرة بقدرة الله في جو السماء لهذا كتبت ] مسخرات [ بالألف المحذوفة , والمحذوف إما لقراءة تعارضها ، كقوله تعالى : ] ما ترى في خلق الرحمن من تـَفَـاوت [ ] ما نرى في خلق الرحمن من تَفَوَّتْ [ ؛ أو لمعنى تشير إليه يجب البحث عنه .
مسخرات في الرسم محذوفة الألف ، تعني أن كل وتسخيره ، فتسخير الطيور الحية التي عندما أفردها تعالى بالذكر قال : ] ولا طائر يطير بجناحيه [ لا يشابه تسخيره تعالى للطائرات ، ولا تسخيره للنجوم ، ] والنجوم مسخرات [ ؛ إن في ذلك التسخير في جو السماء والإمساك عن الوقوع ] لآيات لقوم يؤمنون [ ؛ والطائرة تزن الأطنان ) .
أخي الكريم : لا علاقة برسم الكلمات في المصحف بحذف الألف أو إثباتها بمعنى الآي ، فهذا الرسم كان معروفًا لدى العرب بهذه الكيفية ، ولم تتغير المعاني تبعًا لذلك .
وأما الطائرات التي هدى الله البشر إلى كيفية صنعها ، فهي تدخل في الآية تبعًا مهما بلغ وزنها ، وإن لم تكن موجودة ولا معروفة حين نزل القرآن ؛ إذ لا يتحرك متحرك ، ولا يسكن ساكن في كون الله تعالى إلا بإرادته ومشيئته ، وليس لنا أن نتكلف في ذلك بما ذكرت ، بارك الله بك .
الثالثة : لا يجوز - أخي - أن نطلق ( مهندسا ) على الله تعالى .. فهو سبحانه له من الأسماء التي تغنينا عن أن نطلق عليه Y ما لم يسمي به نفسه ، وما لم يسمه به رسوله e ، كالخالق والبديع والمصور ؛ فاستبدل بـ ( مهندسا ) ( بديعا ) فيما تكتب بعد ، والله تعالى أسال أن يوفقني وإياك .

[1] - انظر ( تفسير الطبري ) عند الآية ( 79 ) من سورة النحل .
 
الآية الثانية

قوله تعالى : ] أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ [ النمل : 86 ] .
الليل والنهار آيتان من آيات الله تعالى ، دالتان على عظمته وقدرته ، وقدجاءت كثير من آيات القرآن العظيم تدعو الناس للتأمل والتدبر فيهما ، من ذلك قولهتعالى:] وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ[[فصلت:37]، وقوله Y:] إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ[[آلعمران: 190 ] ، وقوله U : ] وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [ [ النحل : 12 ] . وقوله سبحانه:] يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ[[النور: 44 ] ؛ وقوله جل وعلا :] وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا[[الفرقان:62]؛وقوله تعالى:] وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا[[الإسراء:12].
فهذه الآيات وغيرها تدعوا أصحاب العقول والأبصار إلى التأمل والتدبر في هاتين الآيتين : الليل والنهار ؛ وجاءت آيات أخر في وصف الليل والنهار ، لتعميق فكر التدبر والتأمل ؛ من ذلك قوله تعالى : ] وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [ [ آل عمران : 190 ] ، فاختلاف الليل والنهار من أعظم آياته الدالة على كمال قدرته ، ومن أعظم مننه على خلقه ؛ وهذا لا يخفى على أحد من العقلاء ؛لأن اختلاف الليل والنهار يترتب عليه اختلاف حالتي الأرض من ضياء وظلمة ، وما في الضياء من الفوائد للناس ، وما في الظلمة من الفوائد لهم لحصول سكونهم واسترجاع قواهم المنهوكة بالعمل ؛ وقد أضيف الاختلاف لكل من الليل والنهار لأن كل واحد منهما يخلف الآخر ، فتحصل منه فوائد تعاكس فوائدالآخر، بحيث لو دام أحدهما لانقلب النفع ضررًا، قال تعالى:] قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ . قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ . وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[ [ القصص : 7173]؛وسرمدًا، أي: دائمًا، ليلاً واحدًا متصلاً لا يعقبه نهار ، أو نهارًا واحدًا متصلًا لا يعقبه ليل ؛ وقوله تعالى : ] لِتَسْكُنُوا فِيهِ [ يعني الليل ، أي : تنامون فتسكن جوارحكم، فتستريح من تعب الحياة؛ وقوله: ] وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ[ يعني بالنهار ؛ وفيها كناية عن العمل والطلب لتحصيل الرزق ، قـال Y : ] وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [ [ المزمل : 20 ] ، والرزق فضل من الله .
وأمرٌ آخر يحتاج إلى تأمل وتدبر في قوله تعالى : ] وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا [ [ الأنعام : 96 ] ، أي : مظلمًا ساجيًا ليسكن فيه الخلق ، فيستريحوامنتعبالكدبالنهار،كمابينَّهقولهتعالى: ] هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا [ [ يونس : 67 ] ، وقال Y : ] اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [ [ غافر : 61 ] .
وتأمل ختام الآيات ها هنا : ] لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ[[آل عمران ]، ]إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ[ [ النحل ] ، ]إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ[[النور ] ، ] لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا[[الفرقان ] ، ] أَفَلا تَسْمَعُونَ[ و ] أَفَلا تُبْصِرُونَ[ ، و]وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[ [ القصص ] ،] وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [ [ غافر ] ، وتدبر كل خاتمة في سياقها ؛ وضم إليها غيرها ليكتمل المعنى .
وفي الآية الثانية من موضوعنا : ] أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ ؛ ارتباط بسياقها ، فهي مرتبطة بقوله تعالى : ] وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ [ [ النمل : 85 ]؛ والظلم هنا الشرك ، فلما أقيمت عليهم الحجة وقع القول عليهم ؛ قال ابن كثير – رحمه الله : أي : بهتوا فلم يكن لهم جواب ؛ لأنهم كانوا في الدار الدنيا ظلمة لأنفسهم ، وقد رُدوا إلى عالم الغيب والشهادة الذي لا تخفى عليه خافية .ا.هـ.
وقال ابن عاشور – رحمه الله : وجملة : ] فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ [ مفرعة على ] وَقَعَ الْقَوْلُ [ أي : وقع عليهم وقوعًا يمنعهم الكلام ، أي : كلام الاعتذار أو الإنكار ، أي فوجموا لوقوع ما وعدوا به ؛ قال تعالى ] هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ . وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [ [ المرسلات : 35 ، 36 ] .
ثم قال ابن كثير : ثم قال تعالى منبهًا على قدرته التامة ، وسلطانه العظيم ، وشأنه الرفيع الذي تجب طاعته والانقياد لأوامره ، وتصديق أنبيائه فيما جاءوا به من الحق الذي لا مَحيد عنه، فقال ] أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ [ أي : فيه ظلام تسكن بسببه حركاتهم ، وتهدأ أنفاسهم ، ويستريحون من نَصَب التعب في نهارهم ؛ ] وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا [ أي : منيرًا مشرقًا ، فبسبب ذلك يتصرفون في المعايش والمكاسب، والأسفار والتجارات ، وغير ذلك من شؤونهم التي يحتاجون إليها ، ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ .ا.هـ .
قال الطبري - رحمه الله : يقول تعالى ذكره : إن في تصييرنا الليل سكنًا ، والنهار مبصرًا لدلالة لقوم يؤمنون بالله على قدرته على ما آمنوا به من البعث بعد الموت ، وحجة لهم على توحيد الله .ا.هـ .
وقال القرطبي : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[ بالله ؛ ذكر الدلالة على إلهيته وقدرته ، أي : ألم يعلموا كمال قدرتنا فيؤمنوا ؟ .ا.هـ .
وفي ( ظلال القرآن ) إشارة أخرى جليلة ؛ قال سيد قطب – رحمه الله : ومشهد الليل الساكن ، ومشهد النهار المبصر ، خليقان أن يوقظا في الإنسان وجدانًا دينيًا يجنح إلى الاتصال بالله ، الذي يقلب الليل والنهار ، وهما آيتان كونيتان لمن استعدت نفسه للإيمان ، ولكنهم لا يؤمنون .ا.هـ .
قال ابن عاشور – رحمه الله : فذكرهم بدلائل الوحدانية بذكر أظهر الآيات وأكثرها تكرارًا على حواسهم وأجدرها بأن تكون مقنعة في ارعوائهم عن شركهم ؛ وهي آية ملازمة لهم طول حياتهم تخطر ببالهم مرتين كل يوم على الأقل . وتلك هي آية اختلاف الليل والنهار الدالة على انفراده تعالى بالتصرف في هذا العالم ؛ فأصنامهم تخضع لمفعولها فتظلم ذواتهم في الليل وتنير في النهار ، وفيها تذكير بتمثيل الموت والحياة بعده بسكون الليل وانبثاق النهار عقبه .ا.هـ ( [1] ) .
وها هنا نذكِّر بما قلناه في الآية الأولى : ومن يتأمل هذه الآيات في الليل والنهار ، فلابد أن يصدق بأن وراء ذلك إله عظيم قدير مدبر .... إنها قضية إيمان ؛ فلا ينتفع بها إلا المؤمنون ، وهي داعية لمن كان صادقًا في طلبه الحق أن يكون من هؤلاء الذين ينتفعون بهذه الآيات ، فيؤمن بالله العظيم ، ويوحده .
ومن هنا كان ذيل الآية : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ .

[1]- انظر تفسير الطبري ، والقرطبي ، وابن كثير ، وابن عاشور ، و( في ظلال القرآن ) عند الآية ( 86 ) من سورة النمل .
 
التعديل الأخير:
السلام عليكم
ومن هنا كان ذيل الآية : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ .
أخى الكريم
شرحكم ينصب على أن الآية لمن لايؤمنون ... أنها لهم آية تدل على الوحدانية .
وهذا مانقلت عن بن عاشور : قال ابن عاشور – رحمه الله : فذكرهم بدلائل الوحدانية بذكر أظهر الآيات وأكثرها تكرارًا على حواسهم وأجدرها بأن تكون مقنعة في ارعوائهم عن شركهم ؛ وهي آية ملازمة لهم طول حياتهم تخطر ببالهم مرتين كل يوم على الأقل .

إن الآية تعنى أنهم رأوا الآية الكونية ويفهمونها ويفهمون دلالتها ثم لاينتفعون بها
فما هو الذى هو آية للمؤمنين ... الآية الكونية أم سلوك أولئك ؟






 
أخي الكريم / مصطفى سعيد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فيبدو لي أنك لم تلتفت إلى قول الطبري - رحمه الله : يقول تعالى ذكره : إن في تصييرنا الليل سكنًا ، والنهار مبصرًا لدلالة لقوم يؤمنون بالله على قدرته على ما آمنوا به من البعث بعد الموت ، وحجة لهم على توحيد الله .ا.هـ .
وعوَّلت على كلام ابن عاشور فقط ؛ وقد قلتُ بعد كلام ابن عاشور : وها هنا نُذكِّر بما قلناه في الآية الأولى : ومن يتأمل هذه الآيات في الليل والنهار ، فلابد أن يصدق بأن وراء ذلك إله عظيم قدير مدبر .... إنها قضية إيمان ؛ فلا ينتفع بها إلا المؤمنون ، وهي داعية لمن كان صادقًا في طلبه الحق أن يكون من هؤلاء الذين ينتفعون بهذه الآيات ، فيؤمن بالله العظيم ، ويوحده .
ومن هنا كان ذيل الآية : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ . فهل هذا يكون منصبا على أن الآية لمن لايؤمنون ؟!
إنما ذكرت أقوال القرطبي وابن عاشور وقطب - رحمهم الله - لما فيها من معنى إضافي لما ذكره ابن جرير رحمه الله ؛ تستكمل به المعاني التي في الآية .
وعلى كلٍّ ، فقد أضفت أنت - جزاك الله خيرًا - بسؤالك : فما هو الذى هو آية للمؤمنين ... الآية الكونية أم سلوك أولئك ؟ ما يستدعي أن يقال : كل ذلك آيات للمؤمنين ، والعلم عند الله تعالى .

 
شرحكم ينصب على أن الآية لمن لايؤمنون ....
[FONT=&quot]أعتقد أن الصواب أن يقال : إن ذيل الآية هو دعوة لهم لأن يكونوا من المؤمنين ، أى أنه يحثهم على ذلك ، وهذا بدوره يعنى أن فيهم الإستعداد والقابلية للإيمان ، مما ينفى أن الآية تتوجه لمن لا يؤمنون البتة كما ظننتم[/FONT]
[FONT=&quot] وأعتقد أن بعضا مما ذكره الأخ الكريم صاحب الموضوع كان قريباً من هذا المعنى ، وذلك حين قال :[/FONT]
[FONT=&quot]فلا ينتفع بها إلا المؤمنون[/FONT][FONT=&quot]، وهي داعية[/FONT][FONT=&quot] لمن كان صادقًا في طلبه الحق أن يكون من هؤلاء[/FONT][FONT=&quot] . . . [/FONT][FONT=&quot]ومن هنا كان ذيل الآية[/FONT][FONT=&quot] : " [/FONT][FONT=&quot]إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ "
وعلى ذلك فإن شرح الأخ محمد عطية لم يكن منصباً على أن الآية لمن لا يؤمنون كما ظننتم

[/FONT]
[FONT=&quot]هذا ، والله أعلم[/FONT]
 
شرحكم ينصب على أن الآية لمن لايؤمنون ....
[FONT=&quot]أعتقد أن الصواب أن يقال : إن ذيل الآية هو دعوة لهم لأن يكونوا من المؤمنين ، أى أنه يحثهم على ذلك ، وهذا بدوره يعنى أن فيهم الإستعداد والقابلية للإيمان ، مما ينفى أن الآية تتوجه لمن لا يؤمنون البتة كما ظننتم[/FONT]
[FONT=&quot] وأعتقد أن بعضا مما ذكره الأخ الكريم صاحب الموضوع كان قريباً من هذا المعنى ، وذلك حين قال :[/FONT]
[FONT=&quot]فلا ينتفع بها إلا المؤمنون[/FONT][FONT=&quot]، وهي داعية[/FONT][FONT=&quot] لمن كان صادقًا في طلبه الحق أن يكون من هؤلاء[/FONT][FONT=&quot] . . . [/FONT][FONT=&quot]ومن هنا كان ذيل الآية[/FONT][FONT=&quot] : " [/FONT][FONT=&quot]إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ "
وعلى ذلك فإن شرح الأخ محمد عطية لم يكن منصباً على أن الآية لمن لا يؤمنون كما ذكرتم

[/FONT]
[FONT=&quot]هذا ، والله أعلم[/FONT]
 
السلام عليكم
بارك الله بكما
نعم
الأيةالكونية آية للمؤمنين كما فى كلام الطبرى : لدلالة لقوم يؤمنون بالله على قدرته على ما آمنوا به من البعث بعد الموت ، وحجة لهم على توحيد الله .ا.هـ .
وهى آية لغيرهم لطلب الايمان وال
دخول فيه .
لكن الآية القرآنية "
أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" تخاطب المؤمنين ... تكلمهم عن غير المؤمنين تقول لهم : إن أولئك قد أقيمت الحجة عليهم بما رأوا من آيات كونية وعاشوها ولكنهم كانوا لايوقنون ، فلا تشفقوا عليهم ولاتشفعوا لهم ، لو كانوا يطلبون الايمان لكانت هذه كافية ، فالمختلفون من بنى اسرائيل وآباؤكم ومن لم تبلغه الدعوة كلهم رأوا الآيات الكونية وعرفوها ولكنهم لم يؤمنوا حتى خرجت عليهم الدابة
والله أعلم


 
الأخ الكريم / مصطفى
ذكرت في مقالي أن الآية متصلة بالآية قبلها ، وهذا قول عامة المفسرين ، ولم أر أحدا منهم خصص الآية بالمؤمنين ؛ وكأني بك قد فهمت أن هذا الخطاب يكون يوم القيامة فلذلك يكون للمؤمنين ؟ يدل على ذلك قولك : ( تخاطب المؤمنين ... تكلمهم عن غير المؤمنين تقول لهم : إن أولئك قد أقيمت الحجة عليهم بما رأوا من آيات كونية وعاشوها ولكنهم كانوا لا يوقنون ، فلا تشفقوا عليهم ولا تشفعوا لهم ، لو كانوا يطلبون الإيمان لكانت هذه كافية ) .
فإن كان كذلك فلا إخالُك أصبتَ ، فإن الآية هنا فيها انتقال من بيان حال الآخرة إلى دعوتهم إلى التدبر في آيات الله - وهم أحياء في الدنيا - وخاصة هذه التي تتكرر عليهم في كل يوم تذكرهم بقدرة الله وعظمته كما تذكرهم بالموت والبعث ؛ قال الطبري - رحمه الله : القول في تأويل قوله تعالى : ] وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ . أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ : يقول تعالى ذكره : ووجب السخط والغضب من الله على المكذِّبين بآياته ] بِمَا ظَلَمُوا [ يعني بتكذيبهم بآيات الله ، يوم يحشرون ] فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ [ يقول : فهم لا ينطقون بحجة يدفعون بها عن أنفسهم عظيم ما حلَّ بهم ووقع عليهم من القول ؛ وقوله : ] أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ [ يقول تعالى ذكره : ألم ير هؤلاء المكذِّبون بآياتنا تصريفنا الليل والنهار، ومخالفتنا بينهما ، بتصييرنا هذا سكنًا لهم يسكنون فيه ويهدءون ، راحة لأبدانهم من تعب التصرِّف والتقلب نهارًا ؛ وهذا مضيئًا يبصرون فيه الأشياء ويعاينونها ، فيتقلبون فيه لمعايشهم ، فيتفكروا في ذلك ، ويتدبروا ، ويعلموا أن مصرِّف ذلك كذلك هو الإله الذي لا يعجزه شيء ، ولا يتعذر عليه إماتة الأحياء ، وإحياء الأموات بعد الممات ، كما لم يتعذر عليه الذهاب بالنهار والمجيء بالليل ، والمجيء بالنهار والذهاب بالليل مع اختلاف أحوالهما .ا.هـ .
وقال النيسابوري – رحمه الله : ثم بعد أن خوَّفهم بأهوال القيامة وأحوالها ذكر ما يصلح أن يكون دليلاً على التوحيد وعلى الحشر وعلى النبوَّة ، مبالغة في الإرشاد إلى الإيمان والمنع من الكفر ؛ فقال ] ألم يروا [ الآية ؛ ووجه دلالته على التوحيد أن التقليب من النور إلى الظلمة وبالعكس لا يتم إلا بقدرة قاهرة ، ودلالته على الحشر أن النوم يشبه الموت والانتباه يشبه الحياة ، ودلالته على النبوَّة أن كل هذا لمنافع المكلفين وفي بعثة الرسل إلى الخلق أيضاً منافع جمة ..انتهى المراد منه .
وهكذا لو رجعت إلى جميع المفسرين ... لن تجد إلا نحو ذلك ؛ ولن تجد أحدًا خصص الخطاب بالمؤمنين ، فما الذي دعاك لذلك ؟
ثم فصلك بين الآية الكونية والآية القرآنية ؛ والآية القرآنية هي الداعية للنظر في الآية الكونية ، والمخاطبة فيها لهؤلاء الذين – إن لم يؤمنوا – يكون حالهم هذا الذي ذكر الله تعالى ذكره قبلُ .
أخي الكريم ؛ انتظر إجابتك ، ومثلك من يرجع إلى الحق ، أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه ... آمين .
 
السلام عليكم
ذكرت في مقالي أن الآية متصلة بالآية قبلها ، وهذا قول عامة المفسرين ، ولم أر أحدا منهم خصص الآية بالمؤمنين ؛
الآية بدأت بسؤال ... هل هذا السؤال موجه للمؤمنين أم لغيرهم ؟
السؤال للمؤمنين إما ليبين لهم أن غير المؤمنين الذين لم ينتفعوا بالآيات الكونية التى رأوها لن ينتفعوا بغيرها وعليه لاداعى لمزيد من الآيات، وإما ليبين لهم أن الحجة قد تقوم بهذه وحدها وهذا اجابة لسؤال سائل : بما وقع القول عليهم ولم يأتهم رسول ؟.
وارتباط الآية بما قبلها قال عنه الألوسى ووجه ربط هذه الآية بما قبلها أنها كالدليل على صحة ما تضمنته من الحشر.ولم أفهم كيف ، بل دلالتها على البعث ضعيفة ، إن القرآن حاور منكرى البعث بأدلة كثيرة ... مثل " يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ...." الحج 5 ..ليس من أدلة البعث تعاقب الليل والنهار ولا كون الليل سكنا !!

فإن الآية هنا فيها انتقال من بيان حال الآخرة إلى دعوتهم إلى التدبر في آيات الله - وهم أحياء في الدنيا - وخاصة هذه التي تتكرر عليهم في كل يوم تذكرهم بقدرة الله وعظمته كما تذكرهم بالموت والبعث
نعم ولكنه ليس بالخطاب المباشر لهم ، وإنما من خلال الرسول والدعاة من بعده ، بل قد تكون - وهو الأصح إن شاء الله - لإفادة المسلمين ان أولئك قد رأوا الآيات ولازالوا يروها ويعرفوهاولكنهم لايتفعون بها وهذا ديدنهم مع كل الآيات كونية كانت أو معجزات ، كما فعل أسلافهم مع آيات موسى فى أول هذه السورة " وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ " النمل 14 ،وكما فعلت سبأ وثمود ... الخ ، ويكون آخر حوار الفريقين هذه الرسالة التى يبلغها الدعاة لهم " وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" النمل 93
هكذا لو رجعت إلى جميع المفسرين ... لن تجد إلا نحو ذلك ؛ ولن تجد أحدًا خصص الخطاب بالمؤمنين ، فما الذي دعاك لذلك ؟
ألم يروا .... وردت كثيرا وكلها فيها معنى ما أقول وهو تثبيت للمؤمنين فى حوارهم مع الآخرين ، ووردت أسئلة بصيغة أخرى لمثل هذا الحوار " فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ...." القصص 48 ربما يقول قائل من المؤمنين ... نعم رب نزل على محمد مثل ما أوتى موسى كى تقام الحجة عليهم ...! ويرد القرآن على مثل هذا " أولم يكفروا .."
كذلك فى هذه ربما يقول قائل بناءا على حجتهم ... نعم إنهم لم يروا آيات فكيف يؤمنوا ؟ الرد : "أولم يروا أنا جعلنا ...." .
أى أنه ربما رق قلب المؤمن ويريد أن يدفع عن أولئك أنهم ظالمون لأنهم لم يروا آيات ومعجزات فتذكره الآية " أو لم يروا ..." فتثبت فؤاده ، فإن أراد أن يدعو ذلك الظالم بهذه الآية دعاه بها ففيها دليل على التوحيد و.... كما أفاض النيسابورى فيما نقلت عنه
إن سؤالك ....شديد
بل أنت ما الذى دعاك أن تقول أن غير المؤمن مخاطب مباشرة بالآية .. أخرج لى منها - أو من آية قبلها - ضمير يُفيد ما تذهب إليه .
إنها وما قبلها كلها للمؤمنين تخبرهم بما كان وبما سيكون من أمر غير المؤمنين وكيف سيحشرون و.... ، أليس المؤمن أولى بأن يعرف ماسيكون ؟
ثم فصلك بين الآية الكونية والآية القرآنية ؛ والآية القرآنية هي الداعية للنظر في الآية الكونية ، والمخاطبة فيها لهؤلاء الذين – إن لم يؤمنوا – يكون حالهم هذا الذي ذكر الله تعالى ذكره قبلُ .
هو فصل من أجل الدراسة ، ولامانع منه .
وأصحح لك أنه قد تكون الآية الكونية هى الداعية لدراسة الآية القرآنية أيضا . والآية محل دراستنا هى كذلك .
وهذا مافعله ابراهيم عليه السلام أنه درس الكونية أولا .
كما أن فهم القرآنية يغنى عن البحث فى الكونية والعكس غير صحيح .
إن كثيرا من الناس يرون بعض القرآن يُكلم غيرهم وأنهم غير معنيون به ،يقولون إنهم مؤمنون ولاتنطبق عليهم هذه الآيات - على سبيل المثال -من سورة النمل إنما هى تهديد وانذار للظالمين ..... وماذلك إلا بأنهم يرون القرآن يخاطب غيرهم ، وهو غير صحيح .
والله أعلم












 
الأخ الكريم / مصطفى
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فأراك – أخي – لم تجب عن سؤالي ، وطرحت سؤالا بقولك : ( الآية بدأت بسؤال ... هل هذا السؤال موجه للمؤمنين أم لغيرهم ؟ ) ثم أجبت فقلت : ( السؤال للمؤمنين ) ؛ وكان سؤالي : لم أر أحدًا من المفسرين خص السؤال هاهنا بالمؤمنين ؛ والسياق لا يدل عليه ، وقد نقلت لك بعض النقول ، ثم قلت : وهكذا لو رجعت إلى جميع المفسرين ... لن تجد إلا نحو ذلك ؛ ولن تجد أحدًا خصص الخطاب بالمؤمنين ، فما الذي دعاك لذلك ؟
وأما قولك : ( وارتباط الآية بما قبلها قال عنه الألوسي ووجه ربط هذه الآية بما قبلها أنها كالدليل على صحة ما تضمنته من الحشر .ا.هـ . ولم أفهم كيف ، بل دلالتها على البعث ضعيفة ، إن القرآن حاور منكري البعث بأدلة كثيرة ... مثل : ] يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ ....[ [ الحج : 5 ] .. ليس من أدلة البعث تعاقب الليل والنهار ولا كون الليل سكنا !! )
أخي – هداني الله وإياك الصواب – قول الألوسي هو قول جمهور المفسرين ؛ وتقدم قول الطبري - رحمه الله : ألم ير هؤلاء المكذِّبون بآياتنا تصريفنا الليل والنهار، ومخالفتنا بينهما ، بتصييرنا هذا سكنًا لهم يسكنون فيه ويهدءون ، راحة لأبدانهم من تعب التصرِّف والتقلب نهارًا ؛ وهذا مضيئًا يبصرون فيه الأشياء ويعاينونها ، فيتقلبون فيه لمعايشهم ، فيتفكروا في ذلك ، ويتدبروا ، ويعلموا أن مصرِّف ذلك كذلك هو الإله الذي لا يعجزه شيء ، ولا يتعذر عليه إماتة الأحياء ، وإحياء الأموات بعد الممات ، كما لم يتعذر عليه الذهاب بالنهار والمجيء بالليل ، والمجيء بالنهار والذهاب بالليل مع اختلاف أحوالهما .ا.هـ .
وقال النيسابوري – : ودلالته على الحشر أن النوم يشبه الموت ، والانتباه يشبه الحياة .ا.هـ .
وأما قولك : ( إن دلالتها على البعث ضعيفة ) فليست هذه الآية وحدها التي أمرتهم بالتأمل والتدبر فيما يصل إلى التسليم بقضية البعث ، ولكن فيها عند التأمل – كما ذكر الطبري والنيسابوري وغيرهما – هذه الدلالة ، فلا يقال هاهنا إن دلالتها على البعث ضعيفة ، لأنها لم تستقل بهذا … وليس هذا موضع بحثنا ، فنطيل فيه ؛ وهذا ردٌّ – أيضًا – على قولك : ليس من أدلة البعث تعاقب الليل والنهار ولا كون الليل سكنا !! ) إذ القدير Y الذي خلق ذلك وجعل فيه ما فيه من الآيات ، لا يعجزه أن يبعث الخلق بعد موتهم ... وهكذا لو أعمل المسلم عقله في آيات الله تعالى وقف عن التسرع بالحكم .
وأما قولك ردًّا عل كلامي : فإن الآية هنا فيها انتقال من بيان حال الآخرة إلى دعوتهم إلى التدبر في آيات الله - وهم أحياء في الدنيا - وخاصة هذه التي تتكرر عليهم في كل يوم تذكرهم بقدرة الله وعظمته كما تذكرهم بالموت والبعث : ( نعم ؛ ولكنه ليس بالخطاب المباشر لهم ، وإنما من خلال الرسول والدعاة من بعده ) .
أقول : أمرك عجيب ، فجوابك بـ ( نعم ) ينقض كل ما كتبته ، ولا يؤثر فيه ما قلته بعد : ( ولكنه ليس بالخطاب المباشر لهم ، وإنما من خلال الرسول والدعاة من بعده ) لأن هذا يدخل فيه الناس جميعًا مؤمنهم وكافرهم ، فلماذا خصصت المؤمنين ؟
وقولك : ( بل قد تكون - وهو الأصح إن شاء الله - لإفادة المسلمين إن أولئك قد رأوا الآيات ولازالوا يروها ويعرفوها ولكنهم لا ينتفعون بها ، وهذا ديدنهم مع كل الآيات كونية كانت أو معجزات .. ) الخ .
أخي : نحن لم نختلف على هذه الجزئية ، وهي مرادة من الآية ، إذ العظة بمثل ذلك والانتفاع به هو شأن المؤمنين .
وأما قولك ردًّا على كلامي : هكذا لو رجعت إلى جميع المفسرين ... لن تجد إلا نحو ذلك ؛ ولن تجد أحدًا خصص الخطاب بالمؤمنين ، فما الذي دعاك لذلك ؟ : ( ألم يروا .... وردت كثيرا وكلها فيها معنى ما أقول ، وهو تثبيت للمؤمنين في حوارهم مع الآخرين ... ) الخ .
أخي الكريم : ليس هذا الكلام هو إجابة سؤالي .. إنما هو – واسمح لي أن أقولها – التفاف على الإجابة ، لا يصح من مثلك ، لأمور :
الأول : معلوم أن المعنى في ورود ( ألم يروا ) يرتبط بسياقها ، وليست في جميع ما وردت فيه تخاطب المؤمنين .
الثاني : سياق الآية التي هي موضع بحثنا يدل على ما ذهب إليه عامة المفسرين ، ولم تأت أنت بمفسر واحد قال بما قلتَ ! أفغاب عنهم جميعًا ما انتهيت أنت إليه ؟
الثالث : إجابتك السابقة بـ ( نعم ) على السؤال السابق ... ما يدل على الالتفاف على الإجابة .. فأسأل الله تعالى أن يلهمني وإياك الصواب .
وأما قولك أخي : ( إن سؤالك ....شديد .. بل أنت ما الذي دعاك أن تقول أن غير المؤمن مخاطب مباشرة بالآية .. أخرج لي منها - أو من آية قبلها - ضمير يُفيد ما تذهب إليه .
إنها وما قبلها كلها للمؤمنين ، تخبرهم بما كان وبما سيكون من أمر غير المؤمنين وكيف سيحشرون و.... ، أليس المؤمن أولى بأن يعرف ما سيكون ؟ ) .
أخي الكريم مصطفى : أرجو أن ترجع أنت إلى سياق الآيات ، وتتأمل وتتدبر قوله تعالى : ] وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ [ ، من المراد بهذا الآية ؟ أالمؤمنون ؟!! ثم تجيب أنت على سؤالك الذي طرحته ....
وأما سؤالك : أليس المؤمن أولى بأن يعرف ما سيكون ؟ فهذا أمر لم نختلف عليه حتى تورده هاهنا !! بل بينَّا في سياق المقالة ، أن المؤمنين هم أهل الانتفاع بذلك .
وأما قولك : ( وأصحح لك أنه قد تكون الآية الكونية هي الداعية لدراسة الآية القرآنية أيضًا ؛ والآية محل دراستنا هي كذلك ) فلا محل له أصلا في بحثنا .
وأما قولك في نهاية المقالة : ( إن كثيرًا من الناس يرون بعض القرآن يُكلم غيرهم ، وأنهم غير معنيين به ، يقولون : إنهم مؤمنون ولا تنطبق عليهم هذه الآيات - على سبيل المثال - من سورة النمل إنما هي تهديد وإنذار للظالمين ..... وما ذلك إلا بأنهم يرون القرآن يخاطب غيرهم ، وهو غير صحيح ) .
أخي ؛ هذا كلام مرسل يمكن أن تخاطب به من فيه هذه الصفة من أهل الضلال ، أما أن تخاطب به أهل العلم وطلبته ، فلا يجوز ذلك من مثلك ، ولا تحسب أنك به قد خرجت من عهدة التساؤلات السابقة ، هداني الله وإياك إلى الصواب ، وثبتنا عليه .. إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .
 
السلام عليكم
قبل هذه التعقيدات الكثيرة أريد أن أسأل متى تحول الخطاب إلى غير المؤمنين فى هذه الآيات ؟
" إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ *78 * فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ *79* إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ *80* وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ*81* وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ *82 *وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ* 83 * حَتَّىٰ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* 84* وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ* 85 * أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ* 86"
الخطاب واضح أنه للرسول عليه الصلاة والسلام حتى الآية 81 ، وسرد الكلام له أيضا فى قوله تعالى "وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم.... : الآية 82 يخبره عما سيكون من شأن من ولوا عنه مدبرين ، وكذلك الآية 83 والآية 84 التى تخبره بما سيقال لهم يوم الحشر ، ثم الآية 85 تفسر له وللمؤمنين بما وقع القول على غير المؤمنين .. وتخبر أنهم لاينطقون قبالة الدابة التى تكلمهم ولا عند سؤالهم يوم الحشر
فكل هذا اخبار للمؤمنين عن أحوال الظالمين ليعلموه فيبتعدوا عنه ويحمدوا الله أن هداهم للايمان ، ويحاوروا المجادلين من أهل الكتاب وغيرهم
وأنا أسأل ... لمن السؤال " ألم يروا ..." ومادليل ذلك ، أنا أفرق بين المخاطب وموضوع الخطاب
ثم من الذي سيجيب ويقول : بلى إن غير المؤمنين يروا أن الله جعل الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا .
إن تركيب الجملة -حسبما أفهم - يخاطب المؤمنين ويسألهم عن غير المؤمنين
وإن كان غير ذلك .... فكيف ؟
بالطبع من تركيب الجملة نفسها أو سياقها أو قياسها على مثلها إذا تكرمت .

مثلا أقيسها على آيات مطلع السورة
" إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ " واسأل هل يصح القول أن المخاطب بهذه الآية هو الذى لايؤمن بالآخرة ؟
أنا أراه لايصح .... بل المخاطب بها هو المتلقى للقرآن وهو مؤمن به
والله أعلم

...
واسمح لى بالتعليق على أمر بسيط هو
وقال النيسابوري – : ودلالته على الحشر أن النوم يشبه الموت ، والانتباه يشبه الحياة .ا.هـ .
قد يكون هذا على البعث -مع التحفظ الشديد - ولكنه ليس دليلا على الحشر .... وفرق بين البعث والحشر .


 
الأخ / مصطفى
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فلم أفهم مقالتك : ( قبل هذه التعقيدات الكثيرة ) ، أي تعقيدات تقصد ؟ ثم أخي أنت لم تجبني عن سؤالي مرة ثانية ، ومع ذلك فأنا أسألك : مِن سردِّك للآيات ألم يستوقفك قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* 84* } من المراد بالخطاب هنا ؟
ثم قوله تعالى : { وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ* 85 * } من المراد بـ { بِمَا ظَلَمُواْ } هنا ؟
هناك فرق - أخي - بين الإخبار والمخاطبة ، فالآيات انتقلت من خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإخبار عن حال هؤلاء المعاندين ، ثم مخاطبتهم وإقامة الحجة عليهم في الآخرة ، ثم انتقلت إلى مخاطبة هؤلاء المعاندين لرسولهم وهم على قيد الحياة كما تقدم في المقالات السابقة .
أخي مصطفى – بارك الله بك – الآيات واضحة ، وعامة أهل التفسير فهموا ذلك ، ولم يشذ منهم أحد ، ولا أراك ترجع إليهم ، ولا أدري .. لماذا ؟
وأرى إن كان الأمر سيبقى هكذا ، قد يسوقنا إلى المراء المذموم ، ويقينا هذا لا يرضي الله تعالى ، ولا المؤمنون ، وأنت من المؤمنين ، أحسبك والله حسيبك ، ولا أزكي على الله أحدا .
فنقف عن هذه المجادلة إذا لم يكن عندك إلا التشبث برأيك ، ولا تريد أن تجيب على الأسئلة ، ولا أن ترجع إلى أقوال أهل العلم .. أقول : نقف إرضاءً لله تعالى ، ونسأله أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، ولا يجعله ملتبسًا عليه فنضل ... اللهم آمين .
وأرجو أن أقرأ مشاركاتك في لاحق المقالات ، فلا شك أن المناقشات تثري الموضوع .. وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه ... آمين .


 
السلام عليكم
فالآيات انتقلت من خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإخبار عن حال هؤلاء المعاندين ، ثم مخاطبتهم وإقامة الحجة عليهم في الآخرة ، ثم انتقلت إلى مخاطبة هؤلاء المعاندين لرسولهم وهم على قيد الحياة
جميل.. وأنا أقول أن الآيات تخاطب الرسول وتخبره عن حال المعاندين ، وتخبره صلى الله عليه وسلم عما سيقال لهم فى الآخرة ، وتخبره كيف وقع القول عليهم .
ولكن لاأتفق مع الجملة الأخيرة ثم انتقلت إلى مخاطبة هؤلاء المعاندين لرسولهم وهم على قيد الحياة
ومع ذلك فأنا أسألك : مِن سردِّك للآيات ألم يستوقفك قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* 84* } من المراد بالخطاب هنا ؟
" حتى اذا جاؤو فال ..." هذا اخبار للرسول ، وما بعد كلمة "قال" هو مقولة القائل التى يراد اخبار المتلقى بها .
ووجودها ينفى خطاب الظالمين بالآيات ... لأنه لو كان كذلك لجاءت الآية التالية ووقع القول عليكم .
.........
الأمر ليس جدلا ولامراءا ... ولكن تدارس
المفسرون جزاهم الله خيرا تكلموا فى مضمون الآية 86ودلالتها على أساس أنها تخص الظالمين ، ولكنهم لم يقولوا لماذا كانت الصياغة ألم يروا ؟ ولهذا لم أستشهد بأقوالهم لأنهم لم يقولوا أصلا .
وجدت كلاما لهم فى موضع مشابه
" وما تأتيهم من آية من ربهم إلا كانوا عنها معرضين * فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون * ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين" الأنعام 4-6
قال ابن عطية: والمخاطبة في { لكم } هي للمؤمنين ولجميع المعاصرين لهم وسائر الناس كافة، كأنه قال: { ما لم نمكن } يا أهل هذا العصر لكم ويحتمل أن يقدر معنى القول لهؤلاء الكفرة، كأنه قال { يا محمد قل لهم ألم يروا كم أهلكنا } [الأنعام: 6] الآية... هذا موضع الشاهد الآية تسأل الرسول عنهم ألم تعلم أنهم يروا ...... سؤال انكارى لتقرر له أنهم يروا رؤية مستمرة فى الحال والاستقبال .
ومن تفسير الشعراوى : والحق يجازي كل كافر الجزاء الوافي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر قومه بما حدث لغيرهم من أقوام آخرين { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ }
ومن تفسير أبو السعود { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ } استئنافٌ مَسوقٌ لتعيـين ما هو المرادُ بالإنباء التي سبق بها الوعيد، وتقرير إتيانِها بطريق الاستشهاد، وهمزةُ الإنكار لتقرير الرؤية
إذن " ألم يروا " هى اخبار الرسول أنهم يروا وتقرر له ذلك ،وجاء الخطاب في الآية التالية بيّن "ولوأنزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم ..."
....
هذا ...وإنى أستغفر الله لى ولوالدى وللمؤمنين







 
الأخ مصطفى :
قولك : ( جميل.. وأنا أقول أن الآيات تخاطب الرسول وتخبره عن حال المعاندين ، وتخبره عما سيقال لهم في الآخرة ، وتخبره كيف وقع القول عليهم ؛ ولكن لا أتفق مع الجملة الأخيرة : ثم انتقلت إلى مخاطبة هؤلاء المعاندين لرسولهم وهم على قيد الحياة ) .
أخي : لك أن تتفق أو لا تتفق ، ولكن بدليل مقنع .. وأنت لم تأت بالدليل .
وأما قولك ردًّا عل كلامي : ( ومع ذلك فأنا أسألك : مِن سردِّك للآيات ألم يستوقفك قوله تعالى : ] حَتَّىٰ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [ من المراد بالخطاب هنا ؟
قلتَ : ] حَتَّىٰ إِذَا جَآءُو قَالَ ...[ هذا إخبار للرسول ، وما بعد كلمة ( قال ) هو مقولة القائل التي يراد إخبار المتلقي بها ؛ ووجودها ينفى خطاب الظالمين بالآيات ... لأنه لو كان كذلك لجاءت الآية التالية ووقع القول عليكم ) .
أخي : بالله أسألك : أنت تعتقد هذا التفسير لهذه الآية ؟ هكذا ... لقد أبعدت النجعة ، وعليك أن تراجع نفسك ، وتسأل من هو أعلم منك ، ليستبين لك الحق .
وأما قولك : ( المفسرون - جزاهم الله خيرا - تكلموا في مضمون الآية ( 86 ) ودلالتها على أساس أنها تخص الظالمين ، ولكنهم لم يقولوا لماذا كانت الصياغة ألم يروا ؟ ولهذا لم أستشهد بأقوالهم لأنهم لم يقولوا أصلا ) .
لم أفهم قولك : لم يقولوا أصلا !! لأن كلامهم متصل ومفهوم وليس فيه لبس ، فالآية متصلة بما قبلها ، فالأمر واضح ، أم أنك تريد شرح المشروح ، وتفسير الماء بالماء ... لا يا أخي ، لا يكون هذا ظنَّك بعلمائك ، ولا ظنَّك بنفسك .
ثم تقول : ( وجدت كلامًا لهم في موضع مشابه : ( ] وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ [ (الأنعام:6)
قال ابن عطية : والمخاطبة في ( لكم ) هي للمؤمنين ولجميع المعاصرين لهم وسائر الناس كافة ، كأنه قال : ما لم نمكن يا أهل هذا العصر لكم ، ويحتمل أن يقدر معنى القول لهؤلاء الكفرة ، كأنه قال : يا محمد ، قل لهم : ] أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا [ الآية ا.هـ ثم قلت : هذا موضع الشاهد الآية تسأل الرسول عنهم : ألم تعلم أنهم يروا ...... سؤال انكاري ، لتقرر له أنهم يروا رؤية مستمرة في الحال والاستقبال ) .
أخي ؛ لا أحسبك فهمت كلام ابن عطية رحمه الله ؛ فكلامه واضح جدا في أن الآية لا تخصص المؤمنين في القول الأول ؛ ثم قال : ويحتمل أن يقدر معنى القول لهؤلاء الكفرة ، كأنه قال : يا محمد ، قل لهم : ] أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا [ الآية ا.هـ . وأما في هذا القول فهي تخصص الكافرين ، على تقدير أن يخاطبهم النبي e ... فأين ما فهمته أنت من كلام ابن عطية ؟؟؟
ثم نقلت من تفسير الشعراوى قوله : والحق يجازي كل كافر الجزاء الوافي ، ورسول الله يخبر قومه بما حدث لغيرهم من أقوام آخرين ، ] أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ [ .
ومن تفسير أبو السعود : ] أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ [ استئنافٌ مَسوقٌ لتعيـين ما هو المرادُ بالإنباء التي سبق بها الوعيد ، وتقرير إتيانِها بطريق الاستشهاد ، وهمزةُ الإنكار لتقرير الرؤية .ا.هـ .
ثم قلت : إذن ] ألم يروا [ هي إخبار الرسول أنهم يروا ، وتقرر له ذلك ، وجاء الخطاب في الآية التالية بيّن : ] ولو أنزلنا عليك كتابًا في قرطاس فلمسوه بأيديهم ... [ )
ما هذا ؟؟ أخي ... ليس اختلافنا معك في الإخبار ، وإنما اختلافنا معك في التخصيص بالمؤمنين ، وقلت لك في المقالة السابقة : هناك فرق بين الإخبار والخطاب ؛ فالخطاب يكون في ذاته لشخص أو أشخاص ، وهو نفسه إخبار لغيره ؛ فلا تخلط بارك الله فيك ..
ثم أين وجه الاستلال لكلامك من كلام أبي السعود ... لا أحسبك – أيضا – فهمت كلامه ، ولو تابعته لعلمت أن مراد كلامه : أهل مكة ؛ فقد قال : ] والمعنى : أعطيناهم من البسطة في الأجسام ، والامتداد في الأعمار ، والسعة من الأموال ، والاستظهار بأسباب الدنيا في استجلاب المنافع واستدفاع المضار ، ما لم نعط أهل مكة ، ففعلوا ما فعلوا ، فأهلكناهم بذنوبهم .انتهى المراد منه . مما يدل على أنه يقول أن المخاطبة في قوله : ] ألم يرو [ لأهل مكة .
أخي الكريم : لا أرى إلا أن أعيد عليك ما ذكرته في الرد السابق : فنقف عن هذه المجادلة إذا لم يكن عندك إلا التشبث برأيك ، ولا تريد أن تجيب على الأسئلة ، ولا أن ترجع إلى أقوال أهل العلم .. أقول : نقف إرضاءً لله تعالى ، ونسأله أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، ولا يجعله ملتبسًا عليه فنضل ... اللهم آمين .
وأرجو أن أقرأ مشاركاتك في لاحق المقالات ، فلا شك أن المناقشات تثري الموضوع .. وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه ... آمين .
 
الآية الثالثة
قوله تعالى : ] أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ [ الروم : 37 ] .
قضية الرزق بكل ما فيها من مضامين ومعانٍ .. قضية إيمانية ، فالرزاق هو رب العلمين ، وكل رزق هو من الله تعالى ، وليس الرزق محصورًا في المال ، بل في كل نعمة يهبها الله تعالى لأيٍّ من عبيده ، خاصة أو عامة ؛ ومن آيات هذه القضية أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويضيقه على من يشاء ، لِحَكَمٍ عظيمة أرادها Y ، ولا ترتبط سعة الرزق - في أصلها - بذكاء ولا بغباء ، ولا بلبابة ولا بحمق ، ولا بصلاح ولا بفساد ، فـ ] اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [ ، وهي - أيضًا - قضية ابتلاء في كل الأحوال ؛ قال الله تعالى : ] فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [ [ الفجر : 15 ، 16 ] .
ولله در الشافعي ، قال :
ومن الدليل على القضاء وحكمه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
وقال غيره :
ولو كانت الدنيا جزاءً لمحسن ... إذًا لم يكن فيها معاشٌ لظالمِ
لقد جاعت فيها الأنبياء كرامةً ... وقد شبعت فيها بطون البهائمِ
وقد جاءت آيات في كتاب الله تعالى تبين قضية البسط والقبض في الرزق ، منها الآية التي معنا : ] أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ وهي مع نظيرتها في سورة الزمر اللتان ختمتا بقوله U : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ ؛ للدلالة على أن قضية الرزق قضية إيمانية .
والآية الكريمة عطف على الآية قبلها ، ولها - أيضًا - ارتباط بالسياق قبل الآيتين ؛ فقوله تعالى : ] وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [ [ الروم : 36 ] ؛ تصوير لحال كثير من الناس في استقبال الرحمة التي هي من الله تعالى ؛ والسيئة التي هي بسبب ذنوبهم ] بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [ ؛ فيستقبلون الرحمة بفرح ، قيل : هو الفرح العام في استقبال الرحمة ، لأنه جاء في مقابل القنوط في استقبال السيئة ؛ وقيل : هو فرح البطر لأنهم يستخدمونها في معصية الله تعالى ، ولا يشكرونها ؛ فيتلقى هؤلاء الرحمة بالكفران ، على عكس المؤمنين الذين يتلقونها بالشكران ؛ قال ابن كثير - رحمه الله : هذا إنكار على الإنسان من حيث هو - إلا من عصمه الله ووفقه - فإن الإنسان إذا أصابته نعمةٌ بطر وقال : ] ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ [ [ هود : 10 ] ، أي : يفرح في نفسه ويفخر على غيره ، وإذا أصابته شدة قنط وآيس أن يحصل له بعد ذلك خير بالكلية ، قال الله تعالى : ] إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [ [ هود : 11 ] ، أي : صبروا في الضراء ، وعملوا الصالحات في الرخاء ، كما ثبت في الصحيح : " عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " ( [1] ) .ا.هـ .
قال ابن عاشور – رحمه الله : والرحمة أطلقت على أَثَرِ الرحمة ، وهو المنافع والأحوال الحسنة الملائمة ، كما ينبني عنه مقابلتها بالسيئة ، وهي ما يسوء صاحبه ويحزنه ؛ فالمقصد من هذه الآية تخلُّق المسلمين بالخلق الكامل ، فـ ( الناس ) مراد به خصوص المشركين بقرينة أن الآية ختمت بقوله : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ .ا.هـ . قلت : وهو توجيه حسن ؛ وقد سبقه إليه كثير من المفسرين منهم القرطبي - رحمه الله - قال : والآية صفة للكافر : يقنط عند الشدة ، ويبطر عند النعمة ، كما قيل :
كحمار السوء إن أعلفته ... رمح الناس وإن جاع نهق
وكثير ممن لم يرسخ الإيمان في قلبه بهذه المثابة ؛ فأما المؤمن فيشكر ربه عند النعمة ، ويرجوه عند الشدة .ا.هـ . ويؤيده سياق الآيات ، وحديث صهيب المتقدم ؛ والعلم عند الله تعالى .
ثم قال تعالى : ] أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ قال الطبري - رحمه الله : يقول تعالى ذكره : أولم ير هؤلاء الذين يفرحون عند الرخاء يصيبهم والخصب ، وييأسون من الفرج عند شدِّةٍ تنالهم - بعيون قلوبهم - فيعلموا أن الشدَّة والرخاء بيد الله ، وأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده فيوسعه عليه ، ويقدر على من أراد فيضيقه عليه ؛ ] إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤمِنُونَ [ يقول : إن في بسطه ذلك على من بسطه عليه ، وقَدَره على من قدَره عليه ، ومخالفته بين من خالف بينه من عباده في الغنى والفقر ، لدلالة واضحة لمن صدَّق حجج الله وأقرَّ بها إذا عاينها ورآها .ا.هـ .
فجعل الرؤية قلبية بقوله : ( بعيون قلوبهم ) فيكون معناها : العلم ، كما في آية سورة الزمر : ] أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ [ الزمر : 52 ] ؛ وجعل غيره الرؤية بصرية ، لأن هذا أمر يشاهده الجميع ، فيعتبر به المؤمنون ، ويغفل عنه الغافلون ؛ ويمكن أن يكون كلاهما مرادًا ، إذ التدبر لا يكون إلا بالقلب والبصيرة مع رؤية البصر بالمشاهدة .
قال ابن عاشور – رحمه الله : فجملة ] أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ [ الآية .. عطف على جملة ] وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا [ ، والاستفهام إنكاري في معنى النفي ؛ أنكر عليهم عدم الرؤية تنزيلاً لرؤيتهم ذلك منزلة عدم الرؤية ، لإهمال آثارها من الاعتبار بها ؛ فالتقدير : إذا هم يقنطون كيف لم يروا بسط الله الرزق وتقتيره ؟ كأنهم لم يروا ذلك ؛ والرؤية بصرية .
وجملة ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ تذييل ، أي : في جميع ما ذكر آيات كثيرة حاصلة ، كثرتها من اشتمال كل حالة من تلك الأحوال على أسباب خفية وظاهرة ، ومُسبباتها كذلك ، ومن تعدد أحوال الناس من الاعتبار بها والأخذ منها ، كل على حسب استعداده ؛ وخُصَّ القوم المؤمنون بذلك لأنهم أعمق بصائر ، بما ارتاضت عليه أنفسهم من آداب الإيمان ، ومن نصب أنفسهم لطلب العلم والحكمة من علوم الدين وحكمة النبوءة .ا.هـ ( [2] ).
فالمؤمنون هم أهل الانتفاع بهذه الآيات ، وهم من يعلم بسط الله للرزق وقبضه ، وأن الكل من الله تعالى ، ويؤمنون بذلك ، ويعلمون أنه ابتلاء في السراء والضراء ، فيشكرون ويصبرون ؛ لأنهم يعلمون أن لله تعالى في كل ذلك حكمة ؛ ( فالأمر في السراء والضراء يتبع قانونًا ثابتًا ، ويرجع إلى مشيئة الله سبحانه ، فهو الذي يُنعِم بالرحمة ، ويبتلي بالشدة ؛ ويبسط الرزق ويضيقه وفق سنته ، وبمقتضى حكمته ؛ وهذا ما يقع كل آن ، فلا داعي للفرح والبطر عند البسط ، ولا لليأس والقنوط عند القبض ؛ فإنما هي أحوال تتعاور الناس وفق حكمة الله ، وفيها للقلب المؤمن دلالة على أن مردَّ الأمر كله لله ، ودلالة على اطراد السنة ، وثبات النظام ، رغم تقلب الأحوال ) ( [3] ) .
إنها قضية إيمان .. فلذلك قال U : ] إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤمِنُونَ [ ؛ والعلم عند الله تعالى .


[1] - مسلم ( 2999 ) عن صهيب t ، وأثبت لفظه من صحيح مسلم .

[2] - انظر تفسير الطبري ، والقرطبي ، وابن كثير ، وابن عاشور ، و( في ظلال القرآن ) عند الآية ( 37 ) من سورة الروم .

[3] - مقتبس من كلام سيد قطب – رحمه الله – ( في ظلال القرآن ) بشيء من الاختصار .
 
الآية الرابعة
قوله تعالى : ] أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ [ الزمر : 52 ] .
جاءت هذه الآية ختامًا لآيات تصور نموذجًا مكررًا للإنسان ما لم تهتد فطرته إلى الحق وترجع إلى ربها الواحد ، وتعرف الطريق إليه ، فلا تضل عنه في السراء والضراء .
قال الله تعالى : ] فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ . قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ [ ( الزمر : 49 : 51) .
إن الضر يسقط عن الفطرة ركام الأهواء والشهوات ، ويعريها من العوامل المصطنعة التي تحجب عنها الحق الكامن فيها وفي ضمير هذا الوجود ؛ فعندئذ ترى الله وتعرفه وتتجه إليه وحده .
حتى إذا مرت الشدة وجاء الرخاء ، نسي هذا الإنسان ما قاله في الضراء ، وانحرفت فطرته بتأثير الأهواء ؛ وقال عن النعمة والرزق والفضل : ] إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ [ .. قالها قارون ، وقالها كل مخدوع بعلم أو صنعة أو حيلة يعلل بها ما اتفق له من مال أو سلطان ، غافلاً عن مصدر النعمة ، وواهب العلم والقدرة ، ومسبب الأسباب ، ومقدر الأرزاق ( [1] ) .
إنها صورة مكرورة في حياة البشرية فكرًا وواقعًا ، تشابهت قلوبهم فتشابهت كلماتهم : ] إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ [ ؛ وتشابهت نهايتهم ؛ ] أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا [ ( القصص: 78 ) ؛ وقال جل جلاله هاهنا : ] قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [ ( ما ) للجحد ، أي : لم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئًا ؛ ] فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ [ ، أي : ما هم فائتين الله Y ولا سابقيه ، إنما سيلحقهم جزاؤهم حتمًا بلا ريب .
ثم جاءت الآية : ] أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ لتبين الحقيقة الظاهرة ، والتي يغفل عنها هذا الأنموذج الضال ؛ وقال هاهنا : ] أَوَلَمْ يَعْلَمُوا [ مناسبة لما قبله ، وهو ] أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ [ ، ] وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [ .
قال ابن عاشور - رحمه الله : [ الآية ] عطف على جملة ] وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [ ؛ فبعد أن وصف أكثرهم بانتفاء العلم بأن الرحمة لهم فتنةٌ وابتلاء ، عُطف عليه إنكار علمهم انتفاء علمهم بذلك ، وإهمالهم النظر في الأدلَّة المفيدة للعلم ، وصمهم آذانهم عن الآيات التي تذكِّرهم بذلك حتى بَقُوا في جهالة مركَّبة ، وكان الشأن أن يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، أي يعطي الخيْر من يشاء ، ويمنع من يشاء .
فالاستفهام إنكار عليهم في انتفاء علمهم بذلك ؛ لأنهم تسببوا في انتفاء العلم ، فالإِنكار عليهم يتضمن توبيخًا ؛ واقتصر في الإِنكار على إنكار انتفاء العلم بأن بسط الرزقِ وقدْرَه من فعل الله تعالى ، لأنه أدنى لمشاهدتهم أحوال قومهم ، فكم من كادٍّ غير مرزوق وكم من آخر يجيئه الرزق من حيث لا يحتسب .
وجُعل في ذلك آيات كثيرة ، لأن اختلاف أحوال الرزق الدالة على أن التصرف بيد الله تعالى ينبئ عن بقية الأحوال ، فتحصُلُ في ذلك آيات كثيرة دالة على انفراد الله تعالى بالتصرف في نفس الأمر ؛ وجعلت الآيات لقوم يؤمنون لأن المؤمنين قد علموا ذلك وتخلقوا به ، ولم تكن فيه آيات للمشركين الغافلين عنه .ا.هـ .
وقال الإمام الطبري – رحمه الله : يقول تعالى ذكره : أولم يعلم - يا محمد - هؤلاء الذين كشفنا عنهم ضرهم ، فقالوا : إنما أوتيناه على علم منا ، أن الشدة والرخاء والسعة والضيق والبلاء بيد الله ، دون كل من سواه ، يبسط الرزق لمن يشاء ، فيوسعه عليه ، ويقدر ذلك على من يشاء من عباده ، فيضيقه ، وأن ذلك من حجج الله على عباده ، ليعتبروا به ويتذكروا ، ويعلموا أن الرغبة إليه والرهبة دون الآلهة والأنداد ؛ ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ [ يقول: إن في بسط الله الرزق لمن يشاء ، وتقتيره على من أراد لآيات ، يعني : دلالات وعلامات ] لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ يعني : يصدقون بالحقِّ ، فيقرُّون به إذا تبينوه وعلموا حقيقته أن الذي يفعل ذلك هو الله دون كل ما سواه .ا.هـ .
وقال القرطبي - رحمه الله : خص المؤمن بالذكر ، لأنه هو الذي يتدبر الآيات وينتفع بها ؛ ويعلم أن سعة الرزق قد يكون مكرًا واستدراجًا ، وتقتيره رفعة وإعظامًا .ا.هـ ( [2] ) .
فالله تعالى يوسع الرزق لمن يشاء وإن كان لا حيلة له ولا قوة ، امتحانًا ؛ ويضيقه على من يشاء ، وإن كان قويًّا شديد الحيلة ، ابتلاءً ، قال الله تعالى : ] بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [ .
ونسب لعلي بن أبي طالب t :
للناسِ حِرْصٌ على الدنيا بتَدْبيرِ ... وصَفْوُها لكَ ممزوجٌ بتكديرِ
كم من مُلِحٍّ عليها لا تساعِدُه ... وعاجزٍ نالَ دنياه بتقصيرِ
لم يُرزقوها بعقلٍ حينما رُزقوا ... لكنما رُزِقوها بالمقاديرِ
لو كانَ عن قوةٍ أو عن مُغالبةٍ ... طارَ البُزاةُ بأرزاقِ العصافيرِ
وللشافعي – رحمه الله :
كم من قويٍّ، قويٍّ في تقلُبِهِ ... مهذبِ الرأي عنهُ الرزقُ منحرفُ
ومن ضعيفٍ ضعيفِ العقلِ مختلطٌ ... كأنَّه مِنْ خليجِ البحرِ يغترفُ
هذا دليلٌ على أن الإله لهُ ... سرٌ خفيٌّ علينا ليسَ ينكشفُ
إن الرزق قضية إيمان ، لا يعيها ويعتقدها ويعمل بمقتضاها إلا صادقو الإيمان ، فلذلك جاء تذييل الآية : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ .
هذا ، والعلم عند الله تعالى .

[1] - اقتباس من كلام سيد قطب في ( الظلال ) .

[2] - انظر تفسير الطبري ، وتفسير القرطبي ، و( التحرير والتنوير ) عند الآية ( 52 ) من سورة الزمر .
 
الآية الخامسة
قوله تعالى : ] وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ [ الأنعام : 99 ] .
جاءت ] ذَلِكُمْ [ ها هنا بصيغة الجمع ؛ ولم تأت بصيغة الجمع – في الآيات التي معنا - إلا في هذه الآية ؛ ذلك لتعدد ذكر النعم والآيات فيها ؛ أما الآيات الأربع السابقة فجاءت بصيغة الإفراد ] إِنَّ فِي ذَلِك [ لأنها تحدثت عن نعمة فيها آيات .
قال الطبري – رحمه الله : يقول تعالى ذكره : إن في إنزال الله من السماء الماءَ الذي أخرج به نباتَ كل شيء ، والخضِرَ الذي أخرج منه الحبَّ المتراكب ، وسائر ما عدَّد في هذه الآية من صنوف خلقه ] لَآياتٍ [ يقول : في ذلكم - أيها الناس - إذا أنتم نظرتم إلى ثمره عند عقد ثمره ، وعند ينعه وانتهائه ، فرأيتم اختلاف أحواله وتصرفه في زيادته ونموّه ، علمتم أن له مدبِّرًا ليس كمثله شيء ، ولا تصلح العبادة إلا له دون الآلهة والأنداد ، وكان فيه حجج وبرهان وبيان ] لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ يقول : لقوم يصدقون بوحدانية الله وقدرته على ما يشاء .
وخصَّ بذلك - تعالى ذكره - القوم الذين يؤمنون ، لأنهم هم المنتفعون بحجج الله والمعتبرون بها ، دون من قد طَبعَ الله على قلبه ، فلا يعرف حقًّا من باطل ، ولا يتبين هدًى من ضلالة .ا.هـ .
وجاءت هذه الآية في سياق آيات تقرر وحدانية الربوبية والألوهية ؛ فجاءت بين قول الله تعالى : ] إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ . فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ [ [ الأنعام : 95 – 98 ] ؛ وقوله Y : ] وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ . بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ [ الأنعام : 100 ، 101 ] .
وكثيرًا ما يأتي في القرآن الاستدلال على توحيد الألوهية بتقرير توحيد الربوبية ؛ لأن القوم كانوا مقرين بجوانب من الربوبية ، فخاطبهم القرآن بقضايا الربوبية حثًّا للعقول على التدبر والتفكر والفهم بأن الذي خلق وسخر وملك ودبر هو سبحانه المستحق للألوهية وحده .
يقول الأستاذ سيد قطب – رحمه الله : وبعد ، فنحن - في هذا الدرس - أمام كتاب الكون المفتوح ، الذي يمر به الغافلون في كل لحظة فلا يقفون أمام خوارقه وآياته ، ويمر به المطموسون فلا تتفتح عيونهم على عجائبه وبدائعه .. وها هو ذا النسق القرآني العجيب يرتاد بنا هذا الوجود ، كأنما نهبط إليه اللحظة ، فيقفنا أمام معالمه العجيبة ، ويفتح أعيننا على مشاهده الباهرة ، ويثير تطلعنا إلى بدائعه التي يمر عليها الغافلون غافلين !
ها هو ذا يقفنا أمام الخارقة المعجزة التي تقع في كل لحظة من الليل والنهار .. خارقة انبثاق الحياة النابضة من هذا الموات الهامد .. لا ندري كيف انبثقت ، ولا ندري من أين جاءت - إلا أنها جاءت من عند الله وانبثقت بقدر من الله ، لا يقدر بشر على إدراك كنهها بله ابتداعها !
وها هو ذا يقف بنا أمام دورة الفلك العجيبة .. الدورة الهائلة الدائبة الدقيقة .. وهي خارقة لا يعدلها شيء مما يطلبه الناس من الخوارق .. وهي تتم في كل يوم وليلة ، بل تتم في كل ثانية ولحظة .
وها هو ذا يقف بنا أمام نشأة الحياة البشرية ، من نفس واحدة .. وأمام تكاثرها بتلك الطريقة .
وها هو ذا يقف بنا أمام نشأة الحياة في النبات .. وأمام مشاهد الأمطار الهاطلة ، والزروع النامية ، والثمار اليانعة ؛ وهي حشد من الحيوات والمشاهد ، ومجال للتأمل والريادة ؛ لو نشاهدها بالحس المتوفز والقلب المتفتح .
وها هو ذا الوجود كله ، جديدًا كأنما نراه أول مرة . حيًّا يعاطفنا ونعاطفه ، متحركًا تدب الحركة في أوصاله ، عجيبًا يشده الحواس والمشاعر ، ناطقًا بذاته عن خالقه ، دالاً بآياته على تفرده وقدرته .
وعندئذ يبدو الشرك بالله - والسياق يواجه الشرك والمشركين بهذا الاستعراض - غريبًا غريبًا على فطرة هذا الوجود وطبيعته ؛ وشائهًا شائهًا في ضمير من يشاهد هذا الوجود الحافل بدلائل الهدى ويتأمله ؛ وتسقط حجة الشرك والمشركين ، في مواجهة هذا الإيمان الغامر في مجالي الوجود العجيب . .
والمنهج القرآني - في خطاب الكينونة البشرية بحقيقة الألوهية ؛ وفي بيانه لموقف العبودية منها ؛ يجعل حقيقة الخلق والإنشاء للكون ، وحقيقة الخلق والإنشاء للحياة ، وحقيقة كفالة الحياة بالرزق الذي ييسره لها الله في ملكه ، وحقيقة السلطان الذي يخلق ويرزق ويتصرف في عالم الأسباب بلا شريك .. يجعل من هذه الحقائق مؤثرًا موحيًا ، وبرهانًا قويًّا على ضرورة ما يدعو إليه البشر : من العبودية لله وحده ، وإخلاص الاعتقاد والعبادة والطاعة والخضوع له وحده .ا.هـ .
ولنقف على مجمل بيان هذه الآية الكريمة ننظر في مفرداتها وجملها ومعنى ذلك في هذا السياق البديع ، ليتبين لنا لماذا ختمت الآية بقوله تعالى : ] إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ .
قال الله تعالى : ] وَهُوَ [ قال الطبري - رحمه الله : يقول تعالى ذكره : والله الذي له العبادة خالصة لا شريك فيها لشيء سواه ، هو الإله ] الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [ ا.هـ . أي : المطر ، وهو آية من آيات الله Y ، وفعله في الأرض الميتة آية من آيات الله Y ، ] فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ [ أي : كل صنف من النبات ، والمعنى - كما يقول ابن عاشور : فأخرجنا بالماء ما ينبت من أصناف النّبت . فإنَّ النبت جنس له أنواع كثيرة ؛ فمنه زرع وهو ما له ساق ليّنة كالقَصَب ؛ ومنه شجر وهو ما له ساق غليظة كالنّخل والعنب ؛ ومنه نَجْم وأبُّ وهو ما ينبت لاصِقًا بالتّراب ، وهذا التّعميم يشير إلى أنّها مختلفة الصّفات والثّمرات والطبائع والخصوصيات والمذاق ، وهي كلّها نابتة من ماء السّماء الّذي هو واحد ، وذلك آية على عظم القدرة ، قال تعالى : ] يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ [ [ الرعد : 4 ] ، وهو تنبيه للنَّاس ليعتبروا بدقائق ما أودعه الله فيها من مختلف القوى التي سبَّبتْ اختلاف أحوالها .ا.هـ .
] فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ [ أي : من الماء ، ] خَضِرًا [ الخَضِر : الشّيء الّذي لونه أخضر ، ويطلق اسمًا للنَّبت الرَّطب الذي ليس بشجر ، وهو الذي يخرج منه الحب ، ] نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا [ الحَبُّ : هو ثمر النّبات ، كالبُرِّ والشّعير والزّراريع كلّها ؛ والمتراكب : الملتصق بعضه على بعض في السنبلة ، مثل القَمح وغيره ، والتّفاعل للمبالغة في ركوب بعضه بعضًا ؛ قال ابن عباس t : يريد القمح والشعير والسلت والذرة والأرز وسائر الحبوب .
] وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ [ الطَّلْع : وعاء عرجون التّمر الذي يبدو في أوَّل خروجه يكون كشكل الأترُجَّة العظيمة مغلقًا على العرجون ، ثمّ ينفتح كصورة نعلين فيخرج منه العنقود مجتمعًا ، ويسمَّى حينئذٍ الإغريض ، ثمَّ يصير قِنوا .
والقنو : العذق ، وهو عرجون التَّمر ، كالعنقود للعنب ، والجمع القنوان والأقناء ؛ و] دَانِيَةٌ [ : قريبة ، ينالها القائم والقاعد ؛ وقال الزجاج : منها دانية ومنها بعيدة ، فحذف ؛ ومثله : ] سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [ [ النحل : 81 ] ؛ وخص الدانية بالذكر ، لأن من الغرض في الآية ذكر القدرة والامتنان بالنعمة ، والامتنان فيما يقرب متناوله أكثر .ا.هـ. والدَّانية هي التي تكون نخلتها قصيرة لم تتجاوز طول قامة المتناول ، ولا حاجة لذكر البعيدة التَّناول لأنَّ الذَّكرى قد حصلت بالدَّانية وزادت بالمنَّة التَّامَّة .
] وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ [ أي : وأخرجنا جنات ، يعني : بساتينَ من أعناب ؛ والأعناب جمع عِنَب ، وهو جمع عِنَبَة ، وهو في الأصل ثمر شجر الكَرْم ؛ ويطلق على شجرة الكرم عِنب على تقدير مضاف ، أي شجرة عنب ، قال الرَّاغب : العِنب يقال لثمرة الكرم وللكرم نفسه .ا.هـ .
] وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ [ المراد : شجرهما ؛ قال ابن عاشور – رحمه الله : وهاتان الشَّجرتان وإن لم تكونا مثل النَّخل في الأهميَّة عند العرب إلا أنَّهما لعزَّة وجودهما في بلاد العرب ولتنافس العرب في التَّفكُّه بثمرهما والإعجاب باقتنائهما ، ذُكرا في مقام التَّذكير بعجيب صنع الله تعالى ومنَّته ؛ وكانت شجرة الزّيتون موجودة بالشَّام وفي سينا ، وشجرة الرمَّان موجودة بالطَّائف .ا.هـ .
وقال القرطبي : وخص الرمان والزيتون بالذكر لقربهما منهم ومكانهما عندهم ؛ وهو كقوله : ] أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [ [ الغاشية : 17 ] ، ردهم إلى الإبل لأنها أغلب ما يعرفونه .
] مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ [ أي : متشابها في الأوراق ؛ أي : ورق الزيتون يشبه ورق الرمان في اشتماله على جميع الغصن ، وفي حجم الورق ، وغير متشابه في الذواق ؛ وقيل : متشابها في النظر ، وغير متشابه في الطعم ، مثل الرمانتين لونهما واحد وطعامهما مختلف .
والتّشابه - كما يقول ابن عاشور - التماثل في حالة مع الاختلاف في غيرها من الأحوال ، أي : بعض شجره يشبه بعضًا وبعضه لا يشبه بعضًا ، أو بعض ثمره يشبه بعضًا وبعضه لا يشبه بعضًا ، فالتّشابه ممَّا تقارب لونه أو طعمه أو شكله ممَّا يتطلَّبه النّاس من أحواله على اختلاف أميالهم ، وعدم التّشابه ما اختلف بعضه عن البعض الآخر فيما يتطلَّبه النَّاس من الصَّفات على اختلاف شهواتهم ، فمن أعواد الشّجر غليظ ودقيق ، ومن ألوان ورقه قاتم وداكن ، ومن ألوان ثمره مختلف ومن طعمه كذلك ؛ والمقصود من التَّقييد بهذه الحال التَّنبيه على أنَّها مخلوقة بالقصد والاختيار لا بالصدفة .ا.هـ .
] انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ [ أي : نظر الاعتبار لا نظر الإبصار المجرد عن التفكر ؛ والثمر في اللغة : جنى الشجر ؛ ] وَيَنْعِهِ [ يقال : ينع الثمر وأينع يينع ، والثمر يانع ، إذا نضج وأدرك ، أي : بلوغُه حين يبلغ .
فدلت الآية - كما يقول القرطبي - لمن تدبر ونظر ببصره وقلبه ، نظر من تفكر ، أن المتغيرات لا بد لها من مغيِّر ، وذلك أنه تعالى قال : ] انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ [ فتراه أولا طلعًا ، ثم إغريضًا إذا انشق عنه الطلع ، والإغريض يسمى ضحكا - أيضًا ، ثم بلحًا ، ثم سيابا ، ثم جدالا إذ اخضر واستدار قبل أن يشتد ، ثم بسرًا إذا عظم ، ثم زهوًا إذا احمر ، يقال : أزهى يزهي ، ثم موكتا إذا بدت فيه نقط من الإرطاب ؛ فإن كان ذلك من قبل الذَنَبِ فهي مذنبة ، وهو التذنوب ، فإذا لانت فهي ثعدة ، فإذا بلغ الإرطاب نصفها فهي مجزعة ، فإذا بلغ ثلثيها فهي حلقانة ، فإذا عمها الإرطاب فهي منسبتة ، يقال : رطب منسبت ؛ ثم ييبس فيصير تمرًا .
فنبه الله تعالى بانتقالها من حال إلى حال ، وتغيرها ، ووجودها بعد أن لم تكن بعد على وحدانيته وكمال قدرته ، وأن لها صانعًا قادرًا عالِمًا. ودل على جواز البعث ، لإيجاد النبات بعد الجفاف .ا.هـ .
] إِنَّ فِي ذَلِكُمْ [ الإشارة بـ ] ذَلِكُمْ [ إلى المذكور كلِّه من أول الآية .
] لَآياتٍ [ أي : لعلامات ودلائل عظيمة على وجود الخالق القادر الحكيم ووحدانيته ، فإن حدوث هاتيك الأجناس المختلفة والأنواع المتشعبة من أصل واحد ، وانتقالها من حال إلى حال على نمط بديع يحار في فهمه الألباب ، لا يكون إلا بإحداث خالق بديع Y .
] لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ وصف للآيات . واللام للتعليل ، والمعلَّل هو ما في مدلول الآيات من مضمَّن معنى الدَّلالة والنَّفع ؛ وقد صرَّح في هذا بأنَّ الآيات إنَّما تنفع المؤمنين تصريحًا بأنَّهم المقصود في الآية ؛ إذ هم يؤمنون بالله U استدلالاً بما يشاهدونه من عجائب مخلوقاته التي قصها عليهم ، وقيل : معنى ( يؤمنون ) يصدقون أن الذي يقدر على ذلك قادر على أن يحيي الموتى ويبعثهم ( [1] ) .
فمن يتأمل هذه الآية القرآنية ، ويتفكر فيما تتضمنه من آيات كونية ، ويتدبر ما فيها ، فلابد أن يصدق بأن وراء ذلك إله عظيم خالق قدير مدبر .... إنها قضية إيمان ؛ فلا ينتفع بها إلا المؤمنون ، وهي داعية لمن كان صادقًا في طلبه الحق أن يكون من هؤلاء الذين ينتفعون بهذه الآيات ، فيؤمن بالله العظيم ، ويوحده .
ومن هنا كان ذيل الآية : ] إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ .
هذا والعلم عند الله تعالى .

[1] - انظر ( تفسير الطبري ) ، و( تفسير القرطبي ) ، و( تفسير ابن عاشور ) ، و( في ظلال القرآن ) عند الآية ( 99 ) من سورة الأنعام .
 
الآية السادسة

قوله تعالى في قصة إبراهيم u : ] فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ [ العنكبوت : 24 ] .
هذه هي الآية السادسة والأخيرة ، فلا سابع لهذه الخواتيم في آيات كتاب الله تعالى .
وهي فريدة في الباب إذ تتحدث عن خارقة كونية أيَّد الله بها خليله إبراهيم u ، والخوارق ( المعجزات ) آيات للرسل دالة على عظيم قدرة الله تعالى ، وفي ذات الوقت دالة على صدق الرسل ؛ والمعجزات من الأمور التي يصدق بها أهل الإيمان ، أو بمن تتهيأ نفوسهم لقبول الحق والإذعان له إذا رأى المعجزة ، لذا ختمت الآية بقوله تعالى : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ .
وللآيةتعلق بالآيات قبلها في قصة إبراهيم e؛ قال الله تعالى:] وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ . أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ . وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ [ العنكبوت : 16 – 23 ] .
فتأمل : كيف كانت دعوة إبراهيم e قومه إلى الله تعالى : ] اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[ ، ثم بيَّن لهم أن ما يعبدون من دون الله أحجارًا لا تنفع ولا تضر ، وأنهم قد جاءوا بكذب عظيم بعبادتهم إياها ، ووضعهم لها أخبارًا ومناقب وأعمالا مكذوبة موهومة : ] إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا [، ثم بيَّن لهم أن هذه الأوثان لا تملك شيئًا ترزقكم منه ، بل الله تعالى هو الرزاق ] فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ[ ومن يرزق هو المستحق للعبادة ] وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ[أي اعبدوه شكرا على ما أنعم عليكم ؛ ثم هددهم وتوعدهم : ] إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[ أي : فيجازيكم على أعمالكم إن خيرا فخير ، وإن شرًّا فشر .
وبعد تهديدهم بما يكون من المعاد ، وعظهم بالاعتبار بمن سبقهم : ] وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ [ أي : اعتبروا بهؤلاء الذين من قبلكم لما كذبوا الرسل أهلكهم الله تعالى ؛ ] وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ[ أي : إنما وظيفة الرسول إلى الناس أن يبلغ عن الله بلاغًا واضحًا مبشرًا ومنذرًا .
ثم أنكر الله تعالى عليهم عدم التدبر والنظر فيما خلق الله تعالى ، وكيف يصرفه بين البدء والإعادة : ] أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [ فالنبات - مثلا - يخرج من الأرض ثم يزهو ثم يصفر ، ويتجدد ثمر الأشجار ، وتعاد النباتات الأخرى كالحبوب والبقول .. هكذا آية من آيات الله تعالى ، وفيه إشارة إلى البعث ؛ وقال ابن كثير – رحمه الله : يقول تعالى مخبرًا عن الخليل u أنه أرشدهم إلى إثبات المعاد الذي ينكرونه ، بما يشاهدونه في أنفسهم من خلق الله إياهم ، بعد أن لم يكونوا شيئًا مذكورًا ، ثم وُجدوا وصاروا أناسًا سامعين مبصرين ، فالذي بدأ هذا قادر على إعادته ؛ فإنه سهل عليه يسير لديه .ا.هـ ( [1] ) . ] إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [ ، كما قال تعالى : ] وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [ [ الروم : 27 ] ؛ إذ الخلق من العدم - عند التأمل والنظر - أصعب وأشدَّ من إعادة الخلق بعد الموت .. وهذا في عرف المخلوقين ، أما الله Y فليس في حقه صعب وأصعب ، ولا هين وأهون ، إنما يقول للشيء : كن فيكون .
ثم أمره الله U أن يدعوهم إلى سير الاعتبار في الأرض : ] قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ [ فتعوُّد الناس بما بين أيديهم يصرف عقولهم عن التأمل فيما وراء ذلك من دلائل دقائقها على ما تدل عليه ، فلذلك أمر الله رسوله أن يدعوهم إلى السير في الأرض ليشاهدوا آثار خلق الله الأشياء من عدم فيوقنوا أن إعادتها بعد زوالها ليس بأعجب من ابتداء صنعها ؛ أفاده ابن عاشور ؛ ] ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ [ فالذي يبدئ هو الذي يعيد Y] إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[ أي : قدير على البعث ، وعلى كل شيء إذا أراده .
ثم جاء بيان الجزاء : ] يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ [ وبدأ بالعذاب لأن الخطاب جار مع منكري البعث ، الذين حظهم فيه هو التعذيب ، وممن يشاء رحمته المؤمنون ، ] وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ [ أي : ترجعون ، لينال من يُعذَّب ومن يُرحَمُ جزاءه .
] وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ [ أي : ليس لكم انفلات في الأرض ، ولن تجدوا موئلاً ينجيكم من قدرتنا عليكم في مكان من الأرض سهلها وجبلها ، وبدْوِها وحضرها ؛ ] وَلَا فِي السَّمَاءِ [ احتراس وتأييس من الطمع في النجاة ، وإن كانوا لا مطمع لهم في الالتحاق بالسماء ؛ولما آيسهم من الانفلات بأنفسهم في جميع الأمكنة أعقبه بتأييسهم من الانفلات من الوعيد بسعي غيرهم لهم من أولياء يتوسطون في دفع العذاب عنهم بنحو السعاية أو الشفاعة ، أو من نصراء يدافعون عنهم بالمغالبة والقوة ( [2] ) :] وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [ .
ثم بين الله تعالى حال الكافرين : ] وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ ؛ فهذه الآية بيان لما في قوله ] يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ[ وإنما عطف لما فيه من زيادة الإخبار بأنهم لا ينالهم الله برحمة وأنه يصيبهم بعذاب أليم ( [3] ) .
ثم قال الله تعالى : ] فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ [ ، ويبدو هذا الجواب - كما يقول سيد قطب رحمه الله - غريبًا عجيبًا ، ويكشف عن تبجح الكفر والطغيان ، بما يملك من قوة ومن سلطان : اقتلوه أو حرقوه .. ردًّا على تلك الدعوة الواضحة البسيطة المرتبة التي خاطب بها قلوبهم وعقولهم .ا.هـ .
قال صديق حسن خان - رحمه الله : أي : قال بعضهم لبعض عند المشاورة بينهم : لا تجيبوا عن براهينه الثلاثة الدالة على الأصول وهي : التوحيد والنبوة والحشر ، وافعلوا بإبراهيم أحد الأمرين : ] اقْتُلُوهُ [ بالسيف أو نحوه ، فتستريحوا منه عاجلاً ، ] أَوْ حَرِّقُوهُ [ بالنار ؛ فإما أن يرجع إلى دينكم إذا أوجعته النار ، وإما أن يموت بها إذا أصر على قوله ودينه ؛ وإنما أجابوا بذلك لعدم قدرتهم على الجواب الصحيح ؛ ثم اتفقوا على تحريقه فقذفوه في النار .ا.هـ .
قال ابن كثير - رحمه الله : يقول تعالى مخبرًا عن قوم إبراهيم في كفرهم وعنادهم ومكابرتهم ، ودفعهم الحق بالباطل : أنه ما كان لهم جواب بعد مقالة إبراهيم هذه المشتملة على الهدى والبيان ، ] إِلا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ [ ، وذلك لأنهم قام عليهم البرهان، وتوجهت عليهم الحجة ، فعدلوا إلى استعمال جاههم وقوة ملكهم ، ] قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ . فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ [ [ الصافات : 97 ، 98 ] ، وذلك أنهم حَشَدوا في جمع أحطاب عظيمة مدة طويلة، وحَوّطوا حولها، ثم أضرموا فيها النار، فارتفع لها لهب إلى عَنَان السماء: ولم توقد نار قط أعظم منها ، ثم عمدوا إلى إبراهيم فكتفوه وألقوه في كفَّة المنجنيق ، ثم قذفوا به فيها، فجعلها الله عليه بردا وسلامًا ، وخرج منها سالما بعد ما مكث فيها أياما .ا.هـ .
] فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ [ أي : سَلَّمه منها ، بأن جعلها عليه بردًا وسلامًا ، قال الله تعالى : ] قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ [ [ الأنبياء : 68 – 70 ] .
] إِنَّ فِي ذَلِكَ [ أي : الإنجاء ، ] لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [قال الطبري - رحمه الله : يقول تعالى ذكره : إن في إنجائنا لإبراهيم من النار ، وقد ألقي فيها وهي تَسَعر ، وتصييرها عليه بردًا وسلامًا ، لأدلة وحججًا لقوم يصدُّقون بالأدلة والحجج إذا عاينوا ورأوا .ا.هـ .
قال سيد قطب – رحمه الله : وكان في نجاته من النار على النحو الخارق الذي تمت به آية لمن تهيأ قلبه للإيمان ؛ ولكن القوم لم يؤمنوا على الرغم من هذه الآية الخارقة ، فدل هذا على أن الخوارق لا تهدي القلوب ، إنما هو الاستعداد للهدى والإيمان : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ ؛ الآية الأولى هي تلك النجاة من النار ؛ والآية الثانية هي عجز الطغيان عن إيذاء رجل واحد يريد الله له النجاة ؛ والآية الثالثة هي أن الخارقة لا تهدي القلوب الجاحدة ؛ ذلك لمن يريد أن يتدبر تاريخ الدعوات ، وتصريف القلوب ، وعوامل الهدى والضلال .ا.هـ .
وقال صديق حسن خان : ] لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ أي : يصدقون بتوحيد الله وقدرته ، وإنما خص المؤمنون لأنهم الذين يعتبرون بآيات الله سبحانه ، وينتفعون بها ، وأما من عداهم فهم عن ذلك غافلون .ا.هـ ( [4] ) .
إن المعجزات آيات للرسل ، يؤمن بها ويصدقها من آمن بالله ورسله ، أو تهيأ قلبه للإيمان إذا رأى المعجزة ، فناسب أن تختم هذه الآية بقوله تعالى : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ .
هذا والعلم عند الله تعالى .


[1] - انظر ( تفسير ابن كثير ) عند الآية ( 19 ) من سورة العنكبوت .

[2] - انظر ( التحرير والتنوير ) عند الآية ( 22 ) من سورة العنكبوت .

[3]- من قوله تعالى : ] وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ [ إلى هاهنا ، قيل : إنه من كلام إبراهيم عليه السلام متصلا ، وقيل : بل هنا التفات المراد به تسلية وتعزية النبي محمد e به ، ومخاطبة قومه للاعتبار والاتعاظ بمن قبلهم ؛ قال ابن كثير ( دار طيبة : 6 / 270 ) : وقال قتادة في قوله : ] وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ [ قال : يُعزي نبيه e .ا.هـ . وهذا من قتادة يقتضي أنه قد انقطع الكلام الأول ، واعترض بهذا إلى قوله : ] فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ [ ، وهكذا نص على ذلك ابن جرير أيضًا ؛ والظاهر من السياق أن كل هذا من كلام إبراهيم الخليل u لقومه ؛ يحتج عليهم لإثبات المعاد ، لقوله بعد هذا كله : ] فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ [ ، والله أعلم .

[4]- انظر تفسير الطبري ، وتفسير ابن كثير ، و( فتح البيان في مقاصد القرآن ) لصديق حسن خان ، و( التحرير والتنوير ) ، و( في ظلال القرآن ) عند الآيات ( 16 - 24 ) من سورة العنكبوت .
 
عودة
أعلى