إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْن

إنضم
17/08/2016
المشاركات
680
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المملكة العربية
قوله تعالى
( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة [40]

هذه الآية تشير إلى رجل هو أكرم الخلق على ربه؛ بعد المصطفين الأخيار - الأنبياء والرسل - أعني أبا بكر؛ الصديق الأعظم.

قال السمعاني: وعن الحسين بن الفضل البجلي أنه قال: من قال: إن أبا بكر ليس بصاحب رسول الله فهو كافر، لإنكاره نص القرآن.

قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: فإنّ المراد بصاحبه أبو بكر بلا نزاع.

قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: أجمع المسلمون على أن الصاحب المذكور أبو بكر.

قوله «إلاّ تنصروه»: أي النبي صلى الله عليه وسلم.

قال السمعاني: معناه: إن لم تنصروه فقد نصره الله.

قال البغوي: هذا إعلام من الله عز وجل أنه المتكفل بنصر رسوله وإعزاز دينه، أعانوه أو لم يعينوه، وأنه قد نصره عند قلة الأولياء، وكثرة الأعداء، فكيف به اليوم وهو في كثرة من العدد والعدد؟

قوله «فقد نصره الله»: عني: إن لم تنصروه ولم تخرجوا معه إلى غزوة تبوك، فالله ينصره كما نصره.
قاله السمرقندي.

قوله «إذ»: حين.
قاله السيوطي.

قوله «أخرجه الذين كفروا»: أي تسببوا لخروجه.
قاله أبو السعود.

قال الواحدي في الوجيز: أي: اضطروه إلى الخروج لما هموا بقتله فكانوا سببا لخروجه من مكة هاربا منهم.

قال السيوطي: أي الجؤوه إلى الخروج لما أرادوا قتله أو حبسه أو نفيه بدار الندوة.

قوله «ثاني اثنين»: أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وهذا بالإجماع كما سلف.

قال الواحدي: وقال المفسرون: ثاني اثنين هو وأبو بكر.

قال الإيجي الشافعي: أي حال كونه أحد اثنين هو - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رضي الله عنه.

قال السيوطي: المعنى نصره الله في مثل تلك الحالة فلا يخذله في غيرها.

قال السمعاني: معناه أحد اثنين، تقول العرب: خامس خمسة أي: أحد الخمسة، ورابع أربعة أي: أحد الأربعة.

قال السمرقندي: كان واحداً من اثنين، يعني: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر ولم يكن معهما غيرهما.

قال الواحدي في الوسيط: قال الزجاج: هو نصب على الحال، المعنى: فقد نصره الله أحد اثنين، أي: نصره منفردا إلا من أبي بكر.
وهذا معنى قول الشعبي: عاتب الله عز وجل أهل الأرض جميعا في هذه الآية غير أبي بكر.

قال السمعاني: قال المفسرون: عاتب الله جميع الناس بترك نصرة الرسول سوى أبي بكر - رضي الله عنه.

قلت ( عبدالرحيم ): قوله ( ثاني اثنين ): وما أدراك ما ثاني اثنين؛ أبو بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة عثمان التيمي القرشي، أول من صدق وآمن ونصر، وأول داع إلى الله في هذه الأمة؛ بعد النبي، تدارك الله به المسلمين بخلافته، صدع بكلمات مؤثرة بعد موت صاحبه - صلى الله عليه وسلم - أكرم الخلق على الله بعد المصطفين الأخيار، الملقب بما ذكر في التنزيل ( ثاني اثنين ) صديق هذه الأمة، لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق؛ تغلظ نفاقه.
فلا صلى الله على من لا يصلي عليه. ومن لم يقل له الصديق فلا صدق الله قوله في الدنيا ولا في الآخرة.

وما ورد في الصحاح والمسانيد والمعاجم ومصنفات العقائد في شأنه وفضائله كثير.

وإليك قطرة من بحر فضائله:

روى أحمد في فضائل الصحابة عن ربيعة الأسلمي - يبين لك شيئا من فضائله - رضي الله عنه - وفيه:
فجاء ناس من أسلم فقالوا لي: رحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي عليك رسول الله وهو الذي قال لك ما قال؟ قال: فقلت: أتدرون ما هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين، وهو ذو شيبة المسلمين، أتاكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله فيغضب لغضبه، فيغضب الله لغضبهما، فتهلك ربيعة.

وروى البخاري، ومسلم عن أنس، عن أبي بكر رضي الله عنه، قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما».

وروى الدارقطني- في فضائل الصحابة - عن الحسن بن محمد بن الحنفية، أنه قال: يا أهل الكوفة اتقوا الله، ولا تقولوا في أبي بكر وعمر ما ليسا له بأهل إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثاني اثنين، وإن عمر أعز الله به الدين. انتهى

قوله «إذ» بدل من إذ قبله.
قاله السيوطي.

قوله «هما في الغار»: نقب في الجبل.
قاله ابن الهائم.

قال الواحدي: الغار ثقب في الجبل عظيم، قال قتادة: هو غار في جبل مكة يقال له ثور.

قال ابن قتيبة: الغار في جبل يسمى "ثورا" ومكثا فيه ثلاثة أيام.

قوله «إذ»: بدل ثان.

قوله «يقول لصاحبه»: أي: لأبي بكر - رضي الله عنه - باتفاق أهل العلم.
قاله السمعاني.

قال الواحدي: يعني: يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر.

قوله «لا تحزن»: لم يكن حزن أبي بكر جبنا منه، وإنما كان إشفاقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قاله البغوي.

قوله «إن الله معنا»: نصره وعونه وتأييده وعصمته وحفظه وولايته ومعونته وتسديده.
قاله صديق حسن خان.

قلت ( عبدالرحيم ): وفي الآية دليل على اثبات صفة المعية لله – تقدس اسمه – لخلقه على ما يليق به؛ معية تامة على الحقيقة، ولا منافاة بينها وبين كونه – تبارك وتعالى – في السماء على العرش استوى. فالقمر في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان.

وهي نوعان: معية عامة كما في قوله ( وهو معكم أينما كنتم )، وقوله ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ).

ومعية خاصة: كما في قوله (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى )، وقوله ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا )، وقوله (لا تحزن إن الله معنا ).

قوله «فأنزل الله سكينته»: السكون والطمأنينة.
قاله ابن قتيبة، والنحاس.

قال النسفي: ما ألقى في قلبه من الأمنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون.

قوله «عليه»: قيل على النبي، وقيل على أبي بكر.
قاله السيوطي.

قال السمرقندي: يعني: طمأنينته عَلَيْهِ. يعني: طمأنينته على أبي بكر.

قال السمعاني: وهو قول الأكثرين. ( يعني أبا بكر ).

قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: على أبي بكر: فأما النبي صلى الله عليه وسلم فكانت السكينة عليه قبل ذلك.
قاله الواحدي.

قال ابن قتيبة: قال قوم: على أبي بكر واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مطمئنا يقول لصاحبه: ( لا تحزن إن الله معنا ) والمذعور صاحبه فأنزل الله السكينة.

قال النحاس: يجوز أن تكون تعود على أبي بكر والأشبه على قول أهل النظر ان تكون تعود على أبي بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت عليه السكينة.

لطيفة:

الكناية في الهاء من «عليه» تعود إلى الرسول عليه السلام، ويحتمل أن تكون عائدة إلى الصديق رضى الله عنه، فإن حملت على الصديق تكون خصوصية له من بين المؤمنين على الانفراد، فقد قال عز وجل لجميع المؤمنين: «هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين».
وقال للصديق- على التخصيص- فأنزل الله سكينته عليه.
قاله القشيري.

قوله «وأيَّده»: أي النبي صلى الله عليه وسلم.
قاله السيوطي، وغيره.

قال الواحدي في الوسيط: والهاء عائدة على النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله «بجنود لم تروها»: ملائكة في الغار ومواطن قتاله.
قاله السيوطي.

قال أبو السعود: عطف على نصره الله والجنود هم الملائكة النازلون يوم بدر والأحزاب وحنين وقيل هم الملائكة أنزلهم الله ليحرسوه في الغار ويأباه وصفهم بعدم رؤية المخاطبين لهم وقوله عز وعلا.

قال الإيجي: أي: الملائكة ليحرسوه.

قال البغوي: وهم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته.

قال السمعاني: الجنود هاهنا: الملائكة، نزلوا فألقوا الرعب في قلوب الكفار حتى رجعوا.

قال ابن قتيبة: أي قواه بملائكة.

قال ابن عباس: وقواه بالملائكة يدعون الله له.
حكاه الواحدي.

قال الزجاج: أيده بملائكة يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه.

قلت ( عبدالرحيم ): ومع جلاء الآية في بيان أن الجنود التي أيد الله بها نبيه لم تُرى؛ فقد اشتهر بين الناس قصة العنكبوت ونسجها، والحمامة وبيضها؛ ومع كونها لم تثبت فهي مخالفة لظاهر الآية.

قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة:

ثم إن الآية المتقدمة " وأيده بجنود لم تروها " فيها ما يؤكد ضعف الحديث، لأنها صريحة بأن النصر والتأييد إنما كان بجنود لا ترى، والحديث يثبت أن نصره صلى الله عليه وسلم كان بالعنكبوت، وهو مما يرى، فتأمل.
والأشبه بالآية أن الجنود فيها إنما هم الملائكة، وليس العنكبوت ولا الحمامتين، ولذلك قال البغوي في " تفسيره " للآية:
" وهم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته ". انتهى

قوله «وجعل كلمة الذين كفروا»: يعني كلمة الشرك.
قاله الواحدي، والسمعاني، وطائفة.

قال السمرقندي: يعني الشرك بالله.

قوله «السفلى»: المغلوبة.
قاله السيوطي.

قال السمعاني، والبغوي: كلمتهم: الشرك؛ وهي السفلى إلى يوم القيامة.

قال الواحدي: لأنها سفلت فبطلت.

قوله «وكلمة الله»: يعني: لا إله إلا الله، وهي العليا إلى يوم القيامة.

قاله السمعاني، وبه قال السمرقندي، وطائفة.

قال الواحدي في الوسيط: وكلمة الله وهي لا إله إلا الله، كلمة التوحيد هي العليا لأنها علت وظهرت يوم بدر. وهذا قول أكثر المفسرين.

وقال ابن جزي الغرناطي: قيل هي: لا إله إلا الله، وقيل: الدين كله.

قوله «هي العليا»: الظاهرة الغالبة.

«والله عزيز حكيم»: معناه ظاهر.

المصدر:
التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير السمرقندي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير النسفي، تفسير السمعاني، تفسير القشيري، جامع البيان للإيجي الشافعي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، تفسير أبي السعود، تفسير الجلالين، فضائل الصحابة للدارقطني، تاريخ الخلفاء للسيوطي، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر.

كتبه:عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
 
عودة
أعلى