(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) فكيف نهتدي به ؟

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع الباحث7
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

الباحث7

New member
إنضم
26/08/2003
المشاركات
40
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم الله الرحمن الرحيم

أستمتع كثيراً وأنا أتصفح هذا الموقع الحافل الماتع ، وأجد فيه من الدرر والنفائس ما جعلني أجعله الموقع الافتراضي الذي أبدأ به تصفحي لما في هذه الشبكة من المواقع .
وقد لاحظت أن النسبة الكبيرة من موضوعات هذا الملتقى موضوعات علمية بحته ، والمواضيع التربوية قليلة - وإن كانت موجودة - .
ولا يخفى على الجميع أن أهم أهداف هذا الكتاب العظيم - القرآن الكريم - هداية الناس وإصلاحهم حتى يسعدوا في دنياهم وأخراهم ، ولذلك كان من المهم أن نخرج هدايات القرآن للناس ، وأن نتدبر آياته لننتفع بها في حياتنا ، ونزكي بها أرواحنا .

ومن هنا رأيت أن أجمع في هذا الموضوع متفرقات نافعة تتعلق بما في القرآن من الموضوعات التربوية والإيمانية التي نحتاجها أكثر من حاجتنا إلى الطعام والشراب .

وغالب هذه الموضوعات منتقاة مختارة من هنا وهناك جمعتها لكم لأني قد تخصصت في هذا المجال ، وصار اسمي الذي تشاهدونه مع موضوعاتي : الباحث .

فاقبلوا هديتي ، وادعوا لي بالسداد والتوفيق .

وأول هذه الموضوعات التي انتقيتها لكم في هذا المجال موضوع بعنوان :الملامح التربوية في مواعظ لقمان

وإليكم نص هذا الموضوع :










بسم الله الرحمن الرحيم

الملامح التربوية في مواعظ لقمان

الحمد لله وصلى الله على نبيه ومصطفاه وبعد :

لقمان من الشخصيات القرآنية التي سكت القرآن عن بيان نسبه ، وزمنه ، وتوصيف معالم شخصيته ، كما أغفل القرآن أيضاً ذكر اسم ابنه الذي وعظه .

والذي ذكره المفسرون ـ في أرجح الأقوال ـ أن لقمان كان عبداً صالحاً ولم يكن نبياً ، ولكن الله آتاه الحكمة ، فقال تعالى : { ولقد آتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد } 12 / لقمان .

والحكمة التي آتاها الله لقمان هي : الإصابة في القول ، والسداد في الرأي ، والنطق بما يوافق الحق .. وليس المقصود بها النبوة .

وقد أشاد الله في كتابه الكريم بفضل من يؤتى الحكمة فقال الله تعالى :

{ يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب } آية 269 / البقرة .


وقد أشاد الله في كتابه الكريم بفضل من يؤتى الحكمة فقال الله تعالى :

{ يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب } آية 269 / البقرة .

وقد ذكر الله تعالى على لسان لقمان من حكمه وصاياه لابنه ، وهي :

وصايا ومواعظ جامعة تفيض بالحكمة ، تتعلق بالعقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق والذي يعنينا من تلك الوصايا ـ بعد دراستها ـ هو تبصر ملامح التربية الإيمانية والسلوكية فيها ، لأنه الغرض من سياق القصة القرآنية عموماً ، وهو الوقوف على مواطن العبرة والعظة فيها لتكون هداية للناس ومنهاجاً يحذوه الآباء والمربون في تربية أبنائهم . قال الله تعالى : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } 111 / يوسف .

مقدمات بين يدي المواعظ :

أولاً : هذه الوصايا هي في واقع الأمر [ مواعظ ] كما جاء التعبير القرآني عنها قال الله تعالى : { وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه } 13 / لقمان .

والوعظ هو : ( الزجر المقترن بالتخويف ) .

والتخويف والترهيب يعتبران من مقومات التربية السليمة للأبناء ، إذ التربية تقوم على أصلين هما : [ الترغيب ، والترهيب ] .

فتخويف الأبناء ـ وعظاً ـ من عواقب الأمور ونتائج الأعمال السيئة يعتبر تربية سليمة . فقد خوف الله عباده من عقابه وسوء أعمالهم ليحملهم على الإيمان والعمل الصالح . والآيات التي تشير إلى هذا كثيرة في القرآن الكريم .

وخوف الأبناء من العواقب والمصائر يعد ظاهرة صحية ودلالة وعي عندهم تحفز دافعيتهم ، وتسدد أعمالهم وتقوم اعوجاج شخصياتهم ، وترفع من مستوى أدائهم وانضباطهم ، والذي يجب أن يحذر منه إنما هو الخوف السلبي عند الأبناء كخوفهم من ظلام الليل وبعض الهوام والأصوات ونحوها ، لما يتركه من أثر نفسي في الشخصية .

ثانياً : وفي هذه المواعظ نرى لقمان الأب يقوم بواجب التربية نحو ابنه ويضطلع بمسؤوليته نحوه ـ شفقة ورحمة به ـ لتنشئته على الخير والصلاح ، ويضع أمام الآباء نموذجاً صالحاً لما يجب أن تكون عليه علاقة الأب بابنه .

وهو الواجب الذي أغفله بل أسقطه كثير من الآباء من حساباتهم اليوم تجاه أولادهم يقول الحق سبحانه وتعالى مؤكداً هذا الواجب : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة … } 6 / التحريم .

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )متفق عليه

ولا يخفى على ذي لب أن منشأ البر هو قيام هذه الرابطة بين الآباء والأبناء والتي لحمتها حرص الآباء على رعاية أبنائهم وتوجيههم ونصحهم .

وكذلك نجد لقمان ـ من خلال مواعظه ـ يضع ابنه أمام واجباته ، ومسؤولياته ، ويعرفه بها ، ويحفزه ـ وعظاً ـ على الاهتمام بها ، والقيام بشأنها وذلك لينمي فيه حس المسؤولية والاضطلاع بها .

وغير خافٍ على الآباء أهمية تربية حس المسؤولية لدى الأبناء ، إذا أردنا لهم تسجيل نجاحات في حياتهم .

ثالثاً : وإذا كان الله وهب لقمان الحكمة وهي : ( الإصابة في الأمور ) فإن مجموع المواعظ التي اختارها لقمان في وعظ ابنه هي من فيض الحكمة لأنها قول الحكيم وأثر حكمته . وإذا كانت من الحكمة فيجب الأخذ بها وتنشئة الأبناء عليها .

ومن جانب آخر يجب على الداعية والمربي سلوك مسالك الحكمة في دعوته وتوجيهه ونصحه وإرشاده باختيار الموعظة المناسبة في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب ليحمل المتلقي على الاستجابة .

قال الله تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } 125 / النحل .

دلالات المواعظ :

1 ـ كان أول جانب ركز عليه لقمان في وصيته لابنه هو ( قضية التوحيد ) حفاظاً على فطرته الإيمانية التي فطره الله عليها { فطرة الله التي فطر الناس عليها }3 / الروم.

فحذره أن يلوث هذه الفطرة النقية بالشرك مع الله فقال له:{ يا بني لا تشرك بالله }

وبين له خطورة الشرك وعاقبته { إن الشرك لظلم عظيم } لما فيه من التعدي ومجانبة الحق . وهكذا نجد لقمان بحكمته قرن النهي بعلته وحكمته ليكون أدعى إلى الاستجابة في نفس ابنه فيبتعد عن الشرك وعمله لما يدرك خطورته وعواقبه.

كما أن أسلوب التحذير من الفعل قبل الوقوع هو من أرقى الأساليب التربوية إذ التربية ربط وتحذير والتحذير من الشيء قبل الوقوع فيه والابتعاد عنه أسهل من قلعه وإزالته بعد الوقوع فيه .

كما أن الحفاظ على طهرة النفس ونقاء الفطرة وصفاء العقيدة عامل قوي في تشكل الشخصية تشكلاً سوياً بعيدة عن المؤثرات والرواسب السابقة ، إذ لايخفى عليك ما تتركه الانطباعات السابقة من آثار نفسيةٍ في الشخصية يصعب محوها وإزالتها .

ولعله لم يفتك التنبه إلى أسلوب التلطف والتودد من لقمان لابنه وهو يخاطبه [ يا بني ] شفقة به ومحبة له وهو ما يحفز الابن على الاستجابة .

كما في هذا الأسلوب من الخطاب استمالة للابن لاستماع ما يلقى إليه على أنه يخصه ويعينه وفيه إشعار الابن بالاهتمام به .

وكذلك فإن النصيحة حيث جاءت من الأب لابنه فهي نصيحة غير متهمة مبرأة من كل شائبة لا يقصد بها إلا الخير ومصلحة الابن وهذا مؤثر نفسي كبير يحمل الابن على قبول النصيحة والعناية بها .

2 ـ ثم جاء الأسلوب القرآني بعد ذلك ليوجه الاهتمام نحو أمر عظيم وهو من أوجب الواجبات علينا بعد توحيد الله تعالى وطاعته وهو شكر الوالدين والإحسان إليهما قال الله تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه } .

ولفت الأسلوب القرآني نظر الأبناء إلى ما تعانيه وتقاسيه الأم أثناء الحمل والولادة { حملته أمه وهناً على وهن } أي ضعفاً على ضعف إذ الأم تبقى متعبة ضعيفة طيلة مدة الحمل إلى الولادة .

وقد لفت الأسلوب القرآني نظر الأبناء إلى ما تقاسيه الأم أثناء الحمل ليستدر عطفهم نحو أمهاتهم .

ولا يخفى ما في هذا الأسلوب من إيجابية في إثارة العاطفة وتوجيه السلوك وما أروع الأسلوب القرآني بعد هذا وهو يعلمنا قيمة أخلاقية راقية وهي :

الشكر على النعمة والوفاء بالجميل قال الله تعالى موجهاً { أن اشكر لي ولوالديك } فأوجب علينا شكر الله على نعمه وشكر الوالدين على الرعاية والتربية .

ثم بين الله لنا بعد ذلك منزلة الوالدين ووجوب الإحسان إليهما ـ وإن كانا كافرين جزاء وفاقاً لأيام الرعاية في الطفولة ـ بشرط عدم الاستجابة إلى مطالبهما وإن أجهدا نفسيهما ليحملا الابن على الإشراك بالله تعالى ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق على أن طاعة الوالدين تأتي بعد تحقيق طاعة الله تعالى .

لكن عدم الاستجابة لمطلبهما لا يلزم عنه ترك صحبتهما بالمعروف بالبر والإحسان والصلة ويصور الله لنا هذا الخط الفارق بين الحالتين في قوله تعالى :{وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبها في الدنيا معروفاً} .

وفي هذا الأسلوب تقرير لمبدأ الطاعة بالمعروف لا لمطلق الطاعة العمياء ، وفيه تعليم للأبناء الموازنة بين الأمور وترجيح المصلحة العليا منها .

3 ـ ثم وجه الأسلوب القرآني نظرنا بعد ذلك إلى التزام الصحبة الطيبة واتباع سبيل المؤمنين الذين رجعوا إلى الله تعالى بالتوبة والعمل الصالح قال الله تعالى : { واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون } ولا يخفى أثر الصحبة الطيبة في شخصية الأبناء إذ الطبع يسرق من الطبع ، والمرء على دين خليله ، يقلد تصرفاته ، ويسلك مسالكه .

وفي الأمر باتباع سبيل المؤمنين نهي وتحذير عن تقليد الكافرين والفاسقين وسلوك طريقتهم إذ هناك فرق بين الاتباع والتقليد ، فالاتباع يكون على بصيرة ونور بدليل أن الله بصر المتبع سبيل الاتباع فقال الله تعالى : { واتبع سبيل من أناب إلي } .

أما التقليد فغالباً ما يكون أعمى على غير هدى وتبصر . والتقليد الأعمى لآبائية أو قومية أو جماعة .. هو من أخطر الإصابات العقلية التي تصيب الشخصية وتعطل آلية التفكير فيها ، وهو ما يجب الانتباه إليه وتحذير الأبناء منه .

هذا وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه التوجيهات من قوله تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه إلى قوله تعالى بما كنتم تعملون } هي ليست من وصية لقمان وإنما هي من الله تعالى أحكم الحاكمين جاءت لمناسبة لعلها لتكمل الصورة أمام الآباء في تربية أبنائهم .



4 ـ رأى لقمان أن السبيل الأوحد ليحافظ ابنه على تلك المواعظ ويعمل بها هو أن يغرس في نفسه مراقبة الله تعالى لتبقى هذه الرقابة الحية في ذاته حارساً لإيمانه ورقيباً على أعماله ، توقظه عند الغفلة ، وتحميه من الزلة .

ولكن كيف ربى لقمان في ابنه هذا الوازع الديني ؟ لنستمع إلى لقمان وهو يعظ ابنه { يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير } .

ومن خلال هذا التمثيل الرائع وجه لقمان ابنه إلى أن الله مطلع عليك يراك ويعلم كل أحوالك وما يجرى منك من صغيرة أو كبيرة لا تخفى عليه خافية في السموات والأرض ، فالله يعلم حبة الخردل الصغيرة ـ وهي من أصغر الحبوب ـ سواء كانت مخبوءة داخل صخرة أو في أيِّ موضع من السموات والأرض يعلم الله مكانها ويقدر على الإتيان بها .

وعن طريق هذا التمثيل البلاغي من خلال هذه الصورة المادية المحسوسة التي صورها الأب لابنه استطاع لقمان أن يغرس في ابنه الشعور برقابة الله تعالى ويربي في نفسه وازعاً قوياً يبقى الرقيب الدائم والواعظ المصاحب في ذاته .

فما أروع هذا الأسلوب التعليمي التربوي ـ في مخاطبة الوجدان ـ حيث استطاع لقمان الحكيم غرس المعاني عن طريق عرض المادي المحسوس ، لينمي عند ابنه حسَّ الرقابة الذاتية .



5 ـ وإدراكاً من لقمان لأهمية الصلاة ومكانتها فقد وجه ابنه بتلطف إلى أداء الصلاة والمحافظة عليها فقال له : [ يا بني أقم الصلاة ] فالصلاة هي الرابطة بين العبد وربه يستمد منها قوة الإيمان ويتزود بها من التقوى والعمل الصالح .

وهذا من لقمان انتقال بابنه من أسلوب التحذير إلى أسلوب الربط .. وفي ربط الأبناء بأداء الصلاة مع الحضور والخشوع فيها إشباع لحظ الروح من الخواء الروحي الذي أصاب الجيل اليوم .

6 ـ ثم أمر لقمان ابنه أن يقوم بواجب النصح والدعوة إلى الله تعالى نحو أبناء مجتمعه عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ حصن الدين وسياجه ـ فقال له : [ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ] والغرض تعريف ابنه ببعض واجباته الدينية تجاه مجتمعه ليبني عنده الاتجاه الإيجابي ويعلمه تحمل المسؤولية والقيام بشأنها .

فالمجتمع الإسلامي كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .

ولا يخفى ما في هذا التوجيه من تربية لحس المسؤولية عند ابنه تجاه الجماعة التي ينتمي إليها وبناء روح المشاركة الإيجابية مع الجماعة .

هذا وقد جاء طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منه لابنه متوسطاً بين الصلاة والصبر ، لأن الصلاة هي الباعث المحرض للمؤمن على القيام بواجب النصح للغير أما الصبر فهو لازم للاستمرار والثبات على هذا الواجب .

ولا شك أن من يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلحقه مضرة توجب عليه توطين نفسه على الصبر وتحمل الأذى ليضمن استمرارية الثبات على الحق والدوام عليه . ومن هنا جاءت وصية لقمان لابنه [ واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ] بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تربية للإرادة على ضبط النفس والانفعال وتحمل أذى الغير .

ولا تخفى الجوانب التربوية في توجيه الأبناء نحو الصبر إذ الصبر من لزوميات الحياة يستمد منه المسلم قوته ومقومات ثباته ليستمر في تحقيق أهدافه ويصمد مع مبادئه .

كما في الوصية بالصبر حث على التعامل مع المواقف والأحداث والمصائب بإيجابية وقوة إرادة .

فلنحرص على تربية أولادنا على الصبر وضبط النفس والتعامل مع المواقف بإيجابية إذا أردنا لهم تحقيق أهدافهم إذ الهيجان والانفعال يحرق الأهداف ويخرج الشخصية عن اتزانها وصوابها .

هذا ولما كانت الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصبر على المصائب ، تكاليف شاقة لايقدر عليها إلا أصحاب العزائم ، والإرادة القوية ، جاء ختم هذه الوصايا بأنها : ( من عزم الأمور ) أي من الأمور الواجبة التي لارخصة للمسلم في تركها ، ويجب بذل الجهد ، ومجاهدة النفس ، وتحمل المشاق للقيام بشأنها .

7 ـ ثم حذر لقمان ابنه من خصلة مذمومة عند الله والناس فقال وهو
يعظه : [ ولا تصعر خدك للناس ] أي لا تمل وجهك وتعرض عن الناس تكبراً ، [ ولا تمش في الأرض مرحاً ] أي خيلاء إعجاباً بنفسك [ إن الله لا يحب كل مختال فخور ] متكبر متعاظم .

والنهي عن الشيء أمر بضده فحيث نهى لقمان ابنه عن التكبر فقد أراد بذلك أن يغرس في نفس ابنه قيمة أخلاقية ممدوحة وهي : [ خلق التواضع ] .

وليس بخاف على أحد رذيلة التكبر وفضيلة التواضع عند الله والناس ، فإن أول سقوط وإصابة للنفس كانت بسبب التكبر والاستعلاء من الشيطان الرجيم حيث أمره الله تعالى بالسجود لآدم تكريماً فأبى تكبراً وقال غروراً [ أنا خير منه ] 12/الأعراف فطرد من رحمة الله .

وبذلك كان التكبر أكبر ذنب يقترفه الإنسان ويحجبه عن دخول الجنة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ] رواه مسلم .

وإنما جاء التأكيد من لقمان لابنه على ذم التكبر والتحذير منه دون غيره لما يجره بعده من الشرور والآثام إذ هو أصل كل شر ورذيلة .

8 ـ ثم لفت لقمان بعد ذلك نظر ابنه إلى أمور سلوكية تتعلق باتزان الشخصية وكمالها وهي : ( أدبه في السير والحديث ) .

فوجهه إلى التوسط في مشيته والاعتدال في سيره بين الإسراع والبطء فقال له : [ واقصد في مشيك ] إذ الإسراع في السير يذهب بهاء الإنسان ، والبطء يشعر بالضعف ، كما في الوصية إشارة مؤكدة لما سبق من نبذ التكبر والتحلي بالتواضع أي لا تمشِ مشية المتكبر كما قال الله تعالى { ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً {} كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً }38 / الإسراء . ثم وجه لقمان ابنه إلى أدب الحديث والخطاب فقال له واعظاً [ واغضض من صوتك ] أي اخفض منه أثناء الحديث والخطاب فلا ترفعه عالياً فإنه لا يجمل بالعاقل ، لأن من رفع صوته عالياً شابه الحمار في صوته المنكر [ إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ] . وفي غض الصوت أدب راق ، وثقة بالنفس ، وامتلاك لناصية الكلمة ، واطمئنان من الغير إلى صدق حديثه واعتدال مزاجه .

هذا ولا يخفى ما لهاتين الموعظتين من أثر تربوي في بناء الشخصية المتزنة . فيحسن بالأبناء التحلي بهما والاهتمام بشأنهما ، وعلى الآباء ملاحظتهما في شخصية أبنائهم .

الأبعاد التربوية في مواعظ لقمان لابنه :

نلمح من مواعظ لقمان لابنه عدة أبعاد تربوية نجملها بالتالي :

1 ـ استخدامه أسلوب الوعظ القائم على التحذير وتخويف عواقب الأمور مما يثير دافعية الابن نحو ترك المنهي وفعل المأمور .

2 ـ استخدامه أسلوب التودد والتحبب في توجيه المواعظ لابنه حيث ابتدأ خطابه له بقوله : [ يا بني ] ، لاستمالته وإشعاره بالاهتمام به ، والشفقة عليه .

3 ـ التنويع في المواعظ بما يقيم الشخصية السوية المتكاملة من كل جانب ، فلا تفريط بجانب على حساب جانب آخر .

4 ـ استخدامه أسلوب [ التحذير والربط ] فقد حذره من الشرك والتكبر وربطه بالصلاة والصحبة الطيبة .

5 ـ استخدامه أسلوب التعليل وبيان الحكمة للأوامر والنواهي ليكون أدعى للاستجابة عند ابنه وشحذاً للتفكير المنطقي عنده .

6 ـ إثارة الجانب العاطفي ومخاطبة الوجدان ليحمله على تقدير أمه والإحسان إليها حيث ذكره الأسلوب القرآني بما تقاسيه الأم طيلة مدة الحمل إلى الولادة .

7 ـ الاهتمام بتربية الوازع الديني ـ الشعور برقابة الله تعالى ـ ليبقى رقيباً على أعماله ويقوم اعوجاجها وهو ما ينمي عند الأبناء حسَّ الرقابة الذاتية ومحاسبة النفس .

8 ـ تقريب المعاني عن طريق التمثيل بالمحسوس وذلك من خلال الصورة المحسوسة التي عرضها لقمان لابنه والتي تدل على سعة علم الله وقدرته بغرض حمل ابنه على مراقبة الله تعالى .

9 ـ تربية الإرادة وتوطين النفس على تحمل المكاره حيث أوصاه [ بالصبر ] .

10 ـ غرس القيم الأخلاقية النبيلة في شخصية ابنه كالشكر على النعمة والإحسان واحترام الوالدين وبرهما ، والتحلي بالتواضع .

11 ـ تكوين اتجاهات إيجابية عند ابنه من خلال دعوته للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه أبناء مجتمعه .

12ـ تنمية حس المسؤولية ، والشعور بالواجب لدى ابنه ، وذلك من خلال تعريفه بواجباته ومسؤولياته الدينية والاجتماعية .

13ـ الاهتمام بالجوانب السلوكية حيث أرشده إلى آداب تتعلق باتزان الشخصية
[ كأدب السير والحديث ] .

14ـ تعليم الأبناء الموازنة بين الأمور وتقديم المصلحة الراجحة منها وذلك من خلال الموازنة بين الاستجابة لطاعة الوالدين في المعصية أوالاستجابة لطاعة الله تعالى .

تلك هي بعض الأبعاد التربوية التي مرت معنا في ثنايا الكلام والتي وفقنا الله تعالى للوقوف عليها من خلال مواعظ لقمان لابنه .

نسأل الله أن يوفقنا والقارئ الكريم للاستفادة منها والأخذ بها في تنشئة أجيالنا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين .




أتى هذا المقال من الكلم الطيب
http://www.islamword.com

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.islamword.com/modules.php?name=News&file=article&sid=124
 
مقاصد القرآن وأهدافه

مقاصد القرآن وأهدافه

حقاً: ما مقاصد القرآن وأهدافه؟
وماذا يريد منا؟
إن قراءة سريعة لآيات القرآن لا يمكن أن نفهم بها أهدافه. وإن قراءة عجولة لبينات الكتاب لا يمكن أن ندرك بها مقاصده.
قليلون أولئك الذين يقرؤون القرآن ويعون آياته، ويفهمون بصائره، ويدركون مقاصده.. وكثيرون أولئك الذين يمرون على بيناته مروراً خاطفاً دون أن يفهموا أهدافه أو يستوعبوا ما يريده منهم، وإذا فهموا لا يأخذون ذلك مأخذ الجد، كأنّ الأمر على غيرهم كتب، وعلى سواهم وجب، ومن دونهم طلب!
حقاً: ما مقاصد القرآن وأهدافه؟ وماذا يريد منا؟.
إن قراءة طيارة سريعة لآيات القرآن لا يمكن أن تفهم بها أهدافه. وإن قراءة عجولة لبينات الكتاب لا يمكن أن ندرك بها مقاصده.
وإن قراءة ساهية لسور الذكر الحكيم لا يمكن أن نتنور ونتبصر بها، أو نستوعب معاني الآيات المقصودة وحقائق البينات المنشودة.
أهداف القرآن الأساسية أربعة:
أولاً: القرآن يريد منا معرفة الخالق، ومن ثم عبادته.
ثانياً: القرآن يريد منا أن نزكي أنفسنا ونطهرها.
ثالثاً: القرآن يريد منا أن نترك الجرائم والخطيئات فردية كانت أو اجتماعية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية القرآن يريد منا أن نعمل الصالحات، ونفعل الخيرات ونرحم بعضنا البعض، ونبني المجتمع بناء صالحاً طيباً.
رابعاً : القرآن يدعونا لنشر الخير والصلاح ،ودعوة الناس إليه ، ورد من وقف في وجهه حتى يعم هذا الخير جميع الأرض ، ويحصل التمكين لأهله .
هذه هي المقاصد الكبرى التي هي بحاجة إلى استيعاب ووعي وإدراك.
المقصد الأول في القرآن الكريم هو أن الكتاب المجيد يريد منا معرفة الرب العظيم، وهذه المعرفة أساس كل خير وصلاح، وإذا عرف الإنسان ربه أطاع أوامره ورسله وأوليائه.
كم في القرآن من آيات تتحدث عن الطبيعة، بما فيها من إنسان وحيوان وجبال وأرض وسماء وأنهار وبحار؟ إنها آيات كثيرة جمة، وكلها تهدينا إلى ربنا وتعرّفنا بعظمة خالقها وخالقنا.
اقرأ آيات الطبيعة، وانظر كيف يذكرنا الله بذاته لنعرفها حق المعرفة.
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا(47)وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا(48)... وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا(53)وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا(54)... تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا(61) } (سورة: الفرقان).
ما عليك أيها المؤمن إلا أن تقرأ آيات الطبيعة المفصلة في كتاب ربك، وتنظر إليها ماثلة أمامك في الحياة، ومن ثم تلاحظ عظمة الله.. وها هنا تكمن المعرفة بالله التي تدفع إلى تحقيق أهداف القرآن.
وحتى تستقر بذرة المعرفة في قلوبنا وتنبت بسلام وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ينبغي أن نطهر ساحة قلوبنا ونزكي أرواحنا وننظفها من أدران الحياة وأوساخ الدنيا. وهذا هو المقصد الآخر الهام للقرآن، فهو يريد أن تكون قلوبنا زكيه نظيفة طاهرة لا وسخة تحتوي وتنطوي على النية الخبيثة.
ولا وسيلة نزكي بها نفوسنا أفضل من القرآن .
وإذا زكى القلب وطهر، ونمت فيه شجرة الفهم والمعرفة، يكون صاحب هذا القلب رشيداً في حياته، فينتهي عن المحرمات المحظورة، ويأتي بالأعمال الطيبة والأفعال الجميلة.. وهذا مقصد آخر من مقاصد القرآن، فلا تكفي المعرفة والعلم وزكاة القلب، بل لا بد وأن يكون ذلك مشفوعاً بالعمل الطيب ومتبوعاً بالفعل الحسن.
وإن الإنسان إذا كان عارفاً نقي القلب، فهو ليس بحاجة إلى أن يدعى للعمل الطيب، لأنه وبشكل طبيعي سيصدر منه كل ما هو طيب وحسن وجميل.
ونتساءل: كيف تحقق هذه المقاصد والأهداف على الصعيدين الشخصي والاجتماعي؟
هنالك طريقان لابد من سلوكهما لنتقرب من القرآن، ونتمكن من تحقيق أهدافه في أنفسنا ومجتمعنا.
الأول.. القرآن نفسه طريق سريع يوصلنا إلى أهداف القرآن، ولذا ينبغي أن تطرق آياته النافدة وبيناته المؤثرة أسماعنا وأسماع جميع أفراد المجتمع.
في كل بيت ومنزل ينبغي أن تسمع العوائل آيات القرآن، الكبار منهم والصغار، وحتى الوليد الرضيع في مهده، وفي المدارس، وفي الأسواق والمحال التجارية، وفي السيارات ووسائل النقل، وفي كل مكان، بدل أن يسمع الناس الغناء والموسيقى واللغو الذي يزيدهم غفلة وبعداً وفساداً.
وإن مجرد سماع آيات القرآن له نفع جميل الناس، لأنه كلام الخالق إلى خلقه ذوي الفطرة الطبية والوجدان والضمير.
إن الرحمة هي نصيب المجتمع الذي يصغي إلى آيات الرحمن، يقول تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (آل عمران: 204), فلا ترى في مثل هذا المجتمع انتشار الجريمة والفساد والضلال والظلم الذي يسبب الشقاء والعذاب والتعاسة.
ولكن.. حتى تنتج التلاوة القرآنية ثمارها الجميلة ينبغي أن تراعى معها أربعة أمور:
الأول: التلاوة المرتلة ، فهذه هي التي تنفذ إلى أعماق القلب وتؤثر في السلوك، وقد قال الله U لنبيه الأكرم r : ﴿ ورتل القرآن ترتيلاً ﴾
الثاني: ينبغي أن تكون التلاوة واعية ذات تأمل وتفكر وتدبر وتفهم، وقد قال ربنا جل وعلا : ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ (محمد:24)

الثالث: لابد وأن تكون التلاوة مستمرة كي لا يبتعد عن القرآن وننسى أهدافه ،
إن التلاوة والتدبر والمصاحبة المستمرة هي التي تحصّن الإنسان وتهديه، وتجعله ثابتاً، لا يتأثر بالأضاليل ولا تجرفه التيارات المنحرفة. ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾(آل عمران:101)

الرابع: ينبغي أن تكون التلاوة عملية، فيبذل القارئ وسعه في العمل بما مر عليه من إرشاد وأمر أو نهى.

وأخيراً ؛ الأمر الذي لا بد من سلوكه لنقترب من القرآن ونحقق أهدافه هو تواصي أهل الخير فيما بينهم، وتعاونهم مع بعضهم البعض التواصي قولاً، والتعاون فعلاً ، ودعوة الناس إلى هذا القرآن
ولو عمل أي مجتمع بهاتين القيمتين فإنه لا يضل عن هدى القرآن، يقول الله تعالى منبهاً إلى ضرورة التواصي والتعاون {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} (العصر: 3).. ويقول جل شأنه: {وتعاونوا على البر والتقوى} (المائدة: 2).
ينبغي أن يكون أبناء المجتمع يدا واحدة متكاتفين، يهدي الراشد منهم الضال، ويعلم البصير الجاهل، ويصلح الواحد منهم الآخر، ويدفع بعضهم بعضاً إلى الحق والهدى والخير، ويرشد القريب قريبه، والوالد ولده، والجار جاره، والصديق صديقه...
والخلاصة: إن بين أيدينا كتاباً مجيداً عظيماً، علينا أن نتخذه وسيلة لمعرفة الله، وتطهير أنفسنا، ودفعها نحو الخير والعمل الصالح، ولا يتم ذلك إلا بالإقبال على القرآن، وتلاوته الواعية المستمرة.
وبالتواصي القولي والتعاون الفعلي نقترب أكثر فأكثر من هدى القرآن ونور الرحمن.
 
بسم الله

أخي الكريم الباحث7
الفكرة رائعة ، والموضوع من أهم ما ينبغي الاعتناء به
فنرجو منك المواصلة في عرض الموضوعات التي تبين طريقة الاهتداء بالقرآن .

ولعلك تنتقي لنا روائع ما سطره العلامة الشنقيطي في أضواء البيان حول آية الإسراء التي صدرت بها موضوعك ، وتقوم باختصاره بطريقة مناسبة .

وفقك الله وسدد خطاك ، ونسأل الله الكريم أن يهدينا بالقرآن العظيم .

ومن باب المشاركة أبدأ بذكر مقدمته رحمه الله حول تفسير آية الإسراء :

قال رحمه الله : . قوله تعالى: {إِنَّ هـذَا الْقُرْءَانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ}. ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هذا القرآن العظيم الذي هو أعظم الكتب السماوية، وأجمعها لجميع العلوم، وآخرها عهداً برب العالمين جلَّ وعلا ـ يهدي للتي هي أقوم. أي الطريقة التي هي أسد وأعدل وأصوب.....

وهذه الآية الكريمة أجمل الله جلَّ وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم. لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة. ولكنَّنا إن شاء الله تعالى سنذكر جملاً وافرة في جهات مختلفة كثيرة مِن هدى القرآن للطريق التي هي أقوم بياناً لبعض ما أشارت إليه الآية الكريمة، تنبيهاً ببعضه على كله من المسائل العظام، والمسائل التي أنكرها الملحدون من الكفَّار، وطعنوا بسببها في دين الإسلام، لقصور إدراكهم عن معرفة حكمها البالغة.



ثم بدأ رحمه الله يذكر كيفية هداية القرآن لأقوم الطرق وأهدى السبل في كل جانب من جوانب هذا الدين العظيم ، فقال مبتدئاً بجانب العقيدة والتوحيد :

فمن ذلك توحيد الله جلَّ وعلا: فقد هدى القرآن فيه للطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها، وهي توحيده جلَّ وعلا في ربوبيته، وفي عبادته، وفي أسمائه وصفاته. وقد دل استقراء القرآن العظيم على أن توحيد الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول ـ توحيده في ربوبيته، وهذا النوع من التوحيد جبلت عليه فطر العقلاء، قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ}، وقال: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلاٌّرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلاٌّبْصَـٰرَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَىِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلاٌّمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} وإنكار فرعون لهذا النوع من التوحيد في قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} تجاهل من عارف أنه عبد مربوب. بدليل قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ بَصَآئِرَ}، وقوله: {وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} وهذا النوع من التوحيد لا ينفع إلا بإخلاص العبادة لله. كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ}، والآيات الدالة على ذلك كثيرة جداً.
الثاني ـ توحيده جلَّ وعلا في عبادته. وضابط هذا النوع من التوحيد هو تحقيق معنى «لا إلٰه إلاَّ الله» وهي متركبة من نفي وإثبات. فمعنى النفي منها: خلع جميع أنواع المعبودات غير الله كائنة ما كانت في جميع أنواع العبادات كائنة ما كانت. ومعنى الإثبات منها: إفراد الله جلَّ وعلا وحده بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام. وأكثر آيات القرآن في هذا النوع من التوحيد، وهو الذي فيه المعارك بين الرسل وأممهم {أَجَعَلَ ٱلاٌّلِهَةَ إِلَـٰهاً وَٰحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْءٌ عُجَابٌ}.
ومن الآيات الدالة على هذا النوع من التوحيد قوله تعالى: {فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلأ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱللَّهُ}، وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ}، وقوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِىۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ}، وقوله: {وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ}، وقوله: {قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَٰحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} فقد أمَر في هذه الآية الكريمة أن يقول: إنما أوحي إليه محصور في هذا النوع من التوحيد. لشمول كلمة «لا إله إلاَّ الله» لجميع ما جاء في الكُتب. لأنها تقتضي طاعة الله بعبادته وحده. فيشمل ذلك جميع العقائد والأوامر والنواهي، وما يتْبع ذلك من ثواب وعقاب، والآيات في هذا النوع من التوحيد كثيرة.
النوع الثالث ـ توحيده جلَّ وعلا في أسمائه وصفاته. وهذا النوع من التوحيد ينبني على أصلين:
الأول ـ تنزيه الله جلَّ وعلا عن مشابهة المخلوقين في صفاتهم. كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ}.
والثاني ـ الإيمان بما وصفه الله به نفسه. أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بكماله وجلاله. كما قال بعد قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ} مع قطع الطمع عن إدراك كيفية الاتصاف، قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} وقد قدمنا هذا المبحث مستوفًى موضحاً بالآيات القرآنية «في سورة الأعراف».
ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جلَّ وعلا ـ على وجوب توحيده في عبادته. ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير. فإذا أقروا بربوبيته احتج بها عليهم على أنه هو المستحق لأن يعبد وحده. ووبَّخهم منكراً عليهم شركهم به غيره، مع اعترافهم بأنه هو الرب وحده. لأن من اعترف بأنه هو الرب وحده لزمه الاعتراف بأنه هو المستحق لأن يعبد وحده.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلاٌّرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلاٌّبْصَـٰرَ} إلى قوله {فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ}. فلَّما أقروا بربوبيته وبخهم منكراً عليهم شركهم به غيره بقوله: {فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}.
ومنها قوله تعالى: {قُل لِّمَنِ ٱلاٌّرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَسَيَقُولُونَ لِلَّهِ} فلمَّا اعترفوا وبخهم منكراً عليهم شركهم بقوله: {قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}، ثم قال: {قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِسَيَقُولُونَ لِلَّهِ} فلما أقرُّوا وبخهم منكراً عليهم شركهم بقوله: {قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}، ثم قال: {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَسَيَقُولُونَ لِلَّهِ} فلما أقروا وبخهم منكراً عليهم شركهم بقوله: {قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ}.
ومنها قوله تعالى: {قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ قُلِ ٱللَّهُ} فلما صح الاعتراف وبخهم منكراً عليهم شركهم بقوله: {قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا}.
ومنها قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ} فلما صح إقرارهم وبخهم منكراً عليهم بقوله: {فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ}.
ومنها قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ} فلما صح اعترافهم وبخهم منكراً عليهم شركهم بقوله:{فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلاٌّرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ} فلما صح إقرارهم وبخهم منكراً عليهم شِركهم بقوله: {قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}، وقوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ} فلما صح اعترافهم وبخهم منكراً عليهم بقوله: {قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}، وقوله تعالى: {ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا} ولا شك أن الجواب الذي لا جواب لهم البتة غيره: هو أن القادر على خلق السَّمٰوات والأرض وما ذكر معها، خير من جماد لا يقدر على شيء. فلما تعين اعترافهم وبخهم منكراً عليهم بقوله. {أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}، ثم قال تعالى: {أَمَّن جَعَلَ ٱلاٌّرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً} ولا شك أن الجواب الذي لا جواب غيره كما قبله. فلما تعين اعترافهم وبخهم منكراً عليهم بقوله: {أَءِلـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}، ثم قال جلَّ وعلا: {أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَآءَ ٱلاٌّرْضِ أَءِلَـٰهٌ} ولا شك أن الجواب كما قبله. فلما تعين إقرارهم بذلك وبخهم منكراً عليهم بقوله: {أَءِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}، ثم قال تعالى: {أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرًى بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ} ولا شك أن الجواب كما قبله. فلما تعين إقرارهم بذلك وبخهم منكراً عليهم بقوله: {أَءِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، ثم قال جلَّ وعلا: {أَمَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وٱلاٌّرْضِ} ولا شك أن الجواب كما قبله. فلما تعين الاعتراف وبخهم منكراً عليهم بقوله: {أَءِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ}،وقوله: {ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَىْءٍ} ولا شك أن الجواب الذي لا جواب لهم غيره هو: لاٰ أي ليس من شركائنا من يقدر على أن يفعل شيئاً من ذلك المذكور من الخلق والرزق والإماتة والإحياء. فلما تعين اعترافهم وبخهم منكراً عليهم بقوله: {سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
والآيات بنحو هذا كثيرة جداً. ولأجل ذلك ذكرنا في غير هذا الموضع: أن كل الاسئلة المتعلِّقة بتوحيد الربوبية استفهامات تقرير، يراد منها أنهم إذا أقروا رتب لهم التوبيخ والإنكار على ذلك الإقرار. لأن المقر بالربوبية يلزمه الإقرار بالألوهية ضرورة. نحو قوله تعالى: {أَفِى ٱللَّهِ شَكٌّ}، وقوله: {قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِى رَبًّا} وإن زعم بعض العلماء أن هذا استفهام إنكار. لأن استقراء القرآن دل على أن الاستفهام المتعلِّق بالربوبية استفهام تقرير وليس استفهام إنكار، لأنهم لا ينكرون الربوبية، كما رأيت كثرة الآيات الدالة عليه.
والكلام على أقسام التوحيد ستجِده إن شاء الله في مواضع كثيرة مِن هذا الكتاب المبارك، بحسب المناسبات في الآيات التي نتكلم على بيانها بآيات أخر.
 
بارك الله فيكما ، هذه نظرات تستحق التأمل والتدبر . ويا حبذا المواصلة وفقكم الله.
 
القرآن عبر بالنفس عن الغير فلماذا لا نعامل أنفسنا " غيرنا " كما أمر ربنا ؟؟!!

القرآن عبر بالنفس عن الغير فلماذا لا نعامل أنفسنا " غيرنا " كما أمر ربنا ؟؟!!

إنما العلم الخشية وليس العلم بكثرة الرواية كما قال بذلك أحد العلماء

والقرآن كتاب هداية للعقول الحائرة والأفهام الضالة وليس للمناظرة وكثرة الجدل وما ضل قوم بعد هدى إلا وأوتوا الجدل .
وحبذا لو أقتصرنا هذه الزاوية المباركة من هذا الملتقى في ما صدرة الأخ الكريم الباحث 7 بقوله تعالى :
[size=5[color=#78AB3C]](إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) فكيف نهتدي به ؟
[/color]

ولا يزال السؤال قائما ... كيف نهتدي به ؟ وكيف نكون قرآنا يمشي على الأرض ؟ ذلكم السؤال الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا ولا نحد عنه يمنه أو يسره فإن الصراط واحد والسبل كثيرة متفرقة .

وهذه مقالة بعنوان من روائع التعبير القرآني عن رابطة الأخوة
للدكتور أحمد شرشال من كلية الشريعة بجامعة الكويت وقد نشرتها الوعي الإسلامي أضعها باختصار لما حوته من فائدة في هذا المجال
1- فهو تطرق أولا إلى أهمية فهم الأسلوب القرآني
2- سنن القرآن أن يعبر بالنفس عن الآخرين وفائدة ذلك
3- ثم ساق أمثلة لتلك التعبيرات القرآنية( التي خاطب بها الأمة الإسلامية خصوصا )
4- تأثير ذلك الأسلوب لو تدبرناه وعملنا به على وحدة الأمة والعلاقات بين أفرادها
---------------------------------------------------------------------------------------
من روائع التعبير القرآني عن رابطة الأخوة
مما لا شك فيه أن القرآن الكريم تضمن علوما ومعارف يعجز البشر عن الإتيان بمثلها وتضمن حكما وأحكاما وأسرارا بها بها يحقق الإنسان سعادته في الدنيا والآخرة ولا سبيل إلى معرفة هذه العلوم إلا بفهم القرآن الكريم وتفسيره وتدبره لأن ملكة الفهم عند كثير من الناس دخلها الفساد فصاروا لا يفهمون القرآن ولا يفقهون فيه .
ومن دون فهم القرآن وتفسيره لايمكن الوصول إلى كنوزه مهما رددننا تلاوته وأقمنا حروفه لذلك قال ابن القيم " ولم يكن للصحابة كتاب يدرسونه وكلام محفوظ يتفقهون فيه إلا القرآن وما سمعوه من نبيهم ولم يكونوا إذا جلسوا يتذاكرون إلا في ذلك " الإشتغال بفهم القرآن وتفسيره والتفقه فيه يرقق إحساس المسلم ويقوي شعوره وينمي فيه حب الآخرين بحيث يتألم لآلامهم ويفرح لفرحهم ويسعد لسعادتهم فيبني في نفوس الناس معالم الوحدة في الشعور والفكر .

ومن الأساليب القرآنية العجيبه في التعبير عن هذا الإحساس التي تدعو للتفكر والتأمل أن جعل قتل الرجل لغيره من بني جنسه قتلا لنفسه وجعل إخراج الرجل من داره إخراجا لنفسه وجعل الظن السوء بالغير ظنا بنفسه وجعل لمز الرجل لغيره لمزا لنفسه وجعل السلام على غيره سلاما على نفسه .
وهذا مَعلم بارز في أسلوب القرآن العجيب أرساه في نفوس اتباعه وهو من سنن القرآن أن يعبر بالنفس عن الآخرين لأنهم من نفس واحدة وفائدة هذا التعبير التنبيه إلى أن الأمه المتواصلة بالدين يجب أن يكون شعورها بالوحدة قويا وعميقا ومؤثرا


- قال تعالى في سورة النساء " ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) أي لا يقتل بعضكم بعضا فجعل قتل الرجل لغيره قتلا لنفسه قال القرطبي " أجمع أهل على أن المراد بهذه الآيه النهي أن يقتل بعض الناس بعضا , ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه " قال الحافظ ابن كثير " وهو الأشبه بالصواب " وقال إن أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة "

- ومن أساليب القرآن الكريم في التعبير بالنفس وإرادة الأخ في الدين قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " حكى الفخر الرازي مقالة لعبد الله بن المبارك أنه قال " وهذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه سبحانه قال " عليكم أنفسكم " يعني عليكم أهل دينكم ولا يضركم من ضل من الكفار بأن يعظ بعضكم بعضا ويرغب بعضكم بعضا في الخيرات وينفره عن القبائح والسيئات " وبهذا التوجيه سقط قول من فهم من هذه الآية ( الأنانية ) فإن استعمال القرآن للأنفس يريد به معنى أشمل وأعم من النفس التي بين جنبي الإنسان .

- ومن تعبيرات القرآن بالنفس وإرادة الغير قوله تعالى " فإذا دخلتم بيوتا فسلوا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة " والمعنى فليسلم بعضكم على بعض وهم أهل البيوت التي يدخلونها لأنهم بمنزلة أنفسهم في شدة المودة والمحبة ولأنهم منهم في الدين فكأنهم حين يسلمون عليهم يسلمون على أنفسهم ونحن وإياهم بمنزلة النفس الواحدة ، وقد جاء هذا المقصود صريحا في قوله تعالى " تخافونهم كخيفتكم أنفسكم " والإنسان حتما لا يخاف نفسه إنما يخاف غيره أي كما يخاف بعضكم بعضا .


- ومن التعبيرات قوله تعالى " ولا تلمزوا أنفسكم " وفي هذا إشارة إلى أن من عاب أخاه المسلم فكأنما عاب نفسه فنزل البعض الملموز منزلة نفس الإنسان لتقرير معنى الإحساس بالأخوة وتقوية الشعور بها

- ومن استعمالات القرآن للنفس وإرادة الغير قوله تعالى ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) والمقصود بأنفسهم هنا إخوانهم في الدين والعقيدة ووصف الإيمان ( هنا ) يحملهم على إحسان الظن بالغير ويكفهم عن إساءتهم بأنفسهم " أي بأبناء جنسهم النازلين منزلة أنفسهم " فتشبيه الغير بالنفس لشدة اتصال الغير بالنفس في في الأصل والدين وفي هذا التعبير عن إخوانهم وأخواتهم في العقيدة بأنفسهم أسمى ألوان الدعوة إلى غرس روح المحبة والمودة والإخاء والإحساس الصادق حتى لكأن الذي يظن السوء بغيره إنما يظنه بنفسه .


فهذا الأسلوب القرآني وهذا الخطاب الرباني يؤكد معنى وحدة الأمة ويحدث في نفوس أفرادها أثرا وإحساسا يبعثها على الإمتثال ، فالمسلم الذي يربى على هذه المعاني وهذه الدقائق القرآنية لاشك أنها تؤثر فيه وتغرس في أعماقه هذا الشعور .
ومن تدبر هذا الأسلوب العجيب علم أنه لا قوام لهذه الأمة إلا بمثل هذا الإحساس وشعور كل فرد من أفرادها بأن نفسه التي بين جنبيه هي نفس الآخرين ودمه هو دم الآخرين ولا فرق في المحافظة على الروح التي تجول في بدنه والدم الذي يجري في عروقه وبين الأرواح والأبدان التي يحيا بها إخوانه ..... وليزن طلاب علم هذا الزمان تعليمهم بهذا الأسلوب العجيب في التربية والتعليم ولينظروا أين مكانهم من فهم القرآن وما حظهم من هدايته ؟ [/color]

د. احمد شرشال
كلية الشريعة جامعة الكويت [/size]
 
عودة
أعلى