بسم الله الرحمن الرحيم
أستمتع كثيراً وأنا أتصفح هذا الموقع الحافل الماتع ، وأجد فيه من الدرر والنفائس ما جعلني أجعله الموقع الافتراضي الذي أبدأ به تصفحي لما في هذه الشبكة من المواقع .
وقد لاحظت أن النسبة الكبيرة من موضوعات هذا الملتقى موضوعات علمية بحته ، والمواضيع التربوية قليلة - وإن كانت موجودة - .
ولا يخفى على الجميع أن أهم أهداف هذا الكتاب العظيم - القرآن الكريم - هداية الناس وإصلاحهم حتى يسعدوا في دنياهم وأخراهم ، ولذلك كان من المهم أن نخرج هدايات القرآن للناس ، وأن نتدبر آياته لننتفع بها في حياتنا ، ونزكي بها أرواحنا .
ومن هنا رأيت أن أجمع في هذا الموضوع متفرقات نافعة تتعلق بما في القرآن من الموضوعات التربوية والإيمانية التي نحتاجها أكثر من حاجتنا إلى الطعام والشراب .
وغالب هذه الموضوعات منتقاة مختارة من هنا وهناك جمعتها لكم لأني قد تخصصت في هذا المجال ، وصار اسمي الذي تشاهدونه مع موضوعاتي : الباحث .
فاقبلوا هديتي ، وادعوا لي بالسداد والتوفيق .
وأول هذه الموضوعات التي انتقيتها لكم في هذا المجال موضوع بعنوان :الملامح التربوية في مواعظ لقمان
وإليكم نص هذا الموضوع :
بسم الله الرحمن الرحيم
الملامح التربوية في مواعظ لقمان
الحمد لله وصلى الله على نبيه ومصطفاه وبعد :
لقمان من الشخصيات القرآنية التي سكت القرآن عن بيان نسبه ، وزمنه ، وتوصيف معالم شخصيته ، كما أغفل القرآن أيضاً ذكر اسم ابنه الذي وعظه .
والذي ذكره المفسرون ـ في أرجح الأقوال ـ أن لقمان كان عبداً صالحاً ولم يكن نبياً ، ولكن الله آتاه الحكمة ، فقال تعالى : { ولقد آتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد } 12 / لقمان .
والحكمة التي آتاها الله لقمان هي : الإصابة في القول ، والسداد في الرأي ، والنطق بما يوافق الحق .. وليس المقصود بها النبوة .
وقد أشاد الله في كتابه الكريم بفضل من يؤتى الحكمة فقال الله تعالى :
{ يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب } آية 269 / البقرة .
وقد أشاد الله في كتابه الكريم بفضل من يؤتى الحكمة فقال الله تعالى :
{ يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب } آية 269 / البقرة .
وقد ذكر الله تعالى على لسان لقمان من حكمه وصاياه لابنه ، وهي :
وصايا ومواعظ جامعة تفيض بالحكمة ، تتعلق بالعقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق والذي يعنينا من تلك الوصايا ـ بعد دراستها ـ هو تبصر ملامح التربية الإيمانية والسلوكية فيها ، لأنه الغرض من سياق القصة القرآنية عموماً ، وهو الوقوف على مواطن العبرة والعظة فيها لتكون هداية للناس ومنهاجاً يحذوه الآباء والمربون في تربية أبنائهم . قال الله تعالى : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } 111 / يوسف .
مقدمات بين يدي المواعظ :
أولاً : هذه الوصايا هي في واقع الأمر [ مواعظ ] كما جاء التعبير القرآني عنها قال الله تعالى : { وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه } 13 / لقمان .
والوعظ هو : ( الزجر المقترن بالتخويف ) .
والتخويف والترهيب يعتبران من مقومات التربية السليمة للأبناء ، إذ التربية تقوم على أصلين هما : [ الترغيب ، والترهيب ] .
فتخويف الأبناء ـ وعظاً ـ من عواقب الأمور ونتائج الأعمال السيئة يعتبر تربية سليمة . فقد خوف الله عباده من عقابه وسوء أعمالهم ليحملهم على الإيمان والعمل الصالح . والآيات التي تشير إلى هذا كثيرة في القرآن الكريم .
وخوف الأبناء من العواقب والمصائر يعد ظاهرة صحية ودلالة وعي عندهم تحفز دافعيتهم ، وتسدد أعمالهم وتقوم اعوجاج شخصياتهم ، وترفع من مستوى أدائهم وانضباطهم ، والذي يجب أن يحذر منه إنما هو الخوف السلبي عند الأبناء كخوفهم من ظلام الليل وبعض الهوام والأصوات ونحوها ، لما يتركه من أثر نفسي في الشخصية .
ثانياً : وفي هذه المواعظ نرى لقمان الأب يقوم بواجب التربية نحو ابنه ويضطلع بمسؤوليته نحوه ـ شفقة ورحمة به ـ لتنشئته على الخير والصلاح ، ويضع أمام الآباء نموذجاً صالحاً لما يجب أن تكون عليه علاقة الأب بابنه .
وهو الواجب الذي أغفله بل أسقطه كثير من الآباء من حساباتهم اليوم تجاه أولادهم يقول الحق سبحانه وتعالى مؤكداً هذا الواجب : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة … } 6 / التحريم .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )متفق عليه
ولا يخفى على ذي لب أن منشأ البر هو قيام هذه الرابطة بين الآباء والأبناء والتي لحمتها حرص الآباء على رعاية أبنائهم وتوجيههم ونصحهم .
وكذلك نجد لقمان ـ من خلال مواعظه ـ يضع ابنه أمام واجباته ، ومسؤولياته ، ويعرفه بها ، ويحفزه ـ وعظاً ـ على الاهتمام بها ، والقيام بشأنها وذلك لينمي فيه حس المسؤولية والاضطلاع بها .
وغير خافٍ على الآباء أهمية تربية حس المسؤولية لدى الأبناء ، إذا أردنا لهم تسجيل نجاحات في حياتهم .
ثالثاً : وإذا كان الله وهب لقمان الحكمة وهي : ( الإصابة في الأمور ) فإن مجموع المواعظ التي اختارها لقمان في وعظ ابنه هي من فيض الحكمة لأنها قول الحكيم وأثر حكمته . وإذا كانت من الحكمة فيجب الأخذ بها وتنشئة الأبناء عليها .
ومن جانب آخر يجب على الداعية والمربي سلوك مسالك الحكمة في دعوته وتوجيهه ونصحه وإرشاده باختيار الموعظة المناسبة في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب ليحمل المتلقي على الاستجابة .
قال الله تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } 125 / النحل .
دلالات المواعظ :
1 ـ كان أول جانب ركز عليه لقمان في وصيته لابنه هو ( قضية التوحيد ) حفاظاً على فطرته الإيمانية التي فطره الله عليها { فطرة الله التي فطر الناس عليها }3 / الروم.
فحذره أن يلوث هذه الفطرة النقية بالشرك مع الله فقال له:{ يا بني لا تشرك بالله }
وبين له خطورة الشرك وعاقبته { إن الشرك لظلم عظيم } لما فيه من التعدي ومجانبة الحق . وهكذا نجد لقمان بحكمته قرن النهي بعلته وحكمته ليكون أدعى إلى الاستجابة في نفس ابنه فيبتعد عن الشرك وعمله لما يدرك خطورته وعواقبه.
كما أن أسلوب التحذير من الفعل قبل الوقوع هو من أرقى الأساليب التربوية إذ التربية ربط وتحذير والتحذير من الشيء قبل الوقوع فيه والابتعاد عنه أسهل من قلعه وإزالته بعد الوقوع فيه .
كما أن الحفاظ على طهرة النفس ونقاء الفطرة وصفاء العقيدة عامل قوي في تشكل الشخصية تشكلاً سوياً بعيدة عن المؤثرات والرواسب السابقة ، إذ لايخفى عليك ما تتركه الانطباعات السابقة من آثار نفسيةٍ في الشخصية يصعب محوها وإزالتها .
ولعله لم يفتك التنبه إلى أسلوب التلطف والتودد من لقمان لابنه وهو يخاطبه [ يا بني ] شفقة به ومحبة له وهو ما يحفز الابن على الاستجابة .
كما في هذا الأسلوب من الخطاب استمالة للابن لاستماع ما يلقى إليه على أنه يخصه ويعينه وفيه إشعار الابن بالاهتمام به .
وكذلك فإن النصيحة حيث جاءت من الأب لابنه فهي نصيحة غير متهمة مبرأة من كل شائبة لا يقصد بها إلا الخير ومصلحة الابن وهذا مؤثر نفسي كبير يحمل الابن على قبول النصيحة والعناية بها .
2 ـ ثم جاء الأسلوب القرآني بعد ذلك ليوجه الاهتمام نحو أمر عظيم وهو من أوجب الواجبات علينا بعد توحيد الله تعالى وطاعته وهو شكر الوالدين والإحسان إليهما قال الله تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه } .
ولفت الأسلوب القرآني نظر الأبناء إلى ما تعانيه وتقاسيه الأم أثناء الحمل والولادة { حملته أمه وهناً على وهن } أي ضعفاً على ضعف إذ الأم تبقى متعبة ضعيفة طيلة مدة الحمل إلى الولادة .
وقد لفت الأسلوب القرآني نظر الأبناء إلى ما تقاسيه الأم أثناء الحمل ليستدر عطفهم نحو أمهاتهم .
ولا يخفى ما في هذا الأسلوب من إيجابية في إثارة العاطفة وتوجيه السلوك وما أروع الأسلوب القرآني بعد هذا وهو يعلمنا قيمة أخلاقية راقية وهي :
الشكر على النعمة والوفاء بالجميل قال الله تعالى موجهاً { أن اشكر لي ولوالديك } فأوجب علينا شكر الله على نعمه وشكر الوالدين على الرعاية والتربية .
ثم بين الله لنا بعد ذلك منزلة الوالدين ووجوب الإحسان إليهما ـ وإن كانا كافرين جزاء وفاقاً لأيام الرعاية في الطفولة ـ بشرط عدم الاستجابة إلى مطالبهما وإن أجهدا نفسيهما ليحملا الابن على الإشراك بالله تعالى ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق على أن طاعة الوالدين تأتي بعد تحقيق طاعة الله تعالى .
لكن عدم الاستجابة لمطلبهما لا يلزم عنه ترك صحبتهما بالمعروف بالبر والإحسان والصلة ويصور الله لنا هذا الخط الفارق بين الحالتين في قوله تعالى :{وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبها في الدنيا معروفاً} .
وفي هذا الأسلوب تقرير لمبدأ الطاعة بالمعروف لا لمطلق الطاعة العمياء ، وفيه تعليم للأبناء الموازنة بين الأمور وترجيح المصلحة العليا منها .
3 ـ ثم وجه الأسلوب القرآني نظرنا بعد ذلك إلى التزام الصحبة الطيبة واتباع سبيل المؤمنين الذين رجعوا إلى الله تعالى بالتوبة والعمل الصالح قال الله تعالى : { واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون } ولا يخفى أثر الصحبة الطيبة في شخصية الأبناء إذ الطبع يسرق من الطبع ، والمرء على دين خليله ، يقلد تصرفاته ، ويسلك مسالكه .
وفي الأمر باتباع سبيل المؤمنين نهي وتحذير عن تقليد الكافرين والفاسقين وسلوك طريقتهم إذ هناك فرق بين الاتباع والتقليد ، فالاتباع يكون على بصيرة ونور بدليل أن الله بصر المتبع سبيل الاتباع فقال الله تعالى : { واتبع سبيل من أناب إلي } .
أما التقليد فغالباً ما يكون أعمى على غير هدى وتبصر . والتقليد الأعمى لآبائية أو قومية أو جماعة .. هو من أخطر الإصابات العقلية التي تصيب الشخصية وتعطل آلية التفكير فيها ، وهو ما يجب الانتباه إليه وتحذير الأبناء منه .
هذا وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه التوجيهات من قوله تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه إلى قوله تعالى بما كنتم تعملون } هي ليست من وصية لقمان وإنما هي من الله تعالى أحكم الحاكمين جاءت لمناسبة لعلها لتكمل الصورة أمام الآباء في تربية أبنائهم .
4 ـ رأى لقمان أن السبيل الأوحد ليحافظ ابنه على تلك المواعظ ويعمل بها هو أن يغرس في نفسه مراقبة الله تعالى لتبقى هذه الرقابة الحية في ذاته حارساً لإيمانه ورقيباً على أعماله ، توقظه عند الغفلة ، وتحميه من الزلة .
ولكن كيف ربى لقمان في ابنه هذا الوازع الديني ؟ لنستمع إلى لقمان وهو يعظ ابنه { يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير } .
ومن خلال هذا التمثيل الرائع وجه لقمان ابنه إلى أن الله مطلع عليك يراك ويعلم كل أحوالك وما يجرى منك من صغيرة أو كبيرة لا تخفى عليه خافية في السموات والأرض ، فالله يعلم حبة الخردل الصغيرة ـ وهي من أصغر الحبوب ـ سواء كانت مخبوءة داخل صخرة أو في أيِّ موضع من السموات والأرض يعلم الله مكانها ويقدر على الإتيان بها .
وعن طريق هذا التمثيل البلاغي من خلال هذه الصورة المادية المحسوسة التي صورها الأب لابنه استطاع لقمان أن يغرس في ابنه الشعور برقابة الله تعالى ويربي في نفسه وازعاً قوياً يبقى الرقيب الدائم والواعظ المصاحب في ذاته .
فما أروع هذا الأسلوب التعليمي التربوي ـ في مخاطبة الوجدان ـ حيث استطاع لقمان الحكيم غرس المعاني عن طريق عرض المادي المحسوس ، لينمي عند ابنه حسَّ الرقابة الذاتية .
5 ـ وإدراكاً من لقمان لأهمية الصلاة ومكانتها فقد وجه ابنه بتلطف إلى أداء الصلاة والمحافظة عليها فقال له : [ يا بني أقم الصلاة ] فالصلاة هي الرابطة بين العبد وربه يستمد منها قوة الإيمان ويتزود بها من التقوى والعمل الصالح .
وهذا من لقمان انتقال بابنه من أسلوب التحذير إلى أسلوب الربط .. وفي ربط الأبناء بأداء الصلاة مع الحضور والخشوع فيها إشباع لحظ الروح من الخواء الروحي الذي أصاب الجيل اليوم .
6 ـ ثم أمر لقمان ابنه أن يقوم بواجب النصح والدعوة إلى الله تعالى نحو أبناء مجتمعه عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ حصن الدين وسياجه ـ فقال له : [ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ] والغرض تعريف ابنه ببعض واجباته الدينية تجاه مجتمعه ليبني عنده الاتجاه الإيجابي ويعلمه تحمل المسؤولية والقيام بشأنها .
فالمجتمع الإسلامي كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
ولا يخفى ما في هذا التوجيه من تربية لحس المسؤولية عند ابنه تجاه الجماعة التي ينتمي إليها وبناء روح المشاركة الإيجابية مع الجماعة .
هذا وقد جاء طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منه لابنه متوسطاً بين الصلاة والصبر ، لأن الصلاة هي الباعث المحرض للمؤمن على القيام بواجب النصح للغير أما الصبر فهو لازم للاستمرار والثبات على هذا الواجب .
ولا شك أن من يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلحقه مضرة توجب عليه توطين نفسه على الصبر وتحمل الأذى ليضمن استمرارية الثبات على الحق والدوام عليه . ومن هنا جاءت وصية لقمان لابنه [ واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ] بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تربية للإرادة على ضبط النفس والانفعال وتحمل أذى الغير .
ولا تخفى الجوانب التربوية في توجيه الأبناء نحو الصبر إذ الصبر من لزوميات الحياة يستمد منه المسلم قوته ومقومات ثباته ليستمر في تحقيق أهدافه ويصمد مع مبادئه .
كما في الوصية بالصبر حث على التعامل مع المواقف والأحداث والمصائب بإيجابية وقوة إرادة .
فلنحرص على تربية أولادنا على الصبر وضبط النفس والتعامل مع المواقف بإيجابية إذا أردنا لهم تحقيق أهدافهم إذ الهيجان والانفعال يحرق الأهداف ويخرج الشخصية عن اتزانها وصوابها .
هذا ولما كانت الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصبر على المصائب ، تكاليف شاقة لايقدر عليها إلا أصحاب العزائم ، والإرادة القوية ، جاء ختم هذه الوصايا بأنها : ( من عزم الأمور ) أي من الأمور الواجبة التي لارخصة للمسلم في تركها ، ويجب بذل الجهد ، ومجاهدة النفس ، وتحمل المشاق للقيام بشأنها .
7 ـ ثم حذر لقمان ابنه من خصلة مذمومة عند الله والناس فقال وهو
يعظه : [ ولا تصعر خدك للناس ] أي لا تمل وجهك وتعرض عن الناس تكبراً ، [ ولا تمش في الأرض مرحاً ] أي خيلاء إعجاباً بنفسك [ إن الله لا يحب كل مختال فخور ] متكبر متعاظم .
والنهي عن الشيء أمر بضده فحيث نهى لقمان ابنه عن التكبر فقد أراد بذلك أن يغرس في نفس ابنه قيمة أخلاقية ممدوحة وهي : [ خلق التواضع ] .
وليس بخاف على أحد رذيلة التكبر وفضيلة التواضع عند الله والناس ، فإن أول سقوط وإصابة للنفس كانت بسبب التكبر والاستعلاء من الشيطان الرجيم حيث أمره الله تعالى بالسجود لآدم تكريماً فأبى تكبراً وقال غروراً [ أنا خير منه ] 12/الأعراف فطرد من رحمة الله .
وبذلك كان التكبر أكبر ذنب يقترفه الإنسان ويحجبه عن دخول الجنة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ] رواه مسلم .
وإنما جاء التأكيد من لقمان لابنه على ذم التكبر والتحذير منه دون غيره لما يجره بعده من الشرور والآثام إذ هو أصل كل شر ورذيلة .
8 ـ ثم لفت لقمان بعد ذلك نظر ابنه إلى أمور سلوكية تتعلق باتزان الشخصية وكمالها وهي : ( أدبه في السير والحديث ) .
فوجهه إلى التوسط في مشيته والاعتدال في سيره بين الإسراع والبطء فقال له : [ واقصد في مشيك ] إذ الإسراع في السير يذهب بهاء الإنسان ، والبطء يشعر بالضعف ، كما في الوصية إشارة مؤكدة لما سبق من نبذ التكبر والتحلي بالتواضع أي لا تمشِ مشية المتكبر كما قال الله تعالى { ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً {} كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً }38 / الإسراء . ثم وجه لقمان ابنه إلى أدب الحديث والخطاب فقال له واعظاً [ واغضض من صوتك ] أي اخفض منه أثناء الحديث والخطاب فلا ترفعه عالياً فإنه لا يجمل بالعاقل ، لأن من رفع صوته عالياً شابه الحمار في صوته المنكر [ إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ] . وفي غض الصوت أدب راق ، وثقة بالنفس ، وامتلاك لناصية الكلمة ، واطمئنان من الغير إلى صدق حديثه واعتدال مزاجه .
هذا ولا يخفى ما لهاتين الموعظتين من أثر تربوي في بناء الشخصية المتزنة . فيحسن بالأبناء التحلي بهما والاهتمام بشأنهما ، وعلى الآباء ملاحظتهما في شخصية أبنائهم .
الأبعاد التربوية في مواعظ لقمان لابنه :
نلمح من مواعظ لقمان لابنه عدة أبعاد تربوية نجملها بالتالي :
1 ـ استخدامه أسلوب الوعظ القائم على التحذير وتخويف عواقب الأمور مما يثير دافعية الابن نحو ترك المنهي وفعل المأمور .
2 ـ استخدامه أسلوب التودد والتحبب في توجيه المواعظ لابنه حيث ابتدأ خطابه له بقوله : [ يا بني ] ، لاستمالته وإشعاره بالاهتمام به ، والشفقة عليه .
3 ـ التنويع في المواعظ بما يقيم الشخصية السوية المتكاملة من كل جانب ، فلا تفريط بجانب على حساب جانب آخر .
4 ـ استخدامه أسلوب [ التحذير والربط ] فقد حذره من الشرك والتكبر وربطه بالصلاة والصحبة الطيبة .
5 ـ استخدامه أسلوب التعليل وبيان الحكمة للأوامر والنواهي ليكون أدعى للاستجابة عند ابنه وشحذاً للتفكير المنطقي عنده .
6 ـ إثارة الجانب العاطفي ومخاطبة الوجدان ليحمله على تقدير أمه والإحسان إليها حيث ذكره الأسلوب القرآني بما تقاسيه الأم طيلة مدة الحمل إلى الولادة .
7 ـ الاهتمام بتربية الوازع الديني ـ الشعور برقابة الله تعالى ـ ليبقى رقيباً على أعماله ويقوم اعوجاجها وهو ما ينمي عند الأبناء حسَّ الرقابة الذاتية ومحاسبة النفس .
8 ـ تقريب المعاني عن طريق التمثيل بالمحسوس وذلك من خلال الصورة المحسوسة التي عرضها لقمان لابنه والتي تدل على سعة علم الله وقدرته بغرض حمل ابنه على مراقبة الله تعالى .
9 ـ تربية الإرادة وتوطين النفس على تحمل المكاره حيث أوصاه [ بالصبر ] .
10 ـ غرس القيم الأخلاقية النبيلة في شخصية ابنه كالشكر على النعمة والإحسان واحترام الوالدين وبرهما ، والتحلي بالتواضع .
11 ـ تكوين اتجاهات إيجابية عند ابنه من خلال دعوته للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه أبناء مجتمعه .
12ـ تنمية حس المسؤولية ، والشعور بالواجب لدى ابنه ، وذلك من خلال تعريفه بواجباته ومسؤولياته الدينية والاجتماعية .
13ـ الاهتمام بالجوانب السلوكية حيث أرشده إلى آداب تتعلق باتزان الشخصية
[ كأدب السير والحديث ] .
14ـ تعليم الأبناء الموازنة بين الأمور وتقديم المصلحة الراجحة منها وذلك من خلال الموازنة بين الاستجابة لطاعة الوالدين في المعصية أوالاستجابة لطاعة الله تعالى .
تلك هي بعض الأبعاد التربوية التي مرت معنا في ثنايا الكلام والتي وفقنا الله تعالى للوقوف عليها من خلال مواعظ لقمان لابنه .
نسأل الله أن يوفقنا والقارئ الكريم للاستفادة منها والأخذ بها في تنشئة أجيالنا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين .
أتى هذا المقال من الكلم الطيب
http://www.islamword.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.islamword.com/modules.php?name=News&file=article&sid=124
أستمتع كثيراً وأنا أتصفح هذا الموقع الحافل الماتع ، وأجد فيه من الدرر والنفائس ما جعلني أجعله الموقع الافتراضي الذي أبدأ به تصفحي لما في هذه الشبكة من المواقع .
وقد لاحظت أن النسبة الكبيرة من موضوعات هذا الملتقى موضوعات علمية بحته ، والمواضيع التربوية قليلة - وإن كانت موجودة - .
ولا يخفى على الجميع أن أهم أهداف هذا الكتاب العظيم - القرآن الكريم - هداية الناس وإصلاحهم حتى يسعدوا في دنياهم وأخراهم ، ولذلك كان من المهم أن نخرج هدايات القرآن للناس ، وأن نتدبر آياته لننتفع بها في حياتنا ، ونزكي بها أرواحنا .
ومن هنا رأيت أن أجمع في هذا الموضوع متفرقات نافعة تتعلق بما في القرآن من الموضوعات التربوية والإيمانية التي نحتاجها أكثر من حاجتنا إلى الطعام والشراب .
وغالب هذه الموضوعات منتقاة مختارة من هنا وهناك جمعتها لكم لأني قد تخصصت في هذا المجال ، وصار اسمي الذي تشاهدونه مع موضوعاتي : الباحث .
فاقبلوا هديتي ، وادعوا لي بالسداد والتوفيق .
وأول هذه الموضوعات التي انتقيتها لكم في هذا المجال موضوع بعنوان :الملامح التربوية في مواعظ لقمان
وإليكم نص هذا الموضوع :
بسم الله الرحمن الرحيم
الملامح التربوية في مواعظ لقمان
الحمد لله وصلى الله على نبيه ومصطفاه وبعد :
لقمان من الشخصيات القرآنية التي سكت القرآن عن بيان نسبه ، وزمنه ، وتوصيف معالم شخصيته ، كما أغفل القرآن أيضاً ذكر اسم ابنه الذي وعظه .
والذي ذكره المفسرون ـ في أرجح الأقوال ـ أن لقمان كان عبداً صالحاً ولم يكن نبياً ، ولكن الله آتاه الحكمة ، فقال تعالى : { ولقد آتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد } 12 / لقمان .
والحكمة التي آتاها الله لقمان هي : الإصابة في القول ، والسداد في الرأي ، والنطق بما يوافق الحق .. وليس المقصود بها النبوة .
وقد أشاد الله في كتابه الكريم بفضل من يؤتى الحكمة فقال الله تعالى :
{ يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب } آية 269 / البقرة .
وقد أشاد الله في كتابه الكريم بفضل من يؤتى الحكمة فقال الله تعالى :
{ يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب } آية 269 / البقرة .
وقد ذكر الله تعالى على لسان لقمان من حكمه وصاياه لابنه ، وهي :
وصايا ومواعظ جامعة تفيض بالحكمة ، تتعلق بالعقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق والذي يعنينا من تلك الوصايا ـ بعد دراستها ـ هو تبصر ملامح التربية الإيمانية والسلوكية فيها ، لأنه الغرض من سياق القصة القرآنية عموماً ، وهو الوقوف على مواطن العبرة والعظة فيها لتكون هداية للناس ومنهاجاً يحذوه الآباء والمربون في تربية أبنائهم . قال الله تعالى : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } 111 / يوسف .
مقدمات بين يدي المواعظ :
أولاً : هذه الوصايا هي في واقع الأمر [ مواعظ ] كما جاء التعبير القرآني عنها قال الله تعالى : { وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه } 13 / لقمان .
والوعظ هو : ( الزجر المقترن بالتخويف ) .
والتخويف والترهيب يعتبران من مقومات التربية السليمة للأبناء ، إذ التربية تقوم على أصلين هما : [ الترغيب ، والترهيب ] .
فتخويف الأبناء ـ وعظاً ـ من عواقب الأمور ونتائج الأعمال السيئة يعتبر تربية سليمة . فقد خوف الله عباده من عقابه وسوء أعمالهم ليحملهم على الإيمان والعمل الصالح . والآيات التي تشير إلى هذا كثيرة في القرآن الكريم .
وخوف الأبناء من العواقب والمصائر يعد ظاهرة صحية ودلالة وعي عندهم تحفز دافعيتهم ، وتسدد أعمالهم وتقوم اعوجاج شخصياتهم ، وترفع من مستوى أدائهم وانضباطهم ، والذي يجب أن يحذر منه إنما هو الخوف السلبي عند الأبناء كخوفهم من ظلام الليل وبعض الهوام والأصوات ونحوها ، لما يتركه من أثر نفسي في الشخصية .
ثانياً : وفي هذه المواعظ نرى لقمان الأب يقوم بواجب التربية نحو ابنه ويضطلع بمسؤوليته نحوه ـ شفقة ورحمة به ـ لتنشئته على الخير والصلاح ، ويضع أمام الآباء نموذجاً صالحاً لما يجب أن تكون عليه علاقة الأب بابنه .
وهو الواجب الذي أغفله بل أسقطه كثير من الآباء من حساباتهم اليوم تجاه أولادهم يقول الحق سبحانه وتعالى مؤكداً هذا الواجب : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة … } 6 / التحريم .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )متفق عليه
ولا يخفى على ذي لب أن منشأ البر هو قيام هذه الرابطة بين الآباء والأبناء والتي لحمتها حرص الآباء على رعاية أبنائهم وتوجيههم ونصحهم .
وكذلك نجد لقمان ـ من خلال مواعظه ـ يضع ابنه أمام واجباته ، ومسؤولياته ، ويعرفه بها ، ويحفزه ـ وعظاً ـ على الاهتمام بها ، والقيام بشأنها وذلك لينمي فيه حس المسؤولية والاضطلاع بها .
وغير خافٍ على الآباء أهمية تربية حس المسؤولية لدى الأبناء ، إذا أردنا لهم تسجيل نجاحات في حياتهم .
ثالثاً : وإذا كان الله وهب لقمان الحكمة وهي : ( الإصابة في الأمور ) فإن مجموع المواعظ التي اختارها لقمان في وعظ ابنه هي من فيض الحكمة لأنها قول الحكيم وأثر حكمته . وإذا كانت من الحكمة فيجب الأخذ بها وتنشئة الأبناء عليها .
ومن جانب آخر يجب على الداعية والمربي سلوك مسالك الحكمة في دعوته وتوجيهه ونصحه وإرشاده باختيار الموعظة المناسبة في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب ليحمل المتلقي على الاستجابة .
قال الله تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } 125 / النحل .
دلالات المواعظ :
1 ـ كان أول جانب ركز عليه لقمان في وصيته لابنه هو ( قضية التوحيد ) حفاظاً على فطرته الإيمانية التي فطره الله عليها { فطرة الله التي فطر الناس عليها }3 / الروم.
فحذره أن يلوث هذه الفطرة النقية بالشرك مع الله فقال له:{ يا بني لا تشرك بالله }
وبين له خطورة الشرك وعاقبته { إن الشرك لظلم عظيم } لما فيه من التعدي ومجانبة الحق . وهكذا نجد لقمان بحكمته قرن النهي بعلته وحكمته ليكون أدعى إلى الاستجابة في نفس ابنه فيبتعد عن الشرك وعمله لما يدرك خطورته وعواقبه.
كما أن أسلوب التحذير من الفعل قبل الوقوع هو من أرقى الأساليب التربوية إذ التربية ربط وتحذير والتحذير من الشيء قبل الوقوع فيه والابتعاد عنه أسهل من قلعه وإزالته بعد الوقوع فيه .
كما أن الحفاظ على طهرة النفس ونقاء الفطرة وصفاء العقيدة عامل قوي في تشكل الشخصية تشكلاً سوياً بعيدة عن المؤثرات والرواسب السابقة ، إذ لايخفى عليك ما تتركه الانطباعات السابقة من آثار نفسيةٍ في الشخصية يصعب محوها وإزالتها .
ولعله لم يفتك التنبه إلى أسلوب التلطف والتودد من لقمان لابنه وهو يخاطبه [ يا بني ] شفقة به ومحبة له وهو ما يحفز الابن على الاستجابة .
كما في هذا الأسلوب من الخطاب استمالة للابن لاستماع ما يلقى إليه على أنه يخصه ويعينه وفيه إشعار الابن بالاهتمام به .
وكذلك فإن النصيحة حيث جاءت من الأب لابنه فهي نصيحة غير متهمة مبرأة من كل شائبة لا يقصد بها إلا الخير ومصلحة الابن وهذا مؤثر نفسي كبير يحمل الابن على قبول النصيحة والعناية بها .
2 ـ ثم جاء الأسلوب القرآني بعد ذلك ليوجه الاهتمام نحو أمر عظيم وهو من أوجب الواجبات علينا بعد توحيد الله تعالى وطاعته وهو شكر الوالدين والإحسان إليهما قال الله تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه } .
ولفت الأسلوب القرآني نظر الأبناء إلى ما تعانيه وتقاسيه الأم أثناء الحمل والولادة { حملته أمه وهناً على وهن } أي ضعفاً على ضعف إذ الأم تبقى متعبة ضعيفة طيلة مدة الحمل إلى الولادة .
وقد لفت الأسلوب القرآني نظر الأبناء إلى ما تقاسيه الأم أثناء الحمل ليستدر عطفهم نحو أمهاتهم .
ولا يخفى ما في هذا الأسلوب من إيجابية في إثارة العاطفة وتوجيه السلوك وما أروع الأسلوب القرآني بعد هذا وهو يعلمنا قيمة أخلاقية راقية وهي :
الشكر على النعمة والوفاء بالجميل قال الله تعالى موجهاً { أن اشكر لي ولوالديك } فأوجب علينا شكر الله على نعمه وشكر الوالدين على الرعاية والتربية .
ثم بين الله لنا بعد ذلك منزلة الوالدين ووجوب الإحسان إليهما ـ وإن كانا كافرين جزاء وفاقاً لأيام الرعاية في الطفولة ـ بشرط عدم الاستجابة إلى مطالبهما وإن أجهدا نفسيهما ليحملا الابن على الإشراك بالله تعالى ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق على أن طاعة الوالدين تأتي بعد تحقيق طاعة الله تعالى .
لكن عدم الاستجابة لمطلبهما لا يلزم عنه ترك صحبتهما بالمعروف بالبر والإحسان والصلة ويصور الله لنا هذا الخط الفارق بين الحالتين في قوله تعالى :{وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبها في الدنيا معروفاً} .
وفي هذا الأسلوب تقرير لمبدأ الطاعة بالمعروف لا لمطلق الطاعة العمياء ، وفيه تعليم للأبناء الموازنة بين الأمور وترجيح المصلحة العليا منها .
3 ـ ثم وجه الأسلوب القرآني نظرنا بعد ذلك إلى التزام الصحبة الطيبة واتباع سبيل المؤمنين الذين رجعوا إلى الله تعالى بالتوبة والعمل الصالح قال الله تعالى : { واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون } ولا يخفى أثر الصحبة الطيبة في شخصية الأبناء إذ الطبع يسرق من الطبع ، والمرء على دين خليله ، يقلد تصرفاته ، ويسلك مسالكه .
وفي الأمر باتباع سبيل المؤمنين نهي وتحذير عن تقليد الكافرين والفاسقين وسلوك طريقتهم إذ هناك فرق بين الاتباع والتقليد ، فالاتباع يكون على بصيرة ونور بدليل أن الله بصر المتبع سبيل الاتباع فقال الله تعالى : { واتبع سبيل من أناب إلي } .
أما التقليد فغالباً ما يكون أعمى على غير هدى وتبصر . والتقليد الأعمى لآبائية أو قومية أو جماعة .. هو من أخطر الإصابات العقلية التي تصيب الشخصية وتعطل آلية التفكير فيها ، وهو ما يجب الانتباه إليه وتحذير الأبناء منه .
هذا وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه التوجيهات من قوله تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه إلى قوله تعالى بما كنتم تعملون } هي ليست من وصية لقمان وإنما هي من الله تعالى أحكم الحاكمين جاءت لمناسبة لعلها لتكمل الصورة أمام الآباء في تربية أبنائهم .
4 ـ رأى لقمان أن السبيل الأوحد ليحافظ ابنه على تلك المواعظ ويعمل بها هو أن يغرس في نفسه مراقبة الله تعالى لتبقى هذه الرقابة الحية في ذاته حارساً لإيمانه ورقيباً على أعماله ، توقظه عند الغفلة ، وتحميه من الزلة .
ولكن كيف ربى لقمان في ابنه هذا الوازع الديني ؟ لنستمع إلى لقمان وهو يعظ ابنه { يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير } .
ومن خلال هذا التمثيل الرائع وجه لقمان ابنه إلى أن الله مطلع عليك يراك ويعلم كل أحوالك وما يجرى منك من صغيرة أو كبيرة لا تخفى عليه خافية في السموات والأرض ، فالله يعلم حبة الخردل الصغيرة ـ وهي من أصغر الحبوب ـ سواء كانت مخبوءة داخل صخرة أو في أيِّ موضع من السموات والأرض يعلم الله مكانها ويقدر على الإتيان بها .
وعن طريق هذا التمثيل البلاغي من خلال هذه الصورة المادية المحسوسة التي صورها الأب لابنه استطاع لقمان أن يغرس في ابنه الشعور برقابة الله تعالى ويربي في نفسه وازعاً قوياً يبقى الرقيب الدائم والواعظ المصاحب في ذاته .
فما أروع هذا الأسلوب التعليمي التربوي ـ في مخاطبة الوجدان ـ حيث استطاع لقمان الحكيم غرس المعاني عن طريق عرض المادي المحسوس ، لينمي عند ابنه حسَّ الرقابة الذاتية .
5 ـ وإدراكاً من لقمان لأهمية الصلاة ومكانتها فقد وجه ابنه بتلطف إلى أداء الصلاة والمحافظة عليها فقال له : [ يا بني أقم الصلاة ] فالصلاة هي الرابطة بين العبد وربه يستمد منها قوة الإيمان ويتزود بها من التقوى والعمل الصالح .
وهذا من لقمان انتقال بابنه من أسلوب التحذير إلى أسلوب الربط .. وفي ربط الأبناء بأداء الصلاة مع الحضور والخشوع فيها إشباع لحظ الروح من الخواء الروحي الذي أصاب الجيل اليوم .
6 ـ ثم أمر لقمان ابنه أن يقوم بواجب النصح والدعوة إلى الله تعالى نحو أبناء مجتمعه عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ حصن الدين وسياجه ـ فقال له : [ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ] والغرض تعريف ابنه ببعض واجباته الدينية تجاه مجتمعه ليبني عنده الاتجاه الإيجابي ويعلمه تحمل المسؤولية والقيام بشأنها .
فالمجتمع الإسلامي كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
ولا يخفى ما في هذا التوجيه من تربية لحس المسؤولية عند ابنه تجاه الجماعة التي ينتمي إليها وبناء روح المشاركة الإيجابية مع الجماعة .
هذا وقد جاء طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منه لابنه متوسطاً بين الصلاة والصبر ، لأن الصلاة هي الباعث المحرض للمؤمن على القيام بواجب النصح للغير أما الصبر فهو لازم للاستمرار والثبات على هذا الواجب .
ولا شك أن من يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلحقه مضرة توجب عليه توطين نفسه على الصبر وتحمل الأذى ليضمن استمرارية الثبات على الحق والدوام عليه . ومن هنا جاءت وصية لقمان لابنه [ واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ] بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تربية للإرادة على ضبط النفس والانفعال وتحمل أذى الغير .
ولا تخفى الجوانب التربوية في توجيه الأبناء نحو الصبر إذ الصبر من لزوميات الحياة يستمد منه المسلم قوته ومقومات ثباته ليستمر في تحقيق أهدافه ويصمد مع مبادئه .
كما في الوصية بالصبر حث على التعامل مع المواقف والأحداث والمصائب بإيجابية وقوة إرادة .
فلنحرص على تربية أولادنا على الصبر وضبط النفس والتعامل مع المواقف بإيجابية إذا أردنا لهم تحقيق أهدافهم إذ الهيجان والانفعال يحرق الأهداف ويخرج الشخصية عن اتزانها وصوابها .
هذا ولما كانت الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصبر على المصائب ، تكاليف شاقة لايقدر عليها إلا أصحاب العزائم ، والإرادة القوية ، جاء ختم هذه الوصايا بأنها : ( من عزم الأمور ) أي من الأمور الواجبة التي لارخصة للمسلم في تركها ، ويجب بذل الجهد ، ومجاهدة النفس ، وتحمل المشاق للقيام بشأنها .
7 ـ ثم حذر لقمان ابنه من خصلة مذمومة عند الله والناس فقال وهو
يعظه : [ ولا تصعر خدك للناس ] أي لا تمل وجهك وتعرض عن الناس تكبراً ، [ ولا تمش في الأرض مرحاً ] أي خيلاء إعجاباً بنفسك [ إن الله لا يحب كل مختال فخور ] متكبر متعاظم .
والنهي عن الشيء أمر بضده فحيث نهى لقمان ابنه عن التكبر فقد أراد بذلك أن يغرس في نفس ابنه قيمة أخلاقية ممدوحة وهي : [ خلق التواضع ] .
وليس بخاف على أحد رذيلة التكبر وفضيلة التواضع عند الله والناس ، فإن أول سقوط وإصابة للنفس كانت بسبب التكبر والاستعلاء من الشيطان الرجيم حيث أمره الله تعالى بالسجود لآدم تكريماً فأبى تكبراً وقال غروراً [ أنا خير منه ] 12/الأعراف فطرد من رحمة الله .
وبذلك كان التكبر أكبر ذنب يقترفه الإنسان ويحجبه عن دخول الجنة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ] رواه مسلم .
وإنما جاء التأكيد من لقمان لابنه على ذم التكبر والتحذير منه دون غيره لما يجره بعده من الشرور والآثام إذ هو أصل كل شر ورذيلة .
8 ـ ثم لفت لقمان بعد ذلك نظر ابنه إلى أمور سلوكية تتعلق باتزان الشخصية وكمالها وهي : ( أدبه في السير والحديث ) .
فوجهه إلى التوسط في مشيته والاعتدال في سيره بين الإسراع والبطء فقال له : [ واقصد في مشيك ] إذ الإسراع في السير يذهب بهاء الإنسان ، والبطء يشعر بالضعف ، كما في الوصية إشارة مؤكدة لما سبق من نبذ التكبر والتحلي بالتواضع أي لا تمشِ مشية المتكبر كما قال الله تعالى { ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً {} كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً }38 / الإسراء . ثم وجه لقمان ابنه إلى أدب الحديث والخطاب فقال له واعظاً [ واغضض من صوتك ] أي اخفض منه أثناء الحديث والخطاب فلا ترفعه عالياً فإنه لا يجمل بالعاقل ، لأن من رفع صوته عالياً شابه الحمار في صوته المنكر [ إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ] . وفي غض الصوت أدب راق ، وثقة بالنفس ، وامتلاك لناصية الكلمة ، واطمئنان من الغير إلى صدق حديثه واعتدال مزاجه .
هذا ولا يخفى ما لهاتين الموعظتين من أثر تربوي في بناء الشخصية المتزنة . فيحسن بالأبناء التحلي بهما والاهتمام بشأنهما ، وعلى الآباء ملاحظتهما في شخصية أبنائهم .
الأبعاد التربوية في مواعظ لقمان لابنه :
نلمح من مواعظ لقمان لابنه عدة أبعاد تربوية نجملها بالتالي :
1 ـ استخدامه أسلوب الوعظ القائم على التحذير وتخويف عواقب الأمور مما يثير دافعية الابن نحو ترك المنهي وفعل المأمور .
2 ـ استخدامه أسلوب التودد والتحبب في توجيه المواعظ لابنه حيث ابتدأ خطابه له بقوله : [ يا بني ] ، لاستمالته وإشعاره بالاهتمام به ، والشفقة عليه .
3 ـ التنويع في المواعظ بما يقيم الشخصية السوية المتكاملة من كل جانب ، فلا تفريط بجانب على حساب جانب آخر .
4 ـ استخدامه أسلوب [ التحذير والربط ] فقد حذره من الشرك والتكبر وربطه بالصلاة والصحبة الطيبة .
5 ـ استخدامه أسلوب التعليل وبيان الحكمة للأوامر والنواهي ليكون أدعى للاستجابة عند ابنه وشحذاً للتفكير المنطقي عنده .
6 ـ إثارة الجانب العاطفي ومخاطبة الوجدان ليحمله على تقدير أمه والإحسان إليها حيث ذكره الأسلوب القرآني بما تقاسيه الأم طيلة مدة الحمل إلى الولادة .
7 ـ الاهتمام بتربية الوازع الديني ـ الشعور برقابة الله تعالى ـ ليبقى رقيباً على أعماله ويقوم اعوجاجها وهو ما ينمي عند الأبناء حسَّ الرقابة الذاتية ومحاسبة النفس .
8 ـ تقريب المعاني عن طريق التمثيل بالمحسوس وذلك من خلال الصورة المحسوسة التي عرضها لقمان لابنه والتي تدل على سعة علم الله وقدرته بغرض حمل ابنه على مراقبة الله تعالى .
9 ـ تربية الإرادة وتوطين النفس على تحمل المكاره حيث أوصاه [ بالصبر ] .
10 ـ غرس القيم الأخلاقية النبيلة في شخصية ابنه كالشكر على النعمة والإحسان واحترام الوالدين وبرهما ، والتحلي بالتواضع .
11 ـ تكوين اتجاهات إيجابية عند ابنه من خلال دعوته للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه أبناء مجتمعه .
12ـ تنمية حس المسؤولية ، والشعور بالواجب لدى ابنه ، وذلك من خلال تعريفه بواجباته ومسؤولياته الدينية والاجتماعية .
13ـ الاهتمام بالجوانب السلوكية حيث أرشده إلى آداب تتعلق باتزان الشخصية
[ كأدب السير والحديث ] .
14ـ تعليم الأبناء الموازنة بين الأمور وتقديم المصلحة الراجحة منها وذلك من خلال الموازنة بين الاستجابة لطاعة الوالدين في المعصية أوالاستجابة لطاعة الله تعالى .
تلك هي بعض الأبعاد التربوية التي مرت معنا في ثنايا الكلام والتي وفقنا الله تعالى للوقوف عليها من خلال مواعظ لقمان لابنه .
نسأل الله أن يوفقنا والقارئ الكريم للاستفادة منها والأخذ بها في تنشئة أجيالنا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين .
أتى هذا المقال من الكلم الطيب
http://www.islamword.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.islamword.com/modules.php?name=News&file=article&sid=124