إيمان الجاسر
New member
إخوتي الكرام أسعد الله أوقاتكم بالخيرات والمسرات ...... لقد اطلعنا على مقال جميل لفضيلة الشيخ الدكتور : ناصر بن
سليمان العمر ، بعنوان : " إن مع العسر يسرين " ..... وأحببت نقله لكم ليتسنى لكم الإستفادة منه .... وهو إهداءُُ ُ منا
لكل مهموم ومكروب في هذه الدنيــــــــا ....... فهلم إلى رياض ذلك المقال :
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فإن من دروس سورة يوسف التي أقف معها في هذه المقالة، درس من أعظم الدروس، إنه يتعلق بأعمال القلوب. يتعلق بالإيمان بالله _جل وعلا_ وبالثقة فيه، يتعلق بقوله _تعالى_: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء"، يتعلق بقوله _تعالى_:"ومن يتوكل على الله فهو حسبه". ذلك الدرس هو قوة التلازم بين الشدة والفرج، وهو تلازم ظاهر في سورة يوسف.
إن التلازم بين الشدة والفرج في سورة يوسف مطرد اطراداً عجيبا، وهذا المعنى، وهذه الدروس، وهذه الأمثلة التي سنتناولها، تعطي المؤمن ثقة بالله _جل وعلا_ وصدق توكل عليه، ولها آثارها العاجلة والآجلة في الدنيا والآخرة. إن من أخطر ما قد يمر بالمسلم أن يسيء الظن بربه _جل وعلا_ إذا نزلت به محنة، ويغفل عن التلازم بين الشدة والفرج،الذي أشار الله إليه في قوله _تعالى_: "فإن مع العسر يسرا إن مع لعسر يسرا"، ولن يغلب عسر يسرين، وهذا التلازم الواضح، الظاهر، البين، الجلي، بين الفرج والشدة من أجل أن يزداد المؤمن إيماناً بربه وثقة بوعده .
فكل واحد منا تمر به شدة، سواء صغرت أو كبرت، بل تمر بالمسلم شدائد عدة، فإذا فقد الإنسان الأمل هلك، ولكنه إذا أحسن الظن بربه، وقوي إيمانه به، فإنه سرعان ما يجد الفرج بين يديه. هذه هي الحقائق كما تعرضها سورة يوسف _عليه السلام_ نبدأ بها مثلا مثلا، من أجل أن يزداد إيماننا إيماناً.
فمن التلازم بين الشدة والفرج، أنه عندما اجتمع إخوة يوسف من أجل أن يتآمروا على قتله "اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ" (يوسف:9)، وهم يتآمرون كان أغلبهم يرون هذا القرار "اقتلوا يوسف"، جميعهم يرى هذا القرار إلا واحداً يأتي عن طريقه الفرج، وقبل أن يصدر القرار بالقضاء على يوسف "قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين" فيأتي الإنقاذ ويأتي الفرج فبعد أن كاد أن يصدر القرار، يأتي أعقل إخوانه، فيقول: لا تقتلوا يوسف، وهذا فرج بعد الشدة.
مثل آخر: عندما ألقوه في الجب، والإلقاء في البئر في وسط المدينة وفي وسط الحضر شدة عظيمة جداً، فكيف إذا اجتمع في هذا الجب العوامل التالية:
في وسط البرية..
بعيد عن أهله..
بعيد عن السكان..
والملقي في سن الصغر _عليه السلام_ دلت على ذلك أمور، منها: أنه لا يستطيع أن يسابق معهم، ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه "أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون" إذن فهو صغير..
وقد فارق والديه..
والذين يلقونه من هم ؟ هم إخوانه..
تجمعت كل عوامل الشدة في هذا الصنيع، فأين الفرج
لقد جاء الفرج وهو يلقى في البئر "وأوحينا إليه لتنبأنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون"، أي فرج هذا؟ أوحى الله إليه وحي إلهام .. لا تخف من الهلاك، لا تخف ستعيش، وستصل إلى مكانة ومنزلة تنبئهم بأمرهم، بكيدهم وهم لا يشعرون.
وكلمة "وهم لا يشعرون" تدل دلالة خاصة، فنقله نقلة عظيمة من الجو المحيط به في داخل البئر إلى معنى آخر يقول له فيه: إنك ستعيش وسيكون لك شأن، وأنت الذي ستخبرهم بما فعلوا "قالوا أإنك لأنت يوسف قال أن يوسف وهذا أخي قد من الله علينا".. هذا فرج والله عظيم.
ونواصل أيضاً مع هذا الفرج الذي يتوالى كل ما نزلت شدة، وضعوه في البئر، تركوه، ذهبوا، هذه أيضاً شدة ولاشك، وإن كان أوحي إليه لينبأنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون، لكنه لا يعلم متى سيخرج من هذه البئر، وما هي إلا مدة زمنية قصيرة يدل عليها سياق الآيات وسياق القصة "وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام" هذا فرج آخر، حيث لم يمكث في البئر طويلاً، فما هو إلا أن جاء من يبحث عن الماء فتعلق بالدلو فخرج من البئر، إذن هي مدة قصيرة، وهذا فرج آخر غير الفرج الأول.
ثم يدخل في شدة أخرى عندما باعوه رقيقاً، وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم _عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام_ مع غربته ومع أسره يباع وبثمن بخس رقيقاً، وهذا من أعظم الشدائد التي مرت بيوسف؛ لأنها شدة معنوية لا تقارن بكثير من الشدائد الحسية، فيأتي الفرج، أين الفرج؟
من الذي اشتراه؟ هل اشتراه من يسومه سوء العذاب؟ هل اشتراه من يهينه؟ كثير من الناس يهينون من يستأجرون وليسوا أرقاء مع أنهم مثلهم أحرار، ولكنهم لأنهم استأجروهم أهانوهم، وكم يعاني عدد من الأجراء ممن أجره من الإهانات والعبارات والألفاظ والسخرية والتسخير، فما بالكم بالرقيق المملوك، لكن الله _جل وعلا_ ينقذه بهذا السنة التلازم المطرد بين الشدة والفرج !
فالذي اشتراه عزيز مصر، لم يشتره من يهينه أو يسومه سوء العذاب، لكن اشتراه عزيز مصر، ثم لما اشتراه عزيز مصر، وعندما دخل به إلى بيته يقول لزوجته: "أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا". تأملوا هذا الفرج وهذه الرحمات التي تتوالى على يوسف _عليه السلام_ تلازم لا انفصال بين الشدة والفرج. رحمات، فيعيش في قصر العزيز مكرماً معززاً كأنه ابن مدلل، فينقذه الله من العبودية ومن الأسر إلى الشرف الذي يوصي به زوجته.
ولما راودته المرأة وغلقت الأبواب وحسبك بتلك شدة، امرأة متسلطة وغلقت الأبواب، فاجتمعت على يوسف _عليه السلام_ الشدة الحسية والمعنوية، ثم يأت الفرج، كيف؟
أولاً عندما أراه برهان ربه "ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه"، فرؤية البرهان هنا من الله _جل وعلا_ فرج عظيم جداً. إنقاذ الله له وحمايته من أن يقع في المعصية فرج عظيم "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك".
ثم يتوالى الفرج بهروبه من هذه الفتنة العمياء.
ثم لما لحقته وقدت قميصه من دبر وكادت أن تمسك به، في تلك اللحظة التي وصلا فيها عند الباب "وألفيا سيدها لدى الباب"، وهذا فرج آخر.
ثم لما بهتته "قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"(يوسف: من الآية25)، وهذه شدة جديدة وبلاء جديد؛ لأن المرأة هي المصدقة. مع سرعة بهتانها وسرعة اتهامها، والمرأة تصدق هنا أكثر مما يصدق الرجل. فيأتيه فرج جديد "وشهد شاهد من أهلها" هذا فرج عظيم أنقذ يوسف من هذه الدعوى التي بهتته بها، زوجة العزيز، ولذلك اعترف زوجها بذلك، وقال لها:
"استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين"، وبرأ يوسف "يوسف أعرض عن هذا"، بينما عرف أن زوجته هي الخاطئة.
ومرة أخرى تستمر الضغوط في قصة النسوة اللاتي قطعن أيديهن حتى قالت في آخر القصة: "لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين". بعد أن انتهى من الشدة الأولى، فإذا هي تعود مرة أخرى، وبدل أن كان الأمر فردياً، فإذا هو أمر جماعي. النسوة مع امرأة العزيز، كلهن أجمعن على ذلك كما في خطابه ودعائه "قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه"، ما قال: مما تدعوني إليه امرأة العزيز. شدة جديدة، فيلجأ إلى الله _جل وعلا_ ويتضرع بين يديه "رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين".
فيأتي الفرج "فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم". قد يقول قائل: وهل السجن فرج؟ أقول: نعم، السجن فرج في مقابل البلاء الذي أشار إليه "أصب إليهن وأكن من الجاهلين".
وفي داخل السجن -والسجن بلاء والشدة- يتوالى عليه الفرج، ليصبح في داخل السجن لا كسائر السجناء، بل يصبح آمراً ناهياً عزيزاً كريماً سيداً مطاعاً، وهذا يخفف من معاناة السجن، وهو فرج واضح في سياق القصة.
وعندما جاءت رؤيا الملك بعد أن طالت مدته في السجن، واشتد عليه السجن، ولبث في السجن بضع سنين، رأى الملك هذه الرؤيا العظيمة، فإذا هي سبب فرج الله به عنه، فمن الذي جعل الملك يرى الرؤيا؟ هو الله، ومن الذي قدر ألا يعبرها إلا يوسف؟ هو الله، ومن الذي ذكّر هذا الرجل وقد نسي يوسف؟ هو الله. فرج عظيم.
ثم في آخر القصة يأتي فرج آخر يزيل كل ريبة وتهمة في حق يوسف من هؤلاء النسوة، فتقر امرأة العزيز أنها هي التي راودته. الآن حصحص الحق، الآن تبينت المسألة، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين. ما أعظمه من فرج والله. تعترف هذه المرأة، ثم يبرأ من قبل النسوة، ما علمنا عليه من سوء، وهذا فرج عظيم، واعتراف من المرأة، يبين أن صفحة يوسف _عليه السلام_ بيضاء نقية.
وفي نهاية القصة عندما بلغ اليأس مبلغه، وعندما أصبح يعقوب – كما وصفه مولاه "وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم"، ويزداد شدة الأمر عندما قال له أبناؤه: "تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين".
قال: "إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون"، "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"، وهنا بلغ الأمر مبلغه، وبلغت الشدة مبلغها، فيأتي الفرج "فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة، فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون" ويتوالى الفرج، ويرسل قميصه إلى أبيه فيأتيه الفرج ويرجع إليه بصره "قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون"
وهكذا يتوالى الفرج في القصة..
فيا أيها المؤمن، لا تقنط، لا تيأس "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" مهما توالت عليك الشدائد فلا تيأس من روح الله، كم توالت الشدائد على يوسف وعلى يعقوب _عليهما السلام_ شدة بعد شدة، ومحنة بعد محنة، فيحدث ما يحدث ويأتي الفرج متوالياً، فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً، وقد روي أنه "لن يغلب عسر يسرين". فثقوا بالله وبوعده، وازدادوا إيماناً بصدق وعده _جل وعلا_ والتجئوا إليه تجدوا الفرج "إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً"(الطلاق: من الآية3).
موقع المسلم .....http://www.almoslim.net
سليمان العمر ، بعنوان : " إن مع العسر يسرين " ..... وأحببت نقله لكم ليتسنى لكم الإستفادة منه .... وهو إهداءُُ ُ منا
لكل مهموم ومكروب في هذه الدنيــــــــا ....... فهلم إلى رياض ذلك المقال :
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فإن من دروس سورة يوسف التي أقف معها في هذه المقالة، درس من أعظم الدروس، إنه يتعلق بأعمال القلوب. يتعلق بالإيمان بالله _جل وعلا_ وبالثقة فيه، يتعلق بقوله _تعالى_: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء"، يتعلق بقوله _تعالى_:"ومن يتوكل على الله فهو حسبه". ذلك الدرس هو قوة التلازم بين الشدة والفرج، وهو تلازم ظاهر في سورة يوسف.
إن التلازم بين الشدة والفرج في سورة يوسف مطرد اطراداً عجيبا، وهذا المعنى، وهذه الدروس، وهذه الأمثلة التي سنتناولها، تعطي المؤمن ثقة بالله _جل وعلا_ وصدق توكل عليه، ولها آثارها العاجلة والآجلة في الدنيا والآخرة. إن من أخطر ما قد يمر بالمسلم أن يسيء الظن بربه _جل وعلا_ إذا نزلت به محنة، ويغفل عن التلازم بين الشدة والفرج،الذي أشار الله إليه في قوله _تعالى_: "فإن مع العسر يسرا إن مع لعسر يسرا"، ولن يغلب عسر يسرين، وهذا التلازم الواضح، الظاهر، البين، الجلي، بين الفرج والشدة من أجل أن يزداد المؤمن إيماناً بربه وثقة بوعده .
فكل واحد منا تمر به شدة، سواء صغرت أو كبرت، بل تمر بالمسلم شدائد عدة، فإذا فقد الإنسان الأمل هلك، ولكنه إذا أحسن الظن بربه، وقوي إيمانه به، فإنه سرعان ما يجد الفرج بين يديه. هذه هي الحقائق كما تعرضها سورة يوسف _عليه السلام_ نبدأ بها مثلا مثلا، من أجل أن يزداد إيماننا إيماناً.
فمن التلازم بين الشدة والفرج، أنه عندما اجتمع إخوة يوسف من أجل أن يتآمروا على قتله "اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ" (يوسف:9)، وهم يتآمرون كان أغلبهم يرون هذا القرار "اقتلوا يوسف"، جميعهم يرى هذا القرار إلا واحداً يأتي عن طريقه الفرج، وقبل أن يصدر القرار بالقضاء على يوسف "قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين" فيأتي الإنقاذ ويأتي الفرج فبعد أن كاد أن يصدر القرار، يأتي أعقل إخوانه، فيقول: لا تقتلوا يوسف، وهذا فرج بعد الشدة.
مثل آخر: عندما ألقوه في الجب، والإلقاء في البئر في وسط المدينة وفي وسط الحضر شدة عظيمة جداً، فكيف إذا اجتمع في هذا الجب العوامل التالية:
في وسط البرية..
بعيد عن أهله..
بعيد عن السكان..
والملقي في سن الصغر _عليه السلام_ دلت على ذلك أمور، منها: أنه لا يستطيع أن يسابق معهم، ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه "أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون" إذن فهو صغير..
وقد فارق والديه..
والذين يلقونه من هم ؟ هم إخوانه..
تجمعت كل عوامل الشدة في هذا الصنيع، فأين الفرج
لقد جاء الفرج وهو يلقى في البئر "وأوحينا إليه لتنبأنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون"، أي فرج هذا؟ أوحى الله إليه وحي إلهام .. لا تخف من الهلاك، لا تخف ستعيش، وستصل إلى مكانة ومنزلة تنبئهم بأمرهم، بكيدهم وهم لا يشعرون.
وكلمة "وهم لا يشعرون" تدل دلالة خاصة، فنقله نقلة عظيمة من الجو المحيط به في داخل البئر إلى معنى آخر يقول له فيه: إنك ستعيش وسيكون لك شأن، وأنت الذي ستخبرهم بما فعلوا "قالوا أإنك لأنت يوسف قال أن يوسف وهذا أخي قد من الله علينا".. هذا فرج والله عظيم.
ونواصل أيضاً مع هذا الفرج الذي يتوالى كل ما نزلت شدة، وضعوه في البئر، تركوه، ذهبوا، هذه أيضاً شدة ولاشك، وإن كان أوحي إليه لينبأنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون، لكنه لا يعلم متى سيخرج من هذه البئر، وما هي إلا مدة زمنية قصيرة يدل عليها سياق الآيات وسياق القصة "وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام" هذا فرج آخر، حيث لم يمكث في البئر طويلاً، فما هو إلا أن جاء من يبحث عن الماء فتعلق بالدلو فخرج من البئر، إذن هي مدة قصيرة، وهذا فرج آخر غير الفرج الأول.
ثم يدخل في شدة أخرى عندما باعوه رقيقاً، وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم _عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام_ مع غربته ومع أسره يباع وبثمن بخس رقيقاً، وهذا من أعظم الشدائد التي مرت بيوسف؛ لأنها شدة معنوية لا تقارن بكثير من الشدائد الحسية، فيأتي الفرج، أين الفرج؟
من الذي اشتراه؟ هل اشتراه من يسومه سوء العذاب؟ هل اشتراه من يهينه؟ كثير من الناس يهينون من يستأجرون وليسوا أرقاء مع أنهم مثلهم أحرار، ولكنهم لأنهم استأجروهم أهانوهم، وكم يعاني عدد من الأجراء ممن أجره من الإهانات والعبارات والألفاظ والسخرية والتسخير، فما بالكم بالرقيق المملوك، لكن الله _جل وعلا_ ينقذه بهذا السنة التلازم المطرد بين الشدة والفرج !
فالذي اشتراه عزيز مصر، لم يشتره من يهينه أو يسومه سوء العذاب، لكن اشتراه عزيز مصر، ثم لما اشتراه عزيز مصر، وعندما دخل به إلى بيته يقول لزوجته: "أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا". تأملوا هذا الفرج وهذه الرحمات التي تتوالى على يوسف _عليه السلام_ تلازم لا انفصال بين الشدة والفرج. رحمات، فيعيش في قصر العزيز مكرماً معززاً كأنه ابن مدلل، فينقذه الله من العبودية ومن الأسر إلى الشرف الذي يوصي به زوجته.
ولما راودته المرأة وغلقت الأبواب وحسبك بتلك شدة، امرأة متسلطة وغلقت الأبواب، فاجتمعت على يوسف _عليه السلام_ الشدة الحسية والمعنوية، ثم يأت الفرج، كيف؟
أولاً عندما أراه برهان ربه "ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه"، فرؤية البرهان هنا من الله _جل وعلا_ فرج عظيم جداً. إنقاذ الله له وحمايته من أن يقع في المعصية فرج عظيم "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك".
ثم يتوالى الفرج بهروبه من هذه الفتنة العمياء.
ثم لما لحقته وقدت قميصه من دبر وكادت أن تمسك به، في تلك اللحظة التي وصلا فيها عند الباب "وألفيا سيدها لدى الباب"، وهذا فرج آخر.
ثم لما بهتته "قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"(يوسف: من الآية25)، وهذه شدة جديدة وبلاء جديد؛ لأن المرأة هي المصدقة. مع سرعة بهتانها وسرعة اتهامها، والمرأة تصدق هنا أكثر مما يصدق الرجل. فيأتيه فرج جديد "وشهد شاهد من أهلها" هذا فرج عظيم أنقذ يوسف من هذه الدعوى التي بهتته بها، زوجة العزيز، ولذلك اعترف زوجها بذلك، وقال لها:
"استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين"، وبرأ يوسف "يوسف أعرض عن هذا"، بينما عرف أن زوجته هي الخاطئة.
ومرة أخرى تستمر الضغوط في قصة النسوة اللاتي قطعن أيديهن حتى قالت في آخر القصة: "لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين". بعد أن انتهى من الشدة الأولى، فإذا هي تعود مرة أخرى، وبدل أن كان الأمر فردياً، فإذا هو أمر جماعي. النسوة مع امرأة العزيز، كلهن أجمعن على ذلك كما في خطابه ودعائه "قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه"، ما قال: مما تدعوني إليه امرأة العزيز. شدة جديدة، فيلجأ إلى الله _جل وعلا_ ويتضرع بين يديه "رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين".
فيأتي الفرج "فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم". قد يقول قائل: وهل السجن فرج؟ أقول: نعم، السجن فرج في مقابل البلاء الذي أشار إليه "أصب إليهن وأكن من الجاهلين".
وفي داخل السجن -والسجن بلاء والشدة- يتوالى عليه الفرج، ليصبح في داخل السجن لا كسائر السجناء، بل يصبح آمراً ناهياً عزيزاً كريماً سيداً مطاعاً، وهذا يخفف من معاناة السجن، وهو فرج واضح في سياق القصة.
وعندما جاءت رؤيا الملك بعد أن طالت مدته في السجن، واشتد عليه السجن، ولبث في السجن بضع سنين، رأى الملك هذه الرؤيا العظيمة، فإذا هي سبب فرج الله به عنه، فمن الذي جعل الملك يرى الرؤيا؟ هو الله، ومن الذي قدر ألا يعبرها إلا يوسف؟ هو الله، ومن الذي ذكّر هذا الرجل وقد نسي يوسف؟ هو الله. فرج عظيم.
ثم في آخر القصة يأتي فرج آخر يزيل كل ريبة وتهمة في حق يوسف من هؤلاء النسوة، فتقر امرأة العزيز أنها هي التي راودته. الآن حصحص الحق، الآن تبينت المسألة، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين. ما أعظمه من فرج والله. تعترف هذه المرأة، ثم يبرأ من قبل النسوة، ما علمنا عليه من سوء، وهذا فرج عظيم، واعتراف من المرأة، يبين أن صفحة يوسف _عليه السلام_ بيضاء نقية.
وفي نهاية القصة عندما بلغ اليأس مبلغه، وعندما أصبح يعقوب – كما وصفه مولاه "وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم"، ويزداد شدة الأمر عندما قال له أبناؤه: "تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين".
قال: "إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون"، "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"، وهنا بلغ الأمر مبلغه، وبلغت الشدة مبلغها، فيأتي الفرج "فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة، فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون" ويتوالى الفرج، ويرسل قميصه إلى أبيه فيأتيه الفرج ويرجع إليه بصره "قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون"
وهكذا يتوالى الفرج في القصة..
فيا أيها المؤمن، لا تقنط، لا تيأس "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" مهما توالت عليك الشدائد فلا تيأس من روح الله، كم توالت الشدائد على يوسف وعلى يعقوب _عليهما السلام_ شدة بعد شدة، ومحنة بعد محنة، فيحدث ما يحدث ويأتي الفرج متوالياً، فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً، وقد روي أنه "لن يغلب عسر يسرين". فثقوا بالله وبوعده، وازدادوا إيماناً بصدق وعده _جل وعلا_ والتجئوا إليه تجدوا الفرج "إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً"(الطلاق: من الآية3).
موقع المسلم .....http://www.almoslim.net