(هذا بلاغ للناس , ولينذروا به , وليعلموا أنما هو إله واحد , وليذكر أولو الألباب). إبراهيم:52
إن الغاية الأساسية من ذلك البلاغ وهذا الإنذار ,
هي أن يعلم الناس (أنما هو إله واحد). .
فهذه هي قاعدة دين الله التي يقوم عليها منهجه في الحياة .
وليس المقصود بطبيعة الحال مجرد العلم ,
إنما المقصود هو إقامة حياتهم على قاعدة هذا العلم . .
المقصود هو الدينونة لله وحده , ما دام أنه لا إله غيره .
فالإله هو الذي يستحق أن يكون ربا
- أي حاكما وسيدا ومتصرفا ومشرعا وموجها -
وقيام الحياة البشرية على هذه القاعدة يجعلها تختلف اختلافا جوهريا
عن كل حياة تقوم على قاعدة ربوبية العباد للعباد
- أي حاكمية العباد للعباد ودينونة العباد للعباد -
وهو اختلاف يتناول الاعتقاد والتصور ,
ويتناول الشعائر والمناسك ;
كما يتناول الأخلاق والسلوك , والقيم والموازين ;
وكما يتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ,
وكل جانب من جوانب الحياة الفردية والجماعية على السواء .
إن الاعتقاد بالألوهية الواحدة قاعدة لمنهج حياة متكامل ;
وليس مجرد عقيدة مستكنة في الضمائر .
وحدود العقيدة أبعد كثيرا من مجرد الاعتقاد الساكن . .
إن حدود العقيدة تتسع وتترامى حتى تتناول كل جانب من جوانب الحياة . .
وقضية الحاكمية بكل فروعها في الإسلام هي قضية عقيدة .
كما أن قضية الأخلاق بجملتها هي قضية عقيدة .
فمن العقيدة ينبثق منهج الحياة الذي يشتمل الأخلاق والقيم ;
كما يشتمل الأوضاع والشرائع سواء بسواء . .
ونحن لا ندرك مرامي هذا القرآن قبل أن ندرك حدود العقيدة في هذا الدين ,
وقبل أن ندرك مدلولات:"شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"
على هذا المستوى الواسع البعيد الآماد .
وقبل أن نفهم مدلول:العبادة لله وحده ; ونحدده بأنه الدينونة لله وحده ;
لا في لحظات الصلاة , ولكن في كل شأن من شؤون الحياة !
إن عبادة الأصنام التي دعا إبراهيم - عليه السلام - ربه أن يجنبه هو وبنيه إياها ,
لا تتمثل فقط في تلك الصورة الساذجة التي كان يزاولها العرب في جاهليتهم ,
أو التي كانت تزاولها شتى الوثنيات في صور شتى ,
مجسمة في أحجار أو أشجار , أو حيوان أو طير , أو نجم أو نار ,
أو أرواح أو أشباح . . .
إن هذه الصور الساذجة كلها لا تستغرق كل صور الشرك بالله ,
ولا تستغرق كل صور العبادة للأصنام من دون الله .
والوقوف بمدلول الشرك عند هذه الصور الساذجة
يمنعنا من رؤية صور الشرك الأخرى التي لا نهاية لها ;
ويمنعنا من الرؤية الصحيحة لحقيقة ما يعتور البشرية من صور الشرك والجاهلية الجديدة !
ولا بد من التعمق في إدراك طبيعة الشرك وعلاقة الأصنام بها ;
كما أنه لا بد من التعمق في معنى الأصنام ,
وتمثل صورها المتجددة مع الجاهليات المستحدثة !
إن الشرك بالله - المخالف لشهادة أن لا إله إلا الله -
يتمثل في كل وضع وفي كل حالة لا تكون فيها الدينونة
في كل شأن من شؤون الحياة خالصة لله وحده .
ويكفي أن يدين العبد لله في جوانب من حياته ,
بينما هو يدين في جوانب أخرى لغير الله ,
حتى تتحقق صورة الشرك وحقيقته . .
وتقديم الشعائر ليس إلا صورة واحدة من صور الدينونة الكثيرة . .
والأمثلة الحاضرة في حياة البشر اليوم تعطينا المثال الواقعي للشرك في أعماق طبيعته . .
إن العبد الذي يتوجه لله بالاعتقاد في ألوهيته وحده ;
ثم يدين لله في الوضوء والطهارة والصلاة والصوم والحج وسائر الشعائر .
بينما هو في الوقت ذاته يدين في حياته الاقتصادية و السياسية والاجتماعيةلشرائع من عند غير الله .
ويدين في قيمه وموازينه الاجتماعية لتصورات واصطلاحات من صنع غير الله .
ويدين في أخلاقه وتقاليده وعاداته وأزيائه لأرباب من البشر تفرض عليه هذه الأخلاق والتقاليد والعادات والأزياء - مخالفة لشرع الله وأمره -
إن هذا العبد يزاول الشرك في أخص حقيقته ;
ويخالف عن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله في أخص حقيقتها . .
وهذا ما يغفل عنه الناس اليوم فيزاولونه في ترخص وتميع ,
وهم لايحسبونه الشرك الذي كان يزاوله المشركون في كل زمان ومكان !
والأصنام . .
ليس من الضروري أن تتمثل في تلك الصور الأولية الساذجة . .
فالأصنام ليست سوى شعارات للطاغوت ,
يتخفى وراءها لتعبيد الناس باسمها , وضمان دينونتهم له من خلالها . .
إن الصنم لم يكن ينطق أو يسمع أو يبصر . .
إنما كان السادن أو الكاهن أو الحاكم يقوم من ورائها ;
يتمتم حولها بالتعاويذ والرقي . .
ثم ينطق باسمها بما يريد هو أن ينطق لتعبيد الجماهير وتذليلها !
فإذا رفعت في أي أرض وفي أي وقت شعارات ينطق باسمها الحكام والكهان ,
ويقررون باسمها ما لم يأذن به الله من الشرائع والقوانين والقيم والموازين والتصرفات والأعمال . . .
فهذه هي الأصنام في طبيعتها وحقيقتها ووظيفتها !
إذا رفعت "القومية " شعارا , أو رفع "الوطن" شعارا ,
أو رفع "الشعب" شعارا , أو رفعت "الطبقة " شعارا . . .
ثم أريد الناس على عبادة هذه الشعارات من دون الله ;
وعلى التضحية لها بالنفوس والأموال والأخلاق والأعراض .
بحيث كلما تعارضت شريعة الله وقوانينه وتوجيهاته وتعليماته
مع مطالب تلك الشعارات ومقتضياتها , نحيت شريعة الله وقوانينه وتوجيهاته وتعاليمه ,
ونفذت إرادة تلك الشعارات - أو بالتعبير الصحيح الدقيق:إرادة الطواغيت الواقفة وراء هذه الشعارات -
كانت هذه هي عبادة الأصنام من دون الله . .
فالصنم ليس من الضروري أن يتمثل في حجر أو خشبة ;
ولقد يكون الصنم مذهبا أو شعارا !
إن الإسلام لم يجيء لمجرد تحطيم الأصنام الحجرية والخشبية !
ولم تبذل فيه تلك الجهود الموصولة , من موكب الرسل الموصول ;
ولم تقدم من أجله تلك التضحيات الجسام وتلك العذابات والآلام ,
لمجرد تحطيم الأصنام من الأحجار والأخشاب !
إنما جاء الإسلام
ليقيم مفرق الطريق بين الدينونة لله وحده في كل أمر وفي كل شأن ;
وبين الدينونة لغيره في كل هيئة وفي كل صورة . .
ولا بد من تتبع الهيئات والصور في كل وضع وفي كل وقت لإدراك طبيعة الأنظمة والمناهج القائمة ,
وتقرير ما إذا كانت توحيدا أم شركا ؟
دينونة لله وحده أم دينونة لشتى الطواغيت والأرباب والأصنام !
(في ظلال القرآن)
إن الغاية الأساسية من ذلك البلاغ وهذا الإنذار ,
هي أن يعلم الناس (أنما هو إله واحد). .
فهذه هي قاعدة دين الله التي يقوم عليها منهجه في الحياة .
وليس المقصود بطبيعة الحال مجرد العلم ,
إنما المقصود هو إقامة حياتهم على قاعدة هذا العلم . .
المقصود هو الدينونة لله وحده , ما دام أنه لا إله غيره .
فالإله هو الذي يستحق أن يكون ربا
- أي حاكما وسيدا ومتصرفا ومشرعا وموجها -
وقيام الحياة البشرية على هذه القاعدة يجعلها تختلف اختلافا جوهريا
عن كل حياة تقوم على قاعدة ربوبية العباد للعباد
- أي حاكمية العباد للعباد ودينونة العباد للعباد -
وهو اختلاف يتناول الاعتقاد والتصور ,
ويتناول الشعائر والمناسك ;
كما يتناول الأخلاق والسلوك , والقيم والموازين ;
وكما يتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ,
وكل جانب من جوانب الحياة الفردية والجماعية على السواء .
إن الاعتقاد بالألوهية الواحدة قاعدة لمنهج حياة متكامل ;
وليس مجرد عقيدة مستكنة في الضمائر .
وحدود العقيدة أبعد كثيرا من مجرد الاعتقاد الساكن . .
إن حدود العقيدة تتسع وتترامى حتى تتناول كل جانب من جوانب الحياة . .
وقضية الحاكمية بكل فروعها في الإسلام هي قضية عقيدة .
كما أن قضية الأخلاق بجملتها هي قضية عقيدة .
فمن العقيدة ينبثق منهج الحياة الذي يشتمل الأخلاق والقيم ;
كما يشتمل الأوضاع والشرائع سواء بسواء . .
ونحن لا ندرك مرامي هذا القرآن قبل أن ندرك حدود العقيدة في هذا الدين ,
وقبل أن ندرك مدلولات:"شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"
على هذا المستوى الواسع البعيد الآماد .
وقبل أن نفهم مدلول:العبادة لله وحده ; ونحدده بأنه الدينونة لله وحده ;
لا في لحظات الصلاة , ولكن في كل شأن من شؤون الحياة !
إن عبادة الأصنام التي دعا إبراهيم - عليه السلام - ربه أن يجنبه هو وبنيه إياها ,
لا تتمثل فقط في تلك الصورة الساذجة التي كان يزاولها العرب في جاهليتهم ,
أو التي كانت تزاولها شتى الوثنيات في صور شتى ,
مجسمة في أحجار أو أشجار , أو حيوان أو طير , أو نجم أو نار ,
أو أرواح أو أشباح . . .
إن هذه الصور الساذجة كلها لا تستغرق كل صور الشرك بالله ,
ولا تستغرق كل صور العبادة للأصنام من دون الله .
والوقوف بمدلول الشرك عند هذه الصور الساذجة
يمنعنا من رؤية صور الشرك الأخرى التي لا نهاية لها ;
ويمنعنا من الرؤية الصحيحة لحقيقة ما يعتور البشرية من صور الشرك والجاهلية الجديدة !
ولا بد من التعمق في إدراك طبيعة الشرك وعلاقة الأصنام بها ;
كما أنه لا بد من التعمق في معنى الأصنام ,
وتمثل صورها المتجددة مع الجاهليات المستحدثة !
إن الشرك بالله - المخالف لشهادة أن لا إله إلا الله -
يتمثل في كل وضع وفي كل حالة لا تكون فيها الدينونة
في كل شأن من شؤون الحياة خالصة لله وحده .
ويكفي أن يدين العبد لله في جوانب من حياته ,
بينما هو يدين في جوانب أخرى لغير الله ,
حتى تتحقق صورة الشرك وحقيقته . .
وتقديم الشعائر ليس إلا صورة واحدة من صور الدينونة الكثيرة . .
والأمثلة الحاضرة في حياة البشر اليوم تعطينا المثال الواقعي للشرك في أعماق طبيعته . .
إن العبد الذي يتوجه لله بالاعتقاد في ألوهيته وحده ;
ثم يدين لله في الوضوء والطهارة والصلاة والصوم والحج وسائر الشعائر .
بينما هو في الوقت ذاته يدين في حياته الاقتصادية و السياسية والاجتماعيةلشرائع من عند غير الله .
ويدين في قيمه وموازينه الاجتماعية لتصورات واصطلاحات من صنع غير الله .
ويدين في أخلاقه وتقاليده وعاداته وأزيائه لأرباب من البشر تفرض عليه هذه الأخلاق والتقاليد والعادات والأزياء - مخالفة لشرع الله وأمره -
إن هذا العبد يزاول الشرك في أخص حقيقته ;
ويخالف عن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله في أخص حقيقتها . .
وهذا ما يغفل عنه الناس اليوم فيزاولونه في ترخص وتميع ,
وهم لايحسبونه الشرك الذي كان يزاوله المشركون في كل زمان ومكان !
والأصنام . .
ليس من الضروري أن تتمثل في تلك الصور الأولية الساذجة . .
فالأصنام ليست سوى شعارات للطاغوت ,
يتخفى وراءها لتعبيد الناس باسمها , وضمان دينونتهم له من خلالها . .
إن الصنم لم يكن ينطق أو يسمع أو يبصر . .
إنما كان السادن أو الكاهن أو الحاكم يقوم من ورائها ;
يتمتم حولها بالتعاويذ والرقي . .
ثم ينطق باسمها بما يريد هو أن ينطق لتعبيد الجماهير وتذليلها !
فإذا رفعت في أي أرض وفي أي وقت شعارات ينطق باسمها الحكام والكهان ,
ويقررون باسمها ما لم يأذن به الله من الشرائع والقوانين والقيم والموازين والتصرفات والأعمال . . .
فهذه هي الأصنام في طبيعتها وحقيقتها ووظيفتها !
إذا رفعت "القومية " شعارا , أو رفع "الوطن" شعارا ,
أو رفع "الشعب" شعارا , أو رفعت "الطبقة " شعارا . . .
ثم أريد الناس على عبادة هذه الشعارات من دون الله ;
وعلى التضحية لها بالنفوس والأموال والأخلاق والأعراض .
بحيث كلما تعارضت شريعة الله وقوانينه وتوجيهاته وتعليماته
مع مطالب تلك الشعارات ومقتضياتها , نحيت شريعة الله وقوانينه وتوجيهاته وتعاليمه ,
ونفذت إرادة تلك الشعارات - أو بالتعبير الصحيح الدقيق:إرادة الطواغيت الواقفة وراء هذه الشعارات -
كانت هذه هي عبادة الأصنام من دون الله . .
فالصنم ليس من الضروري أن يتمثل في حجر أو خشبة ;
ولقد يكون الصنم مذهبا أو شعارا !
إن الإسلام لم يجيء لمجرد تحطيم الأصنام الحجرية والخشبية !
ولم تبذل فيه تلك الجهود الموصولة , من موكب الرسل الموصول ;
ولم تقدم من أجله تلك التضحيات الجسام وتلك العذابات والآلام ,
لمجرد تحطيم الأصنام من الأحجار والأخشاب !
إنما جاء الإسلام
ليقيم مفرق الطريق بين الدينونة لله وحده في كل أمر وفي كل شأن ;
وبين الدينونة لغيره في كل هيئة وفي كل صورة . .
ولا بد من تتبع الهيئات والصور في كل وضع وفي كل وقت لإدراك طبيعة الأنظمة والمناهج القائمة ,
وتقرير ما إذا كانت توحيدا أم شركا ؟
دينونة لله وحده أم دينونة لشتى الطواغيت والأرباب والأصنام !
(في ظلال القرآن)