إني لم أخلق لهذا!

إنضم
01/07/2013
المشاركات
134
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
السعودية
إني لم أخلق لهذا
لما حدّث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث فقال: "بينما رجل يسوق بقرةً له، قد حمل عليها، التفتت إليه البقرة فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني إنما خلقت للحرث"، قال الناس: سبحان الله! -تعجبا وفزعا- أبقرة تكلَّم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإني أومن به، وأبو بكر وعمر»([1]).هذه القصة المختصرة تنطوي على دروس إيمانية وتربوية، والذي يعنيني مسألة تتعلق بالجانب التربوي.إن البقرة التي خلقت للحرث والدرّ والنسل، لما عوملت بخلاف ما خُلقت له، أنطقها الله، وأوحى إلى رسوله أن يبلّغ هذه الرسالة؛ ليستفيد منها المكلَّفون العقلاء، بل ليكونوا أوعى لها من البهيمة؛ ليقول كلٌ منهم بلسان حاله ومقاله، حين تدعوه نفسُه أو الشيطان إلى خلاف الغاية التي خُلق لأجلها: إني لم أُخلَق لهذا!ومما يدخل تحت هذا المعنى: أهمية معرفة الإنسان للمواهب والقدرات التي منّ الله عليه بها؛ ليفعّلها في المجال الذي يناسبه؛ فالناس ليسوا على درجة واحدة في المواهب والقدرات والطاقات، والكمال البشري لم يجتمع ـ في غير الأنبياء ـ إلا لقلة من الناس، فمعرفة الإنسان لما يتقنه ويحسنه مهم جداً في تحديد المجال الذي ينطلق فيه؛ فيبدع وينفع أمته؛ إذْ ليس القصد هو العمل فحسب، بل الإبداع والإتقان، حتى إذا ما عُرض على الإنسان عملٌ لا يحسنه ـ وإن كان العملُ في نفسه فاضلاً ـ اعتذر، ولسانه حاله يقول: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُم}[البقرة: 60]، ويتذكر القاعدة النبوية المحكمة: "اعملوا؛ فكل ميسر لما خلق له"([2]).ومن نظر في سير الصحابة رضوان الله عليهم أدرك استيعابهم لهذا المعنى بوضوح.ومن جميل تعليقات ابن عبدالبر ـ رحمه الله ـ على حديث: "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله! هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان"، قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله! ما على أحد يُدعى من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، وأرجو أن تكون منهم"([3])، قال ـ رحمه الله ـ: "وفيه: أن أعمال البر لا يُفتح - في الأغلب - للإنسان الواحد في جميعها، وأن من فُتح له في شيء منها حُرِم غيرها في الأغلب، وأنه قد تُفتح في جميعها للقليل من الناس، وأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه من ذلك القليل"([4]).إن في الساحة طاقاتٍ كثيرةً خسرتها الأمة؛ بسبب تقحّمها لما لا تحسنه، وتركها ما تتقنه، وفيها أيضاً طاقاتٍ يراد جذبها من المجال الذي أبدعت فيه ـ وإن كان مفضولاً ـ إلى مجال لا تُحسنه كثيراً! هذا شاب مبدعٌ في العلم، وآتاه الله فهماً، وقدرةً على الحفظ، وسلك طريقَه في العلم، فيأتيه من يأتيه ليقنعه بالانخراط في العمل الخيري، وكأنه - وهو في طريق الطلب - في طريق مفضول، أو عمل مرجوح!ومن الشباب من يجتهد في طلب العلم، لكنه لا ينجح ولا يتقدم، ويعلمُ مَنْ حوله أنه لم يُخلق لهذا، فليس من الحكمة في شيء أن يُطالَب هذا الرجل وأمثالُه بأكثر مما بذل، فينبغي توجيهه إلى ما يحسنه من الأعمال؛ فالأمة بحاجة إلى طاقات في العمل الخيري، والإغاثي، والاجتماعي، والدعوي.وبالجملة: فإننا لن نستطيع تحقيق ما دلّ عليه هذا الأثر: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"([5])، إلا إذا عرفنا مواهبنا وطاقتنا التي نستطيع بها خدمة أمَّتنا، أما تضييع الوقت في غير ما نحسن؛ فهو لن يفوت علينا الإتقان فحسب، بل سيورث فوضى في العمل العلمي والدعوي والخيري. والله المستعان

([1]) البخاري ح(2324)، مسلم ح(2388).

([2]) البخاري ح(7112)، مسلم ح(2648).

([3]) البخاري في مواضع، منها: ح(3466)، مسلم ح(1027).

([4]) التمهيد(7/185).


([5]) أخرجه أبو يعلى(7/349) ح(4386) وفي سنده ضعف، لكن معناه صحيح.

* رابط المقال على الموقع: http://almuqbil.com/web/?action=articles_inner&show_id=1453
 
عودة
أعلى