إليكم كتاب : الرسائل المتبادلة بين جمال الدين القاسمي ومحمود شكري الألوسي

إنضم
09/09/2008
المشاركات
102
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
اطلعت على ما كتبه فضيلة الشيخ الدكتور : محمد بن إبراهيم الحمد حفظه الله تحت عنوان : حمالة الورد , من ثناء عطر على كتاب : ( الرسائل المتبادلة بين جمال الدين القاسمي ومحمود شكري الألوسي ) , وهو بحق يستحق . . فأحببت أن أهديه إخواني في هذا الملتقى المبارك مصورا ليتسنى لهم الاستفادة منه , وأدرك شيخي الفاضل : عبدالرحمن الشهري قبل أن يشتريه , وإن كنت أعلم أنه سيشتريه ( ابتسامة ) .

كان من المفترض أن يكون كرد على موضوع شيخنا الفاضل الدكتور محمد الحمد , ولكني أفردته في موضوع مستقل للفت النظر لأهمية الكتاب . .

وأعتذر أولا وآخرا لشيخي الفاضل الدكتور محمد , وأهمس في أذنه مزيدا من لفت أنظارنا إلى أمثال تلك الجواهر ..
دعواتكم . . ودمتم مباركين أينما كنتم .
 
د . خضر
شرفني مرورك. . وشكر الله لك .

إبراهيم المصري
وإياك .
 
أحببت أن أشارككم الهدية ـ إذا سمحتم ـ: وهذه هي الرسائل كتبتها لكم:
الرسالة الأولى:
(1)​

بسم الله الرحمن الرحيم
مولانا العلاَّمة الإمام، نَفَعَ المولى بعلومه الأنام، آمين.
أُهدي المقام من السَّلام أعْطَرُه، ومن الشَّوْق أوْفره، واْرغب أن أكون مشمولاً بأنظاركم الإكسيرية، وممنوحاً دعواتكم الخيرية الغيبية.
وقد كانت تشوقني مكاتبة سماحة الجناب، وتدعيم الروابط القلبية بالتراسل و الخطاب، بيد أني كنت أنتظر تفضُّل المولى لاسيما وهو أحرى بالفواضل أولى، بما كنت أقدمه لحضرته من بعض الرسائل بواسطة المرحوم الشيخ عبد العزيز السناني كريم الشمائل (1)، ولم يخل كتاب له من ذكر سلام السيد وأصحابه وإخوانه وأحبابه، فكنت أكتفي ببلاغ السلام، وأطمئن به على راحة المقام، أما وقد مضى الشيخ إلى رحمة الله فلم يبق إلا التواصل مع السيد أطال المولى بقاه.
مولاي: وردني في العام الماضي إلى دمشق سؤال من بعض البلاد إلى أحد الوجهاء، زعم مُرسله أنَّه من اليابان، وفيه طلب دليل على وجود الخالق علمي، وعلى بُطلان شُبه الماديين، وعلى غير ذلك مطالب غريبة، وكان نسخ السؤال غير واحد من الطلبة، وكادت الشُبه تعلق بالأذهان، وبقي النبهاء يرجون من ينتدب لحل مشكلاته، فَعُرِضَ على كثير من الأفاضل، فكان لكُلٍّ عذر ، ومنهم من أجاب مشافهةً، فرأيت من الواجب القيام بالمستطاع.
وقدر الحقَّ تعالى جمع ما كتبناه فيما سميناه " بدلائل التوحيد"(2)، وقد رغبنا أن يكون محاطاً بأنظاركم مشمولاً ببركتكم مع تنبيه على ما عسى أن زَّل به القلم، وأرجو إهداء بقية النسخ الغير المُعلمة إلى من ترون فيه الأهلية، أبقاكم المولى مظهراً للكمالات العلمية.
وسلامي إلى حضرة المفضال الأوحد علي الآلوسي، ( 3 ) ومن يسأل عنَّا، ورضي الله عنكم.
.................................................. .......... في 17شوال سنة 1326 دمشق
.................................................. .................... جمال الدين القاسمي
# وكثيراً ما كان المرحوم الشيخ عبد العزيز يخبرني برغبة سماحتكم في نسخ كتب شيخ الإسلام، وكتب السلف ثُمَّ تمثيلها للطبع، وأن لدى ناديكم من يبذل النفيس لذلك، وقد كتب لي الشيخ فرج الله الكردي أمدٍ أن ننسخ له جُزئي ( فتاوى الشيخ) الموجودين في خزانة الكتب العمومية عندنا، بيد أني انتظرت على أحد التجار وإحالة ناسخنا عليه، وإلى الآن لم يحضر جواب القبض فإذا رأيتم من يهتم بذلك فلدينا من ينسخ ولا يتأخر.
والآن لا يعوزنا إلاَّ من يجود من السمحاء لهذا المشروع، ولم أزل أعتب على كثير من أغنياء المذهب الأحمدي، فإنهم والحق يقال في قصور عجيب، وإن أخذ بعضهم الآن يتحمس، ولكن بقي من المهمات ما لا يذكر ما نشر في جانبه بشيء، وإني لأعتقد فيهم الخير والبركة والصلاح والرغبة في نفع الأمة، إلاَّ أنهم يعوزهم مذكر ناصح حكيم مثل سماحتكم، وإن كان مولانا لم يأل جُهداً، ولن يألو في هذا السبيل.
...............نفع الله به النفع الجزيل، وأراني بانتظار الجواب.
............................................والسلا م عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. ....................... جمال الدين
_________________________
(1) هو العالم الجليل سني الخصال الشيخ عبد العزيز بن محمد السِّناني، وُلد في عنيزة بالقصيم من بلدان نجد، وكان والده أحد العلماء الورعين، وأخذ عن بعض علماء بلده، ثُمَّ رحل إلى الشام وأخذ عن العلامة القاسمي، والشيخ عبد الرازق البيطار، وقد أحباه وأثنيا على علمه وفضله، ثُمَّ رحل إلى بغداد ولازم العلاَّمة محمود شكري الآلوسي، وتوفي ببغداد سنة ( 1326هـ)، وقد وهم ابن بسام في علماء نجد ( 3/ 503)، حيث ذكر أن وفاته سنة ( 1327هـ)، وتبعه على ذلك صاحب " روضة الناظرين" ( 1/ 277) . ( العجمي)
(2)
(3) هو الشيخ علي ابن العلامة خير الدين النعمان الآلوسي، توفي سنة 1340هـ، انظر ترجمته
في: ( أعلام العراق) للأثري ( ص 71)، و ( تاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر) ليونس السامرائي ( ص 305).
 
[align=center](2)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
إلى حضرة العلاَّمة السيد جمال الدين أفندي القاسمي.​
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد حليت جيد الفضل بما أمليت، حتى أصبحت بكل منقبة أولى وأحرى بما أوليت، كيف لا وقد أسرجت خيول المجد، وألجمت أفواه الحُسَّاد، وأقمت ما تهدم من أركان الفخر، وأقعدت على الأعجاز أرباب العناد، وأوقدت للمشكلات سراجاً من فكرك غدت ذُبالته لمدارات فراش أذهان الطلاب قطباً، وأجريت من صخور العويصات سلسبيلاً فراتاً وماءً عذباً.
وقد تشرف هذا العبد الفقير بكتابكم الكريم، بل عقد الجوهر النظيم، ومعه " دلائل التوحيد "، وبعد أن طالعته وجدته كتاباً قد طوى في طوية أوراقه منشور التحقيقات، ونشر بعبارات سطوره مطويات أعلام التدقيقات، قد فتح مغلقات أبواب أسرار الحقائق، وأغلقها دون من رام بلوغ معاليها من كل سابق ولاحق.
وقد استوجب ذلك تقديم المحامد لله سبحانه على أن قيض للدين المبين مثل ذلك المولى الذي تقر به عيون الموحدين من المحمديين، فإن ما ألفه من الكتاب هو فصل الخطاب؛ به يجد المؤمن ضالته، وبه يترك الملحد ضلالته، فكان من الواجب على مسلم أن يحفظه في سُويداء قلبه، ويجعله ذريعة للنجاة يوم العرض الأكبر إذا وقف العبد
بين يدي ربه.
وقد فرقنا النسخ على أهلها، ووزعناها على من يعترف بفضلها، وكلهم غدوا شاكرين، وبطول مدتكم داعين.
والعبد الفقير أصابه ضعف في بصره، فأقل الكتابة لصيانة نظره، وقد شقَّ عليه تحرير كتاب، وأداء بعض الواجبات للإخوان والأصحاب، فلذلك أرجو قبول العذر من ذلك المولى الهُمام، فالعذر مقبول لدى أمثاله من الكرام.
أما آثار الشيخين (1) وغيرهما من السلفيين، فكما أمرتم أعجز الناس عن القيام بحقها جماعة الأحمديين (2)، حتى أني على كثرة مُخابرتي (3) أهل نجد، لم أنل بغيتي منهم على كثرة الوعد، مع أني استجلبت بعض الرسائل من بلاد الأجانب بواسطة بعض الأصحاب من المستشرقين حتى أنهم إذا أعوزهم الكتاب نقلوا الكتاب بالآلة الشمسية، وقد كابدت كل صعوبة في الكتب التي يسر الله نشرها في مصر والبلاد الهندية.
وقد أمرتم أن نسعى باكتتاب ( الفتاوى ) (4) لفرج الله (5)، فالفتاوى التي تعنى بها قد أرسلتها له منذ مدة وهي مشتملة على كثير مما في ( الرسائل الكبيرة) (6) ، ولكن المقصود والأهم ( الفتاوى المصرية)، وعلى ما سمعت أن جزءاً منها في خزانة الملك الظاهر(7)، وهو الجزء السادس(8)، وجزءٌ واحد لا يفيدنا.
فالمرجو من السيد ـ أعلى الله مقامه ـ التنقير عن باقي الأجزاء، وعن كتاب ( شرح العمدة)(9)، وكتاب ( القواعد ) (10)، ( والرد على المنطق) (11)، و ( على الفلاسفة) (12)، وغير ذلك من كتب شيخ الإسلام، وبيان ما عثرتم عليه من المهمات له أيضاً، لاسيما ما له من التفسير على بعض السور والآيات؛ لنسعى ـ إن شاء الله تعالى ـ في نشرها وإظهارها (13).
وفي خزانة
كتب مدرسة مرجان في بغداد (14)كتاب شيخ الإسلام ( بيان الدليل على إبطال التحليل) (15)، وهو كتاب جليل بخط ابن القيم (16)، وقد استكتبه العبد غير أني وجدت نقصاً في وسطه نحو ورقتين فلا أدري هل توجد نسخة منه في دمشق الشام ؟
هذا وابن العم والأحبةُ يُهدون إليكم أزكى التحية والسلام
والسلام عليكم ورحمة الله
.................................................. ........... غرة ذي الحجة سنة 1326هـ
.................................................. ............. العبد الفقير
.................................................. ............... محمود شكري الآلوسي،
.................................................. ................. عُفِيَ عنه
_____________________________
(1) يعني شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه الإمام المحقق ابن قيم الجوزية ـ رحمهما الله تعالى ـ
( العجمي ).
(2) يعني به الحنابلة، نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل( العجمي ).
(3) أي: اتصالي ومراسلتي ( العجمي ).
(4) طبعت " الفتاوى الكبرى " المتضمنة
مجموعة من كتب ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية في مطبعة كردستان العلمية لصاحبها فرج الله الكردي سنة 1329هـ، ومن هذه الرسالة يتضح أن العلامة الآلوسي هو المعتني بطبع هذه الفتاوى.
(5) هو: فرج الله زكي الكردي، كتبي في القاهرة، صاحب مطبعة كردستان العلمية، وقد طبع كثيراً من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، توفي سنة 1359هـ، انظر؛ ( الأخبار التاريخية في السيرة الزكية) لزكي مجاهد ص ( 123).
(6) طبعت ( مجموعة الرسائل) الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية في المطبعة الشرقية بالقاهرة سنة 1323هـ، الجزء الأول، ويحتوي على (12) رسالة، والثاني على ( 17) رسالة. ( العجمي).
(7) كان شمل المخطوطات في دمشق متفرقاً فقام جماعة من علمائها الأجلاء المخلصين وعلى رأسهم العلامة طاهر الجزائري بجمع المخطوطات فتكوَّن لهم عشر مكتبات هي نواةُ هذه المخطوطات، وقد أودعت في مكان واحد هو قبة الملك الظاهر في مدرسته، وتم ذلك سنة 1296هـ،
وقد كان يطلق عليها اسم المكتبة العمومية، ثم دار الكتب العربية، فالمكتبة الأهلية الظاهرية، ثم دار الكتب الوطنية الظاهرية. انظر بتفصيل: " المدرسة الظاهرية دار الكتب الوطنية" لأسماء الحمصي ( ص 33 وما بعدها)، و ( المعاصرون ) ص ( 269) لمحمد كرد علي.( العجمي)
(8) ( الفتاوى المصرية) لشيخ الإسلام ابن تيمية، يقول عنها الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم ـ وهو خبير بكتب ابن تيمية ـ في ( المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية) ( 1/7): " وعدد ـ أي الفتاوى المصرية ـ مجلداتها ستة فيما ذكره ابن القيم ـ رحمه الله ـ، ويقول العليمي إنها سبعة. ( الدر المنضد له 2/ 478)، وتبين أن الخمسة الباقية مفقودة.
وأما الجزء الذي أشار إليه الآلوسي في رسالته هذه أنه في الظاهرية فهو فيها برقم ( 2756)، وعدد ورقاته 206ورقات.
هذا وقد طبع ( مختصر الفتاوى المصرية) لبدر الدين البعلي في مطبعة أنصار السنة بمصر سنة 1368هـ .( العجمي)
(9) " شرح العمدة" لشيخ الإسلام، وهو شرح لكتاب ( العمدة) في الفقه لابن قدامة المقدسة، وقد شرحه شيخ الإسلام بشرح جليل، إلا أنه لم يتم، وإنما كانت نهايتها إلى كتاب الحج كما ذكره تلاميذه كابن عبد الهادي في " العقود الدرية" ( ص 37 )، وما طبع من الكتاب الأجزاء التالية:
1- الجزء الأول: من كتاب الطهارة، بتحقيق الدكتور سعود العطيشان، ونشرته مكتبة العبيكان بالرياض سنة 1412و 1413هـ. ( العجمي)
2- الجزء الثاني: من أول كتاب الصلاة إلى آخر باب آداب المشي إلى الصلاة، بتحقيق خالد المشيقح، ونشرته دار العاصمة بالرياض سنة 1418هـ. ( العجمي)
3- كتاب الصيام. وقد طبع في جزءين بتحقيق زائد النشيري، ونشرته دار الأنصاري بمكة المكرمة سنة 1417هـ. ( العجمي)
4- مناسك الحج والعمرة، وقد طبع في جزءين بتحقيق صالح الحسن،
ونشرته مكتبة العبيكان سنة 1413هـ. ( العجمي)
(10) " القواعد النوارنية الفقهية"، طبع بتحقيق محمد حامد الفقي في مطبعة أنصار السنة المحمدية سنة 1370هـ. ( العجمي)
(11) " الرد على المنطقيين"، طبع سنة 1368هـ، في المطبعة القيمة بالهند بإشراف الشيخ عبد الصمد شرف الدين. ( العجمي)
(12) لعله يعني: ( بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية) المطبوع في مطبعة كردستان
العلمية بالقاهرة سنة 1329هـ، ضمن ( الفتاوى الكبرى ). ( العجمي)
(
13) طبع لشيخ ابن تيمية مجموعة من التفسير في مجلد واحد، بتحقيق العلامة عبد الصمد شرف الدين، في الدار القيمة بالهند سنة 1374هـ. ( العجمي)
(14) المدرسة المرجانية في بغداد: شيَّدها أمين الدين مرجان بن عبد الله، أحد أُمراء التتار، وذلك سنة 758هـ؛ وشرط التدريس فيها على المذاهب الأربعة، وأوقف عليها ما كان يملكه من عقار في بغداد وخارجها، وفي عهد الوزير سليمان باشا العثماني اتخذ من هذه المدرسة جامعاً، وقد درَّس في هذه المدرسة عدد كبير من فطاحل العلماء الأعلام، منهم صاحب هذه الرسالة الآلوسي، انظر؛( تاريخ التعليم في العراق في العهد العثماني)، لعبد الرازق الهلالي ( ص 75 ـ 76)، و( تاريخ مساجد بغداد الحديثة) ليونس السامرائي ( ص 283 ). ( العجمي)
(15) طبع هذا الكتاب في ضمن ( الفتاوى الكبرى ) في مطبعة كردستان العلمية بالقاهرة سنة 1329هـ، ثم طبع بتحقيق الشيخ فيحان المطيري، ونشرته مكتبة لينة بمصر سنة 1416هـ.
(16) هذه النسخة الجليلة بخط الإمام ابن القيم، وخطه في هذا العصر نادر جداً، حتى أنَّ العلامة خير الدين الزركلي لما ترجم له في الأعلام ( 6/ 56)، لم يورد نموذجاً من خطه، وتقع هذه النسخة في 224 ورقة، وقد تملكها العلامة السفاريني الحنبلي سنة 1138هـ، كما تملكها العلاّمة نُعمان الآلوسي سنة 1298هـ، وهو ممن له عناية تامة بكتب شيخ الإسلام، ثُمَّ أوقفها على المدرسة المرجانية، وقد كُتِبَ على طرتها أنها بخط الإمام ابن القيم: " وكتب بخطه الحسن شيئاً كثيراً" ( البداية والنهاية 18/ 524، ط. دار هجر)، وقد ألحقت في نهاية هذه الرسالة صورة منها فلتنظر لمن أحب ذلك. ( العجمي)
 
(3)

بسم الله الرحمن الرحيم​
حضرة مولانا الأوحد العلم المفرد، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورضوانه.
أمَّا بعد:
فبيد التكريم والتعظيم تناولت كتاب مولانا الفخيم، وكحلت بصري بإثمد فوائِدِهِ، وشنفت مسمعي بحلي فرائده، وتنزهت في رياض بلاغته بين معانٍ تدفقت أنهارها، وبدائع أينعت أثمارها؛ فحمدت المولى أن أحيا للأدب دولته، وأعزَّ بقلم السيد أيد الله صولته؛ ولا غرو فقد ورث الفضل كابراً عن كابرٍ، وأفحمت آثاره كل جاحد لآياتها ومكابر.
كنت لمولانا في هذا التقريظ مرآته، شاهد من صفاتها ذاته، فأخذ يملي بيانه عن نفسه الكريمة، ويفيض يراعته سلسبيل الأخلاق العظيمة، كيف لا؟ وهو قطب دائرة أهل الصفاء، وكعبة الداعين إلى انتهاج الحنيفية السمحاء، بارك المولى لنا في حياته، ونفعنا بكريم إفاداته.
أمرتُم بالبحث عن " شرح العمدة "، وفي الخزانة الظاهرية منه جزء واحد صغير، وتتمة غير موجودة(1).
وقد أتاح المولى من الإخوان من يراجع أجزاء " الكواكب"(2)، ويستخرج منها بعض مؤلفات شيخ الإسلام فنسخ من " نقد التأسيس في الرد على الرازي"، ويبحث عن تتمته، ونسخ كتاب " التوسل" أيضاً(3).
وقد بَلَغَ خمسة عشر كُرَّاساً، ونسخ غيرها أيضاً.
إلاَّ أن الأمر في حاجةٍ إلى همَّة الأحمديين وغيره من المثرين يقيمون الوكلاء عنهم، ولا يبالون فيما يصرف للتصحيح والنسخ وإلاَّ فالسير بطيء جداً، وجليٌ أن طبع كتاب خيرٌ من ألف داع يتفرقون في الأمصار؛ لأن الكتاب يأخذه الموافق والمخالف، والداعي قد يجد من العوائق ما لا يظفره بأمنيته، وكان بعض الحكماء يقول: مقالة في جريدة خير من ألف درس للعامة. فمن لنا يثير همتهم ويوقظهم من سباتهم؟
ولا أحد ينسى ما لمولانا ـ حرسه الله ـ من المقام المحمود في هذا المجال، وسعيه الليل والنهار محتسباً وجه المتعال، وسيخلد له التاريخ لسان صدق يرتاح له أنصار الفضل، ورجال الحق.
أما كتاب " بيان الدليل في إبطال التحليل"، فقد أخبرني الشيخ عبد الله الروَّاف ـ من فضلاء القصيم، نزيل دمشق الشام الآن، ويتردد إليَّ ـ أن عنده في بلده نسخة منه كاملة، وقد وعد أنه إذا عاد يحضر الكتاب.
ونحن في حاجة الآن إلى " شرح الأصفهانية" لشيخ الإسلام، فقد أطنب في مدحها ابن القيم، ويرى من وقف على من ينقل عنها أنَّا في افتقار إليها لغلبة الأدلة المعقولة فيها، فعسى مولانا أن يبحث عنها ويأمر بتمثيلها للطبع، ولا زال ركناً للإسلام، وكوكباً للأعلام.
والسلام عليكم، وعلى الآل الكرام، والإخوان ورحمة الله وبركاته
....................................... 29 ذي الحجة سنة 1326
.................................................. ........ العبد الفقير
.................................................. .. جمال الدين القاسمي
_____________________________
(1) الموجود في الظاهرية: الجزء الأول، ويقع في 235 ورقة، وهو برقم ( 2696) كما في " الفهرس العام لمخطوطات دار الكتب الظاهرية" ( ص 138).(العجمي)
(2) هو كتاب " الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري " لابن عروة الحنبلي الدمشقي المتوفي سنة ( 837هـ)، وقد أدخل في هذا الكتاب كثيراً من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وحفظ بذلك كتباً قد لا توجد إلاَّ فيه، وأغلب أجزائه موجودة في الظاهرية بدمشق، وهو في نحو مائة وعشرين مجلداًَ.(العجمي)
(3) سبق الإشارة إلى ما طبع من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، وستأتي الإشارة إلى البقية ـ إن شاء الله ـ.(العجمي)
(4) هو الشيخ عبد الله بن أحمد الرواف، عالم جوال، رحل إلى دمشق، واستقر بها فترة من الزمن، توفي سنة ( 1359هـ)، انظر ترجمته في :" علماء نجد" لابن بسام ( 4/28)
 
[align=center](4)[/align]
[align=center]صاحب الفضيلة الشيخ جمال الدين أفندي القاسمي[/align]
[align=center]فَسَحَ الله تعالى في مُدتِهِ[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
سيدي الذي به فخري، وسندي الذي بأنوار علومه أضاء فجري، مظهر صدق: كم ترك الأول للآخر؛ حيث ألحق الأصاغر بالأكابر، لازالت أنوار ذاته مشرقة في حنادس المُشكلات، ولا برحت إفاداته سنداً لحل المعضلات.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تشرفت بما تفضلتم به من الكتاب، وأحطت خبراً بما حواه من فصل الخطاب، وما توهمتم به في شأن مخلصكم هو شأن كُمَّل الرجال، فإنهم لم يزالوا ينظرون إلى سواهم بعين الكمال، ولولا ملازمة دائرة الأدب المحتم لقلت: قد استسمنتم ذا ورم ونفختم في غير ذي ضرم، وعلى كل حال أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه من صالح الأقوال والأفعال، وما أمرتم به من القيام باستنهاض همم الأحمديين، وحثهم على نشر آثار السلفيين، فالعبد لم يزل قائماً على ذلك
السَّاق، متحملاً ما يكابده في هذا الباب من المشاق، وقد كتبت بذلك مراراً إلى الشيخ مقبل الذكير من تجار البحرين (1)، والشيخ قاسم الثاني أمير قطر (2)، وإلى التِلِمْساني (3) في جُدَّة، ومحمد حسين ناصيف (4)، فيها أيضاً، وإلى غير هؤلاء من محبي السلف في الهند والسند وسائر البلاد والأقطار، وكلهم وعدوا بما يسر إن شاء الله تعالى.
أما "شرح الأصفهانية" فالصغير منه نسخة في إحدى خزائن كتب بغداد (5)، وهو نحو كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" (6) حجماً، وأمَّا " الشرح الكبير" فلم أقف عليه، ولعل نسخته في نجد (7)، وسأتحرى عليه إن شاء الله تعالى.
وكتاب " التوسل " (8) وغيره من آثار الشيخ، كتبت لصاحبنا عبد اللطيف بن المرحوم الحاج عبد الحميد عن بذل ما يلزم من الأجرة للاستكتاب والتصحيح، حسبما بأمر المولى. وكتاب " بيان الدليل على إبطال التحليل" قد عزم بعض أهل الخير الوطنيين على طبعه في إحدى مطابع بغداد بعد العثور على نواقصه فقرَّ عيناً بذلك، ولي أمل عظيم في نشر كتب الشيخ جميعها عن قريب، والله الموفق لكل خير.
هذا وأرجو تبليغ سلامي إلى الشيخ عبد الله الروَّاف، وإلى كافة من تحبون من الأخيار
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. ........ في 25 صفر سنة 1327هـ
.................................................. ......... العبد المخلص في وده
.................................................. ............. محمود شكري ،
__________________________________
(1) هو فخر التُجَّار الشيخ مقبل بن عبد الرحمن الذكير أصله من بلدة عنيزة إحدى بلدان القصيم بنجد وبيوته التجارية في البحرين، ومحل إقامته في جدة والبصرة، وأسس جمعية ضد ما يسمى " بالتبشير النصراني " الذي كان منتشراً في زمنه، وقد قام بطباعة الكثير من المصادر المفيدة كـ " كشف القناع" البهوتي، و" إعلام الموقعين"، وغيرهما، توفي سنة 1341هـ، انظر؛ " علماء نجد خلال ثمانية قرون " ( 6/ 428).
(2) هو الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني، وهو ثاني حكام قطر، وقد كان رجلاً صالحاً عالماً، منفقاً محسناً توفي سنة ( 1331هـ)، المصدر السابق (5/ 405)، والأعلام للزركلي (5/ 184)، " والخبر والعيان" لخالد فرج ( ص: 408، 409).
(3) هو الشيخ عبد القادر بن مصطفى التِلِمْساني، أحد تجار جُدَّة، درس في الجامع الأزهر وتأثر بالعلامة الشيخ أحمد بن عيسى النجدي شارح " نونية ابن القيم"، وله معه قصة طريفة تحوَّل بعدها إلى مذهب السلف، ونشط في نشر، وطبع كتبه.
انظر؛ ( علماء نجد خلال ثمانية قرون) لابن بسام (1/ 439).
(4)
(5) هذه النسخة موجودة بمكتبة الأوقاف العامة ببغداد برقم ( 1/ 6835 مجاميع) كما في فهرسها لعبد الله الجبوري ( 2/204).
(6) كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" لشيخ الإسلام ابن تيمية طُبع في مطبعة أنصار السنة المحمدية سنة 1370هـ.
(7) طبع شرح العقيدة الأصفهانية في مطبعة كردستان العلمية بالقاهرة سنة 1329هـ، ولعل المطبوع هذا هو الشرح الصغير لها، وأما الكبير فلم يطبع بعد.
(8) " قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة " طبع في دمشق سنة 1331هـ، ثم أعاد طبعه المكتب الإسلامي سنة 1398هـ، ودار البيان بدمشق بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط سنة 1405هـ.
 
[align=center](5)[/align]
[align=center]صاحب الفضيلة السَّيد الشَّريف جمال الدِّين القاسمي[/align]
[align=center]رضي الله عنه[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
إلى حضرة من يصر لسان قلمي دون أداء ما يستحقه من الثناء الجميل، كيف لا، وهو جمال الدنيا والدين، وبهاء الإسلام والمسلمين، والحبر الجليل، فسح الله تعالى في أيامه، وبارك في سنيه وأعوامه، ورفع على كاهل المجد رايات أعلامه.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته
أمَّا بعد:
فيا أيها الأستاذ إني قبل هذا قد عرضت إليكم أني امتثالاً للأمر حررت عدة رسائل إلى أقطار شاسعة، وبلاد بعيدة طلبت فيها ممن أعرف غيرتهم على الدين أن يقوموا على ساق الهمة، لنتشر الآثار السلفية والكتب الأحمدية، ولم يخب سعينا ولله الحمد، فقد ورد في هذه الأيام من الحاج مُقبل الذكير أنه كتب لشريكه في جدة أن يرسل عدة كتب من مؤلفات شيخ الإسلام إلى مصر ليباشروا بطبعها، وفي الأسبوع الماضي وردني أيضاً من الأخ في الله محمد حسين نصيف كتاب من جدة مطول يقول فيه:
وقبل تاريخه وصل إلى مكتوب من الحاج مقبل الذكير عرفنا به أننا نرسل إلى مصر لفرج الله الكردي، " الرد على ابن سبعين"، و " التسعينية في الرد على الكلام النفسي "، وغيرها من الكتب إن شاء الله تعالى يصير طبعها مع كتاب " العرش " الذي حرضتنا على طبعه، وجملة كتب هذا القبيل المقصود طبعه، إلاَّ أن مطلوبنا نسخة من كتاب " العرش"(1) إن وُجدت، ونسخة من " السبعينية "(2)، ونسخة من " التسعينية "، ونسخة من " شرح منازل السائرين" المسمى " مدارج السالكين"(3)، إن وُجد ذلك عند حضرتكم فأرسلوا الجميع إلينا مبادرة مع أول وابور (4) متوجه لطرفنا، ودمتم... " إلخ.
حيث أن الكتب المذكورة ليس لها أثر في بغداد إلاَّ " مدارج السالكين"، وكانت عندنا منه نسخة صحيحة قديمة الخط أرسلناها إلى فرج الله الكردي منذ سنتين طمعاً في نشرها وطبعها، وأظن أن الكتاب بقى عنده إلى اليوم، وقد كتبت لمحمد حسين بذلك ولفرج الله أيضاً أن يخبره إن بقى عنده الكتاب.
وكتبت لمحمد حسين أيضاً عنكم وعرفته بحضرتكم العلية، وأن يكاتبكم بعد هذا بكل كلية وجزئية، وذكرت له أني سألتكم عما طلبه من الكتب وغيرها من الكتب المهمة، فأسترحم أن تكتبوا كتاباً عن التماسي وتذكروا له ما عندكم من كتب الشيخين التي طلبها وغيرها من الكتب المهمة التي وقفتم عليها مختصرة كانت أو مطولة وبادروا إلى ذلك، فإن المسافة بين دمشق وجدة غير بعيدة، وعنوان كتابه هكذا:

إلى وكيل الإمارة الجليلة في جدة حضرة الفاضل محمد حسين نصيف (5) وهذا الرجل من كبار أهل الثروة، ومن أعظم الناس محبة للسلف الصالح، ونشر آثارهم، ولاسيما لشيخ الإسلام ـ قدَّس الله تعالى روحه وكتبه ـ حتى أنه قبل هذا حَجَّ حَجَّةً، وهو من المحبين لنا على محبتهم فلا تقطعوا عنه مخابرتكم على الدوام.
وأرجو عرض أدعيتي الخيرية لمفخر الإسلام، وبركة الأنام العلاَّمة الشيخ عبد الرازق البيطار، ومنشيء المقتبس الأغر (6)، وكافة من تحبون في الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. ..... تحريراً في 8 ربيع الأول سنة 1327
.................................................. ................ الفقير إليه تعالى
.................................................. ........ محمود شكري الحُسيني الآلوسي
.................................................. ..................... عُفِيَ عنه
_______________________
(1) " الرسالة العرشية" طبعت ضمن مجموع الفتاوى ( 6/ 545) الذي جمعه الشيخ عبد الرحمن ابن قاسم.
(2) " السبعينية" طبعت ضمن فتاوى شيخ المطبوعة بمطبعة كردستان العلمية سنة 1329هـ، وطبعت معها كذلك " التسعينية "، وحققت أخيراً بعناية ودراسة محمد بن إبراهيم بن العجلان، ونشرته مكتبة المعارف بالرياض سنة 1420هـ.
(3) "مدارج السالكين" لابن القيم طبع بمطبعة المنار للشيخ محمد رشيد رضا سنة 1331هـ، ثم أعاد طبعه محمد حامد الفقي في مطبعة أنصار السنة المحمدية سمة 1375هـ.
(4) أي الباخرة.
(5) هو العالم الجليل؛ والوجيه النبيل، وأحد وجوه الحجاز الشريفة المشرفة الشيخ محمد بن حسين نصيف المولود سنة (1302هـ) والمتوفى سنة ( 1391هـ)، وهو عين أعيان جُدَّة وصدرها المشار إليه بالبنان، يقول العلامة الزركلي:" أولع بالكتب فجمع مكتبة عظيمة"، ونشر كتباً سلفية، وأعان على نشر كثير منها، وكان مرجعاً للباحثين، قال أمين الريحاني:" هو دائرة معارف ناطقة يجيب على السؤالات التي توجه إليه ويهدي إلى مصادر العلوم الأدبية والتاريخية والفقهية، وسمعت أديب العصر ابن دمشق البار العلاَّمة علي الطنطاوي ـ رحمه الله تعالى ـ يقول:" كانت داره موئل الحجاج من أهل العلم والفضل من كل البلدان؛ فكأنها دار خرقاء التي قال فيها ذو الرمة:
تمام الحج إن تقف المطايا *-*-*-* على خرقاء واضعةُ اللثام"، وبالجملة، لو تركت للقلم عنانه في ذكر مناقب الشيخ محمد ناصيف لطال المقام، ولكن انظر؛ " محمد نصيف ذكريات لا تنسى " للشيخ زهير الشاويش، والأعلام للزركلي ( 6/ 107، 108)
 
[align=center](6)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
السيَّد الذي أشرقت في الآفاق آثاره، وأضاءت بكوكب الصدع بالحق أنواره، بهجة العصر، وزينة الدهر.
لازال في الفضائل خير قدوة، وللمصلحين أجل أسوة.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد حظيتُ بكتابكم الكريم، وابتهجت ببلاغة خطابه الفخيم، ورأيتني أتقاصر عما فيه، وإن حسن ظن السيَّد ـ أبقاه الله ـ أوجب أن يحلنا بما يرتئيه، وهذا شأن الكُمَّل من الرِّجال، والسَّادة ذوي الفضل والإفضال، ولا أقدر أن أعبر عن السُرور الذي داخلني من اهتمامكم بنشر آثار شيخ الإسلام، فجزاكم الله عن هذا السعي خير الجزاء.
وقد كنت سألت سيادتكم عن " شرح العقيدة الأصفهانية "، وبعد مراسلتكم بذلك ظفرنا بشرح لها ضمن " الكواكب"، فنسخناه على حساب الشيخ فرج الله، وأرسلناه له وهو بنحو أربع كراريس, والآن ننسخ على حسابه " قاعدة لشيخ الإسلام في اختلاف المذاهب"، وبعد الفراغ منها يعود الكاتب إلى نسخ بقية الجزء من " الفتاوى".
وأمَّا كتاب " التوسل " فقد نسخه الشيخ عبد الله الروَّاف وصححه بعد مدة يذهب إلى مصر، وقد أوصيته أن يعطيه للشيخ فرج الله ليطبعه، فأرجو من سيادتكم أن تكتبوا له باستلامه من الشيخ عبد الله هذا الكتاب ومباشرته بطبعه والعناية بتصحيحه، وأن تخبروني بتعريفه عن ذلك، لازلتم ملجأً للمُستفيدين، ومنهلاًَ للطالبين.
.................................................. ....... في 17 ربيع الأول سنة 1327
.................................................. ................ العبد الفقير
.................................................. ............... جمال الدين القاسمي
 
[align=center](7)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
سيدي وعمدتي، الأستاذ العلامة الجليل، نفعنا المولى بمحبته، وبارك لنا في أخوته، آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فإني تشرفت بكتابكم الكريم، وسررت باهتمامكم غاية السرور، وعرفت الفاضل محمد حسين نصيف بما أمرتم به (1)، وشوقته لإحياء آثار شيخ الإسلام التي عندنا في خزانة الكتب العمومية، والسَّعي إلى طلبها ولو عندنا، وأن تنوع أمكنة الطبع من أعظم الوسائط لسرعة النشر، فجزاكم المولى عن هذا السعي أحسن جزاء.
سيدي، من أسبوع قدمت لحضرتكم كتاباً في البريد فالمأمول وصوله، ولا تؤاخذني في الاختصار فإني أكتب مغالباً لرمد خفيف أصابني من أسبوعين، أرجو دعواتكم الصَّالحة بالشفاء، متعنا المولى بأنواركم، وبارك لنا في آثاركم.
الأُستاذ الكبير منشيء المقتبس (2) وأشقائي يهدون لسيادتكم أطيب التحيات، ويرجون صالح دعائكم.
من نحو شهر قدمت لسيادتكم بواسطة صديق للشيخ الروَّاف نسخاً من " الأجوبة المرضية " طبعناه حديثاً (3) فالمأمول إخباري عن وصوله وما يراه سيدي فيه، أدامه المولى لنا ذخراً، ونفعنا بعلومه دنيا وأخرى.
.................................................. ........ 26 ربيع الأول سنة 1327
.................................................. ............... الفقير
.................................................. ............... جمال الدين القاسمي
______________________________
(1) سبق في رسالة الآلوسي رقم ( 5 ) طلب التعارف بين القاسمي و محمد نصيف، فاستجاب العلامة القاسمي لهذا الطلب وكتب رسالة لنصيف في 26 ربيع الأول سنة 1327هـ، وأي: في تاريخ كتابته لهذه الرسالة التي بين أيدينا، حيث يقول للشيخ محمد نصيف:
حضرة الأخ الفاضل، والمحب الكامل ـ زاده الله توفيقاً، ومشياً على منهج السلف وتحقيقاً، ونفعنا بمحبته، وجمعنا في مستقر رحمته . آمين ـ.
أمَّا بعد:
فيا أيها الأخ في الله، والمحب لوجه الله، حضرني اليوم تحرير، من السيد العلاَّمة النحرير، حضرة مولانا السيد شكري أفندي الآلوسي ـ أيده الله ـ، يذكر لي أن جنابكم حررتم له كتاباً تطلبون فيه من حضرته بعض كتب شيخ الإسلام تقي الدين ـ رضي الله عنه و أرضاه، وجعل في أعلى فراديس الجنان مأواه، وجزاه عن الإسلام خير ما جازى من ارتضاه، آمين.
وذلك: " الرد على ابن سبعين" و " التسعينية".... إلخ وأنه عرّف حضرتكم في هذا الشأن.
ولقد أدخل السيد شكري أفندي عليَّ السرور الزائد، بما نوه لي عن فضلكم، وصلاحكم، وكمالكم، وغيرتكم على نشر آثار السلف، لاسيما آثار شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه ـ فإن هذا غاية أمنيتنا، ونهاية رغبتنا، وقد حمدت الله تعالى وشكرته على أن قيَّض لهذا الشأن أمثالكم.
ومن مدة كاتبت السيد شكري أفندي وعرفته بأن محبيّ السلف، من الواجب عليهم الآن أن ينهضوا لإحياء آثارهم ونشرها بواسطة الطبع، وأن يجاروا غيرهم من الذين ينشرون تلك الكتب التي لا تزيد إلا خبالاً وضعفاً في العقيدة، فإن أكثر المطابع ترغب الآن في التجارة، ولا يهمها إلا الكسب الدنيوي، وإن فاتهم الربح الأخروي، مع أن الأحمديين والسلفيين بقية عظمى من أهل الخير والصلاح.
فيا سيدي! البدار البدار، والسباقَ، السباقَ، فما لنا إلاَّ أمثال همتكم، أحباكم المولى الحياة الطيبة، وزادكم نفعاً وانتفاعاً.
أخي! تعلمون أن شيخ الإسلام توفى بدمشق، وأن رسائله معظمها، والحمد لله في دمشق، وإن فقد منها شيء، أو طار من الشام إلى غيرها، إلاَّ أن في المكتبة العمومية عندنا من رسائله وقواعده في كتاب " الكواكب " الذي جمعه الشيخ " ابن عروة "، وكتب فيه جملة وافرة من تآليف شيخ الإسلام، وبها ما يكفي ويشفي.
إلى أن قال:
ثُمَّ أرى أن نسعى بطبع شيء من رسائله عندنا في الشام، لأن المطابع الآن كثرت فيها ـ والحمد لله ـ، والقصد الإسراع والسباق إلى هذه الخيرات، وإن يكن بعض المطابع في مصر تعتمدون عليها في ذلك، ولكن القصد إشغال عدة مطابع، لنرى تلك الدرر انتشرت بسرعة.
ولا يخفى فضلكم أن أعظم واسطة لنشر المذهب السلفي هو طبع كتبه، وأن كتاباً واحداً تتناوله الأيدي على طبقاتها خير من مائة داعٍ وخطيب، لأن الكتاب يبقى أثره، ويأخذه الموفق والمخالف، وأعرف أن كثيراً من الجامدين اهتدوا بواسطة ما طبعاناه ونشرناه، اهتدءً ما كان يظن، والحمد لله على ذلك.
لقد أحزنني ما ذكر لي السيد شكري أفندي في كتابه أنه أرسل من سنتين كتاب " مدارج السالكين" للشيخ فرج الله، وأنه الآن لم يطبعه، فلماذا يا ترى؟ لذا أرى أن تتعدد محال طبع تلك النفائس.
والآن، الفقير ينتظر إشارتكم في هذا، وإنني وأخي أخدم هذا الشيء إلى آخر نفس من حياتنا، وأسأله تعالى أن يحشرنا في زمرة السلف بفضله وكرمه، وعلى قدر ما ترسلونه من الدراهم يكون النسخ أو الطبع، فلبدار البدار، والفرصة الفرصة يا أخي!
وما أظن ترون في الشام من له غيرة على آثار الشيخ ـ رضي الله عنه ـ أمثالنا، فالآن آن الأوان، وما بقي إلا الاهتمام بذلك، حتى أن المرحوم الشيخ عبد العزيز السناني كان كتب للحاج مقبل الذكير عن اهتمامي وحرصي ، وسعيي الليل والنهار في نشر آثار الشيخ، وأنتظر جوابه ولم أدر بعد ما كان، حتى قيَّض الله لنا غيرتكم وشهامتكم، أكثر الله من أمثالكم، ونفع بسعيكم، وجازاكم كل خير.
.................................................. ...... في 26 ربيع الأول سنة 1327
.................................................. ......... الفقير إليه تعالى
.................................................. ............ جمال الدين القاسمي
انظر؛ كتاب " جمال الدين القاسمي وعصره " لظافر القاسمي ( ص 585 ـ 589)
 
[align=center](8)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
حضرة سيدنا علامة عصره، وفريد دهره، نفعنا المولى بعلومه وفرائده، وأعاد علينا من بركات عوائده، آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة والله وبركاته.
وبعد:
فإن الفقير، وإن تأخرت مكتابته للمقام الخطير، إلاَّ أن الذي حال هذه المدة، انتظار الأجوبة من جُدة(1)، وقد كتبت كما أمرتم لذاك الفاضل، فأجاب يسأل عن فهرس ما لدينا من كتب السلف، وأرسل كتاب " العرش " لنقابله له على نسخة الخزانة (2)، فأجبته بأن استقراء أسماء كتب السلف مما يعسر، وإنما المهم نسخ آثار شيخ الإسلام التي في الخزانة، وتتبع المهم منها في " الكواكب"، وغيرها.
ثم أرسلنا له نسخة من كتاب " العرش " مقابلة إلا مقدار كراس فإنه ناقص من الأصل، وأرسلنا له كراريس من " شرح الأصفهانية "، ورسالة " جواب لشيخ الإسلام عن كتاب الطبرسي "(3)، وعرفناه عن ثمنهما لناسخهما فحضر جواب ثان فيه دفع الأُجرة للناسخ والثمن.
ثُمَّ حكى لي صديقنا الروَّاف بأن استنتخ كتاب الوسيلة لشيخ الإسلام من الخزانة، وكراريسه تربو على العشرة، فذكرنا لأخينا في جوابي له، وكان أجاب أولاً بأن ننظر ما لدينا مما يلزم طبعه لتعرفه به، فرأيت الآن أن المهم أن نطبع: كتاب " عقيدة الإمام أحمد " للتميمي (4) وهو مفيد جداً نسخه الروَّاف من الخزانة، وكتاب " إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" لابن القيم، وهو كتاب نفيس يفيد الأمة إفادة عظيمة في المسألة المذكورة، ولا أدري هل ظفرتم به، فإني ظفرت بنسخة منه في خزانة الجد ـ عليه الرحمة(5)ضمن أحد المجاميع، وكان الوالد ـ رحمه الله ـ يطالعه دائماً ويبتهج به، فرأيت أن ننسخه ثانية، لأن النسخة الأولى لا يستطيع الطابع طبعها لقدم عهدها.
ورأيت أيضاً أن ننسخ من " الكواكب " لشيخ الإسلام في مسألة الكلام (6) مع فتاوى أخر له يكون كتاباً على حدة في هذه المسألة التي حرَّرها أحسن تحرير.
والآن أصحح نسخة " إغاثة اللهفان " بنفسي فإن كان عند المولى أصل منه فليتكرم بإرساله ثُمَّ نعيده لسماحته ثم نعطيه لناسخ، ثُمَّ وعدني ناسخ أن بأن ينسخ بعدها الفتوى في الكلام. ولقد رأيت نفسي أني قد شغلت بشيء آخر عدا ما لدي. ولا يخفي مولاي ما في ذلك من العناء نسخاً وتصحيحاً ومقابلة في الخزانة، إلاَّ أن شغفنا سرعة تنوير الأفكار، وتنبهها لمراشدها مما يخفف تلك الصعوبات.
وتذكرت أني أرسلت له مع كتاب " الوسيلة " مجموعاً فيه رسائل لشيخ الإسلام كنت استخرجته من محال، وأشرت عليه بأنه إن استحسن شراءه فليقدمه للطبع، وإلاَّ فليرسله فإنه من نفائس ما لديَّ سيَّما وفيه قطعة ظفرت بها من كتاب الشهاب ابن مري (7) لتلامذة شيخ الإسلام يعزيهم
بوفاته، ويحضهم على جمع تآليفه والسَّعي في اكتتابها، نسخته من أصل مخروم (8) إلاَّ أن غرابة موضوعه شاقتني؛ لأن أُثبته على نقصه، أخذ المولى بأيدينا، ووفقنا لمرضاته.
وأرجو التفضل بإجابتي ولو بكلمات، والإشارة بما يسنح للقلب السليم أيَّده الله بروح منه، آمين.
.................................................. ..السبت 7 جمادى الآخرة سنة 1327
.................................................. .................. جمال الدين القاسمي
# سيدي، كان أشار عليَّ بعض الفُضلاء من نحو عامين بجمع متون متنوعة في مقابلة تلك المتون المطبوعة (9)، على شريطة أن لا تكون منظومة، وأن يكون حجم المتن كُراساً فأصغر، وأن يكون لإمام شهير عرفه التاريخ، ولا يخفى ما استقر ذلك من المصاعب ولكن الحقَّ تعالى أعان بفضله فجمعنا قريباً من تسعة متون، وبقى متن في التوحيد على الشريطة، فإن كان لدى سيدي متن فليتفضل بإرساله؛ لأن المهم أن يكون طليعة المجموع رسالة في ذلك سيَّما إذا كانت سلفية المشرب.
وإذا كان يوجد لدى سيادتكم متون في فنون أُخر فالمرجو إتحافنا بما أمكن، وتعريفنا عنه فإن هذه الخدمة اضطر إليها هذا العصر لكثرة المدارس المنوي إنشاؤها والمأخوذ في ترقيها، ولا قيام لها إلاَّ بمثل

ذلك، وكنت مما رأيته مهماً كتاب " لقطة العجلان " للزركشي لاشتماله على أربعة فنون فشرحته على الأسلوب العصري، وطبعه لنا أحد الإخوان في الإسكندرية، ومتى وصلت نسخه نقدِّم للسيادة منه عدة إن شاء الله (10)
والقصد أن الواجب الآن الافتكار فيما ينهض الأمة من كل بحسبه، وإذا فات أمثالنا الإصلاح السياسي، فلا أقل من الإصلاح العلمي، وما أحوج المُصليحين لمشاطرة المياسير أهل النهضة به.
والتوفيق بيده سبحانه، لا إله سواه.
.................................................. ................. جمال الدين القاسمي
____________________________
(1) يعني أنه بانتظار رسائل من الشيخ محمد نصيف عين أعيان جدة المشهورين.
(2) يعني الظاهرية.
(3) له نسخة في الظاهرية في ضمن مجموع ( 3835 عام ـ مجاميع 99)، وهي بخط أخيه الإمام شرف الدين عبد الله بن تيمية كما في " فهرس مجاميع المدرسة العمرية في دار الكتب الظاهرية" لياسين السواس ( ص 523 ).
(4) قام بنسخ هذه العقيدة عن نسخة الظاهرية ـ وهي نسخة عتيقة ـ حامد التقي بإشارة من شبخه القاسمي وذلك في 27 رمضان سنة 1327 هـ، وقد كتب بآخرها الشيخ محمد نصيف ـ وهي في مكتبته ـ:" هذه الرسالة أرسلها إليَّ من دمشق الشام الأستاذ الشيخ السيد محمد جمال الدين القاسمي ـ رحمه الله، آمين، وقد طبعت عن هذه النسخة بآخر " طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى (2/ 265 ـ 690).
(5) يعني جده الشيخ قاسم القاسمي، وقد طبع هذا الكتاب سنة 1327هـ، عن هذه النسخة، وهي نسخة جيدة بخط محمد بن عبد الله بن هشام النحوي وذلك سنة 885هـ، وقد اعتنى بها وصححها وعلق حواشيها العلامة جمال الدين القاسمي.
(6) طبعت هذه الرسالة في " مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" جمع العلاَّمة ابن قاسم ( 12/ 117، وما بعدها).
(7) ذكره ابن كثير في " البداية والنهاية " ( 18/ 254 ـ ط دار هجر)، وقال: وفيها ـ أي في سنة 725 هـ ـ وَفِيهَا مُنِعَ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ مُرِّيٍّ الْبَعْلَبَكِّيُّ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى النَّاسِ بِمِصْرَ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَعَزَّرَهُ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ بِسَبَبِ مَسْأَلَةِ الِاسْتِغَاثَةِ، وَحَضَرَ الْمَذْكُورُ بَيْنَ يَدَيِ السُّلْطَانِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ، ثُمَّ سُفِّرَ إِلَى الشَّامِ بِأَهْلِهِ فَنَزَلَ بِبِلَادِ الْخَلِيلِ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ، وَانْتَزَحَ إِلَى بِلَادِ الشَّرْقِ، وَأَقَامَ بِسِنْجَارَ وَمَارِدِينَ وَمُعَامَلَتِهِمَا، يَتَكَلَّمُ وَيَعِظُ النَّاسَ إِلَى أَنْ مَاتَ، رَحِمَهُ اللَّهُ".
وذكره الذهبي في " ذيل العبر " ( ص 138 )، وقال: " وسُجن ثُمَّ نُفِيَ لنهيه عن الاستغاثة والتوسل بأحد غير الله...."، وانظر مرآة الجنان لليافعي ( 4/ 273)، وقد ترجم له الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة ( 1/ 302، 303)، إلاَّ أنه بيض لوفاته ولم يذكر في أي سنة توفي، وقال في آخر ترجمته:" وخطه مليح مشهور مرغوب فيه".
(8) قام بنسخ هذه الرسالة نسخة نُقلت من خط قائلها شهاب الدين ابن المري الشيخ حامد التقي تلميذ القاسمي، وذلك بإشارة من شيخه، وكتب بآخرها القاسمي ما يلي:" وقد بذل الجهد في تصحيحها الفقير جمال الدين القاسمي، وعارضها بأصلها في مجلس 13 ذي القعدة بعد ظهر الاثنين عام 1323هـ"، وأصل هذا المنسوخ كان محفوظاً في مكتبة الشيخ محمد نصيف بجدة، كما أن الشيخ محمد حامد الفقي المصري قد طبعها في " مجموعة رسائل علمية" بالقاهرة سنة 1368هـ اعتماداً على هذه النسخة.
(9) قام الشيخ جمال الدين بشر مجموعة أربعة متون أصولية على المذاهب الأربعة. وهي:
1- مختصر المنار للحلبي الحنفي.
2- الورقات للجويني.
3- مختصر تنقيح الفصول للقرافي المالكي.
4- قواعد الأصول لصفي الدين البغدادي الحنبلي، وقد علَّق وطبعت في دمشق في المكتبة الهاشمية، وانتهى منها في سنة 1324هـ.
(10) طبع هذا الكتاب بشرح وتعليق الشيخ جمال الدين في مطبعة والدة عباس الأول بالقاهرة سنة 1326 هـ.
 
[align=center](9)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
سماحة مولانا محيي السنة، وقدوة الفضلاء، نفعنا المولى بآثاره.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
فقد كنت قدمت للمقام كتاباً من أسبوع، والآن وصل إليَّ نسخٌ من كتاب " اللمع "(1) المطبوع على أصلي المقابل على أصلين صحيحين، وقد كنت علقت عله حواشٍ أثناء التصحيح، ولم أتفرغ له فطبع نصها، وكان يمر بي في خلال تراجم الأقدمين أن له شروحاً كثيرة، ومن الأسف أن لم نظفر بواحدة منها، ولله ما جنت علينا القرون الأخيرة حتى أفقرت ديارنا من المصنفات النافعة، وأبقيت لنا الحشو والحشويات.
وقد سرَّني ما تفضلتم بإرساله إلى المقتبس من مقالة: " المقيم المقعد "(2) وقد جعلها صاحبه طليعة الجزء الآتي، وقد قابلتها على خطّكم الكريم، ودهشت لمثل هذا الترتيب، ووددت لو يوفق أحد من المياسير لديكم لطبعه، ويصحح لنا مولانا ويعلق عليه ما يغمض، مع ضبط ألفاظه، فإن في ذلك مثوبة عظيمة كبرى للغة الشريفة لما كاد يندرس من آثارها المفيدة، وما أحوج الأمة لمثل هذا، وعسى أن تتحقق الأمنية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. .....21 جمادى الآخرة سنة 1327هـ
.................................................. .................. جمال الدين القاسمي
_______________________________
(1) هو كتاب " اللمع " في أصول الفقه، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي.
وهذه الطبعة التي أشار إليها القاسمي مطبوعة بمطبعة السعادة بمصر على نفقة محمد أمين الخانجي، وذلك في سنة 1326هـ، وقد ورد في آخر الطبع ما يلي:
" قُوبل على أصله المنتسخ منه مع مراجعة نسختين منه في المكتبة العمومية بدمشق جيديتين، تاريخ إحداهما عام 574هـ في صفر، والأُخرى بالعام نفسه شهر ربيع الآخر...... وكتبه جمال الدين القاسمي حامداً ومصلياً في 26 ربيع الآخر سنة 1325هـ".
وقال مصحح الطبع بدر الدين النعساني:" ...... وقد تفضل بالنسخة المنوه بها فضيلة العالم الشيخ جمال الدين القاسمي حفظه الله تعالى.......".
(2) هو كتاب " المقيم المقعد " لأبي الفرج بن الجوزي، وهو نحو أربعمائة صفحة، وقد كتب عنه العلاَّمة محمود شكري الآلوسي مقالة ونشرها في مجلة " المقتبس" في ربيع الثاني سنة 1327هـ (4/ 209 ـ 215 ).
 
[align=center](10)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
حضرة مولانا السيد الشريف، والإمام القدوة الغطريف، نفعنا المولى بفوائده، وبارك لنا في عقود فرائده، آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
فقد كنت قدمت للسيادة عدة رسائل، ولم أزل منتظراً لجواب مولانا، والآن أعرفكم بأن ما قدمناه للفاضل محمد حسين نصيف قد اشتراه، وهو مجموع شيخ الإسلام الصُغرى، وكتاب " قاعدة في الوسيلة " اشتريناه من الشيخ الروَّاف، وأرسلناه فاشتراه، وأخبرني أنه الآن يباشر طبعه في مطبعة المنار المصرية، وكذا اشترى كتاباً مجموعاً من كلام شيخ الإسلام في مسألة الكلام القديم، وننسخ له الآن تتمة " شرح الأصفهانية "من" الكواكب".
وقد أهدانا من المجموع الذي طبعه الحاج مقبل، وهو الأول من فتاوى الشيخ، وقد يظن الناس أنه من الفتاوى المصرية، وإنما هو مجموع كان اشتراه فرج الله من الروَّاف، كان استنسخه من مجاميع، وكنا لفرج الله جزءاً من الخزانة الظاهرية، وبعض آخر لم يستتمه وهما من الفتاوى المصرية، ونصحناه أن يطبع من الفتاوى المصرية ما يجده منها ولو غير مرتبة، لأنها إذا طبعت كذلك فسوف ترتب إذا ترقى الزمان في طبعة ثانية. وما أدري ما عاقه؟
والقصد أنَّا لا نزال ندعو لسماحتكم، ونرى أن الفضل الأول لبيض أيايدكم.
والمأمول إخباري بصحة المزاج الكريم، وإجابتي عن بعض ما كنت سألت المقام عنه من الآثار العلمية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. ............. 5 شعبان سنة 1327هـ
.................................................. ................... جمال الدين القاسمي
 
[align=center](11)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
حضرة السيد الشريف جمال الدين القاسمي أحسن الله إليه، سيدي الإمام الهمام، وبحر العلم المتلاطم على الأنام.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تشرفت اليوم بكتابكم الكريم، وحمدت الله على ما أودعتم فيه من بشائر سلامتكم، وما ذكرتم فيه من الهمم العلية، في ترويج الكتب السلفية هو المأمول من مساعيكم الهاشمية، نسأله تعالى أن يبارك في حياتكم.
والعبد قدَّم قبل أيام جواب كتابكم مع محررات عبد اللطيف بن المرحوم عبد الحميد الشيخي البغدادي، وقد عجبت من عدم وصول ذلك إليكم، و ذكرت لحضرتكم جميع ما لزم بيانه، ولعله وصلكم الآن، وذكرت لكم المانع من توالي العرائض ما اتفق في هذه السنة من الحرِّ العظيم الذي كاد العراق يحترق منه، وقد انحرف مزاجي واعتلَّ بدني والأمر لله تعالى، وجميع ما تفضلتم به وصل، ولسان القلم عاجز عن أداء شكر نعمكم، جزاكم الله عنا كل خير.
وفي هذه الأيام طبع بعض الأحبة رسالةً في الحديث موسومة بـ " الشهاب في الحكم والآداب "(1)، فالتمست منه أن يهدي إليكم بعض نسخها فلعلَّه فعل، وفي هذه " البوستة" (2) قدمت لكم منها ثلاث نسخ، فإن اقتضى لكم نسخٌ أخرى فمرونا بذلك.
وكتاب " الوسيلة " ذكر مُنشيء المنار عنه في الجزء السادس أنه وصله، وأنه متصد لطبعه.
نسأله تعالى أن يديم عليكم نعمه، وأن يوفقكم لمثل هذه المساعي الخيرية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. ........... 17 شعبان سنة 1327هـ
.................................................. ................. محمود شكري،
.................................................. ................... عُفِيَ عنهُ
_____________________________________
(1) لمحمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، وقد نشرها محمود أفندي الشابندر ـ أحد أقارب الشيخ الآلوسي من جهة والدته ـ في مطبعة الشابندر ببغداد سنة 1327هـ، كما في " معجم المطبوعات ( 2/ 1515). ( العجمي )
(2) يعني البريد.
(3) يعني كتاب " قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة " لابن تيمية.( العجمي )
 
[align=center](12)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
سماحة مولانا شمسُ العراق، وعمدةُ فُضلاء الآفاق، نفعنا المولى بمعارفه، وأمدَّنا بعلومه ولطائفه.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
فإن الفقير لا يزال متشوفاً لأنباء السيد الكبير، وقد كان السيد ـ أيَّده الله ـ أشار في كتابه الأخير ببشارة إرسال نسخة من كتاب " الشهاب " من طابعه، لم نر إلى الآن واحدة منها، ولعل طابعه يرسل منه عدة لأحد التجار يعرضها للبيع.
قدم من أيام الشيخ طاهر الطبرزوني السَّلفيّ (1)، وبلغني سلام سيادتكم ودعواتكم، فشكرت لكم لكم ذلك ورجوت أن لا نبرح من البال الكريم.
وقد كنتُ ذكرت لفضيلتكم ما ننسخه للفاضل محمد حسين نصيف ونرسله مما حصل لديه الآن، منه: " رسائل وقواعد " لشيخ الإسلام جيِّدة.
وقد طبع كتاب " الوسيلة " الذي ابتعناه له من الروَّاف.
ونسخنا له " إغاثة اللهفان " لابن القيم الذي كنت استفسرت سيادتكم عنه، ولم آخذ جواباً.
وقد أرسلناه الآن إلى منشيء مجلة المنار بإشارة من محمد حسين نصيف، وورد إلىَّ جواب بقرب الأخذ بطبعه والآن نسخ له أيضاً " قاعدة في التفسير" لشيخ الإسلام ظفرنا بها في مكتبة بني الشطي (2).
وبودي لو أن حضرات العسافيين ـ وفقهم الله تعالى(3) ـ يأخذون بطبع شيء من القواعد أو الوسائل الصغرى التي لم تعد للطبع بعد في مطابع دار السلام لسهولة الأمر الآن، اهتماماً بما ينور فكر الجامدين؛ إذْ ليس من سبيلٍ عندي أقرب من طبع مثلها ونشره سيَّما إذا كان وقفاً مجاناً.
وإني أحمد الله على أنيّ أرى كثيراً من أولئك الجهمية أضحوا بفضل ما نسعى بطبعه وتسعون أيضاً ممن تنورت بصائرهم، ووقفوا على الحق، وإن كان الجل منهم لا يتظاهر تقية من محيطه الزاخر بأولئك الرجعيين.
وقد حضرني ستّ نسخ من " غاية الأماني في الرد على النبهاني" (4)، فوزعتها على إخواني، وصار يستعيرها من لم تكن عنده من أصدقائهم وأقاربهم.
ومن مدة زارني بعض المتعممين المهتمين بمصانعة الرجعيين فرجا مني عارية الجزء الأول، فأعرته ونفست له في الأجل؛ لأني أعلم أنه يستعار منه، وأن كثيراً من أولئك القوم رهطه يحيون الليالي لقراءته بالحرف، وأعلم أنَّهم يأخذهم التنغص والتغيظ ما لا يحاط به، كما أني أعلم أنه يفيدهم ويعدل فكرهم ولو في الباطن، فالحمد لله على نعمة هذا الكتاب، وجزى الله سيَّدنا عنهُ بخير ما جزى أولياءه وأحباءه، إنه الكريم الوهاب، ولا زالت مآثره تتلى وتنشر... آمين.
أذكر أني عرفتكم بشروعنا في نسخ متون مختصرة في عدة فنون تحاكي تلك الفنون المجموعة قبلُ، إلاَّ أنها أرقى منها وأقرب تناولاً، وقد جمعنا نحواً من ثمانية عشر متناً، وكلها للمشاهير من القرون الأُولى، والمتوسطة، وقد اشترطنا أن تكون من ورقتين إلى كراس، فلعل مولانا يتذكر مجاميعه ما يأتي على الشريطة فيتهنأ باسمه، حتى إذا لم يكن عندنا نرغب إلى بعض تلامذته النشطاء بنسخ ذلك، ونشكر السيد الجليل سلفاً.
ورد إليَّ من الآستانة كتاب من صديقنا صاحب المنار يبشرني بانفراج الأزمة عما وشي به علينا مما لابد أنه بلغ مسامع مولانا، وأن قضية محمد أفندي كرد علي ستحل بأقرب وقت، حقق الله ذلك، وقد أخبرني أمس شقيقه بأنه نجا بنفسه إلى مصر وأنه بخير ثمة، فإنا لله (6).
الأُستاذ الكبير (7) بخير وعافية، ولكن وا رحمتاه لفضله وقدره بين مواطنيه (8)، والأشقاء يلثمون أناملكم، ويرجون صالح دعواتكم كراقمه.
.................................................. ............. في 23 شوال سنة 1327
.................................................. ................. جمال الدين
____________________________
(1) ذكره القاسمي في رسالة منه إلى محمد نصيف، وقال :" سائح سلفي يسمى الشيخ طاهر الطبروزني"، وذكر أنه صاحب رحلات كثيرة, ( انظر؛ جمال الدين القاسمي وعصره لظافر القاسمي ص 608 ، ص 609)
(2) له نسخة أخرى في دار الكتب المصرية برقم ( 299)، وستأتي الإشارة إلى ذكر هذا المجموع المشتمل لبعض كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ( ص 170).
(3) آل العساف في بغداد من أصول نجدية، بيت علم وفضل وتجارة؛ انظر ( البغداديون أخبارهم ومجالسهم ) للدروبي ( ص 189 ).
(4) للآلوسي، المرسلة إليه هذه الرسالة، وسيأتي الكلام عليه.
(5) حصل للعلامة القاسمي أكثر من واقعة في سبيل دعوته للإصلاح وبعض مؤلفاته من قبل ولاة الدولة العثمانية وبعض الوشاة, انظر إن شئت كتاب ابنه ظافر القاسمي : " جمال الدين القاسمي وعصره " ( ص 205 ـ 210).
(6) لمحمد كرد علي أكثر من قصة في خروجه من بلده. انظر ترجمته لنفسه في آخر كتابه : " خطط الشام " ( 6/ 377).
(7) يعني الشيخ عبد الرازق البيطار.
(8) أيضاً للشيخ عبد الرازق البيطار أكثر من حادثة، ولم يعرف بعض أهل بلده قدره وفضله. انظر إن شئت: " أديب علماء دمشق الشيخ عبد الرازق البيطار"، لراقمه ( ص 28 ) وما بعدها.
 
[align=center](13)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
سيدي علاَّمة عصره، ومجدد دهره، نفعنا المولى بمعارفه، وباركَ لنا في لطائفه، آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فقد حظيتُ أمس بكتاب المولى وما تفضل به وأولى، فشكرت أياديه البيضاء وأضفتها إلى ما سبق له من النعماء، فجزاه الله عنَّا خير الجزاء.
وزَّعنا الإعلانات حسب أمركم على كثير من التلامذة والإخوان، ورأيت منهم ارتياحاً لاقتناء ذلك الكتاب النفيس (1)، وعسى أن يرسل طابعه عشر نسخ برسم البيع، فإن نفدت طلبنا غيرها ونرسل قيمتها. وما تفضلتم به من كساد كتب الأدب وغيرها فهو الواقع؛ ولهذا كلما عزمت على طبع كتاب أجعل اشتراكاً فيه، واكتتاباً لأسهم به، فنوزع بعده لكل على حسبه كي لا تضيق صدور أمثالنا عن انتظار رواجه أو تحمل الخسارة من جرائه، والمأمول أن هذا الكتاب يصادف رواجاً تامَّاً بعونه تعالى وعنايته، وأرجو إهداء سلامي إلى طابعه جزاه الله خيراً.
وأما إغاثة اللهفان فهي مشاركة لذلك الكتاب الذي طُبِعَ أولاً في التسمية (2)، وأما الموضوع فهو عن طلاق الغضبان خاصة، وحجمها نحو ثلاثة كراريس إلاَّ أنها من النوادر المضنون بها.
ويقول لي الشيخ الروّاف: إنها لا نظير لها، ولا في خزائن كتب نجد، ويرى أنها لا توجد إلا عندنا (3)، وكان الجد والوالد ـ قدس الله روحهما ـ يُطالعانها كثيراً، بل إني شُغفت بها من صِغَري لكثرة ما أرى الوالد ينظر فيها، وقد نسخناها وأرسلناها إلى محمد حسين ناصيف فقدَّمها للمنار فطُبِعت فيه، و حضرني منذ أيام الملزمةُ الأولى بشارةً بتمثيلها للطبع، ولا شك أن ذلك معدودٌ من حسناتكم وبركاتكم (4) فجزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء والإخوان جميعاً يقبلون أناملكم، ويرجون صالح دعواتكم، والسلام.
.................................................. ........ في غرة ذي الحجة سنة 1327هـ
.................................................. ....................... الفقير
.................................................. .................... جمال الدين
__________________________
(1) يعني كتاب " غرائب الاغتراب، ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب "، لشهاب الدين محمود أفندي الآلوسي، صاحب تفسير " روح المعاني "، وجدُّ محمود شكري الآلوسي والمرسلة إليه هذه الرسالة، وقد طبع هذا الكتاب في مطبعة الشابندر ببغداد سنة 1327هـ.
(2) يعني به " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان"، لابن القيم، فأول عنوانه موافق لعنوان كتابه الذي تتكلم عنه هذه الرسالة. ( العجمي )
(3) لكتاب " إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان " نسخة أخرى في المتحف البريطاني برقم ( 9219 )، " تاريخ الأدب العربي لبروكلمان" ( 6/ 426 ـ الترجمة العربية). ( العجمي )
(4) يشير الشيخ جمال الدين القاسمي إلى أن السبب في التعرف على الشيخ محمد نصيف هو محمود شكري الآلوسي، الذي كان يسعى في طبع هذه الكتب النافعة، فجزى الله الجميع خير الجزاء.
 
[align=center](14)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
سيدي إمام عصره، وفريد دهره، نفع المولى بعلومه الأنام، وأعاد علينا من معارفه على الدوام.
أُهدي المقام الساميّ من السلام أعطره، ومن الشوق أوفره، وأرجو أن لا تنسوني من دعواتكم المرضية في الأوقات السنية، ثُمَّ قبل قدمت للسيادة كتاباً عن وصول نموذجات الشابندر، والآن رأيت تقديم هذا الكتاب لتبشير مولانا بما يسره ويسرنا.
هو أن حضرة العالم النحرير، سليل العلماء الأفاضل السيد محمد المكي بن عزوز التونسي (1) نزيل الأستانة كان من أشداء المتعصبين للجهميين والقبوريين، ثم بصّره الله تعالى الحق فاعتنقه، وأصبح يدافع عنه.
وهذا الفاضل لشهرة بيته ونباهة أمره يُعدُّ بألوف، وقد هاجر من نحو اثني عشر عاماً من تونس إلى الأستانة، وكان رد على الصيادي (2) في تأليف سماه: "السيف الرباني في الرد على القرماني"

، والقارماني اسم بلا مسمى انتحله الصيادي، وعزا له كتاباً لفقه على عادته ـ عليه ما يستحق في الافتراء والاختلاق ـ، وكان أعظم حائل على أماني السيَّد ابن عزوز، ثم إن الأستاذ الكبير صفينا البيطار لما زار الأستانة هذا العام مع الوفد الدمشقي زار السيد وجرَّ البحث إلى مسائل سلفية، ثم إن الأستاذ كاتبه من شهر فأجابه الآن بجواب نقلت محل الشاهد منه، وأشرت إلى طالب عندنا فنقل صورة ما نقلته وترونه طي هذا الكتاب (3). وإذا كان لمولانا أيده الله أصدقاء في الآستانة يكاتبهم فلا بأس بمكاتبة السيد المنوَّه به، وإني في هذا البريد سأكتب له بما أرسلت لفضيلتكم من كلامه، وأُعرفه بسامي مقامكم، عساه يزداد بصيرة ونوراً، فالحمد لله على توفيق هذا السيد وهدايته لما هُدي له.
هذا وقد زراني في هذا العيد صديقنا الشيخ مصطفى الغلايييني (4)، صاحب مجلة " النبراس "، وجرَّ الحديث إلى ما ألفه النبهاني جديداً من كتابه المسمى " جواهر البحار في فضل المختار" (5)، وذكره منامات ابنته عائشة له، وتسميته إياها بالمبشرات؛ فقال الغلاييني : لو أنَّا نرد عليه بمثل ما يستدل لذكرنا مناماً لأحد صالحي بيروت، بل من لا يختلف أحد منهم في صلاحه، وهو : أنه رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال له: إني لست براض عن النبهاني، أو بمعناه.
ثم زراني أحد الكامليين، وكان سبق له وظيفة في بيروت، فسمى لي الرجل وأنه حسن فتح الله، وقد وعدني هذا الكامل بأن يذكر لي ترجمة حال النبهاني الصحيحة التي يعلمها، وأنه يستقدمها لنا ونقدمها للسيادة.
وقد بلغني أن الحاج مقبل الذكير كان طبع هو و الشيخ قاسم بن ثاني كتباً وقفاً منها:
" المقنع " (6)، ومنها " الدين الخالص " (7)، وغيرهما، ومن الغريب أن لم نتحف بشيء منها، فإن كان لهما وكيل أو صديق يكتابهما أو سيادة مولانا، فالمأمول إرسال صندوق منها للشام. وقد كان السناني ـ عليه الرحمة ـ كتب إلى الحاج مقبل على إثر طبعه " شرح الإقناع" (8) بإرسال صندوق منه فوفى ووزع على من انتفع به الانتفاع التام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. ............ في 20 ذي الحجة 1327هـ
.................................................. ........................ الفقير
.................................................. ................. جمال الدين القاسمي
# اطلعت على رسالة بخط العلامة الفاضل محمد السيد محمد المكي بن عزوز التونسي نزيل الآستانة الآن، ضمن كتاب راسل به الأستاذ العلامة الشيخ عبد الرازق البيطار، وهذا نص رسالته:
كتبتُ إلى حبيب لي في المدينة المنورة ما نصه: سؤال خصوصي: أخبرني بإنصاف، واعلم أنك مسؤول في عرصات القيامة عن ذلك، أخبرني عن الوهابية الذين ترون: معاملاتهم، وحالتهم مع السنة، والحضرة النبوية، فأنا إلى الآن ما اجتمعت بوهابي، وقد تناقضت عندي المسموعات بالأذن والمرئيات في الكتب بالأعين؟ وبيان التناقض نقرِّره لك يا حبيب لتعرف كيف تجيبني، فإن المقام خطير: بعض الناس يقولون: الوهابية يحقرون المقام النبوي، ولا يرون فرقاً بينه وبين بقعة خالية في الأرض، ويقولون لمن شرب الدخان أشركت بالله، وهذا لا معنى له، ويضللون من أثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنارة، ويكفرون من زار قبراً ودعا الله عنده ويستحلون دمه.
وهؤلاء القادحون فيهم يقولون على سبيل القدح: هم تابعون ابن تيمية أحمد تقي الدين، فهنا جاء التناقض، فإن ابن تيمية إمام في السنة كبير، وطود عظيم من أطواد العرفان، حافظ للسنة النبوية، ومذهب السلف، يذب عن الدين، ويقمع المارقين ؛ كالمعتزلة والقدرية، والرافضة والجهمية، ما فارق سبيل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة قيد أنملة، وإن كان حنبلياً في الفروع، فهو في أصول الدين جامع لمذاهب الأربعة الأئمة، والأربعة الخلفاء الراشدين ومن سلك سبيلهم.
فإن كان الوهابية حقيقة على منهج ابن تيمية وابن القيم ونحوهما من فقهاء الحنابلة السنية فهم أسعد الناس بالشريعة؛ لأن ابن تيمية وأصحابه لم يُسيء القول فيهم إلا القاصرون عن درجاتهم، علماً وتحقيقاً، والراسخون في العلم شهدوا بعلو مكانتهم. وإن كان الوهابية مُتَّصفين بالصفات الذميمة المشار إليها أولاً، فأول خصم لهم ابن تيمية ونظراؤه من أئمة الحنابلة، فليسوا بتابعيهم. وبعض الناس يقولون: الوهابية هم القائمون بالسنة، المتجنبون للبدع، المتبعون للحديث الشريف، وعلى مذهب أحمد بن حنبل وطريقة السلف في الاعتقاد. وقد كنت طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبدالوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في "تاريخه" من عقائدهم وسيرتهم، فما هي إلا طريق السنة ليس فيها ما يُنكر. ورأيت رسائل القادحين فيهم ينسبون لهم الدواهي والعظائم، والوهابية ينفون ذلك عن أنفسهم، لا يحتجون لحسن تلك القبائح. تنبه للفرق بين قول المتنصل مما نُسب إليه وقول محسِّن ما نُسبَ إليه: فالأول منسلخ من اعتقاد ذلك وفعله، معترفٌ بقبحه، مكذب لمن وصفه به. والثاني معترف باتصافه. تأمل هذه النقطة، وفي الحقيقة: ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسئلون عما كانوا يعملون ) .
فأنا أسألك عن الوهابية الحاضرين في عصرنا، فإن رجلاً أخبرني أنهم يكونون مقيمين في المدينة، ويأتون إلى المسجد ولا يقفون على القبر الشريف يسلمون عليه وعلى الصاحبين ونحو ذلك، فإن صح هذا فما أشبه هذا الجفاء بالعداوة لصاحب القبر الشريف. فأريد منك أن تجتمع بفلان وفلان في محل لا رابع لكم إلا الله، فإن زدتم آخر تعرفونه مثلكم فيما ألاحظه منكم، فذلك عُهدته عليكم، وتقرأون كتابي هذا بتأمل، وتجيبونني بما تحصَّل لكم، ذاكرين قوله تعالى: ( وإذا قلتم فاعدوا ) . واعملوا أن من البلايا المتسلطة على الدين وإيمان المسلمين أنه صار الذي يصدع بالحديث النبوي الصحيح مقدماً له على عصارة المتفقهين يقال له: أنت وهابي. وأحكي لكم لطيفة: كنت سألت بعض متفقهة مكة الحنفية عن رجل أعرفه من أكبر الفضلاء قلت له: كيف حال فلان؟ فقال لي: ذلك وهابي. فقلت له: كيف وهابي؟ قال: يتبع البخاري !! فلما حكيتها للسيد عبدالرحمن الجزولي عليه الرحمة والرضوان -وأنا نزيل عنده إذ ذاك- ضحك وقال: هل البخاري شيخ الوهابية؟ وقد سمعت كثيراً من الناس يقولون: من يتبع الحديث فهو وهابي، ومن يعتقد عقيدة السلف فهو وهابي، فقلت لهم: أنا لا أعرف الوهابية، وكلامكم يدل على أنهم سنيون صرفاً؛ فقد مدحتموهم مدحاً كبيراً من حيث قدحتم فيهم، نتمنى أن يكون مقلدة المذاهب كلهم هكذا إن كنتم صادقين فيما تقولون، لكن الجاهل يهرف بما لا يعرف، ولذلك يقال له ( سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) ، وقال تعالى: ( وأعرض عن الجاهلين ) . وليكن جوابكم بما شاهدتموه لا بما ينقله المغفلون والأعداء المتعصبون، هدانا الله وإياكم للقول السديد .انتهى كلامه
وما أشرتم إليه في مكتوبكم من السير على منهاج الكتاب والسنة وعقيدة السلف، فأنفث نفثة مصدور مغتم القلب بما يرى ويسمع من قلب حقائق الأمور. أنتم منَّ الله عليكم بجلساء موافقين لمشربكم في التماس الحقائق، والتزام أقوم الطرائق، ذوق وإنصاف، واتصاف بأجمل الأوصاف، كرفقائكم الذين شرَّفوا منزلنا وأكرمونا بتلك الأخلاق الكريمة، وكالأستاذ الجمال القاسمي وغيرهم ممن لم نحظ برؤيتهم فبلِّغوهم سلامي، وخلوص غرامي، وأما الحقير هنا -أي في الأستانة- فكما قال القائل:
ما أكثر الناس لا بل ما أقلَّهم *** الله يعلم أني لم أقل فندا
إني لأفتح عيني حين أفتحها *** على كثير ولكن لا أرى أحداً
فلا أجد من أطارحه مسائل العلم الصحيح؛ لأن الناس بالنظر إلى هذا المقام على قسمين:
جاهل لم يزاول العلم أصلاً، فهو لا يفقه ما نقول، وحسبه إن سأل أن أجيبه بزبدة الحكم، وهو أحب إليَّ ممن عرف بعض العلم إن لم يفتنه فاتن؛ لأنه وإن لم أستفد منه مذاكرة تُفكِّه عقلي، وتنقح نقلي، فقد أفادني من الله أجراً، وقد يكون لغيره سلسبيل تلك الإفادة أجرى.
والقسم الثاني: طالب علم زاول العلم فشمَّ رائحته، وجمد على ما عهد من شيخ مثله، فهذا أحسن أخلاقه أن لا يسمع لقولك ولا يتحدث بما يؤذي، وإنما قلت أحسن، لأن غيره من أهل العناد الحمقى يضللون من خالف ما اعتادوه.
سئلت مرة في مجلس: هل تجوز الاستغاثة بأولياء الله؟ فقلت: لا يستغاث إلا بالله. وفي المجلس شيخ كبير ممن يعاني تدريس العلم عارضني بأنه يجوز، فقلت له: ما دليلك؟ فقام مغضباً قائلاً وهو ذاهب: دليلي قول اللقاني(9):
وأثبتن للأوليا الكرامه *** ومن نفاها فانبذن كلامه
فانظروا الدليل وتنزيله على الاعتراض، هؤلاء لا يفرقون بين معنى الاستغاثة، ومعنى الكرامة ، وهو من الضروريات.
ومما أتعجب منه وأتأسف، ما رأيته في نتائج مخالطاتي لأهل العلم ومناظراتي ومذاكراتي: أني أجد الشبان والطلبة الصغار أقرب قبولاً للحق، وذوقاً للصواب، وسروراً بالدليل من الشيوخ، وأكثر الشيوخ جامدون على ما ألفوه، ومن أحبارهم ورهبانهم عرفوه، ولا أدري: هل ذلك لطول قعودهم في أرض التقليد صاروا كمن دُقت له أوتاد والتحمت تلك الأوتاد بالأرض، فلا يستطيعون النهوض منها؟ أم لأن غالب الشيوخ أكبر مني سناً؟ فهم يأنفون من أن يستفيدوا ممن هو أصغر منهم؟ أم كيف الحال؟
وعلى كل حال أتذكر عند ذلك قول الشاعر:
إن الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت * ولن تلين إذا كانت من الخشب
وإني أحمد الله تعالى على أن أنقذني من أسر التقليد، وصرت إذا رأيت تعنتهم واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أتلو قوله تعالى مذكراً لنفسي آلاء الله: (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ) ، لأني كنت أرى قول فقيه: المعتمد كذا، أو استظهر شيخنا كذا، كأنه بين دفَّتي المصحف، والله بل آكد "أستغفر الله"؛ لأني أقول: الآية لا أفهمها مثله، ونظن كل كلمة قالها مالكي فهي من مقولات مالك أو حنفي فأبو حنيفة أو شافعي...إلخ والخروج عن الأربعة كالكفر ولو أيده ألف حديث.
والحمدلله الذي عافانا مع بقاء احترامهم ومحبتهم في قلوبنا.
وأخبركم أني لما بدأت في الاستضاءة بنور الحديث ووزن خلافات الأئمة والفقهاء بالأدلة، وصرت أصلي بالقبض والرفع...(10)إلخ، وذلك سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف، ألقي لي في المنام قوله تعالى: ( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، وقمت بها من المنام على لساني. ولا تنسونا من الدعاء، ودمتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. ................في ذي الحجة سنة 1327 .................................................. .....................حافظ ودكم
.................................................. ............محمد المكي بن عزوز التونسي .
_________________________
(1) توفي الشيخ محمد المكي بن مصطفى عزوز سنة 1334هـ، ولمزيد معرفة ترجمته؛ انظر: "محمد المكي بن عزوز، حياته وآثاره" لعلي الرضا الحسيني، ط. دار الحسينية بدمشق.
(2) أبو الهدى الصيادي الرفاعي المتوفي سنة ( 1327هـ).
(3) سيرد ذكره بعد هذه الرسالة مباشرة.
(4) هو الشيخ مصطفى بن محمد الغلاييني، عالم مصلح، من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق، له مؤلفات، تولى رئاسة المجلس العلمي ببيروت، توفي سنة ( 1364هـ). انظر ترجمته في : " الأعلام للزركلي" (7/ 244)، و "مجلة المجمع العلمي العربي " ( 20 / 190 )، و " علماؤنا" لكامل الداعوق ( ص 134 ).
(5) طبع هذا الكتاب في بيروت سنة 1327 هـ. " معجم المطبوعات العربية" ( 2/ 1839).
(6) لابن قدامة.
(7) لصديق حسن خان.
(8) هو "كشاف القناع عن متن الإقناع"، للبهوتي.
(9) هو إبراهيم بن إبراهيم اللقاني المتوفى سنة ( 1041هـ) صاحب جوهرة التوحيد، وهذا البيت منها؛ انظر ترجمته في:" خلاصة الأثر " للمحبي ( 1/ 6).
(10) ألف العلاَّمة ابن عزوز رسالة في ذلك بعنوان " هيئة الناسك في أن القبض في الصلاة مذهب من مذهب مالك"، وقد طبعت هذه الرسالة ضمن رسائل ابن عزوز المطبوعة بعناية علي رضا التونسي سنة 1404هـ بدمشق.
 
[align=center](15)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
سيدي الفاضل، ومن لا يطاوله في الكمالات مطاول، علاَّمة عصره، وأستاذ الكل في مصره، الإمام الهمام، بل فخر دمشق الشام، حضرة السيد جمال الدين القاسمي أفاض الله تعالى علومه على الأنام.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته:
أمَّا بعد:
فقد تلقيت أيها المولى كتابكم الكريم بيد الفخار، وكررت ما انطوى عليه
من الآيات البيانات آناء الليل وأطراف النهار، وشكرت الله تعالى على ما انطوى عليه من بشائر السلامة، وما حواه من انتشار كتب السنن النبوية التي أتعب لها أقدامه، وأشغل بها أقلامه.
فالحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، وجزاه عنا خير الجزاء { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات } [ إبراهيم: 48 ].
وقد تم بحمد الله
منذ أيامٍ طُبع : " غرائب الاغتراب ونُزهة الألباب" وها نحن قد قدمنا منه نسخة لذلك الجناب، تصله ـ إن شاء الله ـ بهذا البريد، وهو من السِّلامة كما نود ونريد، وقد أخبرت الشابندر(1)، بما أمر السِّيد وأخبر، أنَّه ـ أدام الله مجده ـ لا يعمل بما عنده، والمرجو من تلك الحضرة العلية دوام التحري على الكتب السلفية، والسعي في نشرها بين العالمين، { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} [ فصلت: 33].
والمسترحم عرض تحياتي على جميع الآل والأصحاب الكرام، وعليكم منَّا ألف تحية وسلام،
ما رنحت عذبات البان ريح صباً *-*-*-* وأطرب العيس حادي العيس بالنغم
.................................................. ............ 23 ذي الحجة سنة 1327هـ
.................................................. .................... الفقير إليه تعالى
.................................................. ................ محمود شكري الآلوسي،
____________________________
(1) هو: محمود جلبي بن محمد سعيد الشابندر ـ أحد أقارب الآلوسي صاحب هذه الرسالة من جهة والدته ـ، وله دور في مؤازرة الحركة العلمية ببغداد، وأنشأ مطبعة عرفت بمطبعة الشابندر، ونشر فيها ذخائر من الكتب الأدبية والتاريخية
بإشارة من العلاَّمة الآلوسي؛ ( محمود شكري الآلوسي وآرؤه اللغوية، للعلاَّمة محمد بهجة الأثري ص 48).
 
[align=center](16)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
إلى حضرة نور حدقة السلالة الهاشمية، ونور دوحة الحديقة العلوية، إمام العلم والعمل، ومقتدى السالكين إلى الله عزَّ وجل، المجلى بسطور طروسه غيوم همى وغمى، جناب الأفخم السيد جمال الدين القاسميّ.

سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تشرفت بكتابكم الكريم، ووقفت على ما حواه من البشائر فالحمد لله على نعمه، و الشكر له على جزيل إحسانه وكرمه.
وقد سرني ما كان من المراسلة بين السيد محمد المكي والسلفيين في دمشق.
وهذا الرجل أعرفه منذ عدة سنين فإن كتابه "السيف الرباني " (1) لما طُبع في حضرة تونس أرسل منه لنقيب بغداد عدداً كثيراً من نسخه، فأعطاني النقيب يومئذٍ نسخة منه، فطلعتها فرأيت الرجل من الأفاضل، غير أنَّه لم يقف على الحقائق، فلذلك استحكمت الخرافات في ذهنه فتكلم على السلفيين، وصحح بعض الأكاذيب التي يتعلق بها مبتدعة الصوفية وغير ذلك من تجويز الاستغاثة، والتوسل بغير الله، وإثبات التصرف لمن يعتقد الولاية، والاستدلال بهذيان ابن دحلان (2)، ونحوه...
كما ترى بعضاً من ذلك في الورقة المنقولة عن كتابه.
فأرسلت له كتاب " منهاج التأسيس" مع التتمة المُسماة : " بفتح الرحمن " (
3)، وذلك سنة اثني عشرة وثلاثمائة وألف، وكان إذْ ذلك في تونس لم يهاجر بعد، ولم أعلمه بالمرسل، ويخطر لي أني كتبت له كتاباً أيضاً التمست منه أن يطالع الكتاب كله مع التمسك بالإنصاف، ولم أذكر اسمي ولا ختمته بختمي، وأرسلت كل ذلك إليه مع البريد الإنكليزي.
وبعد ذلك بمدة هاجر إلى القسطنطينية، وكان يجتمع كثيراً مع ابن العك عليّ أفندي (4)، ويسأله عن كتب الشيخين ويتشوق إليها.
وقد اجتمع به ابن العم في هذا السفر الأخير، وأخبرني عنه أنه الآن تمذهب بمذهب السلف قولاً وفعلاً، وأصبح يجادل أعداءه ويخاصم عنه.
ولم يزل يتحفني بسلامه، ويتفضل علي بالتفاته، فلا حاجة إلى أن تكتبوا له على المخابرة مع مخلصكم، فإنه لم يزل يجتمع مع ابن العم ويعرفنا ونعرفه.
وقد وردني كتاب في هذه الأيام مؤرخ في 18 ذي القعدة من فاس، بإمضاء عبد الحفيظ بن الشيخ أبي الجمال محمد الطاهر الفهري نسباً الفاسي داراً ولقباً، السلفي عقيدةً، الأثري مذهباًَ.
هذه صورة ما كتبه، وقد ذكر في كتابه أنه من المثنين على شيخ الإسلام، ومن القادحين في الغلاة، وذكر ما ذكر في كتابه، فهل لكم علم ومعرفة بهذا الرجل؟ وهل سمعتم به؟ ومن عبارة كتابه يفهم أنه من الأفاضل، وقد استغربت جداً من مسلكه هذا مع ما نشاهده في المغاربة من الغلو المفرط في المقبوريين، هذا قبر عبد القادر في بغداد قد اتَّخذه الهنود والمغاربة وثناً يعبد من دون الله.
وقد وردني أيضاً كتاب من مقبل الذكير بتاريخ 6 ذي الحجة يقول فيه بعد الخطبة: إني في أبرك الأوقات وأسعدها تناولت بيد المحبة شقَّتكم البهية المُظهرة، لأخلاقكم الكريمة الحميدة المستوجبة لكمال المسرورية، وزيادة الممنونية، وما شرحتموه كان محموداً مشكوراً...
إلى أن قال: وقد عرَّفنا فرج الله زكي أن يشرع بطبع الجزء الثالث من " الفتاوى"، وأن يطبع على هامشه :" التسعينية"، وكتاب " بيان الدليل في إبطال التحليل "، وقريباً ـ إن شاء الله تعالى ـ يتم طبعه ويعم نفعه، جعله الله تعالى خالصاً لوجهه الكريم.
ولا زلنا ـ بحوله تعالى ـ نتتبع ما هو أعم نفعاً ونسعى كل السعي في نشره، نسأل الله تعالى حُسن التوفيق، انتهى ما قصد نقله لكم من كلامه.
ومقصودي من نقل كلامه لكم أن أُعرفكم أن للحق أنصاراً كثيرين لا يفترون إعلاء كلمة الله، وهكذا في الهند، فلو نقلنا لكم بعض كلامه لطال وأورث السآمة والملل.
وكتب لي فرج الله أن عندهم نسخة واحدة من كتاب " التحلل" وطلب نسخة أخرى لأجل التصحيح، وفي خزانة كتب مرجان نسخة منه بخط ابن القيم، وهي مع كونها لا تخرج من المدرسة فيها نقصان كثير.
هذا، وسأحرر قريباً للشيخ مقبل ما أمرتم به ـ إن شاء الله ـ عند تحرير جواب كتابه، وسأُعرفه بكم وأحثه على مخابرتكم، كما أني أحب أن تكتبوا له كتاباً رأساً وتبينوا له أن ذلك بالتماس فلان
تعني مخلصكم، وهو يأنس بذلك وينشرخ صدره، ثُمَّ أيُّها الأخ إن تأخر جواب كتبكم فأرجو
العفو عن القصور، فلو علمت ما أنا فيه من الغوائل لقبلت عُذري، وأرجو إبلاغ دعواتي الخيرية إلى من يعزّ عليكم من الكرام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. ................ 5 محرم 1328هـ
.................................................. ......................... العبد
.................................................. ............... محمود شكري،
* في البريد
الماضي أرسلنا لكم نسخة من كتاب " غرائب الاغتراب" ومعه عريضة، فالأمل من لطف الله تعالى أن تصلكم وأنتم بكمال السلامة.
.................................................. .......................... الفقير
.................................................. ........................... م
________________________________
(1) هو كتاب " السيف الرباني في عنق المعترض على الجيلاني " لمحمد بن مكي عزوز، طبع في تونس المطبعة الرسمية سنة 1310هـ.
(2) هو: أحمد زيني دحلان المتوفى سنة ( 1304)، انظر ترجمته في : " الأعلام " للزركلي ( 1/ 129)، كتاب " دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، لعبد العزيز آل عبد اللطيف ( ص 51).
(3) ألَّف العلاَّمة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ كتاباً في الرد على المدعو داود ين سليمان بن جرجيس النقشبندي
بعنوان:" منهاج التأسيس في الرد على ابن جرجيس"، وقد رد عليه رداً مفحماً، إلاَّ أنه اخترمته المنية، رحمه الله تعالى فأتمه العلاَّمة الآلوسي صاحب هذه الرسالة بكتاب عنوانه :" فتح المنان تتمة منهاج التأسيس رد صلح الإخوان"، وفرغ منه في 1306هـ، وطبعه الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني حاكم قطر في الهند سنة 1309هـ.
(4) هو الشيخ العلاَّمة علي بن العلاَّمة الشيخ نعمان الآلوسي، عالم، مشارك، توفي سنة ( 1340هـ)، انظر ترجمته في : " أعلام العراق "، للأثري ( ص 71)، و " تاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر" ليونس السامرائي ( ص 503).
 
[align=center](17)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
سيدي علاَّمة العراق، وناشر لواء السنة في الآفاق، عالم الأُدباء، وأديب العلماء، بارك المولى لنا في حياته، ونفعنا بدوام إفادته، آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:

فقد هجم أمس علينا السرور، ووفد علينا من بشير الحبور، ما يعجز عن وصفه اللسان، ويتضاءل دونه بديع البيان، كيف لا؟ وقد حمل إلينا أبدع كتاب تقر به عيون الكتاب، وتستنير الألباب، فما أحوج العلماء إلى اقتباس فوائده والتحلي بجواهر فرائده، وما أفقر الأدباء إلى ورود حياضه والتمتع بأزهار رياضه، لا جرم أنه كنزُ علم وأدب، حوى من النفائس كل أرب، قدس الله روح جامعه، وأفاض سجال الأجر على مصححه، وطابعه (1).
صادف ليلة جاءني أن كنت في صداع، وقد عَقَدَ آلي (2)، حولي الاجتماع، وأنا أقاسي من الآلام ما يمنعني عن الكلام، فلما ناولينه شقيقي بعد العشاء رأيتني وقد سرى النسيم إلى النشاط والشفاء، فغالبت نفسي، ونبهت لمطالعته قلبي وحسي، وقلت: لأتسينَّ بشيخ الإسلام الأنصاري (3)؛ فقد كان يستشفي بمطالعة العلم ومذاكرة أولي الفطنة والفهم، وبقيت أسامرهُ معظم الليل وهو يرق لي وينيلني من منادمته أعظم النيل، وقد أصبحت بحمد الله وما بي ألم، وكانت بركة الاستشفاء به من أجل النعم.
ثُمَّ سيدي نبشركم بتبرئة صديقنا محمد أفندي كرد علي، ولم يزل في باريز، ولعل " جريدة الأمة" لشقيقه(4) يصل منها شيء إلى دار السلام، فقد توجت أعدادها من أيام برحلته، وفيها من الفوائد والغرائب ما يجدد لأبناء العصر بمطالعته (5).
قلت التنسيقات الجديدة بتعيين مُدرسٍ لكل لواء وقضاء، وقد عُيِّنَ شقيقي قاسم خير الدين مدرساً لبعلبك (6)، ووعد المفتي الجديد بأنه يبقيه في دمشق بمعاشه لسروره بنباهته وذكائه، وقد انقلب حال أولئك إلى الثناء بعد أن كان هجِّيراهم نفثات البغضاء.
مولاي كان قدم دمشق الشام من أعوام السيد عبد الله الزَّواوي، أحد علماء مكة ـ شرَّفها الله ـ ووجهائها(7)، فاراً من وجه الاستبداد إلى جاوة وسنغافورة، فقدم منها زائراً بيت المقدس ودمشق ومصر، فزارنا وزرناه، ثُمَّ كاتبنا من جاوة وكاتبناه، ثم عرَّفني بالفاضل السيد محمد بن يحي بن عقيل أحد المقيمين في سنغافورة للاتجار والاشتغال بالعلم، وهو حضرمي علويٌ، إلا أنه يتشيع بغلوٍّ، مع أنه على مذهب الشَّافعي، فكان كتب لي السيد الزواوي بأنَّه يصلني من مؤلفات ابن عقيل كتاب في النقد على معاوية، هدية من مؤلفه.
فلم تمض مدة حتى حضرني من مدة ذاك الكتاب، ومعه كتاب من مؤلفه، يطلب فيه رأيي في ذلك الموضوع، ولما طالعته ورأيت مؤلفه استعمل حرية الفكر والاجتهاد المطلق في هذا الباب شكرته من هذه الجهة.
إلا أني رأيت في تأليفه مغمز لا يجوز السكوت عنها، فكتبت في الانتقاد عليه نحواً من أربع كراريس مباحث فلسفية وأثرية، ثم خجلت من إرسالها إليه استبقاء لمودته، وخيفة أن يهدم مؤلفه بالكلية؛ لأنه بمثابة النقض لبنيانه واجتثاث أصله.
ثُمَّ ألحَّ عليَّ في عدة كتابات بأنه في انتظار شديد لرأيي، وهكذا كتب لصديقي من الآستانة محمد بن عزوز الذي أرسلت لسماحتكم صورة كتابه لنكثر به جيش العلماء العصريين في مغالبة الجهمية، فاضطررت إلى إرساله، ولما يحضرني الجواب منه، ولابد أن أعلم سمحاتكم بما يرد عليّ منه.
وقد رغب محمد كرد علي على أن يقرظ كتابه في مجلة " المقتبس"، ويشفع بشيء مما انتقدت به عليه، وقد سر بما كتبت، وقال لي: كان أشار السيد رشيد في المجلة إلى الحوار معه، لكن لم يكتب شيئاً مما كتبت بل ولا ألمَّ به.
والآن بعثت لسماحتكم بنسخة منه لتتفكهوا بمطالعتها، وتروا العجب، وأرجو إفادتي عن رأيكم فيه، وأدام المولى لنا سموكم.
.................................................. ....................... حرر عجلة
.................................................. . صباح السبت 11 محرم سنة 1328هـ
.................................................. ............ جمال الدين القاسمي
______________________________
(1) هو كتاب " غرائب الاغتراب".
(2) أي أهل بيته.
(3) هو: القاضي زكريا بن محمد الأنصاري، له مؤلفات عديدة قدمٌ راسخة في حب العلم والمثابرة فيه، وقد كان في بداية أمره فقير الحال جداً، ويجوع فيخرج ليلاً ويجمع قشر البطيخ ويأكله، فسخر الله له رجلاً طحاناً تكفل له بالطعام والكسوة والكتب سنين، حتى غدا عالماً يشار إليه بالبنان، وعُمِّرَ حتى تجاوز المائة، وتوفي سنة ( 926هـ)، " الكواكب السائرة للغزي" ( 1/ 196)؛ ومقدمة تحقيق كتاب " الحدود الأنيقة"، لزكريا الأنصاري، للدكتور مازن المبارك ( ص 10).
(4) جريدة الأمة، أصدرها أحمد كرد علي، وظهرت سنة 1327هـ؛ انظر: " تاريخ الصحافة العربية" لفليب دي طرازي ( 2/ 44).
(5) وقد جمع محمد كرد علي هذه المقالات في كتاب بعنوان:" غرائب الغرب"، وطبعت في المطبعة الرحماية بمصر، سنة 1341هـ، الطبعة الثانية.
(6) هو شقيق الشيخ جمال الدين، توفي سنة ( 1358هـ)، انظر ترجمته في: " آل القاسمي ونبوغهم في العلم والتحصيل" لراقمه ( ص 70 ـ 90 )، ط دار البشائر الإسلامية.
(7) هو مفتي الشافعية بمكة المكرمة عبد الله بن محمد صالح الزواوي، ثم الإحسائي المكي الحسني أحد مُدرسي الحرم، توفي سنة 1343هـ. " الأعلام" للزركلي ( 4/ 132)، و " معجم الشيوخ"، لعبد الحفيظ الفاسي ( 2/ 96)
، و" دروس من ماضي التعليم بالمسجد الحرام" ( ص 128).
 
[align=center](18)[/align]
[align=center]باسمه سبحانه وبحمده[/align]
إلى سيادة معدن العلم والكمال، وروض الفضل والإفضال، إمام العراق، وكوكب الآفاق، أدام المولى سمو سيادته، وبارك لنا في محبته وإفادته.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تشرفت بخطابكم الجليل، وحمدت المولى على دوام هذه المواصلة والتفضل بمنة المقابلة.
سرِّنا البارحة ما قرأناه على غلاف جزُ المنار الأخير من الإعلان بكتاب " إغاثة اللهفان" (1)، فالحمد لله على ما أنعم وتكرم وألهم، ونسأله سبحانه أن يوفق إخواننا لنشر أمثاله، وتعميم النفع بأشكاله، وأظن أنَّه إذا قدم منه لسيادتكم تكون لتعليقاته حظوة كبرى.
وقد اهتممت بالعناية بها جداً سيما أول تعليقة؛ فإن بعض الحشوية أراد أن يحجنا مما نعتقد؛ ذلك أنه يعلم أن كل لم يروه البخاري ففي نفسنا منه شيء، لأنا نرى أن الحديث إذا كان أصلاً من الأصول المهمة ولم يروه البخاري أو لم يشر إليه لا جرم أنه أعرض عنه لعلة فيه، وقد أشار لذلك الإمام النووي في :" شرح مقدمة مسلم " (2) فذلك الحشوي ـ وهو باصطلاحنا الآن كل مقلد متعصب جامد أو جهمي ـ كأنه يقول: إن كل ما بنى عليه الإمام ابن القيم رسالته من التمسك بحديث الإغلاق
منظور فيه، لترك البخاري تخريجه، وهو مغمز كاد يكون في محله لولا ما ألهمنا الحق من تتبع " الصحيح " في أبواب الطلاق وعثورنا على ترجمة فيه بعنوان: باب الطلاق في الإغلاق و الكره.... إلخ، فقلنا: إنَّ البخاري وإن لم يروه لكن أشار إليه، والمُشار إليه ليس كالمسكوت عنه... إلى آخر ما جاء في التعليقة.
وعسى أن يتحفنا مولانا ببعض ملاحظته إذا رأى ما يوجب التنبيه عليه، وإني أعلم أن هذه المسألة ستفتح في باب الزيجة إصلاحاً كبيراً، لاسيما إذا ترقت الأمة، وعقدت مجمعاً من فُقهاء المذاهب لتوحيد فروع المعاملات من سائر المذاهب كما في " المجلة "(3).
والمسموع أن هذا الفكر تداول فيه مجلس الأمة إلاَّ أن لديه من المشاكل السياسة ما يحول بينه وبين ذلك الآن، وإن كنا لا نيأس منه بعدُ بحوله وقوته وتوفيقه وهدايته.
الشيخ عبد الحفيظ الفاسي كان في سنة 1323هـ كاتبني للاستجازة، وكذلك من نحو شهر راسلني بكتاب آخر فيه تسلسلاً بالدمشقيين.
وبلاد المغرب لم يزل لعلمائها حرص على الإجازات، ويرحم الله أيامها ورجالها الولعين بها، إلاَّ أن المسؤول يضطر أن يُجاري السائل في مثل هذا، والظاهر أن الرجل من أهل العلم المنورين، والذين برقت لهم بارقةُ المشرب السلفي (4)، ولعله بواسطة الكتب التي نشرت للشيخين وورثتهما حديثاً، وإلاَّ فالقطر المغربي أعظم قطر يحارب هذا المشرب ولقد طورد السيد عبد الله السنوسي (5) من فاس من نحو خمسة عشر عاماً لميله لذلك، ومدافعته عن السيد صديق حسن (6)، وكان حضر وقتئذ
وحكى لنا غرائب، والله يهدي من يشاء ويختص برحمته من يشاء.
كنت كتبت للحاج مُقبل البحراني عدة كتب وأهديته " دلائل التوحيد" بواسطة البريد، فلا أدري هل ذلك لم يصل أو لم يدر بنا، وعسى بهمتكم و اهتمامكم أن يواصلنا بكتبه، ونُخبره بنموذج مما في " الكواكب ".
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. ....... في 28 من المحرم سنة 1328هـ
.................................................. ........................ الفقير
.................................................. ................ جمال الدين القاسمي
# كان الشيخ مقبل أرسل للمرحوم السّناني صندوقاً من الكتب لتوزيعها بطرفنا من سنين، فعسى بأمركم أن يرسل مما لديه ما يوزع على الطلبة و الإخوان.
.................................................. ...................... جمال الدين
______________________________________
(1) لازال الكلام بين القاسمي والآلوسي مستمراً على رسالة :" إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" لابن القيم.
(2) " مقدمة النووي لشرح صحيح مسلم " ( 1/ 24).
(3) يعني الشيخ جمال الدين: " مجلة الأحكام العدلية "، المشتملة على المعاملات الفقهية، ومسائل الدعاوى، وأحكام القضاء التي أصدرتها الخلافة العثمانية سنة 1293هـ، وقد بُنيت على المذهب الحنفي اعتماداً على كتبه وآراء فقهائه المعتمدة.
(4) هو العلاَّمة المؤرخ النبيه المسند عبد الحفيظ بن محمد الطاهر القرشي الفهري، الفاسي المغربي المولود سنة ( 1296 )، والمتوفى سنة ( 1383هـ) بالرباط، ألّف : " معجم الشيوخ " الذي دلَّ على تفننه في علم الإسناد ويقظته اللامعة ومعرفته البالغة فيه؛ انظر في : " الأعلام " للزركلي ( 3/ 279)، و " شجرة النور الزكية " لمخلوف ( 1 / 434 )، و " الحر العميق " لأحمد بن الصديق ( ص 240 بخط مؤلفه )
(5) هو الشيخ المطلع عبد الله بن إدريس السنوسي المغربي، كان عالماً جريئاً محارباً للخرافات، توفي سنة ( 1350 هـ )، " سل النصال " لعبد السلام بن سودة ( 8/ 3005 ـ المطبوع ضمن موسوعة أعلام المغرب ).
(6) هو أبو الطيب صديق بن حسن خان القنوجي صاحب المؤلفات المشهورة، توفي سنة ( 1307هـ) ؛ انظر ترجمته لنفسه في كتابه : " التاج المكلل " ( ص 541).
 
[align=center](19)[/align]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
حضرة مولانا علاَّمة الأعلام، وحسنة الأيام، وقدوة الخلف، وبركة السلف، نفعنا المولى بمعارفه، وسرنا بلطائفه، وبارك له في الصيام، وأجزل له ثواب القيام، وأراهُ أمثال هذا الشهر سنين عديدة بالخيرات، والبركات المفيدة.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
فإن الحقير كان عرَّفكم بأن كتاب ابن عقيل الذي سماه : " النصائح الكافية" شرعت في نقده؛ ذلك أن مؤلفه راسلني كثيراً، ورغب إليَّ إبداء رأيي في كتابه، فأجبته بأن لي فيه عدة أنظار لا يسوغ السكوت عنها، ثُمَّ أرسلت له النقد في البريد إلى سنغافورة فردَّه، ثُمَّ أرسل يجيب عن بعض مباحثه الأولى بما لا ينقع غلة.
ولما كان الذي عرفني بابن عقيل هو السيد عبد الله بن محمد الزواوي المكي الشهير، وهو صديق لمحبنا محمد النصيف، جرى ذكر هذا النقد في المراسلة للزواوي وللمحب، فرغبا إليَّ في إرساله للمُطالعة فأرسلته، ثُمَّ رده محبنا (1)، وطلب طبعه على نفقته في الشام، فترددت في نفسي، ثُمَّ جرأني أخي الصغير قاسم خير الدين، فتوكلت على المولى، وباشرت بطبعه، وترون نموذجاً منه بين يديكم فأرجو مطالعته، وإعلامي بما ترونه من خطأ أو سهو، ولكم الفضل.
أشار محبنا بأن نطبع منه ألفاً ففعلنا، ثُمَّ أرسل يريد أن يوزع على أهل العلم خمسون نسخة، وأن يرسل إليه البريد ( 250) نسخة، وأن يباع الباقي عندنا ليعود ثمنه شيء على شاطره في طبعه وهو ابن بسام، فأجبته وأرسلت له ثلاثمئة نسخة زيادة عما طلب، وأعلمته بأن رواج ذلك عندنا عسير لاسيما في بلد المؤلف، وشأن المعاصرة معلوم،
وذكرت له أن بعض إخواننا من تجار الكتب لما طبع لنا رسالى : " مجموع الأصول " (2)، و " مجموعة الخطب" (3)، قال لي: إن نَفَاقَ نسخها لم يكن إلاَّ في مصر، وما بيع في دمشق لا يذكر، والنسخ التي احتسب عندنا توزيعها لا تكفي لمعارفنا من أهل العلم والطلبة أرباب المشرب السليم في دمشق.
وقد كان صفينا العلاَّمة الشيخ طاهر الجزائري، يقول: لا ينبغي أن المؤلف ما وراء تأليفه، إذ يكفيه إنهاك قواه فيما جمعه، يقول هذا تنشيطاً لي حينما يراني أكتب ما أكتب، وتنبيهاً لمن يستهم في طبع ما نطبع أن لا نحمل عناءً آخر.
وسلامي إلى بني عمي السادة الأكارم، ولمن حوى المجلس الكامل.
.................................................. ......... في 14 رمضان سنة 1328هـ
.................................................. ............. جمال الدين القاسمي

________________________________
(1) يعني الشيخ محمد نصيف.
(2) مجموع الأصول الذي أعده الشيخ جمال الدين يشتمل على أربع مسائل:
الرسالة الأولى: لابن فورك.
والرسالة الثانية: في أصول الظاهرية لابن عربي.
ورسالة في المصالح المرسلة للطوفي، ورسالة في أصول الفقه للسيوطي، وقد طبعت في المطبعة الأدبية في بيروت سنة 1324هـ.
(3) طبعت مجموعة خطب الشيخ جمال الدين بمطبعة محمد هاشم الكتبي بدمشق سنة 1325هـ.
 
(20)

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة عليم العلم، وبحر العرفان، الأستاذ العلاَّمة الشيخ جمال الدين القاسمي الدمشقي ـ صانه الله من طوارق الزمان، وحفه بنعمه الجليلة الشأن ـ.
سلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تشرفت
في هذه الأيام بكتابكم الكريم مع كتاب " نقد النصائح الكافية " (1)، فرأيته نقد ناقد بصير، وتعقيب معقب خبير، فيه شفاء الصدور، ونفثة المصدور، فبارك الله فيك، ومتع سبحانه المسلمين بدر فوائدك ولآلئك.
وفي أوائل الصيف أحب بعض الأصحاب الكرام وهو محمد بن مانع النجدي المقيم الآن ببغداد (2) أن يرد على كتاب الرافضي المسمى " بالحصون المنيعة "(3) فكتب عليه في أيام معدودات مجلداً ضخماً محص فيه الحق من الباطل، وأبرز ما فيه من الكلام العاطل، وسمى ما كتبه: " صواعق الشريعة في هدم الحصون المنيعة"، وفي عزم مؤلفه أن يرسل منه نسخة مع ابن العم الحاج على أفندي
أحد مبعوثي بغداد عند عوده إلى المجلس إلى الأخ في الله السيد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، فلعله إن راقت لديه يطبعها ـ إن شاء الله ـ، وقد كان العزم عرضها عليكم أوَّلاً فما وفق الله، وهديتكم لنعمان الأعظمي (4) وصلته، وقريباً إليكم عريضة الشكر.
هذا، ونقدم بأيدي التعظيم أوفر التحيات إلى كافة من تحبون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. ................ 8 شوال سنة 1328هـ
.................................................. ........................ العبد
.................................................. ...................... محمود شكري،
* المجلد السادس والثمانون من " الكواكب " عند بعض النجديين، وقد التمسناه منه أن يعيده إلى محله فإنه أحد مجلدات النسخة الموقوفة (5)، فقال: أخاف من شر الحكومة، فقلت له: أرسله لي وأنا أوصله إلى محله، فوعدني بذلك، فإذا أنجز ما وعد أقدمه لكم لتضعوه في محله،
وذكر لي أن كثيراً من مجلداته المفقودة عند النابلسيين فليتكم كتبتم إلى أحد من تعتمدون عليه لبحث من عنده شيء من هذا الكتاب أن يعيده إلى محله حتى تعم فائدته في هذا العصر، ويحذرهم من الله تعالى ومقته.
.................................................. ............................ م
_____________________________
(1) ألَّف العلاَّمة الشيخ جمال الدين كتاباً بعنوان:" نقد النصائح الكافية" وهو رد على كتاب " النصائح الكافية لمن يتولى معاوية" لمحمد بن يحي بن عقيل، وقد طُبِعَ على نفقة الشيخ عبد العزيز البسام ومحمد نصيف، وذلك في مطبعة الفيحاء، بدمشق سنة 1328هـ.
(2) توفي العلاَّمة الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع سنة ( 1385هـ)؛ انظر ترجمته في :" علماء نجد" لابن بسام ( 6/ 100 ـ 113).
(3) هو كتاب:" الحصون المنيعة في رد ما أورده صاحب المنار في حق الشيعة "، لمؤلفه مُحسن الأمين العاملي، مطبوع في مطبعة الإصلاح بدمشق سنة 1327هـ.
(4) هو الشيخ الحاج نعمان بن أحمد الأعظمي، من تلاميذ محمود شكري الآلوسي، توفي سنة ( 1345هـ)، " تاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر الهجري" ( ص 692).
(5) يعني الموقوفة على المكتبة الظاهرية بدمشق، والكتاب هو :" الكواكب الدراري بترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري"، لابن عروة الحنبلي.
 
(21)

بسم الله الرَّحمْنِ الرَّحيمِ
سيدي ومولاي، كوكب عصره، وفريد دهره، أبقاه المولى ناصراً للسنة القويمة، داعياً إلى المحجة المستقيمة، وراثاً نبوياً، هادياً مهدياً..
آمين
سلامٌ عليكم ورحمةُ الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد بعث إليَّ صديقنا محمد أفندي بكتاب :" الفرق بين الضاد والظاء" فشكرت فضلكم، ودعوت لمؤلفه أحمد أفندي (1) بأن ينفعه المولى، وينفع به.
كان قدم من نحو شهر الأخ الأكرم السيَّد مصطفى أفندي، ونزل عند الحاج محمد البسام، فبادر للسلام عليه واغتنام بركة رؤياه، فصادفت عنده جهمياً حشوياً فما أمكن إطاله البحث والتَّساؤل
.
ثم إني انتظرت تشريفه لردِّ الزيارة فلم يفعل، ولم يحفل، فأَسِفتُ لما فاتني وفاته، هكذا أخبرني صديقنا محمد أفندي (2)، مع أنه زاره مرَّتين.
أظن أني كنت عرَّفت سماحتكم في العام الماضي بنسخنا رسالة البركوي ضمَّنها لُباب ما جاء في
" إغاثة اللهفان"(3) من آداب الزيارة وزاد عليها ما يؤيده.
وقد رغبتُ إلى صديقنا محمد حسين نصيف أن يحثَّ الأُستاذ التِلِمْسَاني على طبعها لما أعهده من حُبِه لمثل هذه الآثار التي تخدم السُنة، وتدحر البدع، ثُمَّ عرَّفني النَّصيف بأن التلمساني توجَّه إلى مصر، وصحب الرسالة، فكتبت إليه ثانياً، ولم يحضرني من التلمساني الجواب.
فأرجو أن تكتبوا إليه يحتسب طبعها في مصر؛ لأنها من خير ما ينتفع به، لاسيما وللبركوي مكانة معروفة عند أولئك.
كنت استحسنت ما وقفتُ عليه من الفتاوى في التلغراف في مسألة الصوم والفطْر، وأدرجت شيئاً من ذلك في " المقتبس" كما قرأتموه ، وراقني جُرأة قاضي الإسكندرية (4) على اعتماده؛ لأن التلغراف الرسمي أو الموثوق به مما لا يختلف في أمنه التزوير، وإذا أُدخل في بعض أبواب الأقضية تيسَّر به مرافق لا تحصى، ولكن الجامدين يحولون دون كل حق قديم أو حديث، وقد أُنشِئت عندنا مجلَّة دعوها بـ " الحقائق "(5) احتسب بعض أهل اليسار الاستهام بها ومعاضدتها رداً على المصلحين، وتأييداً للجهمية والقبوريين، فأصبحت مثالاً للجمود وداعيةً للبدعة، وقد أخذ يكتب فيها من يردُّ علينا في هذه المسألة (6)، واتَّخذها أعداؤنا حلبة لسباقهم، وقد سُرَّ صديقنا محمد (7) كما سررت بظهورهم، ووضوح مقدار علمهم، ثُمَّ رأيتُ الأولى جمعَ رسالة في هذا المعنى، وقريباًَ نُمثِلها للطبع، وقد سَبِرتُ فيها نظائر فقهية للوثوق بالتلغراف الرسمي وشبهه من وجوه عديدة، وعدَّلناه بما يشبهه من أحكام التواتر، والاستفاضة، والتعامل والاستقراء والإِجماع الفعلي وغير ذلك.
وكان ارتأى الأُستاذ الأكبر الشيخ عبد الرازق أفندي البيطار أن أُرسل الرسالة بعد تبييضها إلى مشاهير البلاد لأخذ آراء إخواننا الفضلاء في هذه المسألة، وأشار بإرسالها إولاً إلى سماحتكم ثُمَّ إلى الأزهر، والحجاز وغيره، فرأيت الأمر يطول، فاكتفيت بذكر الفتاوى التي وقفت عليها في ذيل الرسالة، ومع ذلك فإن كان لسماحتكم رأي في هذه المسألة ترغبون في نشره فإني أضمّه إلى الفتاوى المذكورة، وكنتم رأيتم من كتب فيها ممن لم نقف عليه، فإني آمل الإفادة عنه، وحبَّذا
أن تتزين الرسالة بفتوى قلمكم الأنور.
كان أطلعني ابن عبد الحميد على سؤال ورغب إليَّ في الجواب عنه، وأسنده إلى أمركم العالي ثُمَّ إنه بلغني أن السؤال أُرسل إلى ابن الشطي فتوقفت بسبب أن هؤلاء لا يفتون إلا بما هو معروف في كتبهم،
فخفت من اختلاف الجواب، ونحن رأينا في هذه المسألة ما قرره شيخ الإسلام، وهذا ما ندين الله به وندعو إليه، ونجيب شفاها به دائماً أو ندل على من يعمل به (8)، وقد عددت هذا نهاية في اللطف والتنزل، وإلاَّ
فكيف يفتى ومالك في المدينة.
سيدي أحب من إخواننا الأحمديين الموسرين لديكم أن ينهضوا لطبع شيء من آثار سلفهم كـ " طبقات أبي يعلى"، و " ذيلها" لابن رجب، وبعض ما لم يطبع من آثار الشيخين، وإني لأعجب غاية العجب من تقاعسهم.
كُنَّا في الأول نشكو من عدم إمكان الطبع والنشر، فها هي وجدت مطبعة الشابندر، وأمكن للنشر فلا أقبل لهم عذراً، وعندي الآن أن خير ما يوزن به المخلص للمذهب، والمحب للمشرب هو من يسعى في نشر آثاره بكل جهده، ولولا علمنا بكثرة المثرين منهم، ووجود من يدعو للحق ويحبه، ويحب أهله لما رجونا، ولكن هم كما نسمع وفوق ما نأمل ـ إن شاء الله ـ.
الأشقاء يلثمون أناملكم، ويرجون دعواتكم، والأُستاذ الأكبر بخير يهديكم عاطر السلام، ومني السلام على الإخوان كافة.
وأرجو تقديم الرسالة لمؤلف كتاب:" فصل القضاء في الفرق بين الضاد والظاء"، وسلامي عليه، ورضي الله عنكم.
.................................................. ............ في 23 ربيع الأول 1329هـ
.................................................. ................... الفقير
.................................................. ................... جمال الدين القاسمي
# وإني أنتظر الجواب بفارغ الصبر، لاسيما في رأيكم في الفتوى عن اعتبار التلغراف في الصيام والإفطار.
.................................................. ............................ م

_________________________________
(1) هو: أحمد عزت الأعظمي البغدادي المتوفي سنة ( 1355هـ)، ذكره الزركلي في "الأعلام" (1/170)، وذكر أن من مؤلفاته: " فصل القضاء في الفرق بين الضاد والظاء"، كما ذكره معزوَّاً إليه صاحب :" معجم المطبوعات" ( 1/ 393)، وذكر أنه طبع سنة 1328هـ ببغداد.
(2) محمد كرد علي.
(3) يعني " إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم، وهو مطبوع مشهور.
(4): الشيخ محمَّد بخيت المطيعي مفتي الدِّيار المصرية وكان إذ ذاك قاضياً في الإسكندرية له عدة مؤلفات، وتوفي سنة ( 1354هـ). " الأعلام" للزركلي (6/ 50).
(5) أنشئت هذه المجلة سنة ( 1328هـ) بدمشق، ورئيس تحريرها عبد القادر الإسكندراني؛ وانظر دراسة تحليلية لمعاداة هذه المجلة لدعاة الإصلاح وعلماء النهضة العلمية :" كتاب الإصلاح الإسلامي" لديفيد دين كومنز، ط. دار المدى للثقافة ( الترجمة العربية) ( ص 191).
(6) هو محمد عارف المنير الدمشقي؛ انظر: مجلة الحقائق ( 1/ 6/ 211 ـ 216).
(7) يعني محمد كرد علي.
(8) يعني الشيخ جمال الدين بهذا الكلام مسألة إذا طلَّق الرجل امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة، فإنها تعتبر طلقة واحدة، وهذا الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ـ رحمهما الله تعالى ـ، ويعني بابن الشطي مفتي الحنابلة بدمشق، فإنهم يفتون حسب المذهب الحنبلي في هذه المسألة، وهو وقوع الطلاق ثلاثاً؛ انظر: " سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث" لابن عبد الهادي ( ص 21، 37).
 
(22)

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حَضْرَة فَخْرِ الأُمَّة، وتذكرة هُداة الأئمَّة، من لا يحيط بوصفِهِ نطاقُ قلمي، علاَّمة مِصْرِهِ الشيخ جمال الدين القاسميّ.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
ففي أسعد ساعة
تشرفت بكتابكم الكريم، وحمدت الله على ما أنتم عليه من الخير.
إنَّ رسالة البركوي (1) التي في آداب الزيارة كنت رأيتها قبل أعوام مطبوعة في العاصمة مع بعض الردود على القائلين بوحدة الوجود، غير أنها مشحونة بالغلط والتحريف، فصححت النسخة على ما في " إغاثة اللهفان"(2)، وأصلحت ما كان فيها من الفساد، ثم نقلها بعض الأصحاب إلى البياض.
وكان قصدي إرسالها إلى مصر ليطبعها فرج الله على عهدته لعين ما عنَّ لكم، وهو أنها من خير ما ينتفع به ولاسيما والبركوي مقبول القول لدى الأتراك، وقوله يُؤثِّر فيهم ما لا يُؤثره غيره. ثُمَّ غفلت
عن ذلك بالكلية، والرِّسالة لصاحبنا محمد حسين (3) لا يكسل عن طبعها، ومع ذلك سأحرر للمومأ إليه عنها وعن غيرها، والفقير حرَّضه وحثَّه سابقاً على طبع كتاب " نقض أساس الرازي " وبعض تفاسير سور من القرآن لشيخ الإسلام، فاعتذر بعدم عثوره علة شيء من ذلك.

وقد ذكر لي بعض من أثق به أن " الرد على الرازي" موجود غالبه في بعض أجزاء " الكواكب الدراري"، وكذلك جملة من تفسير بعض السور حسبما حُرِّرَ في الورقة، فلو أنكم جرَّدتم كل ذلك باستئجار بعض الكُتَّاب لاستنساخه بعد بذل صاحبنا المومأ إليه ما يلزم من المصرف لعظمت منتكم على جميع من يعتني بهذا الشأن، والمقصود إفراد ذلك بالطبع ـ إن شاء الله تعالى ـ؛ فإن كل ذلك كنوزُ مخفيةٌ قد حُرِمت الأُمة من الانتفاع بها قروناً كثيرة(4).
وقد وصلت إليّ رسالتكم في " الجن "(5)، ولقد أبدع يراعكم بها وأجاد، فلا زلتم مظهر الفضائل، ولا بدع إن ظهر مثل هذا النور من أمثالكم أفاضل الشام تحقيقاً لما أخبر به الرسول ـ عليه السلام ـ(6).
وكنت قبل ذلك استفدت من مطالعتها في مجلة المقتبس ودعوت لكم ولناشره، وليتكم نشرتم معها ما ذكره شيخ الإسلام من أحكام الجن في تفسير قوله تعالى :{ يا معشر الجن.....} الآية [ الأنعام: 128]. وهو في المجلد الثاني والأربعين من الكواكب نمرة (24)، ولعل الله تعالى يوفقكم لذلك ولأمثال ذلك مما يستوجب لكم الأجر الجزيل.
أما مسألة الاستفتاء عن الطلاق الثلاث فقد اتفق ذلك لبعض البغدادين، وجاؤوا للفقير مستفتين، فأخبرتهم بأقوال السلف، فطلبوا كتابة فتوى لهم بذلك فلم أفعل، لما أعلم ما عليه مبتدعة بغداد، فأشرت إليهم أن يراجعوا حضرتكم العلية لا غير، لما أعلم ما عليه آل الشطي وغيرهم، فلم أدر ما صنعوا بعد ذلك.
وأما ما ألفتموه في الاعتبار بخبر التلغراف (7) فقد أصبتم المَحَزَّ، فإنهم قد اعتمدو على خبره فيما هو أهم من ذلك، ولا يستغرب ما كان من المخالفين، فإن من أظهر سنة نبوية كان عليها السلف والأئمة عدُّوا ذلك منه من أعظم الكبائر، ولذلك قال من قال:
ورب جوهر علم لم أبوح به *-*-*-* لقيل لي: أنت ممن يَعْبُد الوثنا
وما كتبتموه في هذا الباب عين معتقدي وهو الصواب المستوجب للثواب إن شاء الله، والفقير لم يزل يحث على الأخذ بمثل ذلك(8)، ولكن الأمر كما قيل:
* ولكم أدعو ومالي سمع....*
فباشروا بطبعها على بركة الله وتوفيقه ولا زلتم موفقين.
أحببت أن ينهض الإخوان الأحمدييون بطبع شيء من آثار السلف " كطبقات أبي يعلي"، وذيلها لابن رجب، وبعض ما لم يطبع من آثار الشيخين، ومن لا يحب ذلك، ولكم دعوت وناديت بأعلى صوت فلم يستجب لي عن ذلك المجيب، ورأيت أقرب الناس إلى الخير وأقدرهم عليه الشيخ قاسم (9)، والشيخ مقبل، ومحمد حسين نصيف، وقد كتبت لهم مراراً عن مثل ذلك فوعدوا بما يسر الله لهم الخير.

وقبل أيام طلب مني بعض المثرين النجديين استكتاب " شرح عقيدة شمس الدين الأصفهاني"، للشيخ، فاستكتبته، وصححته بكمال الجد والاجتهاد وأرسلته إليه، وقد التمست منه أن يطبع بمطبعة بولاق
، نسأله تعالى أن يسهل ذلك.
قبل هذا التمست من الأخ العلامة صاحب المقتبس الأغر (10) التفضل ببعض أجزاء مجلة السنة الماضية، فتفضل بالجزء الحادي عشر من مجلد العام.

فأرجو من لطفكم أن تشتروا لنا العاشر، وتتفضلوا بإرساله من غير أن يعلم المُشار إليه، فإني لا أحب تكليفه بمثل ذلك، وقصدي تجليد المجلد، وقد تأخر لذلك.
والفقير يعزم استنساخ بعض الرسائل وتقديمها للمشار إليه غير أن الموانع والأسقام حالت دون الأماني
.
وأسترحم تقديم أزكى تحياتي لحضرته ولكافة من يعز عليكم لاسيما الأُستاذ الأعظم، والملاذ الأفخم، الإمام العلاَّمة الشيخ عبد الرازق أفندي كان الله تعالى له، وأناله من الخير أمله، وأحمد عزت أفندي يشكر فضلكم، ويسلم عليكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. ....... في 22 ربيع الثاني سنة 1329هـ
.................................................. ...................... العبد
.................................................. ..................... محمود شكري،
_______________________________
(1) " رسالة الزيارة" لزين الدين محمد بن بير علي المشهور باسم البركوي أو باسم بيركلي أو بركلي، طبعت هذه الرسالة ضمن مجموع في مطبعة كردستان العلمية بمصر سنة 1329هـ " معجم المطبوعات العربية" لسركيس (1/ 611).
(2) ابن قيم الجوزية.
(3) يعني محمد نصيف.
(4) اهتم العلامة الآلوسي صاحب هذه الرسالة بالغاً بكتاب " نقض أساس الرازي" لشيخ الإسلام ابن تيمية
، فحاول جمع نسخه والعناية به، يقول تلميذه محمد بهجت الأثري في كتابه:" محمود شكري الآلوسي وآراؤه اللغوية" من ضمن كلام له (ص126): " أذكر أوَّل ما أذكر منها قصة نقض أساس التقديس"، من تأليف تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني الدمشقي الإمام المجدد
المشهور، وهو كتاب عظيم حقاً ينقض به ابن تيمية كتاب أساس التقديس لفخر الدين الرازي العالم الكلامي المشهور. وقد تسامع الآلوسي بوجود بعض أجزائه في دمشق ونجد، فجدَّ في استكتابها حتى ظفر بها، ووافق وصولها إليه طلبي أخذ العلم عنه، فجعل شرطه عليَّ نسخ الكتاب وقراءته عليه، لأفيد منه الأنظار الصحيحة في العلم وأصول البحث وطرائق الجدل والاحتجاج، وكان ابن تيمية أعظم فرسان هذا الميدان في الإسلام".
وقال أيضاً: "ولما حاولت الاتصال به والأخذ عنه كلفني نسخ كتاب " نقض أساس التقديس" للإمام شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، وكان قد استكتب منه نحو مجلدين كبيرين وجدهما في الشام وغيرها". ( أعلام العراق له ص 114).
هذا وقد طبع من هذا الكتاب الجزء الأول والثاني بتحقيق محمد عبد الرحمن بن قاسم وذلك في مطبعة الحكومة بمكة المكرمة سنة 1391هـ.
(5) هو كتاب :" مذاهب الأعراب وفلاسفة الجن " للشيخ جمال الدين القاسمي طبع أولاً في العدد ( 1، 2) من مجلة المقتبس التي تصدر في دمشق لرئيس تحريرها محمد كرد علي، ثم طبع مفرداً سنة 1328هـ.
(6) يعني ما ورد من أحاديث في فضائل الشام وأهلها، انظر إن شئت: " فضائل الشام ودمشق" للحافظ أبي الحسن الربعي، ط. المجمع العلمي بدمشق.
(7) هو كتاب " إرشاد الخلق إلى العمل بخبر البرق" للشيخ جمال الدين أيضاً طبع في مطبعة المقتبس بدمشق سنة 1329هـ، كما أن القاسمي ألحق به رسالة أخرى بعنوان:" فتاوى الأشراف في العمل بفتاوى التلغراف".
(8) من قول الآلوسي:" وأما ما ألفتموه....." إلى هنا، ذكره القاسمي في ملحق رسالته السابقة، وهي:" فتاوى الأشراف في العمل بالتلغراف". ( ص 98).

(9) هو ابن ثاني حاكم قطر.
(10) يعني محمد كرد علي.
 
(23)

بسم الله الرحمن الرحيم
كتابي إلى حضرة فخر الأمة، وتذكرة السادة الأئمة، مُقتدى الإسلام، وعلاَّمة دمشق الشام، جناب الشيخ جمال الدين أفندي القاسمي لا زال جمالاً للعلماء الأعلام.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تشرَّفت بكتابكم، وابتهجت بما حواه من بشائر سلامتكم، وقد
كنت اطلعت على كتاب:" الفتوى في الإسلام" لما طبع في مجلة " المقتبس" (1) فرأيته مشحوناً مملوءاً من غرر العوائد، كأنه سبيكة عسجد أو در منضد، ولكن أين السامع والمصغي؟! جزاكم الله عن المسلمين خيراً.
وقد طبع قبل أيام رسالة للشيخ عبد العزيز الكويتي في مسألة تستر النساء (2)، وهو ممن يكاتبني وأكاتبه من تجار الكويت، فكتبت له أن يكاتبكم على الدوام، فأجابني أن البريد من الكويت إلى البلاد غير منتظم، وأعتذر عما أشرت به عليه، وكان قد أعطاني أخوه لما كان في بغداد بعض النسخ من هذه الرسالة، فقدمت لذلك الجناب (3) نسخ، منها نسخة لمنشيء مجلة المقتبس الفاضل الهمام، وقد كتبت لمصنفها ألاَّ يتأخر عن مكاتبتكم ومخابرتكم بواسطة بريد البصرة فلم يردني الجواب، وإذا كاتبكم فاذكروا له ما في خزانة دمشق من كتب الشيخ، فلعله يسعى في نشرها فإنه من أهل الثروة و الرغبة في العلم.
وكنت كتبت مثل ذلك للشيخ مقبل الذكير، وأوصيت بعض المترددين أن يحثه على مكاتبتكم، وأرى أن تكتبوا له كتاباً وتذكروا له ما في الخزانة (3) من كتب الشيخ التي لم تطبع؛ فإنه أسخى العرب وأكثرهم رغبةً في نشر كتب الشيخ، وتُبينوا له أن الذي رغبكم على مكاتبته فلان فيمتليء سروراً بذلك لمزيد محبته في العلم وأهله.
وإذا أمكنكم ذكر أسماء الكتب الموجودة في الخزانة فنورٌ على نور، والحاصل أنكم ابتدؤه، بالمكاتبة، وإن لم يبدأكم، والعنوان هكذا إلى البحرين، والحاصل أنكم مقبل الذُكَيْر من أعيان التجار الكرام.
كما أنكم تذكرون له عنوانكم ليكتبوه على ظرف كتابكم، وإن شئتم أن تكتبوا للشيخ قاسم بن ثاني أمير قطر السلفي الشهير فاكتبوا له بواسطة الشيخ مقبل فإنه شريكه في التجارة، والكتب التي تطبع مصرفها من الشيخين.

ولقد أسفت على وفاة الشيخ مصطفى الحلاق (4) تغمَّده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته، ومن اليقين عندي أن الله سبحانه يقيض من ينصر الحق في كل عصر وزمان، ولا تزال طائفة من الأُمة ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله. على أن مثل لسان المرحوم (5) المشار إليه أو لسان ابن حزم لا يكفي، ويصد أهل الغيّ عن غيّهم لسانٌ، بل الذي يردعهم سيفُ الحجَّاج ووخز السِّنان.
كُلّ قَوْمٍ لهم نذيرٌ ولكن *-*-*-* خُلِقَ السَّيْفُ للئيمٍ نذيراً
ولابد أنكم سمعتم قول حسان بن ثابت ـ رضيَ الله عنه ـ:
دعا المصطفى دهراً بمكة لم يجب *-*-*-* وقد لان منه جانب وخطاب
فلما دعا والسيف صلت بكفه *-*-*-* له أسلموا واستسلموا وأنابوا
أمَّا " تاريخ نجد " (6) فلم يطبع منه غير الجزء الأول بطبع رديء، ولا أظن أن الجزء الثاني يُطبع، طابعه كذَّابٌ أشر، على أن الكتاب قشور لا لب فيها، وقد أُلِّفت عدة تواريخ في نجد كلها أحسن مما طُبِعَ.
هذا ونُهدي السَّلام إلى كافَّة من تحبون
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. .............. غرة شعبان سنة 1329هـ
.................................................. .................. الفقير إليه تعالى
.................................................. ..................... محمود شكري،
# كتاب " الطريقة المثلي"(7) الذي تفضلتم به قبل وصل، ونشكر متوان فضلكم جزاكم الله عنَّا خيراً.
.................................................. ............................. م
_________________________________
(1) نشر هذا الكتاب في مجلة " المقتبس" سنة 1329هـ، ثم طبع مستقلاً.
(2) هي رسالة: " تحذير المسلمين عن اتباع غير سبيل المؤمنين" للشيخ عبد العزيز الراشيد البداح صاحب كتاب:" تاريخ الكويت" المتوفى سنة ( 1356هـ)، وقد طبعت هذه الرسالة في مطبعة دار السلام ببغداد سنة 1329هـ.
(3) يعني دار الكتب الظاهرية.
(4) هو الشيخ مصطفى بن علي الحلاق، عالم أثري من أصدقاء القاسمي، توفي سنة ( 1329هـ)، ترجمته في:" تعطير المشام في مآثر دمشق الشام" للقاسمي (3/ 25).
(5) يعني الشيخ مصطفى الحلاق؛ فإنه كان ـ رحمه الله ـ شديداً في الحق لا يحابي ولا يجامل فيه.
(6) هو :" عنوان المجد" لعثمان بن بشر، وقد طبع الجزء الأول منه للمّرة الأولى في بغداد سنة 1328هـ.
(7) " الطريقة المثلى
في الإرشاد إلى ترك التقليد" لصديق حسن خان، طبع في الآستانة سنة 1296هـ. " معجم المطبوعات العربية" (2/ 1203).
 
(24)

بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة مولانا، ناصر السلف، قدوة أكابر الخلف، نفعنا المولى بإفاداته، وبارك لنا بإرشادته، آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فإن الفقير حظي من مدة بمراسلات المولى التي تفضل بإهدائها، فَشَكَرَ الله لُطفه وفضله، وذكراه لمخلصه وخليله، أما أولئك الذي يَتَطَفَلَّون
على التآليف فيكفيهم ما يرونه الآن من ضحك العقلاء عليهم، والهُزء بهم، وزهادة أكثر مُريديهم في الحقيقة فيهم، فيكف بما سيأتي من الزمان، وبغير مريديهم؟ وا أسفاه على ضيعة الطُّروس، والتعب في صف السطور، وذهاب ما بذل في نشرها من سُدى، نعوذ بالله من ضلال الأحلام والأعمال، وزعم السيء حسناً ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أرسل من أيام الأستاذ التِلِمْسَاني يُبَشِرني بتمام طبع المجموعة (1) التي منها رسالة البركوي التي عنيت بتصحيحها، وكنت حذفت اسمي من عنوان التصحيح التي نقل في طبعها في الطُرَّةِ عن خطي تباعداً أن يكون لنا يد في نشرها فتنال حظوة أعلى.
ثُمَّ سيدي ظفرت
في هذه الأيام بمجموعة في خزانة أصدقائنا بني الشطِّي أعارنيها جميل أفندي الشطي من الأدباء المتنورين الملازمي بعض دروسنا ومجامعنا (2) وجدتها محتوية على:" قاعدة في أنَّ جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه "(3) في نحو ثلاث كراريس لشيخ الإسلام، وعلى :" مختصر رد الشيخ على البكري" في نحو عشر كراريس، مأخوذ عن تاريخ ابن كثير، لأن عنوانه: قال ابن كثير في :" تاريخه" ثُمَّ ذَكَرَ ترجمة البكري و الرد عليه.
وعلى فتوى الشيخ في :" مسألة الذبائح" (4)، وعلى :" فضل طواف الحائض، والجنب، والمُحدِث"(5)، للشيخ، منقول عن خط ابن القيم في ستة كراريس.
رأيت أهم ذلك ردّه ـ رحمه الله ـ على البكريّ، فهل يوجد الأصل بتمامه عندكم أو عند أحد؟ فإن كان فأرى من الضروري أن يطبع على حدة (6)، وأن يشوَّق لذلك من ترون من السلفيين، وأرى إذا طبع أن يطبع بقطع النصف بحرف رقيق ليخف حمله ويستصحب.
وأمَّا طبع مثله بحرف الشيخ فرج الله فمضيع له، ولذلك تأسفت على طبع مجموعة الرسائل الجديدة بالحرف الكبير لاسيما بذاك الحجم، نعم يحسن هذا القطع بمثل:" فتاوى الشيخ".
أمَّا الرسائل
وما يراد تبادل الأيدي له، وتسهيل الوقوف عليه فيجدر أن يكون بقطع صغير وحفر مثله، وحبَّذا أن يوفق في العراق من يحتسب هذا الخير فيطبعه عندكم بمطبعة الشابندر وحرفه، ويقوم سيادة مولانا على تصحيحه.
حضر في رمضان الشيخ قاسم آل إبراهيم إلى الشام فذهبت بصحبة الأستاذ الكبير الشيخ عبد الرازق البيطار ومعنا صديقنا محمد أفندي كرد علي للسلام عليه، وكانت المذاكرة في رحلته، ففاتحته فيما جد في ( بمبي ) بلده من مطبوعات السلف، فما فقه المرام، فأحجمت عن الاسترسال وظننته يحرص على الاجتماع ثانية لأفاتحه، وإلى الآن لم أره ثانية.
والفقير ليس ـ بحمد الله ـ من مشربي الحرص على السعي لمثل هؤلاء؛ لأنه تعالى ولله الحمد والمنة زَهَّدني وسَلفي (7) من إكبارهم، ولذا ينقم علينا وجهاء الشام انقباضنا عنهم إلا من كان على مشربنا، وقليل ما هم، لما يرون من اندفاع غيرنا على رحابهم، إلاَّ أني رأيت السيد رشيد
رضا نوَّه به في المنار، فظننت أنه يرجع لعلم، ولو كان عندنا في الشام أمثال المرحوم السناني أو الروَّاف لربما كان يتوهم فيه دلالته على مثل هذا المجموع الذي نوهت به يطبع على نفقته؛ لأن الرجل على ما بلغني سمح، إلاَّ أنَّ أمثالنا لا يمكنه القيام بذلك، ولم يسبق أن تعرَّف به، ولا ثمة مُعرِّف.
كتاب :" التلغراف" على وشك تمام الطبع، وقد آثرت من كتاب مولانا في مسألة التلغراف جملة جعلتها ـ مع أخواتها مما روسلت به في المسألة من الأعلام ـ مسك الختام
.................................................. .......... في 12 شوال سنة 1329هـ
.................................................. ................ جمال الدين القاسمي
_______________________________________
(1) يحتوي هذا المجموع على الرسائل والكتب التالية:
1- الرد الوافر، لابن ناصر الدمشقي.
2- القول الجلي في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية، لصفي الدين البخاري.
3- الكواكب الدرية في مناقب ابن تيمية، لمرعي الكرمي.
4- تنبيه الغبي في الرد على المدراسي والحلبي، لأحمد بن عيسى النجدي.
5- رسالة الزيارة، للبركوي.
6-
عقيدة ابن قدامة المقدسي.
7- فائدة في عد الكبائر، للحجاوي.
8- عقيدة أهل الأثر على سبيل السؤال والجواب، لأبي الخطاب الكلواذني.
9- ذم التأويل، لابن قدامة.
وقد طبعت بأمر الشيخ عبد القادر التِلِمْسَاني بمطبعة كُردِستان العلمية سنة ( 1329هـ).
(2) هو: الشيخ محمد جميل الشطي، تولى إفتاء الحنابلة، له عناية بالتاريخ والأدب، وقد أخذ عن الشيخ جمال الدين القاسمي، وله بعض مؤلفات، كما نشر بعض الآثار العلمية الحنبلية، توفي سنة (1379هـ)، انظر ترجمته لنفسه في آخر كتابه: "روض البشر في أعيان دمشق في القرن الثالث عشر" ( ص 267)، و " الأعلام" للزركلي (6/ 73).
(3) ذكره الشيخ محمد بن عبد الله المعروف بابن رُشيق المغربي في :" أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية" ( ص 244)، المطبوع ضمن :" الجامع لسيرة ابن تيمية".
(4) المصدر السابق.
(5) مطبوع ضمن :" فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" ( 26/ 176).
(6) اعتنى العلاَّمة القاسمي بهذا الكتاب، حيث قام بنسخه تلميذه الشيخ حامد التقي، وكتب الشيخ جمال الدين بآخره:" بلغ معارضة على أصل مخطوط جيد في مكتبة الأفاضل بني الشطي، وتمت المعارضة في 25 جمادى الثانية سنة 1330هـ، وكتبه جمال الدين القاسمي"، وقد أرسل هذه المنسوخة إلى الشيخ محمد نصيف، وقد طبع الكتاب سنة 1346هـ على نفقة الملك عبد العزيز آل سعود، ثُمَّ طبع مرة أخرى على المخطوطة السابقة ومخطوطات أخرى بدار الغرباء بالمدينة، بتحقيق محمد عجال سنة 1417هـ.
(7) يعني جده ووالده.
 
(25)

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى المولى الهمام، مقتدى الإسلام، ومرجع الخاص والعام، جناب الشيخ جمال الدين أفندي القاسمي ـ فسح الله في مدته، ونفع المسلمين بعلومه.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تشرفت بكتابكم، وانشرح الصدرُ بخاطبكم، ولا زلتم بهجة للأيام، وزينة للأنام، وبركة على توالي الأعوام، أما بشارتكم بتمام طبع المجموع فقد بشرني بذلك فَرَج الله زكي قبل شهر، وطلب :" شرح الأصفهانية" ليبادر بطبعها فاستنسخها له وأرسلت بعضها والباقي قريباً أرسله، وذكر أنكم أرسلتم أيضاً، وذلك لتكون الصحة أكمل، وهذا الكتاب من أجل الكتب، ومباحثه مفيدة جداً لاسيما مباحث النبوة كما أخبر ابن القيم في " نونيته".
و " رسالة البركوي" كنت صححت منها نسخة على مبحث الزيارة.
من كتاب " إغاثة اللهفان"، فإن البركوي نقل كتابه منه، وكان القصد طبعها في بغداد، فالحمد لله على أن يسر هذا الأمل بمساعيكم الخيرية، غير أن طبعها بالحرف الجليّ غير مناسب، والفقير أكره أن أنظر بما طبع بهذا الحرف، ومن يعترض على فرج الله في ذلك يلمزه، وقد كنت أوصيت ابن نصيف أن لايطبع عنده شيئاً من الكتب، بل يطبع ببولاق كما طبع " المنهاج" غير أن الأمر كما قيل:
ولكم أدعو وما لي سامع...
ولقد فرحت بظفركم بمجموع الشطي يسر الله تعالى لنا ولكم السعي بنشره، وطبع " نقض أساس التقديس" فإن طبعه من أهم الأمور لاسيما بعد طبع الأصل، وليتكم استخرجتم نسخةً منه، والأمل بالله أن يوفق قريباً من يقوم بأعباء طبعه وطبع "شرح العمدة"، و "رد الفلاسفة"، ورد " المنطق "وهذه الكتب المهمة من كتب الشيخ، وكتبت في ذلك لعدة أناس ممن أظن أنهم يلبون ندائي ويجيبون سؤالي وما توفيقي إلا بالله.
ولي صديق
من أفاضل المستشرقين الباريسيين جاء إلى بغداد قبل نحو خمس سنين ونزل دار في جوارنا، واسمه لويس ماسنيون له ميل عظيم للإسلام،
وأظنه مسلم في الباطن غير أن أباه من أهل الثروة
ويخاف إن أظهر الإسلام يحرم من ثروة أبيه، وهو الآن يؤلف كتاباً في الحلاج، ويجمع ما قيل فيه جرحاً وتعديلاً، وقد جمع نقولاً كثيرة فيه من جميع أقطار الأرض، فما أدري هل يوجد في دمشق بعض الرسائل في الحلاج؟ وقد كتبت له أن يكاتبكم ويراجعكم أحياناً، وهو على جانب عظيم من محاسن الأخلاق مع كونه شاباً، حتى إنه قال: إنه إلى يوم الملاقاة لم يزن ولم يشرب الخمر، ولم يفعل شيئاً محرماً في دين الإسلام، وأنَّه يكره النصارى وعوائدهم، وأعمالهم، فالمرجو أنه إن كاتبكم فأجيبوه.
وقد كتبت للشيخ علي بن سليمان النجدي (1) نزيل البصرة وهو معتمد آل إبراهيم وشيخهم ومُقتداهم أن يرغبهم على طبع المجموعة الشطية (2) وغيرها، فنرى ماذا يجيب به ـ إن شاء الله ـ.
وعندي أن طبع كتاب " نقض أساس التقديس" أهم من غيره لاسيما بعد طبع " الأساس"(3) وانتشاره، ولا شكَّ أنكم وقفتم على هذيانه، وقد كان الروَّاف كتب لي أن عنده بعض أجزاءه، فهل يمكن استكتاب ما يوجد منه في " الكوكب الدراري أم لا؟ وأي مقدار يوجد منه؟ فلعل الله تعالى ييسر طبعه وطبع " ردّ المنطق" و " الفلاسفة" و " شرح العمدة"؛ فإنها من أجل كتب الشيخ.
وقد كتبت أيضاً في ذلك إلى معتمد الشيخ مُبارك الصباح أمير الكويت أن يرغبها على طبعها، فأجابني
أنهم لم يعثروا على شيء منها، لا في نجد ولا في الهند، ولا في أقطار أخرى.
هذا وأفكار المسلمين اليوم في العراق وما جاروه في اضطراب وزلزال من حادثة الطليان خذلهم الله تعالى، ونصر المسلمين عليهم، ويُخشى على العراق أن يحل عليه ما حل على طرابلس، لاسيما وقد حدا الإبل غير حاديها، والعدوّ يتربص بنا الدوائر، ونحن ساهون لاهون.
نسأله تعالى أن يحسن العواقب.
والمرجو من ألطافكم عرض التحيات والأشواق إلى كافة من يعز عليكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. ........ في 3 ذي القعدة سنة 1329هـ
.................................................. ............... العبد الفقير إليه تعالى
.................................................. ................... محمود شكري الآلوسي،
.................................................. ......................... عُفِيَ عنه

_______________________________
(1)هو: الشيخ علي بن سليمان بن حلوة آل يوسف التميمي النجدي، البغدادي مولداً وموطناً، أحد تلاميذ الآلوسي، له مؤلف بعنوان:" أربح البضاعة في معتقد أهل
السنة والجماعة"، توفي سنة ( 1337هـ). " علماء نجد" لابن بسام (5/ 195).
(2) كان عند آل الشطي مجموع يشتمل على عدة رسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية كما أشار إلى ذلك الشيخ محمد جميل الشطي في مقدمة طبعه لـ :" مقدمة أصول التفسير" (ص2)، ط. الترقي بدمشق 1355هـ، وانظر ص 162.
(3)
" أساس التقديس" في علم الكلام لفخر الدين الرازي، طبع في مطبعة كردستان العلمية بمصر سنة 1318هـ.
 
(26)

باسمه سبحانه وبحمده
حضرة مولانا علامة الأعلام، وبقية السلف الكرام، السيد محمود شكري الآلوسي، بارك المولى بحياته، وأمتع ببقائه، آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
فقد قرأت مجلة " لغة العرب" بناءً على انتقال زهرة الشرفاء السيد محمد ثابت الدين إلى رحمة الله ورضوانه
والفوز بكرامته ـ إن شاء الله ـ وجنانه، فأسفت يعلم الحقُّ غاية الأسف على أُفول شمسه، ورزئنا بوحشة الفضل بعد أنسه، وكنا نؤمل به آمالاً كباراً، ولكن كان أمر الله قدراً مقدوراً، أسأله تعالى أن يهب لمولانا جزيل الأجري بجميل الصبر، وأن يحفظ أسرة فقيدنا وأنجاله وعياله، ويبقي سماحة سيدنا كوكباً لسماء هذه العائلة، ويحرس مقامه وحضراتهم من كل سوء وغائلة، ويمتع المسلمين ببقائه ودوام ارتقائه.
سيدي إن صاحب مجلة العرب (1) كان تفتضل بإهدائها إليَّ وإلى أخي صلاح الدين منذ ظهورها، وقد شكرت له هديته وتحفته، وأرسلت له من مدة نسخة من كتاب :" التلغراف"، وسررت الآن بتقديمكم العدد
المشتمل على ترجمة فقيد الأدب والشرف قدَّس الله روحه (2)، لأني سأقدمه لسماحة مولانا الشيخ عبد الرازق البيطار ليضم الترجمة إلى " تاريخه"(3).
وودت لو أن أرسل لسماحتكم عدَّة من نسخ كتاب " التلغراف"، أو أن نتعرف بأحد من تجار الكتب في بغداد لنقدم له نسخاً منها مع المحمولات التجارية، إلاَّ أنه من الأسف أن غالب من يتعاملون عندنا من تجار بغداد يغلب عليهم الجمود، فلا صلة لنا معهم، ولا أعرف أحداً منهم معرفة الصحبة والصداقة، ولعليَّ أُرسل إلى عبد اللطيف بن عبد الحميد البغدادي عندنا فأُذاكره فإني لا يتفق لي أن أراه في الأعوام إلا صدفة واتفاقاً.
وقد كنا استهمنا مع بعض الإخوان ليطبع هذا الكتاب إلاَّ أن حجمه كَبُرَ بعد، وبقى علينا لإدارة طبعه ذمة تقرب من ثلث أُجرة طبعه.
ولئن كان ما يباع منه عند تجار الكتب لايفي بالمطلوب إلاَّ أنه ربما سد ثلمة، ولقد كان يقول الشيخ طاهر الجزائري:" لما كان عندنا بدمشق: أما يكفي فُلاناً أن ينفق من زمانه وقوته لتقوية الحق ومقاومة الجمود حتى يحمل هم نفقة لإظهاره؟! فأين الإنصاف؟
وبالجملة فالحالة عندنا عجيبة جداً، والعتب كله على عدم مؤازؤة مثري السلفيين لأهل مشربهم والمستعان الله.
كتب إليَّ الشيخ فرج الله أن أُرسل إليه ما لدينا من تتمة :" شرح العقيدة
الأصفهانية" المنسوخة من الخزانة (4) ليقابلها مع ما تفضلتم بإرساله منها وقريباً نرسلها له إن شاء الله تعالى.
حضرني جواب من الشيخ مقبل الذكير وفيه شكوى مما ناله في هذه الأعوام، ونال الشيخ قاسم الثاني أمير قطر، ووعد أنه إذا آنس يسراً وحسن حالاً أن يخابرنا، ثم ذكر لي أن أعلمه إجمالاً بما يكلف طبع تلك الآثار المنوعة، فقلت له في الجواب: إن هذا لا يمكن تقديره، بل لايطبع بمقدار ما يرسل إن كثيراً أو قليلاً؛ لأن لدينا من آثار الشيخ (5) صغيراً وكبيراً، وأشرت عليه أن يرسل إذا آنس سعة مقدار مائة جنيه، وتكون المعاملة
على أصولها من أخذ الوصولات من النساخ باستيفاء أجورهم، وكذلك من مديري المطبعة، وكل ما يكلف يحفظ في دفتر مخصوص فعسى أن يتفضل المولى عليه.
يهمني الآن طبع كتاب:" الرد على البكري" وهو وإن كان أورد ابن كثير جله ولم يورده بتمامه إلاَّ أن الفرح بطبع ما وجد حتى نظفر بأصله لا يعادله شيء، والانتفاع بما فيه في هذه المدة لا يقدر قدرها، ولم أزل بانتظار من يستجيب لمولانا ممن كاتبه.
وأرجو النيابة عني في تعزية أسرة فقيدنا روَّح الله روحه ورضي عنه.
.................................................. ...... في 29 ذي الحجة سنة 1329هـ
.................................................. ................ جمال الدين القاسمي
______________________________
(1) هو أنستاس الكرملي.
(2) ترجم له كاظم الدجيلي في مجلة لغة العرب (1/ 226 ـ 233)، وهذه الترجمة المقصودة في هذه الرسالة.
(3) يعني كتابه في التراجم :" حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر"، وهو من مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1383هـ.
(4)يعني الظاهرية.
(5) يعني شيخ الإسلام ابن تيمية.
 
(27)

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة شيخ الأفاضل، وقدوة الأماثل، أستاذ المعقول والمنقول، ومرشد الطالبين إلى الفروع والأصول، فخر دمشق الشام، بل وذخر حلب ودار السلام، الأخ في الله الشيخ جمال الدين القاسمي متع الله
الله المسلمين بإفاداته، ونور قلوب الموحدين بأنوار تقريراته وتحريراته.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تلقيت اليوم كتابكم الكريم المؤرخ في أواخر ذي الحجة الحرام، وقد اشتمل على ما جبلتم عليه من المودة الحقيقية، وكدركم مما كردنا من تلك الفاجعة المقضية، ولاشك أن المودة في الله بين الإخوان تشاركم في المسرات والأحزان، وتساهمهم في حالتي الرجاء واللأواء، وطوراق الزمان، فأسأل الله تعالى أن يجزيك عني خير الجزاء، ويمتعني بحياتك مشمولةً بالنعم والآلاء، وأن لا يفقدك من أحبتك أحداً، ولا يريك سوءاً أبداً.
والمخلص الآن مشتت الفكر مشوش البال من جهة أطفال المرحوم(1)، فقد أرسلت من يجلبهم إلى وطنهم، وقبل ثلاثة أيام وصلوا ولله الحمد سالمين، وقد اشتغل فكري في تهيئة ما يستوجب راحتهم، وعمهم الآن في إسلامبول، وليس لهم من يقوم بأمرهم.
والحمد لله
على ما قدر وقضى، فإن سهام المصائب لم تزل تتوارد عليّ يميناً وشمالاً، حتى صرت للنوائب جملاً ركوباً.
ولقد أراني للرماح دريئة *-*-*-* من عن يميني مرة وشمالي
وقد، والله سئمت من الحياة والبقاء في هذه الدار، وقد أصبحت مصداقاً لقول المتنبي:
كفى بك داءاً أن ترى الموت شافياً *-*-*-* وحسب المنايا أن يكن أمانيا
ومع ما أنا عليه من البلاء فقد كلفتني الحكومة بتكاليف تشق عليَّ وليست من مسلكي، كامتحان طلبة العلوم المقيدين في بغداد وملحقاتها المطلوبين للعسكر، وحضور بعض مجالسهم؛ فضاق وقتي لذلك أشدَّ الضيق؛ وذلك علاوة على غوائل التدريس في مدرستين.
هذا، ومنشيء " مجلة العرب" أحياناً يتردد إليَّ، فإذا اجتمعت به أذكر له ما أمرتم، وسيوالي ـ إن شاء الله ـ إرسال مجلته إليكم، وهو الآن يسعى بإصلاح حروفها وورقها ليجعلها مجلة تذكر، وأسأله عما تفضلتم به عليه من أثركم الجليل، فإن وصل إليه أعرض ذلك إلى حضرة الأُستاذ.
وأما ما تفضلتم به على المخلص فقد تشرفت به، وفي العزم وضع إحدى النسختين في خزانة كتب المعارف العمومية.
وما ذكرتم عما كتب إليكم الشيخ مقبل فقد أخبرني بذلك، وسأُحَرِّرُ له الجواب على وفق ما تحبون ـ إن شاء الله ـ.
و" رد البكري" كما أنكم مهتمون بنشره كذلك الفقير، وقد كاتبت بعض علماء نجد على استنساخه فوعدوا ولم يفوا، حتى أن حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب شيخ النجديين كتب لي قبل أشهر كتاباً ذكر لي فيه أن عندهم من كتب الشيخين ما ليس عند أحد، وقال: أي كتاب تريده منها فنحن نرسله إليك مع كمال المسرة.
وطلب مني بعض الكتب فأرسلتها إليه، وطلبت منه أن يستكتب لي بعض مؤلفات شيخ الإسلام ومنها " رد البكري" فلم يردني جواب إلى الآن.
وكذلك كتبت إلى حائل فإن بعض علمائها عدة نسخ فلم تسمح نفوسهم بنسخة منها، وإني لم أرَ مثل هؤلاء القوم في الشح أحداً، أصلحهم الله.
وقبل نحو شهر ورد الروَّاف صاحبكم المعهود من حائل وظفر ببعض مجلدات "الفتاوى المصرية"
ونسخ أخرى لشيخ الإسلام، فطلبت منه أن يقوفني عليها، فقال: بقيت في حائل وسترسل إلى بغداد وتصل إليك، وعلمت أن ذلك دفع منه، ورأيت عنده " الإشارات الإلهية"(2) للطوفي وهو كتاب غريب في بابه، وقد سافر إلى حلب في أواسط ذي الحجة، وقصده السفر إلى مصر لأجل طبعه.
وقد عرضت لكم سابقاً إني كتبت لبعض أصحاب آل إبراهيم أن
يحثهم على طبع بعض كتب الشيخ وسائر الكتب السلفية بعض متقدميهم كـ:" تفسير عبد الرازق"، ونحوه وكتاب:" المغني"، و " الخرقي " (3)، فأجاب قائلاً:
ذكرتم من جهة آل إبرهيم ربما يتيسر طبع بعض الكتب السلفية على يدهم، فالمخلص حريص على ما تحرصون، ولكن سيدي من خصوص الشيخ قاسم الذي كان في السياحة، وهو رجل تاجر، له في الخير بعض المآثر، إلاَّ أنه لا يرى لطبع الكتب مقاماً، فليس هو أهلا ً لأن نتذاكر معه في هذا الباب، وأما غيرهم ففيهم أمل أكيد غير أن كتب الراد والمردود لا يميلون إليها، فإذا يحصل كتب ما فيها من منافع للناس، ولم يكن فيها ما يرفع الاستئناس فنحن ـ إن شاء الله ـ ما نبقى من الاجتهاد شيئاً أبداً، فبينوا
للفقير ما ترومونه من طبع الكتب العامة النفع لنخاطبهم بذلك. انتهى.
هذا ما كان من الجواب مع أني كتبت له أسماء كتب كلها تفيد جميع المسلمين، فتبين أن كلامي مع أمثال هؤلاء لا طائل تحته، والله سبحانه إذا أراد شيئاً هيأ له أسبابه.
قبل أشهر كلفني بعض الأحبة من بلاد بعيدة إفراد كتاب فيمن أثنى على شيخ الإسلام من أكابر هذا العصر، فكتبت إلى من أعرفه من أفاضل الهند وغيرهم أن يكتب كل واحد منهم شيئاً فيما يراه في شأن الشيخ وما له في ذلك من النظم أو النثر، فوردني من ذلك شيء كثير يحتمل مجلدات، وأنا أنتهز الفرصة من نوائب الزمان لجمع ذلك، وأظن أن في عزمه طبعه، فأود أن يكتب الأخ في الله ما يتيسر له من ذلك مع التفضل بملخص ترجمته، ومثل ذلك من علامة هذا الزمان، ومأوى الفضل والعرفان فريد الأقطار، الشيخ عبد الرازق أفندي البيطار، ولكم عزمت على عرض أشواقي إليه، وتقديم دعواتي الخيرية بين يديه، فما ساعدتني الأيام، وحالت دون آمالي الأسقام والآلام، واكتفيت بذلك الجناب، أن يؤدي عني ما يليق بتلك الأعتاب.
وإذا رأى المولى أن يكتب بعض العبارات كالاستفتاء عن ذلك الشيخ الجليل وعما هذى به خصومه عليه، ويرسله إلى أكابر علماء دمشق، ومن يراه أهلاً لذلك، فيكتب ما يسنح له من الرأي فعل ـ إن شاء الله ـ.
وأما ما ذكر الأخ في الله عن منظومة صاحب بيروت (4) فلا يهمه شأنها؛ غير أني أرجو من فضله التفضل بنسخة منها إن حصلت، وإلاَّ فالرجاء أمر أحد الطلبة باستنساخها يعينها على عجرها وبجرها والتفضل بإرسالها.
هذا، وأسترحم تبيلغ أشواقي إلي من يعز عليكم من الأعزة الكرام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. . ليلة الخميس 12 من المحرم سنة 1330هـ
.................................................. ............... الفقير إليه تعالى
.................................................. ................... محمود شكري الآلوسي،
# أسترحم عرض أشواقي إلي الفاضل محمد أفندي صاحب مجلة " المقتبس" الغراء، وتعتذر لي من حضرته من عدم موفقيتي لخدمة مجلته في هذه السنة، وكان في العزم استنساخ بعض رسائل ابن دريد نادرة فلم يتيسر كاتب، والكتاب استغنوا بمناصب الحكومة، ولم
أجد فرصة لكتابتها بيدي، وقبل رمضان عثرت على :" كتاب النساء" للفاروقي فكتبت ما قدم للحضرة، وكنت أود أن أشفعه بشيء فأخرته إلى اليوم فلم أجد فرصة، فأرجو إرسالها إلى منشيء المجلة وأنتم بخير.
.................................................. ................................ م
______________________________
(1) يعني عمه السيد محمد ثابت الدين.
(2) لهذا الكتاب عدة نسخ خطية ذكرها الدكتور محمد الفاضل في مقدمة تحقيقه لكتاب:" الصعقة الغضبية" للطوفي (1/144) كما حققه محمد كمال في كلية دار العلوم بالقاهرة لنيل درجة الماجستير سنة 1369هـ، ولم يطبع بعد. " دليل رسائل الماجستير والدكتوراه في دار العلوم" (ص 69).
(3) يعني:" مختصر الخرقي" في الفقه الحنبلي، وقد طبع هو والكتب السابقة مراراً.
(4) يعني يوسف بن إسماعيل بن يوسف النبهاني.
 
(28)

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ في الله علامة العصر جمال الدين أفندي القاسميّ.
أطال الله تعالى بقاء المولى الأجل، وشيَّد أركان مجده بتأييده عزَّ وجل، وعمر به رباع العلوم الدارسة، وجدد بفضله سبل الرشاد الطامسة، آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تشرفت بما تفضلتم به من التصانيف الجديدة، المشتملة على المطالب المفيدة، لازلت ناظماً لدرر الإفادة، وناثراً فرائد العلوم على بُسُط الاستفادة.
وقبل ذلك وصل إلينا نسخة من :" الرائية الصغرى " من نظم النبهاني(1)، وقد صادف ورود كل ذلك ما أصابنا من المصيبة الأخرى، وهي وفاة أحد أنجال فقيدنا ابن العم (2) المرحوم، وهو محمد عطاء الله وعمره نحو خمس عشرة سنة، أصابته الحمى المطبقة بعد الوصول إلى الوطن بنحو عشرة أيام، وبقيت ملازمة له نحو عشرين يوماً لم تنفك عنه ولا لحظة ولا نجح فيها دواء حتى أسكنته الثرى فجر يوم الأحد أوائل صفر،
ولم ينقطع جري الدمع على والده، ولم تنطفيء نيران الوجد عليه، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون.
وقد أحرق ـ والله ـ كبدي فقد هذا الطفل، وآيسني من العود إلى رغد العيش لما كان عليه من الفطنة والذكاء و التقوى والعبادة، فقد داوم على الصيام والقيام منذ كان عمره سبع سنين، وكان أشبه إخوته بوالده خَلقاً وخُلقاً وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومما زاد كدري وهمي حادثة المرحوم السيد حسين صنو أخينا في الله السيد رشيد رضا(3)، صب الله سوط عذابه على قاتله، ولم أقف على تفصيل الحادثة، ولم أعلم السبب، فصبراً على ماقضاه وتسليماً لما أمضاه.
وقد وردني من العلاَّمة منشيء :" المقتبس" ما يشعر بوصول ما قدمته إليه بواسطتكم، وطلب إشفاعه بما وعدنا، والله أيها الأخ لو علم ما أنا فيه لعذرني وأمهلني، فإني الآن في حال أكاد أذهل عن نفسي،
وأغيب عن حسي، ولولا الضرورة ما حركت بناناً، ولا أطلقت لساناً، حتى أني في خجل مما كتبت لحضرة العلاَّمة الأُستاذ الكبير جواباً لكتابه الكريم مما أرجو غض الطرف عن قصوري.
.................................................. .......... في 20 صفر سنة 1330هـ
.................................................. ...................... العبد
.................................................. ................... محمود شكري،
________________________________
(1) " الرائية الصغرى" و " الرائية الكبرى"، الأولى طُبعت في تونس والأخرى طبعت في مصر، وكلاهما تأليف يوسف بن إسماعيل النبهانى المتوفى سنة ( 1350هـ)، صاحب كتاب :" شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق ـ صلى الله عليه وسلم ـ".
وكتاب : " جامع كرامات الأولياء".
يقول العلاَّمة محمد كرد علي
في كتابه :" المعاصرون": (ص 431):
:" وللمترجم ـ يعني الآلوسي ـ مع الشيخ يوسف النبهاني جولات في الشرع، هذا يثبت في كتبه ضروباً من البدع التي لم يقل بها الإسلام، والشيخ ـ يعني الآلوسي ـ يرد عليه في مجلدات، ويبين له حُكم الكتاب والسنة وآراء عُظماء الملة.
وظهرت في ردوده هذه مكانته من استبطان الشريعة، وآرؤه في الإصلاح الديني".
(2) يعني عمه السيد محمد ثابت.
(3) انظر؛ مجلة المنار ج15، ص78، 97، 236، 313، 458، 466 ، الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي ص 187.
 
(29)

بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة مولانا علاَّمة الأعلام، وبقية السلف الكرام، نفع الله بعلومه الأنام.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
فقد وصل مرسلكم الكريم
، ومُهداكم الفخيم، وهو:" شجرة الرياض"(1)، فجزاكم المولى وجامعه خير الجزاء، وأوفى لمقامكم تمام النعماء، سررت بما شرع فيه من معارضة النبهاني من أولئك الأماثل الأبطال، أبقاهم المولى نصراء للحق تجري بفضلهم الأمثال.
أفضت بي النوبة في قراءة :" صحيح البخاري" من نحو شهرين إلى كتاب التوحيد والرد على الجهمية، فرأيت قصوراً من الطلبة عن تعرف الفرق الإسلامية، وما كان لها من الأنباء، وأسفت أن أصبح من يدري ذلك في قلة، ويوشك بعد مودة أن لا يعرف أحد من السلف إلاَّ الاسم، وكذا من غيرهم، وأذكر أن بعض الإخوان كتب يسألني مرة عن مشهور يقيم في بعض الثغور هل هو سلفي أو خلفي؟ فأسفت بأن أجيبه بأنه صحافي فحسب، لا يدري والله من السلف ولا من الخلف أمراً إلاَّ يتسامعه أو يقرأه إن نظره اتفاقاً في بعض الكتب.
ولقد وصل ضعف العلم في هذه البلاد أن بعض من رشحه والٍ للإفتاء، هو صديق لنا في بعض السواحل، قال لي:" أراكم في تأليفكم

تنحون نحو الإغماض، وكان قرأ جملة أمامي من:" رد النصائح" فلم يمكنه إكمالها فإن لم يغثنا المولى بمن يأخذ بيد العلم والعلماء، وإلاَّ فأرى أنه ما بعد هذه البقية إلاَّ دولة الجُهلاء الأدعياء.
وبالجملة أسفت جداً لحالة الطلبة عندي، وبالأحرى عند غيري، فجهدت نفسي لجمع مقالة في الجهمية، وضممت إليها أنباء المعتزلة لتشاركهما في كثير من القواعد الأصولية، وقد عنيت بالتنقيب جهدي، ومع كثرة البحث ومراجعة تراجم رجال كثير من المعتزلة جمعت أوراقاً ربما نطبعها في : "مجلة المقتبس" بعد أن أعيد عليها النظر.
ولقد أسفت جداً لما وقع من الفريقين الأثرية السلفية، والجهمية المعتزلة من التنابز بالألقاب، و إغراء كل من الأمراء بمن يخالفه والإيقاع بمن دالت عليهم الدولة، وقد أشرت لذلك في تلك المقالة، شأن كل مؤرخ.
دعاني لهذا رجائي لسماحتكم إن كان يمكن تعريفي عن أخبار الجهمية والمعتزلة أو طبقات رجالها، أو من كتب
في شأنها؛ لأقتبس من ذلك، فقد رأيت ابن خلكان يعزو في ترجمة ابن أبي دُؤاد إلى كتاب :" أخبار المتكلمين" (2)، فلا أدري أيوجد منه نسخة أم فُقِدَ مع ما فقد مما ذخره سلفنا؟!
لا زلتم مرجعاً للمستفيد محفوظين بعين عناية المولى المجيد.
.......................................... 4 ربيع الثاني سنة 1330هـ
.............................................. جمال الدين القاسمي
# إن وافق رأيكم الكريم على تسمية الكتاب بالاسم التالي هو:
" الآية الكبرى على ضلالة النبهاني في الرائية الصغرى" فلا بأس به لصراحته في المقام ووضوحه في جهة الرد، والرأي لمولانا رعاه الله"(3).
____________________________________
(1) هو: كتاب " شجرة الرياض في مدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفياض"، لمؤلفه محمد بن طاهر السماوي العراقي." الأعلام للزركلي (6/ 173، 174).
(2) هو:" المرشد في أخبار المتكلمين"، لأبي عبد الله المرزباني، ذكره كما قال القاسمي. ابن خلكان في:" وفيات الأعيان" (1/81).
(3) في هذه الرسالة مشاورة بين القاسمي والآلوسي في تسمية ردّ من قبل الشيخ محمد بهجة البيطار ـ تلميذ القاسمي ـ على النبهاني، وقد استقر الرأي على
تسميتها بـ :" الطامة الكبرى على صاحب الرائية الصغرى"، انظر ( الرسالة (32)).
 
(30)

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة سيد الأفاضل، ومقتدى الأماثل، ومحيي ما اندرس من مآثر الأوائل، جناب العلاَّمة جمال الدين أفندي القاسميّ الدمشقي متَّع الله المسلمين بحياته.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تشرفت بكتابكم الكريم، الناطق بسلامة ذلك الأخ الحميم، فالحمد لله على نعمه وفريد آلائه وكرمه، وقد ذكرتم فيه أنكم عزمتم على
تصنيف كتاب في الملل والنحل، وما ذلك بأول بركة ذلك المولى المفضل، فلا زلتم للدين أعظم ركن مكين.
وقد كان قبل نحو شهر في بغداد أحد أفاضل النجف ومجتهديها الأكابر، وقد جاء إلى دارنا بحسب صداقتنا القديمة وهو أحد عُشَّاق الكتب، فذكر لي أن عنده كتاباً من مصنفات الإمام الغزَّلي في الملل
والنحل، وأطنب في وصفه وتقريظه، ونسخة الكتاب نادرة جداً، قال: وقد أطنب في بيان أحوال الباطنية والجهمية وأمثالهم.
والتمست منه أن يستنسخه لي، فوعدني بذلك، والمشار إليه عاد إلى النَّجف فإذا أنجز وعد نخبركم ـ إن شاء الله ـ.
وسمعت أن رشيد رضا يعزم السَّفر إلى البلاد الهندية بدعوة من أحد
أكابرهم، ومقصوده المرور على دار السلام في الذهاب والإياب، كذا أخبرني بعض الأصحاب عن كتابه إلى نقيب بغداد الكيلاني..
وحيث العبد الفقير في شغل شاغل لم يمكني بسط الكلام، وعليكم منَّا التحية والسلام.
.................................................. .............. 19 ربيع الثاني سنة 1330
.................................................. ...................... العبد
.................................................. ................... محمود شكري،
 
(31)

بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة إمام الهدى، الشيخ جمال الدين، جمَّل الله تعالى بوجوده الدين والدنيا.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تشرفت بكتابكم الكريم مع ما انضم من النظم المزري بعقد الدر اليتيم، لا فضَّ الله فم قائله، وبعد إصلاحه
نُزيِّن به صفحات الكتاب، ـ إن شاء الله ـ.
وقبل هذا قدمنا لكم بعض ما نظمه أدباء العراق ضمن كتاب من المطبوعات الجديدة المفيدة، وأراكم لم تشيروا إلى صول ذلك إليكم وأظنه ذهب أدراج الرياح، فإن كان الأمر كذلك نكرر الإرسال ـ إن شاء الله ـ.
وبهذه المرة قدمنا لكم ما نظمه بعض الأصحاب من نزلاء البصرة حالاً، وكان قد قرأ على الفقير برهة من الدهر وهو من خيار الناس علماً وعملاً (1).
وقد وردني من الأخ السيد رشيد رضا كتاب مؤرخ 18 جمادى الأولى يذكر فيه رحلته الهندية، ويقول:" إنه في هذا التاريخ توجه إلى الكويت ومنها يتجه إلى البصرة ومنها إلى بغداد، وقال: إنه اختار دار النقيب محطاً لرحاله لأمر رآه، ونحن نترقب وروده بغداد اليوم أو غداً ـ إن لم يتأخر في الحجر الصحي ـ حيث ظهر في هذه الأيام طاعون البصرة، وقي الله الجميع شره.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. .... في 7 جمادى الآخرة سنة 1330هـ
.................................................. .................... الفقير
.................................................. ................ محمود شكري،
# أرجو تبيلغ أشواقي إلى حضرة الأُستاذ الأعظم (2)، ولولا كثرة غوائلي لشكرت فضله على ما أبدعه حفيده (3) حفظه الله.
.................................................. ..............................م
___________________________
(1) هو الشيخ علي بن سليمان النجدي.
(2) يعني الشيخ عبد الرازق البيطار.
(3) يعني ما نظمه الشيخ محمد بهجة البيطار في الرد على النبهاني.
 
(32)

بسم الله الرحمن الرحيم
أيَّد الله تعالى المولى عَلَمَ العِلْمِ والعِرْفان، وملجأَ أهل التَّوحيد والإيمان، كَنْزَ الدَّقائق، وفاتح رموز الحقائق، جمال الإسلام والدين، وناصر سنة سيد المرسلين، فسح الله تعالى في مدته، وأمتع أهل الحق بإفادته.
سلامٌ عليكم ورحمةُ الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد ورد كتابكم المبجل، وخطابكم الأمثل، وسرَّنا ما ذكرتم فيه مما حل يصاحب بيروت، وكنا سمعنا بذلك على الإجمال، ولم نعلم سبب ما حل به من النكال، وقد تبين أن الرسائل لم تصل إليكم.
وقد سافر عبد اللطيف الشيخي يوم الاثنين عاشر جمادى الآخر وأرسلت معه نحو تلك الرسائل لكم ولحضرة الأُستاذ البيطار، وقد طبعها ابن العم في الآستانة، وهي ليست بذات أهمية فلا يؤسف عليها إن ضاعت، ولم يتيسر استكتاب ما نُظِمَ في النبهاني حتى نقدمه لكم (1)، وها أنا أنتهز الفرض لذلك.
وأما منشيء المنار الأغر، وعلامة هذا العصر
، فقد شرَّف بغداد صباح يوم الأحد 23 جمادى الأُولى ونزل ضيفاً عند نقيب بغداد، وقد سرَّتنا رؤيته وفرح بقدومه أهل الإيمان واليقين غير أنَّا لم نؤد ما يجب له، ولم نتمتع برؤيته حسبما نروم، فقد صادف تشريفه شدة الحر في بغداد، وانحراف مزاجه الكريم بحمى البَصرة، وحرِّ العراق، وبعد أن شافاه الله تعالى لم يلبث إلاَّ بضعة أيام، وقد سافر يوم الاثنين مع جملة من مبعوثي العراق، وعبد اللطيف وجماعة أخرى إلى حلب، أصحبه الله تعالى السلامة والتوفيق.
وقد كان تشريفه إلى ديارنا نعمة غير مترقبة، وليت ذلك كان في فصل الخريف أو الشتاء، فإن قيظ وصيفها مما لا يتحمل، وعلى كل حالٍ نرجو الله أن يوصله إلى وطنه قرير العين، فإني رأيته من الرجال الذين تعقد عن ذكرهم الخناصر عزماً وحزماً، وكمالاً وعلماً، كثَّر الله أمثاله في المسلمين.
وقد وردني كتاب من لويز ما سنيون (2) يشكرني على تعريفي إياه بكم واستفادته من مكاتبتكم، وهذا الرجل
من أهل الصدق و الوفاء له ميل عظيم للإسلام، وإن لم أقل إنه من المسلمين، لم يزل يكاتبني أينما حلَّى وارتحل.
هذا وأرجو دوام توجهاتكم، وتوالي بشاراتكم مع العفو عن القصور في عدم توالي معروضاتي لكثرة المشغولية، وزيادة الحرِّ، ورحم الله امرءاً غفر.
وأسترحم عرض أشواقي واحترامي وسلامي لحضرة الأُستاذ العلاَّمة الشيخ البيطار وجميع من تحبون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
....................................... 11 جمادى الآخرة سنة 1330هـ
.................................................. ...... العبد
.................................................. محمود شكري،
# بعد الفراغ من كتابي هذا ورد كتاب من السيد رشيد يخبرني فيه بوصوله إلى الفلوجة(3)، وأنَّه في صحة، وعافية تامة ولله الحمد على ذلك.
.................................................. ..........م
_____________________________________
(1) بعد أن نظم النبهاني رائيته الصغرى والكبرى رد عليه جماعة من العلماء، فألف الآلوسي صاحب هذه الرسالة كتاباً بعنوان:" الآية الكبرى على الرائية الصغرى"، كما ردَّ عليه نظماً الشيخ محمد بهجة البيطار العالم الدمشقي وعنوان رده "الطامة الكبرى على صاحب الرائية الصغرى "، والشيخ محمد بن حسن المرزوقي، والشيخ سليمان بن سحمان النجدي، والشيخ علي
سليمان اليوسف التميمي. ( ذكر ذلك العلاَّمة الأثري في :" أعلام العراق " ص 141)، وممن رد عليه نظماً الشيخ المؤرخ إبراهيم بن عيسى النجدي.
(2) لويس ماسنيون ( Louis Massignon)، مستشرق فرنسي، ولد سنة 1299 هـ، من أعضاء المجمعين العربيين في دمشق والقاهرة، تعلم العربية، والفارسية، والتركية، والألمانية والإنكليزية، كان منقباً للآثار، عني بالتصوف وعلى وجه الخصوص بالحلاج، فقد نشر له:" الديوان" وكتاب:" الطواسين"، وكانت له مواقف جيدة في قضيتي استقلال المغرب والجزائر، وقد لقي العلاَّمة الآلوسي واستفاد منه، كما تعرَّف بالعلامة القاسمي عن طريقه، وبالطبع سأله عن الحلاج وأضرابه، كما يلاحظ من رسالة الآلوسي هذه ورسالته السابقة (رقم 25) أنه كان يأمل فيه الإسلام، ولكن هذه طريقة أهل الاستشراق في تقربهم إلى العلماء ليحصل هم ما رحلوا لأجله، وقد كتب الأستاذ ظافر القاسمي مقالة عن ماسنيون أبان فيه عن حب ماسنيون للمسلمين ودفاعه عنهم إلاَّ أنه لم يذكر أنه أسلم؛ انظر:" مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق" (38/ 160)، وانظر كذلك الأعلام: للزركلي (5/247).
(3) الفلوجة: بلدة تبعد عن بغداد 60 كيلاً تقريباً.
 
(33)

بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي العلاَّمة الأوحد، والعلم المفرد، نفعنا المولى بعلومه، آمين.
سلامٌ على المقام السامي ورحمةُ الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تناولت اليوم هديتكم الجميلة المحتوية على تلك الرسائل الجليلة، فشكرت عنايتكم على المدى بمخلص ودكم، جزاكم المولى عنَّا أحسن الجزاء، آمين.
نَجَزَ ما كنت أهت فيه من :" تاريخ الجهمية والمعتزلة "، ولعله يطبعه صديقنا محمد أفندي في مجلته، فإنه وعد بذلك قبل رحلته الأخيرة، ولمَّا يره.
وأما الآن فإني أهتم بجمع كتاب في إثبات الشرف من الأمهات؛ لأني ظفرت بفتاوى للمالكية، ورسالة لابن سودة من أعلام فاس، ومن الأسف أني لم أظفر على من تكلم على هذه المسألة بإسهاب من الحنفية والشافعية، مع أنها شهيرة الذكر، ويشير كثير من العلماء إلى قصص مع الخلفاء في هذا الباب إلا أن المواد مفقودة.
وقد مكثت من أيام مع صديقنا مفتي الحنفية بدمشق قريباً من ساعتين أراجع معه مطولات كتب مذهبه، فلم نعثر على من بسط ذلك، ولا من أسهب، ثُمَّ رأيت من عزا الفتوى بها للشرنبلالي فبقيت أنتظر مراجعة رسائله، وهي موجودة عند المفتي، وأظن شُرفاء الإمامية يعنون بهذا البحث، فقد قرأت في بعلبك بعد العيد عند السيد جواد عالم الإمامية ثمَّة في:" شرح اللمعة الدمشقية"(1) قول المرتضي في اعتماده ذلك، ولعلَّ له تأليفاً فيه.
وبالجملة فعسى مولاي أن يتحفني بما يقف عليه، ويأمر أحد تلامذته بكتابة ما يمكن نقله، فإني في تشوف ليتمم الرسالة حيث موادّها كملت، ولم يبق إلا تبييضها، ويكون ذلك من عظيم أياديه عندنا، والله يحفظه ويقبقيه لنا نداً وذخراً.

كأني فهمت ممن أوصل هديتكم أن الأمانة عنده من رمضان، وقد جمجم في الاعتذار فقاتل الله أمثال هؤلاء الذين لا يعرفون للأمانة قدراً، ولقد خجلت وايم الحق جداً من تأخر الجواب لذلك.
على أنه في هذا العام عراني في العشر الأخير من رمضان مرض انحرف فيه المزاج بسبب التهاب اللوزتين، وحضر في الأصناء الشيخ فرج الله زكي الكردي من المدينة، وعادني ثلاث مرات كل يوم مدة إقامته، واجتمع بالأستاذ الكبير عندنا، وقد شرَّف للعيادة، وقد أسفت لزيارته دمشق وأنا في هذا الحال؛ إذ لم أتمكن من معاوضته بشيء مما كان يمكمننا إطلاعه عليه من الخزانة العمومية، على أنه لم يُطل المقام مع أني حرَّضته على الإقامة إلى انقضاء العيد فأبى.
ثُمَّ بعد العيد ذهبت إلى بعلبك فحلب، وأقمت بحلب أربعة أيام، ونزلتُ عند صديقنا الحاج محمد الضالع (2)، وزرت مكتبتين نفيستين:
الأولى: في المدرسة العثمانية(3)، وقد رأيت من كتبها:" الصواعق المنزلة على الجهمية والمعطلة" لابن القيم،
في نسخة خط بديع يغلب عليه الصحة (4)، وقد حرضت الضالع على نسخه، فعساه
يستجيب، ولعلكم تحرضونه على نسخه لتكثر عندنا نسخه، وقد بلغني أن محمد حسين ناصيف اشترى نسخةً منه فعساه يوفق لطبعه؛ لأنه لم يؤلف مثله في مناقشة المؤولين.
ورأيت في خزانة مدرسة الأحمدية (5) تسعة أجزاء من :" تاريخ ابن كثير "(6)، وليست الكتاب كله، ونفائس أخرى لا يتسع الكتاب لبسطها.
وكان ذكر سيادتكم
في حلب في مجامعنا يزين حسنها، أدامكم المولى كوكباً في سماء الفضل والفواضل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................................. ... في 5 ذي القعدة سنة 1330هـ
.................................................. ................جمال الدين القاسمي
______________________________
(1) هو: " الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية" للعاملي.
(2) ذكره الطباخ في :" إعلاء النبلاء" (7/ 550 ـ 555) وكان مما قال في ترجمته:
" هو الحاج محمد بن محمود المعروف بالضالع، التاجر الأديب، كان والده من القصيم من بلاد نجد فانتقل إلى بغداد ثُمَّ إلى حلب واستقر بها، وكان قد أخذ العلم على بعض علمائها، وطالع الفقه الحنبلي، ثم أكبَّ على مطالعة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه المحقق ابن القيم وغيرها من كتاب السلف، وأخذ في الانتصار لهم، واجتمع لديه مكتبة نفسية حوت الكثير المفيد، وكان داعية إلى مذهب السلف، شديد الإنكار للبدع، وكان رقيق الحاشية، حسن الأخلاق مستقيماً في أحواله وأطواره، حسن المعاملة في تجارته"، وكان بينه وبين العلاَّمة محمود شكري الآلوسي مراسلات علمية حول الكتب توفي سنة (1337هـ).
(3) نسبة إلى باني هذه المدرسة وهو عثمان باشا الدروكي، المتوفي سنة ( 1160) بحلب المحمية، وهي من أعظم وأوسع مدارس حلب الشهباء في غابر الزمان.
انظر؛ :" إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء" لشيخ شيوخنا محمد راغب الطباخ ( 3/ 258وما بعدها).
(4) طبع القسم الموجود من الكتاب عن هذه النسخة ونسخ أخرى الدكتور علي بن محمد الدخيل الله، ونشرته دار العاصمة بالرياض سنة 1408هـ.
(5) نسبة إلى واقفها، وهو القاضي أحمد أفندي بن طه زاده، المشهور بالحلبي، المتوفى سنة (1177هـ)، وهذه المكتبة أعظم مكتبة في حلب الشهباء وأنفسها؛ انظر بإفاضة :" إعلام النبلاء " للطباخ (7/ 69 ـ 78).
(6) طبع الكتاب عن هذه النسخة ونسخ أخرى بتحقيق الدكتور عبد الله التركي، ونشرته دار هجر بالقاهرة سنة 1417هـ.
 
(34)

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الإمام، وعمدة العلماء الفخام، ومرجع الخاص والعام، ناصر الدين المبين، وناشر هدى سيد المرسلين، جناب الشيخ جمال الدين، متَّع الله بطول حياته المسلمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد شرَّفنا كتابكم، وآنسنا خطابكم، حيث كان القلب في ألم، والفؤاد في سقم، بسبب وفاة عمنا المبرور السيد أحمد شاكر (1) في إسلامبول وذلك بُعَيد عيد الفطر، وكان آخر من بقى من الأعمام، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون، وبقى الفكر مضطرباً من جهة عائلته وأولاده، وقد سافروا قبل أيام منها، وقد وصلوا الآن إلى حلب، ولم يستقر البال بعدُ إلى أن يلطف الله بهم ويوصلهم إلى وطنهم بالسلامة، وهكذا أحوال الدنيا وغاراتها، ولم يستقر البال منَّا مما كان في العام الماضي، فالله الأمر من قبل ومن بعد.
والمُخلص منذ مدة لم يُراجع كتاباً، من الفواجع العمومية والخُصوصية، ومما حلَّ بالإسلام وبلادهم مع ما أنا فيه من الغوائل والموانع، وكثرة الأشغال.
وقد اتفق عند ورود كتابكم حضور الحضرمي مصنف كتاب :" النصائح الكافية" (2)، وقد جاء لزيارة مشاهدة من العراق من أهل البيت فقرأته له(3)، فذكر أن في خزانة كتبهم التي في حضرموت مجموعاً مشتملاً على عدة رسائل في إثبات الشرف من الأمهات إحداها للسيوطي، وثانيتها للإمام الشعراني، والثالثة للشيخ محيي الدين بن العربي، وأخرى ناقصة
لم يدر ولم يتخطر لمن هي.
وسمعت أن للشوكاني كتاباً سماه:" در السحابة في مناقب القرابة والصحابة" (4)، قد استوفى فيه مطلبكم كل الاستيفاء، و لعل في صنعاء اليمن عدة نسخ منها، وكذلك في البلاد الهندية، أما في بغداد فلم أعثر على نسخة منها.
وقد تعهد محمد بن عقيل الحضرمي باستنساخ المجموع الذي في خزانة كتبهم، ووعد أن يكتب في ذلك لبعض أقاربه في وطنه، وهو قد سافر عن بغداد، ووردني منه كتاب يُشعر بوصوله إلى البصرة بتاريخ 6 ذي الحجة، وأن المجموع إذا تمَّ استساخه يرسله إليكم رأساً، فكاتبوه عن ذلك وأرسلوا كتابكم إلى سنكافور
(5) إلى محمد بن عقيل.
وقد وردني منظومات (6) عديدة أدرت استكتابها وتقديمها إليكم فلم يتيسر لنا كاتب ووقتي ضيق لم يمكني استنساخها فكتبت منها منظومة واحدة للشيخ سليمان، وقدمتها لكم وهو من أفاضل الرياض (7)، له عدة ردود ومصنفات كثيرة، فمتى وجدت فرصة أكتب لكم الأُخر إن شاء الله.
وشعراء العراق نظموا في هذا الباب شعراً خالياً عن المسائل العلمية لأنهم ليس لهم وقوف على مثل هذه المطالب.
وشكرت فضلكم على إهداء نسخة من :" جلاء الأوهام" للحاج مختار (8)، وبعد مطالعة نبذة يسيرة
منها حمدت الله سيحانه على العافية مما ابتلي هذا الرجل وأمثاله من الغباوة والضلالة.
هذا وأرجو العفو عن تأخُّر الجواب، فإنك لو علمت ما أنا عليه لعذرتني.
......................................... 18 ذي الحجة سنة 1330هـ
.................................................. .... العبد الفقير
.................................................. . محمود شكري،
______________________________________
(1) هو السيد أحمد شاكر، أصغر أعمام الشيخ محمود شكري الآلوسي، انظر؛ ترجمته في:" أعلام العراق" ( ص83).
(2) تقدم الإشارة لهذه الرسالة ( في الرسالة رقم 19)، ومؤلفها هو محمد بن عقيل، من الزيدية، مع تشيع ظاهر وعدوان سافر على الصحابي كاتب الوحي وخال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، وقد حاول أن يظهر ويدعي الإنصاف وأنه من محبي الأثر مُصانعة للشيخ جمال الدين القاسمي وغيره من علماء العصر، وهو مؤلف:" العتب الجميل على الجرح والتعديل"، الذي خالف فيه السبيل، كما كان يرى إسلام أبي طالب عمّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه صحابي، إلى غير ذلك من
الآراء مع صحبته لأحد كبار الشيعة وهو محسن الأمين، توفي سنة 1350هـ، ( انظر؛ ترجمته في مقدمة كتابه العتب الجميل ص5، وما بعدها، ط. مؤسسة البلاغ بيروت).
(3) يتضح من رسالة الآلوسي هذه أن القاسمي طلب منه الإشارة إلى المصادر الواردة في إثبات الشرف من جهة الأم، وذلك أنَّ العلاَّمة القاسمي ألف رسالة بعنوان:" شرف الأسباط" طبعت في دمشق سنة 1331هـ.
(4) طبع هذا الكتاب بدار الفكر سنة 1404، بتحقيق حسين بن عبد الله العمري.
(5) أي: سنغافورة.
(6) يعني المنظومات التي ردَّ بها جماعة من العلماء على النبهاني في رائيته الصغرى.
(7) هو: الشيخ سليمان بن سحمان النجدي، توفي سنة (1349هـ)، انظر؛ ترجمته بإفاضة في :" علماء نجد خلال ستة قرون"، لابن بسام (1/ 279ـ 281)، وقد سقطت ترجمته من الطبعة الجديدة من كتاب :" علماء نجد" فاقتضى التنبيه
على ذلك.
(8) هو: كتاب:" جلاء الأوهام عن مذاهب الأئمة العظام والتوسل بجاه خير الأنام" لمختار بن الحاج أحمد العظم، طبع في دمشق سنة 1330هـ، " معجم المطبوعات العربية" (2/ 1715)، وانظر" الأسرة العظمية
" لعبد القادر العظم (ص55).
 
(35)

بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي الأُستاذ علاَّمة الأعلام، وبقية السلف الكرام، بارك المولى في حياته، ونفع الأمة بإفاداته، آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
فقد حَظِي الفقير بما تفضل به مولاه الكبير، من كتابة المنظوم بخط
يده المباركة، وعدَّه من الآثار التي سيحتفظ بها، ويزين به خزانته، والمأمول أن يراها من مثيلاتها مطبوعات، وفي الأيدي منشورات بحوله تعالى وقوته.
كدَّرنا وايم الحق جداً نبأُ انتقال سيادة العم المعظم فعوضه الله الجنة، وأتم له في عليين الفضل والمنة، وسلم آله وأنجاله، وسلم سيادة خاتمة أحزانهم، وأنالهم أجزل ثواب الصابرين.
أرجو من السيد محمد بن عقيل
أن يفي بما وعد، وقد حررت له كتاباً، ولا أدري هل يعرج على الشام؟ وهل فاتح مولانا بذلك؟ ولعله يتمم رحلته بما هنالك، وكان أرسل لي من أول تعرفي به عنوانين مطبوعة بالإنكليزي إليه، وله مودة وإلف يشف عن إخلاص.
تم كتابي:" شرف الأسباط"، وقد وقفت على تبييضه انتظاراً لورود ما عند عند ابن عقيل حسبما وعد، فإن فعل فالفضل لمولانا أوَّلاً وآخراً,
والسلام.
............................................ في 3 المحرم سنة 1331هـ
.................................................. جمال الدين القاسمي
 
(36)

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة المولى، [ الذي ] استرق الفصاحة فهي طوع لسانه، واستعبد حر البيان فهو منقاد لبنانه، العلاَّمة الشيخ جمال الدين القاسمي، صانه الله تعالى من كل ما يصمي ويصبي.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فالمعروض إليه، وإلى الله نعمه عليه، أني تشرفت بكتابه، فأزال عن القلب مزيد اكتئابه، وحمدت الله على سلامته، ودوام نعمته.
أما السيد محمد بن عقيل فلم يردنا عنه خبر بعد كتابه الذي أرسله من البصرة أثناء عودته إلى محل إقامته، فلا أدري أين هو الآن؟ وأظنه لا يعرج على دمشق ولا غيرها من البلاد الشامية في هذه الأيام، ولم يفاتحني في ذلك بل كان مقصده العود إلى البلد الذي كان مقيماً فيه، وتعهد لي أن يكتب إلى بعض أقاربه أن يستكتب لكم الرسائل المعهودة، فما أعلم هل ينجز وعده أم لا؟ ورأيته من الثقات الأخيار، والله أعلم بالأسرار.
وقد ألَّف أبو السعود أيضاً في ذلك رسالة و أظنها عند محمود الشابندر، وهو الآن ليس في بغداد بل في أورفا (1)، ولعله يعود أواخر الشتاء، وذكر لي خطيب القادرية ومدرس المرادية السيد محمد سعيد أن عنده مجموعاً مشتملاً على بعض الفتاوى، ومنها فتوى لأبي السعود(2) في ثبوت شرف الأم، ثم نقلها وأرسلها للفقير، فوجدت فيها بعض الأغلاط، وتحريفاً ظاهراً، فقلت له: قابلها على الأصل، فقال: قابلتها والأصل هكذا فقدمتها لكم بخطه، وكتبت وراءها ما ذكره العلاَّمة الجد في تفسير قوله تعالى: { ومن ذريته داود وسليمان} الآية من سورة الأنعام ففيه ما يفيدكم على اختصاره، وفي " تفسير النسفي " في هذا المقام أيضاً ما يفيدكم فراجعوه، وراجع تفسير الجد عند الكلام على قوله تعالى: { وما كان محمد أبا أحد من رجالكم }، وعلى قوله تعالى: { فقل تعالو ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية.
وقد ذكر ابن عابدين في باب الوصية للأقارب بحثاً مفصلاً مما يتعلق بهذه المسألة(3)، وقد خالف كالشارح ما ذهب إليه أبو السعود العمادي وفي " الفتاوى الخيرية " (4) نحو ما في :" التنقيح المنقول" عن الشيخ ابن حجر المكي في :" التحفة"، أو :" الصواعق" أو غير ذلك (5)، ورأيت رسالة لبيرم مطبوعة في مصر (6) مشتملة على ما يجب للأشراف.
وقد ذكر هذه المسألة واختار ما اختاره العِمادي، ومن جملة دلائل المسألة دخول أولاد البنات في قول الواقف على أولادي وأولاد أولادي، ولاشك أن الأستاذ وقف على جميع ذلك، إلاَّ أني ذكرت ما ذكرت امتثالاً للأمر.
أما العرب فلم يكونوا يعدون أبناءً البنات لهم، وقالوا في ذلك على ما يعلمه المولى (7):
بنونا بنو أبنائنا، وبنتانا*-*-*-* بنوهن أبناء الرجال الأباعدِ
هذا، والمخلص مضطرب البال، ضيق الصدر جداً جداً مما حلَّ ببلاد المسلمين من البلاء، واستيلاء الكفار عليها، والفشل الذي أصاب الفسقة المرتدين عن الإسلام، فما ندري، ماذا نعمل، وقد أحاط الكفر بجميع بلاد المسلمين؟ وأصبحت على خطر عظيم لاسيما العراق من عدوين للدين: الروس والإنكليز، وهي مصيبة وأي مصيبة ليس لها من
دون الله كاشفة، وذلك تحقيق لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إذا ضنَّ النَّاس بالدينار والدرهم، وتبايعوا العينة، وتركوا الجهاد في سبيل الله سلَّط الله عليهم بلاء لا يرفعه حتى يعوداو إلى دينهم "(
8).
والمرجو تبيلغ أشواقي إلى العلاَّمة الأُستاذ الأعظم وحفيده(9) وجميع من يعز عليكم، ولعل كتبي بعد هذا تبطيء عليكم فقد أحيل إليَّ بعض الأمور التي تضيق عليَّ وقتي وتعوقني عن تحية جليس.
والله المسئول أن يعيننا على ما يحب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.................................... في 23 من المحرم سنة 1331هـ
............................................... المخلص الفقير
.................................................. ... م
__________________________________
(1) تقع شمال الحدود السورية بحوالي (50) كيلاً.
(2) هو: أبو السعود العمادي، له الفتاوى العمادية وسماها:" مغني المفتي عن جواب المستفتي"، توفي سنة (1171هـ)، "سلك الدرر" للمرادي (2/ 11 ـ 19)، و" معجم المؤلفين " لكحالة (3/180).
(4) " الفتاوى الخيرية لنفع البرية" لخير الدين بن أحمد الحنفي، مطبوع.
(5) انظر تفصيل ذلك في :" شرف الأسباط " للقاسمي ( ص34، 35، 36).
(6) وهي بعنوان:" رسالة في أحكام الأشراف آل بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ" لمؤلفها محمد بيرم الخامس التونسي المتوفي سنة (1307هـ)
(7) هذا البيت لا يعرف قائله، وقد أجابه عليه ورد الاستدلال به القاسمي في :" شرف الأسباط" (ص19).
(8) أخرجه أحمد في :" مسنده" (2/ 28، 42، 81)، من حديث ابن عمر، وهو حسن بطرقه.
(9) يعني الشيخ عبد الرازق البيطار، وحفيده الشيخ محمد بهجة البيطار.
 
(37)
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة مولانا الإمام علاَّمة الأعلام، نفع المولى بعلومه الأنام، آمين.
سلامٌ على المقام السامي ورحمة الله.
وبعد:
فالفقير لا يزال يشكر عناية مولاه الكبير بما يمده به من رسائله الجليلة ذات الفتاوى الجميلة، فجزاه المولى عن محبه خير الجزاء، وأدام له سامي الارتقاء.
مولاي: إن الفتاوى ـ والحمد لله ـ كثرت لدي كثرة ما كنت أحسبها تبلغ ذلك، والفتوى الأخيرة التي تكرمتم بإرسالها لبعض علماء الإمامية نقل لي نظيرها أو أوسع منها عالم الإمامية عندنا بدمشق معزوة إلى كتابها، فآثرتها في كتابي، وكذلك عالم الإمامية في بعلبك نقلت من عنده فتوى.
وأما شيخ الإسلام أبي السعود فقد نقلتها وحذفت ما علمتم عليه، وأشرت في خاتمتها إلى أنها ملخصة وعزوت التفضل بها إلى سيادتكم (1).
وأما رسائل السيد ابن عقيل فلم تحضر إلى الآن ولا أرسل لي جواباً، ولعله في التجوال بعد، وقد أشار على صديقنا محمد أفندي كرد علي، وكان عندي من أيام سرعة القيام بطبعها، وإن لم تحضر تلك الرسائل.
وبعض من يلتقي معنا في سبطية لآل الدسوقي ربما ينتدب لطبعها، حقق الله الآمال.
همومنا لما نزل بالمسلمين أجمد ـ والله ـ منا الأفكار، وأوقف الأقلام، وأرني في تفرق وتلاش، وحالة لا توصف، فرج الله المولى عنَّا بفضله وكرمه.
.................................................. ........ في 8 ربيع الأول سنة 1331هـ
.................................................. ................. جمال الدين القاسمي
_____________________________________
(1) ذكر القاسمي ذلك في كتابه:" شرف الأسباط" (ص36)، حيث يقول:" نقلت عن خط نقل عن خط صاحب هذه الفتوى شيخ الإسلام أبي السعود من مجموع، وقد كتبها منه أحد أفاضل بغداد، وقدَّمها لعلاَّمة العراق السيد محمود شكري أفندي الآلوسي، والسيد أرسلها لي في البريد جزاه الله أحسن الجزاء"، وهذا من القاسمي عنوان على فضله وحسن أخوته الصادقة، فرحمهما الله تعالى.
وما أجمل أن يُعزى الفضل لأهله؛ إذ الحر من راعى وداد لحظة وانتمى لمن أفاده لفظة، وعزو الفائدة من النصيحة الوارد فضلها، كما قال الإمام النووي في :" بستان العارفين" ( ص 6).
 
(38)

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة سيدي الأُستاذ، علم الهُدى، شيخ الكل في الكل جمال الدنيا والدين، الشيخ جمال الدين القاسمي، متع اللهُ المسلمين بطول عمره وفسحة أيامه.
سلامٌ عليكم ورحمةُ الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تشرفت بما تفضل به المولى من الرسائل المفيدة، والدرر الفريدة، جزاكم الله عنَّا خير الجزاء، ووفقكم إلى أن تبلغوا مقاماً تنحط دون الجوزاء.
والعبد الفقير يعتذر إليكم من قلة المخابرة تلك المدة المديدة لما هو فيه من الغوائل والمشاغل الظاهرة والباطنة، فإن القلب قد اعتل لما عرى المسلمين وبلادهم من البلاء، وما صحَّ جسمٌ إذا اعتل قلب؛ حتى لم يبق لي ميل لمطالعة كتاب ولا سماع مسألة علمية ولا مكالمة مع أحد،
فالبلاء قد أحخيط بالمسلمين وبلادهم، والخطر أحاط بنا، لاسيما العراق، ونرى الأوغاد هم الذين يسلطون عدوهم، وما ندري ما الله صانع.
وإني أُبارك لكم وأهنئكم على أن نبغ من تلامذتكم مثل العلاَّمة الشيخ البيطار بارك الله فيك وفيه، وقد ألقم الرافضي الحجر، ورد منه العجر والبجر(1)، وقد أتى.....، وهذا مبلغ علمهم من أولهم إلى آخرهم، لا يتكلمون إلاَّ بالتمويهات والأُغلوطات، ولكم جرت بيني وبين والد خصمكم الخبيث مناظراتٌ كثيرة في مسائل مختلفة، فلم يفد ذلك شيئاً.
وأجداد هذا هم الذين أفسدوا العراق ورفضوا عشائره، وجدهم لقب بكاشف الغطاء لكشفه عن عورات الرافضة وعيوبهم.
وقد كان صاحبكم طبع جزءاً من كتابه:" الدعوة الإسلامية" فصادرته الولاية ومنعته من طبع الباقي فطبعه في البلاد الشامية (2)؛ وذلك بعد أن ذكرت ما فيه من المكائد والزيغ والضلال قاتل الله هذه الفرقة الضالة؛ مما أشد عداوتها للمسلمين.
وقد كتبت سابقاً إلى عبد اللطيف الشيخي أن يبذل الهمة في استكتاب :" نقض أساس التقديس" أعني الموجودة منه في دمشق، وأن يستعين بدلالتكم على من يقوم بهذا الأمر من الكتاب، فقد طلبه أحد النوابين (3) الشهيرين في الهند، وقد جاء معتمده إلى بغداد، واجتمع بي وذكر لي من اهتمام ولي أمره بكتب السلف ما ذكر، فلعل الله يوفق طبع هذا الكتاب وأمثاله بعد السعي في استكتابه من البلاد المتفرقة.
هذا، وأبناء العم ومن ينتمي إلى العلم يهدون إليكم التحية، والسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
............................................في 11شوال سنة 1331هـ
.................................................. ...الفقير
.................................................. ..محمود شكري؛
__________________________________________
(1) لما ألَّف العلاَّمة القاسمي رسالته:" ميزان الجرح والتعديل" ردَّ عليه محمد حسين آل كاشف الغطاء برسالة عنوانها:" عين الميزان"، طبعت في مطبعة العرفان بصيدا سنة 1330هـ، فردَّ عليها تلميذه الشيخ محمد بهجة البيطار برسالة عنوانها:" نقد عين الميزان"، طبعت في مطبعة الترقي بدمشق سنة 1331هـ.
(2) كتاب:" الدعوة الإسلامية" لمحمد الحسين آل كاشف الغطاء، طبع في مطبعة العرفان بصيدا سنة 1329هـ، :" معجم المطبوعات العربية" (2/ 1649).
(3) النواب: لقب كان يطلقه الإنكليز على أمير البلدة في الهند.
 
(39)
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة مولانا شمس العلماء، وبدر السادة النبلاء، متع الله المسلمين بعرفانه، وأبقاه في الفضائل قدرة زمانه.
سلامٌ على المقام السامي ورحمة الله.
وبعد:
فقد تناول الفقير أمس كتاب مولاه ودخل عليه به من السرور أقصى ما يتمناه، وقد كنت أتفرس أن الباعث لفترة المكاتبة ما تفضل به المولى، وإني وايم الحق لأراني كالمتجلد في كل ما يأتي ويذر، وما بي من نشاط لشيء لولا ولولا.. نسأله تعالى أن يهب الأمة من لدنه رحمة تعرف به صلاحها وإصلاحها، ونجاحها وفلاحها.
إنَّ ولدكم الشيخ محمد البيطار لا يزال يبتهج بعنايتكم بمكتابته، وجبر خاطره بمراسلته، فلا زلتم منشطين لمن يرجى منهم المشي على قدم السلف، والتنكب عن معاشر الخلف.
كان صديقنا الشيخلي(1) زارني، وأطلعني على ما أمرتم به، وأراني عدة كررايس مما نسخ من كتاب شيخ الإسلام(2)، وفوعدته بأنَّه متى تم مقدار جزء منه وجلدناه، أُرسل مع بعض إخواني إلى المكتبة وأُقابل موضعاً منه غير معين، فإن رأيت الصواب يغلب عليه فبها وإلاَّ استأجرنا من يقابله كله
؛ لأنَّه بدون المقابلة لا فائدة منه أصلاً.
كان الأديب التلميذ لسيادة مولانا صاحب:" مجلة لغة العرب" تحبب إلينا بإهدائنا مجلته عامين، وكذا لأخي صلاح الدين (3)، ولا أدري الفضل في ذلك، ألدلالة مولانا أيده الله أو لصداقتنا مع صديقه محمد أفندي كرد علي؟ على كُلٍّ الفضل للإخوان، ثم إنه الآن قطع إرسالها، فعجبت لاسيما وكان شغفي بها لعلمي أن لمولانا النظر الأعلى عليها، وتمحيص ما يحقق فيها من آثار العرب في العراق، فحرصي عليها حرصي على آثار من آثار السيادة، على أنه يكفي إرسال عدد منها للفقير، لأني مع أشقائي في دار والدنا المرحوم.
ولقد عجبت منه لما قرظ كتاب: " عين الميزان" للشيعي، وكتب ما كتب من تهنئته بظفره علينا وانتصاره، مع أنه لم يتذوق طعم هذا البحث ولا يتذقه ما دام نصرانياً قُحًّا، وههنا لابد من أن أذكر لمولاي أسفي من تقديم مطبوعات المسلمين بمجلات النصارى، فإن العاقل ليضيق صدره؛ وهذا صاحب :" مجلة لغة العرب" كان راسلني في طلب مني من مطبوعاتي لمكتبتكم، فصرت أُرسل له ذلك، وأخجل من أن أكتب عليها لا للتقريظ لئلا يتوهم الفرار من النقد مع أني من أحب الناس للنقد إذا كان من أهله
وعلى شرطه.
والسلام عليكم.
............................................. 23 شوال سنة 1331هـ
.................................................. جمال الدين القاسمي
_____________________________________
(1) هو: الشيخ عبد الكريم بن عباس الشيخلي الحسني البغدادي، المولود سنة ( 1285هـ)، كان من الملازمين للعلامة محمود شكري الآلوسي، كما كان رحالة جوَّالاً، توفي سنة (1379هـ)، :" علماء بغداد في القرن الرابع عشر الهجري"، ليونس السامرائي (ص437).
(2) يعني به: " نقض أساس التقديس".
(3) هو أصغر إخوة القاسمي، انظر ترجمته في:" آل القاسمي ونبوغهم في العلم والتحصيل" لراقمه ( ص91 ـ 116).
 
(40)
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة محيي السنة النبوية، ومؤيد الشريعة المحمدية، علاَّمة المنقول والمعقول، وفهامة الفروع والأصول، مفخر هذا الزمان، وذخر أهل الفيض والعرفان، سيدي ومستندي الشيخ جمال الدين أفندي، جمل الله تعالى وجه الزمان بمحاسن آثاره، وأنار حنادس الجهل بلوامع أنواره، آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته:
أمَّا بعد:
فيا أيها المولى، وردني كتابك الكريم فملأ قلبي سروراً وحبوراً ببشائر سلامته وكمال صحته، وقد وقفت
على ما كتبتموه عن الجهمية في المنار الأغر (1)، ونعم ما كتبتم في ذلك بارك الله تعالى فيكم، ووفقكم لنشر الفضائل على الدوام، وإن كان بعض أحبتكم شكا لي عن هذه المقالة، ولم يعرف مغزاكم، فكان جوابه السكوت، وهكذا شأن من ألف بين كلمتين أو كتب سطراً أو سطرين لاسيما في هذا العصر المشؤوم، وقل:
عليَّ نحت القوافي من معادنها *-*-*-* وما عليَّ إذا لم تفهم البقر
سيدي أرجو معاهدة كاتب :" نقض الأساس" أحياناً ليواصل
الاستنساخ، فلعل الله تعالى يسهل إكماله وينفع به المسلمين، ويكون لكم الشطر من أجره ـ إن شاء الله ـ.
طبعوا في الهند التفسير الأحمدي من مدة، وطبعوا معه عدة رسائل للشيخ ابن تيمية، ومنها رسالة في الصفات مفيدة جداً، غير أن في الأصل نقصاً، فطبعوا ما وجدوا حرصاً على ما فيها من الفوائد، وجرياً على قاعدة: ما لا يدرك كله، لا يترك كله.
* سيدي إن أنستاس(2) يُراجعني في بعض الأحيان ويسألني بعض المسائل فأجيبه بما يفتح الله، وبذلك ادَّعى التلمذة، وإلا فهو لم يقرأ عليَّ كتاباً ولا بعض كتاب، وهو متعصب في النصرانية كل التعصب بل إنه من الجزويت (3) { أشد الناس عدواة للذين آمنوا} ولذلك يميل بعض الميل إلى الروافض، ويحسن بدعهم وأهواءهم لوقوفه على مبلغ عداوتهم لأهل الحق من المسلمين، وقد وبخت كاظماً الدجيلي الرالفضي الأصل (4) على تقريظ كتاب الرافضي فإنه هو الذي قرظه لا أنستاس
، والفقير لا يطالع شيئاً من صحف بغداد لا : " لغة العرب "، ولا غيرها لأني آسف على إضاعة الوقت في النظر إلى أمثال ذلك، ولا أعلم ما كتبوا فيها أو يكتبون.
وأمس جاء إليَّ الدجيلي وقلت له: لِمَ لَمْ ترسلوا مجلتكم إلى فلان، فقال: لم نزل نرسلها، فقلت: إنها لم تصل إليه فوصلوا إرسالها واقتصروا على نسخة واحدة من المجلة لحضرة الشيخ، فوعد بذلك وتعهد بتوالي تقديمها إليكم.
وقد وردني كتاب من الفاضل البيطار (5)، وهو تلميذكم الأنجب، فلم يسعني تحرير جوابه، فأرجو تبليغ سلامي عليه ودعواتي الخيرية له، والاعتذار منه عن عدم تحرير كتاب له أدام الله ألطافه على الجميع، وما أدري هل وقفتم على رد الشيخ على الفلاسفة أو على شيء منه؟
أرجو التفضل بذلك ولكم الشكر الدائم.
أظن أن الرافضي الذي ناقشكم في بعض كتبكم إلى الآن في أطراف الشام، حيث وردني في هذا البريد رسالة موسومة بـ :" الأبحاث الريحانية" (6)، ولعل المرسل لها مصنفها، وهو من آل كاشف الغطاء أي عن عورات فرقتهم، وأرى أن المولى لا يدنس قلمه في ذكر مثالبهم.
وما أدري بتأليف أي كتاب تشتغون الآن مع تشوش البال، واضطراب الفكر من حدث أمور كانت تظن أن لا تكون، وكنا نأمل أن في انقضاء سلطنة عبد الحميد فرجاً مما كنا نعانيه من جوره وجور بطانته كشيخ الضلال (7)ومردته، فزادت الجمعية(8) المشؤومة الطين بلِّة، والطنبور نغمة، وقصدوا طي بساط الدين وبلاد المسلمين حتى أصبحنا والأمر لله يرثي لنا العدو، وتوالت علينا فتنة بعد أخرى، وبلاء بمثله مقرون، فلم يبق لنا الآن ثقةٌ ببقاء بلد أو الثبات على حال، وامتلأت بلاد المسلمين من الفسق والفجور واللهو واللعب، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، اللهم يا محول الأحول حَوِّلْ حالنا إلى أحسن حال.
هذه نفثة مصدور وأنَّةُ مقهور، فالمرجو المسامحة من إتعاب مسامعكم الشريفة بسماع أمثال هذه الكلمات السخيفة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
......................................في 16 ذي القعدة سنة 1331هـ
.................................................. .......المخلص
.................................................. ........محمود شكري؛
.................................................. ........ عُفِيَ عنه
___________________________________
(1) هو: كتاب : " تاريخ الجهمية والمعتزلة" للشيخ جمال الدين القاسمي، وقد نشر في مقالات متسلسلة في المجلد السادس عشر من مجلة المنار المصرية، ثم أفرد بالطبع في مطبعة المنار بمصر سنة 1331هـ.
(2) أنستاس الكرملي؛ أصله من :" بحرصاف" من بكفيا في لُبنان انتقل به والده إلى بغداد فولد بها، وتعلم بمدرسة الكرمليين النصارى ثُمَّ في مدرسة اليسوعيين ببيروت، وترهب في بلجيكا، واستقر في بغداد، وكان عارفاً باللغة و الأدب، متتبعاً لمفرادت اللغة وفلسفتها، وهو من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق و بالقاهرة، وأصدر مجلة:" لغة العرب" ثلاث سنوات قبل الحرب العالمية الأولى، وست سنوات بعدها، توفي سنة ( 1366هـ)؛ انظر ترجمته ومصادرها: مقدمة تحقيق كتابه :" المساعد" (1/ 9 ـ 66)، و :" أعلام الزركلي " (2/25).
(3) الجزويت هم اليسوعيون من النصارى الكاثوليك، وقد تأسست هذه الفرقة سنة ( 1534م). " الموسوعة العربية الميسرة" لشفيق غربال (2/ 1982).
(4) هو كاظم بن حسين الدجيلي، شاعر عراقي، اشترك مع أنستاس الكرملي في مجلة :" لغة العرب"
، وهو من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق، توفي سنة (1390هـ). " الأعلام" للزركلي (5/ 215)، و :" رجال هكذا عرفتهم" لجعفر الخليلي (3/ 161 ـ 186).
(5) يعني الشيخ محمد بهجة البيطار.
(6) لم يتضح لي أمر هذا الكتاب، ولم يذكره صاحب :" معجم المطبوعات العربية".
(7) يعني محمد بن حسن الصيادي، المعروف بأبي الهدى، المتوفى سنة (1328هـ)، وقد قلده السلطان عبد الحميد الثاني مشيخة المشايخ . " الأعلام" (6/ 94).
(8) أي: جمعية الاتحاد والترقي.
 
(41)

وكتب [ الشيخ جمال الدين] أيضاً

وهو آخر كتاب منه ثُمَّ توفي
سماحة سيدي علاَّمة العصر وزينة الدهر، أبقاه المولى حصناً للعلوم السلفية.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
فقد كنت تشرفت بميمون كتابكم، وانتظرت في الإجابة قدوم السيد ابن عقيل، حتى قدم في الأسبوع الماضي، ونزل ضيفاً عند أحد تجار الشيعة لما بينه وبين قريبه في بيروت من التعامل في التجارة.
وقد قدم مع عالم الشيعة لزيارتي أولاً، ورددت له الزيارة ورأيته يشكو من شدة البرد الذي لم يعهده، ثم ذهبت لزيارته ثانياً فأخبرت بسفره، وكان مقامه عندنا نحواً من أربعة أيام، واليوم أرسل لي كتاباً من بيروت يرغب إليَّ أن أهدي مقامكم عاطر السلام ولما أعطيته كتاب سيادتكم سر به كثيراً
ووعد الإجابة.
وقد قرأت في جريدة الإصلاح البيروتية التنويه بمقدمه، ولم تذكره جريدة :" المقتبس " عندنا لتغيب صديقنا عن الشام (1)، وعدم تيسر اجتماعي بكتبتها لحالة الشتاء، وضيق الوقت.
وقد كنت وضعت ابني (2) في المكتب الإعدادي عندنا من ثلاث سنين، وقبله في مكتب آخر، وفي هذا العام رأيت إخراجه منه، وأن أقصره على طلب العلم عندنا، فعممته وأخذت في إشغاله بما يناسب من كتب المباديء، وكلمت القاضي عندنا في أن يضمه إلى كتبة المحكمة الشرعية عنده، ليشارف من الظهر إلى العصر شيئاً من الأقضية الشرعية فيتمرن على تطبيق العلم على العمل، فأجاب، ونفسي في حيرة وتألم؛ ولقد رأيت أن للمكاتب مستقبلاً لمن اهتم، ولكن والله بئس المستقبل هو مع ما يعلم كل منا ما هو حال أولئك ومشربهم، وتالله لم يهد عدوّنا الخارجي من صروح الإسلام بقدر ما يهدم عدوّه الداخلي، ولقد كاد في بلادنا المتعمم أن يخجل ببزته وهيئته من زيه تلقاء أولئك النابتة المارقة.
والمستعان بالله على إنعاش المسلمين، والأخذ بأيدي المصلحين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أرجو سيدي أن لا يؤاخذني بتقصيري عن مراسلة مقامه كما أني لا أحب أن يتكلف جواب
[المكاتبة] خدمة لمقامه.
والسلام.
............................................ 15صفر 1332هـ
.............................................. جمال الدين القاسمي
______________________________________
(1) يعني محمد كرد علي.
(2) هو محمد ضياء الدين، انظر ترجمته في:" آل القاسمي ونبوغهم في العلم والتحصيل" لراقمه ( ص117 ـ 130).
 
(42)

رسالة (1)من الشيخ محمد بهجة البيطار الدمشقي يعزي فيها الآلوسي بوفاة القاسمي

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة مولانا الإمام، علامة الأعلام، سيدي السيد محمود شكري الآلوسي، أدام الله به عزًّ الإسلام.
سلام عليك يا سيدي ورحمته وبركاته، أسأل الله أن يمتعنا بطول حياتكم سالمين من كوارث الحدثان ونوائب الزمان.
أمَّا بعد:
فإني أرفع لسيدي واجب العزاء بهذا المصاب العظيم والخطب الجليل بوفاة فقيد الأمة الإسلامية المرحوم الشيخ جمال الدين القاسمي تغمده المولى برحمته ورضوانه.
وقد كنَّا نقرأ دروس الصباح يوم الاثنين في 18 جُمادى الأولى فقرأنا الدرس الأول منها من " جمع الجوامع" في أواخر بحث الإجماع السكوتي، وأخذنا تاريخ الجهمية والمعتزلة، لنقرأ منه ونصححه، لأنا نقرأ تآليف الأستاذ ونصححها، وقد صححنا طائفة منها، فقال الأستاذ: نُسامح في الدرس الثاني لأني تذكرت أن عليَّ وعداً، والتزم الفراش منذ ذلك الحين ـ رحمه الله تعالى ـ بحمى ذات الجنب والرئة على ما يقول الطبيب، حتى توفاه الله تعالى بعد غروب يوم السبت في 23 جمادى الأولى سنة 1332هـ، رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً وألهمنا الصبر الجميل على فقده، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد خلف المرحوم سبعة أولاد: أربع إناث، وثلاثة ذكور، و أكبرهم ولده محمد ضياء الدين وهو في السادسة عشرة من عمره، وقد كان والده المرحوم يُعْنَى بتربيته وتعليمه عناية خاصة، والآن يقوم بتعليمه بعض جماعة المرحوم.
وللأستاذ المرحوم كُتُبُ خَطٍّ كثيرة من تآليفه، بعضها قد تمَّ وبعضها لم يتم، ومنها تفسيره التَّام " محاسن التأويل" الذي نوَّه الأستاذ عنه مرّات في تعليقاته على رسالة الإمام السيوطي، من " مجموع الرسائل في أصول التفسير والفقه"، وهو يبلغ اثني عشر مجلداً، وستقدم بعضها للطبع عن قريب إن شاء الله.
وفي الختام نسأله تعالى أن يُديم بقاءكم وبقاء حضرة الأستاذ الأعظم سيدي الجد سالمين من كل كدر، آمين.
....................................في 29 جمادى الأولى سنة 1332
..............................................محمد بهجة البيطار
___________________________
(1) الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي، تأليف محمد بن ناصر العجمي، صـ 239ـ 240 ، دار البشائر الإسلامية.
 
(43)
رسالة من الآلوسي جواباً عن رسالة البيطار السابقة
إلى بهجة النفوس والأرواح محمد بهجة أفندي البيطار.
وردني كتابك أيها الفاضل الجليل، و الكامل النبيل، مشتملاً نعي أعز الإخوان، وخاتمة فضلاء الزمان، ومفخر أهل الإيمان، غصن الدوحة العلوية، ونور حدقة العترة الفاطمية، جمال الدين، ونزهة الموحدين.
فيا لها من مصيبة ما أعظمها، ونائبة ما أشدها على القلوب وآلمها، قد أنستني جميع ما أصابني من المصائب، وهونت علي ما ألم بي من مضض النوائب، بل إنها قد قصمت الظهر، وهدت عرى الصبر، وأطفأت من الفضب سراجه، وانتزعت من رأس الكمال تاجه، وضعضعت من المعالي ركنها، وفقأت من السيادة عينها، وأوهت من الشرف دعائمه، وزلزلت من المجد قوائمه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
بيد أن حكم المنية جار على كل البرية، وإن الدنيا لم قدم الأنبياء ولا الرسل الكرام، بل ولا لسيدهم وخاتمهم ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ:
وجود الفتى نفس الحمام لنفسه *-*-*-* فلولاه لم يسلك سبيل المعاطب
وتسعى به أنفاسه لحمامه *-*-*-* وكم أصبح المطلوب يسعى لطالب
كأنا من الآجال وهي كواسرٌ *-*-*-* من الأسد الضرغام بين المخالب
فليس سوى الصبر ما يهون مرارة هذا الأمر، عسى أن تحوزوا الثواب يوم يناله الصابرون: { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [ البقرة: 157].
على أن الفقيد، والسيد السعيد، قد قدم على مولى يغفر الزلات، ويبدل السيئات بالحسنات، وأنه حي بجميل آثاره، وطيب ذكره وأخباره، فالثبات الثبات، والتجمل عند مثل هذه الملمات، وعليك أيها الأخ أن تذكره بصالح الدعوات، لاسيما في الخلوات، ونشر مصنفاته المفيدة، والتخلق بأخلاقه الحميدة، وسلوك مسالكه السديدة، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ً.
رضي الله تعالى عنه، وأرضاه، وجعل الجنة مستقره ومثواه.
.................................................. .....13 جمادى الآخرة 1332
................................................. الفقير إلى الله تعالى
................................................. محمود شكري؛
____________________________________
(1)الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي، تأليف محمد بن ناصر العجمي، صـ 241ـ 242 ، دار البشائر الإسلامية.
 
وهذه هدية أخرى ـ إذا سمحتم ـ:
حمل: آل القاسمي ونبوغهم في العلم والتحصيل
gmrup12658324441.jpg

عنوان الكتاب : آل القاسمي ونبوغهم في العلم والتحصيل

المؤلف : محمد بن ناصر العجمي

الطبعة:1 مجلدات:1


عدد الصفحات: 264


[align=right][/align]الناشر: دار البشائر الإسلامية _ بيروت
[align=right][/align]تاريخ النشر:1999
الرابط: http://www.mediafire.com/?wtljmzcmr20
هذا والشكر الأوفى والنصيب الأسنى والأعلى لصديقي الألمعي والصهميم اللوذعي رجل وها هي مدونته فطالعوا إياها :
http://www.racebok.blogspot.com/
 
نسب آل القاسمي
قال الأستاذ محمد ناصر العجمي: " جمع العلامة محمد جمال الدين القاسمي نسبهم من جهة والدة الشيخ محمد سعيد في كتاب أسماه: " نسب السادة القاسمية السعيدية أسباط السادة الأشراف الدسوقية الحسينية الدمشقية" وهو ما عبر عنه بدرج الأصل، وقد تتبع نسبهم المتصل بالدسوقي الحسيني، ووقع عليه نقيب الأشراف في الديار المصرية.
ثم بعد أن جمع نسبهم المذكور ألف رسالة في " شرف الأسباط" وصحة انتسابهم.
وإليك ما أورده في رسالة شرف الأسباط ( ص62 ـ ص65)، وفي الخاتمة ( ص81 ـ 85):
ذكر اتصال نسب المؤلف
بأسباط السادة الدسوقية الدمشقية الحسينية
وأذكر هنا ما كنت كتبته في درج نسبنا وهو: أن النسب النبوي، والفرع العلوي الفاطمي، لا يزال بحمد الله ظاهر النمو طاهر الانتما، كشجرة طيبة أصلها في الأرض وفرعها في السما، إذ هي نتيجة مقدماتها باب مدينة العلم والبتول، فلا غرو أن زكت الفروع لزكياء هاتيك الأصول، وقد وجب أن تصرف الهمم العالية إلى ضبط أنسابها، احتفاظاً بحقوق شرفها وآداب أحسابها، على أن معرفة النسب سبب للتعارف، وسلم للتواصل والتعاطف، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم" فأمر بتعلم الأنساب، لتوصل به الأرحام، ويحافظ على أواصرها لما لها من واجب البر والاحترام، وهذا الأمر مع ما قرن به من الحكمة، مما يجب الائتمار به على جمع الأمة، وإن كان لتعلم النسب فوائد كثيرة، يناط بها عدة مسائل فروعية شهيرة.
ولمَّا كان من ألطف النعم شرف النسب، والتسلسل عن ذوي السيادة والحسب، كان من الواجب على المنعم عليه، أن يعنى من تعلمه وحفظه بما تصل يد الإمكان إليه، ومن حق الآباء على الأبناء، والأجداد على الأسباط والأحفاد، أن يحافظوا لهم أنسابهم، ويحرسوا بتقواهم أحسابهم فإن هذا من بر الفروع بالأصول، والقيام بإحياء حق ربما أضيع بالإهمال والخمول، وهذا ما حدا بي إلى العناية بأخذ فرع للعائلة القاسمية السعيدية (1) أسباط السادة الدسوقية، من شجرة أجدادهم آل الدسوقي الحسينية، وأصلها الكبير متفرع إلى بطون عديدة، لاسيما في دمشق الشام وبعض أعمالها المحمية، وقد ذكر في درج الأصل(2) أن السادة الدسوقية يرتقي نسبهم إلى الحسين ـ عليه السلام ـ من السيد شرف الدين أبي عمران موسى الدسوقي (3)أخي القطب الشهير السيد إبراهيم الدسوقي، ونسب السيد إبراهيم السوقي شهير في الأقطار، وأورده الشعراني في " طبقات الأخيار".
(1)نسبة للسيد الشيخ محمد سعيد القاسمي ـ عليه رحمة الله ورضوانه ـ والد مؤّلف هذا الكتاب؛ فإن هذا النسب له ولسلالته خاصة في ذلك لأن حضرة الجد الشيخ قاسم ـ قدَّس الله روحه ـ كان تزوَّج أربعاً واحدة منهم لم تعقب والثلاث أعقبن منه، إحداهن أعقبت أنثى واحدة، وثانيتهن أعقبت ذكوراً وإناثاً، وثالثتهن وهي الجدة الشريفة حفيدة السيد الدسوقي لم تعقب غير سيدي المرحوم الوالد ـ رضي الله عنه ـ ومنها انتقل الشرف إليه وإلى ذريته فلذا قيدناهم بالسعيدية احترازاً عن القاسمية غير السعيدية.اهـ (المصنف).
(2) تاريخ نسخها جمادى الأخرى سنة ألف ومائة وتسع وهي فرع من أصل كبير كما شهد به من وقَّع عليها وقتئذ من النقباء والفضلاء، وهذا الأصل فرع لأصل رأيته في دسوق عام رحلتي إلى مصر، الرحلة الثانية وهو سنة ( 1331هـ) عند ابن عمِّنا السيد مصطفى حموده الدسوقي خليفة المقام الدسوقي، وهو نسب للسيد إبراهيم بن السيد محمد الدسوقي ابن السيد عبد الرحمن ابن السيد عثمان الدسوقي جد العائلة الدسوقية الشامية تاريخه ( 917هـ)، وعليه تواقيع قضاة ذلك العهد فما بعده. (المصنف).
(3) ذكر في درج الأصل أن شرف الدين هذا توفي في ثغر الإسكندرية في ذي الحجة سنة 703، ونقل من الثغر إلى ناحية دسوق ودفن بإزاء أخيه من الجهة القبلية ( المصنف).
==================================
وقد جاء في شجرة الأصل المحفوظة عندنا أن قدوم جدّ العائلة الدسوقية الشامية، مربي الفقراء ومرشد السالكين فخر الدين السيد عثمان الدسوقيّ كان في المائة الثامنة الهجرية، لأن وفاته بناحية البقاع العزيزي في قرية عين تنبت في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة، وقد خلفه في التربية والإرشاد ابنه السيد عبد الرحمن، وقد توفي بناحية البقاع أيضاً في قرية جب جنين في شهر صفر سنة أربع وستين وثمانمائة، وخلفه في تربية المريدين ابنه شمس الدين محمد بن عبد الرحمن، وقد توفي بقرية جب جنين المذكورة ودفن بإزاء والده في شهر محرم سنة تسعة وثمانمائة، هذا جاء في درج الأصول (1)، وبالجملة فالسيد عثمان المنوه بفضله قد بورك في أولاده، وفات الإحصاء عد أسباطه وأحفاده، وانتشروا بعد في دمشق وبعض قراها، وكانوا في كل بلدة حلوها نجومها وضياءها، لما لهم من النسب الذي هو في صميم الشرف عريق، والحسب الذي غصن مجده بالمعالي وريق", انتهى ما قلناه، ثمة بزيادة.
* * *
وقال أيضاً في خاتمة الكتاب:
يقول العبد الفقير مؤلف هذا الكتاب:
لما كان نسبنا الدسوقي الشامي أصله من مدينة دسوق من بلاد مصر القاهرة عزمنا على عرضه على سماحة نقيب أشراف الديار المصرية ليعززه بالتوقيع عليه ـ بعد أن جرى تحرير مقابلته بأصله ومطابقته عليه لدى قاضي دمشق الشام، ثمَّ نقيبها ووقعا عليه حسب الأصول المقررة في إثبات الأنساب الشريفة، ثُمّ وقع عليه أيضاً في الشام ومصر ثلة من كبار رجال العلم والنسب جرياً على المعتاد في التصديق والتوثيق.
لما رحلنا ـ الرحلة الثانية ـ إلى القطر المصري عام ( 1331هـ) عرضنا درج نسبنا ـ نسب الأشراف القاسمية السعيدية أسباط السادة الدسوقية الحسينية ـ على سماحة عين الأكابر، وارث الشرف كابراً عن كابر، السيد عبد الحميد أفندي البكري نقيب أشراف الديار المصرية فوقع عليه في وثيقة منيفة، وحجة متينة لطيفة، وأمر حفظه الله بنقله إلى سجل الأنساب العامة، جرياً على القواعد المقررة في الاحتفاظ بأنساب الأشراف الكرام.
وإليك صورة توقيعه الجليل
عنه
عفا الله
سبط آل الحسين
الصديقي العمري التيمي الهاشمي
" السيد عبد الحميد البكري بن السيد عبد الباقي البكري"
الفقير إليه سبحانه
ونقيب أشراف الديار المصرية
شيخ السجادة البكرية وشيخ المشايخ الصوفية
الأمر كما ذكر فيه
............................................عبد الحميد البكري
...............................................صور ة الختم
في تاريخه تقدم لنا طلب من حضرة العلامة الفاضل السيد محمد جمال الدين من كبار علماء دمشق الشام يذكر فيه أنه من السادة الأشراف الحسينية لأنه السيد جمال ابن السيد محمد سعيد ابن السيدة عائشة بنت السيدة فاطمة بنت السيد محمد الدسوقي الدمشقي بن السيد محمد الدسوقي ابن السيد يحي الدسوقي ابن السيد أحمد الدسوقي ابن السيد شرف الدين الدسوقي ابن السيد رضي الدين الدسوقي ابن السيد محمد الدسوقي بن السيد رضي الدين الدسوقي ابن السيد بهاء الدين محمد الدسوقي ابن السيد حمزة الدسوقي ابن السيد إبراهيم الدسوقي ابن السيد محمد الدسوقي ابن السيد عبد الرحمن الدسوقي ابن السيد عثمان الدسوقي ابن السيد جمال الدين عبد الله الدسوقي ابن السيد بدر الدين محمد الدسوقي ابن السيد موسى الدسوقي ابن السيد عبد العزيز أبي المجد الدسوقي ابن السيد قريش ابن السيد محمد الناجي أبي النجا ابن السيد زين العابدين ابن السيد عبد الخالق ابن السيد محمد أبي الطيب ابن السيد عبد الله ابن السيد عبد الخالق ابن السيد أبي القاسم ابن السيد جعفر التركي ابن السيد على الهادي ابن السيد محمد الجواد ابن السيد على الرضا ابن السيد موسى الكاظم ابن السيد جعفر الصادق ابن السيد محمد الباقر ابن الإمام علي زين العابدين ابن سيدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين ابن سيدتنا فاطمة الزهراء بنت سيدنا ونبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن الذي يشهد لحضرته فرع النسب المقدم الطلب المأخوذ من النسبة الشريفة التي بيده والمقدمة لباب النقابة موقعاً عليها من حضرات أصحاب الفضيلة نقيب أشراف دمشق ومفتيها ومن علماء أفاضل بها، ومن حضرات الشيخ محمد زين الدين أحد علماء الجامع الدسوقي، والفاضل السيد محمد رضا منشيء المنار وناظر الدعوة والإرشاد (2)، وبعد مراجعته على مشجر الأنساب ومطابقته عليه قررنا اعتماد صحة هذا النسب وأمرنا بتسجيله بالسجل العمومي تحريراً في يوم الخميس عشرة جمادى الأولى سنة ( 1331هـ) من هجرة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشرف وكرم.
تسجل بالسجل العمومي
تحت نمرة ( 61)....................................صورة ختم
..............................................باب نقابة الأشراف
............................................بالديا ر المقدسة
___________________________________
(1) رأيت في " سفينة الحوادث اليومية" بخطّ إبراهيم الجنيني ـ أحد علماء الشام في القرن الثاني عشر ـ أن السادة الدسوقية الشامية كان تشرُّفهم أي؛ إثبات شرفهم عند قضاة الشام عام ( 982)، يعني الإثبات الذي حفظ في السجلات وتقيد في الوثائق، وأما أصله فكان محفوظاً عندهم ( المصنف ).
(2) قلت ـ أي ابن طراد ـ : " قال العلامة صاحب المنار الأغر الشيخ رشيد رضا عن القاسمي ونسبه: " وجاء مصر في العام الماضي لشؤون تتعلق بذلك فسررنا بلقائه، وجددنا ما لا تخلقه الأيام من عهود إخائه.
وكتبنا له كما أحب كلمات على نسبه، وقد صار بعض تلاميذه وأصحابه
".اهـ
( مجلة المنار، محمد رشيد رضا، ص556،ج 17)
=================================
آل القاسمي ونبوغهم في العلم والتحصيل، للأستاذ محمد بن ناصر العجمي ص230ـ 238)، دار البشائرالإسلامية. بيروت، 1999).
 
عودة
أعلى