[ إلى علماء الأزهر ] , مقالة جميلة نشرت عام 1366هـ للشيخ علي الطنطاوي وأوصى بقراءتها الشيخ

إنضم
28/10/2007
المشاركات
564
مستوى التفاعل
4
النقاط
18
الإقامة
المملكة العربية
الموقع الالكتروني
www.ahlalhdeeth.com
[ إلى علماء الأزهر ] , مقالة جميلة نشرت عام 1366هـ للشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله تعالى - وأوصى بقراءتها الشيخ خالد بن عثمان السبت - حفظه الله تعالى - في مداخلة له في قناة المجد ببرنامج " البلد الطيب ":



إلى علماء الأزهر

الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله
نُشر عام 1366هـ الموافق 1947م

ما عرفنا من عرفنا من علماء الأزهر إلا ملوكًا، لا أمر فوق أمرهم، ولا كلمة بعد كلمتهم، إذا قال واحدهم لبَّت الأمة، وإذا دعا هبَّ الشعب، وإذا أنكر على الحكومة منكراً أزالت الحكومة المنكر، وإذا أمرها بمعروف أطاعت بالمعروف، فكانوا هم السادة وهم القادة، وهم أولو الأمر: هذه حكومة مصطفى فهمي باشا تستجيب سنة 1899م لرغبة الإنكليز في إضعاف القضاء الشرعي، فتضع مشروعها المشهور لتعديل اللائحة الشرعية، وضم اثنين من أعضاء الاستئناف الأهلي إلى المحكمة الشرعية العليا، ويبلغ من ثقتها بقوتها، وتأييد مجلس الشورى لها أن لا تبالي باحتجاج الحكومة العثمانية على المشروع، وتعرضه على المجلس، وكان من أعضائه الشيخ حسونة النواوي ( الذي جمعت له مشيخة الأزهر وفتوى الديار المصرية) فيقول كلمة موجزة في إنكار المشروع، وينسحب من المجلس، ويتبعه القاضي التركي، فتكون هذه الكلمة كافية لقتل المشروع، فيردُّه المجلس كله، وتحاول الحكومة إنفاذه على رغمه فلا تجد عضوًا استئنافيًّا واحدًا يقبل الانضمام إلى المحكمة العليا ، عرضت ذلك على الشيخ محمد عبده، وكان من أعضاء الاستئناف الأهلي وسعد زغلول وأحمد عفيفي ويوسف شوقي ويحيى إبراهيم، فأبوا جميعًا، وتمشي كلمة الشيخ في الناس مشي النار في يابس الحطب، فتهب الأمة كلها وتؤيده حتى ترضى الحكومة بالهزيمة وتسترد مشروعها.

ولم يكونوا يخشون في الحق لومة لائم، ولا يخافون غضبة ملك جبار: هذا حسين باشا الجزائري يصل مصر، فيفر منه أمراؤها إلى الوجه القبلي، فيأخذ أموالهم كلها، ولا يرضيه في عتوه وجبروته أن يستولي على عروضهم حتى يسطو على أعراضهم، فيقبض على نسائهم وأولادهم، ويسوقهم إلى السوق ليبيعهم زاعمًا أنهم أرقاء لبيت المال، وكانت الأحكام عرفية، وسيوف الظلم مصلتة، ولواء البغي مرفوعًا، ولكن ذلك لم يمنع علماء الأزهر من إنكار هذا المنكر، ولم يرهبوا بطش الباشا، وهم يرون أن أفضل الشهداء رجل قال كلمة حق عند إمام جائر فقتله بها، فمضوا إليه وتكلم الشيخ محمد أبو الأنوار فقال له: (أنت أتيت إلى هذه البلدة، وأرسلك السلطان لإقامة العدل، ورفع الظلم كما تقول، أو لبيع الأحرار وأمهات الأولاد وهتك الحريم؟

فقال: هؤلاء أرقاء لبيت المال قال: هذا لا يجوز ولم يقل به أحد. فغضب أشد الغضب وطلب كاتب ديوانه، وقال: اكتب أسماء هؤلاء، وأخبر السلطان بمعارضتهم لأوامره . فقال له الشيخ محمود البنوفري: اكتب ما تريد بل نحن نكتب أسماءنا بخطنا). وكانت النصرة لهم عليه، فأحقوا الحق وأبطلوا الباطل، ووضع الله في قلبه هيبتهم؛ لأن من خاف الله خافه كل شيء. فكانوا بذلك (أجلَّ من الملوك جلالة) ، وكانت إشارتهم للحكام أمرًا، وطاعتهم عليهم فرضًا، حدَّث الشيخ محمد سليمان [في كتابه الجليل من أخلاق العلماء] أن أباه قدم لطلب العلم في الأزهر أواخر أيام الشيخ إبراهيم البيجوري، فشكا إليه ظلم تلك الأيام، وما كان فيها من السخرة والمعونة، فكتب له ورقة بمساحة إصبعين، هذا نص ما كان فيها: ( ولدنا مدير الدقهلية، رافعه من طلبة العلم يجب إكرامه، خادم العلم والفقراء، الخاتم (إبراهيم البيجوري) فدفعها إلى المدير، فقبلها ووضعها على رأسه، ودفعت عنه هذه الورقة كل مظلمة، وأنالته كل مكرمة، ورفعت قدره عند المدير وعند الناس.

وكان الشيخ الأزهري موقرًا في الجامع وفي البيت وفي السوق، ومبجلًا عند الطلبة والعامة والحكام، وكان أقصى أمل الطالب أن يخدم الشيخ، وأن يحمل له نعله، وإذا سبه عد سبه إكرامًا، وتحمَّله مسرورًا، ورآه من أسباب الفتوح.

وكان الطالب الأزهري المجاور يذهب إلى بلده في العيد أو في الإجازة، فيقبل البلد كله عليه يقبل يده، ويتبرك به، ويشم فيه عبق الأزهر، ويكون المرجع لأهله في الجليل من شؤونهم والحقير، ويكون فقيههم، والحاكم بينهم، لا مرد لحكمه، ولا اعتراض عليه؛ لأنه يحكم بشرع الله، ويبين حكمه في فتواه.

هذا ما عرفناه، فما الذي جرى حتى تبدلت الحال...؟
ما الذي نزع هيبة المشايخ من القلوب، وأنزلهم من مكانتهم عند الحكام؟

أقول: أنتم أيها الأزهريون فعلتم هذا كله! أنتم تنكبتم سبيل أسلافكم، فما الشيخ اليوم شيخ مسلك، ولكنه موظف محاضر، وما التلميذ مريد طيع ولكنه مشاكس مشاغب، وما يطلب علمًا ولكن يبتغي شهادة، أنتم ثُرتم على مشايخكم، وعلمتم الناس الثورة عليهم، أنتم أيها الطلاب، أنتم مددتم أيديكم إلى مدرسيكم فجرأتم هؤلاء أن يمدوا أيديهم ...، أنتم أطلقتم ألسنتكم فيهم فشجعتم هذه الصحف أن تتطاول حزبية إلى الكلام على شيخ الأزهر، أنتم أيها الأزهريون جعلتموها جامعة فكان فيها ما يكون في الجامعات، وقد كانت جامعًا لا يكون فيه إلا ما يكون في الجامع، لقد كان الأزهر لله، فصار للناس، وكان للآخرة فغدا للدنيا، وكان يجيئه الطالب يبتغي العلم وحده، يتبلغ بخبز الجراية، وينام على حصير الرواق، ويقرأ على سراج الزيت، ولكنه لا ينقطع عن الدرس والتحصيل من مطلع الفجر إلى ما بعد العشاء، ينتقل من شيخ إلى شيخ، ففي كل ساعة درس، ولكل درس كتاب، ولكل كتاب ساعة للتحضير والمراجعة، لا يدع الدرس إلا للصلاة في المسجد، صلاة خشوع وتبتل، أو للأكل فيه، أكل قناعة وتقشف، أو لشرب العرقسوس أو الخرنوب، هذه ملذاتهم من دنياهم، لا يخرجون من المسجد إلا عصر الخميس، يؤمون الرياض والحياض للاستجمام والاستحمام لا يأملون من العلم مالًا، وقد كان أقصى مرتب الشيخ الأزهري إلى عهد قريب ثلاثة جنيهات في الشهر، ولا يبلغها إلا نفر قليل، فراضوا نفوسهم على القناعة، وعودوها الصبر وألزموها الرضا، هذا المرصفي يحدث عنه الأستاذ محمود حسن زناتي أنه كان في دار بالية، في حي قديم، وقد جلس على حصير ألقى عليه كتبه وأوراقه، ومن حوله خيط من عسل القصب، مرشوش على البلاط، يدرأ عنه هجوم البق، لم يمنعه هذا الحصير الخلق في هذا الدار البالية من أن يشرح عليه (الكامل)، وأورثهم هذا الفقر عزة في نفوسهم: أورثهم كبر العلم، وكل كبر مذموم إلا كبر العلم، فلم يكونوا يحفلون أحدًا من أبناء الدنيا؛ لأنهم لم يتذوقوا لذتها حتى يداجوا فيها، ولم يميلوا إليها حتى يتزلفوا إليهم من أجلها، كسروا قيودها وتخلصوا من رقها، وهانت عليهم وهان أهلها، هذا هو اللورد كرومر، وما أدراك ما اللورد كرومر؟!
يدخل على الشيخ محمد الأنبابي شيخ الأزهر، ويسلم عليه، فيرد الشيخ التحية وهو قاعد، فيعظم اللورد قعوده، ويقعد إلى جنبه، فيقول له مغضبًا: ( يا سيدنا الشيخ، ألست تقوم للخديوي؟
قال: نعم. قال: فلم لم تقم لي؟
قال: إن الخديوي ولي الأمر، وأما أنت فلست منا.) فيزيد ذلك اللورد إجلالًا له، ويكتبه في أحد تقريراته لحكومته.

وهذا هو رياض باشا، وكان رئيس الحكومة، وناظر المالية يزور مدرسة دار العلوم، وكان الشيخ حسن الطويل مدرسًا فيها، فلا يسلم الرئيس ويدخل حتى يبتدره الشيخ من آخر القاعة، فيقول له: يا باشا، أما آن لكم أن تجعلوني معكم ناظرًا؟ فيدهش الباشا ويقول: ما هذا يا شيخ حسن؟
فيقول: ما تسمع يا باشا؟
قال: فأي نظارة تريد؟ قال: المالية. قال: لماذا؟
قال: لأستبيح أموالها. فذعر الباشا وخرج يرتجف، وقال لعلي مبارك باشا ناظر المعارف: لا بد أن تخرج هذه الرجل من خدمة الحكومة. قال: كيف وماذا أصنع مع علماء الأرض وهو عالم عالمي؟)
كذلك كانوا، زهدوا في الدنيا فجاءتهم الدنيا، وأعرضوا عنها فأقبلت عليهم، وهابوا الله فهابهم الناس، فكيف حالكم اليوم يا إخواننا الأزهريين؟

يا إخواننا، إن هذا الأزهر المعمور، لبث خمسمائة سنة من عمره، وهو منار العلم المفرد في الدنيا لولاه لتاهت في ظلمات الجهل، وهو حارس الدين واللغة، فأدركوه لا ينطفئ المنار، ويهجع الحارس، وتترك الدنيا للظلام وللصوص.

يا إخواننا، ما عاش الأزهر، ولا عز بالعلم وحده، وما العلم بلا عمل؟ ولكن عز بالتقوى وبالعمل وبالخلق المتين.

لقد كانت لعلماء الأزهر أخلاق لا أقول ضاعت، ولكن اختفت عن الناس، تلك الأخلاق كانوا يجلون مشايخهم فيجلهم الناس كلهم، هذا هو الشيخ الباجوري شيخ الجامع كان يجلس بعد المغرب في الصحن فيقبل عليه العلماء والطلبة يقبلون يده، وكان الشيخ مصطفى المبلط وهو أكبر منه، ناظره في طلب المشيخة ولم ينلها، يندس فيهم ويقبل يد الشيخ، فانتبه إليه مرة، فأمسك به وبكى وقال: (حتى أنت يا شيخ مصطفى؟ لا لا.

فقال الشيخ مصطفى: نعم. وأنا! لقد خصك الله بفضل وجب أن نقره، وصرت شيخنا فعلينا أن نوقرك). وكانوا يقدمون العلم على المنصب، ويعرفون لأهله حقهم، هذا هو الشيخ الشربيني شيخ الجامع الأزهر يدخل مع الطلبة على الشيخ الأشموني حتى يلثم يده، وكان الأشموني ربما قال له: إزيك يا عبد الرحمن؟
فيكون الشيخ كأنما حيَّته من فرحته بذلك الملائكة. ولم يكونوا يدعون للعدو ثغرة يدخل منها إليهم، ويجعلون خلافهم إذا اختلفوا بينهم، هذا هو الشيخ الأمير كانت بينه وبين الشيخ القويسني جفوة بلغت الحاكم، وزاره الأمير فسأله عنها، وأوهمه أن القويسني أخبره بها، وكان يريد معرفة حقيقتها ليزيلها، فقال الشيخ الأمير: ليس بيننا إلا الخير، وما أظن الشيخ القويسني حدثك بشيء من هذا. وأثنى عليه ومدحه، ونزل من عند الحاكم فمر به على ما كان بينهما، وأنبأه بما كان فقال القويسني: صدقت في ظنك ما قلت للحاكم شيئًا. قال الشيخ الأمير: هكذا أهل العلم يسوون أمورهم بينهم. أما مظهرهم فيجب أن يكون قدوة في التآلف إمساكًا على عروة الإسلام، وحفظًا لكرامة العلم، وزال بذلك ما كان بينهما.

فيا إخواننا الأزهريين، سألتكم بالله ارجعوا بالأزهر إلى سبيله التي درج عليها، أعيدوه سنته الأولى، أفيضوا عليه الدين والتقوى، والتقوى روح العلم، فإن فارقته كان جسمًا بلا روح، أحيوا فيه أخلاق الأسلاف، ليكن لكم تقاهم وزهدهم، فتكون لكم عزتهم ومكانتهم، يا إخواننا لم نجد والله خيرًا في الجامعة الأزهرية، فردوا علينا الجامع الأزهر!.

المصدر : http://almoslim.net/node/144440

 
بارك الله فيك يا أبا زارع وفي د. خالد السبت على التذكير بهذه المقالة القيمة .
رحم الله الطنطاوي وحفظ الله الأزهر بعلمائه وأهل الفضل فيه وهم كثيرون ، وكم لهم علينا من أياد بيضاء لا ننكرها ولا نكفرها . نسأل الله أن يعيد له مكانته في خدمة العلم وطلابه .
 
رسالة نداء إلى علماء الأزهر

رسالة نداء إلى علماء الأزهر

رسالة نداء إلى علماء الأزهر:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وبعد:
فإن الجامع الأزهر هو أقدم مؤسسة علمية في تاريخ الأمة الإسلامية، وما زال قائماً إلى اليوم، وقد كان له دور كبير في حفظ هوية الأمة ودينها، وما زال - ولله الحمد -.

والأمة الإسلامية تكنُّ لهذه المؤسسة العلمية كلَّ حب وتقدير.

وقد كان العبيديون الذين أسسوا هذا الجامع أرادوا به أن يكون مرجعًا للعقيدة الباطنية، إلا أن الله – عز وجل - قد أبطل مكرهم وقيّض له القائد المظفر صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله -؛ فحوله إلى مؤسسة علمية سُنّية، وأزال كلَّ أثر لهذه الدولة الباطنية في مصر الكنانة، ومنذ ذلك التاريخ وهذا الجامع يرعى العقيدة الإسلامية ويدافع عن الأمة الإسلامية؛ فكم له من منة في أعناق الأمة؟..

ولكن الذي يدعو إلى الأسى أن الدين الذي أخرجه القائد صلاح الدين الأيوبي- رحمه الله - من الباب رجع إلى مصر من النافذة، وافتُتح له دار سميت "دار التقريب" مكراً وخداعاً.

وقد قَبِل الأزهر هذه العودة، وشارك في بعض مؤتمراته، بل وأفتى بعض علمائه بشرعية فقه هذه النحلة! ولهذا فنحن نطرح بين يدي علماء الأزهر الأفاضل (حصن العقيدة وحارس الملة) ما يأتي:

1 ــ الأمة الإسلامية مجمعة على أنه لا مصدر للدين الإسلامي إلا مصدران القرآن (الكريم والسُّنة النبوية المطهرة)، وأنهما وحدهما يرجع إليهما عند التنازع، ومن ادعى غير ذلك فقد خرج عن الأمة الإسلامية، والإجماع والقياس قائم عليهما، وليسا مصدراً خارجياً.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (59) - سورة النساء.

2 ــ أنه ليس هناك أحد يرقى إلى مرتبة النبي - صلي الله علية وسلم - فيكون قوله وفعله تشريعاً مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم – وفعله، ومن زعم ذلك فقد خرج عن الأمة الإسلامية.

قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ) (65) – النساء.

3 ــ أنه ليس هناك أحد قوله معصوم من الخطأ غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن ادعى غير ذلك فقد خرج عن الأمة الإسلامية.

قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)). سورة النجم.

وقد أكمل الله - عز وجل - الدين قبل موت نبينا - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). (3) –المائدة.

هذه هي عقيدة الأمة الإسلامية.

ونحن لا نُعلِّم أصحاب الفضيلة أمراً لا يعرفونه؛ فإنهم هم أصحاب السبق والفضل في هذا الباب، والأمة الإسلامية مدينة لهم بالعلم والفضل.

ولكننا نذكر هذه المقدمة لنذكِّر بالوجه المقابل لها الذي قد خالف أصحابه هذه الإجماعات الإسلامية، ثم يقبل الأزهر هذا الوجه المقابل ويساويه بالإسلام ويجعله مذهبًا فقهيًّا كبقية مذاهب الأمة؛ فيأذن له في أرضه ويفتي بعض علمائه بشرعية فقهه!!

1- فقد رأينا أن الأمة الإسلامية ليس لها مصدر للتشريع إلا القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة.

والشيعة (الاثنا عشرية) قد استحدثت "اثني عشر مصدرًا" بجوار القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة، منها تؤخذ العقيدة، ومنها تؤخذ الشريعة، وهذا مناقض لدين الله - عز وجل -.

فكيف جاز لعلماء الأمة وقادتها في الأزهر أن يقبلوا هذه المصادر لتكون بجوار كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؟!

أليس ذلك تنقصًا لهما وقبول ما ينازعهما؟!!

2- ورأينا أنه ليس هناك معصوم في الأمة غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الشيعة الاثني عشرية نصبوا اثني عشر معصومًا بجوار النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتقدون عصمة قولهم وفعلهم، كما يعتقدون عصمة قول النبي - صلى الله عليه وسلم – وفعله!!

وهذه منازعة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وتنقيص لمكانته؛ حيث نُصب بجواره - صلى الله عليه وسلم - بعض أتباعه من أهل بيته ليكون قوله كقوله وفعله كفعله! ثم يقبل الأزهر هذه المنازعة ويضعها بجوار أقواله وأفعاله - صلى الله عليه وسلم -!

3- ورأينا أن الأمة قد أجمعت أن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد؛ لأن قوله قابل للخطأ والصواب إلا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن قوله كله صواب لا خطأ فيه؛ لأنه من وحي الله - عز جل -.

ولكن الشيعة الاثني عشرية قد جعلت قول بعض أتباعه من أهل بيته - صلى الله عليه وسلم - مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -، وجعلت فعلهم غير قابل للخطأ والصواب!

فقد نسبوا إلى أبي عبد الله أنه قال: (ما جاء به علي عليه السلام آخذ به وما نهى عنه انتهى عنه، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد (ص)، ولمحمد (ص) الفضل على جميع من خلق الله - عز وجل -، المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله» (الكافي: [1 /196، 197]).

ونسبوا إلى عمر بن حنظلة أنه قال: «سألت أبا عبد الله عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث... إلى أن: (قال ينظران إلى ما كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكمًا فإني قد جعلته عليكم حاكمًا. فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله» (الكافي: [1/ 67 -68])

والشيعة الاثنا عشرية المعاصرون يدينون بهذا الدين، بل تجاوزوا إلى أن رفعوا فقهاءهم إلى مرتبة الأئمة في عصمة أقوالهم، والراد عليهم كالراد على الله تعالى.

يقول المظفر - وهو أحد شيوخ الشيعة الاثني عشرية المعاصرين-: «عقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط أنه نائب للإمام عليه السلام في حال غيبته، وهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس. والراد عليه راد على الإمام، والراد على الإمام راد على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت - عليهم السلام -، فليس المجتهد الجامع للشرائط مرجعًا في الفتيا فقط، بل له الولاية العامة، فيرجع إليه في الحكم والفصل والقضايا، وذلك من مختصاته لا يجوز لأحد أن يتولاها دونه إلا بإذنه، كما لا تجوز إقامة الحدود والتعزيرات إلا بأمره وحكمه، ويرجع إليه في الأموال التي هي من حقوق الإمام ومختصاته، وهذه المنزلة أو الرئاسة أعطاها الإمام عليه السلام للمجتهد الجامع للشرائط ليكون نائبًا عنه في حال الغيبة؛ ولذلك يسمى (نائب الإمام)». (عقائد الإمامية: [ص57]).

وعلى حسب زعمهم فجميع علماء الأزهر على حد الشرك؛ لأنهم لم يأخذوا لا بقول الأئمة ولا بقول فقهاء الشيعة!!
هذه هي عقيدة الشيعة الاثني عشرية قديماً وحديثاً فكيف يقبل الأزهر أن يضع هذه الأقوال بجوار أقوال علماء الأمة التي تعتقد الأمة أنها أقوال قابلة للصواب والخطأ مع دعوى أصحابها أنها أقوال معصومة فتكون النتيجة إدانة لكامل الأمة؛ لأنهم يقدمون أقوال غير المعصوم على أقوال المعصوم؟!

والحل لهذه المشكلة العظيمة في أحد أمرين:
الأمر الأول: أن يطلب الأزهر من أعلى مرجع شيعي في الدين الشيعي - إذا كان يريد أن يكون الدين الشيعي مذهباً كبقية المذاهب الإسلامية - أن يصدر بياناً يعترف فيه بأن المذهب الشيعي الاثني عشري مذهب كبقية المذاهب الإسلامية لا يؤمن بمصدر للدين الشيعي غير المصدرَيْن (القرآن والسنة)، وأن أقوال الأئمة التي اعتمد عليها المذهب وسموها باسم "مذهب آل البيت" ليست مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ترقى إليه، وأن الأقوال الصادرة منهم أقوال قابلة للخطأ والصواب كغيرهم من علماء الأمة المجتهدين.

وبذلك يمكن للأزهر أن يصنف الدين الشيعي على أنه مذهب كبقية المذاهب الإسلامية.

الأمر الثاني: أو يعلن الأزهر أن هذا المذهب الإمامي الاثني عشري لا تتوافر فيه شروط المذاهب الإسلامية المعتمدة التي تعتمد مصدرين أساسين للتشريع، وأنه لا معصوم لأحد من الأمة غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن الأقوال الصادرة من غير النبي - صلى الله عليه وسلم - قابلة للخطأ والصواب.

وبهذا يكون الأزهر قد حمى دينه وصان مكانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المنازعة، وحافظ على عقيدة الأمة.

وإننا لا نخال الأزهر إلا أنه سيستجيب لهذا المطلب أو يتسبب في إعادة هذه العقيدة الباطنية إلى أرض الكنانة برخصة أزهرية يحمل وزرها إلى قيام الساعة؛ إذ قبوله لهذا المذهب المناقض لدين الإسلام يروِّج له بين الأمة.

فإنه ما من عالم مسلم بل ولا رجل عادي من الأمة بعد أن انكشفت حقيقة المذهب ليرضى بأن يكون هذا الدين مذهباً مجاوراً لمذاهب الأمة.

وإننا لعلى يقين بأن الأزهر سيبقى منارة للأمة، وحبه لربه – عز وجل - ولنبيه صلى الله عليه وسلم سيجعله يتخذ القرار الذي يرفعه عند الله – عز وجل - ثم عند الأمة الإسلامية.

وأما نسبة هذا المذهب إلى آل البيت فإننا ندين الله – عز وجل- بأن آل البيت منه براء، وأن سيرهم والأقوال الواردة عنهم تتبرأ من هذا المذهب، وأنه لا مذهب لهم إلا الكتاب والسنة، وأن تلك الأقوال المنسوبة إليهم ليست من أقوالهم، وإنما وُضعت عليهم.

ولما كان ظاهر آل البيت هو ما عليه المسلمون فقد عمد أولئك الوضاعون بأن شككوا الناس في مصداقية ظاهر آل البيت، وادعوا عليهم بأن لهم ديناً آخر غير الظاهر، وأنهم إنما يظهرون موافقة الأمة "تقية" وإلا فإن لهم ديناً سرياً!!
فإذا سأل الناس عن هذا الدين؟!

قالوا: نحن نخبركم به.

ثم وضعوا روايات ونسبوها إليهم، وهم منها براء، وقالوا: هذا هو دينهم السري الذي أطلعونا عليه وأخفوه عن الناس خوفاً منهم!!

عجباً لهذه المقولة المنكرة على آل البيت بنسبتهم إلى خداع الأمة والجبن عن إظهار دينهم خوفاً من البشر ولا يخافون رب البشر!!

ولا يعني ما ذُكر أعلاه أننا نطالب بحرب مع أتباع هذا الدين أو أن نجبرهم على ترك دينهم، وإنما نحن نطالب بإيضاح الحقائق لئلا نتسبب في إغواء الناس بقبول ما يناقض الإسلام باسم الإسلام!

ثم تبقى قضية مهمة، هي أن الشخص الذي يختار هذه العقيدة لا يكره على تركها، ولا يُؤذى، وإنما يحاوَر بالحسنى، وله حق الحياة والتدين بما يعتقد، ولكن يجب عليه أن يحترم عقيدة الأمة ولا يتنقصها، وهذا من باب "التعايش" الذي يحفظ الحقوق ولا يغيّر الحقائق، والوضوح في هذه القضايا مهم جداً لحراسة عقيدة الأمة.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

أ.د. أحمد بن سعد حمدان الغامدي
الأستاذ بجامعة أم القرى
مكة المكرمة 27/6/1431هـ
http://www.facebook.com/notes/%D8%A3%D8%AF%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D9%85%D8%AF%D9%8A/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D9%86%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%87%D8%B1/116183795093664
 
جزاكم الله خيراً على هذا المقال ورحم الله الشيخ علي الطنطاوي ،والحق أن هذا التوازي بين قيادة علماء الدين وحكم الحكام قد خفف من تطرف هذا الحكم وغلوائه،وقد ألغاه أحياناً،هذا التوازي حمى الأمة الإسلامية لعقود طويلة من أن تشهد عصور استبداد كالتي شهدتها أوروبا لأن شرط منح الشرعية لحكم الحاكم مرتهن بتنفيذ الشريعة الإسلامية ،وما أعتقده يقيناً أن السلطة الدينية لا زال لها أثر على الناس يوازي السلطة السياسية أو يفوقها،إلا أن المفقود عندنا الآن تخلي علماء الشريعة عن دورقيادة الأمة الإسلامية ولا أدري السبب في هذا عدم معرفتهم بحجم سلطتهم ،أو العكس إدراكهم لقوة هذه السلطة على الشعوب مما جعلهم يخافون ويتحسبون من استعمالها.
 
عودة
أعلى