نعم أخي الاستاذ عبدالرحمن، لكن قال الحكماء : ( ما لا يدرك كله لا يترك جله ) .. واتذكر هنا ما قاله استاذنا الدكتور عبدالرحمن الشهري للاستاذ العبيدي في موضوع "
تعليقات وتعقيبات على التفسير الميسر" : (مع تقديري الشديد لهذه الملحوظات واستفادتي وغيري منها ، إلا إنني أقترح أن تترفق يا أبا مجاهد قليلاً وفقك الله . فأخشى أن يوقف توزيع التفسير الميسر مرة أخرى ولا نحصل عليه إلا بصعوبات بالغة بسبب الملحوظات).
لهذا السبب قلت في تعليقي اعلاه : (لا يعقل ان نطلب من قسم الترجمة في مركز تفسير ضبط الأدوات والوسائل في هذه المرحلة، كأن نطلب منه - ومن الآن - ان يضع قاموسا مرجعا للجهاز الاصطلاحي المفاهيمي الذي يوجه المقال الاستشراقي)!
طبعا انا اكتب هنا في ملتقى وليس في موقع او منشور، اكتب افكارا حدودها الترابية المنتدى، فقيمة كل فكرة اكتبها حسب تفاعل اهل الاختصاص معها: باركوها؟ سجلتها عندي وربما نشرتها وترجمتها مستقبلا في موقع او غيره. سكتوا عنها ولم يعلقوا بشيء؟ هذه فكرة كمونية سترجع بصيغة أو بأخرى أو انها عدم. علقوا عليها وانتقدوا ووجهوا؟ اكون قد تعلمت، واستفدت، وافدت (المتخصصَ بان تعرف على هموم واستشكالات وجهالات وتخبطات ونظرات وتطفلات وتأملات قارئ باحث يقوم من حين لآخر بإطلالة على فنونهم). هذا هو المنتدى العلمي حيث يلتقي المتخصصون بالتلاميذ والطلاب والمثقفين ..
لاشك لدي ملاحظات واقتراحات تتعلق بالترجمة وبقراءة المقالات، لكن اكتبها هنا للاخذ والرد، ولن اراسل احدا اذ لست فقيها في عــلــوم الترجمة، مع اجازة في الاستشراق، واخرى في الدراسات القرآنية، وثالثة في الادب الانجليزي (اللغة المنقول منها)، وليست العربية (اللغة المنقول اليها) لغتي الأم.
مثال:
كتبتَ
محمد ليس أبا أحد من الرجال؟!
ما هذه الترجمة؟
نرجو التكرم بمراجعة الترجمة وسرعة التصويب لأن بها كثير من الأخطاء والارتباك.
أقول: عنوان كتاب ترجمه ترجمة وافية لا اشكال عليها ام هذا مثال لم تجد غيره ورأيت خطورة ما ؟ رجعت سريعا الى النص فقررت ان اقتبس من الترجمة فقرة - من المقدمة - فاجعلها الى جانب الاصل الانجليزي، ثم اترجمها، ثم اسجل بعض الملاحظات.
قال المترجم حسام صبري جزاه الله خيرا:
ينسب التراث الاسلامي للخليفة الثالث عثمان بن عفان جمع القرآن في مصحف واحد على حرف واحد، وقد نقل لنا البخاري من طريق ابن شهاب الزهري قصة جمع المصحف في روايتين: تذكر الاولى منهما أنه في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق وبإلحاح من خلفه عمر بن الخطاب عهد إلى زيد بن ثابت كاتب الوحي بمهمه جمع نصوص القرآن وتدوينه في الصحف والرّقاع.
أما الرواية الثانية فتبين لنا أن حذيفة بن اليمان حين كان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية أفزعه اختلاف أهل العراق والشام في القراءة، فأراد عثمان أن يجمع الناس على قراءة واحدة فأمر زيد بن ثابت بجمع الصحف التي كانت عند حفصة بنت عمر في مصحف واحد، ثم أرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف فأحرق. (ص؛ 6-7)
النص الأصلي:
The Islamic tradition credits the promulgation of a uniform consonantal skeleton (rasm) of the Quran to the third caliph ʿUthmān (r. 644–656). The best-known account of how this standardization came about is contained in two reports that are cited,inter alii, by al-Bukhārī, with isnāds passing through Ibn Shihāb al-Zuhrī (d. 124/741–2). According to the first one, during the reign of the first caliph Abū Bakr (632–634) but at the instigation of his eventual successor ʿUmar, Muḥammad’s scribe Zayd ibn Thābit was charged with the task of collecting all available Quranic revelations and transcribing them on sheets of paper. The second tradition describes how during a campaign in Armenia, which apparently took place in 30/650–1, the commander Ḥudhayfa ibn al-Yamān became alarmed at differences in reciting the Quran that he had observed between military contingents from Iraq and Syria. In order to promote uniformity, ʿUthmān ordered that Zayd’s recension – which had ended up in the possession of ʿUmar’s daughter Ḥafṣa – be copied down in proper codices (maṣāḥif) and that these be dispatched to the various regions of the empire.
ترجمتي:
ترجع الروايات الاسلامية الفضل في إصدار هيكل ساكن (رسم) موحد للقرآن إلى الخليفة الثالث عثمان بن عفان. واما كيف تم تحديد هذا المعيار فان أشهر وصف له متضمن في خبرين ذكرهما، من بين من ذكرهما، البخاري بأسانيد تمر عبر ابن شهاب الزهري. تذكر الرواية الاولى ان ذلك تم في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق لكن عن حثّ من خلفه المباشر عمر بن الخطاب إذ كُلّف زيد بن ثابت الذي كان كاتبا لمحمد --صلى الله عليه وسلم-- بمهمة تجميع كل الوحي المتوفر وتدوينه في الرقاع.
وتصور الرواية الثانية حادثة فزع قائد الجيش حذيفة بن اليمان أثناء حملة بأرمينية من ملاحظته لما وقع من اختلاف في قراءة القرآن بين الوحدات العسكرية من أهل الشام والعراق. ومن اجل نشر الاصدار الرسمي، أصدر عثمان أمرا بنقل النص المنقح - وكان بحيازة حفصة - والذي اشرف على تنقيحه زيد إلى كراريس شرعية (مصاحف)، ثم يبعث بها الى شتى أمصار الامبراطورية.
ملاحظات:
قال المترجم:
التراث الاسلامي يقابل بها (islamic tradition)
قلت: التقاليد الاسلامية حرفيا لكن المؤلف اراد
الروايات الاسلامية بدلالة السياق.
(اما قوله "تنسب .." وقولي "تُرجع الفضل الى" فشكليات وكذلك بالنسبة لقوله "ولي الخلافة .." وقولي "حكم بين ..").
قال:
جمع القرآن في مصحف واحد على حرف واحد يقابل بها (the promulgation of a uniform consonantal skeleton (rasm))
قلت:
إصدار هيكل ساكن (رسم) موحد للقرآن لاسباب:
1) promulgation مفهوم مستعار من القانون ويعني صدور القانون و نشره وإعلانه وتعميمه؛ فالمقام هنا حاكم يتخذ قرارا، لذا الكاتب اختار اللفظ لعله، ستظهر مرة اخرى وثالثة في هذه الفقرة.
2) لم يتكلم عن المصحف ولا الحرف ولا الحرف الواحد، بل تكلم عن الرسم الكلمة التي جعلها بين قوسين لانه استعمل مصطلحا جديدا هو "الهيكل الساكن" أو consonantal skeleton ومن اراد معرفة المعنى فليعد الى كتابه "القرآن: مقدمة تاريخية نقدية" أو فليعد الى دراسات لغوية سامية، وخاصة في سياق تاريخ الخط وتطوره، ليفهم الحيثيات والايحاءات .. ولاختصر:
هيكل ساكن تتكون من كلمتين الاولى معارة من الجثة والثانية من اللسانيات، فالاولى معناها "الشكل الخارجي للاحرف منتظمة في بناء كلمة"، واما الثانية فتعني "ما يرمز الى الصوت في الكتابة ما عدا اصوات المد".
الهيكل الساكن لـ ( كـتـب ) هو ( كـىـىـ ) تتكون من ثلاث رسمات، والرسمة الوسطى ( ـىـ ) هذه سن واحدة تقبل السواكن التالية: الـبـاء و الـيـاء و الـنـون و الـتـاء و الـثـاء، كما تقبل الرسمة الثالثة والأخيرة ثلاثة سواكن، وعليه يمكن قراءة ( كـتـابٌ ) و ( كُـتـبٌ ) و ( كُـنْـتُ ) و ( كـانـت ) و ( كَـبَّـبَ ) و ( كَـبَـثَ ) و ( كَـيَّـتَ ).
3) موحد بفتح الحاء وكسرها تتعلق بالرسم.
4) كتب (رسم) بين قوسين فالمعنى اريد هذا بذاك وذاك بهذا، وسيكتب (مصاحف) ايضا بين قوسين لانه اراد التركيز على مصطلحه هو لما يحمله من دلالات؛ والملاحظ انه لم يفعل نفس الشيء مع كلمة اسانيد اي لم يكتبها (اسانيد) بل كتبها isnāds هكذا كلفظ دخيل (loan-word) او ما يسمى بالمعرب في العربية، والدليل انها كذلك انه جمع السند على قواعد الانجليزية، عكس استعماله لـ ( رسم ) و ( مصاحف )، كما سيأتي.
5) هو لا يريد مصحفا واحدا لانه في نهاية الفقرة سيستعمل الجمع : كراريس شرعية (مصاحف)، وهذا هو الاقرب للصحة - مع تحفظنا على قصة الكراريس هذه - لاننا نقول المصحف الامام لتمييزه فنقول المصحف الامام ومصاحف الامصار، والمؤلف لم يقصد لا هذه ولا ذاك، بل يقصد " الهيكل الساكن الرسمي الموحد" هكذا.
6) لا ذكر للاحرف لا من بعيد ولا من قريب.
7) بهذا اعيد ترجمة عنوان الورقة، فحيث قال المترجم : "
متى اصبح القرآن نصا مغلقا؟"، اقول انا : "
متى حسم الهيكل الساكن النهائي للقرآن؟"، اما قصة "النص المغلق" فتصلح مع الحداثيين والمتفلسفة ومن سلك سبلهم في التأويل والتحليل، وليس مع السيد نيكولاي سيناي.
قال:
جمع القرآن في مصحف.. حيث دمج فيها قول المؤلف (standardization).
قلتُ:
تحديد المعيار لان المصطلح هذا جزء من شبكة مفاهيمية تحكم الفقرة والورقة، في علاقة مع الترسيم والاصدار والتعميم والاختيار، ومن جهة اخرى مع الحكم والامر والشورى (لجنة زيد) والتصديق والهيمنة والحفاظ على وحدة صف الجيش. فلا تُسقَط مثل هذه!
قال:
قد نقل لنا البخاري من طريق ابن شهاب.
قلت: اسقط المترجم "inter alii" فالمؤلف ذكر البخاري على سبيل المثال اي ان الروايتين -عنده- ذكرهما البخاري وغيره. اما عبارة "من طريق" فعبارة علمية حديثية لم يستعملها المؤلف رغم ما يوهمه لنا استعماله لكلمة اسانيد، بل عبارته هو تحمل دلالة لا تكمن في العبارة الاسلامية.
قال:
في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق و بإلحاح من خلفه عمر بن الخطاب ليقابل بها (during the reign of the first caliph Abū Bakr
but at the instigation of his eventual successor ʿUmar).
قلت: بل "
في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق لكن عن حثّ من خلفه المباشر عمر بن الخطاب"، ففرق كبير بين "و بالحاح" و "لكن بالحاح" حيث الاولى مفيدة للجمع وتثبت مشورة ومشاركة للفاروق، بينما الثانية تفيد الاستدراك والتأكيد على الحث فالمؤلف اختصر اشياء بأداة لغوية واحدة but هيكلها الساكن bt. ما مثلها يُسقَط من الأصل إلا في رواية ادبية خيالية! أما قوله "بالحاح" وقولي "عن حث" فمجرد شكليات كقول صاحبنا "محمد ليس أبا أحد من الرجال؟! : ما هذه الترجمة؟" سواء بسواء.
قال:
زيد بن ثابت كاتب الوحي ليقابل بها (Muḥammad’s scribe).
قلت: بل وصفه بالنساخ من غير تخصيص، فقلت
الذي كان كاتبا لمحمد --صلى الله عليه وسلم--، واما اسلمة النص ففي الهامش او باستحداث رموز لا يستعملها المؤلف.
قال:
جمع نصوص القرآن وتدوينه في الصحف والرّقاع ليقابل بها (collecting all available Quranic revelations and transcribing them on sheets of paper).
قلت:
تجميع كل الوحي المتوفر وتدوينه في الرقاع، لانه ذكر الرقاع فقط، وقال كل الوحي المتوفر لا نصوص القرآن من غير تقييد هكذا، فكلام المؤلف يحتمل ما لا تحتمله تلك، كذلك الفرق بين التجميع collecting والجمع compilation. وبالتالي أسلمة النص في الهامش أو باستحداث رموز لا يستعملها المؤلف، لا في النص المصدر، والا كان تحريفا.
قال:
أن حذيفة بن اليمان حين كان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية أفزعه اختلاف أهل العراق والشام في القراءة ليقابل بها (during a campaign in Armenia the commander Ḥudhayfa ibn al-Yamān became alarmed at differences in reciting the Quran that he had observed between military contingents from Iraq and Syria).
قلت:
فزع قائد الجيش حذيفة بن اليمان أثناء حملة بأرمينية من ملاحظته لما وقع من اختلاف في قراءة القرآن بين الوحدات العسكرية من أهل الشام والعراق. لان المؤلف:
1) لم يقل غزوة بل حملة.
2) لم يذكر غزو اهل الشام في فتح أرمينية.
3) لم يجرد حذيفة بن اليمان من لقبه ووظيفته إذ قال "أمير الجيش".
4) لم يقل اختلف اهل الشام والعراق بل اختلاف الوحدات العسكرية اي افراد من الجيش من اهل الشام والعراق.
5) ما مثله تسقط من الاصل للسبب الذي ذكرته اعلاه ان النص توجهه شبكات مفاهيمية فهو لم يقل "امير الجيش" عبثا ولم يذكر العسكر عبثا، بل الكلام فيه تركيز على الباعث السياسي.
قال:
فأراد عثمان أن يجمع الناس على قراءة واحدة ليقابل بها (In order to promote uniformity).
قلت:
ومن اجل نشر الاصدار الرسمي، أصدر عثمان أمرا .. اي لم يذكر المؤلف القراءة الواحدة بل أراد توحيد الرسم، او ترسيم الوجه الذي يسدد القراءات من خلال الكراريس الشرعية (
الاصدار الرسمي)، ولم يستعمل المؤلف فاء التعقيب "
فأراد" بما يوحي رضوخ عثمان بن عفان لسجل أرمينية، بل فصل بالنقطة ليترك العلاقة قائمة ومفتوحة بين الخلافة والشورى ووزارة الدفاع.
قال:
فأمر زيد بن ثابت بجمع الصحف التي كانت عند حفصة بنت عمر في مصحف واحد، ثم أرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخ.
قلت: بل قال
أصدر عثمان أمرا بنقل النص المنقح - وكان بحيازة حفصة - والذي اشرف على تنقيحه زيد إلى كراريس شرعية (مصاحف)، ثم يبعث بها الى شتى أمصار الامبراطورية.
خلاصة:
هل أخطأ المترجم؟ لا نستطيع اطلاق الحكم دون معرفة مقصده، لان المترجم امامه نص أمانة، والقارئ أمانه. يجب الحفاظ بقدر الطاقة على مراد صاحب النص، وكذا على حاجيات الطالب الذي يريد النص مترجما. إذا كان هدف المترجم نقل الفكرة بشكل عام مجمل، فقد نجح هنا وهنالك. اما اذا كان غير ذلك، فالقصة تختلف. ثم ان النص الاصلي نص علمي، فهل اراد المترجم ترجمة النص علميا، أم كان همه أدبيا فنيا؟ في الحالة الاخيرة لا اشكال. ومهما كان الامر فلا يجوز ان نشتغل بـ "أخطاء" لفظية وأخرى وهمية شكليه، وفي اختيار العبارات، لان العبرة بالجهاز المفاهيمي والعلاقات التي تربط بين المصطلحات من خلال اشارات ومرجعيات، لان هذا هو المهم.
وفي هذه المرحلة ينبغي استثمار الاهتمام في تحقيق التناسق والاتساق والترابط، فلا يأتي أحمد بـ "الهيكل الساكن" وياتي عبدالخالق بـ "القط الأزرق" وعزالدين بـ "الحرف المصحفي" .. لأن ما يضمن تداول المعلومة في منظومة معرفية خلاقة منتجة هو ترسيم المصطلحات وتعميمها والاشتغال بشبكة مفاهيمية اصطلاحية مشتركة.