إعلام اللهفان بفضيلة الطهارة لمس القرآن

إنضم
21/11/2010
المشاركات
114
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
إمبابة مصر
الحمد لله وحده و الصلاة والسلام على من لا نبي بعـده ، وعلى آله وصحبه ، أما بعـد :
فإن القرآن الكريم هو كلام الله المبين ، وكتابه المعجز ، وتنزيله المحفـوظ ، جـعله الله شفاء للصـدور ، و فرقاناً بين الحلال والحرام ، و فرقاناً بين الحق والباطل ، وقد أنـــزله الله سبحانه و تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ليخرج الناس به من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والهـدى ، ليكون عصمة ونجاة لمن تمسك به ، لذلك فتلاوة القرآن من خير ما ينفق الإنسان فيه عمرهطاعة لله عز و جل ، و قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اقرءوا القـرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ))[FONT=MCS P_Mohammad.][1][/FONT] وقال صلى الله عليه وسلم : (( الذي يقرأ القرآن ،وهـو ما هر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ، ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ))[FONT=MCS P_Mohammad.][2][/FONT] وقال صلى الله عليه وسلم : (( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول : ألم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حــرف ، وميم حرف ))[FONT=MCS P_Mohammad.][3][/FONT] ،وشرع الله عند مس المصحف الطهارة ،واختلف العلماء فى حكم الطهارة لمس المصحف فمنهم من يقول بالوجوب، وهذا قول أكثر الفقهاء ، ومنهم من يقول بالاستحباب ومنهم الظاهرية ، وكل من القولين له أدلته ،وله وجاهته،ولأهمية المسألة أحببت كتابة بحث مختصر فيها أبين فيه قولى الفقهاء وأدلتهم وترجيـح الرأى الموافق للكتاب والسنة ، وكان هذا البحـث مكوناً من مقدمة وخمسة فصول وخاتمة:

المقدمة : تشمل عرضا سريعا للمسألة.
الفصل الأول : عرض قولي الفقهاء .
الفصل الثانى : أدلة قول الجمهور .
الفصل الثالث : أدلة مخالفي الجمهور.
الفصل الرابع : القول الراجح .
الفصل الخامس : ما ترتب على القول الراجح.
الخاتمة : تشمل خلاصة البحث.

أسأل الله أن يلهمنى الرشد والصواب والرشاد .
و كتب ربيع أحمد سيد - إمبابة - الأثنين23 رمضان 1427 هجرياً 16 أكتوبر 2006 ميلادياً










[1] - رواه مسلم
[2] - متفق عليه
[3] - رواه الترمذي و قال : حسن صحيح
 
الفصل الأول : عرض قولي الفقهاء

الفصل الأول : عرض قولي الفقهاء

الفصل الأول : عرض قولي الفقهاء




اختلف العلماء في مس المصحف دون طهارة فالجمهور على المنع ،و هذا هو المذهب المنقول عن جمع من الصحابة منهم علي بن أبي طالب ، و عبد الله بن مسعود ، و سعد بن أبي وقاص ، و عبد الله بن عمر ، و سعيد بن زيد ، و سلمان الفارسي ، وغيرهم ، و قال به جمهور التابعين و منهم : عطاء بن أبي رياح ، و ابن شهاب الزهري ، و الحسن البصري ، و طاوس بن كيسـان ، و النخعي ، و الفقهاء السبعة ، و هو مذهب مالك و الشافعى و اختلفت الرواية عن أبي حنيفة ، فروي عنه أنه يمسه المحدث، و قد نقل هذا القول عن ابن عباس ، والشعبي ، والضحاك[1]، والحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان، وداود الظاهري[2]، وهو مذهب الظاهرية[3].



[1] - الجامع لأحكام القرآن 17/226 دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ، 1387هـ/1967م ، نيل الأوطار ، 1/261 دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، 1402هـ/1982م.
[2] - المغني 1/ 147مكتبة الرياض الحديثة ، المجموع للنووي 1/79 مكتبة العاصمة
[3] - انظر : المحلى ، 1/77 طبعة دار الآفاق .
 
الفصل الثانى : أدلة جمهور العلماء و مناقشتها : الدليل الأول :

الفصل الثانى : أدلة جمهور العلماء و مناقشتها : الدليل الأول :

الفصل الثانى : أدلة جمهور العلماء و مناقشتها :



الدليل الأول :
قوله تعالى : ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ سورة الواقعة

وجه دلالة الآية:

إن الله عز و جل أخبر أن هذا القرآن الكريم لا يمسه إلا المطهرون إجـــلالاً له وتعظيمًا ، وجاء الإخبار في الآية بصيغة الحصر فاقتضى ذلك حصر الجواز في المطهرين ، وعموم سلبه في غيرهم[1]، و لقوله تعالى: ﴿ فاطهروا ﴾ فدل على أن المحدث ليس بطاهر ، وإلا لكان ذلك أمراً بتطهير الطاهر ، وذلك غير جائز ، وإذا لم يكن طاهراً لم يجز له مس المصحف لقوله تعالى : ﴿ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون ﴾ ،فالمراد بالمطهرين ؛ المطهرون من الأحداث والأنجاس من بني آدم. والآية وإن كان لفظها لفظ الخبر، إلا أنه خبر تضمن نهيًا[2]. فـــهو نظير قوله تعالى : ﴿ لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ [البقرة من الآية233 ] فإنه خبر تضمن نهيًا ، فدل ذلك على اشتراط الطهارة لمس المصحف[3] .

و المس مع الطهارة يدل على التعظيم ، والمس بغير طهارة يدل على الإهانة ، وذلك لأن الأضداد ينبغي أن تقابل بالأضداد فنقول : إن من لا يمـس المصحف لا يكون مكرماً ، ولا مهيناً ، وبترك المس خرج عن الضدين ففي المس عن الطهر التعظيم ، وفي المس على الحـدث الإهانة فلا تجــوز و قوله سبحانه : ﴿ تَــنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ بعد قوله سبحانه : ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ فيه دلالة ظاهرة على إرادة المصحف الذي بأيدي الناس .

مناقشة الدليل الأول :

قولهم بأن المراد بقـــوله تعالى ﴿ لا يَمَـسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ أى لايمس القرآن إلا المطهرون ،والآية خبر تضمن نهياً ليس بصواب فالآية على صورة الخبر ، و ليست على صــورة النهى ، والأصل فى الكلام صرفه على ظاهره ، فلا يجوز أن يصرف لفـظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنص جلي ، أو إجماع متيقن ، ولم يثبت شيء من ذلك ،و القول بأن ﴿ لا يمسه ﴾ نهي قول فيه ضعف ، و ذلك أنه إذا كان خبراً فهو في موضع الصفة ، وقوله بعد ذلك : ﴿ تنزيل ﴾ : صفة أيضاً ، فإذا جعلناه نهياً جاء معنى أجنبياً معترضاً بين الصفات ، وذلك لا يحسن في رصف الكلام ، ذكره ابن عطية فى تفسيره .

وقولهم بأن المقصود بقوله تعالى : ﴿ لا يَمَـسُّهُ ﴾ أى القرآن الكريم خلاف ظاهر الآية ، فالظاهر أن مرجع الضمير هو الكتاب الذي بأيدي الملائكة الذين ينزلهم الله بوحيه وتنزيله، ،و المراد بذلك أنه مستور عن الشياطين، ولا قدرة لهم على تغييره، ولا الزيادة والنقص منه واستراقه ، ،وهو المذكور في قوله :﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ سورة عبس ؛ أى هَذِهِ الصُّحُفُ تَتَنَزَّلُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ الكِرَامِ بِوَاسِطَةِ سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ،وهُمُ المَلاَئِكَةُ المُطَهَّرُونَ ، لِيَقُومَ الأَنْبِيَاءُ بِإِبْلاَغِهَا إِلَى النَّاسِ .

ويدل على أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة قوله : ﴿ لا يَمَـسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ فهذا خبر يدل على أنه بأيديهم يمسونه ؛ ولأن المصـحف يمسه الطاهر و غير الطاهر ، فدل على أن الله عز و جل لم يعن بالمصحف المذكور في الآية هذا الذي بأيدي الناس ، و إنما عني كتابًا آخر، وهو الذي في السماء[4] ، فخبر الله لا يكون خلافه ، و يدل عليه أيضاً أن مرجع الضمير للأقرب ، و الأقرب هو الكتاب الذي بأيدي الملائكة ، ويشعر بهذا سيـاق الآيات الكريمة : ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ .

ويدل عليه أيضاً أن الآية سيقت تنزيها للقرآن أن تنزل به الشياطين ، و أن محله لا يصلون إليه فيستحيل على الشياطين أن يمسوه كما فى قوله تعالى : ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ﴾ ،وكما فى قوله تعالى :﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾،ويدل على أن المقصود الكتاب الذى بأيدى الملائكة أيضاً قوله تعالى : ﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ﴾ والمكنون المصون المستور عن الأعين الذي لا تناله أيدي البشر كما قال تعالى : ﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ [ سورة الصافات آية 49 ] ،ويدل على أن المقصود الكتاب الذى بأيدى الملائكة أيضاً أن الآية جاءت بصيغة الخبر فلا يجوز صرفها للمجاز ،وهو أنها نهى فى صورة الخبر إلا بدليل .


و من يقول لفظ الآية خبر، و الخبر يفيد الطلب لذا القرآن هو المقصود وليس الذكر الذي في السماء لأن الملائكة مطهرون دوماً، ولو كان المقصود الملائكة، فالآية لا تفيد الخبر، فأصبحت مذكورة في معنى الطلب دون مراد و هذا ممنوع في القرآن فالطلب يكون من المسلمين في الأرض ليس من الملائكة و الجواب على ذلك أن الأصل في الخبر الإخبار لا الطلب و من يصرفه عن حقيقته فهو المطالب بالدليل .


و يدل على أن المقصود الكتاب الذى بأيدى الملائكة أيضاً أن الله قال ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ ، و ليس إلا المتطهرون ، ولو أريد به منع المحدث من مسه لقيل إلا المتطهرون كما قال تعالى : ﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾[ سورة البقرة 222] و المتطهر فاعل التطهير ،والمطهر الذي طهره غيره فالمتوضئ متطهر و الملائكة مطهرون و البشر لا يُطلق عليهم ( مطهّرون ) لأنهم يتطهرون و لذا قال تعالى في شأن البشر ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ و صفة الطهر صفةٌ كونية، قائمة بالملائكة، وليست صفة كسبية من كسب أنفسهم، و لو أراد الله سبحانه أن يصفهم بصفة من كسبهم لقال: (لا يمسه إلا المتطهرون) أي لو كان المراد بقوله : ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ المتــطهرون لقيل لا يمسه إلا المتطهرون أو إلا المطَهَـــرون بتشديد الطاء .

و إن قيل هناك قراءة شاذة في قوله تعالى : ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ و هي (لا يمسه إلا المتطهرون) و الجواب أن القراءة الشاذة حجة إذا صح سندها للصحابي و لا يوجد سند صحيح للصحابي في هذه القراءة و كلام من ذكر هذه الرواية بصيغة المبني للمجهول .

و خلاصة الكلام أن الضمير يعود على الكتاب الذى بأيدى الملائكة ،والمراد بقوله : ﴿ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ الملائكة ،وليسوا بني آدم ؛ كما هو قـول جمهور السلف من الصحابة ومن بعدهم،وعلى هذا يكون معنى الآيات : إن هذا القــرآن في كتاب مَصُـون مستور عن أعين الخلق , وهو الكتاب الذي بأيدي الملائكة،فلا يَمَسُّ هذا الكتاب إلا الملائكة الكرام الذين طهـرهم الله من الآفات والذنوب , فالقرآن محفوظ من الشياطين فلا تمسه ولا تقربه ،ولا من غير الشياطين من سائر الخلق أجمعين .


و هذا القرآن تنزيل من رب العالمين، نزله من الكتاب المكنون ،وَلاَ يَنْزِلُ بِهِ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ مِنَ المَلاَئِكَةِ ، ولو ســلم عدم دلالة السياق على أن الضمير عائد على الكتاب المكنون ففى دلالته على القرآن الذى بأيدى الناس احتمال ، وإذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال فبقى الحكم على البراءة الأصلية .


و من يقول جملة : ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ إخبار عن سبب يتوصل به إلي نتيجة تطهير ينتج عنه مس الكتاب فإذا كان ذلك في الملائكة فكيف بالناس ؟ و علة لمس الملائكة المصحف كونهم مطهرين و الجواب أن هذا كلام غير مسلم إذ الجملة خبرية لا إنشائية ، و ليس جملة : ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ إخبار عن سبب يتوصل به إلى مس الكتاب بل حكاية أن مس الكتاب محصور على المطهرون فقط ، و ليس حكاية أن الملائكة يمسون الكتاب لأنهم مطهرون ، و ليس أن سبب مس الملائكة المصحف أنهم مطهرون ، و القول أن علة لمس الملائكة المصحف كونهم مطهرين فكلام غير صحيح فغاية ما في الآية حكاية أن من يمس المصحف مطهرون و ليس العلة في مسهم المصحف أنهم مطهرون، و الآيــة هاهنا جاءت بصيغة الإخبار لا التكليف ، وقصـد الإخبار فيها ظاهر ، وهل الملائكة يؤمرون بألا يمسوا القرآن إلا طاهرين ، وهم طاهرون ؟ .


و إن قالوا إذا كانت الصـــحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون ، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر ، و قالوا يمكن الاستدلال بالآية بقيـاس بنــي آدم على الملائكة[5] أو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية من باب التنبيه والإشارة ؛ لأنه إذا كانت الصحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون ، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر ، والحديث مشتق من هذه الآية[6].


فنقول لهم هذا قياس مع الفارق ؛ لأن هذا قياس عالم الشهادة علي عالم الغيب فالملائكة ليســوا كالبشر فلا يأكلون ،ولا يشربون ،ولا ينامون ، ولا يتزوجون ،والله قد طهرهم من الآفات والذنوب ، وقولهم قوله ﴿ فاطهروا ﴾ فدل على أن المحدث ليس بطاهر ، و إلا لكان ذلك أمراً بتطهير الطاهر و هذا غير مسلم ، فالطاهر من المشتركات اللفظية ، يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر، و الطاهر من الحدث الأصغر، ويطلق على المؤمن، وعلى من ليس على بدنه نجاسة ، و لابد لحمله على معين من قرينة .

وقولهم الطهارة لمس المصحف فيه تعظيم لا يلزم منه وجوب الطهارة لمس المصحف بل على استحباب الطهارة لعدم وجود نص على الوجوب كالصلاة فى أول وقتها فيه تعظيم للصلاة مع أن الصلاة فى آخر وقتها تجوز على قول جمهور الفقهاء .



[1] - انظر : الذخيرة للقرافي 1/238 ، تحقيق : محمد بوخبزه ، بيروت : دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى عام 1994م . .
[2] - انظر : تفسير البغوي 5/301 ، تفسير ابن كثير 4/299 ؛ بداية المجتهد لابن رشد 1/30 راجعه وصححه:عبد الحليم محمد عبد الحليم ، عبد الرحمن حسن محمود ، القاهرة : مطبعة حسان..
؛ مغني المحتاج للخطيب الشربينى 7/37 ؛ كشاف القناع ، 1/134 .
[3] - انظر : المجموع شرح المهذب للنووى 2/79
[4] - انظر : المحلى لابن حزم 1/83 ، بداية المجتهد 1/30
[5] - انظر : كشاف القناع 1/134 مطبعة أنصار السنة المحمدية 1366هـ/1947م .
[6] - التبيان في أقسام القرآن 1/402 تحقيق محمد زهري النجار الناشر : المؤسسة السعيدية للطبع والنشر القاهرة : مطابع الدجوي .
 
الفصل الثانى: أدلة جمهور العلماء ومناقشتها:الدليل الثانى:

الفصل الثانى: أدلة جمهور العلماء ومناقشتها:الدليل الثانى:

الدليل الثانى :
حديث عمرو بن حزم أن النبى صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً و فيه : (( لا يمس القرآن إلا طاهر )) أخرجه مالك , و الدار قطني ( 431) والحاكم(1/397) قال ابن عبدالبر : إنه أشبه المتواتر و قال يعقوب بن سفيان : لا أعلمكتابا أصح من هذا الكتاب , وشهد عمر بن عبدالعزيز والزهري بصحته , وصححه الألبانيبشواهده في الإرواء (1/158) والدليل على صحة كتاب عمرو بن حزم تلقي جمهور العلماء له بالقبول والعمل، ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة والعراق والشام أن المصحف لا يمسه إلا طاهر على وضوء .

مناقشة الاستدلال بالحديث :

لفظ الطاهر من الألفاظ المشتركة و الطاهر يطلق على المؤمن كما فى قوله تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [التوبة من الآية28 ] وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة : ‏(( ‏المؤمـن لا ينجس ‏))[FONT=times new roman(arabic)][1][/FONT] ،ويطلق على الطاهر من الحدث الأكبر كما فى قوله تعالى : ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ﴾ [ المائدة من الآية6 ] ، وعلى الطاهر من الحدث الأصغر قوله صلى الله عليه وسلم في المــسح على الخفين : (‏( ‏دعهما فإنـي أدخلتهماطاهرتين ‏)‏)[FONT=times new roman(arabic)][2][/FONT] و يطلق أيضاً على من ليس علـــىبدنه نجاسة‏ للإجماع على أن الشــيء الذي ليس عليه نجاسة حـسية ، ولا حكمية يسمى طاهرًا ، و لما كان إطـــلاق اسم النجس على المؤمن المحدث أو الجنب لا يصح حقيقة ولا مجازاً ولا لغةً لقوله صلى الله عليه و سلم : ‏(‏( المؤمن لا ينجس‏ )) [FONT=times new roman(arabic)][3][/FONT] ؛ لأن المطهر من ليس بنجس ، و المؤمن ليس بنجس دائمًافلا يصح حمل المطــهر على من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجس بنجاسة عينية بليتعين حمله على من ليس بمشرك أي الطاهر من الشرك كما في قوله تعالى:﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [التوبة من الآية28 ] ، ولحديث النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو.

و المسألة ترجع إلى مسألة عموم اللفظ المشترك أى أن يطلق اللفظ المشترك ،ويراد جميع معانيه التى وضع لها ،وقد اختلف العلماء فى ذلك على ثلاثة أقوال المنع والجواز فى النفى والإثبات والجواز فى النفى فقط ،وجمهور الأصوليين على المنع من إرادة اللفظ المشترك العموم على الحقيقة ،فلا يجوز استعمال اللفظ المشترك إلا فى معنى واحد ؛ لأنه لم يوضع لجميع ما يدل عليه بوضع واحد بل بأوضاع متعددة أى وضع لكل معنى من معانيه بوضع على حدة ، وَالْوَضْعُ هُوَ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى فَلَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي معانيه حَقِيقَةً لَكَانَ كُلٌّ معنى نَفْسَ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي خُصَّ بِهِ اللَّفْظُ ، وَهُوَ بَاطِلٌ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ التَّخْصِيصِ عِنْدَ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْآخَرِ فإرادة جميع معانيه يخالف أصل وضعه،وهذا لايجوز ،ومهما تعددت معاني اللفظ المشترك فإن الله لا يقصد إلا أحدها دون غيره؛ لأن المعاني المتعددة توضع على سبيل البدل؛ أي على أن يحل معنى بدلاً من آخر، لا على العموم[FONT=times new roman(arabic)][4][/FONT] أى لا يدل على معانيه دفعة واحدة ؛ لأن وضعه لها كان وضعاً متعدداً فإذا كان اللفظ مشتركاً بين معنيين أو أكثر من المعاني اللغوية وجب حمله على معنى واحد منها بدليل يعينه .

ومَنْ عَرَفَ سَبَبَ وُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ امْتِنَاعُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي معانيه حَقِيقَةً فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ هُوَ الْوَضْعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ معانيه قرر ذلك عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ فى التلويح على التوضيح[5] .

و يَدُلّ عَلَى فَسَادِ حمل المشترك على جميع معانيه عند التجرد عن القرائن وُجُوهٌ : أَحَدُهَا : أَنّ اسْتِعْمَالَ اللّفْظِ فِي مَعْنَيَيْهِ إنّمَا هُوَ مَجَازٌ إذْ وَضْعُهُ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ هُوَ الْحَقِيقَةُ ،وَاللّفْظُ الْمُطْلَقُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ . الثّانِي : أَنّهُ لَوْ قُدّرَ أَنّهُ مَوْضُوعٌ لَهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ ،وَلِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَمَعَيْنِ فَإِنّهُ يَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ ثَلَاثَةُ مَفَاهِيمَ فَالْحَمْلُ عَلَى أَحَدِ مَفَاهِيمِهِ دُونَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ مُمْتَنِعٌ . الثّالِثُ : أَنّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَحِيلُ حَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ إذْ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا وَحْدَهُ ،وَعَلَيْهِمَا مَعًا مُسْتَلْزِمٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ النّقِيضَيْنِ فَيَسْتَحِيلُ حَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ .وَالرّابِعُ : أَنّهُ لَوْ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا لَصَارَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ ؛ لَأَنّ حُكْمَ الِاسْمِ الْعَامّ وُجُوبُ حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِ مُفْرَدَاتِهِ عِنْدَ التّجَرّدِ مِنْ التّخْصِيصِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ اسْتِثْنَاءُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْهُ و،َلَسَبَقَ إلَى الذّهْنِ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْعُمُومُ وَكَانَ الْمُسْتَعْمِلُ لَهُ فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعْمِلِ لِلِاسْمِ الْعَامّ فِي بَعْضِ مَعَانِيهِ فَيَكُونُ مُتَجَوّزًا فِي خِطَابِهِ غَيْرَ مُتَكَلّمٍ بِالْحَقِيقَةِ وَأَنْ يَكُونَ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي مَعْنَيَيْهِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى دَلِيلٍ ،وَإِنّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ نَفَى الْمَعْنَى الْآخَر[6] .

و المشترك يمكن إطلاقه على معانيه التى وضع لها مجازاً أى يكون بذلك قد خالف أصل وضعه ؛ لِأَنَّ الْوَاضِعَ لَمْ يَضَعْهُ لِلْمَجْمُوعِ ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وقد قرر ذلك الغزالى فى المستصفى[7] ،وعن الشافعى والقاضى والمعتزلة حقيقة أى أن اللفظ المشترك قد يقترن به قرينة مبينة للمراد ،وقد يتجرد عنها فإن تجرد عن القرائن فهو مجمل إلا عند الشافعى و القاضى فإنه يحمله على الجميع .

و قال الإسنوى: " اللفظ المشترك قد يقترن به قرينة مبينة للمراد وقد يتجرد عنها فإن تجرد عن القرائن فهو مجمل إلا عند الشافعي والقاضي فإنه يحمله على الجميع "[8] ،وشكك ابن القيم فى نسبة هذا الكلام للشافعي ،ونقل عن ابن تيمية التشكيك فى نسبة الكلام إلى الشافعي أيضاً فى زاد المعاد .

و لما كان إطلاق اسم النجس على المؤمن المحدث أو الجنب لايصح حقيقة و لامجازاً و لا لغةً لقوله صلى الله عليه و سلم : ‏(( ‏المؤمن لا ينجس‏)) متفق عليه ؛ لأن الطاهر من ليس بنجس ، و المؤمن ليس بنجس دائمًافلا يصح حمل الطاهر على من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجس بنجاسة عينية بليتعين حمله على من ليس بمشرك كما في قوله تعالى:﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [ التوبة من الآية 28 ] ، و لحديث النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو، و الحديث و الآية السابقان يدلان على أن المراد بالطاهر الطاهر من الشرك .

و من يقول : إطلاق الطاهر على المؤمن إنما هو من المجاز بدليل صحة نفيه بدلالة قوله تعالى : ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لَكِنْ يُرِيدُل ِيُطَهِّرَكُمْ ﴾ و الآية الأخرى : ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم ْبِهِ ﴾ أي أن المؤمن قبل استعمال الماء لا يكون طاهرا و إنما يطهر بإستخدام الماء في الوضوء و الغسل ، و الجواب عن ذلك أن الله هو الذي يطهر بدليل ليطهركم فالله مطهِر و نحن مطهَرون إذن عند النفي يكون المؤمن غير مطهر و ليس غير طاهر ،و إذا تطهرنا بالماء أو التيمم صيرنا متطهرين ،و عند النفي يكون المؤمن غير متطهر و ليس غير طاهر و محل النزاع نفي أن يكون المؤمن طاهرا ، و لو أريد بالحديث الطهارة الشرعية لكان الحديث لا يمس القرآن إلا متطهر أو إلا متوضيء فلفظ الطاهر مجمل فقد يكون طاهر من الشرك أو طاهر من الحدث الأكبر أو طاهر من الحدث الأصغر ، و يقوي الاحتمال بأنه الطاهر من الشرك أن كتاب عمرو بن حزم كتب إلى أهل اليمن ولم يكونوا مسلمين في ذلك الوقت ، فكونه لغير المسلمين يكون قرينة أن المراد بالطاهر هو المؤمن ،و للنهي عن السفر بالمصحف إلى أرض العدو و المؤمن طاهر دائما لأن المؤمن لا ينجس ، و لو أراد النبي بالطاهر المحدث لبينه صلى الله عليه و سلم لأهل المدينة فهم أحوج لهذا البيان لكثرة حاجتهم إلى ذلك .


و الإنسان طاهر من حيث الأصل فالأصل في الأشياء الطهارة ما لم يأت دليل ، وقال الأزهري : ( الطَّهُورَ في اللغة هو الطاهرُ المُطَهِّرُ لأَنه لا يكون طَهوراً إِلا و هو يُتَطهّر به كالوَضُوء هو الماء الذي يُتَوضَّأُ به والنَّشُوق ما يُسْتَنْشق به و الفَطُور ما يُفْطَر عليه منْ شراب أَو طعام ) و هذا يدل على ما ادندن حوله أننا نتطهر بالماء فنحن متطهرون ، و فرق بين طاهر و متطهِر فالأولى طاهر من كذا أو كذا أما الثانية فلا تحتمل إلا الطهارة بالماء ، و لو كان المراد الطهارة بالماء في الحديث لكان اللفظ) متطهر ) و ليس ( طاهر ) لأن الإنسان من حيث الأصل طاهر و قد يكون طاهرا من الشرك أيضا و قد يكون طاهرا من الحدث أيضا فالطاهر من الحدث تساوي المتطهر ،و ليس الطاهر عند الإطلاق تساوي المتطهر .

و من يقول يجوز أن نقول طَهُرَتْ كتَطَهَّرَت فيصح أن يكون تطهر بمعنى أراد أن يكون طاهرا كتعظم أي أراد أن يكون عظيما و الجواب ليس معنى أن يجوز طَهُرَتْ كتَطَهَّرَت و أن يكون تطهر بمعنى أراد أن يكون طاهرا أن يكون الطاهر هو المتطهر بل المتطهر هو الطاهر من الحدث فيوجد تقييد للطهارة ، و ليس إطلاق الطهارة .

و من يقول لم يكن من عادة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أن يُعَبِّرَ عن المؤمن بالطَّاهر؛ لأنَّ وَصْفَهُ بالإِيمان أَبْلَغُ و التَّعبير الكثير مِنْ قوله صلّى الله عليه وسلّم أن يُعَلِّقَ الشَّيء بالإيمان ، و ما الذي يَمْنَعُهُ مِنْ أن يقول: لا يَمَسُّ القرآنَ إِلا مُؤْمِنٌ، مع أنَّ هذا واضح بَيِّن ، و قال صاحب موسوعة أحكام الطهارة ردا على من يفسر الطاهر في الحديث بالمؤمن : ( يشكل عليه أن القرآن و السنة كانت تخاطب الصحابة بلفظ الايمان و الإسلام و لم يخاطب القران الصحابة بوصف الطاهرين ) و الجواب عن ذلك أن القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس من عادته أن يُعَبِّرَ عن المؤمن بالطَّاهر كلام يحتاج لدليل فهو نتيجة بلا مقدمات ،و القول بأنه ما المانع أن يطلق لفظ المؤمن بدل الطاهر يقال لمن يقوله وما المانع من أن يطلق الطاهر بدل المؤمن و ليس هذا المنع بأولى من هذا المنع ، و من يقول : يشكل عليه أن القرآن و السنة كانت تخاطب الصحابة بلفظ الايمان و الإسلام و لم يخاطب القران الصحابة بوصف الطاهرين يجاب عنه بأن الصحابة ماداموا خطبوا بالمفهوم فهو خطاب كالمنطوق فدلالة المفهوم خطاب و دلالة المنطوق خطاب فلا يصح هذا الإشكال و المؤمن لا ينجس فهو طاهر بدليل الخطاب و دليل الخطاب خطاب ، و المشركون نجس فالمسلمون أطهار بدليل الخطاب ، و لولا فهم الصحابة لهذا و هذا ما خاطبهم القران و السنة بذلك ، و مادام خاطبهم القران و السنة بذلك فهم طبعا قد استعملوا هذا و هذا ، و لا يوجد نص على أنهم لم يستعملوا الطاهر بمعنى الطاهر من الشرك


و من يقول الطاهر في الحديث تعني الطاهر من الحدث ؛ لأنه المعنى المفهوم عند الصحابة يقال له يعارض ذلك دلالة حديث المؤمن لا ينجس و كون المشركين نجس .


و من يقول كيف يكون المقصود بقوله : ( لا يمس القرآن إلا طاهر ) المؤمن و الخطاب موجه إلى المشركين الذين لا علم لهم بتعبيرات القرآن و السنة الذين ورد فيهما ما يشعر بوصف الكافر بالنجس والمؤمن بالطاهر فلا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصا كل الحرص على أن تكون كتبه الموجهه للكفار واضحة في دلالتها وليس فيها لبس أو إيهام ، و الجواب أن خطاب لا يمس القران إلا طاهر موجه للمؤمنين و هو ألا يمكنوا مشرك من المصحف و ليس موجها للمشركين .

و من يقول : إذا كان وصف المؤمن بالطاهر قد خفي على من هو من أكثر الناس مصاحبة للنبي صلى الله عليه وسلم وحرصا على سماع حديثه وهو أبو هريرة فقد اعتقد نجاسة الجنب ألا يدل هذا على خفاء وصف المؤمن بالطاهر ؟ و الجواب عن ذلك أن المعنى المتبادر للحديث باستعراضه أن أبا هريرة كره أن يجالس النبي صلى الله عليه وسلم على غير طهارة فالحديث بتمامه حدثنا على بن عبد الله قال حدثنا يحيى قال حدثنا حميد قال حدثنا بكر عن أبى رافع عن أبى هريرة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لقيه فى بعض طريق المدينة وهو جنب ، فانخنست منه ، فذهب فاغتسل ، ثم جاء فقال « أين كنت يا أبا هريرة » . قال كنت جنبا ، فكرهت أن أجالسك و أنا على غير طهارة . فقال « سبحان الله ، إن المؤمن لا ينجس »[9] حتى حذيفة خشي أن يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو على غير طهارة قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا لقى الرجل من أصحابه ماسحه ودعا له - قال - فرأيته يوما بكرة فحدت عنه ثم أتيته حين ارتفع النهار فقال « إنى رأيتك فحدت عنى ». فقلت إنى كنت جنبا فخشيت أن تمسنى. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إن المسلم لا ينجس » [10]أما القول بأن أبا هريرة كان يعتقد نجاسة الجنب فالحديث لايستلزمه ، ولم يقل أبو هريرة أني نجس ، و هل أبو هريرة خفي عليه أنه طاهر من حيث الذات أي ذاته طاهرة ( طهارة حسية ) أم خفي عليه أنه طاهر من حيث الشرك ( طهارة معنوية ) أي هو مؤمن أم خفي على أبو هريرة أن ملابسته أمر عظيم لا تتوجب الطهارة ، و مادام المؤمن ليس بنجس في سياق انخناس أبي هريرة و هو جنب إذن فيه دليل على أنه لا يتوجب عليه الطهارة من الحدث هذا مقصد الحديث و ليس المقصد الأساسي أنه طاهر من الشرك أو طاهر الذات فهذا ظاهر ، و النص هو عدم توجب الطهارة من الحدث عند ملامسة أمر عظيم أو مجالسة شخص عظيم فالحديث سيق له و ليس للأول بدليل ) : فكرهت أن أجالسك و أنا على غير طهارة ) ، و كلام حذيفة ( فخشيت أن تمسنى ) فهذا الفعل من الصحابة لم يرد عند ملامستهم أو مجالستهم بعضهم بعضا ، و إنما ورد عند ملامستهم و مجالستهم النبي صلى الله عليه وسلم ، و الدليل كاف المخاطب التي تدل على الاختصاص أجالسك .

و من يقول المقصود بالطاهر الطاهر من الحدث ؛ لأن الأحكام لم تتعلق بصفة الطاهرة من الشرك وحدها و الجواب أن هذا كلام غير مسلم فقوله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن لا ينجس ) ترتب عليها أحكام أن المؤمن لا يصير نجسا حيا وميتا ، واستدل بها البعض على عدم وجوب الوضوء لمن يغسل مسلما ، و قوله تعالى : ﴿ إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا ﴾ ترتب عليها حكم ألا وهو عدم تمكينهم من الاقتراب من المسجد الحرام ، و أخذ منها الجمهور أن الكافر ليس بنجس البدن والذات جمعا بينها وبين حلية طعام أهل الكتاب ،و حتى لو سلمنا بعدم تعلق صفة الطهارة من الشرك حكم في كل الآيات و الأحاديث عدا الحديث المختلف في تصحيحه فهذا لا يمنع الاستدلال به عليها .

و لفظ حديث : ( لا يمس القرآن إلا طاهر ) فلفظه حجة على من يقول المقصود به الطاهرة من الحدث فلو كان المراد أمر المؤمنين ألا يمسوا القرآن إلا وهم متطهرين لقال لا تمسوا القرآن إلا و أنتم متطهرين أو لا يمس المؤمن القرآن إلا وهو متطهر فلما لم يذكر المؤمن دل على أن المقصود عدم مس الكافر ؛ لأنه ليس بطاهر ، وقد ورد النهي عن عدم تمكين الكافر من المصحف فتأيد حمل الحديث عليه .

و قرائن قصد الطاهر من الشرك في الحديث كثيرة منها : ورود نهي للمؤمنين ألا يذهبوا بالمصحف لأرض العدو ، و أن الصحابي قد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم لغير مسلمين فالغالب عند دخول الإسلام بقاء البعض على الكفر فلا يمكنوا هؤلاء الكفرة من مس المصحف و أن المسلم يكون طاهرا دائما ، و لا يصدق عليه أنه ليس بطاهر عند الإطلاق أما عند تلبسه بجنابة أو حيض أو نفاس يقال ليس بطاهر من كذا ،أي ليس بطاهر مع تقييد عدم الطهارة و ليس ليس بطاهر على سبيل الإطلاق أي عدم الطهارة مقيدة بأنه ليس بطاهر من كذا و أن الحديث لا يمس القرآن إلا طاهر و ليس لا تمسوا القرآن إلا و أنتم متطهرين ، و لو أراد النبي بالطاهر المحدث لبينه صلى الله عليه و سلم لأهل المدينة فهم أحوج لهذا البيان لكثرة حاجتهم إلى ذلك .


و من يقول قد جاء حديث آخر بلفظ « لا تمسّ القرآن إلا و أنت طاهر» فيستحيل أن يراد بلفظ الطاهر المؤمن و الجواب أن هذا الحديث ضعفه النووي[11] و قال الحافظ : « و في إسناده سويد أبو ‏حاتم و هو ضعيف ، و ذكر الطبراني في الأوسط أنه تفرد به »[12] فهذا الحديث رواه ‏مطر ‏الورّاق عن حسان بن بلال عن حكيم بن حزام أن رسول الله بعثه إلى اليمن ‏فقال : « لا تمسّ القرآن إلا وأنت طاهر » و قال الطبراني في الأوسط : لم يرو هذا الحديث عن مطر الورّاق إلا ‏سويد أبي حاتم ولا يُروى عن حكيم بن حزام إلا بهذا السند وأخرجه البيهقي من طريق مهران ‏الرازي حدثني جعفر الطيالسي به[13] و مطر بن طهمان الورّاق أبو رجاء السُّلمي ضعفه يحيى بن سعيد القطان، و أحمد بن حنبل، وابن ‏معين، والنسائي، وابن سعد، وأبو داود، وشعبة، وابن عدي و قال الحافظ في التقريب : «صدوق كثير الخطأ وحديثه عن عطاء ‏ضعيف ».‏ و فيه سند الحديث سويد أبو حاتم ضعفه يحيى بن معين كما نقل أبو ‏داود ، و قال ابن المديني : ذاكرت يحيى بحديثه فقال: هات غير ذا ، و ضعفه ‏النسائي و العقيلي



و الخلاصة أن حديث : ( لا يمس القرآن إلا طاهر ) واضح في أن المسلمين مطالبون ألا يمكنوا المصحف من مشرك ، ولتقريب الفهم نقول قوله صلى الله عليه وسلم : لا يمس القرآن إلا طاهر كقول الأستاذ لتلميذه لا يمسك هذا الكتاب إلا متفوق أي غير المتفوق لا يمسك الكتاب أي التلميذ مطالب ألا يمكن غير المتفوق من الكتاب بأمر من الأستاذ

[1] - متفق عليه
[2] - متفق عليه
[3] - متفق عليه
[4] - انظر الوجيز فى أصول الفقه د.عبد الكريم زيدان ص 329 مؤسسة الرسالة 1421 هـ وانظر أصول الفقه القسم الثانى الحكم الشرعى د.محمود بلال مهران ص 391- 395 دار الثقافة العربية 1425هـ
[5] - التلويح على التوضيح 1/ 241- 256
[6] - انظر زاد المعاد لابن القيم جزء 5 فى فصل حمل المشترك على معنييه
[7] - المستصفى للغزالى 2/ 100- 101
[8] - نهاية السول فى شرح منهاج الأصول مع حاشية الشيخ بخيت 2/ 142.
[9] - رواه البخاري في صحيحه باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس
[10]- رواه النسائي في سننه باب مماسة الجنب ومجالسته
[11] - الخلاصة 1/309 حديث رقم 538‏
[12] - التلخيص1/227
[13] - الخلافيات 1/513 رقم 304
 
الفصل الثانى: أدلة جمهور العلماء ومناقشتها :الدليل الثالث:

الفصل الثانى: أدلة جمهور العلماء ومناقشتها :الدليل الثالث:

الدليل الثالث :

قال بعــضهم أجمع الصحابة - رضوان الله عليهم - على القول بعدم جواز مس المحدث المصحف ، حـيث روي ذلك عمن تقدم ذكرهم من فقهاء الصحابة ومشاهيرهم، و لم يعرف لهم في عصرهم مخالف[1] ، فكـان إجماعًا سكوتيًا[2].

مناقشة الدليل الثالث :
دعوى الإجماع غير متيقن ، بدليل وجود المخالف من الصحابة و التابعين ومن بعدهـم فكــيف يقال أن هناك إجماعاً سكوتياً ؟!
قال ابن عطية :
ورخص بعض العلماء في مسه بالحدث الأصغر، وفي قراءته عن ظهر قلب، منهم ابن عباس و عامر الشعبي[3] .
قال القرطبي :
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسِّ الْمُصْحَفِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ مَسِّهِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وسعد بن أبي وقاص وسعيد ابن زَيْدٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادِ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَمَسُّهُ الْمُحْدِثُ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُمَا [4] .
قال ابن عادل :
اختلف العلماء في مسِّ المصحف على غير وضوء فالجمهور على المَنْع من مسِّه على غير طهارة لحديث عمرو بن حزم، وهو مذهب علي، وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعطاء، والزهري، والنخعي والحكم وحماد، وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشَّافعي. واختلفت الرواية عن أبي حنيفة. فروي عنه أنه يمسّه المحدث، وهذا مروي عن ابن عباس والشعبي وغيرهما[5]



[1] - انظر : المغني 1/147 ، المجموع للنووي 2/80 ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/266 .
[2] - إظهار الحق المبين بتأييد إجماع الأئمة الأربعة على تحريم مس وحمل القرآن الكريم لغير المتطهرين ، محمد علي بن حسين المالكي ص17، مكة المكرمة : المطبعة السلفية 1352هـ .
[3] - تفسير بن عطية 5/252
[4] - تفسير القرطبي 17/226
[5] - تفسير ابن عادل 18/437
 
الفصل الثانى: أدلة جمهور العلماء ومناقشتها :الدليل الرابع :

الفصل الثانى: أدلة جمهور العلماء ومناقشتها :الدليل الرابع :

الدليل الرابع :
أن القول بتحريم المس ناقل عن الأصل ، وقد ذهب أكثر الأصوليين إلى أن الدليل الناقل عن الأصل مقدم على الدليل المبقي على البراءة الأصلية[1].
مناقشة الدليل الرابع :
هذا لو كان ما استدل به المانعون استدلالاً صحيحاً ، و أدلة المانعــون إما صحيحة غير صريحة أو مختلف فى صحتها غير صريحة أيضاً .




[1] - انظر روضة الناظر وجنة المناظر، موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة 2/401،تحقيق : د. شعبان محمد إسماعيل ، بيروت مؤسسة الرياض للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة الأولى 1419هـ/1998م .
 
الفصل الثانى: أدلة جمهور العلماء ومناقشتها :الدليل الخامس :

الفصل الثانى: أدلة جمهور العلماء ومناقشتها :الدليل الخامس :

الدليل الخامس :
قصة عبد الله بن رواحة مع زوجته ، و هي قصة مشهورة مذكورة في كتب السير و بعض كتبالعقائد ، كرد الدارمي على الجهمية ، و إثبات صفة العلو لابن قدامة . و قد جاءت القصةبألفاظ مختلفة ملخصها أن عبد الله بن رواحة مشى ليلة إلي أمة له فواقعها فلامتهامرأته فجحدها، فقالت: إن كنت صادقاً فاقرأ القرآن، فإن الجنب لا يقرأ القرآن فذكر لها أبيات شعر ظنت أنها قرآن فقالت امرأته: صدق الله وكذبت عيني. وكانت لا تحفظ القرآن وفي هذه القصة دليل على أنه متقرر بينالصحابة أن الجنب لا يقرأ القرآن وأن هذا الأمر كان معلوما عند النساء .
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله على هذه القصة: (( رويناها من وجوه صحاح ))[1]
مناقشة الإسناد :
هذه القصة رويت من طريق عكرمة و نافع وابن الهادي وقدامة بن إبراهيم بن محمد بن حاطب و عكرمة لم يدرك بن أبي رواحة و نافع وابن الهادي وقدامة لم يدركوا ابن رواحة و لا امرأته و لذلك القصة ضعيفة السند و ليس لها طريق صحيح عند جميع من رواها ، و قد ضعف القصة الذهبي[2] و النووي و قال النووي : إسناد هذه القصة ضعيف و منقطع[3] و مع ضعف القصة سندا ففيها أيضا نكارة فكيف يليق بعبد الله بن رواحة الصحابي الجليل أن يوهم زوجته من أن الأبيات التي قالها إنما هي من القرآن و هي من الشعر و الصحابة منزهون عن مثل هذا .



[1]- الاستيعاب 3 / 900
[2]- العلو 42
[3]- المجموع 2/159
 
الفصل الثانى: أدلة جمهور العلماء ومناقشتها :الدليل السادس و السابع :

الفصل الثانى: أدلة جمهور العلماء ومناقشتها :الدليل السادس و السابع :

الدليل السادس :
قصة إسلام عمر رضي الله عنه أنه قال حين دخل على أخته :
فإذا بصحيفة وسط الباب فقلت ما هذه الصحيفة ها هنا فقالت لي دعنا عنك يا ابن الخطاب فإنك لا تغتسل من الجنابة ولا تتطهر وهذا لا يمسه إلا المطهرون[1] .
مناقشة الدليل :
قال البزار : ( و هذا الحديث لا نعلم رواه عن أسامة بن زيد عن أبيه عن جده عن عمر إلا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ولا نعلم يروى في قصة إسلام عمر إسناد أحسن من هذا الإسناد ) و إسحاق بن إبراهيم الحنيني ضعيف ضعفه الحافظ .

الدليل السابع :
وعن عبد الرحمن بن يزيد أن سيدنا سلمان الفارسي – رضي الله عنه – قضى حاجته فخرج ثم جاء ، فقلت : لو توضّأت لعلّنا نسألك عن آيات؟ قال : إني لست أمسه، لا يمسه إلا المطهرون، فقرأ عليها ما شئنا [2] ، و عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-أنه قال : (كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت فقال سعد : لعلك مسست ذكرك ؟ فقلت : نعم ، فقال : قم فتوضأ، فقمت فتوضأت ثم رجعت)[3] .
مناقشة الدليل :
هذا قول صحابي و قول الصحابي ليس بحجة فيما يجوز فيه الاجتهاد لاسيما عند وجود المخالف من الصحابة ، و قد خالفهما ابن عباس .



[1] - مسند البزار 1 / 401
[2] - رواه الدارقطني في سننه
[3] - رواه مالك في الموطأ
 
الفصل الثالث

الفصل الثالث

الفصل الثالث دليل المجيزين مس المصحف بغير طهارة


الدليل الأول :
استصحاب البراءة الأصلية فالدليل أنه لا دليل على إيجاب الطهارة لمس المصحف فلم يثبت النهي عن مس المصـحف بلا طهارة لا في الكتاب ، ولا في السنة فيبقى الحكم على البراءة الأصلية، و هي الإباحة[1] وغاية حجتــهم فى حديث عمرو بن حزم الذى اختلف فى صحته ، وهو يدل على أن الطاهر من الشرك لا يمس المصحف كما في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [التوبة من الآية28 ] ، ولحديث النهي عن السفر بالقـرآن إلى أرض العدو ، ولا يدل على أن الطاهر من الحدثين لا يمس المصحف لقوله r : ‏(( ‏المؤمن لا ينجس‏))[FONT=times new roman(arabic)][2][/FONT] ؛ لأن الطاهر من ليس بنجس ،والمؤمن ليس بنجس دائمًافلا يصح حمل الطاهر على من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجس بنجاسة عينية بليتعين حمله على من ليس بمشرك .


الدليل الثاني :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه[3]
وجه الدلالة :
ذكر الله يشمل كل ما يسمى ذكرا لله تعالى من تسبيح و تهليل و تكبير و حوقلة و استغفار و دعاء و كذلك قراءة القرآن و القرآن هو أعظم الذكر ، و مادام النبي صلى الله عليه و سلم يذكر الله في كل أحيانه فقد يذكر الله ، و هو على غير طهارة ، مما يدل على جواز تلاوة القرآن على غير طهارة ،و من الصحابة و التابعين من كان يقرأ القرآن و هو محدث فقد كان ابن عباس و ابن عمر: ( يقرآن أجزاءهما من القرآن بعد ما يخرجان من الخلاء قبل أن يتوضآ)[4] ، و عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة كان يخرج من المخرج ثم يحدر السورة[5] و عن عبد الوهاب الثقفي عن جعفر عن أبيه أن كان لا يرى بأسا أن يقرأ الجنب الاية والايتين[6] و عن خالد عن عكرمة أنه كان لا يرى بأسا أن يقرأ الجنب الاية والايتين[7] ، و عن أيوب عن محمد أن عمر قضى حاجته ثم أخذ يقرأ فقال له أبو مريم لو توضأت يا أمير المؤمنين فقال له عمر أمسيلمة أفتاك ذاك ؟[8] ،و عن أبي بشر عن نافع بن جبير أنه لم ير بأسا بالقرآن على غير طهارة[9] و عن ربيع عن ابن سيرين أنه كان يقرأ بعد الحدث[10].


و مادم يجوز قراءة القرآن بلا وضوء فيجوز أيضا مسه بلا وضوء إذ القرآن قبل أن يدون في السطور ، فهو محفوظ في الصدور ، و التفريق بينهما تفريق لا دليل عليه ، و القول بعدم جواز مس المحدث المصحف في حين أنه يمكنه قراءة القرآن مما يحفظ من صدره فيه إقرار بأن المصحف مكتوبا ورقا و مدادا أشرف من كلام الله .


الدليل الثالث :
‏ عن ‏ ‏عبد الله بن عباس ‏ أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏خرج من الخلاء فقدم إليه طعام فقالوا ألا ‏ ‏نأتيك بوضوء فقال ‏ ‏إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة ‏[11] .
وجه الدلالة :
قوله صلى الله عليه وسلم إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة يفيد قصر الواجب على الوضوء عند القيام إلى الصلاة ، فدل على أن ما سوى الصلاة لا يجب له الوضوء ؛ لأن إنما أداة تفيد القصر ، و الطواف بالببيت الحرام بمنزلة الصلاة ، فيأخذ حكمها في الطهارة .











[1] - انظر : المجموع للنووي 1/79 .
[2]- متفق عليه
[3] - رواه الخمسة إلا النسائي
[4] - مصنف بن أبي شيبة في الرجل يقرأ القرآن وهو غير طاهر
[5] - مصنف بن أبي شيبة في الرجل يقرأ القرآن وهو غير طاهر
[6] - مصنف بن أبي شيبة من رخص للجنب أن يقرأ من القرآن
[7] - مصنف بن أبي شيبة من رخص للجنب أن يقرأ من القرآن
[8] - مصنف بن أبي شيبة في الرجل يقرأ القرآن وهو غير طاهر
[9] - مصنف بن أبي شيبة في الرجل يقرأ القرآن وهو غير طاهر
[10] - مصنف بن أبي شيبة في الرجل يقرأ القرآن وهو غير طاهر
[11]- رواه النسائي في سننه و أبو داود في سننه و الترمذي في سننه و أحمد في المسند
 
الفصـل الرابع الترجيح

الفصـل الرابع الترجيح

الفصـل الرابع
الترجيح


الوضوء لمس المصحف غير واجب فما استدل به الجمهور إما دليل فاقد الصـحة كدعوى بعضهم إجمـاع الصحابة على إيجاب الطهارة لمس المصحف أو دليل فاقد الدلالة ، وهـو استدلالهم بالآية الكريمة أو دليل مـختلف فى صحته ،وهو حديث عمرو بن حزم الذى اختلف فى صحته ، وغاية ما يدل عليه عدم تمكين الكافر من لمسه ، ومن أنصار هذا القــول من المعاصرين أبو مالك كمال بن السيد سالم فى كتابه صــحيح فقه السنة الجزء الأول و أ.د / حسام الدين موسى أستاذ الفـــقه والأصول كلية الدعوة وأصـول الدين بجامعة الـقدس فى كتابه يسألونك الجزء التاسع فى حكم قـــراءة الحائض للقرآن الكريم ومسها للمصحف الشريف ، و الشيخ مصطفى العداوي في جامع أحكام النساء ، و الشيخ عمر الحدوشي في إعلام الخائض بجواز مس المصحف للجنب و الحائض .

و نحـن مع قولنا بعدم إيجاب الوضوء لمس المصـحف فإنا نقول بفضيلة الطهارة لمس المصحف ؛ من باب تعظيم القرآن و تكريمه ، فإن الله عز و جل وصف القــــرآن بأنه كريم ، فالأليق بتعظيمه و تكريمه الطهارة لمسه ،وليس هذا على الوجوب بل الاستحباب .
 
الفصل الخامس... نتيجة البحث جواز مس الحائض والجنب القرآن

الفصل الخامس... نتيجة البحث جواز مس الحائض والجنب القرآن

الفصل الخامس نتيجة البحث جواز مس الحائض والجنب القرآن




أخى القارىء بترجيح قول من جوز مس المصحف بلا طهارة فيجوز مس الحائض والجنب القرآن إذا سلم من وجود نص صحيح صريح خاص به .

وقد توهم البعض ثبوت الإجماع على حرمة مس الحائض والجنب القرآن ،وقالوا بأن المخالف هو داود الظاهرى ،وخلاف الواحد لايخرق الإجماع ،واستند بعضهم لقول النووى رحمه الله فى المجموع : والمختار عند الاصوليين أن داود لا يعتد به في الإجماع والخلاف[1] ، واستند بعضهم لقول ابن قدامة: وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إلَّا طَاهِرٌ يَعْنِي طَاهِرًا مِنْ الْحَدَثَيْنِ جَمِيعًا . رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَلَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا لَهُمْ إلَّا دَاوُد فَإِنَّهُ أَبَاحَ مَسَّهُ[2] ،واستند بعضهم أيضاً لقول الشوكانى: وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ حَدَثًا أَكْبَرَ أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ دَاوُد[3] ، وقال بعضهم قول داود شاذ ،فقد قال صاحب مواهب الجليل فى مس الحائض المصحف : عَدَّهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَقَالَ : الْخَامِسُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ شَاذٌّ فِي غَيْرِ الْمَذْهَبِ[4] .

وهذه مسألة خلافية ليس فيها إجماع فقد اختلف العلماء فى مس الحائض والجنب القرآن فجل العلماء يقولون بعدم الجواز ، وخالف في ذلك داود الظاهري[5] و تابعه على القول به أهل الظاهر[6] فالمسألة غير مجمع عليها كما يظن البعض ، و ليس داود رحمه الله هو الذى انفرد بهذا القول فقد تابعه أهل الظاهر ، و إليك بعض النقولات عن العلماء التى تبين أن فى المسألة خلاف : قال محمد بن المنذر النيسابورى : اختلف أهل العلم في مس الحائض والجنب المصحف فكره كثير منهم ذلك منهم ابن عمر[7] وقال أيضاً: ورخص بعض من كان في عصرنا للجنب والحائض في مس المصحف و لبس التعويذ و مس الدراهم و الدنانير التي فيها ذكر الله تعالى[8] ، و قال ابن بطال : وقال جمهور العلماء: لا يمس المصحف حائض ولا جنب، ولا يحمله إلا طاهر غير محدث[9] ،وقال ابن رجب: منع المحدث مِن مس المصحف ، وسواء كانَ حدثه حدثاً أكبر ، وَهوَ مِن يجب عليهِ الغسل ، أو أصغر ، وَهوَ مِن يجب عليهِ الوضوء . هَذا قول جماهير العلماء ، وروي ذَلِكَ عَن علي وسعد وابن عمر وسلمان ، ولا يعرف لَهُم مخالف مِن الصحابة ، وفيه أحاديث عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - متصلة ومرسلة . وخالف في ذَلِكَ أهل الظاهر[10] .

وفى إجابة اللجنة الدائمة عن السؤال الثانى من الفتوى رقم 557 : يجوز لمن استجمر ،ولم يتوضأ أن يقرأ القرآن إذا لم يكن جنبًا مدرسًا أو طالبًا، لكن قراءته على وضوء أفضل، أما مس المصحف فلا يجوز عند جمهور العلماء إلا لمتطهر من الحدثين الأكبر والأصغر ،وقالت أيضاً فى الفتوى رقم 3713 : لا يجوز للحائض مس المصحف عند جمهور العلماء ،وقال الشيخ عطية صقر فى فتاوى الأزهر باب الطهارة لمس المصحف : حمل المصحف أو مسه للحائض والجنب أدلة تحريمه لم تسلم من المناقشة ، واحتراما للمصحف يكون حمله أو مسه لغير المتطهر مكروها على الأقل ، هذا فى حال الجنابة ، أما إذا كان هناك حدث أصغر فالحكم كما يلى :
1 - جمهور العلماء على حرمة مس المصحف وحمله ، وذهب إليه مالك والشافعى وأبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه ، وأدلتهم هى الأدلة السابقة بالنسبة للجنب . 2 - جوز بعض العلماء ذلك ، وذهب إليه أبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه ، كما جوزه داود بن على ا.هـ

ومادام فى المسألة خلاف ،ولو من عالم فالمسألة غير مجمع عليها ،فعلماء الأصــــول قد عرفوا الإجماع بأنه اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي فخرج بقولهم: (اتفاق) ؛ وجود خلاف ولو من واحد، فلا ينعقد معه الإجماع . وخرج بقولهم : (مجتهدي) ؛ العوام والمقلدون، فلا يعتبر وفاقهم ولا خلافهم وخرج بقولهم : (هذه الأمة) ؛ إجماع غيرها فلا يعتبر. وخرج بقولهم: (بعد النبي صلى الله عليه وسلم ) ؛ اتفاقهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعتبر إجماعاً من حيث كونه دليلاً، لأن الدليل حصل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم من قـول أو فعل أو تقرير، ولذلك إذا قال الصحابي: كنا نفعل، أو كانوا يفعلون كذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ كان مرفوعاً حكماً، لا نقلاً للإجماع. وخرج بقولهم : (على حكم شرعي) ؛ اتفاقهم على حكم عقلي، أو عادي فلا مدخل له هنا، إذ البحث في الإجماع كدليل من أدلة الشرع .

ومن يقول خلاف الواحد والاثنين لايخرق الإجماع فقوله ليس بصواب فالله سبحانه إنما أخبر عن عصمة الأمةعند الاجتماع فدل على جواز الخطأ على بعضهم‏ فقد قال تعالى : ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ النساء115 ولا شك أن مشاقة الرسول وحدها موجبة للعذاب فما دام أن الله جمع لذلك أيضاً اتباع غير سبيل المؤمنين دل ذلك على أن هذا موجب للعذاب أيضاً ، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحاً لما جمع بينه وبين المحظور كما لا يجوز أن يقال إن زنيت وشربت الماء عاقبتك فثبت أن متابعة غير سبيل المؤمنين محظورة ،ومتابعة غير سبيل المؤمنين عبارة عن متابعة قول أو فتوى غير قولهم وفتواهم ،وإذا كانت تلك محظورة وجب أن تكون متابعة قولهم وفتواهم واجبة ضرورة أنه لا خروج من القسمين وكلمة سبيل لاتتأتى إلا فيما أجمعوا عليه أما الذى اختلفوا فيه فليس سبيل بل سبل.

و الأمة معصومة باجتماعها فقط ،والكثرة لاحجة فيها بدليل قوله سبحانه وتعالى : ﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ﴾ الأنعام من الآية 116 ، و يقول أيضاً :﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ يوسف آية 103 ،وقال صلى الله عليه وسلم : (( بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كم بدأ ؛ فطوبى للغرباء ))[11] ، فهذا الحديث دليل على قلة أهل الحق فالكثرة ليست دليلآ قاطعاً على الصواب ،ومع احتمال خطأ الكثرة يسقط الاستدلال بها.

وقد دل القرآن والسنة على عدم اعتبار الكثرة فى الدلالة على الصواب فإن قيل اتفاق الأكثرين يشعر بأن الحق معهم فيندر فى العادة أن يكون المخالف هو الراجح قلنا ليس هذا نادراً فقد دل القرآن والسنة على التزام الحق ،وإن خالف الأكثرون ، ولذلك لا يكون قول الأكثرين أولى بالإتباع، لأن الترجيح بالكثرة، ،وإن كان حقا في باب رواية الأخبار لما فيه من ظهور أحد الظنين على الآخر، فلا يلزم مثله في باب الاجتهاد، لما فيه من ترك ما ظهر له من الدليل لما لم يظهر له فيه دليل، أو ظهر، غير أنه مرجوح في نظره.

وقول من جوز الإجماع مع مخالفة الواحد والاثنين فاسد من وجوه :
الأول : الآية حرمت مخالفة سبيل المؤمنين ،وبوجود مخالف يكون هناك أكثر من سبيل فتنتفى الحرمة. الثانى :جرى فى عصر الصحابة خلاف الواحد منهم ،ولم ينكروا عليه بل سوغوا له الاجتهاد فيما ذهب إليه مع مخالفة الأكثر، ولو كان إجماع الأكثر حجة ملزمة للغير لأخذ به، لأنكروا على المخالف ،ولو أنكروا لنقل إلينا ذلك ،والمنقول عنهم الإقرار فدل هذا على أن إجماع الكثرة ليس بحجة، ومن ذلك اتفاق أكثر الصحابة على امتناع قتال ما نعي الزكاة مع خلاف أبي بكر لهم، وكذلك خلاف أكثر الصحابة لما انفرد به ابن عباس في مسألة العول وتحليل المتعة وأنه لا ربا إلا في النسيئة ،وكذلك خلافهم لابن مسعود فيما انفرد به في مسائل الفرائض، ولزيد بن أرقم في مسألة العينة.... الثالث : قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تعالى قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة ))[12] ، و لفظ الأمة عام يشمل كل الأمة ،ومن قال المراد غالب الأمة فقد أخرج اللفظ عن ظاهره ،وإخراج اللفظ عن ظاهره يحتاج لقرينة ، فالأمة معصومة فى اجتماعها لا فى آحادها ،وعلى هذا فالكثرة ليست دليلاً على الصواب فمَنْ يَقُولُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْجَمِيعِ ، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالتَّحَكُّمِ بَلْ بِدَلِيلٍ وَضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ هَهُنَا ، وَمَنْ لَا يَقُولُ بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَقَلَّ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ الْبَعْضُ الْمُرَادُ عَمَّا لَيْسَ بِمُرَادٍ وَلَا بُدَّ مِنْ إجْمَاعِ الْجَمِيعِ لَيُعْلَمَ أَنَّ الْبَعْضَ الْمُرَادَ دَاخِلٌ فِيهِ ، كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ أَهْلِ الْحَقِّ.
الرابع : قال صلى الله عليه وسلم: (( إن الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار))[13] ، فقوله شذ يدل على أن العبرة بموافقة الجميع فالشاذِ عبَارَةٌ عَنْ الْخَارِجِ عَنْ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا ، وَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِجْمَاعِ لَا يُقْبَلُ خِلَافُهُ بَعْدَهُ وَهُوَ الشُّذُوذُ ، أَمَّا الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ أَصْلًا فَلَا يُسَمَّى شَاذًّا فالشاذ هو المخالف بعد الموافقة ، لا من خالف قبل الموافقة فالمخالفة قبل الموافقة تقتضى عدم الإجماع فلا حجة فى إجماع الأكثر مع مخالفة الواحد . الخامس: قوله تعالى : ﴿ ومَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ ﴾ [ سورة الشورى من الآية 10] فدلت الآية أن عند الاختلاف يرد الحكم إلى الله أى أن قول أحد ليس حجة على أحد ،ومَفْهُومُهُ : أَنَّ مَا اتَّفَقْ المسلمون فِيهِ فَهُوَ حَقٌّ . السادس: قوله تعالى : ﴿ َفإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ﴾[ سورة النساء من الآية 59] فدلت الآية أنه عندالاختلاف حتى وإن كان من واحد يرد الحكم إلى الكتاب والسنة أى ليس قول أحد حجة على أحد أما إذا اتفقوا فقولهم حق بدليل المخالفة .

وانظر هذا الكلام النفيس لابن حزم : فصل في من قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن بعدهم لا يعد خلافاً و أن قول من سواه فيمن خالفهم فيه إجماع قال أبو محمد: ذهب محمد بن جرير الطبري إلى أن خلاف الواحد لا يعد خلافاً، وحكى أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي : أن أبا حازم عبد العزيز بن عبد الحميد القاضي الحنفي فسخ الحكم بتوريث بيت المال ما فضل عن ذوي السهام وقال : إن زيد بن ثابت لا يعد خلافا على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. قال أبو محمد: فيقال لهم: ما معنى قولكم لا يعد خلافا ؟ أتنفون وجود خلاف ؟ فهذا كذب تدفعه المشاهدة والعيان، أم تقولون: إن الله تعالى أمركم ألاتسموه خلافا ؟ أو رسوله صلى الله عليه وسلم أمركم بذلك ؟ فهذه شر من الأولى، لأنه كذب على الله تعالى و على رسوله صلى الله عليه وسلم أم تقولون: إن قائل ذلك الخلاف من الضعة والسقوط في المسلمين - إما لفسقه وإما لجهله - بحيث لا يكون وجود قوله إلا كعدمه ففي هذا ما فيه، إذ ينزلون زيد بن ثابت أو ابن عباس أو غيرهما من التابعين الأئمة في هذه المنزلة. ولعمري إن من أنزل عالما - من الصحابة رضي الله عنهم أو من التابعين أو من أئمة المسلمين - هذه المنزلة لاحق بهذه الصفة وأولى بها، ولا يخرج قولكم من إحدى هذه الثلاث قبائح، إذ لا رابع لها. فإن قالوا: إنما قلنا: إنه خطأ وشذوذ قلنا : قد قدمنا أن كل من خالف أحداً فقد شذ عنه، وكل قول خالف الحق فهو شاذ عن الحق، فوجب أن كل خطأ فهو شذوذ عن الحق، وكل شذوذ عن الحق فهو خطأ، وليس كل خطأ خلافا للإجماع، فليس كل شذوذ خلافاً للإجماع ، ولا كل حق إجماعا، وإنما نكلمكم ههنا في قولكم: ليس خلافا، ولكون ما عداه إجماعا، فقد ظهر كذب دعواهم وفسادها ،والحمد لله رب العالمين[14] ا.هـ وممن قال بعدم انعقاد الإجماع مع مخالفة الواحد والاثنين الجمهور كالآمدى فى الإحكام[15] ،و الرازى فى المحصول[16] و الغزالى فى المستصفى [17] و أبو إسحاق الشيرازى فى اللمع[18]

وبما أن مسألة مس الحائض والجنب القرآن مختلف فيها فالواجب علينا إتباع الدليل الصحيح من كتاب أو سنة فأقوال العلماء تعرض على الكتاب والسنة فيؤخذ بالقول الذى يوافق الكتاب والسنة ، و لا يلتفت للقول الذى يخالف الكتاب والسنة ،ولا يجوز التقليد فى خلاف الحق ،وأقوال العلماء التي لا تخالف القرآن والسنة أقوال يجوزمخالفتها لمن وجد أن غيرها أحسن منها ،ولا يعتبر مخالف القول الفقهى مخالفاً للدين بحال، إلا إذا كان هذا القول الفقهي مستنداً إلى استدلال صحيح من كتاب أو سنة صحيحة فتحرم مخالفته .



[1] - المجموع 3/ 357
[2] - المغنى لابن قدامة 1/256
[3] - نيل الأوطار 2/ 26
[4] - مواهب الجليل شرح الخليل 3 /134 فصل فى بيان حكم الحيض والنفاس
[5] - الإفصاح عن معاني الصحاح ليحيى بن محمد بن هبيرة 1/ 76 الرياض : المؤسسة السعودية ؛ المغني ، /147، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ، محمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي ، ص 21 عني بطبعه : عبد الله بن إبراهيم الأنصاري ، قطر : مطابع قطر الوطنية ، 1401هـ /1981م.
؛ نيل الأوطار1/260، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي 2/878، سعدي أبو جيب ، بيروت : دار العربية للطباعة والنشر.
[6] - المحلى 1/77 دار الآفاق الجديدة بيروت تحقيق دارإحياء التراث العربى
[7]- الأوسط 2 / 101 دار طيبة مدينة الرياض 1405 هـ الطبعة الأولى د.صغير أحمد محمد حنيف
[8] - المصدر السابق 2/ 103
[9] - شرح البخارى لابن بطال 1/ 450
[10] - فتح البارى لابن رجب 2/ 81
[11] - رواه مسلم
[12]- حديث حسن بمجموع طرقه فى صحيح الجامع رقم 1786
[13]- حديث صححه الألبانى فى جامع الترمذى رقم 2167
[14] - الإحكام لابن حزم 4/ 544- 545
[15] - الإحكام للآمدى 1/ 235- 239 علق عليه العلامة عبد الرزاق عفيفى المكتب الإسلامى مؤسسسة النورالطبعة الأولى 1387 هـ
[16] - المحصول للرازى 4/ 181- 185 تحقيق د . طه جابر فياض العلواني مؤسسة الرسالة
[17] - المستصفى للغزالى 1/ 369- 371
[18] - اللمع للشيرازى 1/256
 
الأدلة الخاصة بمسألة مس الحائض والجنب المصحف ومناقشتها :

الأدلة الخاصة بمسألة مس الحائض والجنب المصحف ومناقشتها :

الأدلة الخاصة بمسألة مس الحائض والجنب المصحف ومناقشتها :



وهى فى قراءة الحائض والجنب القرآن فإذا ثبت الاستدلال بدليل صحيح صريح على حرمة قراءة الحائض والجنب القرآن فمن باب أولى حرمة المس ،و إلا فيبقى الحكم على البراءة الأصلية ، و هو المطلوب إثباته .

الدليل الأول :
عن ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن "
مناقشة الدليل الأول:
قال البيهقي : فيه نظر ، قال محمد بن إسماعيل البخاري فيما بلغني عنه : إنما روى هذا إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة، ولا أعرفه من حديث غيره، وإسماعيل منكر الحديث عن أهل الحجاز وأهل العراق ... وقد روي عن غيره عن موسى بن عقبة، وليس بصحيح وروي عن جابر ابن عبد الله من قوله في الجنب والحائض والنفساء وليس بقوي[1]. وعلق العلامة الألباني على كلام البيهقي السابق بقوله: قلت وهذا من روايته عن أهل الحجاز فهي ضعيفة، وقال العقيلي: قال عبد الله بن أحمد: قال أبي : هذا باطل أنكره على إسماعيل بن عياش، يعني أنه وهم من إسماعيل بن عياش ...[2] . و قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الحديث السابق : و هو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث[3].

وقال الشوكاني: الحديث في إسناده إسماعيل بن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة وهذا منها. وذكر البزار أنه تفرد به عن موسى بن عقبة وسبقه إلى نحو ذلك البخاري وتبعهما البيهقي، لكن رواه الدارقطني من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى، ومن وجه آخر وفيه مبهم عن أبي معشر وهو ضعيف عن موسى‏...وقال أبو حاتم‏: حديث إسماعيل بن عياش هذا خطأ وإنما هو من قول ابن عمر‏.‏ وقال أحمد بن حنبل ‏:‏ هذا باطل أنكر على إسماعيل بن عياش‏[4] .


الدليل الثاني :
عن علي رضي الله عنه قال ‏:‏ ‏((‏ كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقضيحاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ،ولا يحجبه وربما قال لا يحجزه منالقرآن شيء ليس الجنابة‏ ))‏‏ رواه الخمسة لكن لفظ الترمذي مختصر ‏:‏ (‏(‏ كان يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكنجنبًا )‏)‏ و قال :‏ حديث حسن صحيح ‏. الحديث أيضًا أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبزار والدارقطني والبيهقي وصححهأيضًا ابن حبان وابن السكن وعبد الحق والبغوي في شرح السنة ، ‏وقال ابن خزيمة‏ : ‏هذا الحديث ثلث رأس مالي ، وقال شعبة‏ :‏ ما أحدث بحديث أحسن منه فدل الحديث على أن الجنب لا يقرأ القرآن ، وبقياس الحائض على الجنب فالحائض لا تقرأ القرآن أيضاً ؛ لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة.
مناقشة الدليل الثانى :
قال الشافعي‏:‏ أهل الحديث لا يثبتونه‏.‏ قال البيهقي‏ :‏ إنما قال ذلك لأن عبداللَّه بن سلمة راويه كان قد تغير وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر قاله شعبة‏.‏وقال الخطابي‏:‏ كان أحمد يوهن هذا الحديث وقال النووي‏:‏ خالف الترمذي الأكثرونفضعفوا هذا الحديث وقد قدمنا من صححه مع الترمذي ‏.‏ وحكى البخاري عن عمرو بن مرةالراوي لهذا الحديث عنه أنه قال‏:‏ كان عبد اللَّه بن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر[FONT=times new roman(arabic)][5][/FONT]‏.‏
مناقشة الاستدلال :
الحديث ليس فيه ما يدل على التحريم ؛ لأن غايته أن النبي صلى الله عليه وسلم تركالقرآن حال الجنابة ،ومثله لا يصلح متمسكًا للكراهة فكيف يستدل به على التحريم؟!‏ ولم يبين عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِمِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ‏.‏ فالفعل لا يستلزم الوجوب وأيضاً الفعل لا يستلزم التحريم ،و الفعل بذاته لا يدل على التحريم ولاعلى الوجوب ،فبطل بذلك استدلالكم ويؤيد ذلك عموم حديث عائشة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (‏(‏كان يذكر اللَّه على كلأحيانه‏)‏)[FONT=times new roman(arabic)][6][/FONT] أما ذهاب بعض العلماء إلى قياس الحيض و النفاس على الجنابة في حرمة قراءة القرآن ،وإن كان خلاف الصحيح فهو غير مسلّم ، بل الظاهر أنّ حكمهما مختلف لوجود الفارق بين الحالتين ، إذ يُفرَّقُ بين الجنابة و بين الحدث الأكبر الحاصل بالحيض والنفاس ، بكون رفع الجنابة مقدوراً عليه في كلّ وقت ، بخلاف ما يعرِض للمرأة من شئون النساء التي لا ترتفع إلا لأجل الله أعلم به فالجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالاغتسال، وأما الحائض فليس باختيارها أن تزيل هذا المانع، وكذا فإن الحائض مدتها تطول غالباً، والجنب مدته لا تطول ؛لأنه سوف تأتيه الصلاة، ويلزم بالاغتسال والنفساء من باب أولى أن يرخص لها ؛ لأن مدتها أطول من مدة الحائض .

الدليل الثالث :
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (( لا يقرأ الجنب ولا الحائض القرآن )). رواه البيهقى فى سننه
مناقشة الاستدلال بالأثر :
هذا مخالف لما كان عليه النبى ، و قول الصحابى يكون حجة ما لم يخالف نصاً على قول من يحتجون بقول الصحابى، وقد خالف قول عمرو رضي الله عنه ما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك حديث عائشة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم :‏(( ‏كان يذكر اللَّه على كلأحيانه‏))‏ ،وقول النبى صلى الله عليه وسلم لعائشـة : (( أفعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفى بالبيت ))[7] ومعلوم أن الحاج يذكرالله ، و يقرأ القرآن .

الدليل الرابع:
القول الثابت عن على رضي الله عنه : (( لا يقرأ الجنب القرآن قالوا ، و لا حرفً واحد قال ولا حرف واحد)).َ
مناقشة الاستدلال بالأثر:
هذا مخالف لما كان عليه النبى ، و قول الصحابى يكون حجة ما لم يخالف نصاً على قول من يحتجون بقول الصحابى، وقد أخرج البخاري عن ابن عباس أنه لم ير في القراءة للجنب بأسًا و قد خالف قول على رضي الله عنه ما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم ، و من ذلك حديث عائشة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : ‏(‏ كان يذكر اللَّه على كلأحيانه ‏)‏ و قول النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة :( أفعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفى بالبيت) و معلوم أن الحاج يذكر الله ، و يقرأ القرآن .

الدليل الخامس:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول ومر عليه رجل فسلم عليه فلم يرد النبيصلى الله عليه وسلم فلما قضى حاجته ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم و قال إذا وجدتني على هذا الحال فلا تسلم علي . رواه أحمد

وجه الدلالة كما يقولون :
منع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه من أمر واجب وهو السلام ؛ لأنه متلبس بنجاسة فكيف بالحائض التى تريد قراءة القرآن ؟


مناقشة الاستدلال :
هذا الحديث يوضحه حديث المهاجر بن قنفد أنه سلم على النبى صلى الله عليه وسلم ، و هو يتوضأ فلم يرد عليه السلام حتى توضأ فرد عليه السلام ، وقال : ( إنه لم يمنعنى أن أرد عليك إلا أنى كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة )[8] فالحديث يدل على الكراهة لاالتحريم. وبما أن قول جمهور الفقهاء فى مسألة مس الحائض والجنب القرآن غير مستند إلى استدلال صحيح من كتاب أو سنة فهى إما صحيحة غير صريحة أو مختلف فى صحتها غير صريحة أيضاً ،أوصريحة ضعيفة فعلى هذا الراجح ما ذهب إليه الظاهرية لاستناده إلى الأصل ،وهو البراءة الأصلية ،وعدم وجود دليل صحيح صريح ناقل عن الأصل،وإيجاب الطهارة لمس المصحف حكم تكليفى لابد له من نص صريح يحسم مادة الخلاف ،وليس فى نصوص الشريعة أمر بالطهارة لمس المصحف بصيغة قاطعة الدلالة على الوجوب فمع الاحتمال يسقط الاستدلال .















[1]- السنن الكبرى 1/89
[2]- إرواء الغليل 1/207
[3] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/460
[4]- نيل الأوطار ج1 ص251 دار الحديث 1421 هـ
[5] - المصدر السابق ص 250
[6] - رواه مسلم 373
[7]- رواه البخارى 1650
[8]- رواه أبو داود 17 والنسائى 1/16 وابن ماجة 350
 
الخاتمة

الخاتمة

الخاتمة


الطهارة لمس المصحف مستحبة ، و لا يوجد دليل صحيح صريح فى إيجابها ، و غاية الأدلة التى فيها الاستحباب من باب تعظيم المصحف ، و كما أنه فى السماء لايمسه إلا المطهرون فيستحب لمن فى الأرض أن يمسوه على الطهارة ، و مما ترتب على ذلك جواز مس الحائض و الجنب المصحف ، و هذا رأى الظاهرية ، و من المعاصرين أبي مالك كمال بن السيد سالم فى كتابه صــحيح فقه السنة الجزء الأول و أ.د / حسام الدين موسى أستاذ الفقه والأصول كلية الدعوة وأصـول الدين بجامعة الـقدس فى كتابه يسألونك الجزء التاسع و الشيخ أبو إسحاق الحويني في كتابه النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلةو الشيخ عبد الله الجديع في المقدمات الأساسية في علوم القرآن الشيخ محمد شقره في رسالة لا يمسه إلا المطهرون ،و الشيخ عمر الحدوشي في إعلام الخائض بجواز مس المصحف للجنب و الحائض . هذا و بالله التوفيق ، و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات .
 
البحث بصيغة الورد و الشاملة بالمرفقات
و إني لأرجو الله أن يدعو لي أحد الأخوة بظاهر الغيب فإني أعد عملا ضد بعض أعداء الله يحتاج أوقاتا كثيرة و دقة فهم و سعة إطلاع
 
بارك الله فيك أخي الكريم على هذا الجهد، وليتك لم تجزم بهذه النتيجة التي وصلت إليها، ولو قلت: الأظهر، أو الأقرب، أو لعل أرجح القولين كذا، والأخذ بالقول الآخر أحوط = لكان أولى، لاسيما في هذه المسألة الكبيرة.

وقد ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، والفقهاء السبعة ، والأئمة الأربعة ،وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين([1]إلى أنه لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف.



([1]) قال ابن عبدالبر في الاستذكار 8/11 : " وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي ثور ، وأبي عبيد ، وهؤلاء أئمة الرأي والحديث في أعصارهم . وروي ذلك عن : سعد بن أبي وقاص ، وعبدالله بن عمر ، وطاووس ، والحسن ، والشعبي ، والقاسم بن محمد ، وعطاء ، وهؤلاء من أئمة التابعين بالمدينة ، ومكة ، واليمن ، والكوفة ، والبصرة . وانظر : أحكام القرآن لابن العربي 4/1738 ، والمغني 1/202 ، وتفسير القرطبي 17/147 ، والمجموع 2/72 .ومجموع الفتاوى 26/200، إظهار الحق المبين بتأييد إجماع الأئمة الأربعة على تحريم مس وحمل القرآن الكريم لغير المتطهرين لمحمد بن علي المالكي ، وحكم الطهارة لمس القرآن الكريم لعمر السبيل .


 
بارك الله فيك أخي الكريم على هذا الجهد، وليتك لم تجزم بهذه النتيجة التي وصلت إليها، ولو قلت: الأظهر، أو الأقرب، أو لعل أرجح القولين كذا، والأخذ بالقول الآخر أحوط = لكان أولى، لاسيما في هذه المسألة الكبيرة.

وقد ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، والفقهاء السبعة ، والأئمة الأربعة ،وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين([1]إلى أنه لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف.



([1]) قال ابن عبدالبر في الاستذكار 8/11 : " وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي ثور ، وأبي عبيد ، وهؤلاء أئمة الرأي والحديث في أعصارهم . وروي ذلك عن : سعد بن أبي وقاص ، وعبدالله بن عمر ، وطاووس ، والحسن ، والشعبي ، والقاسم بن محمد ، وعطاء ، وهؤلاء من أئمة التابعين بالمدينة ، ومكة ، واليمن ، والكوفة ، والبصرة . وانظر : أحكام القرآن لابن العربي 4/1738 ، والمغني 1/202 ، وتفسير القرطبي 17/147 ، والمجموع 2/72 .ومجموع الفتاوى 26/200، إظهار الحق المبين بتأييد إجماع الأئمة الأربعة على تحريم مس وحمل القرآن الكريم لغير المتطهرين لمحمد بن علي المالكي ، وحكم الطهارة لمس القرآن الكريم لعمر السبيل .



جزاكم الله خيرا أستاذي الكريم على الإفادة نعم قول معظم أهل العلم على حرمة مس المصحف بلا طهارة و الأفضل و الأحسن و الأحوط مس المصحف مع الطهارة و فاتني كتابة ذلك في نتيجة البحث
 
تعديل خاتمة البحث

تعديل خاتمة البحث

الخاتمة



الطهارة لمس المصحف مستحبة ، و لا يوجد دليل صحيح صريح فى إيجابها ، و غاية الأدلة التى فيها الاستحباب من باب تعظيم المصحف ، و كما أنه فى السماء لايمسه إلا المطهرون فيستحب لمن فى الأرض أن يمسوه على الطهارة ، و مما ترتب على ذلك جواز مس الحائض و الجنب المصحف ، و هذا رأى الظاهرية ، و من المعاصرين أبي مالك كمال بن السيد سالم فى كتابه صــحيح فقه السنة الجزء الأول و أ.د / حسام الدين موسى أستاذ الفقه والأصول كلية الدعوة وأصـول الدين بجامعة الـقدس فى كتابه يسألونك الجزء التاسع و الشيخ أبو إسحاق الحويني في كتابه النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلةو الشيخ عبد الله الجديع في المقدمات الأساسية في علوم القرآن الشيخ محمد شقره في رسالة لا يمسه إلا المطهرون ،و الشيخ عمر الحدوشي في إعلام الخائض بجواز مس المصحف للجنب و الحائض . هذا و بالله التوفيق ، و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات .



الخاتمة

من خلال عرض كلام السادة العلماء حول حكم الطهارة من الحدث لمس المصحف و عرض المناقشات عليها ترجح لي وظهر لي أن الطهارة لمس المصحف مستحبة، ولا يوجد دليل صحيح صريح فى إيجابها، والأدلة التى ذكروها تفيد الاستحباب فهي من باب تعظيم المصحف، وكما أنه فى السماء لايمسه إلا المطهرون فيستحب لمن فى الأرض أن يمسوه على الطهارة ، و الحديث الذي استدلوا به غاية ما فيه عدم تمكين الكافر من مسه و مما ترتب على ذلك جواز مس الحائض والجنب المصحف - وإن كان خلاف المستحب - وهذا رأى الظاهرية ، و من المعاصرين أبي مالك كمال بن السيد سالم فى كتابه صحيح فقه السنة الجزء الأول وأ. د / حسام الدين موسى أستاذ الفقه والأصول كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة القدس فى كتابه يسألونك الجزء التاسع والشيخ أبي إسحاق الحويني في كتابه النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة والشيخ عبد الله الجديع في المقدمات الأساسية في علوم القرآن، والشيخ محمد شقره في رسالة لا ية ما فيه مسه إلا المطهرون، والشيخ عمر الحدوشي في إعلام الخائض بجواز مس المصحف للجنب والحائض. هذا وبالله التوفيق، والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
 
عودة
أعلى