محمود عبدالله إبراهيم نجا
Member
إعجاز القُرآن في الإشارة لحركة الأرض، رغم وصفها بالقرار، ومنع ميدها بالرواسي

زعم البعض أن هناك إجماع على أن الأرض لا تتحرك، لأن القُرآن وصفها بالقرار، ومنع ميدها بالرواسي، فأصبح هناك تعارض مع العلم الذي يُثبت حركتها. ولكن عند التحقيق سنجد الإجماع موهوم، فكثير من المفسرين لم يصرحوا بنفي حركة الأرض، والمعنى اللغوي للقرار ومنع الميد، يوافق العقل والعلم، في إمكان الجمع بين الاستقرار على شيء ما رغم حركته. فنجد في القُرآن استقرارنا على السُفن رغم حركتها، ووصف رحم المرأة بالقرار رغم حركة المرأة، وأمر النساء بالقرار في البيوت رغم حركتهن. ونفس الفهم قابل للتطبيق على الأرض، فمع وصف القُرآن لها بالقرار، وعدم الميد، نجد به ألفاظ أُخرى تُشير لحركة الأرض وتقلبها أثناء جريانها، كالدحو، والطحو، وكفاتا، ووصف الليل والنهار بالتكور والتقلُب، والسباحة، والجريان، بالإضافة لوصف الجبال بالمرّ كالسحاب، رغم أن العيون تراها جامدة عن الحركة، وكل ذلك يتوافق مع المعارف العلمية الحديثة، وإليكُم التفصيل.
■ منشأ فكرة ثبات الأرض، وكيف نقلها المسلمون؟
نشأت فكرة ثبات الأرض في الحضارات القديمة، فتصور البابليون والسومريون في بلاد الرافدين أن الأرض مسطحة وتطفو على محيط ماء. وانتقل هذا التصور للمصريين القدماء الذين اعتقدوا بثبات الأرض. وكان فلاسفة اليونان الأوائل يرون الأرض مسطحة وثابتة. وأما فيثاغورس وأفلاطون فقالا بكروية الأرض، وأنها ثابتة في مركز الكون، وزاد عليهم أرسطو أن الكواكب والشمس والأفلاك تدور حولها. ثم رسّخ عالم الفلك بطليموس هذا النظام، الذي أصبح يعرف بـالنموذج البطلمي، والذي ساد أوروبا لقرون، وتأثر به كُتاب التوراة والإنجيل، وتبنته الكنيسة لاحقًا، وحاربت كل من قال بحركة الأرض.
وللأسف هذا الفكر تسرب لبعض المسلمين، وبخاصة المُتكلمين الأشاعرة مثل عبد القاهر البغدادي (ت 429هـ) الذي زعم في كتابه الفرق بين الفرق، أن هناك إجماع على أن الأرض لا تتحرك فقال (وأجمعوا على وقوف الأرض وسكونها، وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها، خلاف قول من زعم من الدهرية أن الأرض تهوي أبداً)، ثم بين مصدر إجماعه المزعوم في كتابه أصول الدين (ص٦٠) فقال (أجمع المسلمون وأهل الكتاب بوقوف الأرض وسكونها وإن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها، وبه قال جماعة من الفلاسفة منهم أفلاطون وأرسطاطاليس وبطليموس وإقليدس). وكما ترون فسبب الإجماع ليس دليل صريح من قرآن أو سُنة، ولا قول السلف، ولكن ما أجمع عليه الفلاسفة وأهل الكتاب.
■ تفسير القرار في آية (أمن جعل الأرض قرارا)، و(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا).
قال الطبري (جعل الأرض لكم قرارا تستقرّون عليها لا تميد بكم)، ووافق الطبري كثير من المفسرين منهم الزمخشري، والبغوي، والألوسي، والسعدي، وابن عاشور.
ولكن بعض المُفسرين كابن كثير، والقرطبي، والرازي، تحيروا في فهم القرار، فلم يفسروه بطريقة واحدة، ففي آية (الله الذي جعل الأرض قرارا)، قالوا بنفس قول الطبري، فلم ينفوا حركة الأرض. وفي تفسير آية (أمن جعل الأرض قرارا)، خالفوا الطبري فقالوا بعدم حركتها، بدون سند من أقوال السلف، وبدون ذكر للإجماع الذي ذكره عبد القاهر البغدادي.
■ تفسير آية (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم)، وآية (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم).
تصور البعض كابن كثير، والقرطبي، والرازي، أن الأرض في بحر ماء كالسُفن، فتميد جانبياً، والرواسي تمنع ذلك. قال ابن كثير (لئلا تميد بالناس، أي تضطرب وتتحرك، فلا يحصل لهم عليها قرار لأنها غامرة في الماء إلا مقدار الربع). وقال الرازي (السفينة إذا ألقيت على وجه الماء ، فإنها تميد من جانب إلى جانب، فإذا وضعت فيها الأثقال استقرت على وجه الماء. فكذلك لما خلق الله الأرض على وجه الماء اضطربت ومادت، فخلق عليها الرواسي فاستقرت).
وأما الطبري فقال (أرسى الله الأرض بالجبال لئلا يميد خلقه على ظهرها، وكانت مائدة قبل أن تُرْسَى بها، واستدل بحديث لما خلق الله الأرض جعلت تمور، قالت الملائكة. ما هذه بمقرّة على ظهرها أحدا، فأصبحت وفيها رواسيها)، وقال في موضع آخر (الميد هو الاضطراب والتكفؤ، يقال: مادت السفينة: إذا تكفأت بأهلها ومالت، ومنه الميد الذي يعتري راكب البحر، وهو الدوار).
فاكتفى الطبري بتشبيه ميد الأرض بميد السفن، ولم يقل أن الأرض في بحر، ولم يصرح بمنع حركتها. وقريباً منه ما قاله ابن أبي حاتم في تفسيره بالمأثور، وما قاله البغوي، والسعدي، وابن عاشور. وكل هؤلاء لم يذكروا أي شيء عن الإجماع الموهوم الذي ذكره عبد القادر البغدادي.
■ المعنى اللغوي والقُرآني للقرار يسمح بالحركة.
في مُعجم لسان العرب، وغيره نجد أكثر من مثال فيه وصف لشيء ما بالقرار رغم الحركة، ومن ذلك تسمية أهل الحضر بأهل القرار، وذلك لاستقرارهم في المُدن، بعكس البدو المتنقلين. وأمر الله للنساء بالقرار في البيوت (وقرن في بيوتكن)، وهو من الاستقرار والسكن. وتسمية ثاني أيام عيد الأضحى بيوم القر في حديث (أفضل الأيام عند الله يوم النحر ، ثم يوم القر)، ويوم القر يلي يوم النحر، سُمي كذلك لأن الناس يسكنون فيه بعد جهد يوميّ عرفة والنحر. وأخيراً وصف الرحم بالقرار (فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ)، رغم أن صاحبة الرحم تتحرك وتتقلب كيفما شاءت.
قال الطبري وأكثر المفسرين عن وصف الرحم بالقرار (فجعلنا الماء المَهِين في رحمٍ استقرّ فيها فتمكن)، وهو نفس فهمهم لوصف الأرض بالقرار، فالرحم مثل الأرض مُستقر للساكن دون نفي لحركة المسكن. وأما ابن كثير والقرطبي، والرازي فلم ينفوا الحركة كما فعلوا مع الأرض، وكيف لهم ذلك، وصاحبة الرحم تتحرك وتتقلب كيفما شاءت؟!.
■ المعنى اللغوي للميد، وإمكان الحركة عند نفيه
في مُعجم لسان العرب، وغيره نجد الميد يشير في أغلب أمثلته لللإهتزاز، والإضطراب الجانبي، فلو منعنا الميد، فسنمنع الإهتزاز والإضطراب بدون نفي للحركة، فيُقال مادتِ السَّفينةُ في البحر: أي تمايلت جانبيا. ومَادَ الشَّخصُ: تبختر وتثنَّى. وتَمَيَّدَتِ الْمَرْأَةُ، وتمايد الرجل: التمايل والتبختر والإهتزاز، أو الإصابة بدُوَارٌ من ركوب بحر، أو شُرب خمر.
■ أدلة قُرآنية غير مُباشرة تُشير لحركة الأرض
1. آية كل في فلك يسبحون، وآية كل يجري لأجل مسمى، ويدخل في هذا الكل الليل والنهار، والزمن لا يجري ولا يسبح وانما محلهما (الأرض) هي التي تسبح وتجري. وبالمثل آية تكوير الليل والنهار، وآية تقليب الليل والنهار، فالذي يتكور، ويتقلب هو محل الليل والنهار، أي الأرض.
2. آيات منع ميد الأرض بالرواسي، لأن فيها تشبيه بالسفن التي تميد في حركتها لو كان توزيع الأحمال غير مُتزن، وكذا الأرض لما مادت بعد خلقها، منع الله ميدها بتوزيع الجبال على سطحها، وذلك مثل إطارات السيارات التي قد تميد أثناء دورانها حول محورها، فنقوم بعملية الترصيص ببعض الأوزان لمنع الميد، وهناك أبحاث علمية بدأت تُثبت دور الرواسي في منع الميد الجيولوجي لقشرة الأرض فوق الصهارة، ولمنع الميد الزاوي للأرض أثناء دورانها (لها بحث خاص بإذن الله).
3. آية (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مرّ السحاب، صُنع الله الذي أتقن كُل شيء).
والجمود ضد الحركة، أي ترى الجبال الآن بعينك تظنها لا تتحرك مع أنها تتحرك كالسحاب، وهذا يدل أن الأرض تتحرك بالجبال. البعض سيقول الآية خاصة بالقيامة، فأقول لا يوجد حديث صرح بذلك، وألفاظها مختلفة عن أحداث القيامة، فالجبال يوم القيامة تسير، فكيف نحسبها جامدة وهي تسير كسير أحدنا، واختلاف فعل المر عن السير يقتضي اختلاف المُراد، فلا ترادف في القُرآن، والأفعال تحسبها، وترى، وتمر، تدل على الحاضر، وخصوصا الفعل ترى المُستخدم أحياناً للرؤية في الدنيا كآية (تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، وأخيراً ختام الآية (صنع الله الذي أتقن كل شيء)، تربط حركة الجبال والسحاب بالنظام الدنيوي المُتقن، وليس بأحداث الهدم يوم القيامة، وكلمة الصُنع تستخدم لتركيب الأشياء وليس لفكها وهدمها.
■ أدلة قُرآنية مباشرة تُثبت حركة الأرض
الأدلة غير المباشرة (إلا مر الجبال) تحتمل تقلب الأرض أمام الشمس، كما تحتمل أن الشمس هي التي تجري حول الأرض، لإحداث الليل والنهار، وللترجيح لابد من أدلة أخرى تصف ذات الأرض بالحركة والتقلب، وإليكم هذه الأدلة؛
1. طحاها (والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها)
في مُعجم لسان العرب وغيره، نجد للطحو معاني كثيرة، وسأكتفي الآن بمعاني الحركة، ومنها طَحَا الشَّيْءَ: رَمَاه، ومنها طحا بالكرة: رمَى بها. وطاح الشيء بمعنى وقع او سقط. وطحا: بعُد أو ذهب بعيداً في ناحية، ومنها طحا الرجل: ذهب بعيداً في الأرض. وطحا: دفع ومنها والقومُ يَطْحَى بعضُهم بعضاً أَي يَدفَع . وطَحَا: طوَّح في كل ناحية. والطَّواحي : النُّسورُ تَسْتديرُ حولَ القَتْلى . وعليه فطحو الأرض مع بناء السماء بشمسها (والسماء وما بناها والأرض وما طحاها)، يفيد الفتق الأخير للأرض عن رتق السديم الشمسي، والإبتعاد في حركة عنيفة، فمعاني الطحو دلت على الرمي، والدفع، والوقوع والإبتعاد في اتجاه ما، والتطوح في أثناء الحركة، وكلها معاني مُستخدمة علمياً في وصف انفصال الأرض عن السديم الشمسي. وبرغم الإنفصال فالعلاقة لم تنقطع، فقد شبه الله طحو الأرض حول الشمس، بطحو الطواحي، أي النسور تدور حول القتلى، كما أن الأرض تطحو حول محورها أي تتقلب، كما تطحو الكرة أي تدفعها فتتقلب أثناء جريانها، وهذا المعنى الأخير سيتضح أكثر في شرح معنى الدحو، ومعنى كفاتا.
2. دحاها (والأرض بعد ذلك دحاها)
في مُعجم لسان العرب وغيره نجد للدحو معاني كثيرة، وسأكتفي الآن بمعاني الحركة، ومنها دَحَا الحَجَرَ : رَمَى بِهِ، دَفَعَهُ. ودَحَا الْمَاشِيَةَ : سَاقَهَا، ودَحَا الفَرَسُ : جَرَّ يَدَيْهِ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ، ودَحَا السَّيْلُ فيه بالبَطْحاءِ أَي رَمَى وأَلْقَى . والدَّحْوُ : هو رَمْيُ اللَّاعِب بالحَجَر والخشبة، والجَوْزِ وغيره، في اتجاه حفرة، في الأرض. والمِدْحاة : خَشَبة أو حجر، أو جوزة يَدْحَى بها الصبِيُّ فتمر على وجه الأَرض لا تأْتي على شيء إلا اجْتَحَفَتْه. وعليه فالدحو يشارك الطحو في معنى الحركة والرمي والإلقاء، ولكن بتفصيل أكبر، لأن دحو الله للأرض فيه تشبيه بلُعبة المداحي عند العرب، وهي شبيهة بلُعبة البلي في زماننا، حيث كان الأطفال يحفرون حفرة في الأرض، ويستخدمون قطع مكورة من خشب أو حجر، او الجوز، فيرمونها (يدحونها) على الأرض في اتجاه الحفرة، فتجري للأمام، وفي نفس الوقت تدور وتتقلب حول محورها. وقد وصف الزمخشري هذه اللعبة في كتابه (الفائق في غريب الحديث) نقلاً عن قال أبو رافع الذي قال (كنت ألاعِبُ الحَسَن و الحسين بالمَداحي، وهي أحجار أمثال القِرَصَة يحفِرون حَفِيرة فَيَدْحُون بها إليها).
3. كفاتا (ألم نجعل الأرض كفاتا)
كلمة (كفاتا)، وفعلها (كفت)، في معاجم اللغة ومنها لسان العرب، تدل على الحركة بسرعة مع الدوران والتقلُب، فالكفتُ تقلُب، وكَفَتَ الشيءُ: تقلَّب ظهرًا لبطن وبطنًا لظهر. وكَفَتَ الطائرُ وغيرُه: أَسرع في الطير وتقبَّض فيه. وتقول العرب مَرٌّ كَفِيتٌ وكِفاتٌ: يعني سريعٌ. وكَفَتَ يَكْفِتُ كَفْتاً وكِفاتاً: أَسْرَع في العَدْوِ والطَّيَران. وعليه فهذه المعاني تدل على تقلُب الأرض وتحركها بسرعة كتقلب الكرة أثناء جريانها، وتقلبها بسرعة، وما يمنع ميدها أثناء التقلب بسرعة هو الرواسي.
■ مما سبق يتبين لنا الآتي:
1. لم تذكر التفاسير المُعتبرة وجود إجماع على أن الأرض لا تتحرك، وحاصل كلامهم في تفسير القرار ومنع الميد، هو الاستقرار، والثبات، ومنع الإضطراب والإهتزاز.
2. وصف الأرض بالقرار لا يلزم منه منع الحركة، فلا يمكن لعاقل أن يقول أن وصف الرحم بالقرار ينفي الحركة، أو وصف أهل الحضر بالقرار يمنع حركتهم في مدنهم، أو وصف قرار النساء في بيوتهن ينفي حركتهن، أو الحُجاج لا يتحركون في يوم القر؟!.
3. منع ميد الأرض بالرواسي لا يلزم منه منع الحركة، فالميد إضطراب جانبي كالذي يحدث للسفن، أو للناس إذا أصيبوا بدوار البحر، ومنع الميد هو منع للحركة الجانبية، دون منع للحركة بالكلية.
4. المعاني اللغوية للقرار، ومنع الميد، والإستخدامات القُرآنية أثبتت إمكان الجمع بين وصف الشيء بالقرار وعدم الميد، وبين أنه مُتحرك. وهذا ما نراه في جميع وسائل السفر، فنحن مستقرون ثابتون عليها رغم حركتها. وقد سبقني ابن عاشور لهذا الفهم، فقال (جَعَلَ الأرْضَ ثابِتَةً قارَّةً غَيْرَ مُضْطَرِبَةٍ. ولا يُدْرَكُ تَمامُ هَذا الصُّنْعِ العَجِيبِ إلّا عِنْدَ العِلْمِ بِأنَّ هَذِهِ الأرْضَ سابِحَةٌ مُتَحَرِّكَةٌ في كُلِّ لَحْظَةٍ ومَعَ ذَلِكَ قارَّةٌ فِيما يَبْدُو لِسُكّانِها).
5. لم يكتف القُرآن بوصف الأرض بالقرار ومنع الميد، ولكن أعطانا أوصاف مُباشرة وغير مُباشرة تشير لحركة الأرض، والمعاني اللغوية للدحو، والطحو، وكفاتا، رجحت أن ذات الأرض هي التي تتقلب أمام الشمس وتدور حولها، فيتعاقب الليل والنهار، وتتابع الفصول، وهو الموافق لما ذكرته العلوم الحديثة.
6. إثبات حركة الأرض لا يمنع حركة الشمس، فهي تجري وتسبح في فلك، مع ملاحظة أنه لا يوجد نص يُصرح بأن الشمس تتحرك حول الأرض. وحين نقرأ آيات وأحاديث تحرك الشمس في الشروق والغروب، أو إيقاف حركتها في حديث يوشع بن نون، أو خروجها من مغربها بدلا من مشرقها يوم القيامة، فينبغي أن نفهم أن هذه الحركة تحتمل أحد أمرين، إما أن تكون الشمس متحركة حقيقة حول الأرض وهو ما لم يصرح به القرآن والسنة، أو أن الأرض هي التي تتقلب حقيقة أمام الشمس وهو ما رأيناه في معاني الدحو والطحو، وكفاتا، وفي وصف ليل الأرض ونهارها بالحركة، ووصف الجبال بالحركة كالسحاب. فهذه الأدلة التي تربط بين الشمس والشروق والغروب، تعطينا وصف ظاهري لما تراه العيون، وليس لحقيقة الأنر، وذلك مثل راكب قطار يرى الأشجار تتحرك، مع أنه هو المُتحرك، وهذا نظير قول الله عن رؤية الشمس تغرب في عينٍ حمئة، أو رؤيتها تهبط في البحر عند الغروب، فهذا وصف ظاهري، فالشمس حقيقة لا تفعل ذلك. برغم رؤية العيون للحركة الظاهرية.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك، وما كان من خطأ أو سهوٍ، أو زلل، أو نسيان، فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر

زعم البعض أن هناك إجماع على أن الأرض لا تتحرك، لأن القُرآن وصفها بالقرار، ومنع ميدها بالرواسي، فأصبح هناك تعارض مع العلم الذي يُثبت حركتها. ولكن عند التحقيق سنجد الإجماع موهوم، فكثير من المفسرين لم يصرحوا بنفي حركة الأرض، والمعنى اللغوي للقرار ومنع الميد، يوافق العقل والعلم، في إمكان الجمع بين الاستقرار على شيء ما رغم حركته. فنجد في القُرآن استقرارنا على السُفن رغم حركتها، ووصف رحم المرأة بالقرار رغم حركة المرأة، وأمر النساء بالقرار في البيوت رغم حركتهن. ونفس الفهم قابل للتطبيق على الأرض، فمع وصف القُرآن لها بالقرار، وعدم الميد، نجد به ألفاظ أُخرى تُشير لحركة الأرض وتقلبها أثناء جريانها، كالدحو، والطحو، وكفاتا، ووصف الليل والنهار بالتكور والتقلُب، والسباحة، والجريان، بالإضافة لوصف الجبال بالمرّ كالسحاب، رغم أن العيون تراها جامدة عن الحركة، وكل ذلك يتوافق مع المعارف العلمية الحديثة، وإليكُم التفصيل.
■ منشأ فكرة ثبات الأرض، وكيف نقلها المسلمون؟
نشأت فكرة ثبات الأرض في الحضارات القديمة، فتصور البابليون والسومريون في بلاد الرافدين أن الأرض مسطحة وتطفو على محيط ماء. وانتقل هذا التصور للمصريين القدماء الذين اعتقدوا بثبات الأرض. وكان فلاسفة اليونان الأوائل يرون الأرض مسطحة وثابتة. وأما فيثاغورس وأفلاطون فقالا بكروية الأرض، وأنها ثابتة في مركز الكون، وزاد عليهم أرسطو أن الكواكب والشمس والأفلاك تدور حولها. ثم رسّخ عالم الفلك بطليموس هذا النظام، الذي أصبح يعرف بـالنموذج البطلمي، والذي ساد أوروبا لقرون، وتأثر به كُتاب التوراة والإنجيل، وتبنته الكنيسة لاحقًا، وحاربت كل من قال بحركة الأرض.
وللأسف هذا الفكر تسرب لبعض المسلمين، وبخاصة المُتكلمين الأشاعرة مثل عبد القاهر البغدادي (ت 429هـ) الذي زعم في كتابه الفرق بين الفرق، أن هناك إجماع على أن الأرض لا تتحرك فقال (وأجمعوا على وقوف الأرض وسكونها، وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها، خلاف قول من زعم من الدهرية أن الأرض تهوي أبداً)، ثم بين مصدر إجماعه المزعوم في كتابه أصول الدين (ص٦٠) فقال (أجمع المسلمون وأهل الكتاب بوقوف الأرض وسكونها وإن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها، وبه قال جماعة من الفلاسفة منهم أفلاطون وأرسطاطاليس وبطليموس وإقليدس). وكما ترون فسبب الإجماع ليس دليل صريح من قرآن أو سُنة، ولا قول السلف، ولكن ما أجمع عليه الفلاسفة وأهل الكتاب.
■ تفسير القرار في آية (أمن جعل الأرض قرارا)، و(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا).
قال الطبري (جعل الأرض لكم قرارا تستقرّون عليها لا تميد بكم)، ووافق الطبري كثير من المفسرين منهم الزمخشري، والبغوي، والألوسي، والسعدي، وابن عاشور.
ولكن بعض المُفسرين كابن كثير، والقرطبي، والرازي، تحيروا في فهم القرار، فلم يفسروه بطريقة واحدة، ففي آية (الله الذي جعل الأرض قرارا)، قالوا بنفس قول الطبري، فلم ينفوا حركة الأرض. وفي تفسير آية (أمن جعل الأرض قرارا)، خالفوا الطبري فقالوا بعدم حركتها، بدون سند من أقوال السلف، وبدون ذكر للإجماع الذي ذكره عبد القاهر البغدادي.
■ تفسير آية (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم)، وآية (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم).
تصور البعض كابن كثير، والقرطبي، والرازي، أن الأرض في بحر ماء كالسُفن، فتميد جانبياً، والرواسي تمنع ذلك. قال ابن كثير (لئلا تميد بالناس، أي تضطرب وتتحرك، فلا يحصل لهم عليها قرار لأنها غامرة في الماء إلا مقدار الربع). وقال الرازي (السفينة إذا ألقيت على وجه الماء ، فإنها تميد من جانب إلى جانب، فإذا وضعت فيها الأثقال استقرت على وجه الماء. فكذلك لما خلق الله الأرض على وجه الماء اضطربت ومادت، فخلق عليها الرواسي فاستقرت).
وأما الطبري فقال (أرسى الله الأرض بالجبال لئلا يميد خلقه على ظهرها، وكانت مائدة قبل أن تُرْسَى بها، واستدل بحديث لما خلق الله الأرض جعلت تمور، قالت الملائكة. ما هذه بمقرّة على ظهرها أحدا، فأصبحت وفيها رواسيها)، وقال في موضع آخر (الميد هو الاضطراب والتكفؤ، يقال: مادت السفينة: إذا تكفأت بأهلها ومالت، ومنه الميد الذي يعتري راكب البحر، وهو الدوار).
فاكتفى الطبري بتشبيه ميد الأرض بميد السفن، ولم يقل أن الأرض في بحر، ولم يصرح بمنع حركتها. وقريباً منه ما قاله ابن أبي حاتم في تفسيره بالمأثور، وما قاله البغوي، والسعدي، وابن عاشور. وكل هؤلاء لم يذكروا أي شيء عن الإجماع الموهوم الذي ذكره عبد القادر البغدادي.
■ المعنى اللغوي والقُرآني للقرار يسمح بالحركة.
في مُعجم لسان العرب، وغيره نجد أكثر من مثال فيه وصف لشيء ما بالقرار رغم الحركة، ومن ذلك تسمية أهل الحضر بأهل القرار، وذلك لاستقرارهم في المُدن، بعكس البدو المتنقلين. وأمر الله للنساء بالقرار في البيوت (وقرن في بيوتكن)، وهو من الاستقرار والسكن. وتسمية ثاني أيام عيد الأضحى بيوم القر في حديث (أفضل الأيام عند الله يوم النحر ، ثم يوم القر)، ويوم القر يلي يوم النحر، سُمي كذلك لأن الناس يسكنون فيه بعد جهد يوميّ عرفة والنحر. وأخيراً وصف الرحم بالقرار (فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ)، رغم أن صاحبة الرحم تتحرك وتتقلب كيفما شاءت.
قال الطبري وأكثر المفسرين عن وصف الرحم بالقرار (فجعلنا الماء المَهِين في رحمٍ استقرّ فيها فتمكن)، وهو نفس فهمهم لوصف الأرض بالقرار، فالرحم مثل الأرض مُستقر للساكن دون نفي لحركة المسكن. وأما ابن كثير والقرطبي، والرازي فلم ينفوا الحركة كما فعلوا مع الأرض، وكيف لهم ذلك، وصاحبة الرحم تتحرك وتتقلب كيفما شاءت؟!.
■ المعنى اللغوي للميد، وإمكان الحركة عند نفيه
في مُعجم لسان العرب، وغيره نجد الميد يشير في أغلب أمثلته لللإهتزاز، والإضطراب الجانبي، فلو منعنا الميد، فسنمنع الإهتزاز والإضطراب بدون نفي للحركة، فيُقال مادتِ السَّفينةُ في البحر: أي تمايلت جانبيا. ومَادَ الشَّخصُ: تبختر وتثنَّى. وتَمَيَّدَتِ الْمَرْأَةُ، وتمايد الرجل: التمايل والتبختر والإهتزاز، أو الإصابة بدُوَارٌ من ركوب بحر، أو شُرب خمر.
■ أدلة قُرآنية غير مُباشرة تُشير لحركة الأرض
1. آية كل في فلك يسبحون، وآية كل يجري لأجل مسمى، ويدخل في هذا الكل الليل والنهار، والزمن لا يجري ولا يسبح وانما محلهما (الأرض) هي التي تسبح وتجري. وبالمثل آية تكوير الليل والنهار، وآية تقليب الليل والنهار، فالذي يتكور، ويتقلب هو محل الليل والنهار، أي الأرض.
2. آيات منع ميد الأرض بالرواسي، لأن فيها تشبيه بالسفن التي تميد في حركتها لو كان توزيع الأحمال غير مُتزن، وكذا الأرض لما مادت بعد خلقها، منع الله ميدها بتوزيع الجبال على سطحها، وذلك مثل إطارات السيارات التي قد تميد أثناء دورانها حول محورها، فنقوم بعملية الترصيص ببعض الأوزان لمنع الميد، وهناك أبحاث علمية بدأت تُثبت دور الرواسي في منع الميد الجيولوجي لقشرة الأرض فوق الصهارة، ولمنع الميد الزاوي للأرض أثناء دورانها (لها بحث خاص بإذن الله).
3. آية (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مرّ السحاب، صُنع الله الذي أتقن كُل شيء).
والجمود ضد الحركة، أي ترى الجبال الآن بعينك تظنها لا تتحرك مع أنها تتحرك كالسحاب، وهذا يدل أن الأرض تتحرك بالجبال. البعض سيقول الآية خاصة بالقيامة، فأقول لا يوجد حديث صرح بذلك، وألفاظها مختلفة عن أحداث القيامة، فالجبال يوم القيامة تسير، فكيف نحسبها جامدة وهي تسير كسير أحدنا، واختلاف فعل المر عن السير يقتضي اختلاف المُراد، فلا ترادف في القُرآن، والأفعال تحسبها، وترى، وتمر، تدل على الحاضر، وخصوصا الفعل ترى المُستخدم أحياناً للرؤية في الدنيا كآية (تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، وأخيراً ختام الآية (صنع الله الذي أتقن كل شيء)، تربط حركة الجبال والسحاب بالنظام الدنيوي المُتقن، وليس بأحداث الهدم يوم القيامة، وكلمة الصُنع تستخدم لتركيب الأشياء وليس لفكها وهدمها.
■ أدلة قُرآنية مباشرة تُثبت حركة الأرض
الأدلة غير المباشرة (إلا مر الجبال) تحتمل تقلب الأرض أمام الشمس، كما تحتمل أن الشمس هي التي تجري حول الأرض، لإحداث الليل والنهار، وللترجيح لابد من أدلة أخرى تصف ذات الأرض بالحركة والتقلب، وإليكم هذه الأدلة؛
1. طحاها (والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها)
في مُعجم لسان العرب وغيره، نجد للطحو معاني كثيرة، وسأكتفي الآن بمعاني الحركة، ومنها طَحَا الشَّيْءَ: رَمَاه، ومنها طحا بالكرة: رمَى بها. وطاح الشيء بمعنى وقع او سقط. وطحا: بعُد أو ذهب بعيداً في ناحية، ومنها طحا الرجل: ذهب بعيداً في الأرض. وطحا: دفع ومنها والقومُ يَطْحَى بعضُهم بعضاً أَي يَدفَع . وطَحَا: طوَّح في كل ناحية. والطَّواحي : النُّسورُ تَسْتديرُ حولَ القَتْلى . وعليه فطحو الأرض مع بناء السماء بشمسها (والسماء وما بناها والأرض وما طحاها)، يفيد الفتق الأخير للأرض عن رتق السديم الشمسي، والإبتعاد في حركة عنيفة، فمعاني الطحو دلت على الرمي، والدفع، والوقوع والإبتعاد في اتجاه ما، والتطوح في أثناء الحركة، وكلها معاني مُستخدمة علمياً في وصف انفصال الأرض عن السديم الشمسي. وبرغم الإنفصال فالعلاقة لم تنقطع، فقد شبه الله طحو الأرض حول الشمس، بطحو الطواحي، أي النسور تدور حول القتلى، كما أن الأرض تطحو حول محورها أي تتقلب، كما تطحو الكرة أي تدفعها فتتقلب أثناء جريانها، وهذا المعنى الأخير سيتضح أكثر في شرح معنى الدحو، ومعنى كفاتا.
2. دحاها (والأرض بعد ذلك دحاها)
في مُعجم لسان العرب وغيره نجد للدحو معاني كثيرة، وسأكتفي الآن بمعاني الحركة، ومنها دَحَا الحَجَرَ : رَمَى بِهِ، دَفَعَهُ. ودَحَا الْمَاشِيَةَ : سَاقَهَا، ودَحَا الفَرَسُ : جَرَّ يَدَيْهِ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ، ودَحَا السَّيْلُ فيه بالبَطْحاءِ أَي رَمَى وأَلْقَى . والدَّحْوُ : هو رَمْيُ اللَّاعِب بالحَجَر والخشبة، والجَوْزِ وغيره، في اتجاه حفرة، في الأرض. والمِدْحاة : خَشَبة أو حجر، أو جوزة يَدْحَى بها الصبِيُّ فتمر على وجه الأَرض لا تأْتي على شيء إلا اجْتَحَفَتْه. وعليه فالدحو يشارك الطحو في معنى الحركة والرمي والإلقاء، ولكن بتفصيل أكبر، لأن دحو الله للأرض فيه تشبيه بلُعبة المداحي عند العرب، وهي شبيهة بلُعبة البلي في زماننا، حيث كان الأطفال يحفرون حفرة في الأرض، ويستخدمون قطع مكورة من خشب أو حجر، او الجوز، فيرمونها (يدحونها) على الأرض في اتجاه الحفرة، فتجري للأمام، وفي نفس الوقت تدور وتتقلب حول محورها. وقد وصف الزمخشري هذه اللعبة في كتابه (الفائق في غريب الحديث) نقلاً عن قال أبو رافع الذي قال (كنت ألاعِبُ الحَسَن و الحسين بالمَداحي، وهي أحجار أمثال القِرَصَة يحفِرون حَفِيرة فَيَدْحُون بها إليها).
3. كفاتا (ألم نجعل الأرض كفاتا)
كلمة (كفاتا)، وفعلها (كفت)، في معاجم اللغة ومنها لسان العرب، تدل على الحركة بسرعة مع الدوران والتقلُب، فالكفتُ تقلُب، وكَفَتَ الشيءُ: تقلَّب ظهرًا لبطن وبطنًا لظهر. وكَفَتَ الطائرُ وغيرُه: أَسرع في الطير وتقبَّض فيه. وتقول العرب مَرٌّ كَفِيتٌ وكِفاتٌ: يعني سريعٌ. وكَفَتَ يَكْفِتُ كَفْتاً وكِفاتاً: أَسْرَع في العَدْوِ والطَّيَران. وعليه فهذه المعاني تدل على تقلُب الأرض وتحركها بسرعة كتقلب الكرة أثناء جريانها، وتقلبها بسرعة، وما يمنع ميدها أثناء التقلب بسرعة هو الرواسي.
■ مما سبق يتبين لنا الآتي:
1. لم تذكر التفاسير المُعتبرة وجود إجماع على أن الأرض لا تتحرك، وحاصل كلامهم في تفسير القرار ومنع الميد، هو الاستقرار، والثبات، ومنع الإضطراب والإهتزاز.
2. وصف الأرض بالقرار لا يلزم منه منع الحركة، فلا يمكن لعاقل أن يقول أن وصف الرحم بالقرار ينفي الحركة، أو وصف أهل الحضر بالقرار يمنع حركتهم في مدنهم، أو وصف قرار النساء في بيوتهن ينفي حركتهن، أو الحُجاج لا يتحركون في يوم القر؟!.
3. منع ميد الأرض بالرواسي لا يلزم منه منع الحركة، فالميد إضطراب جانبي كالذي يحدث للسفن، أو للناس إذا أصيبوا بدوار البحر، ومنع الميد هو منع للحركة الجانبية، دون منع للحركة بالكلية.
4. المعاني اللغوية للقرار، ومنع الميد، والإستخدامات القُرآنية أثبتت إمكان الجمع بين وصف الشيء بالقرار وعدم الميد، وبين أنه مُتحرك. وهذا ما نراه في جميع وسائل السفر، فنحن مستقرون ثابتون عليها رغم حركتها. وقد سبقني ابن عاشور لهذا الفهم، فقال (جَعَلَ الأرْضَ ثابِتَةً قارَّةً غَيْرَ مُضْطَرِبَةٍ. ولا يُدْرَكُ تَمامُ هَذا الصُّنْعِ العَجِيبِ إلّا عِنْدَ العِلْمِ بِأنَّ هَذِهِ الأرْضَ سابِحَةٌ مُتَحَرِّكَةٌ في كُلِّ لَحْظَةٍ ومَعَ ذَلِكَ قارَّةٌ فِيما يَبْدُو لِسُكّانِها).
5. لم يكتف القُرآن بوصف الأرض بالقرار ومنع الميد، ولكن أعطانا أوصاف مُباشرة وغير مُباشرة تشير لحركة الأرض، والمعاني اللغوية للدحو، والطحو، وكفاتا، رجحت أن ذات الأرض هي التي تتقلب أمام الشمس وتدور حولها، فيتعاقب الليل والنهار، وتتابع الفصول، وهو الموافق لما ذكرته العلوم الحديثة.
6. إثبات حركة الأرض لا يمنع حركة الشمس، فهي تجري وتسبح في فلك، مع ملاحظة أنه لا يوجد نص يُصرح بأن الشمس تتحرك حول الأرض. وحين نقرأ آيات وأحاديث تحرك الشمس في الشروق والغروب، أو إيقاف حركتها في حديث يوشع بن نون، أو خروجها من مغربها بدلا من مشرقها يوم القيامة، فينبغي أن نفهم أن هذه الحركة تحتمل أحد أمرين، إما أن تكون الشمس متحركة حقيقة حول الأرض وهو ما لم يصرح به القرآن والسنة، أو أن الأرض هي التي تتقلب حقيقة أمام الشمس وهو ما رأيناه في معاني الدحو والطحو، وكفاتا، وفي وصف ليل الأرض ونهارها بالحركة، ووصف الجبال بالحركة كالسحاب. فهذه الأدلة التي تربط بين الشمس والشروق والغروب، تعطينا وصف ظاهري لما تراه العيون، وليس لحقيقة الأنر، وذلك مثل راكب قطار يرى الأشجار تتحرك، مع أنه هو المُتحرك، وهذا نظير قول الله عن رؤية الشمس تغرب في عينٍ حمئة، أو رؤيتها تهبط في البحر عند الغروب، فهذا وصف ظاهري، فالشمس حقيقة لا تفعل ذلك. برغم رؤية العيون للحركة الظاهرية.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك، وما كان من خطأ أو سهوٍ، أو زلل، أو نسيان، فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر