إعجاز القرآن في وصف العلقة كمصدر للدم الجامد ولأصول ذرية الإنسان

إنضم
08/02/2024
المشاركات
107
مستوى التفاعل
9
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مصر، المنصورة
FB_IMG_1752734011096.jpg

إعجاز القرآن في وصف العلقة كمصدر للدم الجامد ولأصول ذرية الإنسان.

عند قراءة بحوث الإعجاز العلمي لآيات العلقة، نجدها تكتفي بوصف تعلُق الجنين بالرحم، وإستطالة جسده ليشبه دودة العلق. ومع أنها معاني صحيحة، إلا أنها ليست الأشهر، فالدم الجامد هو المعنى الأشهر في اللغة والتفسير، وقد اعترض كثيرون على هذا المعنى لظنهم أنه يشير لتجلط الدم، ولكن عند التحقيق سنجد أن هذا المعنى المُعجز يشير لأول خلق في النطفة، وهو خلايا الدم الأولية، والمقصود بجمود الدم ليس تجلطه، ولكن عدم حركته لتعلقه بجدران الأوعية الدموية عن طريق خيوط بروتينية. وبالإضافة لخلق خلايا الدم الأولية، نجد في العلقة أيضاً خلق للخلايا المشيجية الأولية لذرية الإنسان صاحب العلقة، وبذلك نفهم كيف خلق الله جنس الإنسان من علق، وإليكم التفصيل.

الدلالة اللغوية، والعلمية لتحول النطفة إلى علقة

قال الله (ثم خلقنا النطفة علقة)، وتشير هذه الآية لأول تحول كبير في خلق الجنين، فبعد أن كان نطفة مُتحركة لا تكاد تُرى، ذات أصل مائي لونه أبيض عند الرجال، وأصفر رقيق عند النساء، تحولت هذه النطفة إلى علقة. وقد دلت المعاجم اللغوية، والتفاسير على أن مُسمى العلقة يفيد التعلق بجدار، مع الإستطالة على شكل دودة العلق، وأخيراً تزداد كثافتها كمثل قطعة الدم، ويتغير لونها إلى الأحمر.

والذي يعنيني في هذا البحث هو وصف العلقة بالدم، والحُمرة، وهو المعنى الأشهر الذي ذكره جمع غفير من المفسرين، ومنهم الطبري، فقالوا عن معنى العلقة (قطعة من الدم، دم غليظ متجمد، حمراء، دم جامد). ومصدر هذا الدم هو خلقه في النطفة وليس من رحم الأم، فالله قال (ثم خلقنا النطفة علقة)، فدل ذلك على تخلق شيء جديد داخل النطفة وليس أخذ دم الرحم، وهو مثل (فخلقنا المضغة عظاما)، فالعظام خُلقت من المضغة وليس الرحم.

وللأسف ظن البعض أن وصف العلقة بأنها دم جامد، يعني مُتجلط، وأنه وصف لا يليق بخلق الجنين وحياته، وقد أخطأوا في ظنهم، فالعلقة تصف دم أحمر رطب لم يجف، يفتقد لصفة الجريان. يقول القرطبي (العلق الدم العبيط، أي الطري، وقيل الشديد الحمرة. وقال في موضع آخر والعلقة الدم الجامد ; وإذا جرى فهو المسفوح). وقال القرطبي، وابن الجوزي في زاد المسير (العلقة قطعة من دم رطب ، سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه، فإذا جفت لم تكن علقة). وقال ابن عاشور (والعلق : اسم جمع عَلَقَة وهي قطعةٌ قَدرُ الأنملة من الدم الغليظ الجامد الباقي رطباً لم يجفّ).

وعليه فمعنى الدم الجامد أي الذي لا يتحرك، فالجمود ضد الحركة، قال تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة، وهي تمرُ مر السحاب)، فجمود الجبال في الآية عدم الحركة، وفي اللغة يُقال صخر جامد أي لا يتحرك، ووجه جامد أي لا حركة فيه (غير مُعبر). ولنا أن نسأل، ما سبب وصف دم العلقة بالجمود؟. علل القرطبي ذلك بصفة الرطوبة التي تجعل الدم يعلق بالسطح الذي يمر عليه، ولكن أخالفه الرأي لأن الرطوبة طبيعة في الدم ولا تنف الحركة داخل الأوعية الدموية، وأرى العلة في صفة العلقة، وهي التعلق بجدار، فيبدو أن هذا الدم قد تعلق بجدار فجمد عن الحركة، فهل يوافق العلم على أن أول التخليق في النطفة هو خلايا الدم؟ وأن هذا الدم جامد لتعلقه بجدار؟.

الدلالة اللغوية، والعلمية لخلق الإنسان من علق

قال الله (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ)، وهناك آيات تفيد خلق الإنسان من تراب، وآيات تفيد خلق الإنسان من نطفة، ولكن لا توجد آية تقول بخلق الإنسان من مُضغ)، فما العلة؟.

عند تدبر قول الله (هو الذي خلقكم من تراب)، سنجد أن الإنسان المخلوق من تراب ليس آدم فقط، ولكن ذريته أيضاّ، والعلة واضحة، فالله خلق فيه آلة التكاثر (الخصية)، وبها أمشاج الذرية، ولذا ذكر الله خلقنا وتصويرنا قبل سجود الملائكة لآدم، وقبل زواج آدم وحواء فقال (ولقد خلقناكم ثم صورناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)، فقد كنا خلايا مشيجية مخلوقة من طين في صلب آدم وحواء.، وبذلك قال عدد من المفسرين وعلى رأسهم القرطبي. وبالمثل يمكن فهم خلق الإنسان من نطفة، وخلقه من علق، فالنطفة تحمل آلية معينة لخلق صاحب النطفة، وآلية أخرى لخلق ذريته، وهذه النقطة لها بحث خاص. وأيضاً العلقة مثل النطفة بها آلية لخلق صاحب العلقة، وأخرى لخلق ذريته، فكل واحد من أولاد آدم تم خلقه من علقة، وعلقة كل منهم صارت أصل لخلق جزء من جنس الإنسان، فهل يوافق العلم على أن العلقة فيها آلية لخلق صاحب العلقة، وأخرى لخلق ذريته؟.

الوصف العلمي لخلق الدم الجامد في العلقة، وتخليق الخلايا الأولية للإنسان وذريته.

تبدأ العمليات التخليقية بالعلقة من اليوم الثامن الى اليوم الرابع عشر، فيحدث حدثان في غاية الأهمية:

١. خلق كيس المح ( Yolk sac) من خلايا الكيسة الأريمية، ويكون مُتدلي من الجهة البطنية للجنين، مثل القلادة (صورة ١)، ويقوم بالعديد من الوظائف في بداية الحمل، مثل التغذية، وإنتاج خلايا الدم الجنينية داخل جزر الدم (blood islands)، قبل أن يتولى الكبد ونخاع العظم المسؤولية لاحقاً، والهيموجلوبين البدائي داخل هذه الخلايا، وهو الذي يعطي اللون الأحمر لخلايا الدم وللعلقة. وتعتبر خلايا الدم علمياً هي أول خلية متخصصة يتم تكوينها بداخل الجنين (المراجع 1-5). وفي البداية تكون ملتصقة (متعلقة) ببعضها، وبجدران الجيوب الدموية البدائية عن طريق بروتينات لاصقة (Adhesion proteins)، تمنع حركتها، ولاحقاً عند تكون القلب تقوم إنزبمات معينة بقطع هذه البروتينات فتسمح لها بالتحرك (مرجع ٦، ٧). كما يقوم كيس المح أيضاً بإنتاج الخلايا الجرثومية أو الخلايا المشيجية الأولية (primordial germ cell)، وهذه الخلايا ستهاجر لاحقاً من كيس المُح إلى إلى منطقة الظهر لتدخل الحدبة التناسلية (صورة ٢)، وبذلك تتكون الغدد التناسلية البدائية (primary gonads)، وهي غير محددة الجنس (مرجع ٨).

٢. تكوُّن المُعَيدَة أو الجسْترولَة (Gastrulation)‏

هي مرحلةٌ أولية في التطور الجنيني تنشأ بالتوازي مع كيس االمُح، ويحدث فيها إعادة ترتيبٍ لخلايا الأريمة وحيدة الطبقة، لتصبح هيكلًا مُتعدد الطبقات يُعرف باسم المُعيْدة (Gastrula)، حيثُ تتكون المُعيدة من طبقة الأديم الخارجي، والداخلي، والمتوسط، (صورة ٣)، وتتولى لاحقاً تخليق أجهزة الجسم (صورة ٤)، (مرجع ٩).

الدلالة العلمية المُعجزة لآيات العلقة

مما سبق تبين لنا بجلاء أن العلم يتفق مع القرآن في أن أول خلية مميزة وظيفياً تُخلق في الجنين هي خلايا الدم الأولية، والتي تعطي للعلقة اللون الأحمر، وأنها تكون في البداية جامدة عن الحركة لتعلقها بجدران الجيوب الدموية، وعليه فوصف العلقة بأنها دم جامد هو وصفي علمي بإمتياز، بل ويُعد سبق علمي للقرآن.
وأيضاً اتفق القرآن مع العلم في أن العلقة مسؤولة عن خلق الطبقات الخلوية المختلفة التي ستخلق أعضاء الإنسان الإنسان صاحب العلقة، كما أنها ستقوم بتكوين الخلايا المشيجية الأولية المسؤولة عن خلق ذرية صاحب العلقة، فالعلقة سبب لخلق الإنسان وذريته.

اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.

د. محمود عبدالله نجا
أ.م. بكلية طب القنفذة - جامعة أم القرى

المراجع

1. Hematopoiesis in the yolk sac: more than meets the eye

2. Embryology, Yolk Sac

3. Yolk-sac hematopoiesis: the first blood cells of mouse and man.

4. Primitive erythropoiesis originates in the yolk sac

5. Mouse Yolk Sac Hematopoiesis

6. The embryonic origins of erythropoiesis in mammals

7. Yolk-sac hematopoiesis: The first blood cells of mouse and man

8. Embryology, Yolk Sac

9. Are Abnormal Yolk Sac Characteristics Important Factors in Abortion Rates?
 
عودة
أعلى