محمود عبدالله إبراهيم نجا
Member

إعجاز القرآن في وصف أول أسبوع للجنين: الشكل نطفة، وداخلياً يتغير خلقاً من بعد خلق
من الإنتقادات التي تُوجه للقُرآن والسُنة تسمية الجنين نُطفة من بعد التلقيح، ولعدة أيام قبل التعلق بجدار الرحم، برغم أن البويضة المُلقحة (الزيجوت) يتغير تركيبها الداخلي بدرجة كبيرة، حيث تنقسم عدة إنقسامات مُتتالية ينتج عنها كتلة خلوية مُصمتة تُسمى التوتية، ثم يزداد عدد خلاياها، ويتكون بها تجويف به سائل فتُسمى الكيسة الأريمية.
فأقول وبالله التوفيق، سمى الله الجنين نُطفة قبل العلقة لأن شكل الجنين ظاهرياً لا يتغير عن شكل البويضة غير المُلقحة (النُطفة الأنثوية)، برغم التغيرات الداخلية. وقد وصف الله هذه التغيرات داخل النطفة في آية (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث)، حيث خلق الأولى والثانية نكرة، فلا يتشابهان، ولا يوجد خلق في النطفة يُشبه الخلق السابق أو اللاحق، وإليكم التفصيل.
■ آيات وأحاديث تُسمي الجنين نطفة قبل التحول لعلقة
قال تعالى (خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) الحج، وقال ( (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً)، المؤمنون، وقال أيضاً (ألم يكُ نطفة من مني يمنى، ثم كان علقة فخلق فسوى) القيامة. وقال رسول الله في الحديث المتفق عليه (وَكَّلَ اللَّهُ بالرَّحِمِ مَلَكًا، فيَقولُ: أيْ رَبِّ نُطْفَةٌ، أيْ رَبِّ عَلَقَةٌ......الحديث).
مما سبق نلاحظ أن الله قد وصف الجنين بمصطلح النُطفة من بعد تلقيح البويضة، ولمدة أسبوع تقريباً قبل التحول لعلقة. مع العلم بأن القُرآن يُطلق اسم النُطفة على كل من الحوين الذكري، والبويضة الأنثوية قبل عملية التلقيح، قال تعالى (ألم يكُ نُطفة من مني يُمنى)، وقال أيضاً (من نُطفة إذا تُمنى)، وكما أن للذكر ماء ونطفة، فالأنثى أيضاً لها ماء ونطفة، وخلطهما معاً يعطي النطفة الأمشاج، (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج)، والنطفة الأمشاج قد يُسميها القُرآن اختصاراً نطفة فقط، كما رأينا في الآيات والأحاديث السابقة، والتي تذكر تحول النطفة لعلقة.
ولنا أن نستغرب، لماذا استخدم الله نفس الإسم نُطفة قبل وبعد التلقيح، هل هناك شبه كبير بين النطفة قبل وبعد التلقيح، وهل يمتد هذا الشبه إلى قرب مرحلة تعلق الجنين بجدار الرحم، وتكون العلقة؟، وهل العلم يوافق على هذا الشبه؟.
■ الوصف العلمي لتغيرات النطفة بعد التلقيح (الأسبوع الأول من الحمل)
علمياً بويضة المرأة كبيرة نسبياً (٠.١ الى ٠.٢ ملم) وتشبه قطرة الماء. بعد التلقيح بين الحوين والبويضة داخل قناة فالوب تتكون النطفة الأمشاج (الزيجوت)، ثم تنقسم إلى خليتين، ثم أربعة، ثم ثمانية، ثم يُسمي الجنين توتية (morula) عندما يكون عدد خلاياه ١٦ - ٣٢ خلية، والتوتية كتلة صماء من الخلايا تشبه حبة التوت، وحجمها لا يتغير عن حجم البويضة، برغم زيادة عدد خلاياها. بعد وصول التوتية إلى تجويف الرحم خلال ثلاثة أيام تقريبا، يصاحب الإنقسام الخلوي تكون تجويف داخل الكتلة الخلوية به سائل، فتتكون الكيسة الأريمية (blastocyst)، وعدد خلاياها تبدأ من ٥٠ - ١٥٠ خلية، وبرغم هذا العدد الكبير من الخلايا، إلا أن حجم الجنين لا يتغير كثيراً، تقريباً (١/١٠٠ من الإنش= ٠.٢ ملم)، كما هو واضح في صورة (١). وتتمايز الكتلة الخلوية داخل الكيسة الأريمية إلى خلايا داخلية، وتتحول لاحقاً لخلايا الجنين، وخلايا خارجية تشارك لاحقاً في تكوين المشيمة (صورة ٢)، (مرجع ١).
طوال المراحل السابقة تكون البويضة المُلقحة مُحاطة بطبقة من الخلايا المعروفة بإسم الطبقة الشفافة (zona pellucida)، والتي كانت تحيط بالبويضة منذ البداية، هذه الطبقة تقاوم زيادة حجم الجنين، ولكي يتمدد الجنين في الحجم لابد أن يحدث فقس للكيسة الأريمية، فتخرج الكتلة الخلوية من خلايا الطبقة الشفافة في اليوم السادس أو السابع للحمل، فتفقد شكل النطفة الذي يشبه قطرة الماء، وتستطيل قليلاً، وتنغرس في بطانة الرحم، وتبدأ العلقة (مرجع ١، ٢)، ويمكن مشاهدة ذلك في الفيديو الآتي:
hatching blastocyst = فقس الكيسة الأرومية
■ لماذا أصاب الله في وصف الجنين بالنطفة قبل العلقة؟
أصاب الله في تسمية الجنين نُطفة قبل طور العلقة، برغم الإنقسامات الخلوية وتغير التركيب الداخلي، لأن شكل الجنين ظاهرياً لا يتغير عن شكل النُطفة، كما رأينا في الشرح العلمي اعلاه، مجرد زيادة بسيطة لا تكاد تُذكر في حجم الجنين، وهذا أشبه ما يكون بنمو جنين الطيور داخل بيضته، فيزداد حجمه ويتغير شكله، ولكن الظاهر أمامك أن البيضة كما هي. وأول تغير في شكل الجنين يحدث يوم تفقس الكيسة الأريمية، فتخرج منها الكتلة الخلوية للجنين فتنعلق في جدار الرحم، وتتحول لعلقة.
■ وصف تغيرات النطفة داخلياً بالخلق من بعد خلق
لأن النطفة مُصطلح يصف الشكل الخارجي للجنين ولا يصف التغير الداخلي، فقد أصبح كل تغير بداخل النطفة بحاجة لوصف زائد يدل عليه مثلما حدث عند التلقيح بين النطفة الذكرية والأنثوية، فوصف الله الجنين بالنطفة الأمشاج (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج)، فدل وصف النطفة على شكلها الظاهري وأنه لم يتغير عن شكل النطفة قبل التلقيح، ودل وصف الأمشاج على عملية خلط أو مشج لمكونات النطفتين معاً. ولكن ما هو الوصف الذي استخدمه الله ليدل على التغيرات التي تحدث تركيبياً بداخل النطفة؟.
فأقول وبالله التوفيق، بالنسبة للتغيرات الداخلية لتركيب النطفة قبل طور العلقة، فقد وصفها الله بقوله (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ) الزمر.
نلاحظ في الآية أن الفعل (يخلقكم) جاء بصيغة المضارع، ومسبوق بالفعل الماضي (خلقكم)، وأهل اللغة والبلاغة يقولون بأن المضارع يشير للحاضر والمستقبل، ولكن إذا سبقه فعل ماضي، فإنه يُشير لماضي الشيء وبدايته، كما هو الحال في هذه الآية. وقد أجمع أصحاب التفاسير وعلى رأسهم الطبري أن (خلقا من بعد خلق) هي أطوار الجنين، وأن بدايتها هو طور النطفة، وعليه فالنطفة الأمشاج، تمر بعمليات تخليقية خلقا من بعد خلقا، كما يحدث لكل أطوار الجنين.
ونلاحظ في تعبير (خلقا من بعد خلق)، أن خلق الأولي والثانية جاءت مصدر، وأيضاً نكرة، فدل على الكثرة والتنوع، والإختلاف، فيكون الخلق الأول غير الثاني، غير الثالث، غير كل خلق لاحق، وهذا نظير كلمة (يُسر) في قول الله (فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا) فلا يغلب عُسر واحد يُسرين، لأن (يُسر) مصدر نكرة، فدل على الكثرة، والتنوع، والإختلاف، ولذا فاليسر الأول غير الثاني، وبالمثل فكل عملية تخليق (يخلقكم.......خلقا من بعد خلق) داخل الجنين عند أي لحظة زمنية، تجعله لا يشبه الخلق السابق، ولا الخلق اللاحق.
وعلمياً الجنين يمر بمراحل تخليق مُتعددة ليس فيها مرحلة تشبه التالية، فمع كل إنقسام خلوي تحدث زيادة في عدد الخلايا، وإنتاج لبروتينات جديدة، وتنشيط لجينات معينة، وتثبيط لأخرى، وتمايز للخلايا إستعداداً لإنشاء كافة اعضاء الجنين، ولذا فناتج كل إنقسام لا يُشبه ما قبله، ولا ما بعده من إنقسامات، وهذا الوصف يناسبه قول الله (خلقا من بعد خلق)، وبلا شك هذا وصف مُعجز بشكل يفوق التصور، فالعلم حتى يشرح الإختلاف بين كل إنقسام لخلايا الجنين والذي قبله، أو الذي يليه إلى نهاية الحمل، يحتاج للعديد من الكتب التي يصف فيه التغيرات الجينية والبروتينية، وما نتج عنها من تمايز في الخلايا، والأنسجة والأعضاء، فسبحان الله الخلاق العليم.
■ الخاتمة
لقد بيّن القرآن الكريم بدقة إعجازية كيف يمكن للنطفة أن تكون ثابتة الشكل قبل مرحلة العلقة، ولكن متغيرة المضمون، وقد أبدع في وصف التغيرات الخلقية داخل النطفة بكلمات قليلة يعجز العلم أن يأتي بمثلها (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق)، فكان هذا الوصف سابق للعلم، والطب الحديث يشهد بذلك
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر
المراجع
1.Embryology, Week 1
2. Blastocyst Hatching in Humans

[Blastocyst Hatching in Humans] - PubMed
The human oocyte is surrounded by the zona pellucida—an elastic, transparent extracellular matrix consisting of specific glycoproteins. The zona pellucida is preserved after fertilization and surrounds the developing human embryo for a few days. The embryo needs to get out of the zona pellucida...
