إطلالة على كتاب "القرآن في محيطه التاريخي"

إنضم
24/08/2005
المشاركات
270
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
"القرآن في محيطه التاريخي"​
إعداد: جبرئيل سعيد رينولدز​
الناشر: منشورات الجمل​
الطبعة: الأولى (2012م)​
عدد الصفحات: (431) صفحة
3198alsh3er.jpg

الكتاب يشتمل على مجموعة من البحوث التي قُدِّمت لمؤتمر "نحو قراءة جديدة للقرآن"، الذي عقدته جامعة (نوتردام) في شهر نيسان (2005م).
وقد شارك في المؤتمر مجموعة من المستشرقين. وتركزت البحوث في محورين اثنين:
أولاً: الأصول غير الإسلامية للقرآن الكريم:
الفكرة التي تسود معظم أبحاث الكتاب إثبات أن القرآن الكريم لم يكن رباني المصدر؛ أي إنه ليس وحياً من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم. وإنما حصيلة مجموعة من الأديان والثقافات اللغات؛ وبعبارة (كلاود جيليوت) - أحد أصحاب الأبحاث المقدمة -: "القرآن ثمرة عمل جماعي"! [ص/143].
ومن الأمثلة على ذلك ما عَرَضَه (أندرو ريبين) في بحثه [ص/363-378] من أقوال لبعض المفسرين واللغويين المسلمين عن وجود بعض الألفاظ السريانية في القرآن الكريم؛ حيث أشارت بعض التفاسير الإسلامية إلى كلمات على أنها ذات أصل سرياني.
ولكن هذا الاعتراف بوجود بعض الألفاظ ذات الأصل السرياني لا يُعَدُّ طعناً في القرآن الكريم؛ فهو من المُعرَّب؛ أي: الكلمة الأعجمية التي نُقلتْ إلى العربية، وتفوَّهت بها العرب على منهاجها، وأجرت عليها قوانينها؛ فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب.
ولا شك أن الهدفَ من هذا التشكيك في أصالة ألفاظ القرآن الكريم استدراجُ القارئ والتمهيدُ لإقناعه بأن القرآن من تأليف النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قد تعلم هذه الألفاظ من مصدر بشري.
وفي سعي لمعرفة الأصول السريانية لبعض قصص القرآن عَرَضَ (كيفن فان بلاديل) ما أسماه: "خرافة الإسكندر في القرآن" [ص/263-302] على أنها قصة مشتقة من أصول سريانية.
ويحاول (بلاديل) تأكيد العلاقة بين نص سرياني يتناول قصة الإسكندر وبين قصة ذي القرنين في القرآن، من خلال المقارنة بين مضمونها، والبحث عن المماثلات العديدة بينهما حتى في المفردات. كما يحاول أن يُثبت أن القرآن قد اعتمد إما على هذا النص السرياني مباشرة أو أن هذين النصين اعتمدا على مصدر آخر مشترك. كما حاول أن يقدم تفسيراً لاعتماد المفسرين الأوائل على هذا النص بإرجاع ذلك إلى الخصائص النبوية للإسكندر البادية في النص السرياني.
وهنا لا بد من التنبيه إلى أن ربط بعض المفسرين بين شخصيتي ذي القرنين والإسكندر لا يلزم منه أن القصة القرآنية مأخوذة من النص السرياني؛ فهذا الربط اجتهاد لا دليل عليه وإن قال به كثير من المفسرين.
(مانفرد كروب) بحث التأثيرات الأثيوبية في القرآن [ص/303-320]، وخلص إلى أن "الكتاب المقدس الأثيوبي والقرآن يشتركان في طبقة ذات لغة اصطلاحية دينية غالباً"! وبما أن "الكتاب المقدس الأثيوبي يسبق القرآن في الترتيب الزمني"!! فقد خرج (كروب) بنتيجة مفادها أن "من المحتمل أن بعض هذه الألفاظ الأثيوبية جاءت إلى العربية والقرآن من خلال انتقال شفهي ربما مباشر: تجار أثيوبيون وخدم وكهنة... أو - ربما على جانب أكبر من الأهمية - المسلمون العرب المهاجرون في الهجرة الأولى إلى أثيوبيا، هذا الافتراض الأخير يلقى دعماً من حقيقة أن الفقرات القرآنية ذات الصلة هي جميعاً مدنية (متأخرة)"!!!
وفي إطار التأثير المسيحي على القرآن يقدم (سيدني غريفت) دراسة لقصة أهل الكهف من خلال المصادر المسيحية السريانية [ص/ 173- 211].
وتحاول هذه الدراسة معرفة الطريقة التي انتقلت بها القصة إلى المسيحيين العرب في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وذلك من خلال مقارنة التفاصيل الاشتقاقية اللغوية والقصصية للنصين السرياني والقرآني، من أجل إدراك فهم أعمق لإشارات القرآن إلى المصادر التي يشترك فيها مع التراث المسيحي السرياني.
وفي سياق محاولة إثبات فرضية المعتقدات المسيحية الموجودة في القرآن يحاول (سليمان مراد) أن يقدم صورة لمريم من خلال القرآن الكريم [ص/ 245-262]، موضحاً ما يتعلق بهويتها والقصص المتصلة بها من خلال كتب التفسير الإسلامي، معيداً النظر في الأفكار التي طرحها الباحثون الغربيون عن "خلط محمد في هوية مريم ابنة عمران ومريم أخت هارون وموسى" [ص/246].
ثانياً: تاريخ القرآن:
"تاريخ القرآن" احتل مساحة كبيرة من صفحات الكتاب. ويرى (كلاود جيليوت) أن البحث الغربي في تاريخ القرآن لا يزال في عالم (أليس في أرض العجائب) مقارنة بما أنجز من بحوث في حقل دراسات (الكتاب المقدس). إذ يحتوي القرآن والتراث الإسلامي العديد من الإشارات أو المعلومات التي تدعو الباحثين لإعادة بناء "نظرة مختلفة" جزئياً لتاريخ هذا النص- كما يزعم (جيليوت) -.
والاختلاف هنا يعني أنها نظرة مختلفة عن الفهم الإسلامي للقرآن تلاوة وكتابة. ومن هنا يدعو إلى النظر في دور "أعوان محمد: خديجة وورقه بن نوفل" ثم في فكرة "الرواة" و"تعلم زيد بن ثابت للآرامية والسريانية أو العبرية، أو عناصر هذه اللغات قبل وصول محمد إلى يثرب" و"الآيات المفقودة" و"الآيات المنسوخة" و"غموض المفردات الخاصة بجمع القرآن مثل: الجمع والتأليف" وغير ذلك.
ويناقش (ديفين ستيورات) التصحيحات والتنقيحات التي طرحت للنص القرآني في التراث الإسلامي والبحث المعاصر، ومدى صحتها. وهو يؤكد أن "عدداً من المحققين في القرآن قد احتجوا بشكل مقنع أن القرآن ليس ذا مناعة من الخطأ البشري... ويلاحظون أيضاً أن قراءات القرآن المتباينة المحفوظة في التراث الإسلامي تقدم دليلاً على فساد نصي وأخطاء نُسّاخ..."!!!
وهذا موضوع لا يمكن الرد عليه في هذه العجالة، ولكن هناك علوم وضعها علماء الإسلام تناولت هذه القضايا بالتقعيد والضبط، وفي تضاعيفها رد على هذه الشبهات، ومن هذه العلوم: علم القراءات وعلم الرسم القرآني.
وأخلص إلى أن الكتاب قد اشتمل على مضامين تتعارض مع الإسلام، بل مع مسلَّماته مما هو معلوم من الدين بالضرورة. وهي كثيرة جداً لا تخلو منها صفحة من صفحاته، وأبرزها:
1. القرآن صناعة بشرية وليس وحياً من عند الله تعالى؛ إنما هو حصيلة مجموعة من الأديان والثقافات اللغات!
2. اعتبار القراءات القرآنية والرسم القرآني من التناقضات والاختلافات؛ وبالتالي فهي تدل على حصول التحريف فيه!
3. تحريف معاني كلمات القرآن الكريم؛ بربطها باللغات السريانية والآرامية وغيرها!
4. المغالطات التاريخية؛ من مثل أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين أسطورة!
وفي الختام فرغم أن الكتاب - كما يقول مُعِدُّه [ص/46] - "مصمم ليكون تحدياً قوياً ومتزناً لحقل الدراسات القرآنية" إلا أن متصفحه يلمس الضحالة العلمية أو "غض الطرف" عن الدراسة الجادة للمصادر الإسلامية الأصيلة عند كثير من المستشرقين، وكثير منهم اليوم لا يزالون يدورون في فلك القضايا التي انشغل بها مَنْ سبقهم من المستشرقين، معتمدين - في الغالب - نفس المناهج، في سعي للبحث عن مُنْتِج بشري للنص القرآني!
 
عودة
أعلى