يقول شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ :
يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بـيّن لأصحابه معاني القران كما بين لهم ألفاظه!! فقوله عز وجل [ لتبين للناس ما نزل إليهم ] يتناول هذا وهذا.
المرجع: أول فصل في مقدمة أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه .
بماذا نوجه العبارة المعلم عليها بالاحمر....
ما سألت عنه من كلام شيخ الإسلام في مقدمة التفسير سبق لي أن درسته بالتفصيل ، وكتبت حوله بحثاً قبل سنوات .
والذي توصلت إليه أن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يحمل على تبيين ما لا بد من بيانه من معاني القرآن ؛ إذ من المعلوم أن كثيراً من آي القرآن يمكن فهمه لمن كان من أهل اللسان العربي ، فهذا لا يحتاج إلى بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم .
وأما الذي يجب عليه صلى الله عليه وسلم بيانه فهو ما أشكل ، ولا يمكن فهمه إلا ببيانه صلى الله عليه وسلم .
وهذا الجواب هو الذي يتوافق مع الواقع ، ومع النصوص والأدلة في هذه المسألة . والله أعلم ، وهو الموفق للصواب .
الأخ الفاضل (الشافعي) حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد ، فقد اطلعت على إيرادكم العبارة المشكلة في رسالة شيخ الإسلام ، وهي ليست الموضع الوحيد الذي ذكر فيه مثل هذه العبارة ، بل ذكرها في مواطن أخرى سترد الإشارة إلى بعضها .
كما اطلعت على ردِّ الأخ الفاضل الشيخ أبي مجاهد العَبيدي ( بفتح العين ) ، وكنت أتمنى لو كتب ما توصل إليه في هذه العبارة مفصلاً لتقع الفائدة للجميع .
وسأكتب لك ما وقع لي من شرح هذه العبارة أثناء شرحي لرسالة شيخ الإسلام ، وهو شرحٌّ لمَّا ينقَّح ، فأقول :
موضوع البيان النبويِّ للقرآن :
ذكر شيخ الإسلام في هذا المبحث أن النبي قد بيَّن للصحابة معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه ، واستدلَّ لذلك بأربعة أدلة :
الأول : قوله تعالى : ]لتبين للناس ما نزل إليهم[ ، وهو يشمل بيان الألفاظ وبيان المعاني .
الثاني : الآثار الواردة في تعلُّم الصحابة لمعاني القرآن .
الثالث : الآيات الحاثَّة على عقلِ القرآن وتدبره .
الرابع : العادة الجارية بين الناس فيمن أراد أن يتعلم علمًا ، فإنه يستشرح كتابًا في هذا العلم .
ويُعبِّر بعض المعاصرين عن هذه المسألة بسؤال ، وهو : هل فسَّر النبي r القرآن كله ، أم فسَّر بعضَه ؟
والذي يُفهم من كلام شيخ الإسلام هنا أنه فسَّره كلَّه ، وقد طرق هذا الموضوع في غير هذا الموضع ، وأورد فيه مثل ما أورده هنا ، وهذا يعني أنَّ هذه القضية قضية محسومة عنده .
ومن أمثلة ما ورد عنه في هذه القضية :
قال ـ في معرض حديثه عن المتشابه ، وبيان أن السلف تكلموا في جميع معاني القرآن ـ : » ... ثمَّ إنَّ الصحابة نقلوا عن النبي r أنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة ، ولم يذكر أحد منهم قط أنه امتنع عن تفسير آية .
قال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا : عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي r عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ... « (دقائق التفسير 1 : 142 ) .
وقال في بغية المرتاد ( ص : 330 ـ 332 ) في معرض ردِّه على أبي حامد الغزالي في قوله في كتب جواهر القرآن عن التفسير الباطن : » إن كنت لا تقوى على احتمال ما يقرع سمعك من هذا النمط مالم تُسند التفسير للصحابة ، فإنَّ التقليد غالب عليك « ، قال شيخ الإسلام :» ... وأما التفسير الثابت عن الصحابة والتابعين ، فذلك إنما قبلوه لأنهم قد علموا أن الصحابة بلغوا عن النبي لفظ القرآن ومعانيه جميعا كما ثبت ذلك عنهم ، مع أن هذا مما يعلم بالضرورة عن عادتهم ، فإن الرجل لو صنف / كتابَ علمٍ في طبٍ أو حسابٍ أو غيرِ ذلك وحفظه تلامذته = لكان يُعْلَمُ بالاضطرارِ أنَّ هِمَمَهم تشوَّق إلى فهم كلامه ومعرفة مراده ، وإن بمجرد حفظ الحروف لا تكتفي به القلوب ، فكيف بكتاب الله الذي أمر ببيانه لهم ، وهو عصمتهم ، وهداهم ، وبه فَرَقَ الله بين الحق والباطل والهدى والضلال والرشاد والغي ، وقد أمرهم بالإيمان بما أخبر به فيه والعمل بما فيه ، وهم يتلقونه شيئا بعد شيء ؛ كما قال تعالى : ]وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا[ الآية ، وقال تعالى : ]وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا[ ، وهل يتوهم عاقل أنهم كانوا إنما يأخذون منه مجرد حروفه ، وهم لا يفقهون ما يتلوه عليهم ، ولا ما يقرؤونه ، ولا تشتاق نفوسهم إلى فهم هذا القول ، ولا يسألونه عن ذلك ، ولا يبتدىء هو بيانه لهم هذا مما يعلم بطلانه أعظم مما يعلم بطلان كتمانهم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ، ومن زعم أنه لم يبين لهم معاني القرآن ، أو أنه بيَّنها ، وكتموها عن التابعين ، فهو بمنْزلة من زعم أنه بين لهم النص على عليِّ وشيئًا آخر من الشرائع والواجبات ، وأنهم كتموا ذلك ، أو أنه لم يبين لهم معنى الصلاة والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك مما يزعم القرامطة أنَّ له باطنا يخالف الظاهر ؛ كما يقولون إن الصلاة معرفة أسرارهم والصيام كتمان أسرارهم والحج زيارة شيوخهم وهو نظير قولهم أن أبا بكر وعمر كانا منافقين / قصدهما إهلاك الرسول وأن أبا لهب أقامهما لذلك وأنهما يدا أبي لهب وهو المراد في زعمهم بقوله تبت يدا أبي لهب وتب وقولهم إن الإشراك الذي قال الله لئن أشركت ليحبطن عملك هو إشراك أبي بكر وعلي في الولاية وأن الله أمره بإخلاص الولاية لعلي دون أبي بكر وقال لئن أشركت بينهما ليحبطن عملك ونحو ذلك من تفسير القرامطة .
فقولنا بتفسير الصحابة والتابعين لعلمنا بأنهم بلغوا عن الرسول ما لم يصل إلينا إلا بطريقهم ، وأنهم علموا معنى ما أنزل الله على رسوله تلقيا عن الرسول ، فيمتنع أن نكون نحن مصيبين في فهم القرآن ، وهم مخطئون ، وهذا يعلم بطلانه ضرورة عادة وشرعا « .
وقال : » أحدها : أن العادة المطردة التى جبل الله عليها بنى آدم توجب اعتناءهم بالقرآن المنَزل عليهم لفظا ومعنى ، بل أن يكون اعتناءهم بالمعنى أوكد ، فانه قد علم أنه من قرأ كتابا فى الطب أو الحساب أو النحو أو الفقه أو غير ذلك فانه لابد أن يكون راغبا فى فهمه وتصور معانيه فكيف بمن قرؤا كتاب الله تعالى المنَزل اليهم الذى به هداهم الله وبه عرفهم الحق والباطل والخير والشر والهدى والضلال والرشاد والغى ، فمن المعلوم أن رغبتهم فى فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات ، بل اذا سمع المتعلم من العالم حديثا فانه يرغب فى فهمه فكيف بمن يسمعون كلام الله من المبلغ عنه بل ، ومن المعلوم أن رغبة الرسول فى تعريفهم معانى القرآن أعظم من رغبته فى تعريفهم حروفه ، فان معرفة الحروف بدون المعانى لا تحصل المقصود إذا اللفظ إنما يراد للمعنى « ( الفتاوى 5 : 175 ) .
والملاحظ هنا أنَّ شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يناقش أقوال أقوامٍ لا يرون تفسير الصحابة والتابعين ، ويذهبون إلى تفسيرات شيوخهم من أهل البدع ، فقد ذكر هذه الأفكار في كتبٍ يناقش فيها هؤلاء ، ككتاب بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية وأهل الإلحاد القائلين بالحلول والاتحاد ، وفي كلامه على المحكم والمتشابه .
ولما كان الأمر هنا في مناقشة أهل البدع الذين ضلوا الطريق جاء هذا التبيين منه رحمه الله على هذا الوجه ، لكن ما في المقدمة تبيين لأناس لم يُشابوا بهذه العقائد الفاسد .
والذي يريده شيخ الإسلام ( ت : 728 ) التنبيه على أنَّ التفسير قد عُلِمَ من جهة الصحابة والتابعين ، وهو يريد أن يحتجَّ على أولئك المبتدعة الذين يأتون بأقوال باطلة تناقض أقوال السلف ، ولا تصححها الشريعة . وينتج من ذلك:
% أنه لا يوجد في القرآن ما لا يُعلم معناه ، فلا يقع متشابه كلي في هذا القسم الذي يتعلق بالمعنى ، إذ كله معلوم مفسَّرٌ ، ومنه معاني الأسماء والصفات التي كان النِّزاع فيها مشهورًا بين المتأخرين ، وأحسنهم حالاً من يزعم أنَّ مذهب السلف فيها التفويض ، وهذا من جهل تفسير السلف .
ولا شكَّ أنَّ عدم ورود تفسيرات جزئية لهذه المسائل التي بحثها المتأخرون لا يعني أنَّ السلف كانوا يفوضونها ؛ لأنَّ هذا لم يرد عنهم البتة ، كما لم يرد عنهم إنكار معنى صفة من الصفات ولا اسم من الأسماء ، ولهذا لا مدخل لهم في كون النبي r لم يفسر جميع القرآن ، فهم يُلزمون بأن يثبتوا بالنقل أنَّ السلف فوَّضوا المعاني أو أنكروا معانيها كما يفعل المتأخرون ، والموضوع في هذا طويل ، والمراد التنبيه على أنَّه لا حجة لهؤلاء في تفسيراتهم المبتدعة بكون الرسول r لم يفسر جميع القرآن ، والله أعلم .
% أنه لا يوجد في القرآن ما خفِيَ علمه على الصحابة ، وظهر لمن بعدهم بلا علمٍ ولا دليل ولا حجة يقوم عليها ذلك التفسير ؛ كتفسيرات الرافضة والقرامطة وغيرهم من الغلاة الذين يزعمون أنَّ عندهم من تفسيره ما لا يُعلَم إلا من جهتهم .
وليس ردُّ هذه التفسير لكونه لما ترد عن السلف فقط ، بل لأنها باطلة في ذاتها ، قال شيخ الإسلام ( ت : 728 ) : » وقوله ] يعني : الغزالي [ : إن كنت لا تقوى على احتمال ما يقرع سمعك من هذا النمط ما لم تسند التفسير للصحابة ، فإن التقليد غالب عليك .
يقال له : إنما لم أحتمل هذا النمط لأني أعلم بالاضطرار أنه باطل ، وأن الله لم يُرِدْهُ فَرَدِّي للقَرْمَطَةِ في السمعيات كَرَدِّي للسفسطة في العقليات ، وذلك كَرَدِّي لكل قول أعلم بالاضطرار أنه كذب وباطل . ولو نقل مثل هذا النمط عن أحد من الصحابة والتابعين ، لعلمت أنه كذب عليهم ، ولهذا تجد القرامطة ينقلون هذا عن علي u ، ويدَّعون أنَّ هذا العلم الباطن / المخالف لما علم من الظاهر مأخوذ عنه ، ثم لم يستفيدوا بهذا النقل عن علي u عند المسلمين إلا زيادة كذب وخزي ، فإن المسلمين يعلمون بالاضطرار أن عليًّا لا يقول مثل هذا ، وأهل العلم منهم قد علموا بالنقول الصحيحة الثابتة عن علي ما يبين كذب هذا ، ويبين أن من ادعى على علي أنه كان عنده عن النبي r علم خصه به فقد كذب ، كما هو مبسوط في غير هذا الموضع « ().
% أنه لا يوجد في تفسير القرآن ما أخفاه الرسول r عن الصحابة t ، ولا ما أخفاه على بعضهم وعلَّمه غيرهم عن قصدٍ ، ولا ما علَّمه بعض الصحابة واستأثروا بعلمه فلم يُعلِّموه ، ولا ما خصُّوا به بعض التابعين عن قصدٍ ، حتى يصل إلى بعض الناس دون غيرهم ، فكلُّ هذا مما يخالف ما هو معلوم من نقل الآثار بالضرورة ، ويعرف كل من قرأ في آثار السلف عمومًا أنه لا يوجد مثل هذه العلوم الخاصة التي يزعمها بعض الرافضة أو الصوفية أو الباطنية .
ولا شكَّ أن كلام شيخ الإسلام من حيث وجود بيان لجميع القرآن عن رسول الله r بجميع ألفاظه وجُمَلِهِ فيه إشكالٌ ، ويلزم منه أنَّ الصحابة الذين فسروا القرآن كانوا يفسرونه بتفسير النبي r ولا ينسبونه إليه ، أو أن يكون شيء كثير منه لم يصل إلينا ، وهذا من المسائل المشكلة ، لو ثبتت .
والذي تدلُّ عليه الآثارُ ما يأتي :
% أنَّ النبي r كان له تفسيرات مباشرة لبعض آيات القرآن .
% أنَّ عموم سنته r شارحة للقرآن .
% أنَّ أصول الدين من المعاملات والشرعيات والاعتقادات قد بيَّنها الرسول r للصحابة بيانًا واضحًا لا لبس فيه ، واختلافهم في بعض أفرادها لا يدلُّ على أنه لم يبينها لهم .
وهذا يسدُّ المدخل على المبتدعة الذين ناقشهم شيخ الإسلام ، وعليه يُحمل كلامه في بيان الرسول r ، والله أعلم .
% أنَّ الصحابة كان لهم اجتهاد في بيان القرآن وتفسيره ، ولم يقع خلافهم في أصول المسائل السابقة ، وإنما وقع في جزئيات ، بل ما وقع الخلاف فيه من جهة الاعتقاد نادرٌ جدًّا ، وهو يرجع إلى صحَّةِ دلالة الآية على المسألة العقدية ، لا على ثبوت المسألة العقدية عندهم ؛ كالاختلاف في قوله تعالى : ]يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون[ ] القلم : 42 [ ، فقد ورد عن ابن عباس وأصحابه أنه تكشف القيامة عن هول وكرب عظيم ، وقد حمل بعض المفسرين الآية على ما ورد عن أبي سعيد الخدري وغيره من حديث الساق ، وهو قول الرسول r :» يكشف ربنا عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة ، فيذهب ليسجد ، فيعود ظهره طَبَقًا واحدًا « () .
ومما يجب أن يعلم ويعتقد أنه لا يوجد في تفسيرات الصحابة ولا التابعين وأتباعهم قول بالرأي المذموم الذي يكون عن جهل أو هوى ، كما حصل فيمن جاء بعدهم من المتأخرين ، بل كانوا يجتهدون على علمٍ ، ولا يعني هذا أن يكون كل اجتهادهم صحيحًا ، بل حالها حال الاجتهادات في الفرعيات ، لكن قولهم مقدم ، وهو أولى من قول غيرهم من المتأخرين ، وهذا لا يُنازع فيه ، وعموم اختلافهم في التفسير يرجع إلى اختلاف التنوع كما أشار إليه شيخ الإسلام في أكثر من موطن ، والله أعلم .
% إذا أوردت أثر أبي عبد الرحمن السلمي الذي ذكره شيخ الإسلام ، وفيه دلالة على أنَّ الصحابة كانوا يتدارسون القرآن ؛ ، قال : » حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن ـ كعثمان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ـ : أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي r عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا « .
وأضفت إليه أثر ابن عمر ، وهو قوله : » لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنْزل السورة على محمد ، فنتعلم حلالها وحرامها ، وما ينبغي أن يوقف عنده منها ؛ كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم ، ولقد رأينا اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره ، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه « .
واستحضرت أثر ابن مسعود ( ت : 35 ) ، الذي يدُّل على أنهم كانوا إذا أشكل عليهم شيء من القرآن سألوا رسول الله r ، قال ابن مسعود ( ت : 35 ) :» لما نزلت هذه الآية ]الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم[ شق ذلك على أصحاب رسول الله ، وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ، فقال رسول الله : إنه ليس بذاك ، ألا تسمع إلى قول لقمان لابنه : ]إن الشرك لظلم عظيم[ « .
واستحضرت أثر ابن عباس ( ت : 68 ) في أقسام التفسير ، الذي استشهد به شيخ الإسلام في أكثر من موطن ، قال ابن عباس ( ت : 68 ) : » تفسير القرآن على أربعة وجوه : تفسير يعلمه العلماء ، وجهٌ تعرفه العرب من كلامها ، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير لا يعلم إلا الله تعالى ذكره « () .
وإذا علمت أنَّ النبي r كان يبتدئ أصحابه بالتعليم في أحيان كثيرة = ظهر لك أنَّ المدارسة التي بينهم في العلم قد تكون مع الرسول r ، وقد تكون فيما بينهم ، فإذا أشكل عليهم شيء من العلم سألوا رسول الله r ، وإن كان كثير من العلم يبتدئهم به الرسول r دون سؤال منهم .
فإنَّ النتيجة التي يمكن أن تخلص إليها من جملة هذه الآثار : أنَّ النبي r بين لهم من المعاني ما احتاجوا إليه ، بدلالة قوله r :» تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك كتاب الله وسنتي « .
وكان من أعظم ما يدخل في البيان أصول الدين والشرائع والمعاملات ، وأنَّ الخلاف الوارد في التفسيرِ كان في أمورٍ قابلة للاجتهاد ، والأمر فيها واسع ، وهي ترجع إلى احتمال الآية للمعنى المذكور من عدمه .
أما الأقوال الباطلة التي ظهرت بعد جيل السلف فإنه يردُّها أمورٌ سترد الإشارة إليها في التعليق على هذه المقدمة إن شاء الله .
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فأود المشاركة في هذا الموضوع بعدد من النقاط أرجو أن تسهم في توضيح هذه المسألة ، وأرجو أن لا أثقل عليكم :
من أول ما يجب عند البحث في هذه المسألة أن يستحضر الباحث أن ألفاظ القرآن الكريم وآياته تنقسم من جهة فهم المخاطبين لها إلى قسمين:
الأول: قسم من آيات القرآن الكريم وألفاظه، لا يحتاج إلى بيان وتفسير، وإنما يفهمه المخاطب بلغته وسليقته؛ نحو: تعال وأقبل، وذهب، وعاد، وما كان في معنى هذه الألفاظ، فمثل هذا لا يحتاج إلى تفسير وبيان ؛ لأن العربي يفهمه بمقتضى كونه ناطقا بلغة العرب متكلما بها، ومن أمثلة ذلك من آيات القرآن قوله تعالى: ( محمد رسول الله) وقوله: ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) وقوله(( وهو الذي أحياكم ثم يميتكم)) فمثل هذا لا تدعو الحاجة إلى أن يفسر المعنى لمن يتكلم لغة العرب؛ لأن مقتضى كونه متكلما بلغة العرب أن يفهم مثل هذه الألفاظ والتراكيب، وعلى هذا النوع جاءت كثير من آيات القرآن، ويحتمل إن يقال: إن أكثر القرآن الكريم ورد على هذا النحو، وهذا القسم من آيات القرآن الكريم وألفاظه لم ينقل عن النبي e تفسيره وبيانه، بل ولا عن أحد من الصحابة والتابعين، لأن الاشتغال بهذا من العي والسفه الذي يجل عنه العقلاء فضلا عن مقام النبوة. وقد أشار فضيلة د. مساعد إلى هذا فيما نقله عن ابن عباس t في الوجه الأول من أوجه تفسير القرآن الكريم. ومن نافلة القول أن يشار إلى أن أهل العلم ممن تكلم في هذه المسألة كابن تيمية وغيره رحمهم الله قطعا لم يقصدوا في بحثهم أن النبي فسر هذا النوع من الألفاظ والتراكيب، وإذا سلمنا بهذا خرج من محل البحث كثير من آيات القرآن الكريم. وهنا لا بد من التنبيه على أنه لا يشكل على هذا ظهور العجمة في الناس بعد هذا، لما تفرق الصحابة في الأمصار ودخل كثير من العجم في الإسلام، مما أثر في السليقة العربية، فهذا أمر طرأ بعد أن لم يكن في زمن النبي e، بل حتى نحن اليوم يشكل علينا ألفاظ من القرآن الكريم كان عامة الناس حتى العوام منهم في القرون المتقدمة لا يجهلون المراد بها.
الثاني: وقسم آخر من القرآن الكريم، لا يفهمه العربي بلغته وسليقته اللغوية، وبعبارة أكثر دقة: لا يفهم المراد منه، وإن أمكن فهم لفظه مجردا، فلفظ الصلاة والزكاة ـ مثلا ـ من الألفاظ التي لا يشكل على العربي فهم معاني ألفظها، وإنما يشكل عليه فهم مراد الشارع منها، فهو وإن فهم أن الصلاة بمعنى الدعاء، والزكاة بمعنى النماء والتطهير، فهو لا يدري المراد بهما في اصطلاح الشريعة، والعربي يفهم أيضا بسليقته العربية المراد بالجنة والنار والصراط المنصوب على متن جهنم والميزان، لكنه لا يدرك حقائق تلك الألفاظ، وهذا القسم يمكن أن يقسم باعتبارات عديدة، أهمها؛ أنه ينقسم باعتبار أن المكلف يحتاج فهمه حتى يمتثل ما كلف به أو لا يحتاج، إلى نوعين:
الأول: نوع يتعلق بما لزم المكلف من تكاليف الشريعة وواجباتها كالحلال والحرام، فالمكلف يحتاج إلى فهم مراد الشارع فيها حتى يمكنه أن يمتثل ما أمر به نحو ما سبق من معنى الصلاة والزكاة، ومثل هذا النوع قد بينه النبي e كله أتم بيان وأبلغه، وهو مقتضى كونه رسولا؛ لأن من لازم الرسالة البيان والبلاغ التام، ولهذا يقول تعالى (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون)) ويقول تعالى(( وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)) وهذا القنوع لا يختلف أهل الإسلام في أن الرسول eبلغة أتم وأكمل بلاغ، لكن أود هنا التنبيه على كيفية التفسير النبوي لها، لأنه ربما وقع الظن بأن البيان لا بد أن يكون لفظيا، والصحيح أن سنة النبي e بمفهومها الشامل لأقواله وأفعاله وتقريراته كلها من جملة ما يحصل به بيان القرآن الكريم، فمثلا مما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام مما يندرج ضمن البيان اللفظي ما رواه مسلم وغيره عن أنس بن مالك أن النبي e قال لما قرأ سورة الكوثر، قال: (أتدرون ما الكوثر؟ فقلنا الله ورسوله أعلم قال فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك) هذا مثال على التفسير النبوي اللفظي، ومن أمثلة التفسير العملي أو الفعلي ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام في بيان المراد بالصلاة والحج وغيرهما، إذ نجد في القرآن الكريم في مواضع كثيرة أمر بالصلاة والحج، وقد ثبت عن النبي e فيما رواه البخاري وغيره عن مالك أنه قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقال في الحديث الذي أخرجه الترمذي وأصحاب السنن عن جابر ـ في الحج ـ قال: (خذوا عني مناسككم)، فكل ما ثبت عن النبي u في صفة الصلاة والحج قولا وفعلا هو من جملة التفسير والبيان لتلك الآيات الآمرة بالصلاة والحج، وهذا النوع من التفسير أعني به التفسير العملي باب واسع، وفي ظني أنه لم يلق العناية به وقد كنت أرجو أن يبحث في رسالة علمية كما عزم على ذلك أخي الشيخ إبراهيم الحميضي، لكن حال دون ذلك بعض الأمور، والحمد لله على كل حال.
الثاني: نوع لا يحتاج المكلف فهمه حتى يمتثل ما أمر به، وأمثلة هذا النوع كثيرة من ذلك: كثير من الأمور الغيبية التي ذكرت في القرآن، مثل بعض ما يقع في الآخرة كصفة الصراط والميزان، ومثل بعض الحوادث والوقائع التي أشار إليها القرآن الكريم، كأسماء أصحاب الكهف وعددهم واسم كلبهم، ومما يندرج في هذا النوع بعض الحقائق العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم ، فإن علم المكلف بها وإن كان يزيد في إيمانه ويقينه بأن القرآن من عند الله تعالى، لكنه مما لا يلزم المكلف فهمه على هذا المعنى الخاص، ولذا لم ينقل عن النبي e تفسيره بل ترك لفهم واستنباط أهل العلم الراسخين فيه، وهذا من جملة الأوجه التي جعلت القرآن الكريم آية معجزة إلى قيام الساعة، وأحسب أننا إذا تتبعنا كلام الإمام ابن تيمية رحمه الله في كتبه ومؤلفاته لم يشق علينا أن نراه يقرر أن النبي e سكت عن بيان بعض هذه الغيبيات.
وبعد، فأرجو أن يكون ما ذكرته هنا مما يساعد على تصور المسألة ويلقي عليها مزيدا من الضوء، والله أعلم.
شكرالله لك الشيخ / مساعد . هذا التحقيق وهذا الجهد في خدمة العلم والعلماء .
وطلبة العلم بحاجة ماسة لشرح هذه المقدمة شرحا وافيا يحل غوامضها ويفك رموزها
وانتم اهل باذن الله لهذه المهمة . وفقكم الله واعانكم لاتمام هذا الشرح عاجلا غير اجل.
بسم الله
لعل الإشكال قد زال بما ذكره المشايخ الكرام أعلاه ، وتتميماً للفائدة أنقل هنا شرح الشيخ صالح الأسمري وفقه الله لهذا المقطع من مقدمة التفسير ، قال الشيخ صالح :
( عقد المصنف ـ يرحمه الله ـ هذا الفصل ؛ لِيُبَيِّنَ أن النبي r بيَّن لأَصحابه معاني القرآن ، واستدل على ذلك بثلاث دلائل :
ـ أولها : دلالة الخبر . وذلك قول الله عز وجل : )لِتُبيِّن للناس ما نزل إِليهم( . حيث إن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم يشمل البيانين :
أولهما : البيان اللفظي بتلاوة كتاب الله و تبليغه .
والثاني:البيان الإِيضاحي المتعلق لما في كتاب الله عز وجل ومعانيه.
ومعلومٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُخالف أمْرَ ربه ، وهو معصوم من المخالفة في الشرع ، وهذا منعقدٌ الإجماع عليه ، وقد حكى الإجماع جماعة ، و من أولئك: شيخ الإسلام ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ في : "دلائل النبوة" ومن ثَمَّ يصح الاستدلال به، فَيُؤخذ أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن معاني القرآن، كما أنه بيَّن ألفاظه .
ـ ثانيها : دلالة النظر ، وذلك من جهاتٍ :
l منها : قول المصنف ـ يرحمه الله ـ : (وذلك أن الله تعالى قال : (كتاب أنزلناه إِليك مباركٌ ليدبَّرُوا آياته) ، وقال :(أفلا يتدبرون القرآن) ، وقال : (أفلم يدَّبروا القول) وتدبر الكلام دون فهم معانيه لا يُمكن…الخ) . وفيه استدلالٌ بدلالة اللزوم على إثبات المقصود ، فإَذا كان القرآن قد أُمِرَ بتدبره، ولا يُستطاع فهم جميع القرآن من قِبَلِ الناس جميعاً ، فتعين أن النبي صلى الله عليه وسلم أَفهم أُمته هذا القرآن.
l ومن النظر أيضاً : ما أشار إليه المصنف ـ يرحمه الله ـ بقوله : (ومن المعلوم أَن كل كلامٍ فالمقصود منه : فهم معانيه دون مجرد ألفاظه؛ فالقرآن أولى بذلك) وهذا ما يُسمى بدلالة الأَولوية ، وفيه أن القرآن قد بَيَّنَهُ النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن المقصود فهمه وتدبره ، ولا يقع إِلا كما سبق .
ـ وثالثها : دلالة العادة . وبيَّنها المصنف ـ يرحمه الله ـ بقوله : (والعادة تمنع أن يقرأ قومٌ كتاباً في فنٍ من العلم كالطب والحساب …) .
وعليه : فإن الصحابة استشرحوا كتاب الله تعالى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فبيَّن لهم معانِيَهُ ، وأفهمهم إِياه .
فهذه ثلاث دلائل ، تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن القرآن الكريم معنىً وفحوى.
واختلف في المقصود بالتبيان السابق على قولين :
الأَول : أَنه بيَّن صلى الله عليه وسلم جميع آي الكتاب ، ويدخل في ذلك : كلماته وجُمله وما إليه .
وأما الثاني : فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن شيئين :
أولهما : المجمل ؛ ففسره .
وأما الثاني : فالمستشكل ؛ فبينه .
والقول الثاني هو الذي قطع به الجمهور والأكثر ، كما قاله السيوطي في: "الإتقان" ، وكذلك البقاعي في مواضع من تفسيره : "نظم الدرر في تناسب الآي والسُّوَر" ، وجماعة .
وفيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما اقتصر على بيان ما يَرِدُهُ السؤال عنه، والعادة أنه يُسأل عن المجملات ؛ لِتُفَصَّل ، وعن المستشكلات ، لِتُبيَّن .
وهذا القول يدل عليه دلالتان :
أما الأولى : فقول الله عز وجل : (لتُبين للناس ما نُزِّلَ إِليهم) ، حيث فسره مجاهد كما جاء عند : "الطبري" وغيره بأنه : (بيانٌ لما أُجمل واستشكل) ، فرجع البيان حينئذٍ إلى شيئين : إِلى المستشكل ، وإِلى المجمل .
وأما الثانية : فاتفاق الفقهاء والمفسرين على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبيِّن أحرف القرآن وكلماته ، وقد حكى الاتفاق في ذلك جماعة ، ومن أولئك : بدر الدين الزركشي في : "البرهان" ، وكذلك القرطبي في : "تفسيره" ، في آخرين .
وعليه فإِطلاق شيخ الإسلام ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لأَصحابه معاني القرآن ؛ إِنما عنى به المعنى السابق ، من مجملٍ يُفَسَّر ويُفَصَّل ، ومن مُسْتَشْكَلٍ يُبيَّن ويُحَل .
ويدل على أنه عنى ذلك الإطلاق دلالتان :
أما الأولى : فالاتفاق المحكي . وسبق ، والعادة عدم مخالفة الإِمام للاتفاقات والإجماعات المحكية .
وأما الثانية : فهو أن شيخ الإسلام ـ يرحمه الله ـ قد بيَّن في آخر هذه المقدمة أن الرأي في كتاب الله سبحانه وتعالى نوعان :
رأي مذموم ، ورأي محمود ، فدلَّ على أن كتاب الله ليس مبيناً في كل كلماته وجُملِهِ ؛ وإِلا لما كان ثمةَ مكان للرأي المحمود.
وعليه فإن تقرير شيخ الإسلام ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ لتبيين النبي r لمعاني القرآن ، محمولٌ على هذا المحمل ، لا غير .) انتهى شرح الشيخ صالح .
الحمد لله ، لقد انتهيت من هذا الشرح ، وسيطبع قريبًا في دار ابن الجوزي بالدمام ، وأتمنى من الله أن يكون هذا الشرح معينًا في فهم القضايا المتعلقة بالتفسير التي طرحها شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولم أسلك فيه أسلوب الشرح المعتاد ، بل نظرت إلى المسائل التي تكلم فيها شيخ الإسلام ، ثم درستها مبيِّنًا رأي شيخ الإسلام ، ومستعينًا بما كتبه من الأفكار نفسها في غير المقدمة ، ومضيفًا بعض الفوائد المتعلقة بنقاش االموضوع ، وقد ألحقت عددًا من النصوص التي لها علاقة بموضوعات المقدمة ، وجعلتها آخر الكتاب باسم ملاحق علمية من كلام شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية .
ولله الحمد أولاً وآخر ، وظاهرًا وباطنا .
[align=justify]ومما يحسن إضافته هنا أن الآية التي استدل بها شيخ الإسلام في تقريره لبيان النبي صلى الله عليه وسلم، وهي قول الله تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }[النحل : 44] قد خصص عمومها بالآية التي في نفس السورة، وهي قول الله جل وعلا: { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }[النحل : 64]؛ فالآية الأخيرة تدل على أنه يبين ما اختلفوا فيه، وأما ما لم يقع فيه اختلاف فلا حاجة إلى بيانه.
كما أن في الآية قرينةً على أنه لم يبين كل شيئ في القرآن، وهي ختمها بقوله: { ولعلهم يتفكرون}؛ فلو أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن معاني جميع الآيات فليس هناك حاجة للتفكر والنظر في معانيها.
جاء في كتاب "البيان في علوم القرآن" للأستاذين سليمان القرعاوي، ومحمد بن علي الحسن ما نصه: ( وقد بيّن صاحب دراسات في مناهج المفسرين [ الدكتور إبراهيم خليفة] خطأ فهم أستاذه المرحوم الذهبي، بل فهم السيوطي من قبله، فقال: "معنا قرينتان من قول ابن تيمية شيخ الإسلام نفسه في هذا المجال صريحتان في أنه لا يمكن بحال من الأحوال شمول البيان النبوي لجميع القرآن.
أحدهما: تصريحه أن أحسن طرق التفسير وأوضحها أن يطلب أول ما يطلب من القرآن ذاته، وأنه حين يعيينا ذلك فحسب ننتقل إلى السنة على ما قال طيب الله ثراه في هذه المقدمة: ( فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمَا أَحْسَنُ طُرُقِ التَّفْسِيرِ ؟ فَالْجَوَابُ : أَنَّ أَصَحَّ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُفَسَّرَ الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ ؛ فَمَا أُجْمِلَ فِي مَكَانٍ فَإِنَّهُ قَدْ فُسِّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَا اُخْتُصِرَ مِنْ مَكَانٍ فَقَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ أَعْيَاك ذَلِكَ فَعَلَيْك بِالسُّنَّةِ )؛ فإذا كان البيان النبوي الشريف شاملاً لجميع القرآن، إذن علام نسب هذا الزعم لشيخ الإسلام؟! فماذا بقي بعد ذلك للقرآن حتى يفسر بعضه بعضاً، بل حتى يقدم ذلك، ولا ينتقل عنه إلى طلب البيان من السنة إلا حيث لا نجده.
أما القرينة الثانية من كلام شيخ الإسلام نفسه في هذه المقدمة، فقوله بعد أن فرغ من الحديث عن السنة: ( وَحِينَئِذٍ إذَا لَمْ نَجِدْ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ رَجَعْنَا فِي ذَلِكَ إلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي اخْتَصُّوا بِهَا ؛ وَلِمَا لَهُمْ مِنْ الْفَهْمِ التَّامِّ وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ؛ لَا سِيَّمَا عُلَمَاؤُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ ...إلخ )، فإذا كانت السنة قد بينت جميع القرآن فماذا يمكن أن يكون قد بقي إذن لأقوال الصحابة حتى نرجع إليها في التفسير، بل ما معنى قوله: ( وَحِينَئِذٍ إذَا لَمْ نَجِدْ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ )؟!. انتهى المراد نقله من كتاب البيان في علوم القرآن ص320-322.[/align]
أما القرينة الثانية من كلام شيخ الإسلام نفسه في هذه المقدمة، فقوله بعد أن فرغ من الحديث عن السنة: ( وَحِينَئِذٍ إذَا لَمْ نَجِدْ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ رَجَعْنَا فِي ذَلِكَ إلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي اخْتَصُّوا بِهَا ؛ وَلِمَا لَهُمْ مِنْ الْفَهْمِ التَّامِّ وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ؛ لَا سِيَّمَا عُلَمَاؤُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ ...إلخ )، فإذا كانت السنة قد بينت جميع القرآن فماذا يمكن أن يكون قد بقي إذن لأقوال الصحابة حتى نرجع إليها في التفسير، بل ما معنى قوله: ( وَحِينَئِذٍ إذَا لَمْ نَجِدْ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ )؟!. انتهى المراد نقله من كتاب البيان في علوم القرآن ص320-322.
أرجوا رد الشيخ مساعد الطيار حفظه الله:أين أجد كتابكم شرح مقدمة ابن تيميه(رحمه الله)؟
فقد بحثت عنه في المكاتب ولازلت أبحث بين الفتره والأخرى ولكن لاجدوى..
شرح أخي الدكتور مساعد الطيار هذه العبارة لشيخ الإسلام شرحاً وافياً مميزاً أفردته لكم في المرفقات من شرحه على مقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية فأرجو الاطلاع عليه ففيه الكفاية .