[align=right]الإخوة الفضلاء .. روّاد العربيّة نحواً وصرفاً ..إنني (أستطعمكم) فهل من مطعم؟
أشكلت عليَّ هذه المسألة كثيراً ، و(استشكلتُ) أمرها ، ولم أجد فيها شفاءً..
وكلّ من قرأتُ له إنما يذكرها كقاعدةٍ ( إذا دخلت على الفعل= دلّت على الطلب)، وهي قاعدةٌ لم (أستحسنها) على إطلاقها ، و(أستعظمُ) وأدعو لمن أفادني .. فهل وقفَ أحدكم على ضابطٍ يُفرِّق؟ أو قاعدةٍ تبيِّن؟
وفي شهر رمضان مررتُ على كثيرٍ من مفردات القرآن مما دخلت عليها (الهمزة والسين والتاء) ولا يظهر منها الدلالة على الطلب ..
فـ (استغفار) ، و (استسقاء) ، و (استطعام) ... ونحوها = ظاهرٌ .
لكن ماذا عن :
(كمثل الذي استوقد ناراً ..) هل طلب وقودها، أو أوقدها ؟
(فاستجاب لهم ربهم) هل طلب الجواب؟
(إلاّ إبليس أبى واستكبر) هل طلب الكبر ؟
(فقد استمسك بالعروة الوثقى) هل طلب التمسك؟
( إنما استزلَّهم الشيطان) هل أزلَّهم أو طلب زلَلَهم؟
( الذين استجابوا لله والرسول ) وهل من فرقٍ معنويٍّ بين ( أجابوا اللهَ والرسول) و (استجابوا لله والرسول) ؟؟ ( ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر) ؟
( ولقد استهزئ برسلٍ .. )؟ ( كالذي استهوته الشياطين)؟ (ربنا استمتع بعضنا ببعضٍ ) ..؟
(سحروا أعين الناس واسترهبوهم) ؟؟ (فإن استقرَّ مكانه فسوف تراني)؟
(وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا)؟ (إن استحبوا الكفر على الإيمان) ؟
(ثم استخرجها من وعاء أخيه) ؟
(فلما استيأسوا منه خلصوا نجيّاً)؟ وما الفرق بين استيأس ويَئِسَ؟
في آياتٍ أُخر كثيرة ..
فهل من مفيدٍ ؛ لـ(أستفيد)؟[/align]
صيغة "استفعل" من الصيغ المذكورة في أبنية الأفعال، ولها معان يذكرها المصنفون في اللغة، وقد يقتصر على معنى الطلب فيها، لكونه أشهر المعاني المتداولة فيها.
قال ابن فارس في كتاب الصاحبي في باب معاني أبنية الأفعال في الأغلب الأكثر:
" وأما اسْتفعلَ فيكون
1/ بمعنى التكلف، نحو تعظَّمَ. واسْتَعظَمَ وتكَّبَر. واستَكْبَر
2/ ويكون استفعل بمعنى الاستدعاء والطلب نحو: استَوْهبَ
3/ ويكون بمعنى فَعلَ: قرَّ. واستَقرَّ." اهـ
وقال الثعالبي في فقه اللغة في فصل أبنية الأفعال:
( استَفْعَلَ )
1/ يكون بمعنى التَّكلُّف نحو استَعْظَمَ أي تَعَظَّمَ واستَكْبَرَ أي تَكَبَّرَ
2/ ويكون استفعَلَ بمعنى الاستدعاء والطلب نحو استَطْعَمَ واستَسْقى واسْتَوْهَبَ .
3/ ويكون بمعنى فَعَلَ نحو اسْتَقَرَّ أي أقَرَّ
4/ ويكون بمعنى صار نحو اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ واستَنْسَرَ البُغاثُ اهـ
وقال الزمخشري في المفصل في أبنية المزيد من الثلاثي:
" وزن استفعل: واستفعل
1/ لطلب الفعل، تقول استخفه واستعمله واستعجله إذا طلب عمله وخفته وعجلته. ومر مستعجلاً أي مر طالباً ذلك من نفسه مكلفها إياه، ومنه استخرجته أي لم أزل أتلطف به وأطلب حتى خرج.
2/ وللتحول نحو استتيست الشاة،[أي صارت تيسا] واستنوق الجمل، واستحجر الطين، وإن البغاث بأرضنا يستنسر.
3/ وللإصابة على صفة نحو استعظمته واستسمنته واستجدته أي أصبته عظيماً وسميناً وجيداً.
4/ وبمنزلة فعل نحو قر واستقر وعلا قرنه واستعلاه.اهـ
فهذه المعاني المذكورة التي تتوارد على صيغة استفعل، وتعرف من سياق الاستعمال ودلالة اللفظ. وما تقدم من أمثلتها يعطي نبذة عن الباقي.ولم يستقص الأئمة كل معانيها، وإنما جاءوا على ذكر جُماع المعاني. وفي كتاب : "دراسات في النحو:، لصلاح الدين الزعبلاوي. مبحث في استعراض معاني استفعل، مع ذكر قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة، حول ما استجد من معانيها.
ونخلص من هذا إلى أن المعاني المذكورة في هذه الصيغة هي:
1/ الطلب وهو أشهر معانيها. نحو "استسقى"
2/ التكلف فيكون بمعنى تفعل بتشديد العين.وهذا راجع إلى من قام به الفعل.نحو "استكبر".
3/ الإصابة على صفة، فتكون صيغة استفعل في "استسمن" تعني وجدته على صفة من السمن.
3/ بمعنى الفعل مثل "استقر" بمعنى قر. لكن أفادت الزيادة في استقر معنى زائدا على قر، وهو المبالغة في الاستقرار.
4/ بمعنى التصيير والتحول والانتقال. نحو استحجر الطين، أي صار حجرا.
5/ بمعنى أفعل المتعدي بالهمزة: تقول استخلف أهله. أي أخلفهم [جعلهم يخلفونه]
6/ ومن معاني (استفعل) الحينونة تقول استحصد الزرع إذا حان حصاده
7/ ومن معاني (استفعل): الاتخاذ والجعل كقولك استعبد زيد الناس واستأجر الغلام أي جعله أجيرا.
8/ ومن معانيه الاعتقاد والرأي كقولك استحسنته إذا رأيته حسناً، وكذا استقبحته واستهجنته واستشبعته.
هذه أهم المعني المذكورة عندهم. وبالنظر والتأمل، نرى أن هذه المعاني يرجع بعضها إلى بعض في الجملة، وضابط معرفتها: تنصيص أهل العلم عليها. أو الاعتماد على دلالة اللفظ وما يقتضيه السياق والنظر في نظم الكلام. فهو معين على تعرف الدلالة.
ودمتم بخير.
راجع: باب أبنية الأفعال في فقه اللغة للثعالبي وكتاب الصاحبي لابن فارس وكتاب المفصل في علم العربية للزمخشري.
جزاكم الله خيرا، يا خليل الفائدة، ولا حرمكم الله من جميل العائدة.
وتتميما لما ذكرتم، أتبع نقل ما قيل في باب "استفعل"، ولكن ليس من جهة المعاني المستفادة منه. وإنما من جهة البنية المقتضية لهذه المعاني. وهي صيغة استفعل. فقد وقفت على توجيه مفيد ورائع. للعلامة ابن جني رحمه الله في الخصائص ذكره في باب عقده للحديث عن "إِمساس الألفاظ أشبَاَهَ المعاني" ومدار هذا الباب. في ذكر العلاقة الوطيدة بين دلالة الأصوات، وبنية الكلمات، وبين المعاني المدلول عليها. وكيف تهدى العرب بلطيف الطبع ودقيق الفطنة، إلى توخي هذه المناسبة بين الألفاظ والمعاني.في أكثر من موضع من كلامها.
قال ابن جني وهو في معرض التمثيل لهذا الباب:
" ومن ذلك - وهو أصنع منه - أنهم جعلوا ( استفعل ) في أكثر الأمر للطلب نحو استسقى واستطعم واستوهب واستمنح واستقدم عمرا واستصرخ جعفرا .
فرتّبت في هذا الباب الحروفُ على ترتيب الأفعال . وتفسير ذلك أن الأفعال المحدّث عنها أنها وقعت عن غير طلب إنما تفجأ حروفُها الأصولُ أو ما ضارع بالصنعة الأصول.
فالأصول نحو قولهم : طعِم ووهب ودخل وخرج وصعِد ونزل . فهذا إخبار بأصول فاجأت عن أفعالٍ وقعت ولم يكن معها دلالة تدلّ على طلب لها ولا إعمال فيها . وكذلك ما تقدّمت الزيادة فيِه على سَمْتِ الأصل نحو أحسن وأكرم وأعطى وأولى . فهذا من طريق الصنعة بوزن الأصل في نحو دحرج وَسَرْهف وقَوْقَى وزَوْزَى.
وذلك أنهم جعلوا هذا الكلام عبارات عن هذه المعاني فكلما ازدادت العبارة شَبَها بالمعنى كانت أدلّ عليهِ وأشهد بالغرض فيهِ
فلمّا كانت إذا فأجأت الأفعال فاجأت أصول المُثُل الدالة عليها أو ما جرى مجرى أصولها نحو وهب ومنح وأكرم وأحسن
كذلك إذا أخبرت بأنك سعيت فيها وتسببّت لها وجب أن تقدّم أمام حروفها الأصول في مُثُلها الدالّة عليها أحرفا زائدة على تلك الأصول تكون كالمقدّمة لها والمُؤِّدية إليها
وذلك نحو استفعل فجاءت الهمزة والسين والتاء زوائد ثم وردت بعدها الأصول الفاء والعين واللام . فهذا من اللفظ وَفْق المعنى الموجود هناك .
وذلك أن الطلب للفعل والتماسَه والسعي فيه والتأتي لوقوعه تقدّمه ثم وقعت الإجابة إليه فتبع الفعلُ السؤالَ فيهِ والتسّبب لوقوعه . فكما تبِعت أفعال الإجابة أفعالَ الطلب كذلك تبعت حروفُ الأصل الحروفَ الزائدة التي وضعت للالتماس والمسئلة .
وذلك نحو استخرج واستقدم واستوهب واستمنح واستعطى واستدنى . فهذا على سَمْتِ الصنعة التي تقدّمت في رأى الخليل وسيبويه إلا أن هذه أغمض من تلك . غير أنها وإن كانت كذلك فإنها منقولة عنها ومعقودة عليها. ومن وجد مقالا قال به وإن لم يسبق إليهِ غيره . فكيف به إذا تبع العلماء فيهِ وتلاهم على تمثيل معانيه" اهـ انظر ج 2 ص 152
وإنما نقلت كلامه بطوله للفائدة فيه، ولما فيه من لطيف النظر ودقيق التأمل، وأيضا فإن مثل هذا النظر إذا وظف في مفردات القرآن الكريم، عاد بكثير من الفوائد في التفسير.
ودمتم بخير.