إشكال في كلام ابن عباس حول تفسير قوله تعالى : " وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً

إنضم
30/12/2005
المشاركات
393
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الجزائر
قال البخاري رحمه الله تعالى في " صحيحه " : " باب قوله : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } مثـابة يثوبون يرجعون " .

وقال ابن دريد في " جمهرة اللغة " : " وثاب يثوب ثوبًا وثُؤوبا ، إذا رجع ، وكل راجع : ثائب " .

وجاء عن ابن عباس ، في قوله تعالى : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ } قال : يثوبون إليه ثم يرجعون .

الإشكال في كلام ابن عباس :
إذا كان معنى " الثَّوب " : الرجوع ، فيكون معنى كلام ابن عباس : " يرجعون إليه ثم يرجعون " !!

فما التوجيه ؟ بارك الله فيكم .
 
أخي الفاضل زكريا أولاً السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
فقد بحث في كلام ابن كثير وابن عثيمين رحمهما الله ووجدت كلاماً جميلاً وأردت أن أسوقه _ ولست من أهل التفسير (المفسرين) _ بل هو نقل لكلام علمائنا أسأل الله أن ينفعني وإياك والمسلمين بها يقول ابن كثير -رحمه الله بعد سرد الأقوال
[frame="1 80"]ومضمون ما فسر به هؤلاء الأئمة هذه الاَية أن الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفاً به شرعاً وقدراً, من كونه مثابة للناس, أي جعله محلاً تشتاق إِليه الأرواح, وتحن إِليه, ولا تقضي منه وطراً ولو ترددت إِليه كل عام استجابة من الله تعالى, لدعاء خليله إِبراهيم عليه السلام, في قوله فاجعل أفئدة من الناس تهوي إِليهم[/frame]
ويقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
[frame="1 80"]و «المثابة» بمعنى المرجع؛ أي يثوب الناس إليه، ويرجعون إليه من كل أقطار الدنيا سواء ثابوا إليه بأبدانهم، أو بقلوبهم، فالذين يأتون إليه حجاجاً، أو معتمرين يثوبون إليه بأبدانهم؛ والذين يتجهون إليه كل يوم بصلواتهم يثوبون إليه بقلوبهم فإنهم لا يزالون يتذكرون هذا البيت في كل يوم، وليلة؛ بل استقباله من شروط صحة صلاتنا[/frame]

هذا ما استطعت أن أسرده بارك الله فيك على هذا الاستفسار و جزاك خير الجزاااااء



---فارس القلم---
 
الأخ فارس ، جزاكم الله خيرا على الإفادة .

ولكن الإشكال ليس في الآية ، بل في كلام ابن عباس في تفسيرها .


فمن يتفضل علينا بالإجابة ؟
 
أخي الكريم زكرياء حفظه الله

المثابة في اللغة لها معنيان مشهوران:
المعنى الأول: المرجع والمآب، ومنه قولهم: ثاب إلى المكان، وثاب إلى رشده، أي رجع إليه.
ومنه سميت الثيب ثيباً لمعاودتها الزواج، والثواب لأنه يعود لصاحبه، ونحو ذلك من الإطلاقات.
وبهذا المعنى فسر الآية جماعة من المفسرين، كابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير، والخليل بن أحمد وابن قتيبة وغيرهم
والمعنى الثاني: المجْمَعُ الذي يجتمع الناس فيه
ومن بابته: الثُبَةُ أي الجماعة، وجمعها ثُبَات قال تعالى: (فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً) الثبات: الجماعات المتفرقة.
ومنه سمي الثوب ثوباً لأنه يشتمل على صاحبه.
والتثويب بالصلاة الدعوة لاجتماع الناس إليها.
وعلى هذا المعنى يحمل تفسير جماعة من المفسرين كقتادة وعطاء وابن زيد والفراء وغيرهم

وبعض العلماء يذكر المعنيين ولا يرجح أحدهما على الآخر.
وقد جمع بينهما ابن الأثير فقال: {وَإذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} أي مَرْجِعا ومُجْتَمَعا.


هذا استطراد للفائدة

وأما جواب ما أشكل عليك من كلام ابن عباس؛ فاعلم أن قول ابن عباس: (يثوبون إليه ثم يرجعون) بمجموعه يفسر معنى المثابة
فليس المراد تفسير لفظة (يثوبون) بـ(يرجعون) وإنما لمراد أن لفظة (مثابة) تفيد كثرة الرجوع والثوب إلى البيت الحرام، كما تدل عليه هذه الصيغة في لسان العرب.
قال الأخفش : دخلت الهاء فيها للمبالغة لكثرة من يثوب أي يرجع
فيثوبون إليه ثم يثوبون إليه ثم يثوبون إليه، وبذلك يكون البيت مثابة للناس، لكثرة ما يثوبون إليه.
لا أن معنى (مثابة) مجرد أنهم يرجعون إليه رجوعاً مجرداً، بل هي مفيدة لكثرة الرجوع رجوعاً بعد رجوع.

والتعبير بألفاظ: يثوبون إليه، ويرجعون إليه، ويعودون إليه، ويأتونه، ويحجونه، ويجتمعون فيه، كلها تبين المعنى المراد.
والرواية الأخرى عن ابن عباس تبين هذا المعنى كما أخرج ابن جرير عنه أنه قال: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} قال: لا يقضون منه وطراً، يأتونه، ثم يرجعون إلى أهليهم، ثم يعودون إليه).
ونحوها ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنه قال في قوله: {مثابة للناس}: يَحُجُّونَ، ثم يَحُجُّون، ولا يقضونَ منه وَطَرا.



هذا وقد استوقفني كلام ابن عطية في هذه الآية حيث ذكر معنى لم أعهده في طريقته في التفسير
ولعل الشيخ مساعد الطيار حفظه الله يفيدنا برأيه في هذه المسألة
حيث قال ابن عطية: (و{مثابة} يحتمل أن تكون من ثاب إذا رجع لأن الناس يثوبون إليها أي ينصرفون.
ويحتمل أن تكون من الثواب أي يثابون هناك).
قال أبو حيان: (وقال بعض أهل اللغة فيما حكاه الماوردي: أي مكان إثابة: واحدة من الثواب، وأورد هذا القول ابن عطية احتمالاً منه).

ولا أدري من أين نقل أبو حيان هذا الكلام عن الماوردي حيث لم أجده في تفسيره، وإنما وجدت في تفسيره قوله: (قوله تعالى: { وَإذْ جَعَلْنَا مَثَابَةً لِلنَّاسِ } فيه قولان:
أحدهما: مجمعاً لاجتماع الناس عليه في الحج والعمرة.
والثاني: مرجعاً من قولهم قد ثابت العلة إذا رجعت. وقال الشاعر:
مثاباً لأفناءِ القبائل كلها تخب إليها اليعملات الذوامل
وفي رجوعهم إليه وجهان:
أحدهما: أنهم يرجعون إليه المرة بعد المرة.
والثاني: أنهم في كل واحد من نُسُكَيَ الحج والعمرة يرجعون إليه من حل إلى حرم؛ لأن الجمع في كل واحد من النسكين بين الحل والحرم شرط مستحق).
 
عودة
أعلى