إشكال شديد في حديث تأبير النخل

إنضم
04/08/2006
المشاركات
133
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
فلسطين
السلام عليكم..

لست من أهل النزوع إلى رد متون الأحاديث بمجرد الرأي، فإن ممن ينتسبون إلى هذه المدرسة رجال يتحاملون بشدة على أحاديث صح إسنادها ووافقت القرآن، ألا أن القرضاوي يستبعد صحة حديث (..وجعل رزقي تحت ظل رمحي) مع أنه موافق لصريح القرآن ((واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول..))

لكن يؤرقني حديث ((أبروا أنتم أعلم بأمور دنياكم)) فإني لا أستطيع أن أن أصدق أن النبي صلى الله عليه وسلم أقدم على نهي الأنصار عن تأبير النخل بمجرد الظن وهو الذي نهي من قبل هن عدم اتباع الظنون بقوله تعالى ((ولا تقف ما ليس لك به علم))..

والحقيقة أنني لا أستطيع أن أذكر هذا الحديث أمام الناس في خطبي ودروسي.
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك يا أخي الكريم، وإنما قال: (ما أظن ذلك يغني شيئا)، فهو ظن في أمر دنيوي، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليشرح للناس أمور الزراعة والصناعة، وقد كان هذا التفريق بين الأمور الدنيوية والأمور الدينية واضحا، وقد زاده وضوحا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه: (إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فإنى إنما ظننت ظنا؛ فلا تؤاخذونى بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإنى لن أكذب على الله عز وجل ).

ونصيحة عامة يا أخي الكريم، وهي المرور بالشبهة مرورا عابرا، من غير السماح لها بالدخول إلى قلبك؛ فلهذا مفاسد كما لا يخفى عليك.
ولا يلزم أن يكون كل عقل قادرا على فهم جميع النصوص الشرعية؛ فإن الشريعة قد تأتي بمحارات العقول، ولذلك ينبغي للعاقل أن يرد ما اشتبه عليه علمه إلى الأصل الأصيل المعتمد عند كل مسلم.

وإذا كنت تجوز أن يخفى على مثل القرضاوي معنى حديث حتى يقع في إنكاره مع أنه موافق لصريح القرآن كما تقول، فلأن يخفى نحو ذلك على آحاد الناس أولى وأولى.
 
روى مسلم رحمه الله:

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ وَهَذَا حَدِيثُ قُتَيْبَةَ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ ؟ فَقَالُوا : يُلَقِّحُونَهُ يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى فَيَلْقَحُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا. قَالَ: فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ. فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وروى رحمه الله تعالى:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الرُّومِيِّ الْيَمَامِيُّ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيُّ قَالُوا حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ حَدَّثَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَالَ : قَدِمَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ يَقُولُونَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ. فَقَالَ : مَا تَصْنَعُونَ ؟ قَالُوا : كُنَّا نَصْنَعُهُ ؟ قَالَ : لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا. فَتَرَكُوهُ فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ. قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ . فَقَالَ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ.

وروى رحمه الله تعالى:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ : لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ. قَالَ : فَخَرَجَ شِيصًا. فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ : مَا لِنَخْلِكُمْ ؟ قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ.

هذا الحديث قد يتوقف عنده البعض مستشكلا ولكن المتأمل في هذا الحديث يجد ما يذهب عنه الإشكال وذلك:
أن هذا الحديث يؤكد بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم التي أكدها القرآن.
الرسول صلى الله عليه وسلم جاء من بيئة لا علم لها بالزراعة وشؤونها.
لا يتصور أن الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون على علم بكل شيء من أمور الدنيا.
أيضا لا يتصور أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يتكلم إلا بالوحي ، بل هو كغيره من البشر يتكلم فيما يتلكم فيه الناس ويتحدثون.
ثم إن هذا الحديث وقد روى بألفاظ مختلفة وهذا يدل على أن بعض الرواة قد رواه بالمعنى وهذا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند محاكمة الحديث إلى ثوابت القرآن.
ثم إنه من فوائد هذا الحديث:
أن الصحابة رضي الله عنه كان الأصل عندهم قبول قول النبي صلى الله عليه وسلم على أنه موحى به من الله حتى بين لهم أنهم يجب أن يفرقوا بينما يقوله صلى الله عليه وسلم اخبارا عن الله تعالى وبينما يقوله برأيه ، وهذا نجد أن الصحابة قد أخذوه بعين الاعتبار في كثير من الوقائع ومن ذلك :
قول الحباب يوم بدر لرسوله صلى الله عليه وسلم: أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا أن نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة قال يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم تغور ما وراءه من القلب ثم تبنى عليه حوضا فتملاه ماء فتشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أشرت بالرأي.
ومنه حديث بريرة رضي الله عنها:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعبَّاسٍ يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ رَاجَعْتِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي قَالَ إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ قَالَتْ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ.
ومن فوائد الحديث أن على الناس أن يأخذوا بالأسباب وسنن الله التي أودعها في الخلق لإصلاح حياتهم وأمور معاشهم.
هذا والله أعلى وأعلم.
 
عودة
أعلى