إشكال حول المتواتر عند المفسرين

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
المتواتر عند المحدثين له شروطه المعروفة ، وهي مأخوذة ـ عند التحقيق ـ من المتكلمين ، وفي بعضها نقاش ، ولست هنا بصدد الحديث عنها ، وإنما سؤالي :

حينما وصفت القراءات السبعية بـ(المتواترة) فهل طبقت عليها شروط الحديث المتواتر عند المحدثين ؟

فإن كان الجواب : نعم ، فيشكل على ذلك أن بعض القراءات تنتهي عند صحابيٍ واحد فقط أو اثنين ، أو حتى ثلاثة ، ومثل هذا ـ عند المحثين ـ لا يدخله في جملة المتواتر ـ وإن اختلفوا في العدد الذي يثبت به التواتر ـ .

ثم إذا قلنا ـ على سبيل المثال ـ : إن قراءة قراءة حفص عن عاصم ليست متواترة عند ابن جرير ـ كما توصل إلى ذلك الشيخ الفاضل المفيد د.مساعد الطيار ـ فكيف صارت متواترة عند من أتوا بعده ؟! لأنه حيئذ قد فقد التواتر في إحدى الطبقات ـ وهذا على حد المحدثين ـ .

فهل من إزالة لهذا الإشكال القائم عندي ؟!
 
ذكر الشيخ عبدالله الجديع في (تحرير علوم الحديث) 1/43 كلاماً جيداً حول هذه المسألة ، أذكره ملخصاً من باب المذاكرة هنا مع بعض التصرف طلباً للاستفادة منكم أبا عبدالله ومن جميع الإخوة وفقهم الله.
حيث ذكر أنَّ التواتر قسمان :
1- تواتر ضروري . وهو ما أغنى في صحته عن البحث في الإسناد. وتواتر القرآن الكريم من هذا القسم ، ولذلك فإنك لا تجد شرط التواتر المعروف عند المحدثين مطبقاً ولا يبحث أصلاً عند الحديث عن تواتر القراءات ، وما هذه الأسانيد التي بأيدي الناس اليوم إلا من باب طلب اتصال الأسانيد فحسب وليس فيها شرط التواتر ، وهي تنتهي إلى أفراد في آخرها أو في أثنائها.
2- تواتر نظري. وهو ما كان موقوفاً على جمع الطرق والروايات ، فهو مبني على البحث والنظر ، والعلم بهذا القسم غير حاصل ضرورة كتواتر نقل القرآن المستغني عن الأسانيد والطرق. ومن هذا القسم التواتر في الأحاديث النبوية ، وهو لا يستغنى فيه بمجرد تعدد الأسانيد عن ثبوت أفرادها ، فمن الأحاديث ما تعددت أسانيده وكثرت ، لكنها واهية ولا يثبت منها شيء.
وهذا المعنى أغفله أكثر من تعرض لهذا الموضوع ، خصوصاً أن أكثر من تكلم في التواتر هم الأصوليون ، وهؤلاء تكلموا في التواتر الضروري ، كتواتر القرآن ، ومن ثمَّ عدَّاه طائفة إلى الحديث ، وأغفل هؤلاء أن نقل القرآن ليس كنقل الحديث ، فلا يستويان ، فتواتر القرآن أغنى في صحته عن البحث في الإسناد ، بخلاف تواتر الحديث ، فإن عمدته على الإسناد ، ويكفيك دليلاً على ضعف القول باستغناء الحديث المتواتر عن الإسناد ما تنازعوه في قدر ما يدعى فيه التواتر فإن موجب التواتر التسليم لصحته دون مناقشة على طريقة أهل الأصول ، فكيف يصح التنازع بعدُ في شيء من ذلك : هو متواتر أو غير متواتر ؟

وأما ما ذكرته أخي الكريم عن رواية حفص عن عاصم ، وأنها لم تتواتر عند الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله فالذي فهمته أنا أنها لم تبلغه لا بطريق التواتر ولا بغيره ، حيث لم يشر إليها في تفسيره ، وهذا أمر يدعو للغرابة حيث قد ذكر عنه رحمه الله أنه ألف كتباً جامعاً في القراءات ، وتلميذه ابن مجاهد هو الذي وضع كتاب السبعة ، وهو كان في بغداد حاضرة العلم حينذاك ! فعدم بلوغ هذه الرواية لابن جرير أمر مستغرب ولعل الأيام تكشف لنا المزيد من العلم حول هذه المسألة بعون الله.
وفقكم الله لما يحب ويرضى.
 
عودة
أعلى