السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أحب من الشيخ :عبدالرحمن الشهري_حفظه الله_ أو من في هذا الملتقى النير, من لديه دراية بهذه المسألة,أن لايبخل علي بجواب يثلج به كلفي واهتمامي لهذه المسألة,وهي باختصار: أن الشيخ:عبد الرحمن الشهري ذكر:أن جميع الشعراء المتأخرين,والمتقدمين,يحتج بشعرهم في المعاني والأساليب مثل:الالتفات،وغيره... وكانت مناسبة ذلك :أنه وقف عند أسلوب الالتفات في آية((إياك نعبد وإياك نستعين)) _وبالتحديد عند الدقيقة السادسة والأربعين فيماأظن في الدرس السابع من التعليق على تفسير البيضاوي_ وبعد الاستشهاد بأبيات مرؤ القيس في الالتفات, ذكر الشيخ أبياتا للمتنبي فيها أسلوب الالتفات, ثم قال لواحتج بها البيضاوي لجاز احتجاجه،لأن ذلك جائز في الأساليب والمعاني, بخلاف دلالة الألفاظ,وقواعد النحو,لايجوز الاحتجاج بغير الطبقات المعروفة بزمن الاحتجاج. أرجو من الشيخ ,أومن لديه إحاطة بهذا الشأن أن يفيدنا! وأخيرا أنصح كل مبتدء, أو منتهي ,أللا يحرم نفسه من سماع تلك التعليقات القيمة,والرصينة,لقد وجدت علما جما,وثقافة واسعة ،والطلاعا متينا من الشيخ_حفظه الله_ وجزاكم الله خيرا!
الاستشهادُ بشعر الشعراءِ بابٌ كبيرٌ من أبوابِ العلمِ، تكلّمَ فيه عُلَماءُ اللّغةِ و فصّلوا فيه وقسّموا مَن يصحُّ
الاستشهادُ بشعرِه في اللغة والنحو والصرف. ومن أهمّ مَن فصّلَ في هذا البابِ عبدُ القادر البغداديّ في
خزانَة الأدب ولُبّ لُبابِ لِسان العرَب؛ حيثُ ذكَرَ أنّ علومَ الأدب ستةٌ: اللغةُ والصرف والنحوُ، ثُمّ المعاني
والبيان والبديع؛ والثلاثة الأول لا يستشهد عليها إلا بكلام العرب، دون الثلاثة الأخيرة فإنه يستشهد فيها
بكلام غيرهم من الموَلَّدين، لأنها راجعة إلى المعاني، ولا فرق في ذلك بين العرب وغيرهم، إذ هو أمر راجع
إلى العقل، ولذلك قُبِلَ من أهلِ هذا الفنِّ الاستشهادُ بكلام البحتري، وأبي تمام، وأبي الطيب المتنبّي وغيْرِهم
فأمّا الاستشهادُ على اللغة والنحو والصّرفِ فبكلامِ المُتقدِّمين من الشّعراءِ؛ وهم طبقاتٌ:
- الشعراء الجاهليون، وهم قبل الإسلام، كامرئ القيس والأعشى.
- المخضرمون، وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، كلبيد وحسان.
وهاتان الطّبقَتانِ يُستشهَدُ بشعرهما إجماعاً.
و أمّا المتقدمون، ويقال لهم الإسلاميون، وهم الذين كانوا في صدر الإسلام، كجرير والفرزدق. فالصحيحُ عند
جمهورِ العُلَماءِ صحةُ الاستشهاد بكلامها.
وأمّا الموَلَّدون، ويقال لهم المحدثون، ومَن جاءَ بعدهم، كبشار بن برد وأبي نواس، فالصحيحُ عند أغلبِ العُلَماءِ
أنه لا يُستشهَدُ بكلامها في اللغة والنّحو والصرفِ مطلقاً؛ وقيل يُستشهَدُ بكلام من يوثقُ به منهم، واختار هذا
الرأيَ الزمخشريُّ، ومنهُم مَن استشهَدَ بشعر أبي تمام. واستشهد الزمخشري أيضاً في تفسير أوائل البقرة
من " الكشاف " ببيت من شعر أبي تَمّام، وقال: «وهو - يَعْني أبا تمّام - إن كان محدثاً لا يستشهد بشعره في
اللغة فهو من علماء العربية، فاجْعَلْ ما يقولُه بمنزل ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيت الحماسة،
فيقنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه»
وأمّا الاستدْلالُ على المَعاني بشعرِ الموَّلدينَ فهو جائزٌ واردٌ لا شكّ فيه؛ فهؤلاءِ المولَّدونَ -بل الطَّبقاتُ المتقدّمةُ -
كلُّ أولئكَ يصحُّ الاستشهادُ بشعرِهم في المَعاني والاستعاراتِ والمَجازاتِ ؛ لأنّ المَعاني شركةٌ بين الشُّعراءِ
وغيرِهم على اختلافِ أزمنتهم وأمكنتهم . قالَ ابنُ جنّي، في الخَصائصِ، ونَقَلَ قولَه أيضاً السيوطي في المُزهر:
« يُسْتَشْهَدُ بشِعر المولَّدين في المعاني كما يُستَشْهد بشِعر العرب في الألفاظ.»
بَل ذكَرَ ابنُ جنّي في الخصائصِ أيضاً أنّ الشعرَ القَديمَ والمُحدَثَ ليسَ جميعه مرتجلاً، بل قد كان يَعرضُ للشّعراءِ
المتقدّمينَ، فيه مِن الصبر عليه، والملاطفة له، والتّلوُّم على رياضته، وإحكام صنعته نحوٌ من مما يعرض لكثير من
المولدين. فدلّ قولُ ابنِ جنّي هذا، على أنّ شعرَ المولَّدينَ لم يخلُ من إجادةٍ ومن تعهّدٍ وعنايةٍ ، وهي أمورٌ تدعو
إلى صحّةِ الاستدْلالِ بأشعارِهم في المَعاني، كما قدّمْنا
--------------
يُراجَعُ :
- الخَصائص لابن جنّي
- خزانَة الأدب للبغدادي: مقدّمَة الكتاب
- طَبَقات فُحول الشّعَراء لابن سَلاّم الجُمَحيّ
- الصّاحبيّ في فقه اللغةِ لابن فارِس