إشراقة النبوغ في حياة العلامة الشيخ علي الطنطاوي

إنضم
18/07/2007
المشاركات
627
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
[align=justify][align=center][glow=FF9900]إشراقة النبوغ في حياة


العلامة الشيخ علي الطنطاوي[/glow]



بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي
[/align]

www.alnahwi.com
[email protected]
نشأ الشيخ علي الطنطاوي على سلامة الفطرة وحسن الإيمان ، في بيئة توافرت فيها عوامل شتى لحماية الفطرة آنذاك : والدان صالحان رعياه حتى اشتدَّ عوده ، فوالده الشيخ مصطفى الطنطاوي ، رئيس ديوان محكمة التمييز ، كان من وجوه الفقهاء وعيون المربين ، ووالدته من آل الخطيب ، من بيت عرف بالعلم والتقى ، وخاله الأستاذ محب الدين الخطيب ، الذي حنا عليه ورعاه ، وفتح له سبل التعرف على شخصيات بارزة أثرت فيه ، والمجتمع المسلم المتمسك بآداب الإسلام بالرغم من انتشار الجهل ، وأجواء العلماء والصالحين الذي عرفهم منذ طفولته ، أصحاب والده ، وإخوان عائلته ، ومع مسيرة حياته كلها في صباه وكهولته وشيخوخته عوامل كثيرة يسرها الله له ، حفظت عليه سلامة فطرته ، وغذَّته بالإيمان والزاد الطيب الذي ظلَّ ينمو مع نموّه ، فاستقام له الدرب بهداية من الله ، ترعاه في الشدّة بعد وفاة والديه ـ رحمهما الله ـ ، وفي النعمة والرخاء مع مقبل الأيام ، وفي السعي الدائب منذ باكورة شبابه في طلب الرزق ، وطلب العلم الطاهر النقي .

مصادر علمه :
وكان يؤم مجالس العلماء والأدباء وندواتهم ، يساجل بعضهم . ومن أبرز هذه المجالس مجلس العالم الأديب محمد كرد علي ، وسليم الجندي ، ومحمد المبارك ، ومصطفى برمدا ، وآخرين . وكان يواظب على حضور محاضرات المجمع العلمي بدمشق ، واستمرَّ هذا النهج في جميع البلدان التي زارها ، وتعرف على علمائها ورجال الفكر والأدب فيها . وما أكثر البلدان التي طوَّف بها ، والزاد الطيب الذي حمله منها (1).
ومصدر آخر لزاده وعلمه وتجاربه ، ذلك المصدر رحلاته الواسعة المتعددة ، حتى كأنه طوف في الأرض ، يجني من كل أرض أطيب ثمارها ، وأحلى أزاهرها ، وأغنى جواهرها ، جال في سوريا وهو ينتقل من قرية إلى قرية معلماً في أول شبابه ، يمرُّ من خلالها بتجارب تصقل سجاياه ، وتبرز قدراته الذاتية ، وتجلو نهجه الذي استقرَّ عليه في حياته كلها .

في معترك الحياة :
لقد خاض في حياته ميادين متعددة مختلفة من العمل (2)، عمل محاسباً في أول دربه مع بعض التجار وقاسى من ذلك ، مما كان يرى ، فنفر وترك . وعمل مدرساً بدروس خاصة أعلن عنها . وامتحن في بعض التجارب فكان لها إيماناً وعقلاً ونهجاً ، ومضى وهو المؤمن الذي رعى مهمته التي خلق للوفاء بها ، بين ابتلاء الشدة وابتلاء النعمة ، وعمل مدرساً يتنقل بين بعض قرى سورية ويصبر ويجاهد ويصدق في كل عمل عمله صغيره وكبيره ، وعلَّم في المدارس الأهلية في الصيف ، ونمت مهمة التدريس معه حتى علَّم في المدارس الثانوية في أكثر من بلد عربي ، وكذلك في المعاهد الشرعية في مواطن مختلفة ، وكذلك في الجامعات ، وعلّم فتياناً ورجالاً وشيوخاً .

في القضاء :
وعمل في القضاء ، قاضياً في أصغر محكمة إلى أن أصبح مستشاراً في محكمة النقض في سورية ، ولقد أبرز القضاء ناحية من مواهبه ، وجلا قدرة من قدراته ، فاشتهرت مواقفه وأحكامه وفتاواه عن علم وحق وإيمان ثابت ، لا ينحاز عن الحق مهما كلفه الأمر ، ثابت كالطود ، تنهار من حوله عوامل الفتنة وإغراءات الباطل وزخارف الضلال ، فشقَّ طريقه بقوة إلى مراتب القضاء العليا عن جدارة وحق ، وله في ميادين القضاء مواقف مشهورة ، ونوادر مأثورة .

في الصحافة :
وعمل في ميدان آخر واسع كاتساع الفضاء ... تعرف أوله ولا تعرف آخره ... عمل في ميدان الصحافة ، فانطلقت مواهبه فيها كالسيل الجارف ، يتجدد معه العطاء ، ويستقيم له فيها النهج ، لا يغير ولا يبدل ، ولعل أول تجاربه الصحفية مع خاله محب الدين الخطيب في جريدة " الفتح " الأسبوعية ، التي كانت أول جريدة إسلامية تختلط فيها العروبة بالإسلام في كلمات كتابها مثل اشكيب أرسلان وغيره ، ومجلة الزهراء ، مجلة الأدب الإسلامي ، المجلة التي عاشت خمس سنوات فحسب . وأصدر مجلة البعث ليبين محاسن الإسلام ، وكتب في المقتبس مع خاله وفي صحف دمشق التي أخذت تظهر .

خطيب وأديب :
وكان من النواحي التي برز فيها ، وبرزت فيه ، قوة الخطابة . لقد برزت فيه منذ أول شبابه ، وكانت أول خطبة له سنة 1921م على درج مدرسة طارق ابن زياد ، وخطبة نارية سنة 1929م وهو يقود المظاهرة المدوية في دمشق ضد الاحتلال ، وامتدت خطبه سواء أكان يعدها سابقاً ، أو يعد لها رؤوس أقلام ، أو يرتجلها ارتجالاً . وخطبه تؤلف زاداً أدبياً وفكرياً لا يقل أهمية عن مقالاته ودراساته وأبحاثه(3) .
لقد كان أديباً مطبوعاً في كل ما يكتب أو يخطب أو يحدث ، وقد فتح الله له منافذ عدة يطلق منها صوته ، وساحات ممتدة ينشد فيها بيانه فبذل جهده إن شاء الله ليوفي بالأمانة التي خلق لها ، والعبادة والخلافة والعمارة فحيثما طوَّف في الأرض كان الإسلام قضيّته .

أصدقاؤه :
وكان له أصدقاء مصطفون ، شاء الله أن يتلازموا فترات طويلة . فكان منهم الشاعر الموهوب أنور العطار ، ومصطفى الزرقا ، وجميل سلطان ، وسعيد الأفغاني ، وزكي المحاسني ، ومربي الجيل السابق الشيخ طاهر الجزائري ، وأبو الحسن الندوي ، ومعروف الأرناؤوط ، وامتدت معارفه في كل قطر ، مما يصعب حصرهم في هذه الكلمة ولكنهم أدباء بارزون وسياسيون معروفون وعلماء لا يُجْهَلُون (4).
كان شديد العداء لأعداء الله ، صريح الكراهة قوي الكلمة ، يقرعهم قرعاً، ويشدُّ عليهم حتى يتركهم صرعى . ولا يترك وسيلة لتآلف القلوب على الحق إلا اتبعها ، وكان لا يتردد ـ رحمه الله ـ أن يعترف بخطئه إذا بان له الحق وانجلى الأمر . كان قد كتب كلمة في إحدى صحف دمشق انتقد فيها بعض الأمور على ضوء ما بلغه ، فلمَّا زرناه استقبلنا وأحسن الاستقبال والاستماع ، حتى إذا أوضحنا الرأي ووجهة النظر ، سارع فاعتذر ، وكتب في الصحيفة نفسها وفي المكان نفسه ما بان له من الحق وما ظهر .
كان ـ رحمه الله ـ وقافاً على الحقِّ ، يبحث عن الحجة والبينة ، لا يعصف به الهوى ولا ينحرف . وكذلك قصته مع المفتش المصري في العراق هاجمه وأغلظ في النقد ، حتى إذا تبين له أين الخطأ وأين الصواب ، عاد إلى الحق وكان له مواقف مماثلة .

استقلاليته :
وهو يصف نفسه فيقول : " وما ركب الله في طبعي أنني طريٌّ باللطف ، أبيٌّ على العنف فمن جاءني من باب اللين والمسايرة والرفق غلبني ، ومن جاءني عن طريق التحدي والمكاسرة ، نازلته فكسرني أو كسرته "!
ويقول : " ذلك لأن طبعي يأبى عليَّ العمل الجماعي ، إلا أن أدعى إلى خطبة أخطبها ، أو محاضرة ألقيها ، أو رأي أبديه ثمَّ أمضي إلى سبيلي . وما انتسبت في حياتي إلى حزب ولا جمعية ولا هيئة "!
ويقول : " وأنا مهما حاولت أن أروّض نفسي على طاعة المفتشين والرؤساء لا أستطيع وأجدني مدفوعاً دفعاً لا يقاوم إلى المنازلة وإلى مجابهة من يأمرني وينهاني مستعلياً بما أكره إلا اثنين : من كنت أرى أنه له الفضل عليَّ بعلم أو سن أو تجربة ...، ومن يجيء باللطف والأدب واللين ..."(5)!
وكان لا يحب النزول في المنازل ضيافة ويؤثر عليها الفندق ويصرُّ على ذلك ، ولكن إذا وجد غرفة أو أكثر مستقلتين ، فإنه يؤثر ذلك على الفندق فهو يصف نفسه في ذلك ويقول : " لا أحب النزول في الفنادق(6) " .

أسلوب متفرد :
يقول عن نفسه : " إنني اتبعت في الكتابة أسلوباً يكاد يكون جديداً ، عرف بي وعرفت به . وما كان في أساتذتي الذين قرأت عليهم ، ولا في الأدباء الذين قرأت لهم ، وأفدت منهم من له مثله حتى أقلده فيه وأتبع أثره . وإن كان فيهم من هو أبلغ مني ، وأعلى درجة في سلم البيان .." فمن أين جئت بهذا الأسلوب ؟! أعترف بأنه ليس عندي جواب حاسم على هذا السؤال . فمن أين أتيت بهذا الأسلوب الذي أكتب به ؟! لم آت به ثمرة بلا شجرة ، فما تكون الثمار إلا من الأشجار ، ولا أوجدت شيئاً من غير شيء ..! وما مثالنا إلا كتاجر فتح دكانه على طريق القوافل ، يوم كانت التجارة على طريق المقايضة ، ولم تكن وجدت نقود . يمر به المسافرون دائماً ، وكلَّما مرَّ به أحد أخذ منه سلعة وأعطاه سلعة أخرى ، ولبث على ذلك أكثر من خمسين سنة . فاجتمعت عنده مئات من الأشياء من كل صنف وكل لون . فهل ترونه يعرف كل شيء منها ممن أخذه ومتى أخذه ، وما الذي أعطاه بدلاً منه ! هذا مثالي ومثال من كانت حاله كحالي ... ما قرأت كتاباً ولا جالست عالماً ولا أديباً ، ولا سمعت خبراً ، ولا رأيت سروراً ولا كدراً ، ولا نزلت بلداً ، ولا قابلت أحداً ، إلا ترك في نفسي أثراً . فهل أقدر أن أحصي كم قرأت من الصحف ، وكم لقيت من الناس ، وكم رأيت من المسرات والأحزان ، وكم قصدت من الأقاليم والبلدان ؟!" .
اخترت هذه القطعة السابقة من كتاباته ، لأنها تُعرِّف بعض خصائص أسلوبه ، ولأنها تمثِّل نموذجاً كذلك .
ولكن النماذج الأدبية من كتاباته كثيرة ، فأنى مددت يدك وأخذت من قطوفها ، نلت ثمراً لذيذاً ، أو زهراً فوّاحاً ، كأنَّك تأخذ من بستان غني ، أو روض ندي !

خصائص أسلوبه :
ومن أهمِّ خصائص أسلوبه الاستطراد ، سواء أكان ذلك في الكتابة أو الحديث . ويقر هو بذلك ، ويعتذر للسامع أو القارئ . ثمَّ يعود إلى الاستطراد ، فما له منه فكاك .
وأسلوبه ممتع شائق بسهولته ولينه من ناحية ، وقوة تركيبه وتجانس مقاطعه ، وحلاوة ألفاظه . إنك حين تقرأ له تشعر أنه يحدثك أنت ، وأنك معه جالس ، وإليه مصغ .
وكلَّما خطرت الفكاهة له جعلها من أسلوبه . فاستمع إليه يحدثك عن الرياضيات : " ... ولكنني وجدت في الرياضيات مصيبة تهون معها المصائب ، هي الجذر التكعيبي ، ولقد مرضت بعد ذلك حتى أشرفت على الموت ، وغرقت في بحر بيروت وأنا لا أحسن السباحة حتى عاينت الهلاك ، وذقت السجن مدة يسيرة في حاشرة لا أستطيع من ضيقها أن أضطجع فيها ، وضللت مرة ليلة بطولها .... ولكني لم أجد أشد ولا أصعب من الجذر التكعيبي ..! وليس أصعب منه إلا حل رموز اللوحات التي وَضَعَتْها أمانة العاصمة في شوارع مكة لتدل الناس على الطرق فلم أقدر أنا ولا وجدت من قدر على حلها ، حتى أخي شيخ أساتذة الرياضيات ! شرق " أ " " ب " شمال ، ق . ل . م جنوب غرب ! ما معنى هذا ؟! ولمن وضعت اللوحات ؟! ما دام لا يفهمها الناس " (7).
وأسلوبه الساخر ، أسلوب متميز يجمع بين الفكاهة والسخرية يقول : " فاستقبلني مرحِّباً وقال إنه كان يسمع ويقرأ مقالاتي ويتابع أخباري . وكان عليَّ أن أصدّقه أو أن أظهر أني مصدقه ، ووجدت الموظفين يجلسون حوله كأنَّ على رؤوسهم الطير ، فلا يتحركون خشية أن تطير . أما أنا فلم يكن على رأسي إلا طربوشي . ووجدتهم يعظمون فيه الكرسي ، لا ينظرون إليه ، وإنما أنا أرى الرجل وأكلمه ، وأعطيه قدر ما يعطيني ...."(8) .
والشيخ علي الطنطاوي يحلِّق في أسلوبه في الوصف ، حتى يبلغ شأناً يعزُّ على الكثيرين بلوغه ، فقد وصف دمشق ، ووصف غوطة دمشق ، ووصف نهر بردى ، وامتدَّ الوصف في كثير من كتاباته ، وبخاصة في رحلاته ، والمناظر التي يراها ، والآثار التاريخية التي يصل إليها .
ولنأخذ نموذجاً مختصراً من فيض يموج ، يصف دمشق فيقول :
" ... والبساتين التي يضلّ فيها النظر سكران من الفتون ، وهذه المنارات وهذي القباب ، والمسجد الذي تكسّرت على جدرانه أمواج القرون وهو قائم ، وارتدت عنه العصور وهو شامخ ، يروي لأبناء الأرض تاريخ الأرض ، منذ أن كان معبداً وثنياً إلى أن صار كنيسة نصرانية ، إلى أن غدا جامعاً إسلامياً .
وهذا الجبل الذي يفتر أبداً عن مثل ابتسامة الأمل في وجوه المطالب ...! لن تلقوا بعدها مدينة مثلها : ثيابها زهر ، ونسيمها عطر ، وحديثها شعر ، وجمالها سحر ...! إنها أقدم مدن الأرض العامرات ، ماتت أخواتها من دهور وبقيت سالمة "(9) .
لا تنفد النماذج لو أردنا زيادة الاقتباس ، ولكننا نهدف إلى الإشارة إلى أسلوبه ، والتلميح إلى بيانه .

نقده الأدبي :
ولا تقف الظاهرة الأدبية في كتابته فقط ، وأسلوبه وصوره وسائر خصائصها ، ولكنه ناقد فنان بنقده ، محلل للنص الأدبي مبدع في تحليله ، كأنَّه نهج خاص به كذلك ، ينطلق من ذوق عال ، وحس مرهف ، واطلاع واسع ، وذكاء حاد ، كتب رسالة في التحليل الأدبي سنة 1934م ، ظل راضياً عنها أبداً ، معجباً بها ! كانت الرسالة في أقل من عشرين صفحة تكلم فيها عن الحقيقة ومكانها في الأدب ، وعرف الأدب ، وفرق بينه وبين النقد ، ثمَّ تحدث عن شخصية الأديب والعوامل التي كونتها(10) .
ومن خلال تدريسه للأدب كان يشرح القصيدة ويحللها تحليلاً جميلاً . وكان يكتب هذا التحليل . فله دراسة لقصيدة أبي تمام التي يصف بها حريق عمورية . وعلّق على وصف الطبيعة وجعل شعراءها ثلاث مراتب . أدناها يرى الطبيعة متحفاً ، وأوسطها يراها مرآة تتجلى فيها حالات نفسه ، وأعلاها أن يفيض الشاعر الحياة على الطبيعة ، فتحس كما يحس الأحياء ، وتفرح وتتألم ، وتفكر وتعتبر ، ويضرب مثلاً على ذلك بقصيدة البحتري في وصف بركة المتوكل ، وفيها يقول:(11)

[poem=font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ما بَـالُ دِجْلة كالغيرى تنافسها =في الحُسْن طَـوْراً وأطـواراً تُحَاكيها [/poem]

وكذلك قصيدة " الجبل " لابن خفاجة الأندلسي :

[poem=font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وَأَرْعَن طماح الذؤابة باذخ= يـطـاول أعـنان السماء بغارب[/poem]

وحين كان يدرس قصيدة جرير في رثاء زوجته عرض لكل من رثى زوجته من الشعراء في دراسة ممتعة ، وتحليل واف ، ونقد صائب . وكذلك مع سائر الموضوعات التي يطرقها في دراسته أو تدريسه فيحلل قصيدة بشار في وصف الجيش تحليلاً ممتعاً :
[poem=font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وجيش كجنح الليل يزحف بالحصى= وبـالشـوك والخطي حمر ثعالبه[/poem]
وكذلك يختار الروائع لأبي تمام وللمتنبي والبحتري ، ويجول فيها جولات الأديب الناقد ، والحس المرهف ، ويعيش مع قصيدة البحتري في وصف العرض العسكري يوم العيد ، كأنَّ القصيدة فِلْم يعرض الصورة والصوت ، وكأننا لا نزال نسمع الصوت بعد أكثر من ألف سنة (12).
إن اختيار هذه الروائع ليدل على الذوق العالي ، والاطلاع الواسع ، والموهبة المتفتحة . أديب وناقد ، وعالم متمكن غني الزاد . ولقد كان يكتب في مجلة الرسالة مقالات في السياسة ، والحماسة ، والأدب ، والنقد والقصص التاريخي . وكان يكتب في غير الرسالة أيضاً . عدد مقالاته لا يكاد هو يحصيها ، وما فقد منها أكثر مما بقي .
مؤلفاته :
ولم يقف عطاؤه عند هذا كله فحسب . ولكنه امتدَّ إلى المؤلفات ، فله ما يزيد عن أربعين كتاباً . فإذا بدأت قراءة واحد من هذه الكتب ، لا تكاد ترغب أن تتركه ، حتى لو هاجمك النعاس : قصص من التاريخ ، رجال من التاريخ ، قصص من الحياة ، في التحليل الأدبي ، سلسلة أعلام التاريخ ، وغير ذلك ، ففي كل ما يكتب هو مؤرخ وأديب وناقد في وقت واحد .... وحسبك " ذكرياته " في أجزائها الثمانية ، علم وأدب وتاريخ وأحداث وفقه ، مواهب جامعة ، ورجل جامع.
ولقد كتب المقدمة لعدد غير قليل من الكتاب والمفكرين ربما يزيدون عن خمسة وعشرين كاتباً . ولقد كتب مقدمة لأبي الحسن الندوي ـ رحمه الله ـ كان يعتز بها الندوي ، ولمحمود الصواف ، ومقدمة ديوان أنور العطار ، وغير ذلك .
شهادات :
ولقد كتب عنه كثيرون ولعل كلمة الزيات في مجلة الرسالة تلقي الضوء على مكانة شيخنا الطنطاوي : " الأستاذ علي الطنطاوي أو الشيخ علي الطنطاوي كما يجب أن يدعى ، ثمرة ناضجة من ثمار الثقافة العربية الحديثة ، ثقف علوم الدين وعلوم اللسان ثقافة محيطة ، ثمَّ درس القانون دراسة فقهية . وشارك في إيقاظ النهضة الفكرية والدينية والاجتماعية في سوريا مشاركة منتجة فله في قيادة الشباب محل ، وفي توجيه الآداب طريقة ، وفي سياسة الإصلاح مذهب ..." .
وكتب العقاد عن مقالة له : " ومن أصغى إلى هذا الخطيب المطبوع وهو يتكلم علم أن أداة البيان قد تمت له لفظاً وحساً ، كما تمت له بداهة ومعنى ، فصوته من تلك الأصوات الغنية ـ كما يقولون في اللغات الأوروبية ـ لا تحس فيها جهداً ، ولا حاجة إلى جهد ، لأنه يملك عليك جوانب السمع " .
إنه أديب مطبوع ، جعل من الأدب منزلة عالية في حياة الأمة ، وأوضح سبيله ، وخاض غماره . فاسمعه يقول(13) :
" الأديب في الأمة لسانها الناطق بمحاسنها ، الذائد عن حماها ، وقائدها إلى مواطن فخرها وذرى مجدها . فهل عندنا الأديب الذي عرف آلام الأمة وآمالها ، وبحث فيما يسرها ويسوؤها ، ثمَّ جرد قلمه لتصوير آلامها والسعي لإبلاغها آمالها " .
وأفاض في وصف الأديب الذي تحتاجه الأمة ، حتى قال : " كنَّا نأمل أن ينشأ فينا مثل هذا الأديب .... حتى فاجأنا صوت خرج من حلق وطني بإيعاز أجنبي ، يقول لأدبائنا : دعوا الوطن وشأنه ، لا تسخِّروا أدبكم له ، ولا تتعبوا أنفسكم من أجله ، بل الهوا والعبوا ، فما الأدب إلا ألهية .." .
حكم ومواعظ :وله أقوال جميلة ومواعظ بالغة ، نأخذ منها قطوفاً يقول في إحدى مقالاته(14): " كم ضاع صوت حق في صخب العامة " ونقول نحن اليوم : لقد طلع علينا ضجيج فوق ضجيج ، وصخب فوق صخب ، ضاع معه صوت الحق وصخب العامة " .
وقال في كلمة له عن فلسطين : " ردنا الله إلى ديننا ليردها إلينا "(15) .
ويقول عن الحاجة إلى التفكير في قضايانا لا مجرد ترديد القديم : " كان هناك مشايخ عاكفون على كتبهم في حلقاتهم ، يكررون غالباً قراءة ما قرؤوه على مشايخهم ، فما كانوا يزيدون عليها ، يَزِنون ما جدَّ في عصرهم بميزانها ، ولو كانت هذه القضايا على أيام مؤلفي هذه الكتب لبينوا حكم الله فيها ، أيام كان العلماء يذكرون أن الإسلام لكل زمان ومكان . وهذه الكرات " أي الرؤوس " التي ركبها الله بين أكتافهم جعل فيها دماغاً أداة تفكير ، لم يجعلها صندوقاً لشريط تسجيل " (16).
رحمك الله أيها العالم الشيخ ، الأديب الناقد ، الفقيه البصير ! لا أظنَّ أني أوفيتك حقك ! ولكنها كلمة موجزة ، أختمها بالدعاء والإلحاح فيه ، ليغفر الله لك ،
ويكرم نزلك عنده ، في درجة عالية من الجنَّة .
--------------------------------------------------

(7) السابق ، ج2 ، ص : 288 .

(8) السابق ـ ج2 ، ص : 217 .

(9) السابق ، ج 3 ، ص : 41-42 ، 46-47 .

(10) السابق ، ج3 ، ص : 38 .

(11) السابق ، ج3 ، ص : 309-314 .

(12) السابق : ج4، ص : 6-12 .

(13).السابق ، ج2 ، ص : 204-207 .

(14) السابق ، ج2، ص : 65

(15) السابق ، ج2 ، ص : 117 .

(16) السابق ، ج2 ، ص : 35 .
----------------------------------------------------

(1) ذكريات علي الطنطاوي ، ص : ( 35) .

(2) المرجع السابق ، ج2 ، ص : ( 77 84 ، 56 ، 61، 106، 153، 198، 234، 246 ) .

(3) السابق : ج1 ، ص 159 ، ج2 : ص 8 ، 56، 62، 68، 155، 159 ، 234، 235 .

(4) السابق : ج2 ، ص : 9 ، 26-29 .

(5) السابق : ج4 ، ص : 32-34 .

(6) السابق : ج2 ، ص : 55 ، ج4 ، ص : 43 .

[/align]
 
رحم الله هذا الشيخ المصلح الصادق ، ولا نزكيه على الله ..
يكفيه فخراً استعلانه بنبذ كل مظاهر التغريب ، في وقتٍ انبهر فيه كثير من لداته وأقرانه بذلك ..
يكفيه فخراً ثباته في مواجهة الموجه العارمة التي استقصدت شباب الأمة خصوصاً في بلاد الشام ـ أيام شبابه ـ وحديثه الذي يفيض يقيناً بالاعتزاز بمبادئ الدين العظيم ، وينضح نصحا ًوصدقاً في رد الأمة إلى الجادة ، حسب جهده وطاقته ..
لقد كان داعية يوم أن لا دعاة إلا النزر اليسير ..
وكان مصلحاً يوم أن كان المصلحون في وقته قلة قليلة ، والصادعون منهم بالحق أقل ..
إنك لتقرأ مقالاته اليوم فتشعر بالصدق .. والنصح .. والأثر الطيب ..
فرحم الله الشيخ علياً ، وأنزل على قبره رحماته تترى ..
 
رحم الله هذا الشيخ المصلح الصادق ، ولا نزكيه على الله ..
يكفيه فخراً استعلانه بنبذ كل مظاهر التغريب ، في وقتٍ انبهر فيه كثير من لداته وأقرانه بذلك ..
يكفيه فخراً ثباته في مواجهة الموجه العارمة التي استقصدت شباب الأمة خصوصاً في بلاد الشام ـ أيام شبابه ـ وحديثه الذي يفيض يقيناً بالاعتزاز بمبادئ الدين العظيم ، وينضح نصحا ًوصدقاً في رد الأمة إلى الجادة ، حسب جهده وطاقته ..
لقد كان داعية يوم أن لا دعاة إلا النزر اليسير ..
وكان مصلحاً يوم أن كان المصلحون في وقته قلة قليلة ، والصادعون منهم بالحق أقل ..
إنك لتقرأ مقالاته اليوم فتشعر بالصدق .. والنصح .. والأثر الطيب ..
فرحم الله الشيخ علياً ، وأنزل على قبره رحماته تترى ..

[align=justify]بارك الله فيك أخي الفاضل الشيخ د: عمر المقبل

وجزاك الله خيرا على ما قدمت من بيان ونحن في بلاد الشام عندما نتطلع إلى قاضي الشرع الأول فيها الشيخ على الطنطاوي إنما نتطلع إلى منارة علم وأدب وأخلاق فهو الداعية الأسوة والقدوة في حياته في الدفاع عن هذا الدين الذي تكالبت عليه الأفكار والمبادئ المستوردة فوقف الشخ طودا مانعا بحول الله وقوته في وجه تلك الهجمات .
رحم الله الشيخ علي الطنطاوي وعوضه الجنة ... وحياك الله وبياك من معلم للأجيال وجعل مثوانا ومثواك أعالي الجنان
[/align]
 
عودة
أعلى