إشارة القُرآن والسُنة للسقوط الحُر بكلمة (خَرَّ)

إنضم
08/02/2024
المشاركات
37
مستوى التفاعل
6
النقاط
8
العمر
51
الإقامة
مصر، المنصورة
إشارة القُرآن والسُنة للسقوط الحُر بكلمة (خَرَّ)

قال تعالى (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ).

يظن أصحاب فرضية الأرض المُسطحة أن هذه الآية تنفي الجاذبية فظاهرها أن الريح تحمل الجسد وتهوي به. فأقول وبالله التوفيق لو صح ذلك لكان السقوط من بدايته إلى نهايته بفعل واحد هو (تهوي) فيُقال مثلاً (ومن يشرك بالله فكأنما تهوي به الريحُ من السماء)، ولكن الآية جعلت السقوط بفعلين على مرحلتين؛ الأولى بدأت زماناً ومكاناً قبل الوصول لمنطقة الطير والريح، وفعلها (خر)، ولأن الجسم غير ممسوك عن السقوط والأرض تجذبه فخر إليها في رحلة سقوط حُر. أما الثانية فبدأت زماناً ومكاناً بعد الوصول لمنطقة الطير والريح، وفعلها (تهوي)، فقاومت الريح السقوط الحر وحملت الجسد في رحلة سقوط موجه لمكان سحيق.

ومع أن أفعال الحركة من أعلى لأسفل في لغة العرب كثيرة مثل سقط، هبط، نزل، وقع، إلا أن النص الإسلامي اختار الفعل (خرّ) لما له من مدلولات لغوية تصف بدقة ما يحدُث أثناء السقوط الحر، كما تم اختيار الفعل (تهوي) الذي أضاف تأثير قوة الريح التي تقاوم جاذبية الأرض فيمكنها حمل الأجسام وتوجيه سقوطها لأماكن بعيدة عن مكان السقوط الأصلي. وهذا الإختيار المُعجز للفعلين (خرّ) و(تهوي) يتوافق مع ما سجله العلم في قفزات السقوط الحر من السماء، وسقوط الأجسام عند الكواكب والنجوم، وإليكم التفصيل.

لماذا خر الجسم من السماء بإتجاه الأرض؟

لأن هذا الجسم واقع في مجال جذب الأرض التي تجذبه لأسفل، ولا توجد قوة مُضادة ترفعه لأعلى أو تُمسكه عن السقوط. وسبق ان شرحت ذلك بالتفصيل في مقال (إشارات قُرآنية للجاذبية وإمساك المرفوع عن السقوط أو الزوال)، فبينتُ كيف جعل الله الأرض جاذبةً لما عليها بقوله تعالى (ألم نجعل الأرض كفاتا)، وبينتُ كيف أن الجسم إذا رُفع عن الأرض فلابد من قوة تُضاد قوة الجاذبية لتُمسكه عن السقوط، فإذا حدث إتزان بين القوتين حُفظ الجسم من السقوط أو الزوال، وهذا هو المُشاهد في حالة كُل سقف سماوي مرفوع ومحفوظ، وهذا رابط المقال للمزيد:

تحديد نقطة بداية السقوط في آية (خر من السماء).

دل خطف الطير وتأثير الريح في الآية على أن السقوط تم داخل الغلاف الجوي الذي يمتد إلى بداية السماء الدنيا، وقد بينت ذلك في بحث (هل يمتد الغلاف الجوي بين الأرض والسماء الدنيا؟!)، على الرابط التالي:

يتكون الغلاف الجوي من عدة طبقات على امتداد ٦٠٠ ألف كم تقريباً. أقرب طبقة للأرض التروبوسفير بسمك حوالي ١٠ كم، وفيها الطير والريح، ثم الاستراتوسفير بسمك ٥٠ كم، وفيها تقل كثافة الهواء بشكل كبير وتكاد تخلو من التقلبات الجوية والعواصف، ثم الميزوسفير بسمك ٢٠ كم ثم الثيرموسفير بسمك حوالي ٥٠٠ إلى ١٠٠٠ كم، وبه محطة الفضاء الدولية والأقمار الصناعية، ثم الأيونوسفير فالاكسوسفير والماجنيتوسفير.
وكلما ارتفعنا للأعلى تقل كثافة الهواء فيمكن للجسم الذي يسقط من الاستراتوسفير أو أعلاها أن يمارس السقوط الحر بتأثير الجاذبية دون أن يُعاني مقاومة الهواء.

مما سبق يمكن القول أن الجسم خر من منطقة تعلو منطقة التروبوسفير حيث كثافة الهواء قليلة فيمكن حدوث السقوط الحر، ومما يؤكد ذلك:

١. تم ذكر الخر من السماء قبل ذكر الوصول إلى الطير والريح وكلاهما في منطقة التروبوسفير.

٢. صيغة الفعل الماضي (خر) تثبت أن الخر استغرق وقتاً في الزمن الماضي قبل الوصول لمنطقة الطير والريح، والخر يفيد السقوط السريع فمعنى ذلك أنه قطع بسرعته مسافة كبيرة قبل أن يصل لمنطقة الطير والريح.

٣. عند الوصول لمنطقة الريح تغير فعل السقوط من (خر) إلى (تهوي) للدلالة على ظهور أثر الهواء كما سنرى لاحقاً، بما يعني أنه لم يكن له أثر أثناء زمن الخر.

٤. كلمة (سحيق) في نهاية الآية تدُلُ على العُمقِ الشديد بين نقطة بداية السقوط ونقطة نهايته والله أعلم.

لماذا اختار الله الفعل (خَرَّ) من بين أفعال الحركة من أعلى لأسفل لوصف السقوط أعلى منطقة الريح؟

بالعودة لمعاجم اللغة العربية مثل لسان العرب وتاج العروس وأيضاً لمفردات غريب القرآن للراغب الأصفهاني، سنجد أن كلمة (خرّ) هي الوحيدة من ألفاظ الحركة من أعلى لأسفل التي تُشير لسقوط حاد وشديد وسريع يصحبه اضطراب وتقلُب للجسم الساقط وصوت شديد كخرير الماء وخرير الريح، وربما يؤدي للموت.

خرَ: سقط بسرعة من علُوٍّ إلى سُفْل
خرّ : اضطراب وسقوط مع صوت
خرّ: الخر سقوط يسمع منه خرير، والخرير يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو
خر: مات

يقول د. حسن المصطفوي في كتابه تحقيق في كلمات القران الكريم (ج3 ، ص 44-46):
[أصل مادة خر هو اضطراب وسقوط مع صوت مخصوص بهذه الحالة، ولا يبعد أن يكون الأصل هو الصوت المخصوص مع السقوط، و فيه دلالة على شدّة وقوّة وحدّة في السقوط.....انتهى باختصار].

ويقول د. محمد الصغير في كتابه الصوت اللغوي في القرآن (ص ١٨٥ الى ١٨٨)؛
[الخرّ يأتي بمعنى السقوط من شاهق، والخرير يستعمل لصوت الماء أو الريح، فلم يرد الله مجرد السقوط من «خر» وإنما أراد الصوت مضافا إليه الوقوع والوجبة في إحداث هذا الصوت، مثل الصوت الذي يصحب {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ}، و{تخر الجبال هدا}، و{فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجن}، و{خر موسى صعقا}...... انتهى باختصار].

ويقول د. عبدالله الهتاري أستاذ اللغة والبيان بكلية الأداب بجامعة قطر في مقال بعنوان (التصوير البياني في قوله تعالى خر من السماء):
"خرّ" فيه دلالة على سرعة حصول السقوط دون تماسك أو انتظام، كما يوحي به جرس اللفظة وقصرها وخفتها، وتكرار صوت الراء فيه إشارة إلى تكرار السقوط والهوي والتقلب في الهواء، فالملحوظ هو سرعة الحركة مع عنفها وتعاقب خطواتها......انتهى باختصار.

والسؤال الذي ينبغي أن يدور بعقولنا الآن، هل تتحقق هذه المعاني كُلها إذا سقط جسد من السماء فوق منطقة الطير والريح؟! (الجواب لاحقاً).

الفرق بين الفعل (خرٌ) والفعل (تهوي)

بعد استقراء أفعال الحركة من أعلى لأسفل في القرآن تبين لي أن الفعل (خرّ) يصف سقوط سريع لجسمٍ ما أسفل مكان السقوط مُباشرةً، ودون أن يتحكم في نفسه أو تتحكم فيه قوة أخرى أثناء إنجذابه للأرض، فالقوة الوحيدة التي تحكُم سقوطه هي الجاذبية. فإذا تحكّم الجسم في سقوطه، أو تحكمت فيه قوة أخرى أثناء السقوط فلا يوصف سقوطه بالفعل (خرّ).

بالمثال يتضح المقال، قال الله (تخر الجبالُ هدا)، و(خر السقف من فوقهم)، و(خر موسى صعقا)، و(فلما خر تبينت الجن).
نرى في كل هذه الأمثلة أنه عندما زالت قوة الإمساك التي تمنع الجسم من الإنجذاب للأرض، أصبحت القوة الوحيدة التي تؤثر على سقوط هذه الأجسام بإتجاه الأرض هي الجاذبية، والهواء لا يستطيع مقاومة سقوطها، فتسقط هذه الأجسام بسرعة شديدة أسفل مكان السقوط مُباشرةً.

لنقُم الآن بتطبق هذه القاعدة على آية (خرّ من السماء) لنفهم الفرق بين الفعل (خرّ) والفعل (تهوي به الريح)، سنجد أن الخر من السماء أعلى منطقة الريح يقتضي سقوط سريع للجسم أسفل مكان سقوطه وذلك بعد زوال قوة الإمساك له، وعندما يسقط ينبغي ألا يتحكم الجسم في سقوطه ولا تتحكم في سقوطه قوة أخرى ولا حتى مقاومة الهواء، فقط يسقط سريعاً لأسفل بجذب الأرض له، وكأنه سقف أو جبل يخر بإتجاه الأرض.

هذا هو المفهوم اللغوي والإستقرائي للفعل (خرّ)، وهذا والله وصف عجيب، فالآية جعلت سقوط جسمٍ ما أعلى منطقة الريح كسقوط سقف او جبل على الأرض، فهل العلم يوافق على ذلك؟!!! (الجواب لاحقاً).

عندما وصل الجسم لمنطقة الريح تغير وصف السقوط من (خرّ) إلى (تهوي به الريح) فدل ذلك على أن الجسم لم يعُد يسقُط لأسفل بقوة الجاذبية فقط وإنما ظهرت قوة جديدة تؤثر على سقوطه وهي الريح التي تقاوم الخر السريع وتحمل الجسد وتتحكم فيه فتأخذه لمكان سحيق، فناسب ذلك الفعل (تهوي).

وبالعودة للمعاجم اللغوية نجد أن:

هوى أصل صحيح يدل على الخواء وأصله الهواء بين الأرض والسماء.
هوَى الشَّخصُ أو الشَّيءُ :تمايل وسقط من عُلوٍ إلى سُفْل
هَوَى فِي سَيْرِهِ : مَضَى، أَسْرَعَ
هَوَتِ الدَّابَّةُ بِرَاكِبِهَا : أَسْرَعَتْ

وبذلك يتبين لنا أن الإنتقال من الفعل (خرّ) إلى الفعل (تهوي) هو أمر مُتعمد عن علم بتغير الوسط الذي يتحرك فيه الجسم الساقط فبمجرد أن دخل لمنطقة الهواء الكثيف (الريح) أصبح الجسد يتمايل في سقوطه وهو محمولاً بالهواء فناسبه الفعل (تهوي) الذي يُشير للهواء والسقوط والتمايل مع إتجاه حركة الريح، وتأثير قوتين على سقوط الجسد (الهواء والجاذبية).

ولكن هل يوافق العلم أن الوسط الذي يسقُط فيه الجسم أعلى منطقة الريح مُختلف عن الوسط الذي يسقط فيه الجسم في منطقة الريح؟!!! وأن الجسم أعلى منطقة الريح يسقط بقوة الجاذبية فقط، وفي منطقة الريح يسقط تحت تأثير قوتين؟! (الجواب لاحقاً).

مما يؤكد صحة الإستقراء السابق الأمور التالية:

١. لغةً نقول هوى الإنسان في سيره وهوت الدابة، وهوى بيده إلى الشيء أو اهواه إلى الأرض، وهذه الأمور كُلها تقتضي تدخل القوة العضلية بجوار قوة الجاذبية، ولذا لا توصف أبداً بالفعل (خرّ). بينما لما فقد موسى وعيه، ومات سُليمان وهو مُتكأ على عصاه، فقد كُلٌ منهُما قوته العضلية وتحكمه في جسده، ولذا وصف الله سقوطهما بالفعل (خرّ) فقال عن موسى (خر موسى صعقا)، وقال عن سليمان (فلما خر تبينت الجن).
وحتى الذين خروا لله سُجدً، ناسبهم الفعل (خرّ) لبيان الخضوع التام لله فكأنهم فقدوا القدرة على التحكم في أجسادهم كالذي مات أو صُعق من هول الموقف، فالأصل في السقوط للسجود أن يُذكر الفعل (يهوي)، وهو ما فعله النبي في حديث تعليم الصلاة حين قال (ويُكبر حين يهوي ساجدا)، وفي ذلك دليل على أن الخر للسجود حالة استثنائية والله أعلم.

٢. لما تكلم الله عن سقوط ورق الشجر لم يستخدم الفعل (خرّ) ولكن قال (وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها)، وفي ذلك إشارة لاختلاف سقوط الورقة عن سقوط السقف والجبل، فالورقة يتحكم فيها الهواء فتتمايل بتأثيره وتسقُط بعيداً عن مكان السقوط.
الآن تذكروا تجرُبة إسقاط المطرقة والريشة من مكان مرتفع، وكيف خرت المطرقة سريعاً وهوت الريشة تتمايل بتأثير الهواء، هل ترون وجه الشبه بين نتيجة هذه التجربة وبين طريقة وصف سقوط السقف والجبل والورقة في القرآن؟!!! أو طريقة وصف سقوط الجسم من السماء حيث الفعل (خرّ) أعلى منطقة الريح، والفعل (تهوي) بعد الوصول لمنطقة الريح (أترك الجواب لكم، وأثق في إنصافكم).

٣. لما وصف الله سقوط قُرى قوم لوط وجعل عاليها سافلها، قال عنها (والمؤتفكة أهوى) ولم يقل (والمؤتفكة خرت)، مع أنها سقطت سريعاً أسفل مكان السقوط. فهل ظهرت قوة جديدة غير الجاذبية وأهوت بالقُرى لأسفل؟
الجواب هو نعم هناك قوة إضافية غير جذب الأرض قلبت هذه القُرى، سواء نسبنا هذه القوة لجبريل كما تقول التفاسير أو للزلازل والخسف كما يقول الجيولوجيون، فقد هوت القُرى بتأثير قوتين، قال الرازي في التفسير الكبير (أهواها من الهوي إلى الأرض من حيث حملها جبريل عليه السلام على جناحه ، ثم قلبها ، أو كانت عمارتهم مرتفعة فأهواها الله بالزلزلة)، والله أعلم.

#سؤال
قد يقول قائل فما بال آية (والنجم إذا هوى)، هل تعني أن النجم سيقع على الأرض تحت تأثير قوتين؟!

فأقول وبالله التوفيق لا يوجد في سياق الآية ما يدُل على أن النجم يهوي في إتجاه الأرض لنقول بأنه في حالة سقوط على الأرض كما في آية (والمؤتفكة اهوى)، وآيات خر الأجساد بإتجاه الأرض.
ولفظة (هوى) من ألفاظ الأضاد، وهي اللفظة التي تُطلق على معنيين مُتضادين مثل (جَلَل) للكبير والصغير و(عسعس) أقبل وأدبر، وأيضاً (هوى) بمعني طلع وارتفع أو بمعنى سقط وغرب، ذكر ذلك الألوسي في تفسيره ومعاجم اللغة العربية.
ومن وجهة نظري القاصرة الجمع بين المعنيين مُمكن وهو الأولى عندي، فالنجوم في أعيُن الناظرين تغيب عن مكان لتطلُع على آخر، فهي في هويٍ مُستمر ليهتدي بها الناس في كل زمانٍ ومكان.
وأيضاً نفس الضدين (طلع وارتفع - سقط) يمكن التوسع في إستخدامهما لوصف موت النجوم على مرحلتين، أولاهما تمدُد المادة الغازية للنجم وارتفاعاها لأعلى ( expansion)، ثم بعد ذلك انهيار وسقوط مادة النجم على نفسها ( collapse)، وذلك إذا ثبت يقيناً أن النجوم تموت بهذه الكيفية.

معنى سحيق وتحديد نقطة نهاية السقوط

كُل آيات (خرّ) في القُرآن دلت على سقوط سريع بصوت مرتفع في نفس مكان الخر وليس بعيداً عنه، ولذا كان من المُفترض أن يستخدم الله العُمق للدلالة على الإرتفاع فيقول (في مكانٍ عميق)، فلماذا سحيق!!!.

أجمعت معاجم اللغة العربية على الآتي:

مكان سحيق : بعيد مُهلك، والسُّحْقُ : البُعْدُ الشديدُ
سحيق : عميق
سحيق: مسحوق مدقوق

وعليه فكلمة سحيق دلت على العُمق (البُعد الرأسي)، كما دلت بمعنى (بعيد) على الإنزياح بعيداً عن مكان السقوط بسبب الريح التي تجري بالجسم من مكان لآخر، كما دلت كلمة سحيق على الهلكة التي سيعانيها الجسم الساقط.

من الناحية العلمية قوة الريح يمكنها التغلُب على قوة الجاذبية، فرياح بسرعة ١٠ م في الثانية يمكنها جر جسم ساقط من ارتفاع ٣٠ متر مسافة أفقية تُقدر بحوالي ٢ متر بعيدا عن مكان السقوط، فتخيلوا معي قدرة رياح بسرعة ٧٠ الى ١٣٠ كم في الساعة، وسقوط جسم من ارتفاع عشرات الكيلوميترات، مؤكد ستأخذه الريح لمكان يبعد عدة كيلوميترات عن مكان السقوط كما هو مُبين في المقال التالي بعنوان (تأثير الريح على الإنزياح الأفقي لسقطة مُميتة من الأعلى) :
Effect of Wind on Horizontal Displacement of Fatal Fall from a Height.

الوصف العلمي لقفزات السقوط الحُر من السماء

في الفيزياء الكلاسيكية لنيوتن يُقال للجسم أنه في حالة سقوط حر إذا كانت الجاذبية هي القوة الوحيدة المؤثرة عليه أثناء حركته، وحسب هذا التعريف لا يكون القافز بالمظلات في حالة سقوط حر حتى قبل فتح المظلة إذا كان يُعاني مقاومة الهواء، وهي قوة تعارض قوة الجاذبية.
ولذا نشأت فكرة القفز من داخل منطقة الاستراتوسفير من دون مظلات، ثم تُفتح المظلة داخل منطقة التروبوسفير، وذلك لتحقيق شرط السقوط الحر، فكُلما إرتفعنا لأعلى تقل كثافة الهواء بعد التروبوسفير، ويمكن للجسم أن يمارس السقوط الحر بتأثير الجاذبية دون أن يُعاني مقاومة الهواء، ولو كان الإرتفاع مُناسب فسيصل لسرعة الصوت وربما يخترقها، وللمزيد عن السقوط الحر:

وقد جرت عدة محاولات ناجحة للسقوط الحر من منطقة الاستراتوسفير بدأها جوزيف کیتینجر (ضابط في سلاح الجو الأمريكي) عام ١٩٦٠م، حيث قفز من ارتفاع ٣١ كم، وكانت أقصى سرعة وصل لها هي ٩٨٨ كم /ساعة، ولم يصل لسرعة الصوت، وللمزيد:

ثم قام فيليكس باومجارتينر (رائد فضاء نمساوي) عام ٢٠١٢م بالقفز من ارتفاع ٣٩ كم فاستطاع أن يخترق سرعة الصوت ووصل لسرعة له ١٣٤٢ كم /ساعة، وللمزيد:

وأخيراً قفز آلان يوستاس (عالم كمبيوتر أمريكي) عام ٢٠١٤م، من إرتفاع ٤١.٤ كيلومتر، فتجاوز سرعة الصوت وحقق رقم قياسي جديد فكانت أقصى سرعة له ١٤٢٠ كم/ ساعة، وقد تم سماع اختراق حاجز الصوت لكُلٍ من فيليكس وآلان يوستاس من الأرض، وللمزيد:

قفزة فيليكس (أشهر قفزة سقوط حر في التاريخ).

بدأ فيليكس رحلته من مطار روزويل بولاية نيوميكسيكو بأمريكا بعد خمس سنوات من التحضير، فتم تصميم بدلة فضاء خاصة تحميه من انخفاض الضغط والحرارة والأكسجين، ومنطاد من مواد خاصة تقاوم انخفاض الضغط، وبالون هيليوم ضخم ليتمكن من رفع فيليكس والمنطاد لمنطقة الاستراتوسفير بأمان، وعندما وصل إلى ارتفاع ٣٩ كم تقريباً قام بالقفز، ولمشاهدة قفزته:

لأن كثافة الهواء في منطقة الاسترتوسفير كانت منخفضة جداً فقد خر جسد فيليكس لأسفل بسرعة شديدة دون ان يتمكن من التحكم فيه وأخذ يضطرب ويتقلب بشدة لمدة دقيقة ونصف تقريباً، ومع التسارع المستمر بدون مقاومة من الهواء وصل لسرعة الصوت ١٢٣٥ كم/ساعة بعد ٣٤ ثانية، ثم اخترقها مُحدثاً صوتاً شديداً، ووصلت أقصى سرعة له ١٣٤٢.٨ كم/ساعة بعد ٤٢ ثانية، ثم انخفضت سرعته بعد حوالي ٣ دقائق ونصف من الهبوط حيث بدأت كثافة الهواء في الزيادة، وبدأ الهواء يحمل جسد فيليكس ويعمل كالمكابح فقلت سرعة الهبوط، وكانت مدة السقوط الحر من لحظة القفز إلى أن فتح مظلته حوالي ٤ دقائق و١٩ ثانية.
وبعد فتح المظلة زادت مقاومة الهواء أكثر وحملته الريح لأسفل لمدة ٤ دقائق و٥٠ ثانية، فكان الزمن الكُلي للرحلة ٩ دقائق و٩ ثواني، وقد هبط فيليكس على بُعد ٢٣ ميل (٣٧ كم) للشرق من مطار روزويل حيث كان الإطلاق، وللمزيد عن فيزياء السقوط الحر لفيليكس:

خُلاصة ما سبق

من خلال الشروح اللغوية والبلاغية لآية (خرّ من السماء)، والشروح العلمية لقفزات السقوط الحر من منطقة الإستراتوسفير، تبين لنا أن هناك توافق كبير بينهما، فكُلٌ منهما مر بمرحلتين:

١. السقوط الحر ويمكن وصفه (خرّ من السماء).
حيث سقط الجسم لمسافة ليست بالقصيرة في منطقة تعلو منطقة الطير والريح حيثُ كثافة الهواء قليلة جداً ولا تقاوم سقوط الجسم فخرّ بسُرعة شديدة فاقداً تماسكه وإتزانه فإضطرب وتقلّب في سقوطه مرات كثيرة ولوقتٍ ليس بالقليل، وصاحب السقوط صوت شديد أمكن سماعه من الأرض عند اختراق حاجز الصوت، ولم يبتعد الجسم عن مكان السقوط، ومن شاهد فيلم قفزة فيلكس حتماً سيرى هذا بوضوح.

٢. سقوط موجه بالريح ويمكن وصفه (تهوي به الريح في مكان سحيق).
حيث يقوم الهواء الكثيف (الريح) بحمل الجسد لمكان سحيق من حيث العمق والإزاحة بعيداً عن مكان السقوط، وهذا ما رايناه في سقوط فيليكس حيث عرفنا كيف وصف إحساسه قبل حمل الهواء الكثيف له وبعده، وأيضاً راينا كيف هبط في مكان سحيق يبعُد ٣٧ كم للشرق من نقطة الإنطلاق.

كيف أشار النص الإسلامي إلى أن الأجسام تخرً في الأفلاك كما تخرً على الأرض؟

قال صلى الله وسلم (لَيودن رجُل أنَّهُ خَرَّ مِنَ الثُّرَيَّا و لمْ يَلِ من أَمْرِ الناسِ شيئًا)، أخرجه أحمد والحاكم والبزار، وقالوا صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم ٢٦٢٠.

فدل هذا الحديث على أنه إذا سقط جسم في منطقة النجوم والكواكب (الثريا) حيث لا يوجد هواء أو ريح لحمل الجسد فإنه سيخر بطريقة مشابهة لخر الأجسام على أرضنا. وأستطيع أن ازعم أن هذا الحديث سبق النسبية العامة لأينشتاين حين جعل خر الأجسام في فضاء الكواكب والنجوم مثل خرها على الأرض.

من الناحية العلمية قوانين السقوط الحُر على الأرض تنطبق على أجسام السماء على اختلاف أحجامها، فلا يهُم حجمها أو تركيبها ولا مقدار جاذبية الجسم الذي يجذبها وذلك بحسب قوانين النسبية العامة لأينشتاين والتي تم إثباتها في تجربة النظام النجمي الثُلاثي التي نُشرت بمجلة نيتشر:
Universality of free fall from the orbital motion of a pulsar in a stellar triple system

من الواضح أن النص الإسلامي قد إختار أمثلة السقوط بالفعل (خرّ) بعناية فائقة للدلالة على أن قانون خرّ الأجسام أو السقوط الحر يتحقق على الأرض وأعالي الغلاف الجوي، وأيضاً في الأفلاك عند الثُريا. فبالرغم من اختلاف أوزان الأجسام المذكور سقوطها في القرآن والسُنة وتنوع تركيبها، واختلاف إرتفاعاتها إلا أنها كلها وُصفت بالفعل (خرّ)، مثل (خرّ موسى)، و(خر عليهم السقف)، و(تخرُّ الجبال)، و(خرّ من السماء)، و(خرّ من الثريا).
وفي ذلك إشارة واضحة لتشابه طريقة السقوط بينها جميعاً، فكلها يخر أسفل مكان السقوط بسرعة وشدة وتتقلب أثناء سقوطها، ويُصاحب سقوطها صوت، وكلها لا يؤثر على سقوطها الوسط الذي تسقط فيه سواء كان الهواء على الأرض او مادة الوسط عند الثريا، وهذا ما نصت عليه النسبية العامة، والله تعالى أعلى وأعلم.

#سؤال ١
قد يقول قائل كُل الأجسام التي خرت على الأرض تسقط عمودياً اسفل مكان سقوطها، فهل تخر الأجسام عند الثُريا بنفس الطريقة؟
فأقول وبالله التوفيق أخبر الله أن الأجسام التي نراها في السماء الدنيا كالشمس والقمر وغيرها تسبح في الأفلاك (كُلٌ في فلكٍ يسبحون)، وكل فلك هو مستدير كما ذكر أهل العلم، ولذا فالجسم الساقط عند الثُريا سيكون في فلك دائري، وكل نقطة يصل لها الجسم في الفلك الدائري هي أسفل التي قبلها والله أعلم.

#سؤال ٢
قد يقول قائل؛ تبين لنا أن كلمة (خر) في القرآن يصحبها صوت لأن الخر تم في هواء الأرض، فماذا عن حديث النبي (خر من الثريا)، وذلك عند النجوم والكواكب حيث لا يوجد هواء لنقل الموجات الصوتية، ولا يوجد صوت في الفضاء، فهل أخطأ الحديث أم أخطأت أنت في فهم كلمة (خر) حين قمت بربطها بالصوت؟

فأقول وبالله التوفيق لا يوجد خطأ في الحديث ولا في كلامي، فالفهم اللغوي لكلمة (خر) أوضح من أن نختلف حوله، وإنما الخطأ في افتراض أن الفضاء يخلو من الجُسيمات، وأنه لا وجود للصوت في الفضاء وأن موجات الصوت لا تنتقل في الفضاء. فكل هذه الإفتراضات أصبحت أوهام، فالفضاء يحتوي جٌسيمات في الوسط بين النجوم والكواكب، ويمكن للصوت أن ينتقل عبرها من خلال موجات الجاذبية (Gravitional waves)، والتي تم إكتشافها ورصدها من خلال مرصد أمواج الجاذبية LIGO، وبذلك أمكن سماع صوت الكون، وللمزيد يمكن مُراجعة المقال الآتي بعنوان (يوجد صوت في الفضاء، شكراً لأمواج الجاذبية).
There is sound in space, thanks gravitational waves

ماذا عن قول الله (فتخطفه الطير)؟

ذكر الله خطف الطير للجسد الساقط من السماء قبل أن يذكر (تهوي به الريح)، فهل يُمكن أن نفهم من ذلك أن هناك طيور جارحة أعلى منطقة التروبوسفير، فوق الريح؟!!! هل يقع ذلك حقيقةً أم هو خيال؟!!!!

فأقول وبالله التوفيق، نعم ذكر الله هذا الترتيب ليُشير إلى وصول بعض أنواع الطيور الجارحة إلى إرتفاعات كبيرة جداً، فكان هذا الوصف على سبيل الحقيقةً، وهو وصف مُعجز ولا شك في ذلك، فلم يُعرف هذا الأمر إلا في زماننا بعد إمتلاك آلات الطيران والتصوير، فتم رصد الطيور على إرتفعات شاهقة لا تُدركها العُيون من على الأرض.

من المعروف أن أغلب الطيور نراها تطير على إرتفعات قريبة من الأرض، ولكن هناك أنواع تطير على إرتفاع ٥-٨ كم، وهناك أنواع اخرى مثل الإوز مُخطط الرأس (Bar-headed goose) يمكنه الوصول إلى إرتفاع ١٠ كم، وربما يصطدم بالطائرات ويتسبب في حوادث خطيرة، ولكنه لا يمكنه ان يخطف الإنسان في الجو فليس من الجوارح، وليس هو المقصود في الآية.
وبالبحث تبين لي أن بعض أنواع النسور يمكنه الوصول الى إرتفاع ١٠- ١٣ كم، ويمكنه خطف جسد كبير وجره للأسفل وهي طريقة صيد مشهورة عند النسور التي تُحب الصيد في جماعات. وهناك حادثة لطائرة فوق ساحل العاج إصطدمت بالنسر الأبقع (Rüppell's Vulture) على ارتفاع ١١.٣ كم، وللمزيد:
How High Can Birds Fly?

في الختام
لابُد أن نسأل أنفسنا من أين حصل النبي مُحمد صلى الله عليه وسلم عل كل هذه الحقائق التي إحتاجت عشرات السنوات من البحث العلمي، وكيف اختار هذه الألفاظ (خر - تهوي- سحيق) بدقة شديدة لتُخفي في طياتها معاني بليغة تُخبر بدقة عما حدث بالفعل في تجارب السقوط الحر من السماء وعند الثُريا. وكيف عرف أن هُناك طيور جارحة تطير أعلى منطقة الريح؟!.

حقيقة لا يوجد سوى جواب واحد (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى)، فالحمد لله على نعمة الإسلام، وكفى بها نعمة.

اللهُم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من ظنٍ أو خطأٍ أو سهوٍ أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.

د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر
 
عودة
أعلى