محمود عبدالله إبراهيم نجا
Member
إشارات قرآنية لوجود عقلاء في السماوات غير الملائكة
كثيرة هي محاولات العلماء قديما وحديثا للتواصل مع حضارات من خارج الأرض أو حتى العثور على دلائل تشير الى وجود حياة ما خارج الأرض، وما الأبحاث التي تدور حول المريخ وحضارته البائدة منا ببعيد. وكم سمعنا عن حكايات تروى عن سكان الفضاء الخارجي الذين زاروا الأرض وعن أطباق طائرة تمت مشاهدتها في جو الأرض وعن الامساك ببعض الكائنات الفضائية من قبل مخابرات بعض الدول التي تخفي العديد من الأسرار حول ذلك الملف الذي يعد سري جدا. بل ومن كثرة الهوس بالمخلوقات الفضائية وصل الحال ببعض العلماء لافتراض أن هناك كائنات فضائية أرقى هي من أوجدت الحياة على الأرض وأن هذه الكائنات الفضائية زاروا الأرض عدة مرات ولهم آثار غريبة عليها مثل رسومات كهوف تاسيلي والأهرمات العجيبة التي تنتشر في أماكن كثيرة من الأرض وأحجار ستون هينغ في بريطانيا الى غير ذلك من الظواهر الكثيرة التي لا تفسير عقلي واضح لها.
ولكن في النهاية تبقى كل هذه حكايات وفرضيات وظنون وأوهام لا دليل مادي عليها ولا ينبغي تصديقها من قبل المسلم حتى يأتوا ببرهان مبين، ومع ذلك فأنا على يقين من وجود أحياء خارج الأرض بل وعلى يقين من وجود حضارات عاقلة على كواكب أخرى سواء كانت بائدة او مازالت قائمة، وهذا اليقين ليس منبعه افتراضات ونظريات العلم الحديث وانما ناتج عن فهم وتدبر الكثير من آيات القرآن الكريم التي تشير بجلاء الى وجود الحياة خارج الأرض بل والى وجود عقلاء غير الانسان في أرجاء هذا الكون الفسيح.
■ الأدلة على وجود دواب في السماوات
من أصرح الأدلة القرآنية التي استدل بها أهل التفاسير على وجود أحياء في السماوات غير أحياء الأرض قول الله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ)، وبث فيهما أي في الأرض وفي السماوات.
ولعل البعض يقول دواب السماء هم الملائكة، مستشهدا ببعض التفاسير حيث قال بهذا القول ابو جعفر النحاس في معاني القرآن والطبري في تفسيره وكلاهما نقلا عن مجاهد وليس رأيا، وذكره بن كثير رأيا وليس نقلا حيث توسع في فهم الدواب فأدخل فيه الجن والملائكة بالاضافة لدواب الأرض، وايضا قال بذلك الألوسي.
فأقول وبالله التوفيق لا ليس المقصود بدواب السماء الملائكة وذلك للأدلة الآتية:
1. نص الله صراحة على أنه خلق كل دابة من ماء (والله خلق كل دابة من ماء) وبالطبع هذا يشمل دواب السماء، أما الملائكة فهم مخلوقون من نور كما هو ثابت معلوم من حديث أمنا عائشة (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم).
2. الملائكة لا تعرف المعصية وتعبد الله جبلة لا اختيارا فالله خلقهم مسلمين، أما دواب السماء المخلوقة من ماء فهي مخيرة بين الطاعة والمعصية يعبدون الله طوعا وكرها، لهم أن يقبلوا الاسلام أو يرفضوه.
قال تعالى عن الملائكة (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)
وقال تعالى عن دواب السماء (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)
3. فرق الله بين دواب السماوات وبين الملائكة في قوله تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)، فذكر الملائكة بعد الدواب في الآية فدل على أنهم ليسوا منهم، وعليه فدواب السماء أحياء أخرى غير الملائكة خلقها الله من ماء الا أن لها هيئات وأشكال وطريقة حركة تختلف عن تلك التي تخص مخلوقات الأرض فالله بقدرته يخلق ما يشاء، قال تعالى (يَخلقُ اللهُ ما يشاءُ. إن اللهَ عَلى كلّ ِشيءٍ قدِيرٌ).
4. وأيضا في قوله تعالى (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ)، قال ابن كثير والقرطبي وابن عاشور (ومن عنده) أي الملائكة، ففرق الله بين من في السماوات والأرض وبين من عنده من الملائكة، ففهمنا ضمنا أن من في السماوات والأرض هم مخلوقات أخرى غير الملائكة.
■ هل دواب السماء فيهم عقلاء
رأينا كيف أشار القرآن لوجود أحياء أو دواب مبثوثة في السماوات خارج الأرض التي نعيش عليها ولكن هل أشار أيضا الى أن هذه الدواب فيهم عقلاء مثل الانسان على الأرض؟؟؟
أقول وبالله التوفيق نعم فيهم عقلاء للأدلة الآتية:
1. قول الله تعالى (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضَِ) وقوله تعالى (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ)، ومعلوم أن من في اللغة العربية للعاقل وما لغير العاقل، ففي هذه الآية دليل على وجود عقلاء في السماوات كما أن هناك عقلاء في الأرض. ومعلوم أن كل ما في السماوات وما في الارض مملوك لله عاقل او غير عاقل (له ما في السماوات وما في الارض)، وعندما يخص الله العقلاء بالذكر (من في السماوات ومن في الأرض) فدل ذلك على تأكيد أنهم بالرغم من خلقهم عقلاء مخيرين بين الاسلام والكفر الا أنهم مملوكين لله قادر على التصرف فيهم كيفما شاء ولن تدفع عقولهم شيئا الا أن تخضع بالعبودية لربهم سبحانه وتعالى.
2. نعلم جميعا أن الله تعبد خلقه بالأمر (ألا له الخلق والأمر)، كما أنه دبر أمورهم الكونية بالأمر (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).
وكما أنزل الله أوامره لأهل أرضنا العقلاء فانه سبحانه وتعالى أخبر أن له أراضين غير أرضنا وله أوامر تتنزل على أهلها كالتي تنزل لنا بالشرائع والأوامر الكونية فقال تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)، ففهم الصحابة وأهل التفاسير من هذه الآية أن هناك أراضين كأرضنا يسكنها عقلاء مثلنا تتنزل لهم أوامر بشرائع مثل التي تأتينا وأوامر كونية من خلق واحياء واماتة وتصريف لأحوال المكلفين من سكان هذه الأراضي، ومن عظم ما في هذه الأراضي من أسرار كان بن عباس اذا سئل عن تفسير هذه الآية يقول (أخشى أن أحدثكم عنها فتكفروا).
■ بعض من صفات عقلاء السماوات وصفات كواكبهم
1. سبق الاشارة الى أنهم مخلوقات من ماء
2. أصحاب كواكب بها ماء
لما كان خلق دواب السماء من ماء مثل خلقنا فلابد أن كواكبهم بها الماء اللازم لحياتهم، وعليه لو وجدت حياة على كوكب آخر غير الأرض لكان لزاما أن يكون كوكب مائي، وسبحان الله حين يبحث العلماء عن أثر لوجود حياة خارج الأرض فان أول ما يبحثون عنه هو الماء، فهل هذا صدفة أن يذكر الله اعتماد كل مخلوقاته الحية على الماء في الآية التي تتحدث عن بدء خلق السماوات والأرض بفتق الرتق (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، بالطبع هذا الاخبار ليس صدفة ولكن اخبار من رب خبير عليم، فأي سبق هذا للقرآن أن ينص على وجود الحياة في كواكب أخرى بل وينص على وجود الماء بها.
ومن الناحية العلمية الماء منتشر في أرجاء السماوات كما هو على الأرض وربما أكثر وهذا ما اكتشفه العلم من وجود للماء في كواكب قريبة أو حتى على مسافات بعيدة جدا وبكميات قد تكون مهولة وفي أماكن متعددة، ويكفي فقط أن نكتب على العم جوجل (وجود الماء خارج الأرض) أو ( water outside earth) لنجد الكثير من الأدلة العلمية على وجود الماء خارج الأرض.
3. لكونهم دواب فهم مثلنا لهم أجسام كثيفة بحاجة لأرض صلبة يدبون عليها وتجذبهم اليها ولكن ربما بأشكال وكيفيات اخرى يعلمها الله.
مما يؤكد ان لهم أجسام كثيفة مثلنا ان لهم ظلال، قال تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۩)، وظلالهم أي ظلال من في السماوات ومن في الأرض، فجعل الله لهم ظلا كظلنا وذلك يتطلب جسم كثيف يمنع مرور الضوء خلاله ليتكون له ظل.
4. وجود ظل لدواب السماء يستدعي وجود شموس تشرق وتغرب بدورات لا يعلمها الا الله والشمس لا تظهر الا بغلاف جوي يجلي الشمس (والنهار اذا جلاها)، ويؤكد وجود شمس تشرق وتغرب وجود الغدو والأصال، فالغدو يشير الى اول النهار والأصال تشير الى وقت الغروب.
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير
(والظلال : جمع ظل ، وهو صورة الجسم المنعكس إليه نور . والضمير في ظلالهم راجع إلى من في السماوات والأرض. والظل مخصوصٌ بالصالح له من الأجسام الكثيفة ذات الظل تخصيصاً بالعقل والعادة ، وهو عطف على { من } ، أي يسجد مَن في السماوات وتسجد ظِلالهم .
والغدُوّ : الزمان الذي يغدو فيه الناس ، أي يخرجون إلى حوائجهم : إما مصدراً على تقدير مضاف ، أي وقت الغدو؛ وإما جمع غُدوة ، فقد حكي جمعها على غُدوّ ، وتقدم في آخر سورة الأعراف .
والآصال : جمع أصيل ، وهو وقت اصفرار الشمس في آخر المساء ، والمقصود من ذكرهما استيعاب أجزاء أزمنة الظل .
ومعنى سجود الظلال أن الله خلقها من أعراض الأجسام الأرضية ، فهي مرتبطة بنظام انعكاس أشعة الشمس عليها وانتهاء الأشعة إلى صلابة وجه الأرض حتى تكون الظلال واقعة على الأرض وُقوعَ الساجد).
5. دينهم الاسلام يقبلونه طوعا وكرها، فمنهم من يقبله عن اقتناع عقلي وطواعية ومنهم من يقبله مكرها بالسيف، وهذا يدل على وجود فريقين، فريق مؤمن وفريق كافر وأن جهاد اهل الكفر بالسيف ليس فقط لأهل الارض بل لأهل كل ارض في السماوات، قال تعالى
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)، وقال تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ والأصال)، قال اهل التفاسير كرها اي بالسيف.
6. قد علموا صلاتهم وتسبيحهم بلغاتهم التي علمهم الله اياها
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
)وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
7. مثلنا لا يعلمون الغيب ويموتون ولهم بعث ونشور يوم ينفخ في الصور
(قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)
(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا)
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ)
8. بعضهم أفضل حالا من حالنا
فقد ذكر تعالى أن هناك من هو أفضل عنده منا فقال (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).
9. بعضهم مفسد ويسفك الدماء
قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءََ).
فربما سبق وحدث هذا الاخبار بجعل خليفة في كواكب اخرى غير أرضنا، فلما شاهد الملائكة ذرية الخليفة تفسد وتسفك الدماء توقعوا أن يفعل خليفة ارضنا هذه الافعال السيئة، فتأذى الملائكة من ذلك مقارنين حالهم بحال هذا الخليفة (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)، ومعلوم أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
بالطبع هناك حوالى اربع اجتهادات اخرى لأهل التفاسير حول كيفية معرفة الملائكة بأن الانسان سيفسد ويسفك الدماء، ولكن لا دليل عليها وهذا محض اجتهاد مني قد اصيب فيه وأخطأ.
■ هل عقلاء السماء خلقوا عقلاء الأرض؟؟!!!!
من غرائب أهل زماننا أن بعض الكفار ومنهم الملاحدة على استعداد تام لتقبل وجود عقلاء (كائنات فضائية) في أجرام السماوات قد تكون هي سبب وجود الحياة على الأرض مع أنهم لم يشاهدوا عقلاء السماء، واذا حدثتهم عن الملائكة والجن والشياطين قالوا هذه خرافات في حين أنهم أنفقوا المليارات على أبحاث الفضاء للبحث عن كائنات فضائية حية ربما تكون أصل نشأتهم.
ولأن الله عليم بفكرهم وأقوالهم فقد أنزل في كتابه ما يصدمهم ويرد عليهم باطلهم فقال تعالى (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضَِ)، فأرسل الله في هذه الآية اشارة واضحة لجهلاء الأرض الذين تخيلوا أن لهم صانعاً عاقلاً من أهل السماوات، فقال لهم لو بحثتم في سماواته فوجدتم عقلاء غيركم فاعلموا أنهم خلق من خلق الله وليسوا لكم بخالقين، وهم عباد أمثالكم، فالله هو الذي زينهم بالعقل كما زينكم بالعقل، فليس لمخلوق على الاطلاق أن يدعى أنه هو صانع العقل أو أن العقل نشأ في الخلق صدفة، فمادة السماوات والأرض غير عاقلة وليس لفاقد الشيء أن يعطيه.
ولو افترضنا جدلاً أن هناك عقلاء من الفضاء خلقوا عقلاء الأرض، فهذا الإفتراض الباطل سيفتح باب لا ينتهي من الأسئلة عمن خلق عقلاء الفضاء، ثم من خلق خالق عقلاء الفضاء إلى مالانهاية في تسلسل مقيت لا يقبله العقل، وقد أبطل الله هذا التسلسل بقوله تعالى (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَلْ لَا يُوقِنُونَ)، وطالما لا يصح عقلا أن اللاشيء خلق الشيء، أو أن الإنسان خلق نفسه أو خلقته عقلاء السماء الذين هم بحاجة للخلق، ولا يصح طبعاً أن يخلق المخلوق السماوات والأرض ومعلوم أن خلقهما أكبر وأعقد من خلق الإنسان، ولذا لا يصح في العقل السليم إلا أن الله هو خالق كل شيء، فلله الحمد على نعمة العقل، وله الحمد على نعمة الإسلام.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من خطأ أو سهو او نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر
كثيرة هي محاولات العلماء قديما وحديثا للتواصل مع حضارات من خارج الأرض أو حتى العثور على دلائل تشير الى وجود حياة ما خارج الأرض، وما الأبحاث التي تدور حول المريخ وحضارته البائدة منا ببعيد. وكم سمعنا عن حكايات تروى عن سكان الفضاء الخارجي الذين زاروا الأرض وعن أطباق طائرة تمت مشاهدتها في جو الأرض وعن الامساك ببعض الكائنات الفضائية من قبل مخابرات بعض الدول التي تخفي العديد من الأسرار حول ذلك الملف الذي يعد سري جدا. بل ومن كثرة الهوس بالمخلوقات الفضائية وصل الحال ببعض العلماء لافتراض أن هناك كائنات فضائية أرقى هي من أوجدت الحياة على الأرض وأن هذه الكائنات الفضائية زاروا الأرض عدة مرات ولهم آثار غريبة عليها مثل رسومات كهوف تاسيلي والأهرمات العجيبة التي تنتشر في أماكن كثيرة من الأرض وأحجار ستون هينغ في بريطانيا الى غير ذلك من الظواهر الكثيرة التي لا تفسير عقلي واضح لها.
ولكن في النهاية تبقى كل هذه حكايات وفرضيات وظنون وأوهام لا دليل مادي عليها ولا ينبغي تصديقها من قبل المسلم حتى يأتوا ببرهان مبين، ومع ذلك فأنا على يقين من وجود أحياء خارج الأرض بل وعلى يقين من وجود حضارات عاقلة على كواكب أخرى سواء كانت بائدة او مازالت قائمة، وهذا اليقين ليس منبعه افتراضات ونظريات العلم الحديث وانما ناتج عن فهم وتدبر الكثير من آيات القرآن الكريم التي تشير بجلاء الى وجود الحياة خارج الأرض بل والى وجود عقلاء غير الانسان في أرجاء هذا الكون الفسيح.
■ الأدلة على وجود دواب في السماوات
من أصرح الأدلة القرآنية التي استدل بها أهل التفاسير على وجود أحياء في السماوات غير أحياء الأرض قول الله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ)، وبث فيهما أي في الأرض وفي السماوات.
ولعل البعض يقول دواب السماء هم الملائكة، مستشهدا ببعض التفاسير حيث قال بهذا القول ابو جعفر النحاس في معاني القرآن والطبري في تفسيره وكلاهما نقلا عن مجاهد وليس رأيا، وذكره بن كثير رأيا وليس نقلا حيث توسع في فهم الدواب فأدخل فيه الجن والملائكة بالاضافة لدواب الأرض، وايضا قال بذلك الألوسي.
فأقول وبالله التوفيق لا ليس المقصود بدواب السماء الملائكة وذلك للأدلة الآتية:
1. نص الله صراحة على أنه خلق كل دابة من ماء (والله خلق كل دابة من ماء) وبالطبع هذا يشمل دواب السماء، أما الملائكة فهم مخلوقون من نور كما هو ثابت معلوم من حديث أمنا عائشة (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم).
2. الملائكة لا تعرف المعصية وتعبد الله جبلة لا اختيارا فالله خلقهم مسلمين، أما دواب السماء المخلوقة من ماء فهي مخيرة بين الطاعة والمعصية يعبدون الله طوعا وكرها، لهم أن يقبلوا الاسلام أو يرفضوه.
قال تعالى عن الملائكة (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)
وقال تعالى عن دواب السماء (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)
3. فرق الله بين دواب السماوات وبين الملائكة في قوله تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)، فذكر الملائكة بعد الدواب في الآية فدل على أنهم ليسوا منهم، وعليه فدواب السماء أحياء أخرى غير الملائكة خلقها الله من ماء الا أن لها هيئات وأشكال وطريقة حركة تختلف عن تلك التي تخص مخلوقات الأرض فالله بقدرته يخلق ما يشاء، قال تعالى (يَخلقُ اللهُ ما يشاءُ. إن اللهَ عَلى كلّ ِشيءٍ قدِيرٌ).
4. وأيضا في قوله تعالى (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ)، قال ابن كثير والقرطبي وابن عاشور (ومن عنده) أي الملائكة، ففرق الله بين من في السماوات والأرض وبين من عنده من الملائكة، ففهمنا ضمنا أن من في السماوات والأرض هم مخلوقات أخرى غير الملائكة.
■ هل دواب السماء فيهم عقلاء
رأينا كيف أشار القرآن لوجود أحياء أو دواب مبثوثة في السماوات خارج الأرض التي نعيش عليها ولكن هل أشار أيضا الى أن هذه الدواب فيهم عقلاء مثل الانسان على الأرض؟؟؟
أقول وبالله التوفيق نعم فيهم عقلاء للأدلة الآتية:
1. قول الله تعالى (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضَِ) وقوله تعالى (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ)، ومعلوم أن من في اللغة العربية للعاقل وما لغير العاقل، ففي هذه الآية دليل على وجود عقلاء في السماوات كما أن هناك عقلاء في الأرض. ومعلوم أن كل ما في السماوات وما في الارض مملوك لله عاقل او غير عاقل (له ما في السماوات وما في الارض)، وعندما يخص الله العقلاء بالذكر (من في السماوات ومن في الأرض) فدل ذلك على تأكيد أنهم بالرغم من خلقهم عقلاء مخيرين بين الاسلام والكفر الا أنهم مملوكين لله قادر على التصرف فيهم كيفما شاء ولن تدفع عقولهم شيئا الا أن تخضع بالعبودية لربهم سبحانه وتعالى.
2. نعلم جميعا أن الله تعبد خلقه بالأمر (ألا له الخلق والأمر)، كما أنه دبر أمورهم الكونية بالأمر (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).
وكما أنزل الله أوامره لأهل أرضنا العقلاء فانه سبحانه وتعالى أخبر أن له أراضين غير أرضنا وله أوامر تتنزل على أهلها كالتي تنزل لنا بالشرائع والأوامر الكونية فقال تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)، ففهم الصحابة وأهل التفاسير من هذه الآية أن هناك أراضين كأرضنا يسكنها عقلاء مثلنا تتنزل لهم أوامر بشرائع مثل التي تأتينا وأوامر كونية من خلق واحياء واماتة وتصريف لأحوال المكلفين من سكان هذه الأراضي، ومن عظم ما في هذه الأراضي من أسرار كان بن عباس اذا سئل عن تفسير هذه الآية يقول (أخشى أن أحدثكم عنها فتكفروا).
■ بعض من صفات عقلاء السماوات وصفات كواكبهم
1. سبق الاشارة الى أنهم مخلوقات من ماء
2. أصحاب كواكب بها ماء
لما كان خلق دواب السماء من ماء مثل خلقنا فلابد أن كواكبهم بها الماء اللازم لحياتهم، وعليه لو وجدت حياة على كوكب آخر غير الأرض لكان لزاما أن يكون كوكب مائي، وسبحان الله حين يبحث العلماء عن أثر لوجود حياة خارج الأرض فان أول ما يبحثون عنه هو الماء، فهل هذا صدفة أن يذكر الله اعتماد كل مخلوقاته الحية على الماء في الآية التي تتحدث عن بدء خلق السماوات والأرض بفتق الرتق (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، بالطبع هذا الاخبار ليس صدفة ولكن اخبار من رب خبير عليم، فأي سبق هذا للقرآن أن ينص على وجود الحياة في كواكب أخرى بل وينص على وجود الماء بها.
ومن الناحية العلمية الماء منتشر في أرجاء السماوات كما هو على الأرض وربما أكثر وهذا ما اكتشفه العلم من وجود للماء في كواكب قريبة أو حتى على مسافات بعيدة جدا وبكميات قد تكون مهولة وفي أماكن متعددة، ويكفي فقط أن نكتب على العم جوجل (وجود الماء خارج الأرض) أو ( water outside earth) لنجد الكثير من الأدلة العلمية على وجود الماء خارج الأرض.
3. لكونهم دواب فهم مثلنا لهم أجسام كثيفة بحاجة لأرض صلبة يدبون عليها وتجذبهم اليها ولكن ربما بأشكال وكيفيات اخرى يعلمها الله.
مما يؤكد ان لهم أجسام كثيفة مثلنا ان لهم ظلال، قال تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۩)، وظلالهم أي ظلال من في السماوات ومن في الأرض، فجعل الله لهم ظلا كظلنا وذلك يتطلب جسم كثيف يمنع مرور الضوء خلاله ليتكون له ظل.
4. وجود ظل لدواب السماء يستدعي وجود شموس تشرق وتغرب بدورات لا يعلمها الا الله والشمس لا تظهر الا بغلاف جوي يجلي الشمس (والنهار اذا جلاها)، ويؤكد وجود شمس تشرق وتغرب وجود الغدو والأصال، فالغدو يشير الى اول النهار والأصال تشير الى وقت الغروب.
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير
(والظلال : جمع ظل ، وهو صورة الجسم المنعكس إليه نور . والضمير في ظلالهم راجع إلى من في السماوات والأرض. والظل مخصوصٌ بالصالح له من الأجسام الكثيفة ذات الظل تخصيصاً بالعقل والعادة ، وهو عطف على { من } ، أي يسجد مَن في السماوات وتسجد ظِلالهم .
والغدُوّ : الزمان الذي يغدو فيه الناس ، أي يخرجون إلى حوائجهم : إما مصدراً على تقدير مضاف ، أي وقت الغدو؛ وإما جمع غُدوة ، فقد حكي جمعها على غُدوّ ، وتقدم في آخر سورة الأعراف .
والآصال : جمع أصيل ، وهو وقت اصفرار الشمس في آخر المساء ، والمقصود من ذكرهما استيعاب أجزاء أزمنة الظل .
ومعنى سجود الظلال أن الله خلقها من أعراض الأجسام الأرضية ، فهي مرتبطة بنظام انعكاس أشعة الشمس عليها وانتهاء الأشعة إلى صلابة وجه الأرض حتى تكون الظلال واقعة على الأرض وُقوعَ الساجد).
5. دينهم الاسلام يقبلونه طوعا وكرها، فمنهم من يقبله عن اقتناع عقلي وطواعية ومنهم من يقبله مكرها بالسيف، وهذا يدل على وجود فريقين، فريق مؤمن وفريق كافر وأن جهاد اهل الكفر بالسيف ليس فقط لأهل الارض بل لأهل كل ارض في السماوات، قال تعالى
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)، وقال تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ والأصال)، قال اهل التفاسير كرها اي بالسيف.
6. قد علموا صلاتهم وتسبيحهم بلغاتهم التي علمهم الله اياها
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
)وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
7. مثلنا لا يعلمون الغيب ويموتون ولهم بعث ونشور يوم ينفخ في الصور
(قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)
(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا)
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ)
8. بعضهم أفضل حالا من حالنا
فقد ذكر تعالى أن هناك من هو أفضل عنده منا فقال (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).
9. بعضهم مفسد ويسفك الدماء
قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءََ).
فربما سبق وحدث هذا الاخبار بجعل خليفة في كواكب اخرى غير أرضنا، فلما شاهد الملائكة ذرية الخليفة تفسد وتسفك الدماء توقعوا أن يفعل خليفة ارضنا هذه الافعال السيئة، فتأذى الملائكة من ذلك مقارنين حالهم بحال هذا الخليفة (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)، ومعلوم أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
بالطبع هناك حوالى اربع اجتهادات اخرى لأهل التفاسير حول كيفية معرفة الملائكة بأن الانسان سيفسد ويسفك الدماء، ولكن لا دليل عليها وهذا محض اجتهاد مني قد اصيب فيه وأخطأ.
■ هل عقلاء السماء خلقوا عقلاء الأرض؟؟!!!!
من غرائب أهل زماننا أن بعض الكفار ومنهم الملاحدة على استعداد تام لتقبل وجود عقلاء (كائنات فضائية) في أجرام السماوات قد تكون هي سبب وجود الحياة على الأرض مع أنهم لم يشاهدوا عقلاء السماء، واذا حدثتهم عن الملائكة والجن والشياطين قالوا هذه خرافات في حين أنهم أنفقوا المليارات على أبحاث الفضاء للبحث عن كائنات فضائية حية ربما تكون أصل نشأتهم.
ولأن الله عليم بفكرهم وأقوالهم فقد أنزل في كتابه ما يصدمهم ويرد عليهم باطلهم فقال تعالى (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضَِ)، فأرسل الله في هذه الآية اشارة واضحة لجهلاء الأرض الذين تخيلوا أن لهم صانعاً عاقلاً من أهل السماوات، فقال لهم لو بحثتم في سماواته فوجدتم عقلاء غيركم فاعلموا أنهم خلق من خلق الله وليسوا لكم بخالقين، وهم عباد أمثالكم، فالله هو الذي زينهم بالعقل كما زينكم بالعقل، فليس لمخلوق على الاطلاق أن يدعى أنه هو صانع العقل أو أن العقل نشأ في الخلق صدفة، فمادة السماوات والأرض غير عاقلة وليس لفاقد الشيء أن يعطيه.
ولو افترضنا جدلاً أن هناك عقلاء من الفضاء خلقوا عقلاء الأرض، فهذا الإفتراض الباطل سيفتح باب لا ينتهي من الأسئلة عمن خلق عقلاء الفضاء، ثم من خلق خالق عقلاء الفضاء إلى مالانهاية في تسلسل مقيت لا يقبله العقل، وقد أبطل الله هذا التسلسل بقوله تعالى (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَلْ لَا يُوقِنُونَ)، وطالما لا يصح عقلا أن اللاشيء خلق الشيء، أو أن الإنسان خلق نفسه أو خلقته عقلاء السماء الذين هم بحاجة للخلق، ولا يصح طبعاً أن يخلق المخلوق السماوات والأرض ومعلوم أن خلقهما أكبر وأعقد من خلق الإنسان، ولذا لا يصح في العقل السليم إلا أن الله هو خالق كل شيء، فلله الحمد على نعمة العقل، وله الحمد على نعمة الإسلام.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من خطأ أو سهو او نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر