إسهام الفيروزأبادي في الحركة العلمية التفسيرية في زبيد

إنضم
12/05/2014
المشاركات
160
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الإقامة
أرض الكنانة
الأخوة الكرام هذا موضوع منشور على صفحات موقع الألوكة لكن لكثرة الموضوعات ربما لا يصل إليه أحد بسهولة فأحببت نشره هنا لتعم الفائدة على رواد الملتقى :
إسهام الفيروزأبادي في الحركة العلمية التفسيرية في زبيد

د. عبدالحكيم الأنيس


إسهامُ الفيروزأبادي في الحركة العلمية التفسيرية في زَبيد

من خلال كتابه تسيير فائحة الأناب في تفسير فاتحة الكتاب
[*]


نُسِبَ إلى أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه أنه قال: لو شئتُ لأمليتُ على الفاتحة سبعين وقراً[1]. ولعل هذا القول قد نبَّه أذهانَ العلماء إلى ما في الفاتحة من آفاق وأعماق، فذهبوا ينظرون فيها ويتأملون، ويتدبَّرون ويفسِّرون، ويغوصون في بحارها ويبحثون، حتى أصبح للفاتحة وحدها مكتبةٌ تفسيريةٌ كاملةٌ، وقد استطعتُ أَنْ أضع يدي على أربعة وعشرين كتاباً مستقلاً في تفسيرها إلى نهاية القرن الثامن الهجري (القرن الرابع عشر الميلادي)، ثم زاد العدد زيادة كبيرة، وهذا غير تفسيرها في التفاسير الكاملة والتي تبلغ المئات! وقد شاركتْ زبيد في هذه الحركة العلمية التفسيرية بكتابٍ كبيرٍ مهمٍّ، ذلك هو "تسيير فائحة الأناب (أي المسك) في تفسير فاتحة الكتاب " لقاضي قضاة المملكة اليمنية في عهد الملك الأشرف إسماعيل الرسولي وولده الناصر أحمد: مجد الدين الفيروزأبادي. وهذا الكتابُ كتبه مؤلِّفُهُ في زبيد، وقدَّمه إلى الأشرف، كما نجدُ في نسخته المصرية، وقد دفعني اشتغالي بخدمة القرآن إلى العناية والاهتمام بهذا الكتاب، فحصلتُ على نسخته اليمنية في مكتبة الأحقاف بتريم، وقد كُتِبتْ قبل أربع مئة واثنتين وستين سنة. ثم حصلتُ بعد ذلك على نسخته العراقية في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد، وهي منقولةٌ من نسخةٍ عليها خطُّ المؤلِّف، وقد أكلتْ منها الأرضةُ مواضع، كُتِبتْ هذه النسخة قبل خمس مئة وثماني عشرة سنة. ثم بعد انتظارٍ طويلٍ ومحاولاتٍ كثيرةٍ حصلتُ على نسخته المصرية في دار الكتب المصرية، وقد انفردتْ هذه النسخة بزيادة مهمة وهي تقديم الكتاب إلى الأشرف في أكثر من ثلاث أوراق، وهذا التقديم نثر وشعر، وهو يُلقي الضوءَ كثيراً على شخصية هذا السلطان، وتشجيعهِ وحبِّه للعلم، وتقديرهِ ورعايتهِ للعلماء، وينفعُ المؤرِّخين والباحثين كثيراً، فمِنْ ذلك قولُ المجد عن موقفه من العلماء أنه "لا تشغله مداورةُ شؤون السلطنة عن اصطناعهم، ولا التقلبُ في أعطاف الملك عن الأخذ بباعهم". وتطرَّق إلى مكانته العلمية الرفيعة فقال: "وما منا أحد يرد الحضرةَ – حُفَّتْ بالبشائر – بتأليفٍ غريبٍ، أو تصنيفٍ عجيبٍ، إلا وهو كحامل السِّحر إلى موسى بن عمران، أو النَبَطي يفاصِح معد بن عدنان، أو متحف الكمُّون إلى كُرَماء كِرمان". ثم قال: "وإني لما سعدتُ بظله العالي، والاستقلال بالالتجاء إلى كهف المكارم والمعالي، جاورتُ منه ملكاً بل بحراً، بل شاهدتُ فوق ذلك أمراً... ". ثم قال: "ولقد قطعنا شوطَ العمر في انتظار هذا اليوم بلعل وعسى، وبعنا بتراب نعله ملوكَ العصر بيع الملسى"!! (أي بيعاً بلا رجعة )، وهذا إلى كلامٍ آخر جعلني أُرجِّح أنه كان حديثَ الصلة به، وأنَّ هذا الكتاب أول كتاب يُهديه إليه. بحثي إذن يدورُ في هذا الفلك، ومِنْ هنا كان عنوانه (إسهام المجد الفيروزأبادي في الحركة العلمية التفسيرية في زبيد من خلال كتابه تيسير فائحة الأناب في تفسير فاتحة الكتاب)، وقد جاء في فصلين: الفصل الأول عن المجد الفيروزأبادي وفيه: مدخل إلى ترجمته، وقد تتبعتُ مصادرَ ترجمته وأخباره فبلغتْ (76) مصدراً، استطعتُ الرجوع إلى (61) كتاباً منها مابين مطبوع ومخطوط. وقد كَتبتُ دراسةً تحليليةً عنها، ولكني لم أستطع إثباتها لطول البحث، ورتبتُها حسب وفياتِ أصحابها، واستخرجتُ الأصيل من المقلِّد، فاعتمدتُ على الكتب الأصيلة، وأرحتُ نفسي من غيرها، مع نقلي للزيادات إنْ وُجِدت. وتناولت حياة المجد في ثلاثة مطالب: المطلب الأول: حياته قبل زبيد، منذ وُلِدَ في كارزين في أطراف شيراز، إلى أن استقرَّ في زبيد قبل وفاته بإحدى وعشرين سنة، مروراً بالمحطات الكبرى في حياته: العراق والشام ومصر والحجاز والهند. ومن هذا المطلب تتبينُ لنا عواملُ نبوغه وهي: 1- الرحلة الطويلة. 2- كثرة الشيوخ. 3- الحفظ. 4- سعة الاطلاع على الكتب. 5- سرعة القراءة 6- مداومة القراءة. وقد اجتهدتُ كثيراً في ترتيب حوادث حياته ومجرياتها على السنين، ليُعرَفَ تطوُّر حياته وفكره، وتسلسل مؤلفاته. المطلب الثاني: حياته في زبيد وعلاقته بالأشرف الرسولي وولده الناصر. وحاولتُ أن أمشي معه سنةً فسنةً، وقد اقتضى هذا بحثاً دؤوباً وتأملاً كثيراً، وقد سهَّلتُ الأمر كثيراً لمن يريدُ أنْ يكتبَ عنه روايةً. وتتلخصُ حياته في زبيد بما يأتي: 1- نشر السُّنة النبوية في مجالس السلطان، وبين العلماء والأعيان، فقد سمع عليه الأشرفُ صحيحَ البخاري، وألَّفَ هو للناصر كتاباً بيَّنَ له فيه الأحاديث الضعيفة ليريحه من التفتيش عنها. 2- خدمة اللغة العربية ونصرتها. 3- التأليف في العلوم الشرعية تفسيراً وحديثاً وتاريخاً. 4- التدريس في مدارس علمية. 5- إقامة مؤسَّسات علمية في مكة والمدينة باسم الأشرف. 6- قيامه بأعباء القضاء. المطلب الثالث: مؤلَّفاته، وقد تتبعتُها تتبعاً دقيقاً، واكتشفتُ كتباً له لم تُذْكرْ في تراجمه من قبل، فزادت عندي على السبعين، وكثيرٌ منها ما زال في عداد المفقود، وقد وقفتُ على أربعة عشر كتاباً منها مابين مطبوع ومخطوط. وتشيرُ هذه الكتب إلى مزيد اعتنائه باللغة، وهو القائل - وأذكره مع تحفظ-: (لم أعرف مِنْ أئمة اللغة مع تتبعهم واستقرائهم إياها مَن أحاط علماً بها غيري ولله الحمد)، ومن الشواهد على ذلك كتابُهُ "أسماء النكاح" الذي ذَكَرَ فيه ما يزيد على ألفي لفظة! وكتابُهُ في العسل الذي ذَكَرَ له فيه ثمانين اسماً، وقد حصلتُ عليه، وما زال مخطوطاً[2]. ثم يأتي الفصل الثاني و فيه: مدخل إلى دراسة الكتاب، والحقيقة أني كنتُ أريد الكتابة عن الحركة التفسيرية خاصة في زبيد في عصر المجد، إلا أنني لم أجد من المعلومات ما يسعفني في ذلك، ولم أحصل على نشاطٍ تفسيريٍّ لعلماء زبيد في تلك الحقبة باستثناء عالم واحد هو أبو بكر بن علي الحداد الزبيدي (المتوفى سنة ثمان مئة للهجرة) فله (كشف التنزيل في تحقيق التأويل) قال الشوكاني عنه: (تفسير حسن مشهور الآن عند الناس يسمونه تفسير الحداد)، وقد رأيتُه مخطوطاً في مكة، وأرجو أن تتبنى جامعة الحديدة أمرَ تحقيقه ونشره. لذلك رأيتُ أنْ أعوِّض عن هذا بإيراد جانبٍ من خدمة العلماء عامة لسورة الفاتحة قبل عصر المجد وفي عصره، وقد وضعتُ يدي – كما سبق – على أربعة وعشرين كتاباً إلى عصر المجد فقط، ومن المؤسف أنه لم يُطبع منها سوى كتابين والباقي مخطوط! وقد رأيتُ خمسةً منها في مكتبات القاهرة، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، وحصلتُ على صورها. ثم درستُ الكتاب في ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الوصف الخارجي، وفيه توثيق نسبته،و تحقيق عنوانه، ودراسة مدَّة تأليفه، والكلام على نُسَخه، وإيراد ديباجته في تقديمه إلى الأشرف، وأرجو أن يتفضل أهلُ زبيد عليَّ بنسخةٍ منه إن كان لديهم منه نسخة[3]، أو بما يكون لديهم مِنْ كتب هذا الإمام الجليل. المطلب الثاني: المضمون الداخلي، وقد تناولتُ الموضوعات التي تناولها المجدُ في كتابه هذا بالبيان والتفصيل، وقد درج المجدُ على تفسير السورة آيةً آيةً، ويتكلَّم في ذلك على ما يتعلق بها مِنْ قراءاتٍ ونحوٍ وصرفٍ ولغةٍ وبلاغةٍ وفقهٍ وإشاراتٍ بتوسُّعٍ غريبٍ مدهشٍ، وقد حصلتُ حينها على كتابٍ مخطوط في تفسير الفاتحة عنوانه (جواهر المعاني في تفسير السبع المثاني) للعلاء الشيرازي وهو مجلدٌ ضخمٌ كبيرٌ، فقارنتُ بين منهجه ومنهج المجد. المطلب الثالث: مصادره، وهي تزيد على مئة، وقد أحصيتُها كلها، وهي في التفسير وعلوم القرآن، والحديث وعلومه، والفقه والأصول، والنحو واللغة والبلاغة والشعر، والتصوف، وهناك مصادر شفوية، ومصادر مبهمة، وقد تكلمتُ على تعامله مع المصادر، وأبرزتُ ردوده على مَنْ سبقه من الكبار كالواحدي، و الزمخشري، والرازي، وابن الأثير، وعبد الغني المقدسي، وإمام الحرمين، والغزالي، والجوهري. وكشف البحثُ عن مصادر تُعَدُّ الآن مفقودة، فالنقولات عنها مهمة جداً. وختمتُ البحثَ بالخلاصات الدقيقة. وأرجو أن يكون التوفيقُ حالفني في الكشف عن صفحةٍ من صفحات زبيد في نهاية القرن الثامن الهجري ومطالع القرن التاسع، وما في هذه الصفحةِ مِنْ إعزازٍ للعلم وإكرامٍ للعلماء وتقديرٍ للكتاب. وأرجو أنْ أنتهي من تحقيقه قريباً لأرسله إلى (زبيد) عربون محبة وتقدير. وأخيراً فإني أقفُ وقفةَ إكبارٍ أمامَ هذه الهمم الجبّارة لعلماء الأمة في مختلف ميادين العلوم والمعارف والآداب، وأتساءلُ: هل نحن أحفاد أولئك الأجداد! أين نحنُ منهم، وأين الأمّةُ من تراثهم العلمي و الفكري الذي تتوزَّعَهُ – بحقٍّ وغيرِ حقٍّ - اليومَ مكتباتُ العالم؟ وأنا مسرورٌ جداً بما أعلنه الأخُ رئيسُ الجامعة من التوجُّه إلى إنشاء مركزٍ للمخطوطات في الجامعة، وألتمسُ منه برجاءٍ حارٍّ المسارعةَ إلى ذلك.


[*]
أُلقِيتْ هذه الكلمة في مؤتمر "زبيد وصلاتها العلمية بالعالم العربي والإسلامي" الذي عقدته جامعةُ الحُدَيدة في اليمن عام 2002م، وهي خلاصةُ البحث المقدَّم إلى هذا المؤتمر بهذا العنوان [1] )أورده أبو طالب المكي(ت:386هـ) في قوت القلوب (1/60)، وابن أبي جمرة (ت:695هـ) في بهجة النفوس (3/203)، والمناوي (ت:1031هـ) في فيض القدير (1/49)،والكرمي (ت:1033هـ) في الكلمات البينات ص 40، والزبيدي(ت:1205هـ) في الإتحاف (4/511)، ولم يذكروا له إسناداً، وقال الشيخ ابن تيمية (ت:728هـ) في فتاوى التفسير: "وأما ما يُروى عن بعضهم من الكلام المجمل مثل قول بعضهم: لو شئتُ لأوقرتُ من تفسير فاتحة الكتاب... إلخ، فهذا -إذا صحَّ عمَّن نُقِل عنه كعليٍّ وغيره-لم يكن فيه دلالةٌ على الباطن المخالف للظاهر، بل يكون هذا من الباطن الصحيح الموافق للظاهر الصحيح".
[2] كان هذا في ذلك التاريخ، ثم طبع في دار الغرب الإسلامي باسم غير الذي وضعه المؤلف.
[3] تمَّ ذلك وحصلتُ على نسخةٍ رابعة من مكتبة أحد علماء زبيد.​




 
عودة
أعلى