إذا كان لقمان عبداً فلماذا يوصي ابنه بترك الكبر والاختيال ؟

محمد براء

New member
إنضم
12/03/2006
المشاركات
375
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في سورة لقمان : " يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) " .
وروى الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسير هذه السورة عن ابن عباس ومجاهد وسعيد أن لقمان كان عبداً .
وسؤالي : العبد ليس من شأنه أن يختال ويصعر خده للناس بل العبودية في ذاتها ذلة مانعة لصاحبها من ذلك ، فإذا كان لقمان عبداً - فابنه عبد - فلماذا يوصي ابنه بترك الاختيال وتصعير الخد للناس ؟!
 
يا أخانا الفاضل أ. محمد النفس البشرية واحدة في نوازعها وسلوكياتها وطموحاتها والظن بأن العبد لا يختال أو لا ينظر إلى نفسه بأنه كذا وكذا ليس في محله ، فقد يحمل العبد المسترق بين جنبيه من العزة المقهورة ما لا يحمله الأحرار هذا من ناحية .

ومن ناحية أخرى فإن الآيات تحمل منظومة اجتماعية متكاملة لضبط السلوك الفردي تجاه الجماعة والآية ليست مقتصرة على ابن لقمان فحسب ، بل هي عامة تخاطب كل البشر في كل أحقاب الزمن وابن لقمان ضمن من تُخاطب لا كل من تخاطب .
مع تحياتي .
 
أحسن الله إليك .
الآية ليست في النهي عن (( عزة مقهورة )) ، أو تكبر في الباطن ، وإنما عن فعل ظاهر ، وهو تصعير الخد للناس والمشي في الأرض مرحاً ، وهذان الفعلان لا يفعلهما عبد قد أذلته ذلة العبودية ، حتى وإن كان لديه في نفسه كبر وعزة ، فإن ظهوره في مظهر العبودية والرق أمام الناس حاجز له عن أن يمشي في الأرض مرحاً وأن يصعر خده للناس !
بإمكاني أن أتصور عبداً لديه ((عزة مقهورة)) ، أما عبد يمشي في الأرض متبختراً مختالاً ، بل ويلوي جانبه ويصعر خده للناس ، فيعسر على ذهني تصوره !!
أما ماذكرته من عموم الآية لابن لقمان وغيره ، فلا صلة له بموضع البحث والإشكال ، فالإشكال في وجه مخاطبة لقمان لابنه بهذا النهي مع كونه عبداً ، لا في من يدخل في خطابه ومن لا يدخل .
وفقك الله
 
أحسن الله إليك .
وإليك
أما ماذكرته من عموم الآية لابن لقمان وغيره ، فلا صلة له بموضع البحث والإشكال ، فالإشكال في وجه مخاطبة لقمان لابنه بهذا النهي مع كونه عبداً ، لا في من يدخل في خطابه ومن لا يدخل .
وفقك الله
هل وقفت ـ رعاك الله ـ على أنواع الخطاب في القرآن الكريم ؟
هل تخيلت أن الخطاب قد يوجَّه إلى شخص ما ويراد به غيره ؟


مع تحياتي
 
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في سورة لقمان : " يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) " .
وروى الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسير هذه السورة عن ابن عباس ومجاهد وسعيد أن لقمان كان عبداً .
وسؤالي : العبد ليس من شأنه أن يختال ويصعر خده للناس بل العبودية في ذاتها ذلة مانعة لصاحبها من ذلك ، فإذا كان لقمان عبداً - فابنه عبد - فلماذا يوصي ابنه بترك الاختيال وتصعير الخد للناس ؟!
أيها الفاضل محمد
هناك أكثر من أمر يمكن أن يزيل ما أشكل عليك:
أولا: ربما أن القول بأن لقمان كان عبدا بمعنى رقيق لا يثبت.
ثانياً: لو ثبت أنه كان رقيقا لا يلزم أن يكون ابنه مثله ، فكم من الأرقاء وأبناؤهم أحرار.
ثالثا: لو ثبت أنه كان رقيقا وابنه كذلك فالرق ليس دائما يعني الذلة دائما والمسكنة ، فكم من الأرقاء يعجز كثير من الأحرار عن مجاراتهم في تكبرهم واختيالهم وبطشهم ، وبخاصة على أمثالهم من الرقيق.
وأضف إلى هذا ما ذكره شيخنا الفاضل أبو المهند فإنه يزول المشكل ولله الحمد.

 
الكبر والاختيال ظاهراً وباطناً لا تحجز عنه عبودية بل هو داء قلبي إذا أمكن من نفس العبد = غلبها عن عبوديتها وعن أي موجب من موجبات التطامن..

ولذلك في الحديث(وصححه الألباني) : ((ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم...وعائل مستكبر))..

وهذا أمر مشاهد في الناس..

 
شكر الله للإخوة الكرام تدخلاتهم وإفاداتهم، وأريد أن أضيف هنا إشارتين ،
الأولى تتعلق بكون لقمان كان عبدا،

-أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي مسلم الخولاني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل1: " ان لقمان كان عبدا كثير التفكر حسن الظن كثير الصمت أحب الله فأحبه الله تعالى، فمن عليه بالحكمة نودي بالخلافة قبل داود عليه السلام فقيل له : يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة تحكم بين الناس بالحق ؟ قال لقمان : ان أجبرني ربي عز وجل قبلت فإني أعلم أنه إن فعل ذلك أعانني وعلمني وعصمني، وإن خيرني ربي قبلت العافية ولم أسأل البلاء فقالت الملائكة : يا لقمان لم ؟ ! قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان فيخذل أو يعان، فان أصاب فبالحري أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة ، ومن يكون في الدنيا ذليلا خير من أن يكون شريفا ضائعا، ومن يختار الدنيا على الآخرة فاتته الدنيا ولا يصير إلى ملك الآخرة . فعجب الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فغط بالحكمة غطا فانتبه فتكلم بها .[1]

والثانية تتعلق بابنه الذي كان عاصيا، والذي لم يكن يستمع لنصائحه ووصاياه ...

-أخرج البهقي في شعب الايمان قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنِي أَبُو شُعَيْبٍ قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ: " لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ لَقَدْ وَعَظْتُكَ حَتَّى لَوْ كُنْتَ حَجَرًا لَانْفَطَرْتَ مَاءً فَبَيْنَا هُوَ يَعِظُهُ يَوْمًا إِذِ انْصَدَعَ قَلْبُ الْغُلَامِ وَمَاتَ ". 2/292/910.

والله أعلم....





[1]- الدر المنثور /6/511. وكنز العمال:14/20/37865. وتاريخ دمشق:17/85.
 
أشكر للدكتور أحمد ما تفضل به
ولكن قول النبي صل1 ـ إذا صح سند الحديث إليه ـ :
" ان لقمان كان عبدا كثير التفكر حسن الظن كثير الصمت أحب الله فأحبه الله تعالى"
لا يعني أنه كان عبدا بمعنى مملوكا رقيقا ، وإنما كان عبدا لله صالحا ، وهو كقوله صل1:
" تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ثُمَّ قَرَأَ
{ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }
فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ
{ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }" رواه البخاري
وهو قوله صل1أيضا عن لقمان كما هو في الحديث عند أحمد رحمه الله:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ من حديث بن عباس رضي الله عنهما
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ }
شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ الَّذِي تَعْنُونَ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ
{ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ"
ويؤكد هذا قوله صل1 :
"لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي"
ونجد أن القرآن يدعو إلى الدقة في العبارة في هذا الباب:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)) سورة النحل
وقال تعالى:
( ....وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور من الآية (33).

 
بارك الله فيك شيخنا أبا فهر ، فالحديث الذي ذكرتَه أزال الإشكال وفتح لي باباً من الفهم ..
وعليه :
يكون نهي لقمان ابنَه عن المشي في الأرض مرحاً وتصعيرِ خدِّه للناس - مع كونه عبداً - ، أبلغَ مما لو لم يكن عبداً ، لأنَّ الداعي إلى الكبر في نفس العبدِ المسترق ضعيف ، كما أن الداعي إلى الزنا في نفس الشيخ ضعيف ، والداعي إلى الكذب في نفس الملِك ضعيف ، فإن وقع فيه دلَّ ذلك على نفسٍ خبيثةٍ وطويَّةٍ فاسدة .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ :
1- شَيْخٌ زَانٍ .
2- وَمَلِكٌ كَذَّابٌ .
3- وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ "
- وهذا الحديث في صحيح مسلم ولم يصححه الألباني فحسب -
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى في إكمال المعلم (1/383-384) : " خص هؤلاء الثلاثة بأليم العذاب وعقوبة الإبعاد لالتزام كُلِّ واحدٍ منهم المعصيةَ التى ذكر على بُعدِهَا منه ، وعدم ضرورته إليها ، وضعف دواعيها عنده ، وإن كان لا يُعذرُ أحدٌ بذنب ، ولا فى معصيته اللهَ تعالى ، لكن لما لم تدعُهم إلى هذه المعاصى ضرائرُ مزعجة ، ولا دواعٍ معتادة ، ولا حملتهم عليها أسباب لازمةٌ ، أشبه إقدامُهم عليها المعاندةَ ، والاستخفاف بحق المعبود ، محضًا ، وقصدِ معصيته لا لغيرِ معصيتِهِ ، فإن الشيخَ مع كمال عقله ، وإعذار الله له فى عمره ، وكثرة معرفته بطول ما مَرَّ عليه من زمنه ، وضعف أسباب الجماع والشهوة للنساء ، واختلال دواعيه لذلك ، وبَرد مِزاحه ، وإخلاق جديده ، وعنده من ذلك ما يُريحه من دواعي الحلال فى هذا الباب من ذاَته ، ويخلى سره منه بطبيعته ، فكيف بالزنا الحرام ؟! إذ دواعى ذلك الكبرى : الشبابُ ، وحرارةُ الغريزة ، وقلة المعرفةِ ، وغلبة الشهوة بضعف العقل ، وصِغَرِ السِنّ .
وكذلك الإمام لا يخشى من أحد من رعيته ، ولا يحتاج إلى مداهنته ومصانعته ، إذ إنما يُداهن الإنسانُ ويصانعُ بالكذب وشبهِهِ من يحذرُه ويخشى معاقبته ، أو أذاه ومعاتبته ، أو يطلب عنده بذلك منزلةَّ أَو منفعةً ، فهو غنى عن الكذب جملة .
وكذلك العائلُ الفقيرُ ، قد عَدِم بعدمه المال ولعاعة الدنيا سبَبَ الفخر ، والخُيلاء ، والاستكبار على القُرناء ، إذ إنما يكون ذلك بأسباب الدنيا والظهور فيها وحاجات أهلها إليه ، فإذا لم يكن عنده أسبابها فلماذا يستكبر ويستحقر غيره ؟! فلم يبق إلا أنَ فى استكبار هذا ، وكذب الثانى ، وزنا الثالث ، ضرباً من الاستخفاف بحق الله تعالى ، ومعاندة نواهيه ، وأوامره ، وقلة الخوفِ من وعيدِهِ إذ لم يبق ثَمَّ حاملٌ لهم على هذا سواه ، مع سبق القدَرِ لهم بالشقاء " .
قال مقيده عفا الله عنه : وكذلك العبد المتكبر المختال في مشيته المصعر خده للناس ، فإن داعيه لذلك شبه معدوم ، فلم يبق أنه إذا فعل ذلك يكون فاعلاً له معاندة لأمر الله تعالى واستخفافاً بحقه لا لداعي في نفسه ، وبذلك يزول الإشكال الذي ذكرتُه ، لأن إشكالي كان في تصور عبد قد دعاه داع من نفسه إلى هذا الفعل ، لا أن يكون قد فعله لمجرد عصيان الله تعال ومحادته ، فهذا تصوره ممكن بخلاف الأول ، إلا أن يكون في نفس العبد أو الشيخ أو الملك من الخبث وخلاف الفطرة ما يدعوه إلى ذلك ، وهذا ما بينه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (18/14) فقال : " فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ اشْتَرَكُوا فِي هَذَا الْوَعِيدِ وَاشْتَرَكُوا فِي فِعْلِ هَذِهِ الذُّنُوبِ مَعَ ضَعْفِ دَوَاعِيهِمْ ؛ فَإِنَّ دَاعِيَةَ الزِّنَا فِي الشَّيْخِ ضَعِيفَةٌ وَكَذَلِكَ دَاعِيَةُ الْكَذِبِ فِي الْمَلِكِ ضَعِيفَةٌ ؛ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ دَاعِيَةُ الْكِبْرِ فِي الْفَقِيرِ فَإِذَا أَتَوْا بِهَذِهِ الذُّنُوبِ مَعَ ضَعْفِ الدَّاعِي دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ الشَّرِّ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَ بِهِ مَنْ الْوَعِيدِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُمْ " .
وأحسب أن من هذا الباب نفسه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ؟
قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ .
قُلْتُ : إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ !
قُلْتُ : ثُمَّ أَيُّ ؟
قَالَ : وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ .
قُلْتُ : ثُمَّ أَيُّ ؟
قَالَ : أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ " . متفق عليه
فالذنب الأول بين النبي صلى الله عليه وسلم ضعف الداعي إليه بقوله : " وَهُوَ خَلَقَكَ " ، فكونُ الله عز وجل خالقاً لك ، ينبغي أن يكون داعياً إلى عبوديته لا إلى الإشراك به ، وكذلك في الذنب الثاني فإن داعي الأبوَّة يردع عن قتل الولد ، فيكون قتله مع توفر الداعي إلى ضد ذلك ذنباً عظيماً ، وكذلك الذنب الثالث فإن في الجوار ما يدعو إلى الإحسان وطيب المعاشرة ، حتى إن الجاهليين كانوا يدركون ذلك ، وفي ذلك يقول عنترة :
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي = حتى يواري جارتي مأواها
فإن فجر الجار بحليلة جارِه كان ذلك مخالفاً لما تدعو إليه الفطرة من حفظِ الجوار ، فكان ذنباً عظيماً دالاً على خُبث صاحبه واستحقاقه من العذاب ما لا يستحقه من قوي داعيه لهذا الفعل .
ومن هذا الباب أيضاً : أن المعصية في البلد الحرام ليست كالمعصية في غيره ، لأن العبد إذا كان في بلد سيده فإن الداعي إلى مخالفته وعصيانه يكون ضعيفاً جداً ، فإن عصاه استحق العذاب الأليم ، كما قال تعالى : " وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ " قال ابن القيم في زاد المعاد : " فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض ، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه " .
وفي المقابل : فإن العبد إذا أحجم عن المعصية مع توفر دواعيها كان هذا أعلى وأعظم ممن أحجم عنها دون أن يكون في نفسه ما يدعوه إليها .
قال الإمام أحمد في كتاب الزهد : حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن منصور عن مجاهد قال : كُتب إلى عمر يا أمير المؤمنين ، رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل ، أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها ؟ فكتب عمر رضي الله عنه : إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها : " أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ " .
ولهذا نال يوسف عليه السلام من الأجر في الدنيا والآخر وثناء الله تعالى عليه ما نال ، بسبب إحجامه وتمنعه عن معصية توفرت دواعيها ، ولابن القيم في هذا كلام لطيف ذكره في آخر الجواب الكافي فقال : " وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف بصبره وعفته وتقواه مع إن الذي ابتلي به أمر لا يصبر عليه إلا من صبره الله عليه ، فإن موافقة الفعل بحسب قوة الداعي وزوال المانع ، وكان الداعي ها هنا في غاية القوة ، وذلك لوجوه " ، ثم ذكر تلك الوجوه فراجعها .
 
أحد احتمالين، وقد يجتمعان
1- أن المسألة تشريع عام؛ كقوله تعالى " ولا تقربوا الزنا " فليس كل المسلمين يزنون.
2- التحذير مما يمكن أن يقع مستقبلا؛ فكأنه يقول له : إذا من الله عليه بالغنى؛ فلا تبطر، ولا تفخر، ولا تتكبر.. وتذكر أصلك.
هذا إذا صح أصلا أنه عبد، كما أشار الشيخ أبوسعد
 
يا أخانا محمد إن عين ما استعذبته من كلام غيرنا هو هو ما اعترضته ولم ترتضه ، وقد أضاف الأخ الفاضل والشيخ الحاذق أبو سعد الغامدي إضافات أسعدتني وأفدتُ منها وأكملتْ وحرَّرَتْ ما حاولتُه أنا، فله من الشكر المزيد لذلك ولكونه ـ أيضا ـ أطال النفس تفنيدا وتوجيها وشارحا بما ينشرح له الصدر.
والعلم ليس صراعا على سلطة ، العلم بالتعلم والحق أبلج .
أسأل الله أن يلزمنا هضم النفس وسعة الصدر وذل العلماء وانكسار الإتقياء آمين.
 
يا أخانا محمد إن عين ما استعذبته من كلام غيرنا هو هو ما اعترضته ولم ترتضه
والعلم ليس صراعا على سلطة ، العلم بالتعلم والحق أبلج .
أسأل الله أن يلزمنا هضم النفس وسعة الصدر وذل العلماء وانكسار الإتقياء آمين.
يا أبا المهند أنت (عذب) وكلامك (عذب) وسقاك الله من الماء (العذب) ..
بس ما تزعل الله يخليك .. ما في شي بستاهل !!
 
هذا بحث لم يكتمل ، آمل أن يفيد في جواب السؤال من جهة أخرى.

هل كان لقمان عبداً مملوكاً؟
لم أقف على خبر تقوم به الحجة على ذلك، وإنما رويت في ذلك آثار عن ابن عباس، وعمرو بن قيس السكوني ، وخالد بن باب الربعي، وسعيد بن المسيب، ومجاهد.

فأما ماروي عن ابن عباس ، فلا يصح عنه
-أخرج ابن جرير من طريق سفيان بن وكيع عن أبيه عن سفيان عن أشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال: (كان لقمان عبداً حبشياً).
وسفيان بن وكيع متروك الحديث ، قال ابن حجر في التقريب: (كان صدوقاً إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه).

وأما أثر خالد الربعي فرواه الإمام أحمد في الزهد وابن أبي شيبة في مصنفه وابن جرير كلهم من طريق وكيع بن الجراح عن أبي الأشهب العطاردي عن خالد الربعي قال: (كان لقمان عبداً حبشياً نجاراً).
وخالد بن باب الربعي من أصحاب شهر بن حوشب ، عرف بالتحديث بالإسرائيليات ، قال عنه ابن معين: ضعيف، وقال ابن أبي حاتم: ترك أبو زرعة حديث خالد بن باب الربعي ولم يقرأ علينا.

وأما مجاهد فروي عنه ذلك من طريقين:
الطريق الأول: حكام الرازي عن سعيد الزبيدي عن مجاهد قال: (كان لقمان عبداً حبشياً غليظ الشفتين مصفح القدمين قاضياً على بني إسرائيل). أخرجه الإمام أحمد في الزهد وابن جرير
وحكام بن سلم الرازي وثقه إسحاق بن راهويه وابن معين وجماعة، وقال الدارقطني: لا بأس به.
وسعيد بن عبد الرحمن الزبيدي قاضي الري في زمانه ، قال عنه البخاري: لا يتابع في حديثه، ووثقه أبو داوود، وقال ابن حبان: يروي المقاطيع.
الطريق الثاني : يحيى بن عيسى عن الأعمش عن مجاهد قال: ( كان لقمان عبداً أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين) رواه ابن أبي شيبة وابن جرير.
ويحيى بن عيسى الرملي مختلف فيه، قال عنه ابن معين: ليس بشيء، وقال أيضاً: لا يكتب حديثه، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أحمد: ما أقرب حديثه، ووثقه العجلي، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه.

وأما سعيد بن المسيب فمن طريقين:
الطريق الأول: العباس بن وليد عن أبيه عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أن لقمان الحكيم كان أسود نوبياً ذا مشافر، رواه ابن جرير.
- الوليد بن مزيد ثقة مقدم في الأوزاعي، ولكن عبد الرحمن بن حرملة مختلف فيه.
الطريق الثاني: سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: كان لقمان الحكيم أسود من سودان مصر). رواه ابن جرير ، وليس فيه ما يقتضي أنه مملوك.

وأما عمرو بن قيس
فروى ابن جرير عن ابن حميد عن الحكم عن عمرو بن قيس قال: (كان لقمان عبداً أسود غليظ الشفتين مصفح القدمين).
وعمرو بن قيس تابعي.

قال ابن حجر في فتح الباري: (وفي المستدرك بإسناد صحيح عن أنس قال: كان لقمان عند داود وهو يسرد الدرع فجعل لقمان يتعجب ويريد أن يسأله عن فائدته فتمنعه حكمته أن يسأل.
وهذا صريح في أنه عاصر داود عليه السلام، وقد ذكره بن الجوزي في التلقيح بعد إبراهيم قبل إسماعيل وإسحاق، والصحيح أنه كان في زمن داود، وقد أخرج الطبري وغيره عن مجاهد أنه كان قاضيا على بني إسرائيل زمن داود عليه السلام).

والتحريف في كتب بني إسرائيل كثير ولا سيما ما يتعلق بداوود وسليمان عليهما السلام، فالذي يظهر لي شيوع خبر إسرائيلي زمن التابعين عن لقمان أنه كان عبداً مملوكاً؛ فلذلك وقعت الرواية فيه عن أكثر من واحد.
والبحث لا زال بحاجة إلى مزيد تحرير، والله تعالى أعلم.
 
ألا يمكن أن يكون المقصود عبداً (أي ليس بنبيّ) ؛ دفعاً لتوهم قد يحصل لقارئ القرآن أنه نبيّ ؟
 
ألا يمكن أن يكون المقصود عبداً (أي ليس بنبيّ) ؛ دفعاً لتوهم قد يحصل لقارئ القرآن أنه نبيّ ؟

إذا قيل: كان عبداً صالحاً ولم يكن نبياً ، ونحو ذلك من العبارات لم يفهم منه أنه عبد مملوك لظهور دلالة السياق على أن المراد دفع وصفه بالنبوة.
أما إذا قيل: كان عبداً حبشياً، أو كان عبداً نوبياً، أو كان عبداً نجاراً، أو كان مولى، ونحو ذلك ، فظاهر هذه العبارات يدل على أن المراد أنه عبد مملوك.

وأما إذا قيل: كان أسود ، أو كان من السودان ، ونحو هذه العبارات التي وردت في بعض الآثار لم يكن في ذلك ما يقتضي أنه عبد مملوك.
 
ـ أما "نوادر" الحكيم الترمذي فكن منها على حذر ، فإن الكتاب من مظان الموضوعات والأحادث التالفة.
ـ لو قيل بصحة كونه عبداً، فتخريج ما استشكله محمد براء: أن بعض الناس قد تتحرك في نفسه دواعي الكبر والتبختر لأن أباه على منزلة عليّة، ومرتبة سنيّة ـ وهذا ملاحظ في أبناء الملوك والتجار والوزراء (والشاذ لا حكم له) فقد يكون لقمان خشي على ابنه من تحرك هذا الداعي عنده لما حبا الله أباه من علوم وحكمة ، والله أعلم.
 
عودة
أعلى