إثبات إفادة خبر الواحد العلم والعمل بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول وأقوال العلماء

إنضم
18/06/2005
المشاركات
113
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
إثبات إفادة خبر الواحد العلم والعمل


تأليف


أبو صلاح الدين


كافة حقوق التأليف والطبع والنشر والتوزيع محفوظة














وجوب العلم قبل العمل:

في وجوب العلم قبل العمل يقول بعض الناس-جزاه الله خيرا- :

1- قال تعالى (قل إنما حرّم ربي الفواحش ماظهر منها ومابطن، والإثم والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) الأعراف 33.
وهذا نص صريح في تحريم القول على الله بغير علم (قل إنما حرَّم ربي... وأن تقولوا على الله مالا تعلمون). وهو وعيد خاص في حق العالم والقاضي والمفتي وكل مبلغ لأحكام الله تعالى أن يقول على الله مالا يعلم. ويدل النص –بمفهومه- على وجوب العلم قبل القول والعمل ومنه التعليم والحكم والفتوى.
وقد بيَّن الله تعالى في آيةٍ أخرى أن الإقدام على مخالفة هذا النهي إنما هو من تزيين الشيطان، وذلك في قوله تعالى (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين، إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) البقرة 168: 169. ومثل هذه الآية قوله تعالى (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ٍ ويتبع كل شيطان مريد، كُتب عليه أنه من تولاه فأنه يُضله ويهديه إلى عذاب السعير) الحج 3: 4 . فدل على أن الجدال- وهو أقوال- بغير علم من تزيين الشيطان، وبيَّن سوء عاقبة ذلك.

2- قوله تعالى (إذ تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم) النور 15.
فَذَمّ الله تعالى القول بغير علم (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم) وبيّن سبحانه أن هذا أمر عظيم عند الله وإن استهان الناس به. والآية وإن كانت في حق من تكلم في حادثة الإفك إلا أن العبرة بعموم اللفظ. اهـ ما قاله بعض الناس.

3- قوله تعالى (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم، فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) آل عمران 66.
قال القرطبي في تفسيره(4: 108): " في الآية دليل على المنع من الجدال لمن لا علم له، والحظر على من لا تحقيق عنده..- إلى قوله- وقد ورد الأمر بالجدال لمن عَلِم وأيقن فقال تعالى « وجادلهم بالتي هي أحسن » ".

4- قال البخاري رحمه الله في كتاب العلم من صحيحه، باب (العلم قبل القول والعمل، لقول الله تعالى " فاعلم أنه لا إله إلا الله" فبدأ بالعلم) أهـ.
قال ابن حجر" فتح الباري، 1/159: 160" : (قال ابن المنيّر: أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يُعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما لأنه مصحِّح للنية المصحِّحة للعمل).

5- عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار) رواه الأربعة، وصححه الحاكم والألباني.
فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على من عمل بعلم (وهو من عرف الحق فقضى به)، كما ذم من عمل بغير علم (وهو من قضى على جهل) وذكر الوعيد الوارد في حقه بما يدل على أنه لم يعذره بالجهل لتقصيره في طلب العلم الواجب عليه قبل اشتغاله بالقضاء. فدل الحديث على تحريم القول والعمل بغير علم، وعلى وجوب العلم قبل القول والعمل.








حفظ الله للسنة:

إن المخالف بنى مذهبه الباطل في رد أخبار الآحاد الصحيحة على قياس باطل فاسد الاعتبار, فقد قاس المخبر-بتشريع عام للأمة أو بصفة من الصفات الإلهية- عن رسول الله أو عمن سمع رسول الله, قاسه على خبر الشاهد على قضية معينة, ويا بعد ما بينهما !! فإن الشهادة المعينة على شيء معين لم يتكفل الله بحفظها, بخلاف الدين والشريعة والقران والسنة.., لأن المخبر عن رسول الله (ص) لو قدر أنه كذب أو سها ولم يظهر ما يدل على ذلك, لزم منه ضياع الدين وإضلال الخلق وتضليلهم, وهذا محال على الله تعالى.
يقول-جل في علاه-: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر 9. ولفظة(ذكر) بعمومها وشمولها تشمل القران والسنة - متواترة وآحادية, فأنت تقول مثلا: أذكار الصباح والمساء, أذكار اليوم والليلة, أذكار الصلاة.. إلخ. والسنة منزلة بوحي من الله.., وما ينطق عن الهوى أن هو ألا وحي يوحى -. فجميع ما يصدق عليه ذكر فهو في ضمان الله وحفظه إلى يوم القيامة.

إن أخبار الآحاد المضافة إلى الشارع ليست كسائر الأخبار المضافة إلى غيره ؛ لأن أخبار الشارع محفوظة عن الضياع أو الاشتباه بالأخبار المكذوبة عليه ، بخلاف أخبار الآحاد عن غيره فإنها قد تضيع وقد تشتبه بالمكذوبة ولا تعلم إلى قيام الساعة .

قال الإمام ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام(1/117-118): قال تعالى: إنا نـحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (الحجر 9). وقال تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (النحل 44).
فصح أن كلام رسول الله(ص) كله في الدين وحي من عند الله عز وجل لا شك في ذلك ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل. فالوحي كله محفوظ بحفظ الله تعالى له بيقين. وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون ألا يضيع منه وألا يُحَرَّف منه شيء أبداً تحريفاً لا يأتي البيان ببطلانه, إذ لو جاز غير ذلك لكان كلام الله تعالى كذباً وضمانه خائساً.., وهذا لا يخطر ببال ذي مسكة عقل، فوجب أن الذي أتانا به محمد(ص) محفوظ بتولي الله تعالى حفظه، مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه مما يأتي أبداً إلى انقضاء الدنيا.
قال تعالى: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ (الأنعام 19).
فإذ ذلك كذلك, فبالضرورة نعلم أنه لا سبيل البتة إلى ضياع شيء مما قاله رسول الله (ص)في الدين, ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطاً لا يتميز لأحد من الناس بيقين, إذ لو جاز ذلك لكان الذكر غير محفوظ ولكان قول الله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (الحجر 9) كذباً ووعداً مخلفاً وهذا لا يقوله مسلم. اهـ

















أدلة منطقية عقلية:

وقد بدأت بها قبل أدلة القران والسنة؛ حتى لا يتم تأويل تلك الأدلة أو الاعتراض والتشغيب عليها بما لا ينفع ولا يشفي- كعادة المتكلمين دائما- , وذلك أفضل في حسم الخلاف والنزاع من جدوره, واجتثاثه من أصله, وحتى يكون بحثنا هذا على أرضية صلبة لا يفلها الحديد. فنحن هنا نناقش فكرة المخالف من أصلها, وهل هي صالحة أم لا. ثم ينبني على هذا الكلام ما يأتي بعد ذلك من أدلة. والحمد لله أولا وآخرا.

1- القول بأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، هو قول–كما يقول العلامة الألباني- في حد ذاته عقيدة، فما هو الدليل على صحته ؟! فإما أن يأتوا بالدليل القاطع المتواتر على صحة هذا القول، وإلا فهم متناقضون.

2- إن دعوى احتمال الشبهة(كل أخبار الآحاد تفيد الظن ، لوجود احتمال انقطاعها بأي نوع من أنواع الانقطاع ككذب الراوي أو نسيانه أو خطئه في روايته ...الخ) في صحة اتصال أخبار الآحاد إلى رسول الله هي كدعوى من يدعي أن هذا العام مخصوص ولا مخصص ، أو أن هذا الدليل المطلق مقيد ولا مقيد ، أو أن هذا الحكم منسوخ ولا وجود لناسخه ونحو ذلك ، فما أسهل الدعاوى !!!
3- الذين يجعلونه مظنوناً -ولو مع القرائن- يجوزون أن يكون في نفس الأمر كذباً أو خطأ ثم هم مع ذلك يوجبون العمل به مع ما يخالج نفوسهم من احتمال كونه باطلاً، والعمل به عندهم مكابرة وعناد لا يجوز..!!! ثم أضيف فأقول: إن القائلين بأنها ظنية ويجب العمل بها، يلزمهم القول بأن الله أمر بما نهى عنه، وما ذمه في هذه الآيات، حيث أوجب أن نحكم في دينه وشرعه بأدلة متوهمة، وقد نهانا عن التخرص في الدين، وأخبر أنه خلاف الهدى الذي جاءهم من ربهم، وإذاً فلا فرق بين أهل الظن وبين أولئك المشركين الذين قال الله فيهم: (إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون)(الأنعام:148). وقد نهى الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقفوا ما ليس له به علم، بل جعل القول عليه بلا علم في منزلة فوق الشرك، كما في آية المحرمات في سورة الأعراف، حيث ترقى من الأسهل إلى الأشد، فبدأ بالفواحش، ثم بالإثم وهو أشد، ثم بالبغي وهو أعظم من الإثم، وبعده الشرك أشد منه، ثم القول على الله بلا علم، فأي ذم أبلغ من هذا.
وتكلف بعض المتكلمين الجواب عن هذا الدليل بحمل هذه الآيات على ذم الظن والتخرص في أمور الاعتقاد، وما لا بد فيه من اليقين. والجواب: أنا نمنع التفريق بين الأصول والفروع, فالنهي عن الظن على عمومه في الجميع، ويراد به ما لم يكن مبنياً على دلائل وبراهين وأمارات قاطعة حاسمة، بل هو مجرد وهم وتخمين.
4- إن أخبار الآحاد المضافة إلى الشارع ليست كسائر الأخبار المضافة إلى غيره؛ لأن أخبار الشارع محفوظة عن الضياع أو الاشتباه بالأخبار المكذوبة عليه ، بخلاف أخبار الآحاد عن غيره فإنها قد تضيع وقد تشتبه بالمكذوبة ولا تعلم إلى قيام الساعة. انظر ما قاله ابن حزم فيما نقلناه عنه سابقا, فكلامه متين.
ومما يؤكد ما أقول ويزيده بيانا قوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ... أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. ووجه الاستدلال أن كل ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فهو مما أنزل الله وهو ذكر من الله أنزله على رسوله وقد تكفل سبحانه بحفظه فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة ولم يقم دليل على غلطه وسهو ناقله لسقط حكم ضمان الله وكفالته لحفظه وهذا من أعظم الباطل ونحن لا ندعي عصمة الرواة بل نقول إن الراوي إذا كذب أو غلط أو سها فلا بد أن يقوم دليل على ذلك ولا بد أن يكون في الأمة من يعرف كذبه وغلطه ليتم حفظه لحججه وأدلته ولا تلتبس بما ليس منها فإنه من حكم الجاهلية بخلاف من زعم أنه يجوز أن تكون كل هذه الأخبار والأحكام المنقولة إلينا آحاداً كذباً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وغايتها أن تكون كما قاله من لا علم عنده إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين .فتأمل منصفا.
ومما يزيد الأمر وضوحاً في أن الله سبحانه وتعالى حافظ لوحيه إلى قيام الساعة أنه جل وعلا نصب أئمةً أعلاماً جهابذةً حفاظاً أثباتاً نقاداً للحديث يَمِيزُون الطيب من الخبيث ، والصحيح من السقيم ، والحق من الباطل . قيل لابن المبارك : هذه الأحاديث المصنوعة . قال : يعيش لها الجهابذة. [انظر هذا الكلام والذي بعده في: كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم(1/3 ، 10) ]. فمن هؤلاء الجهابذة: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت157هـ) ، وشعبه بن الحجاج (ت 160هـ)، وسفيان الثوري(ت161هـ)، ومالك بن أنس (ت179 هـ)، وحماد بن زيد (ت179هـ )، وعبد الله بن الـمبارك (ت181هـ), و وكيع بن الجراح ( ت196هـ) ، وسـفيان بن عييـنة (ت 198هـ ) ، ويحيى بن سعيد القطان (ت198هـ) ، وعبد الرحمن بن مهدي (ت198هـ) ، ويحيى بن معـين (ت233هـ) ، وعلي بن المديـني (ت234هـ) ، وإسحاق بن إبراهـيم الحنظلي المعروف بابن راهـويـه (ت238هـ) ، وأحمد بن حنبل (ت241هـ) ، وأبو محمد عبد الله الدارمي (ت255هـ) ، ومحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) ، ومسلم بن الحجاج القشيري (ت261هـ) ، وعبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعـة الرازي ( ت264هـ) ، وأبو داود السجستاني (ت275هـ) ، وأبو حاتم الرازي محمد بن إدريس الحنظلي (ت277هـ ).
فهؤلاء الذين لا يختلف فيهم, ويعتمد على جرحهم وتعديلهم ويحتج بحديثهم وكلامهم في الرجال والحديث قبولاً أو رداً؛ لاتفاق أهل العلم على الشهادة لهم بذلك. كما أن الله لم ينزلهم هذه المنزلة إذ أنطق ألسنة أهل العلم لهم بذلك إلا وقد جعلهم أعلاماً لدينه، ومناراً لاستقامة طريقه وألبسهم لباس أعمالهم. فما أجمع عليه هؤلاء فهو المقبول, وما ردوه فهو المردود؛ سيما وقد قال رسول الله(ص) في حديث عبادة بن الصامت في مبايعتهم الرسول(ص): بايعنا رسول الله صلى عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر… وعلى أن لا ننازع الأمر أهله. رواه مسلم في صحيحه (3/1470). وقد أجمعوا على إثبات إفادة العلم والعمل بخبر الواحد الصحيح كما سنبين أن شاء الله.

5- القول بأن أخبار الآحاد لا تفيد العلم قول أتفه من أن يعبأ بردّه. الذي لا يفيد علماً لا شك أن الاشتغال به يعدّ إضاعة للوقت. وهل يعقل أن يمضي الآلاف من علماء هذه الأمة أوقاتهم في جمع وتبويب ودراسة وشرح ما لا يفيد؟!

6- يعتبر المخالفون أن خبر الواحد مسألة من المسائل الشرعية التي يبحث فيها.., أقول لهم: منذ متى وهي "مسألة" يشتغل بها أصلاً؟ هل اعتبرها أهل الحديث المتقدمون "مسألة"؟ أم أنها كذلك عند المتكلمين ومن حذا حذوهم. ونحن لم نعتبرها مسألة إلا للرد على زيغهم وضلالهم فحسب.., فتأمل.

7- أن هؤلاء المنكرين لإفادة أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم- العلم يشهدون شهادة جازمة قاطعة على أئمتهم بمذاهبهم وأقوالهم أنهم قالوا ولو قيل لهم أنها لم تصح عنهم لأنكروا ذلك غاية الإنكار وتعجبوا من جهل قائله ومعلوم أن تلك المذاهب لم يروها عنهم إلا الواحد والاثنان والثلاثة ونحوهم لم يروها عنهم عدد التواتر وهذا معلوم يقيناً فكيف حصل لهم العلم الضروري والمقارب للضروري بأن أئمتهم ومن قلدوهم دينهم أفتوا بكذا وذهبوا إلى كذا ولم يحصل لهم العلم بما أخبر به أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وسائر الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولا بما رواه عنهم التابعون وشاع في الأمة وذاع وتعددت طرقه وتنوعت وكان حرصه عليه أعظم بكثير من حرص أولئك على أقوال متبوعيهم إن هذا لهو العجب العجاب وهذا وإن لم يكن نفسه دليلاً يلزمهم أحد أمرين : إما أن يقولوا أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وفتاواه وأقضيته تفيد العلم . وإما أن يقولوا أنهم لا علم لهم بصحة شيء مما نقل عن أئمتهم وأن النقول عنهم لا تفيد علماً . وإما أن يكون ذلك مفيد للعلم بصحته عن أئمتهم دون المنقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فهو من أبين الباطل .

8- قولهم إن خبر الواحد لا يوجب العلم, يلزم منه الآتي: إن النبي صلى الله عليه وسلم أدَّى هذا الدين إلى الواحد فالواحد من أصحابه –وهذا لا يجادل فيه كافر- ليؤدوه إلى الأمة ، ونقلوا عنه ، فإذا لم يقبل قول الراوي لأنه واحد رجع هذا العيب إلى المؤدي –أي النبي(ص)- نعوذ بالله من هذا القول الشنيع والاعتقاد القبيح.

9- إذا قلنا : أن خبر الواحد لا يجوز أن يوجب العلم, حملنا أمر الأمة في نقل الأخبار على الخطأ ، وجعلناهم لاغين مشتغلين بما لا يفيد أحداً شيئاً، ولا ينفع ، ويصير كأنهم قد دونوا في أمور مالا يجوز الرجوع إليه والاعتماد عليه. وهذا هو رأس الباطل بعينه.

10- قولكم المذكور يستلزم تفاوت المسلمين فيما يجب عليهم اعتقاده, مع بلوغ الخبر إليهم جميعا. وهذا باطل. وبيان ذلك-كما يقول العلامة الألباني- أن الصحابي الذي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ما في العقيدة, هذا الصحابي يجب عليه اعتقاد ذلك؛ لأن الخبر بالنسبة إليه يقين, وأما الذي تلقى الحديث عنه من صحابي آخر أو تابعي لا يجب عليه اعتقاد ذلك؛ لأنها إنما جاءته من طريق الآحاد, وهو الصحابي الذي سمع الحديث منه(ص), فإنه يحتمل عليه الخطأ.. !!
وهذا الذي يدعونه هو من أبطل الباطل كما أوضحناه في الأدلة العقلية السابقة, فإن المخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لو قدر أنه كذب عمدا أو أخطأ, ولم يظهر هذا الخطأ, لزم من ذلك إضلال الخلق, وضياع الدين, وهذا هو عين الباطل.

11- قول المخالف الذي يدعيه يستلزم –كما يقول العلامة الأاباني- تعطيل العمل بحديث الآحاد في الأحكام العملية أيضا. وهذا باطل لا يقولون به أصلا.
وبيانه أن كثيرا من الأحاديث العملية تتضمن أمورا اعتقادية, فهذا صلى الله عليه وسلم يقول فيما يرويه الشيخان, وهو مما تلقته الأمة بالقبول: (إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال).
هذا الحديث آحاد, يؤخذ به عندهم في الأحكام، لا يؤخذ به في العقيدة.
لكن هذا الحديث يتضمن أمرين:
أ- يتضمن حكما: فليستعذ بالله من أربع
ب- ويتضمن عقيدة: عذاب القبر, وفتنة الممات(وهذا غيب) والمسيح الدجال في آخر الزمان وفتنته.
فكيف يستطيع المخالف أن يستعيذ بشيء لا يؤمن به ؟؟!! لا يستطيع. إذاً هو في حيص بيص. إن أخذ بالحديث؛ لأنه فيه حكم شرعي, فهذا واجب باتفاقهم. لكنه لم يأخذ ما به من عقيدة, وهو الإيمان بعذاب القبر، وبالمسيح الدجال في آخر الزمان وبشر فتنته.
إذاً, في أثناء تطبيقه لهذا الحكم هو مخالف لعقيدته, وهذا هو الباطل بعينه مجسدا مجسما. اهـ
فإن قالوا: نعمل بهذا الحديث, ولكنا لا نعتقد ما فيه من إثبات عذاب القبر والمسيح الدجال. قلنا-كما يقول الألباني بتصرف وإضافات-: إن العمل به يستلزم الاعتقاد به, لوجوب العلم قبل العمل-كما بينت أنا في أول هذا البحث-, وإلا فليس عملا مشروعا ولا عبادة. فإن العقيدة يقترن معها عمل, والعمل يقترن معه عقيدة.. إليك هذا ليتضح المراد, ويسفر الحق عن وجهه:
يقول الإمام ابن القيم في الصواعق(2: 420و 421) بتصرف وإضافات يسيرة : " ليس العمل مقصورا على أعمال الجوارح فحسب, بل أعمال القلوب أصل لأعمال الجوارح, وأعمال الجوارح تبع, فكل مسألة من العلميات يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه, وذلك عمل, بل هو أصل العمل. فإن كثيرا من الكفار جازمون بصدق النبي(ص) غير شاكين في ذلك, غير أنه لم يقترن بذلك الجزم عمل القلب من حب ما جاء به النبي(ص), والرضا به, والموالاة والمعاداة عليه. هذه هي حقيقة الإيمان, فالمسائل العلمية عملية, والمسائل العملية علمية ". اهـ.
يقول الألباني-بتصرف وإضافات يسيرة-: مما يوضح أن لابد من اقتران العقيدة بالعمليات والأحكام هذا المثال: لو افترض أن رجلا يغتسل أو يتوضأ للنظافة, أو يصلي تريضا, أو يصوم تطببا, أو يحج سياحة, لا يفعل ذلك معتقدا أن الله أوجبه عليه وتعبده به, لما أفاده ذلك شيئا, كما لا يفيده معرفة القلب إذا لم يقترن بعمل القلب..ألا وهو التصديق. وكل مسألة علمية إنما يتبعها عمل.. ألا وهو إيمان القلب وتصديقه لتلك المسألة. اهـ. فتأمل منصفا أخي القارئ, يتضح لك الحق جليا كالشمس في كبد السماء.














أدلة القران:
1- قول الله جل في علاه: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)(البقرة:143). فوصفهم بأنهم وسط أي عدول خيار، وبأنهم يشهدون على الناس، أي بأن الله أمرهم بكذا، وفرض كذا، ويشهدون بكونها من دينه، وقد قرأوا قوله تعالى: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون)(الزخرف:86). فشهادتهم بهذه الأخبار عن نبيهم توجب ليقين بما قالوه؛ بسبب حفظ الله لهذا الدين, ولعدالة الرواة وقوة حفظهم.
فالمخبر بخبر عن رسول الله(ص) شاهد على الناس بأنه(ص) قد قال كذا وكذا, ولا يجوز أن يجعله الله شاهدا على الناس إلا ويتعبد بالرجوع إلى خبره, وإلا كانت الشهادة على الناس كعدمها, وهذا باطل.. فتأمل.

2- وقوله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الأحزاب 36. إن لفظة(أمرا) تشمل -بعمومها وإطلاقها- العقائد والأحكام, والمتواتر والآحاد..., فمن أين جاء المخالف بتفريقه المبتدَع.

3- وقوله (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون) التوبة 122 . والطائفة في اللغة تقع على الواحد فما فوقه...[ البخاري في صحيحه 9: 155 فقد استدل بهذه الآية بما يدل عنده على ما ذكرت أنا, الإمام ابن العربي المالكي في المحصول من علم الأصول2: 173 وأحكام القران 2: 1031, والقرطبي في تفسيره 8: 294, والشعراوي في تفسيره 5576, وأبو الحسين البصري في " المعتمد في الأصول" 2: 588, ود. وهبة الزحيلي في أصول الفقه الإسلامي 1: 469 ... إلخ, وانظر معاجم وقواميس اللغة ]. والإنذار: الإعلام والإخبار بما يفيد العلم, فـ(أنذر): أعلم بالشيء وخوّف منه...[ انظر المعجم الوسيط:2: 949, ومعجم ألفاظ القران الكريم 2: 1085 ]
لقد حض الله المؤمنين على أن ينفر منهم إلى النبي(ص) طائفة ليتعلموا ويفهموا الدين (وكلمة الدين عامة, فهي تشمل العقائد والأحكام, والمعاملات والحدود. ولا شك أن أهم وأول ما يتعلمه طالب العلم هو العقائد؛ لأنها أساس الأمر كله في جميع الرسالات والديانات). ثم حضهم الله على إنذار إعلام وإخبار قومهم بكل ما تعلموه إذا رجعوا إليهم.
فلولا أن الحجة تقوم بحديث الآحاد الصحيح عقيدة وأحكاما لما حض الله الطائفة على التبليغ والإنذار حضا عاما, فكيف يحض-جل وعلا- على شيء لا قيمة له, ولا فائدة ترجى منه.., تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ولقد علل الله الحض على التبليغ بقوله
" لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون", وهذا صريح في أن العلم يحصل بإنذار الطائفة(التي هي الواحد فما فوقه).., أي لينذروا قومهم حتى يحذروا من ما يجب اجتنابه من كفر وشرك وعصيان لأوامر الله, وفعل لما حرمه ونهى عنه, وحتى يحذروا عذاب الله وعقابه.

4- قوله تعالى: (وَلا تَقْف مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم إن السمع والبصر والفؤاد كل أؤلئك كان عنه مسئولا) الإسراء 36. أي لا تتبعه ولا تعمل به. ومن المعلوم والمقطوع به أنه لم يزل المسلمون من عهد الصحابة والتابعين يقفون أخبار الآحاد ويعملون بها ويثبتون بها بها العقائد والغيبيات والصفات الإلهية. فلو كانت أخبار الآحاد الصحيحة لا تفيد علما, ولا تثبت عقيدة لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم, وهذا لا يقوله مسلم. [ انظر الصواعق المرسلة 2: 396 ]

5- قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) الأنبياء 7. فأمر الله بسؤال أهل الذكر, والأمر للوجوب مطلقا, ويؤكد ذلك كون السائل لا يعلم, ويحرم عليه العمل بالجهل أو بغير تثبت, ولو لم يكن القبول واجبا لما كان السؤال واجبا, فوجب العمل (ووجوب العمل يقتضي وجوب العلم كما أوضحنا سابقا) بخبر المخبر الثقة, وإلا كان وجوب السؤال كعدمه, وذلك باطل. فلولا أن أخبارهم تفيد العلم لم يأمر بسؤال من لا يفيد خبره علماً، وهو سبحانه لم يقل سلوا عدد التواتر بل أمر بسؤال أهل الذكر مطلقاً فلو كان واحداً لكان سؤاله وجوابه كافيا.

6- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه) المائدة 67. وقوله تعالى: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِين) ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ، ويحصل به العلم فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم، وقد كان الرسول(ص) يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه، فتقوم الحجة على من بلغه وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته, ولو لم يفد ذلك العلم لم تقم علينا بذلك حجة ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر، وهذا من أبطل الباطل فيلزم من قال أن أخبار رسول الله(ص) لا تفيد العلم أحد أمرين :
أ- إما أن يقول أن الرسول لم يبلغ غير القرآن وما رواه عنه عدد التواتر وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ .
ب- وإما أن يقول أن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب ولا يقتضي علما.
وهذان الأمران هما عين الباطل, فلزم المراد.
وزيادة في البيان والتوضيح أقول: إن الله أمر رسوله بتبليغ ما أنزل إليه للناس كافة(من عاصره ومن يأتي بعده إلى يوم القيامة), فوجب التبليغ عنه(ص) على من سمع من فمه الشريف, ووجب كذلك على من بعدهم ممن سمعهم.., وهكذا. وإلا كان وجوب التبليغ على النبي(ص) كعدمه, وهذا باطل. والتبليغ عنه(ص) قد تقوم به جماعة أو واحد أو اثنان, ولا يؤمر أحد بالتبليغ غلا وقد وجب قبول خبره, ووجب العمل به على كل من سمعه, وغلا كان وجوب التبليغ على الفرد أو الجماعة كعدمه, وهذا باطل ممتنع. ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ, ويحصل به العلم(كما أوضحنا سابقا).

7- قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا) البقرة 143. وقوله تعالى: (وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ). فالمخبر بخبر عن النبي(ص) شاهد على الناس بأن الرسول(ص) قد قال كذا وكذا, ولا يجوز أن يجعله الله شاهدا على الناس, إلا ويتعبد بالرجوع إلى خبره عنه(ص), وإلا كانت الشهادة على الناس كعدمها. وهذا كله باطل, فلزم المراد.
وزيادة في البيان أقول: أنه تعالى أخبر أن جعل هذه الأمة عدولاً خياراً ليشهدوا على الناس بأن رسلهم قد بلغوهم عن الله رسالته وأدوا عليهم ذلك، وهذا يتناول شهادتهم على الأمم الماضية وشهادتهم على أهل عصرهم ومن بعدهم أن رسول الله(ص) أمرهم بكذا ونهاهم عن كذا, فهم حجة الله على من خالف رسول الله وزعم أنه لم يأتهم من الله ما تقوم به عليه الحجة, وتشهد هذه الأمة الوسط عليه بأن حجة الله بالرسل قامت عليه, ويشهد كل واحد بانفراده بما وصل إليه من العلم الذي كان به من أهل الشهادة, فلو كانت أحاديث رسول الله(ص) التي يرويها الآحاد لا تفيد العلم, لم يشهد به الشاهد ولم تقم به الحجة على المشهود عليه. وانظر الآتي :

8- قوله تعالى: (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُون). وهذه الأخبار التي رواها الثقات الحفاظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إما أن تكون حقاً أو باطلاً أو مشكوكاً فيها لا يدري هل هي حق أو باطل .
فإن كانت باطلاً أو مشكوكاً فيها وجب طرحها وعدم الالتفات إليها, وهذا انسلاخ من الإسلام بالكلية. وإن كانت حقاً فيجب الشهادة على القطع بأنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وكان الشاهد بذلك شاهداً بالحق وهو يعلم صحة المشهود به. [ ذكره ابن القيم في الصواعق المرسلة ]

9- قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله..) النساء 135. فأوجب –جل في علاه- الشهادة لله, والقيام بالقسط.., والأمر للوجوب, ولا يوجب ذلك إلا وقد ألزم قبول شهادة الشاهد. ومن أخبر عن النبي(ص) بما سمعه منه فقد قام بالقسم المأمور به, وشهد لله, فليزم على السامع قبول الخبر, وإلا كان وجوب الشهادة كعدمها, وهذا باطل ممتنع. [ ذكره القاضي برهون في خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته 2: 66 ]

10- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم) ووجه الاستدلال أن هذا أمر لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى يوم القيامة. ودعوته نوعان.. نوع: مواجهة, ونوع: بواسطة مبلغ. وهو مأمور بإجابة الدعوتين في الحالتين, وقد علم أن حياته في تلك الدعوة والاستجابة لها، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً أو يحييه بما لا يفيد علماً أو يتوعده على ترك الاستجابة لما لا يفيد علماً بأنه إن لم يفعل عاقبه وحال بينه وبين قلبه.

11- قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم). وهذا يعم كل مخالف بلغه أمره(ص) إلى يوم القيامة. ولو كان ما بلغه لم يفده علماً لما كان متعرضاً بمخالفة ما لا يفيد علماً للفتنة والعذاب الأليم, فإن هذا إنما يكون بعد قيام الحجة القاطعة التي لا يبقى معها لمخالف أمره عذرا. وكلمة(أمره) تشمل -بعمومها وإطلاقها- العقائد والأحكام, والمتواتر والآحاد, والعبادات والحدود والمعاملات..., فتأمل منصفا.

12- قول الله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) النساء59.
فإذا رجعوا إلى سنة الرسول(ص) بعد وفاته - والآية مطلقة وعامة, تشمل حياته ووفاته(ص), وتشمل العقيدة والأحكام, وتشمل المتواتر والآحاد الذي وصل إلينا عنه(ص) – فماذا تفيدهم؟ فإن قالوا: ظنا, فهل يأمر الله المتنازعين أن يردوا المتنازع فيه إلى ما يفيدهم ظنا, فيستمر النزاع ؟!! لولا أن المردود إليه يفيد العلم والعمل, وينهي النزاع, لم يكن في الرد إليه أي فائدة, وهذا هو عين الباطل.. فثبت المراد والحمد لله, فتأمل منصفا.

13- قوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه..) الحشر7. إن لفظة(ما) من ألفاظ العموم والشمول, وأنت أخي القارئ لو سألت المخالفين لنا عن دليلهم في وجوب الأخذ بخبر الواحد في الأحكام, لاحتجوا بهذه الآية. فلا أدري, ما الذي حملهم على استثناء العقيدة من وجوب الأخذ بها, وهي داخلة في عموم الآية دخولا يقينيا, يعرف ذلك كل من شم رائحة الفقه واللغة.., فكلامهم تخصيص بلا مخصص, وذلك كله باطل عاطل.

14- قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتان, أؤلئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) البقرة 159.
فلقد توعد الله على كتمان البينات والهدى, فدل ذلك على وجوب إظهار الهدى - ولا شك أن أقوال النبي(ص) وأفعاله من البينات والهدى " وما ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى" – وما يسمعه الواحد من النبي(ص) يجب عليه إذا إظهاره. فلو لم يجب على من بلغه قبوله, لكان الإظهار كعدمه, فلا يجب. وهذا باطل بنص الآية, فلزم المراد والحمد لله.
وقد يعترض معترض فيقول: لا يسلم لك هذا الدليل؛ لأن الآية خاصة باليهود والنصارى بدليل سبب نزولها الصحيح الثابت.
أقول:
أ- إن العبرة بعموم اللفظ, لا بخصوص السبب كما هو معلوم للمبتدئ.
ب- اللعن لا يشمل اليهود والنصارى لمجرد أنهم يهود ونصارى, بل لأنهم كتموا البينات والهدى, فاستحقوا لعن الله ولعن اللاعنين. فعلة اللعن هي الكتمان, وهذا يشمل كل من كتم آية أو حديثا أو علما.
وهذا هو ما فهمه علماء المسلمين. روى البخاري(188) عن أبي هريرة(رض) أنه قال: "إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة -يعني في رواية الأحاديث عن النبي(ص)-, ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا, ثم تلا البقرة 159: 163 ...". وروى البخاري(128) عن أنس(رض): "أن معاذ بن جبل أخبر بحديث عند موته تأثما".(أي حتى لا يحمل إثم كتمان حديث النبي"ص"). وهذا أيضا هو قول كبار المفسرين: ابن كثير 1: 618, والشوكاني في تفسيره 1: 115, ود. محمد محمود حجازي في التفسير الواضح 1-2-14, والشعراوي ص687, وغيرهم من كبار المفسرين.

15- قوله تعالى: (واذكرن ما يتلوا في بيوتكن من آيات الله والحكمة..) الأحزاب 34.
أمر الله أزواج رسوله(ص) بأن يخبرن بما أنزل الله من القران في بيوتهن, وما يرين من أفعال النبي(ص) وما يسمعن من أقواله؛ حتى يصل ذلك إلى الناس, فيعملوا بما فيه ويقتدوا به. وما أمرن بذلك إلا والحجة قائمة بالأخبار التي يبلغنها, ولو كانت الحجة لا تقوم بما تبلغ الواحدة منهن عنه(ص) لكان وجوب التبليغ عليهن كعدمه, لا فائدة له ولا قيمة. وهذا باطل.., فلزم المراد, فإن وجوب العمل مترتب على وجوب العلم كما أوضحنا سابقا.

16- قوله تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب, هذا حلال وهذا حرام, لتفتروا على الله الكذب, إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) النحل 116.

أفادت الآية أن التحليل والتحريم بدون إذن من الله كذب على الله وبهتان عظيم. فإذا كنا والخالفين متفقين على إيجاب التحليل والتحريم بخبر الواحد الصحيح, وأننا به ننجو من التقول على الله, لأن هذا الخبر إذن من الله لنا بالتحليل والتحريم. فيلزمهم من هذا المنطلق إيجاب الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة ولا فرق, لأنها إذن من الله لنا بالتحدث في أمور العقيدة المذكورة في هذه الأحاديث. فمن ادعى التفريق فعليه الدليل والبرهان, ودون ذلك خرط القتاد وخيوط القمر.

17- قوله تعالى: (يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا..) الحجرات 6. وقرأ حمزة والكسائي وخلف: (فتثبتوا) [ البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة 2: 315, لشيخ القراء سراج الدين النشار(ت: 938هـ) ].
وقبل أن أبين دلالة هذه الآية على المطلوب, أحب أن أبين أننا احتججنا بهذه الآية فيما نحن فيه بسبب أن الله قد تكفل بحفظ الله للشريعة والقران والسنة. فلا يصح الاحتجاج بها على إفادة شهادة الشاهد العدل العلم؛ لأن الشهادة المعينة على شيء معين لم يتكفل الله بحفظها… فافهم هذا جيدا وتأمله منصفا.
وجه الاستدلال بهذه الآية: الآية تدل على أنه إذا جاء من ليس بثقة ولا عدل بخبر, وجب علينا أن نتثبت ونتبين من صحة هذا الخبر. والآية تدل جزما وقطعا –في ضوء ما نبهنا عليه قبل هذا الشرح- على قبول خبر كل من انتفت عنه الصفات الموجبة لرد روايته وعدم الاعتداد بها كالفسق وضعف الحفظ وقبول التلقين, فالوصف بالفسق جاء في هيئة الشرط في الآية. فلزم –بمفهوم الآية والشرط المذكور فيها- أن خبر الواحد الصحيح مفيد للعلم, ولو كان لا يفيد علما لأمر الله تعالى بالتثبت حتى يحصل العلم. ومما يؤكد ما ذكرت عمل الصحابة, فمما هو معلوم بيقين عند كل علماء الحديث أن بعض الصحابة يقول: قال رسول الله(ص) كذا وكذا. في حين أن هذا الصحابي يكون قد سمعه من صحابي آخر سمعه من النبي(ص). وهذا القول "قال رسول الله" شهادة من القائل وجزم بأن النبي(ص) قد قال هذا. ولو كان خبر الواحد لا يفيد العلم لكان الصحابي شاهدا على رسول الله(ص) بغير علم. وهذا لا يقوله مسلم. [ وانظر بعضا من هذا الكلام في إعلام الموقعين 2: 394 ]









أدلة السنة:

1- عن أنس قال: قال(ص): (من رغب عن سنتي فليس مني). رواه البخاري (6/116) وهو حديث صحيح أجمع على صحته أهل القبلة كلهم لاحتجاجهم به في كل كتبهم. وكلمة(سنتي) شاملة لأخبار النبي(ص) في العقائد والأحكام, والمتواتر والآحاد.
وانظر إلى الوعيد الذي ذكره(ص) فهو شديد شديد. ومن هذا نستفيد أن خبر الواحد الصحيح يفيد العلم اليقيني والعمل, وإلا كان ذكر هذا الوعيد من اللغو والعبث.. حاشا لله.

2- قال البخاري(4486): ( حدثنا أبو نعيم سمع زهيراً عن أبي إسحاق عن البراء  أن رسول الله  صَلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً . وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَلَ البيت وأنه صلَّى – أو صلاّها – صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمرَّ على أهل المسجد وهم راكعون ، قال : أشهد بالله لقد صليت مع النبي  قِبَلَ مكة فداروا كما هم قِبَلَ البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قِبَلَ البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم } [ البقرة : 143 ] ) اهـ.
وجه الاستدلال: أن المسلمين لما أخبرهم الواحد وهم بقباء في صلاة الصبح-كما روى البخاري, وأجمعت الأمة على صحة ذلك الحديث فقد تلقته الأمة بالقبول وروته قرنا بعد قرن من غير نكير- أن القبلة قد حولت إلى الكعبة, قبلوا خبره وتركوا الحجة التي كانوا عليها واستداروا إلى القبلة, ولم ينكر عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. ولقد كانوا على أمر مقطوع به من القبلة الأولى, فما توقف أحد منهم ولا قال : أتم صلاتي حتى استوثق بعد ذلك أَحُوِّلَتِ القبلة أم لا لاحتمال أن يكون كاذباً . ما خطر هذا في بال أحدهم . فلولا حصول العلم لهم بخبر الواحد لم يتركوا المقطوع به المعلوم لخبر لا يفيد العلم.

3- ما رواه مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال (كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شراباً من فضيخ, فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها, فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى كسرتها).
ووجه الاستدلال بهذا الحديث الصحيح: أن أبا طلحة أقدم على قبول خبر التحريم حيث ثبت به التحريم لما كان حلالا, وهو يمكنه أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة. وأكد ذلك القبول بإتلاف الإناء وما فيه, وهو مال, وما كان ليقدم على إتلاف المال بخبر من لا يفيده خبره العلم عن رسول الله(ص) ورسول الله إلى جنبه. فقام خبر ذلك الآتي عنده وعند من معه مقام السماع من النبي(ص) بحيث لم يشكوا ولم يرتابوا في صدقه.

4- قال(ص) في الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول, ولم يقدح في صحته أحد: " بلغوا عني", وقال لأصحابه في الجمع الأعظم يوم عرفة " أنتم مسئولون عني فماذا أنتم قائلون". قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت.
ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ، ويحصل به العلم. فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد. فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه، فتقوم الحجة على من بلغه وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته, ولو لم يفد العلم لم تقم علينا بذلك حجة ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر، وهذا من أبطل الباطل. فيلزم من قال أن أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا تفيد العلم أحد أمرين :
أ- إما أن يقول أن الرسول لم يبلغ غير القرآن وما رواه عنه عدد التواتر وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ .
ب- وإما أن يقول أن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب علماً ولا يقتضي علماً.
وإذا بطل هذان الأمران بطل القول بأن أخباره - صلى الله عليه وسلم- التي رواها الثقات العدول الحفاظ لا تفيد علما. وهذا ظاهر لا خفاء فيه بحمد الله.

5- روى الشافعي في الرسالة فقال: أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبيه عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: " نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه إلى غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم . إخلاص العمل لله والنصيحة للمسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من ورائهم". رواه أحمد وابن ماجة عن أنس وصححه الألباني في صحيح الجامع(6640), ورواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وهو حديث متواتر بلغ رواته من الصحابة نحو ثلاثين صحابياً، كما ذكر الإمام السيوطي في تدريب الراوي(ج 2 ص179، وانظر كشف الخفاء ومزيل الالتباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني ج2 ص 441), وهو مما أجمعت على صحته الأمة, ولم يطعن فيه حتى أعداء السنة.‏
قال الشافعي في الرسالة(ص402 – 403): فلما ندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها أمرا أن يؤديها ولو واحد دل على أنه لا يأمر من يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدي إليه؛ لأنه إنما يؤدي عنه حلالاً يؤتى, وحرام يجتنب, وحد يقام, ومال يؤخذ ويعطى, ونصيحة في دين ودنيا. ودل على أنه قد يحمل الفقه غير الفقيه يكون له حافظاً ولا يكون فيه فقيهاً وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به في أن إجماع المسلمين لازم ". اهـ

والمقصود أن خبر الواحد العدل لو لم يفد علماً لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن لا يقبل من أدى إليه إلا من عدد التواتر الذي لا يحصل العلم إلا بخبرهم ولم يدع للحامل المؤدي وإن كان واحداً، لأن ما حمله لا يفيد العلم فلم يفعل ما يستحق الدعاء وحده إلا بانضمامه إلى أهل التواتر وهذا خلاف ما اقتضاه الحديث ومعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إنما ندب إلى ذلك وحث عليه وأمر به لتقوم به الحجة على من أدي إليه فلو لم يفد العلم لم يكن فيه حجة .

6- حديث أبي رافع الصحيح(وهو مما تلقته الأمة بالقبول, فلم يطعن فيه أحد, ولا حتى مجنون) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: " لا ألفين أحداً منكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري, يقول: لا ندري ما هذا.., بيننا وبينكم القرآن. ألا وإني أوتيت القران ومثله معه ". رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه, وأحمد بإسناد صحيح.
ووجه الاستدلال أن هذا نهي عام لكل من بلغه حديث صحيح ((لقوله"ص": يأتيه الأمر من أمري. .. يأتيه الأمر عن طريق الآحاد من الصحابة الذين هم أول من ينقل الخبر)) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يخالفه أو يقول لا أقبل إلا القرآن بل هو أمر لازم وفرض حتم بقبول أخباره وسننه وإعلام منه - صلى الله عليه وسلم- أنها من الله أوحاها إليه فلو لم تفد علماً لقال من بلغته إنها أخبار آحاد لا تفيد علماً فلا يلزمني قبول مالا علم لي بصحته والله تعالى لم يكلفني العلم بما لم أعلم صحته ولا اعتقاده بل هذا بعينه هو الذي حذر منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أمته ونهاهم عنه ولما علم أن في هذه الأمة من يقوله حذرهم منه فإن القائل إن أخباره لا تفيد العلم هكذا يقول سواء لا ندري ما هذه الأحاديث وكان سلف هؤلاء يقولون بيننا وبينكم القرآن وخلفهم يقولون بيننا وبينكم أدلة العقول وقد صرحوا بذلك وقالوا نقدم العقول على هذه الأحاديث آحادها ومتواترها ونقدم الأقيسة عليها.

7- عن أنس قال: "أن أهل اليمن قدموا على رسول الله(ص) فقالوا: ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام. فأخذ صلى الله عليه وسلم بيد أبي عبيدة فقال: هذا أمين هذه الأمة". أخرجه مسلم, ورواه البخاري مختصرا.
ولو لم يفد خبر الواحد العلم والعمل, لم يبعث إليهم(ص) أبا عبيدة بن الجراح وحده.
وقولهم( يعلمنا السنة والإسلام) صريح في أن ذلك يشمل العقيدة.

8- عن أبي جمرة، قال: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، فقال: إن وفد عبد القيس أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " من الوفد أو من القوم" قالوا: ربيعة, فقال : " مرحبا بالقوم أو بالوفد، غير خزايا ولا ندامى" قالوا: إنا نأتيك من شقة بعيدة، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نخبر به من وراءنا، ندخل به الجنة. فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله عز وجل وحده، قال: " هل تدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان، وتعطوا الخمس من المغنم" ونهاهم عن الدباء والحنتم والمزفت" قال شعبة: ربما قال: " النقير" وربما قال: " المقير" قال: " احفظوهن وأبلغوهن من وراءكم". رواه البخاري.
إن الأمر النبوي الشريف " احفظوهن وأبلغوهن من وراءكم" يتناول كل فرد كما هو واضح, فلولا أن خبر الواحد يفيد العلم والعمل ما حضهم صلى الله عليه وسلم ولا أمرهم, وإلا كان أمره(ص) لهم عبثا.., وهذا لا يقوله مسلم.

9- أن النبي  أرسل معاذاً وحده إلى اليمن كما في الصحيحين من حديث ابن عباس . وقال له : « إنك تَقْدَمُ على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله ، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة ... » الحديث. رواه البخاري ( 1496 ) ومسلم في باب ( الدعاء إلى الشهادتين ) من ( كتاب الإيمان ) .
وفي رواية أخرى عن ابن عباس أيضاً : « إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... » الحديث ، وفي رواية : « إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ».
فالنبي  قال لمعاذ  : « فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله » هذه عقيدة أم لا ؟! أو ليست هذه هي كلمة التوحيد التي يُبْنَى عليها الإسلام كله ؟
لو أن أهل اليمن بعد دخول معاذٍ ودعوته للتوحيد فيهم أبوا أن يقبلوا خبره لكانوا كفرة مرتدين.
فهل يُعْقَلَ أن يقول أهل اليمن لمعاذٍ: خبر رسول الله  على العين والرأس لكنَّ كلامك لا يفيد علماً لاحتمال أن تكون مخطئاً أو كاذباً لذلك فنحن لا نقبل منك إلا إذا أرسل معك ما يبلغ عدد التواتر ؟! ما قاله أهل اليمن، ولا يُقْبَلَ أن يقوله أحد. وهذه عقيدة .. فتأمل.

10- عن مالك بن الحويرث قال: أتينا النبي(ص) ونحن شببة متقاربون, فأقمنا عنده نحوا من عشرين ليلة, وكان رسول الله(ص) رحيما رفيقا, فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا, أو قد اشتهينا أهلنا, أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا, فأخبرناه, قال: ارجعوا إلى أهليكم, فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم, وصلوا كما رأيتموني أصلي. رواه البخاري.
فقد أمر(ص) كل واحد من هؤلاء الشببة-كما قال العلامة الألباني- أن يعلم كل واحد منهم أهله, والتعليم يعم العقيدة, بل هي أول ما يدخل في العموم.., فتأمل منصفا.

11- عن أنس قال: "دخل رجل.. فسأل رسول الله(ص): أسألك بربك ورب من قبلك, الله أرسلك إلى الناس كلهم. فقال(ص): اللهم نعم. فقال الرجل: ...إلخ, فقال الرجل: آمنت بما جئت به, وأنا رسول من ورائي من قومي, وأنا ضمام بن ثعلبة...". رواه البخاري(63), ولم يطعن في صحته أحد من علماء الحديث.
فهذا رجل واحد, أرسله قومه ليسأل النبي(ص) في أمور من صميم العقيدة, فلم يخرج أحد من قومه ليتفلسف ويقول: هذا واحد لا نستطيع إرساله إلى النبي(ص) ليسأله في أمور العقيدة, لأنها أمور تحتاج للتواتر.. !! فتأمل أخي القارئ, هدى الله المخالف إلى ما فيه الخير والصواب.

12- حديث الجساسة المشهور, وهو مما تلقته الأمة كلها بالقبول إلا من شذ من العقلانيين العصريين:
عن عامر بن شرحبيل الشعبي أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس- وكانت من المهاجرات الأول- فقال: حدثيني حديثا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسنديه إلى أحد غيره. فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقال لها: أجل. حدثيني فذكرت قصة تأيمها من زوجها واعتدادها عند ابن أم مكتوم. ثم قالت: فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي؟ منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة. فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: "ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم أرفؤا إلى جزيرة... فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر. فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت : أنا الجساسة. فقالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال. فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. قلنا: ويلك ما أنت؟ قال. قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم (أي هاج) فلعب بنا الموج شهرا ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، يدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا يدري ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا. ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا. وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة. قال أخبروني عن نخل بيسان (مدينة بالأردن بالغورالشامي).. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك ألا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قلنا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر؟ (في طرف البحيرة المنتهية في واد هناك بينها وبين بيت المقدس ثلاثة أيام وهي من ناحية الحجاز). قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني: إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منها استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر: "هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة- يعني المدينة- ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم. فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو: من قبل المشرق ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم وأبو داود.
وجه الاستدلال بهذا الحديث الخطير: في هذا الحديث صراحة قبول خبر الواحد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرد قول تميم الداري, ولم يقل له: " إن ما تحكيه لي هو من أمور العقيدة, وأنا لا أقبل منك أو من مثلك شيئا في أمور العقيدة والغيب إلا أن ينقل لي بالتواتر". بل لقد أقر النبي(ص) تميما بقوله(ص) بأن ما حدث به تميم موافق لما كان يحدث به أصحابه رضي الله عنهم. وقد صرح بذلك النبي(ص) على المنبر- كما هو واضح في أول الحديث-, فهذا من النبي(ص) إقرار واضح تمام الوضوح لما قاله الداري. وإن ما قاله تميم للنبي(ص) هو أمر غيبي, وهو من أشراط الساعة. وهذا-كما يقول القاضي برهون في: خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته(2: 425)- من صميم الدين, وجب الإيمان به واعتقاده, والتكذيب به تكذيب بالدين. وقد أطلت هنا بعض الشيء ردا لقول بعض الناس: في ادعائه بأن النبي(ص) لم يقر تميما الداري, وادعائه أيضا بأن تصديق الكاذب فيما لا يخل بأصل الدين شيء جائز.. !! ولا يخفاك أيها القارئ اللبيب أن هذا فيه غمز ولمز وتعريض صريح بالصحابي الجليل تميم الداري.

13- روى أحمد والشافعي في الرسالة(ص411) عن عمرو بن سليم الزرقي عن أمه, قال: "بينما نحن بمنى إذا علي بن أبي طالب على جمل يقول: إن رسول الله(ص) يقول: إن هذه أيام طعام وشرب فلا يصومن أحد, فتبع الناس وهو على جمله يصرخ فيهم بذلك". وهو حديث صحيح.
فهذا صلى الله عليه وسلم كان بمقدوره- كما يقول القاضي برهون في كتابه الرائع الماتع الذي لم تقع عيناي على مثله [خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته](2: 18)- أن يبعث عددا يفيد التواتر, فلم يبعث إلا واحدا يعرفونه بالصدق. وهو(ص) لا يبعث بأمره إلا والحجة للمبعوث إليهم قائمة بقبول خبره عنه(ص). فمدار الأمر هنا على أن النبي(ص) لا يبعث أحدا إلا إذا كانت الحجة(وهي إفادة العلم والعمل) تقوم به.

14- عن مرثد بن ظبيان, قال: جاءنا كتاب من رسول الله(ص) فما وجدنا له قارئا يقرأه علينا غير رجل من بني ضبيعة: "من رسول الله(ص) إلى بكر بن وائل: أسلموا تسلموا ". رواه أحمد بسند صحيح.

فهذه قبيلة كاملة, اعتمدت على رجل واحد في قراءة كتاب رسول الله(ص), فأخبرهم الرجل أن فيه: أسلموا تسلموا, وهذا هو أس العقيدة ولبها, فلم يقولوا: " انتظروا حتى نأتي بعدد التواتر؛ لأن ما يخبرنا به هذا الرجل هو عقيدة تحتاج إلى التواتر". فتأمل ما تفعل العصبية والهوى بأهلهما.. !!


15- قال(ص): "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي, لن يفترقا حتى يردا على الحوض". رواه مالك بلاغا, والحاكم مسندا وصححه, وقال العلامة الألباني بإسناد حسن.
فقد أطلق صلى الله عليه وسلم بقوله: "سنتي", ولم يقل " المتواتر من سنتي". وهذا الشمول والعموم يشمل المتواتر والآحاد من سنته الشريفة.., فتأمل منصفا.

16- قال(ص): "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". رواه الشيخان.
وما يدعيه المخالف هو البدعة بعينها, لم يدعيها أحد من سلفنا الصالح, إنما قال به جماعة من علماء الكلام المتأخرين. فلم يقل أحد لمن حدثه حديثا عقديا عن رسول الله(ص): خبرك خبر واحد لا يفيد العلم حتى يتواتر.. !!
وتقسيم الحديث إلى متواتر يفيد القطع, وآحاد يفيد الظن هو-كما يقول القاضي برهون
(2: 396)- من صنيع الجهمية والمعطلة والرافضة والمعتزلة, وليس من صنيع أهل الحديث. وهذا هو الثابت في كلام أهل العلم:

1- قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه(1: 130 بشرح النووي) فيمن طعن في بعض كيفيات رواية الحديث وطرق تحمله: " وهذا القول– يرحمك الله- في الطعن في الأسانيد قول مخترع مستحدث, غير مسبوق صاحبه إليه, ولا مساعد له من أهل العلم عليه. وذلك هو القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا, أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا, وجائز ممكن لقاؤه والسماع منه, لكونهما جميعا في عصر واحد, وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا, ولا تشافها بكلام, فالرواية ثابتة, والحجة بها لازمة ".

2- قال الإمام وكيع: "من رد حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير عن النبي(ص) في الرؤية-أي رؤية المؤمنين لله يوم القيامة- فاحسبوه من الجهمية". رواه عبد الله بن أحمد في السنة بسند حسن.

3- قال أبو إسحاق الفقيه إبراهيم بن محمد بن شاقلا(انظر طبقات الحنابلة لأبي يعلى 2: 135): من خالف الأخبار التي نقلها العدل عن العدل موصولة بلا قطع في إسناد, ولا جرح في ناقليها, وتجرأ على ردها, فقد تهجم على رد الإسلام؛ لأن الإسلام إنما نقل إلينا بمثل ما ذكرت".

4- أنكر أبو الحسن الخياط المعتزلي القدري(ت 300هـ) حجية أخبار الاحاد مطلقا, وألف كتابه(الرد على من أثبت خبر الواحد). انظر الفرق بين الفرق(ص136) والانتصار للخياط(ص27).

5- قال الإمام ابن تيمية في المسودة(238): قال قوم من أهل البدع من الروافض ومن المعتزلة: لا يجوز العمل بخبر الواحد, وقال القاساني وأبو بكر بن داود من الرافضة: لا يجوز العمل به شرعا, وإن جوز التعبد به.. !! وحكى ابن برهان كقول القاساني عن النهرواني وإبراهيم بن إسماعيل بن علية.

6- قال ابن حزم في الإحكام(1: 113, 114): صح إجماع الأمة كلها على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي(ص), وأن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي(ص), يجري على ذلك كل فرقة في علمها, كأهل السنة والخوارج والشيعة والقدرية, حتى حدث متكلموا المعتزلة بعد المائة من التاريخ, فخالفوا الإجماع في ذلك.

7- قال القاضي عبد الجبار المعتزلي عن خبر الواحد(شرح الأصول الخمسة ص768, 770): إن كان-أي خبر الواحد- مما طريقه الاعتقادات ينظر, فإن كان موافقا لحجج العقول قبل, واعتقد موجوبه, لا لمكانه بل للحجة العقلية. وإن لم يكن موافقا لها فإن الواجب أن يرد, ويحكم بأن النبي(ص) لم يقله... !!!

8- قال القاضي برهون(1: 117): نقل أبو منصور البغدادي عن أبي هذيل العلاف في الأخبار قوله: إن الحجة من طريق الأخبار فيما غاب عن الحواس من ايات الأنبياء عليهم السلام, وفيما سواها, لا تثبت بأقل من عشرين نفسا, فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر.

9- قال ابن أبى العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية(ص127): ".. يشير الشيخ-أي الطحاوي- بذلك إلى الرد على الجهمية والمعطلة والمعتزلة والرافضة القائلين بأن الأخبار قسمان: متوتر وآحاد.. فالمتواتر-أي عندهم- قطعي السند. قالوا: والآحاد لا تفيد العلم".

10- قال ابن القيم في الصواعق المرسلة(2: 458): لا سلف للقائل به-أي القائل بإفادة حديث الآحاد الظن- إلا الجهمية والمعطلة والرافضة والقدرية والمعتزلة, وتلقفه منهم من تلقفه من أهل الفقه والأصول, ولم يقفوا على ما قصدوا بهذا القول-أي مقصودهم رد السنة النبوية- كما قال أبو المظفر-أي الإمام السمعاني-.

ومن هذا يتضح أن "هذا التفريق الذي صار عقيدة في أذهان كثير من الناس إنما هو من صنيع متكلمي الفرق قديما, وتلقفه منهم أهل الأصول, فصار مقبولا لدى كثير من المثقفين الإسلاميين في غفلة من أهل الحديث في العصور المتأخرة". اهـ من برهون(1: 351).
 
التعديل الأخير:
الإجماع:

الإجماع على تحريم القول والعمل بغير علم، وعلى وجوب العلم قبل القول والعمل:

1- قال الإمام المالكي الكبير شهاب الدين القرافي في كتابه " الفروق 2: 148و 149" : " إن الغزالي حكى الإجماع في إحياء علوم الدين، والشافعي في رسالته حكاه أيضا في: أن المكلَّف لا يجوز له أن يُقدم على فعلٍ حتى يعلم حكم الله فيه. فمن باع وجب عليه أن يتعلم ماعيّنه الله وشرعه في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله تعالى في الإجارة، ومن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في القراض، ومن صلى وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في تلك الصلاة، وكذلك الطهارة وجميع الأقوال والأعمال. فمن تعلّم وعمل بمقتضى ما عَلِم فقد أطاع الله طاعتين، ومن لم يعلم ولم يعمل فقد عصى الله معصيتين، ومن عَلِم ولم يعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله طاعة وعصاه معصية.
ويدل على هذه القاعدة أيضا من جهة القرآن، قوله تعالى- حكاية عن نوح عليه السلام- (إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم) هود 47. ومعناه: ما ليس لي بجواز سؤاله علم، فدلّ ذلك على أنه لا يجوز له أن يقدم على الدعاء والسؤال إلا بعد علمه بحكم الله تعالى في ذلك السؤال وأنه جائز، وذلك سبب كونه عليه السلام عوتب على سؤال الله عز وجل لابنه أن يكون معه في السفينة لكونه سأل قبل العلم بحال الولد، وأنه مما ينبغي طلبه أم لا ؟ فالعتب والجواب كلاهما يدل على أنه لابد من تقديم العلم بما يريد الإنسان أن يشرع فيه.
إذا تقرر هذا فمثله أيضا قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) الإسراء:36. نهى الله تعالى نبيّه عليه السلام عن اتباع غير المعلوم فلا يجوز الشروع في شئ حتى يعلم، فيكون طلب العلم واجبا في كل حالة. ومنه قوله(ص): " طلب العلم فريضة على كل مسلم ".
قال الشافعي رحمه الله: طلب العلم قسمان: فرض عين وفرض كفاية، ففرض علمك بحالتك التي أنت فيها، وفرض الكفاية ماعدا ذلك. اهـ كلام القرافي.

2- أهل العلم بالحديث لم يزالوا يقولون صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وذلك جزم منهم بأنه قاله، ولم يكن مرادهم ما قاله بعض المتأخرين أن المراد بالصحة صحة السند لا صحة المتن بل هذا مراد من زعم أن أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا تفيد العلم، وإنما كان مرادهم صحة الإضافة إليه وأنه قال كما كانوا يجزمون بقولهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأمر ونهى وفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وحيث كان يقع لهم الوهم في ذلك يقولون يذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويروى عنه ونحو ذلك.

3- خبر الواحد العدل لو لم يفد العلم لم تجز الشهادة على الله ورسوله بمضمونه ومن المعلوم المتيقن أن الأمة من عهد الصحابة إلى الآن لم تزل تشهد على الله وعلى رسوله بمضمون هذه الأخبار جازمين بالشهادة في تصانيفهم وخطابهم، فيقولون شرع الله كذا وكذا على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم- فلو لم يكونوا عالمين بصدق تلك الأخبار جازمين بها لكانوا قد شهدوا بغير علم وكانت شهادتهم زوراً وقولاً على الله ورسوله بغير علم ولعمر الله هذا حقيقة قولهم وهم أولى بشهادة الزور من سادات الأمة وعلمائها.

4- قال الإمام أبو المظفر السمعاني في كتاب الحجة في بيان المحجة(217): "أجمع أهل الإسلام متقدموهم ومتأخروهم على رواية الأحاديث في صفات الله وفي مسائل القدر ، والرؤية ، وأصل الإيمان ، والشفاعة والحوض ، وإخراج الموحدين المذنبين من النار ، وفي صفة الجنة والنار ، وفي الترغيب والترهيب ، والوعد والوعيد ، وفي فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ومناقب أصحابه وأخبار الأنبياء المتقدمين عليهم السلام ، وكذلك أخبار الرقائق والعظات ، وما أشبه ذلك مما يكثر عدَّه وذكره ، وهذه الأشياء كلها علمية لا عملية ، وإنما تروى لوقوع علم السامع بها" اهـ.
ومما يؤكد لك ذلك, هذه الأمثلة:

أ- لما قال معبد الجهني وجماعة معه في البصرة بالقدر، وبلغ ذلك ابن عمر من طريق يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري قال ابن عمر: "فإذا لقيت أولئك فأخبرهم إني برئ منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر"، ثم روى عن أبيه الحديث المشهور الذي فيه سؤال جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان فأجابه رسول لله صلى الله عليه وسلم على أسئلته إجابة شافية، ومن إجابته عن السؤال عن الإيمان قوله: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره". روى كل ذلك مسلم في صحيحه.
والشاهد أن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر اكتفى في هذه المسألة العقدية الكبيرة بالاحتجاج بالسنة النبوية مع أن هناك آيات في الإيمان بالقدر.

ب- عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنَّكم إليها " قال: فقال بلال أن عبد الله: والله لنمنعهن. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبّه سباً سيئاً ما سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: "والله لنمنعهن". رواه مسلم.

ج- أثبت عمر بن الخطاب شريعة عامة في حق المجوس بخبر عبد الرحمن بن عوف وحده كما رواه الشافعي وأحمد بأسانيد صحيحة.

د- أثبت عثمان بن عفان شريعة عامة في سكنى المتوفى عنها بخبر فريعة بنت مالك وحدها. رواه أحمد أصحاب السنن الأربعة.
هـ- عن سعيد بن جبير‏.‏ قال‏:‏ قلت لابن عباس‏:‏
إن نوفا البكالي يزعم أن موسى، عليه السلام، صاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر، عليه السلام‏.‏ فقال‏:‏ كذب عدو الله‏.‏ سمعت أبي بن كعب يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل‏.‏ فسئل‏:‏ أي الناس أعلم‏؟‏ فقال‏:‏ أنا أعلم‏.‏ قال فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه‏.‏ فأوحى الله إليه‏:‏ أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك‏.‏ قال موسى‏:‏ أي رب‏!‏ كيف لي به فقيل له‏:‏ احمل حوتا في مكتل‏.‏ فحيث تفقد الحوت فهو ثم‏.‏ فانطلق وانطلق معه فتاه‏.‏ وهو يوشع بن نون‏.‏ فحمل موسى، عليه السلام، حوتا في مكتل‏.‏ وانطلق هو وفتاه يمشيان حتى أتيا الصخرة‏.‏ فرقد موسى، عليه السلام، وفتاه‏.‏ فاضطرب الحوت في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر‏.‏ قال وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطاق‏.‏ فكان للحوت سربا‏.‏ وكان لموسى وفتاه عجبا‏.‏ فانطلقا بقية يومهما وليلتهما‏.‏ ونسي صاحب موسى أن يخبره‏.‏ فلما أصبح موسى، عليه السلام، قال لفتاه‏:‏ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا‏.‏ قال ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به‏.‏ قال‏:‏ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا‏.‏ قال موسى‏:‏ ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا‏.‏ قال يقصان آثارهما‏.‏ حتى أتيا الصخرة فرأى رجلا مسجى عليه بثوب‏.‏ فسلم عليه موسى‏.‏ فقال له الخضر‏:‏ أنى بأرضك السلام‏؟‏ قال‏:‏ أنا موسى‏.‏ قال‏:‏ موسى بني إسرائيل‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه‏.‏ وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه‏.‏ قال له موسى، عليه السلام‏:‏ هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا‏؟‏ قال‏:‏ إنك لن تستطيع معي صبرا‏.‏ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا‏.‏ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا‏.‏ قال له الخضر‏:‏ فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا‏.‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر‏.‏ فمرت بهما سفينة‏.‏ فكلماهم أن يحملوهما‏.‏ فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول‏.‏ فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه‏.‏ فقال له موسى‏:‏ قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها‏.‏ لقد جئت شيئا إمرا‏.‏ قال‏:‏ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا‏.‏ قال‏:‏ لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا‏.‏ ثم خرجا من السفينة‏.‏ فبينما هما يمشيان على الساحل إذا غلام يلعب مع الغلمان‏.‏ فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعه بيده، فقتله‏.‏ فقال موسى‏:‏ أقتلت نفسا زاكية بغير نفس‏؟‏ لقد جئت شيئا نكرا‏.‏ قال‏:‏ ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا‏؟‏ قال‏:‏ وهذه أشد من الأولى‏.‏ قال‏:‏ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني‏.‏ قد بلغت من لدني عذرا‏.‏ فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما‏.‏ فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه‏.‏ يقول مائل‏.‏ قال الخضر بيده هكذا فأقامه‏.‏ قال له موسى‏:‏ قوم أتيناهم فلم يضيفونا ولم يطعمونا، لو شئت لتخذت عليه أجرا‏.‏ قال هذا فراق بيني وبينك‏.‏ سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا‏.‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏يرحم الله موسى‏.‏ لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا من أخبارهما‏"‏‏.‏ قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كانت الأولى من موسى نسيانا‏"‏‏.‏ قال ‏"‏وجاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة‏.‏ ثم نقر في البحر‏.‏ فقال له الخضر‏:‏ ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر‏"‏‏. قال سعيد بن جبير‏:‏ وكان يقرأ‏:‏ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا‏.‏ وكان يقرأ‏:‏ وأما الغلام فكان كافرا‏. رواه مسلم(2380).‏
فهذا ابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكذب به امرأ من المسلمين؛ إذ حدثه أبي عن النبي(ص) بما فيه دلالة على أن موسى عليه السلام صاحب الخضر, وهذا أمر غيبي عقدي كما هو واضح للعيان.
و- عن ابن عباس، أنه تمارى هو والحر بن قيس الفزاري، في صاحب موسى، قال ابن عباس: هو خضر، فمر بهما أبي بن كعب، فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى، الذي سأل السبيل إلى لقيه، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه ؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل، جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدا أعلم منك ؟ قال: لا، فأوحى الله إلى موسى: بلى، عبدنا خضر، فسأل موسى السبيل إليه، فجعل له الحوت آية، وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه، فكان يتبع أثر الحوت في البحر، فقال لموسى فتاه: ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره)، فقال موسى: ذلك ما كنا نبغ، فارتدا على آثارهما قصصا، فوجدا خضرا، فكان من شأنهما الذي قص الله في كتابه". رواه البخاري(3245)
ز- حديث عائشة رضي الله عنها, أن ابن عمر كان يأمر النساء أن ينفضن رؤوسهن, فسمعت عائشة ذلك فقالت: " يا عجبا لابن عمر هذا, يأمر النساء أن ينفضن رؤوسهن, أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن. لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله(ص) من إناء واحد, وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات ". رواه مسلم. وهذا واضح كل الوضوح في إفادة خبر الواحد العلم والعمل؛ لإنكار عائشة الشديد على ابن عمر.
ح- جاء رجل من أهل الشام لابن عمر يسأله عن التمتع بالعمرة إلى الحج. فقال: ابن عمر: حسن جميل. فقال الرجل: إن أباك كان ينهى عن ذلك. فقال ابن عمر: ويلك!! فإن كان أبي قد نهى عن ذلك, وقد فعله رسول الله(ص) وأمر به, فبقول أبي تأخذ, أم بقول رسول الله(ص) ؟! فقال: بأمر رسول الله(ص). فقال ابن عمر: فقم عني. رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار, وأبو يعلى في مسنده, قال الألباني في صفة الصلاة (ص54): بإسناد جيد.
ط- روى البخاري(1: 50) عن ابن عمر, عن سعد بن أبى وقاص عن النبي(ص) أنه مسح على الخفين, وأن ابن عمر سأل عمر بن الخطاب عن ذلك, فقال: نعم. إذا حدثك شيئا سعد عن النبي(ص) فلا تسأل عنه غيره.

5- قال ابن القيم في الصواعق(2/362) ط مكتبة الرياض الحديثة : " ومن له أدنى إلمام بالسنة والتفات إليها يعلم ذلك ولولا وضوح الأمر في ذلك لذكرنا أكثر من مائة موضع .فهذا الذي اعتمده نفاة العلم عن أخبار رسول الله(ص) خرقوا به :
1- إجماع الصحابة المعلوم بالضرورة .
2- وإجماع التابعين .
3- وإجماع أئمة الإسلام .
ووافقوا به المعتزلة والجهمية والرافضة والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة وتبعهم بعض الأصوليين والفقهاء. وإلا فلا يعرف لهم سلف من الأئمة بذلك بل صرح الأئمة بخلاف قولهم". ثم نقل أقوال أئمة الإسلام في ذلك .اهـ.
6- قال الإمام الحجة ابن حزم في الإحكام(1: 113, 114): صح إجماع الأمة كلها على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي(ص), وأن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي(ص), يجري على ذلك كل فرقة في علمها, كأهل السنة والخوارج والشيعة والقدرية, حتى حدث متكلموا المعتزلة بعد المائة من التاريخ, فخالفوا الإجماع في ذلك. ثم قال: وقد صح الإجماع من الصدر الأول كلهم.

7- قال ابن عبد البر في التمهيد(1: 8): "وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات, ويعادي ويوالي عليها, ويجعلها دينا وشرعا في معتقده. على ذلك جماعة أهل السنة". ثم علق شيخ الإسلام ابن تيمية على كلام ابن عبد البر هذا بقوله في المسودة(ص245): هذا الإجماع يؤيد قول من يقول إنه يوجب العلم, وإلا فما لا يفيد علما ولا عملا, كيف يجعل شرعا ودينا يوالىَ عليه ويعادىَ.
وقال أيضا(1: 28): "الذي اجتمع عليه أئمة الحديث والفقه في حال المحدث الذي يقبل نقله ويحتج بحديثه, ويجعله سنة وحكما في دين الله هو أن يكون حافظا إن حدث من حفظه.., متيقظا غير مغفل..".

8- قال الإمام الشافعي(الرسالة 453): "ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه السبيل-أي تثبت بخبر الواحد- ".
وقال(457): "ولو جاز لأحد أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه ، بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي. ولكن أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد،
بما وصفت من أن ذلك موجوداً على كلهم".

















أقوال العلماء:

1- قول الحسن بن علي البربهاري (ت 329هـ): "إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار ولا يقبلها، أو ينكر شيئاً من أخبار رسول الله(ص) فاتهمه على الإسلام، فإنه رديء المذهب والقول…. القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن ". انظر : شرح السنة له (41) و طبقات الحنابلة لأبي يعلى (2/25).
وقد قال كثير من أهل العلم بنحو ما قاله البربهاري رحمه الله مثل الحكم بن عتيبة والأوزاعي والثوري ومحمد بن الحسن الشيباني ووكيع وسحنون وابن خزيمة وغيرهم. انظر : جامع بيان العلم وفضله (2/111) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللآلكائي (1/64) ومفتاح الجنة (75) والمدخل إلى السنن الكبرى (200) وحجية السنة (361) وكتاب معرفة السنن والآثار للبيهقي(84).

2- قول أبي حنيفة: ( وخبر المعراج حق ، فمن رده فهو ضال مبتدع ). انظر : كتاب الفقه الأكبر بشرح القاري ( 165). وقوله: ( وخروج الدجال، و يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى عليه السلام من السماء، وسائر علامات يوم القيامة، على ما وردت به الأخبار الصحيحة حق كائن ). انظر: كتاب الفقه الأكبر بشرح القاري(166، 168).

3- ثبت عن كثير من الصحابة رضي الله عنهم ما يدل على توقيرهم للسنة وعدم تقديم شيء عليها(وهذا عام يشمل المتواتر والاحاد.. فتنبه زلا تكن من الغافلين) والرجوع إليها والتعويل عليها في جميع أمورهم، ومن أولئك عبدالرحمن بن عوف وابن عباس وابن عمر وعمران بن حصين وعبدالله بن مغفل وخراش بن جبير وغيرهم . انظر ما ورد عنهــم في: صحيح البخاري (6/219)و(8/123) ومســند الإمام أحمد (1/337) وصحيح مسلم (1/64 ، 327) ، (3/1176) وشــرح السنة للبغوي (8/257) وسنن الدارمي (1/79-80) وجامع بيان العلم وفضله (2/239) .

4- ورد عن شريح وابن مهران الرياحي وعمر بن عبد العزيز ومجاهد والحسن البصري وابن سيرين وغيرهم ما يدل على أن الفلاح في التمسك بالسنة(وهذا عام يشمل المتواتر والاحاد.. فتنبه, ولا تكن من الغافلين) والهلاك والضلال في تركها وأن الراغب عنها مطعون ومتهم في دينه. انظر أقوالهم رحمهم الله تعالى في: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/56-57 ، 94) وسنن الدارمي (1/40) والمدخل إلى السنن الكبرى(22) وجامع بيان العلم وفضله (2/167-168) ومفتاح السنة (92، 152-153) .

5- ذكر ابن عقيل في الفنون 2/637 أدلة من الكتاب بأن خبر الواحد يوجب العلم.

6- عَنْ يَحْيَى قَال: قُلْتُ لِلْقَاسِم: مَا أَشَدَّ عَلَيَّ أَنْ تُسْأَلَ عَنْ الشَّيْءِ لاَ يَكُونُ عِنْدَكَ وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ إِمَامًا. قَالَ: إِنَّ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنْ اللَّهِ أَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، أَوْ أَرْوِيَ عَنْ غَيْرِ ثِقَة.
أخرجه: الدارمي فيسننه( 1/ 238 ), ومسلم في مقدمة صحيحه(1/16)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار(1/141).

7- قال السفاريني في لوامع الأنوار البهية(1: 19): "يعمل بخبر الآحــاد في أصول الدين، وحكى الإمام ابن عبد البر الإجماع على ذلك".

8- وقال الإمام الشافعي(الرسالة 453): "ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه السبيل-أي تثبت بخبر الواحد- ".
وقال(457): "ولو جاز لأحد أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه ، بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي. ولكني أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد ، بما وصفت من أن ذلك موجوداً على كلهم".
وقد صرح الشافعي في كتبه بأن خبر الواحد يفيد العلم، نص على ذلك صريحاً في كتاب اختلاف مالك.
وقال السيوطي(مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة 6): "روى الإمام الشافعي رضي الله عنه يوماً حديثاً وقال إنه صحيح فقال له قائل: أتقول به يا أبا عبدالله ؟ فاضطرب وقال: يا هذا أرأيتني نصرانياً ؟ أرأيتني خارجاً من كنيسة ؟ أرأيت في وسطي زنارا ؟ أروي حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به ؟ ".

9- قال ابن تيمية في المسودة(242): قال أبو بكر المروزي: قلتُ لأبي عبدالله (الإمام أحمد: ههنا إنسان يقول: إن الخبر يوجب عملاً ولا يوجب علماً. فعابه وقال: ما أدري ما هذا ؟! فقال ابن تيمية: وظاهر هذا أنه سوى فيه بين العمل والعلم.
وقال السفاريني(لوامع الأنوار البهية 1/18): نقل أحمد بن جعفر الفارسي في كتاب الرسالة عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال: لا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون ذلك في حديث كما جاء نصدقه أنه كما جاء فقوله: ونعلم أنه كما جاء نص صريح في أن هذه الأحاديث تفيد العلم عنده.

10- قال ابن القيم(الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (2/362) طبعة مكتبة الرياض الحديثة):
" نص على أن خبر الواحد يفيد العلم مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة وداود بن علي وأصحابه".

11- قال ابن حزم(الإحكام 1/124): وقد ثبت يقيناً أن خبر الواحد العدل عن مثله مبلغاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حق مقطوع به موجب للعمل والعلم معاً.
وقال أيضا(الأحكام 1/112 – 113):
"وقد أوجب الله تعالى على كل طائفة إنذار قومها وأوجب على قومها قبول نذارتهم بقوله تعالى: {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} فقد حذر تعالى من مخالفة نذارة الطائفة –والطائفة في اللغة تقع على بعض الشيء كما قدمنا- ولا يختلف اثنان من المسلمين في أن مسلماً ثقة لو دخل أرض الكفر فدعا قوماً إلى الإسـلام وتلا عليهم القرآن وعلمهم الشرائع لكان لزاماً عليهم قبوله ولكانت الحجة عليهم بذلك قائمة وكذلك لو بعث الخليفة أو الأمير رسولاً إلى ملك من ملوك الكفر أو أمة من أمم الكفر يدعوهم إلى الإسلام ويعلمهم القرآن وشرائع الدين ولا فرق وما قال قط مسلم أنه كان حكام أهل اليمن أن يقولوا لمعاذ ولمن بعثه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقد الإيمان حق عندنا ؛ ولكن ما أفتيتنا به وعلمتناه من أحكام الصلاة ونوازل الزكاة وسائر الديانة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أقرأتنا من القرآن عنه عليه السلام فلا نقبله منك ولا نأخذه عنك لأن الكذب جائز عليك ومتوهم منك حتي يأتينا لكل ذلك كواف وتواتر ؛ بل لو قالوا ذلك لكانوا غير مسلمين ، وكذلك لا يختلف اثنان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث من بعث من رسله إلى الآفاق لينقلبوا إليهم عنه القرآن والسنن وشرائع الدين ، وأنه عليه السلام لم يبعثهم إليهم ليشرعوا لهم ديناً لم يأت هو به عن الله تعالى. فصح بهذا كله أن كل ما نقله الثقة عن الثقة مبلغاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن أو سنن ففرض قبوله والإقرار به والتصديق به واعتقاده والتدين به".

12- قال ابن حزم(الأحكام 1/119): قال أبو سليمان والحسين بن علي الكرابيسي والحارث بن أسد المحاسبي: إن خبر الواحد العدل عن مثله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل جميعاً.

13- قال الإمام أبو المظفر السمعاني في كتاب الحجة في بيان المحجة(214: 217):
" قولهم إن أخبار الآحاد لا تقبل فيما طريقه العلم.., هذا رأس شغب المبتدعة في ردّ الأخبار ، وطلب الدليل من النظر ، والاعتبار" و" هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال ، ولا بد من نقله بطريق التواتر لوقوع العلم به شيء اخترعته القدريَّة والمعتزلة ، وكان قصدهم منه ردَّ الأخبار وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابت ، ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول ، ولو أنصف الفرق من الأمة لأقروا بأن خبر الواحد يوجب العلم ، فإنهم تراهم مع اختلافهم في طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بخبر الواحد".

14- قال الإمام الكبير ابن قتيبة في الرد على الجهمية(ص41): وعدل القول في هذه الأخبار أن نؤمن بما صح منها بنقل الثقات لها, فنؤمن بالرؤية والتجلي, وأنه ينزل إلى السماء, وأنه على العرش استوى, وبالنفس واليدين, من غير أن نقول في ذلك بكيفية أو بحد.

15- قال الإمام أبو سعيد عثمان الدارمي في الرد على الجهمية(ص46): فهذه الأحاديث-أحاديث في الصفات الإلهية- قد جاءت بها كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالى في هذه المواطن, وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا, لا ينكرها منهم أحد, ولا يمتنع عن روايتها, حتى ظهرت هذه العصابة, فعارضت آثار الرسول(ص) برد, وتشمروا لدفعها بجد.
وقال(ص63): ولم يزل المسلمون يروونها, ويؤمنون بها, لا يستنكرونها, ولا ينكرونها. ومن أنكرها من أهل الزيغ نسبوه إلى الضلال.

16- قال الإمام الأشعري في الإبانة عن أصول الديانة(ص28): ونسلم للروايات الصحيحة عن رسول الله(ص) التي رواها الثقات, عدل عن عدل حتى ينتهي إلى رسول الله(ص).
وقال أيضا(ص29): ونصدق بجميع الروايت التي يثبتها أهل النقل..., وبسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافا لأهل الزيغ والتضليل.

17- قال الإمام الطحاوي في العقيدة الطحاوية(227): وجميع ما صح عن رسول الله(ص) من الشرع كله حق.

18- قال الإمام الحجة الكبير ابن أبي ذئب لأبي حنيفة سماك بن الفضل –فيما رواه الشافعي في الرسالة فقرة 1234 بسند صحيح- بعد أن روى حديثا لسماك بن الفضل, فقال له سماك: أتأخذ بهذا يا أبا الحارث ؟ قال سماك: فضرب صدري وصاح صياحا كثيرا ونال مني, وقال: أحدثك عن رسول الله(ص) وتقول تأخذ به ؟!! نعم اخذ به. وذلك فرض علي وعلى من سمعه.


19- قال ابن عبد البر في التمهيد(1: 8): "ليس في الاعتفاد كله في أسماء الله وصفاته إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله(ص) أو أجمعت عليه الأمة. وما جاء في أخبار الآحاد في ذلك كله يسلم له ولا ينظر فيه".

20- قال د. عبد الله عبد المحسن التركي في تعليقه على كتاب المدخل غلى مذهب الإمام أحمد(ص212): "التحقيق في أخبار الآحاد قبولها في الأصول كما تقبل في الفروع. فما ثبت بسند صحيح وجب قبوله وإثباته واعتقاده في الأصول.. فينبغي التنبه لذلك, وعدم الانسياق وراء كلام البعض في عدم إثبات الأصول بها".

هذه أقوال أساطين العلم وجهابذة الفتوى.. يرون أن حديث الآحــاد يفيد العلم والعمل, وأنها حجة في العقائد.


















شبهات وردها:

1- يقول البعض " ذهب بعض الفقهاء إلى أن خبر الآحاد يفيد العلم والعمل وهم يستندون في ذلك إلى أدلة هي في حاصلها أخبار آحاد".

الرد: هذا الكلام لا يرد علينا؛ لأننا قد أبطلنا - بحمد الله وتوفيقه- دعواكم من أصلها وأساسها, وبينا فسادها وعوارها.., فيلزمكم قبول أدلتنا كما هي.
ثم إن أشهر الأدلة التي يستدل بها من قال أن الآحاد تفيد العلم هو إرسال النبي صلى الله عليه وسلم معاذ إلى أهل اليمن وغيره من الصحابة إلى العديد من البقاع. وهذا ليس آحاد !!! بل أمر مجمع عليه لا خلاف فيه من أحد من الناس مسلمهم وكافرهم وحتى وثنيهم, لا يجادل في ذلك إلا ما لا يعي ما يخرج من فيه.
وأقول أيضا: إن بعض هذه الأخبار قد روي من طرق كثيرة، بلغ حد الاستفاضة، ولو استقصينا طرقها وشواهدها لطال الكلام.
وأيضا: إن أدلتنا المذكورة وإن كانت آحاداً فهي لكثرتها وتعدد جهاتها تفيد المتواتر المعنوي بلا أدنى شك أو ريب-عند كل من كان له قلب أو به مسحة من عقل أو شم رائحة علم الحديث- الذي يفيد القطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأئمة الإسلام كانوا يكتفون بالآحاد، ويبنون على خبرهم كل شيء.

2- يقول المخالفون: (صدق الكاذب محتمل ، وكذب الصادق محتمل)

الرد: أ- قال الإمام ابن المبارك: (من عقوبة الكذاب أن يرد عليه صدقه).
ب- قال الإمام سفيان الثوري: ما ستر الله أحداً يكذب في الحديث. ونسيت ذكر مصدر هذه الأقوال.
وهذا أمر مجمع عليه بين علماء الحديث, وهم أهل الشأن والصنعة, وأهل مكة أدرى بشعابها.

3- وقد تعلق هؤلاء المشكِّكون بعدد من الشبه الواهية التي زعموا أنها تؤيد ما ذهبوا إليه في ردِّهم لخبر الواحد وعدم قبوله.
أ- من ذلك قصة ذي اليدين الثابتة في صحيحي البخاري ومسلم حين توقف النبي - صلى الله عليه وسلم - في قبول خبر ذي اليدين لما سلَّم على رأس الركعتين في إحدى صلاة العشاء فقال له ذو اليدين : " أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ " ، قالوا فلم يقبل خبره حتى أخبره أبو بكر و عمر ومن كان في الصف بصدقه ، فأتمَّ عليه الصلاة والسلام صلاته وسجد للسهو ، ولو كان خبر الواحد حجة لأتمَّ - صلى الله عليه وسلم - صلاته من غير توقف ولا سؤال.
ب- ثم قالوا : وقد روي عن عدد من الصحابة عدم العمل بخبر الآحاد ، فقد ثبت أن أبا بكر ردَّ خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدَّة حتى انضم إليه خبر محمد بن مسلمة ، ج- وثبت أن عمر ردَّ خبر أبي موسى في الاستئذان حتى انضم إليه أبو سعيد ، وكان علي لا يقبل خبر أحد حتى يحُلِّفه سوى أبي بكر.
د- وردَّت عائشة خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه.

وكلُّ ما ذكروه من شبه في الحقيقة ليس فيها دليل على ما ذهبوا إليه من عدم الاحتجاج بخبر الواحد ، والإجابة عنها في غاية الوضوح لمن كان يعقل:

أ- فأما توقف النبي- صلى الله عليه وسلم- في خبر ذي اليدين، فلأن ذي اليدين ذهب إلى يقين النبي(ص) يزيله, فلم يقبل منه(ص) ذلك إلا بحجة(وهي سؤال بقية الصحابة عن صحة ما يقوله ذي اليدين). فالنبي(ص) توهم غلط ذي اليدين.. حيث استبعد أن ينفرد بمعرفة هذا الأمر دون من حضره من الجمع الكثير، ولذا قال له صلى الله عليه وسلم (لم أنس, ولم تقصر الصلاة)، وكان هذا اعتقاده صلى الله عليه وسلم، ولا يُكَلَّف الإنسان بقبول خبرٍ مع اعتقاده خطأ راويه، فلما وافقه غيره ارتفع احتمال الوهم عنه، فَقَبِلَه- صلى الله عليه وسلم- وعمل بموجب الخبر عندما تبين له عدم الوهم، وبعبارة أخرى كان يقين ذي اليدين معارضاً ليقين النبي- صلى الله عليه وسلم- ولا يمكن تقديم يقين ذي اليدين على يقين النبي(ص) إلا بمرجح خارجي وهو شهادة الصحابة الباقين .

وأمَّا ما أوردوه من أن عدداً من الصحابة لم يعمل بخبر الآحاد، فإن الثابت الذي لا شك فيه أن الصحابة رضي الله عنهم مجمعون على العمل بحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم آحادًا كان أو غير آحاد- ، فإذا روي عنهم التوقف في بعض الأخبار فإن ذلك لا يدل على عدم الاحتجاج والعمل به، بل قد يكون لغرض آخر كطروء ريبة في حال الراوي، أو احتمال وهمه، أو سدِّ ذريعة أو مزيد رغبة في التثبت والاحتياط.. إلى غير ذلك من الأغراض. فإن توقفهم هو من قبيل قوله تعالى(فعززنا بثالث) يس 14. فليست الزيادة في التأكيد مانعة من أن تقوم الحجة بواحد. فإن كانت الحجة تثبت بخبر الواحد, فخبر الاثنين لا يزيدها إلا ثبوتا. وهم رضي الله عنهم يفعلون ذلك أحيانا؛ زجرا للناس وتحذيرا لهم من ألا يتقولوا عليه(ص), وألا يحدثوا إلا بما حفظوا وتيقنوا من حديثه. وكأن لسان حال الصحابة يقول: " هذا فلان بن فلان-وهو من هو أمانة وصدقا وثقة وحفظا- أطالبه بشاهد يشهد على ما يخبر به عن النبي(ص), فلتزدجروا, ولا تحدثوا عنه إلا بما حفظتم وتيقنتم ". وكأن الصحابة يطبقون المثل الشعبي المصري العامي القائل:(اضرب في المربوط, يخاف السايب). هذا كلام مهم انقدح في القلب, فخذه بقوة وعض عليه بالنواجذ. وقال الآمدي في الإحكام: " وما ردوه من الأخبار أو توقفوا فيه إنما كان لأمور اقتضت ذلك من وجود معارض أو فوات شرط، لا لعدم الاحتجاج بها في جنسها ".

ب- ما ادعاه المخالف على أبي بكر هو الكذب بعينه, فإن أبا بكر لم (يرد) خبر المغيرة, وإنما قال له: هلْ مَعَك غَيْرُك. وليس في هذا أي رد لخبر المغيرة. إليك ما حدث بحروفه وحركاته؛ لتعلم تحريف المخالف للوقائع:
عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: جَاءَتْ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا ؟ قَالَ فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاس. فَسَأَلَ النَّاسَ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَة: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهَا السُّدُسَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَك غَيْرُكَ, فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الأنصَارِيُّ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَة. فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْر.
رواه أبو داود والترمذي. قال الحافظ ابن حجر في التلخيص(3 / 82): " وإسناده صحيح لثقة رجاله إلا أن صورته أن مرسل فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق، ولا يمكن له شهوده للقصة قال ابن عبد البر بمعناه " اهـ. وقال المزي في في ترجمة قبيصة من تهذيب الكمال: روى عن أبى بكر, مرسل. وقال الألباني في الحديث: ضعيف. وهو كما قالا؛ لإرساله, هذا هو الظاهر. أما قول المخالفين: لعله أخذه من المغيرة بن شعبة. أقول: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب, فهذه احتمالات وتخرصات وظنون, وإن الظن لا يغني من الحق شيئا.., فأنصفوا مرة أيها القوم تفلحوا.

فأولا: هو حديث ضعيف غير ثابت كما علمت, فلا يصح الاحتجاج به مطلقا.
وثانيا: ومع أن شهادة محمد بن مسلمة لم ترفع الخبر عن كونه آحاداً، إلا أن أبا بكر لم يتردد في قبوله والعمل به. والمخالف لا يقول أصلا بحجية الآحاد المنقول عن اثنين, بل لا يقبل إلا بالمتواتر.
وثالثا: هذا الحديث الذي تحتجون به علينا هو في الأحكام, فهلا قلتم قولتكم الفاسدة في عدم قبول الأخبار إلا المتواتر في الأحكام أيضا. وهذا أشنع ما يلزمهم. فتأمل ما يفعل الهوى بأهله.

ج- أسوق لك ما حدث من عمر رضي الله عنه بحروفه: عن أبي سعيد الخدري قال: كنت جالساً في مجلس من مجالس الأنصار، فجاء أبو موسى فزعاً له، فقالوا: ما أفزعك ؟ قال: أمرني عمر أن آتيه فأتيته، فاستأذنت ثلاثاً فلم يُؤذن لي، فرجعت، فقال: ما منعك أن تأتينا ؟ فقلت: إني أتيت فسلمت على بابك ثلاثاً فلم تردوا علي، فرجعت، وقد قال رسول الله: "إذا استأذن أحدهم ثلاثاً فلم يُؤذن له فليرجع".‏ قال: لتأتيني على هذا بالبينة. فقالوا: لا يقوم إلا أصغر القوم. فقام أبو سعيد معه فشهد له. فقال عمر لأبي موسى:‏ إني لم أتهمك، ولكنه الحديث عن رســول الله(ص). أخرجه البخاري ومسلم.

وبهذا يتبين أن عمرا لم يرد خبر أبي موسى كما يدعي المدعون. إنما أراد عمر التثبت والاحتياط في الرواية سدا للذريعة، لئلا يفضي ذلك إلى التوسع في الحديث عن رسول الله ممن دخل حديثاً في الإسلام أو لغير ذلك من الأغراض. وهو رضي الله عنه فعل ذلك؛ زجرا للناس وتحذيرا لهم من ألا يتقولوا عليه(ص), وألا يحدثوا إلا بما حفظوا وتيقنوا من حديثه. وكأن لسان حاله يقول: " هذا أبو موسى الأشعري-وهو من هو أمانة وصدقا وثقة وحفظا- أطالبه بشاهد يشهد على ما يخبر به عن النبي(ص), فلتزدجروا, ولا تحدثوا عنه إلا بما حفظتم وتيقنتم ". وكأنه رضي الله عنه يطبق المثل الشعبي المصري العامي القائل:(اضرب في المربوط, يخاف السايب). ولذلك قال عمر لأبي موسى: " أما إني لم أتهمك, ولكنه الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
ولم تخرج رواية أبي موسى عن كونها آحاداً حتى بعد أن انضم إليه أبو سعيد إلا أن عمر رضي الله عنه أراد أن يعطي درساً في المحافظة والحرص على سنة النبي(ص).
وأقول أيضا: هذا الحديث الذي تحتجون به علينا هو في الأحكام, فهلا قلتم قولتكم الفاسدة في عدم قبول الأخبار إلا المتواتر في الأحكام أيضا. وهذا أشنع ما يلزمهم. فتأمل ما يفعل الهوى بأهله.

وقد قبل عمر رضي الله عنه أخباراً أخرى هي من قبيل الآحاد، فقد روى رواه أحمد وأبو داود(2927) والترمذي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: " الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا ". حتى قال له الضحاك بن سفيان: كتب إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أوَرِّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها. فرجع إليه عمر ".
وقد قبل رضي الله عنه أخبارا آحادية فيما تعم به البلوى: خبر عبد الرحمن بن عوف في أمر الطاعون كما روى الشيخان.
وروى الشافعي في الرسالة(فقرة 1183) وأحمد- وهو حديث صحيح ثابت بأسانيد صحيحة- : " لم يكن عمر أخذ الجزية, حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي(ص) أخذها من مجوس هجر".

د- ما زعمته السيدة عائشة رضي الله عنها هو الخطأ بعينه- وكل يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم-. وإليك البيان من أحكام الجنائز للألباني-بتصرف- :
قال(ص): "إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه", وفي رواية: "الميت يعذب في قبره بما نيح عليه". أخرجه الشيخان وأحمد من حديث ابن عمر. والرواية الاخرى لمسلم وأحمد. ورواه ابن حبان في صحيحه(742) من حديث عمران بن حصين نحو الرواية الاولى.
وقال(ص): "من ينح عليه يعذب بما نيح عليه ( يوم القيامة )" أخرجه البخاري ( 3 / 126 ) ومسلم(3 / 45) والبيهقي(4 / 72) وأحمد(4/ 245 ، 252 ، 255).
ثم إن ابن عمر لم يتفرد بهذه اللفظة, فقد تابعه عليها عمر بن الخطاب والمغيرة بن شعبة, كما ثبت في الصحيحين. وهذا مما يثبت قطعا خطأ السيدة عائشة, والحق أحق أن يتبع.., فعائشة رضي الله عنها حبيبة إلينا, ولكن الحق أحب إلينا منها.


ومثل ذلك يقال في كل ما ورد –إن صح أصلا- من هذا القبيل، فالصحابة إذاً لم يتوقفوا في الاحتجاج بخبر الآحاد والعمل به، بل أجمعوا على قبوله كما سبق، وتوقُّفِ بعضهم أحياناً لبعض الأسباب ليس توقفاً عن العمل به.. فتأمل.

4- قولهم: لو حصل العلم بخبر الواحد لما احتيج في الأحكام إلى تعدد الشهود، ولا إلى يمين المدعي مع الشاهد، فعدم جواز الحكم بشهادة الواحد دليل عدم حصول العلم بخبره، فكذلك كل خبر واحد.
الرد: لما كانت حقوق العباد بينهم كثيراً ما يقع فيها النزاع والتشاجر، جعل الله الحكم بينهم بأمر ظاهر منضبط، هو البينة التي إذا وجدت تحتم الحكم بها. وليس ذلك لحصول العلم بما شهدت به، ولا لعدم حصوله بما دونها. فإن الحاكم لو حصل له العلم بخلاف ما شهدت به لم يجز له القضاء بعلمه، والعدول عن البينة. فالقاضي قد يحصل له العلم بالقضية بدون بينة، وقد يحصل له بشهادة واحد. ولكنه ليس مكلفا بالحكم إلا إذا أتى بالبينة أو استوفى نصاب الشهود.
ثم إن هناك فرقا واضحا وضوح الشمس بين الشهادة والرواية, لا ينكره إلا معاند أو مكابر, ألا وهو: أن الأحكام والشرع قد تكفل الله بحفظه, وضمن لنا بقاءه سليما من الأذى والتحريف والتبديل. لذلك كان ما تضمنته الأخبار الدينية الصحيحة والثابتة عن الرسول(ص) حقاً متيقناً، مقطوعاً بصحته، بخلاف ما شهدت به البينة, فإن الله لم يتكفل بحفظها من دخول الكذب والتدليس والتزوير والتحريف عليها, فإن حقوق العباد مما قدر الله فيها التظالم والتعدي من بعضهم على البعض الآخر..., فتأمل. ثم إن الأمر بالبينة هو أمر بشيء منضبط لا خَفَاء فيه، ثم فيه نوع من التعبد فيأثم من تركه, وهذا -كما هو واضح لكل من كان له قلب- بخلاف الأخبار الدينية.

والحمد لله أولا وآخرا على توفيقه ومنه وكرمه.
 
أرجوا من الإخوة التعليق والتفاعل...!!!!

أين أنتم أحبتي في الله...؛ إنما طرحت هذا البحث هنا قبل أن أنشره رغبة في الاستفادة من تعليقاتكم واستدراكاتكم ومناقشاتكم.
 
بيض الله وجهك يا أبا صلاح ، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه .

طالعته سريعاً ، فيه جهد مميز ، وما دام أنك تنصر السنة ، فإنت في جهاد بارك الله فيك .

وحكى الإجماع على قبولها أيضاً بن قدامة في " تحريم النظر في كتب الكلام "

ص 56 طبع دار عالم الكتب بالرياض تحقيق عبدالرحمن دمشقية
 
بعد الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم
جزاكم الله خيرا أخي على هذا المجهود المبذول لاسيما في نصرة السنة ،، و لكن كان ينبغي أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ولا تكتب (ص) ،، فإن العلماء أعدوا ذلك من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ،، (راجع مقدمة النووي على صحيح مسلم )
 
الاخ الكريم...
بارك الله في جهودك الطيبة ... وارجو من الله ان تكون اسئلتي اثراء لبحثك الطيب:
1- عن الاية في سورة النجم {وما ينطق عن الهوى} {ان هو الا وحي يوحى} ... هل يستقيم الاستدلال بهذه الايات عن انها ترجع الى السنة؟ يذهب البعض الى انها ترجع الى القرآن وليس الى السنة ... جاء في تفسير الرازي ج28 ص244 في قوله تعالى:{ان هو الا وحي يوحى}:"... وان قلنا ان المراد من قوله: {ان هو} قوله وكلامه فالوحي حينئذ هو الالهام ملهم من الله, او مرسل وفيه مباحث:
البحث الاول: الظاهر خلاف ما هو المشهور عند بعض المفسرين وهو ان النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ينطق الا عن وحي, ولا حجة لمن توهم هذا في الاية, لأن قوله تعالى:{ان هو الا وحي يوحى} ان كان ضمير القرآن فظاهر وان كان ضميرا عائدا الى قوله فالمراد من قوله هو القول الذي كانوا يقولون فيه انه قول شاعر, ورد الله عليهم فقال {وما هو بقول شاعر} <الحاقة:41> وذلك القول هو القرآن, وان قلنا بما قالوا به فينبغي ان يفسر الوحي بالالهام.
البحث الثاني: هذا يدل على انه صلى الله عليه وسلم لم يجتهد وهو خلاف الظاهر, فانه في الحروب اجتهد وحرم ما قال الله لم يحرم وأذن لمن قال تعالى:{عفا الله عنك لم أذنت لهم} <التوبة:43> نقول على ما ثبت لا تدل الاية عليه. (انتهى كلام الرازي)
 
2- ان كان الانبياء لا يتكلمون الا بما يوحى اليهم فكيف نفهم موقفين مختلفين لنبيين في موقف واحد وهو موقف هارون وموسى مما فعله قوم موسى في غياب موسى عنهم : {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} (94) سورة طـه
 
3- ان كان الانبياء لا يتكلمون الا بما يوحى اليهم فكيف نفهم موقف موسى مع العبد الصالح والذي اعترض 3 مرات على العبد الصالح؟ وقد قال الله عز وجل عن العبد الصالح: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} (65) سورة الكهف
 
بارك الله فيك ، ممكن تستفيد من العديد من الرسائل التي كتبت في هذا الباب مثل :
الحديث حجة بنفسه في الاحكام والعقائد لشيخنا الالباني
حجية خبر الواحد كذا لشيخنا رحمه الله
ولتلميذ الالباني الشيخ الهلالي رسالة موسع اكثر
وهناك رسائل عديدة اخرى
بالاضافة لاقوال اهل العلم كابن القيم فله كلام محقق مدقق في هذا
وفقك الله
 
4- ثم ان القول بأن الانبياء لا يوحى اليهم الا ما جاء في الكتب السماوية كلام لا يستقيم مع النص القرآني, حي ان القرآن قد اثبت وحيا خارج نصوص الكتب السماوية مثل ما حدث مع موسى في جبل الطور وغير ذلك كثير ... والقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يتكلم الا بوحي هو كلام لا يستقيم ايضا مع السياق القرآني حيث عاتب القرآن الرسول في سورة عبس وسورة التحريم ... من هنا كانت دراستنا للحديث يجب ان تكون متأنية غير متعسفة لا تنفي الوحي كما انها لا تنسب الى الوحي ما ليس منه ... اذا كانت هذه المقدمة مقبولة وجب علينا الانتقال الى وجود ضابط في دراستنا للاحاديث النبوية .... كما وجب علينا الاشتغال بتعريف اخر للسنة وضرورة فصل تعريف السنة عن الحديث ...
 
5- لا ريب ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد اوحي اليه من التشريع ما هو خارج النص القرآني , والصلاة - كركن عبادي وما جاء فيها من احكام تفصيلية - من آكد الادلة على ذلك ... غير ان البعض انطلق من هذه الحالات الخاصة من التشريع خارج النص القرآني ليعمّم ذلك على كل ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول او فعل او تقرير ... وهو بذلك وقع في تعارض صريح مع القرآن الكريم حيث ان القرآن الكريم عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض المواقف التي وقفها ... ومن ناحية اخرى استقرأ البعض في السيرة الحوادث التي كان الرسول فيها صلى الله عليه وسلم يصوب من السماء فقام بالتعميم ايضا وقال بان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يوح اليه شيء غير النص القرآني .. وهو بذلك ايضا تعسف وتكفيه الصلاة واحكامها ليعلم ان ما ذهب اليه فيه من التعسف ما فيه ... ان التعميم في فهم السنة هو شيء عقيم لا يعين على الوقوف على حقيقة السنة ..
 
عودة
أعلى