محمود عبدالله إبراهيم نجا
Member
إثبات أن ظُلمات البطن الثلاث هي المبيض، وقناة فالوب، والرحم (ظُلمات تسع كُل خلقٍ من بعد خلق)

كُلُ من فسر الظُلمات الثلاث بطبقات المشيمة فقط (قول عُلماء الإعجاز حديثاً)، أو المشيمة، والرحم، وجدار البطن (قول أكثر المُفسرين قديماً)، فلازم قولهم أن جميع مراحل الجنين إبتداءاً من النُطفة تحدث داخل الرحم، وأن المشيمة تغطي الجنين من بداية الحمل لنهايته. وهذا فهم غير علمي، فالجنين يُخلق في بطن أمه عبر ثلاث مراحل مُتعاقبة؛ وهي خلق البويضة (النطفة الأنثوية) في المبيض، وخلق النطفة الأمشاج التي تنقسم وتتحول لكتلة خلوية داخل قناة فالوب، وأخيراً خلق باقي الأطوار في الرحم. والمشيمة والأغشية الجنينية لا تبدأ في الظهور بوضوح إلا بعد الأسبوع الثالث من الحمل. ولذا لابد من إعادة تدبر لآية (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث)، فالمُضارع (يخلقكم) يستدعي ماضي الجنين من أول خلق النطفة في المبيض، والظلمات الثلاث مُتعلقة بالفعل (يخلقكم)، وهذا يقتضي إنتقال خلق الجنين من ظلمة لأُخرى بمرور زمن الحمل، من ظُلمة المبيض لظلمة قناة فالوب، وأخيراً لظُلمة الرحم، وإليكم التفصيل.
■ المراحل العلمية لخلق الجنين في بطون الأمهات
1. يبدأ خلق الجنين في بطن أمه بإستكمال خلق البويضة (النطفة الأنثوية) في المبيض، وذلك أثناء الدورة الشهرية بعد البلوغ. فخلق البويضة يتم على مرحلتين (صورة ١)، وهي كالتالي (مرجع ١):
المرحلة الأولى: تبدأ في مبيض الأنثى وهي جنين في بطن أمها، حيث تدخل الخلية البيضية الأولية وبها ٤٦ كروموسوم في الانقسام الميوزي (المنصف)، ولكنه يتوقف عند الطور الأول (prophase)، ولذا لا يتغير تركيب الخلية البيضية الأولية، فتولد الأنثى ومبيضها يحتوي على بويضات أولية غير مكتملة الخلق، بها ٤٦ كروموسوم، فلا تصلح للتلقيح وخلق الجنين حتى تتم مراحل الخلق بعد البلوغ.
المرحلة الثانية: تبدأبعد البلوغ، مع كل دورة شهرية، وبتأثير بعض الهرمونات يُستكمل الإنقسام الميوزي (المنصف) في الخلية البيضية الأولية، فتنقسم إلى خلية مختلفة تسمى الخلية البيضية الثانوية بها نصف عدد الصبغيات (٢٣ كروموسوم)، وبذلك تصبح صالحة للتلقيح وخلق الجنين.
2. بعد إتمام خلق البويضة داخل حوصلة جراف، تنفجر الحوصلة، وتخرج البويضة لتجويف البطن، ثم تنتقل لقناة فالوب، حيث تنتظر الحوين (نطفة الذكر)، فيتم التلقيح، فينتج الزيجوت (النطفة الأمشاج). مع العلم بأن المبيض وقناة فالوب تشريحياً يقعان داخل تجويف البطن، وكلاهما من مُلحقات الرحم (صورة ٢).
3. يستمر التخليق داخل النطفة الأمشاج وهي تتحرك بداخل قناة فالوب حيث تنقسم إلي خليتين، ثم أربعة، ثم ثمانية، ثم ستة عشر، ثم إثنان وثلاثون خلية، وتعرف هذه المرحلة بالتوتية (morula)، ثم عندما تكون عدد الخلايا حوالي مائة تتكون الكيسة الأريمية (Blastocyst). مع العلم بأن التوتية تتكون في قناة فالوب، والكيسة الأريمية تتكون داخل الرحم قبل طور العلقة (صورة ٢).
4. في اليوم السادس أو السابع من الحمل، تفقس الكيسة الأريمية، وتخرج منها الكتلة الخلوية، التي تستقر أخيرا وتنغرس في بطانة الرحم فتتكون العلقة (صورة ٢).
5. في الأسبوع الثاني من الحمل يتكون الغشاء الجنيني الأول، وهو الغشاء الأمنيوسيي (amnion). واعتباراً من اليوم الرابع عشر يبدأ الغشاء الثاني في التكون، وهو الغشاء الكوريوني (chorion)، وتظهر المشيمة بعمر ٣ اسابيع وتستكمل نموها في الاسابيع التالية. ثم ينشأ غلاف ثالث من بطانة الرحم يحيط بالغشاء الكوريوني، وإسمه الغشاء الساقط الكيسي (decidua capsularis). وبعد ٤ شهور من الحمل يتحد الغشاء الأمنيوسي، والكوريوني في غشاء جنيني واحد (صورة ٣)، (مرجع ٢، ٣).
■ الدلالة اللغوية والعلمية لآية الزُمر (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ).
● أولاً: معنى الخلق (تمهيد لفهم الخلق من بعد خلق)
الخلق قد يكون من عدم، أو من مادة سابقة كخلق آدم من طين. وفي هذه الآية خلق أطوار الجنين كلها من بدايتها لنهايتها، فيها إيجاد من موجود سابق، فالنطفة الأنثوية (البويضة) خُلقت في المبيض من الخلية البيضية الأولية، والنطفة الأمشاج خُلقت من النطفة الأنثوية والذكرية، والعلقة خُلقت من النطفة الأمشاج، والمُضغة خُلقت من العلقة، والعظام واللحم من المُضغة، فلا يوجد طور إلا وهو مخلوق من خلق سابق.
● ثانياً: دلالة الفعل المُضارع (يخلقكم)
جاء المضارع (يخلقكم) مسبوق بالماضي (خلقكم)، وأهل اللغة والبلاغة يقولون بأن المضارع يشير للحاضر والمستقبل، ولكن إذا سبقه ماضي فإن المُضارع يُشير لماضي الشيء وبدايته. وقد قال كثير من المُفسرين وعلى رأسهم الطبري أن (خلقا من بعد خلق) هي أطوار الجنين، وبدايتها النطفة، قال الطبري (يبتدئ خلقكم أيها الناس في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق، وذلك أنه يحدث فيها نطفة، ثم يجعلها علقة، ثم مضغة، ثم عظاما، ثم يكسو العظام لحما، ثم يُنْشئه خلقا آخر). وعلمياً إحداث الله لنطفة المرأة يكون في المبيض، وليس في الرحم أو المشيمة، وعدم علم المفسرين بالمبيض ودوره هو ما جعلهم يتوهمون أن كل مراحل الجنين تكون داخل الرحم والمشيمة.
وقد ذكر القُرآن خلق الإنسان من نطفة في أكثر من موضع، قال الله (من نطفة خلقه)، وقال (ألم يك نطفة من مني يمنى)، وقال (خلق الإنسان من نطفة)، وقال (أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة)، وقال (فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق)، وكل من الزوجين له ماء دافق، والماء الدافق للمرأة والذي منه خلق الجنين يخرج من المبيض، ويكون أصفر رقيق كما قال النبي (ماء المرأة أصفر رقيق)، وهذا وصف لماء البويضة، ثم بين النبي أثر هذه النطفة الأنثوية في خلق الجنين فقال، فاذا علا ماء المراة ماء الرجل نزعت الولد أو أشبه أخواله، وفي رواية أنث باذن الله. وكل هذه الأدلة تبين دور نطفة المرأة في خلق الجنين، فبدونها لا ينعقد خلق النطفة الأمشاج لاحقاً.
وعليه فلا يمكن إهمال أن بداية خلق الجنين هو النطفة التي تُخلق في المبيض. ولكن للأسف شاع بين الناس أن الأنثى تولد وبويضاتها كاملة الخلق في مبيضها، ولذا يفترض البعض أن بداية تخليق الجنين يحدث في قناة فالوب بخلق النطفة الأمشاج، وليس بخلق النطفة في المبيض. وهذا التصور علمياً خطأ، فكما رأينا في الجزء العلمي أعلاه، فإن خلق البويضة يبدأ في مبيض الأنثى وهو جنين، ولكنه يتوقف أثناء الإنقسام الميوزي (المنصف) فتظل الخلية البيضية الأولية كما هي وبها ٤٦ كروموسوم، وبعد البلوغ يكتمل الانقسام الميوزي، وتخلق الخلية البيضية الثانوية وبها ٢٣ كروموسوم. وبدون مرحلة استكمال خلق البويضة داخل المبيض فلن تحدث مرحلة التلقيح في قناة فالوب، فكان المبيض هو أول ظلمة، والله أعلم.
● ثالثاً: دلالة ذكر البطون وليس الأرحام (في بطون)
ذكر الله البطون في الآية ولم يذكر الأرحام، لأن البطون أشمل من الأرحام، فبداخلها أماكن كثيرة غير الرحم، وكلمة الأرحام مذكورة في القرآن مثل (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء)، وطالما عدل الله عنها للبطون، فالبطون أدق في هذه الآية، فأطوار الخلق من بعد خلق ليست كُلها في الرحم، ولكنها تبدأ قبله، فهناك خلق للبويضة في المبيض، وخلق للنطفة الأمشاج في قناة فالوب، وكلاهما خارج الرحم، ولذا لفظة بطون في الآية أدق وأكثر إعجازاً (صورة ٢). وهذا الفهم متوافق مع حكي القُرآن لخلق الجنين عبر ثلاث مراحل أساسية وهي كالآتي:
1 خلق الإنسان من نطفة، وقد ذكرت أدلته أعلاه، وهذه هي مرحلة خلق البويضة (نطفة المرأة) في المبيض.
2. خلق الإنسان من النطفة الأمشاج (التلقيح بين النطفة الذكرية والأنثوية)، فقال الله (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج)، وهذه المرحلة تحدث في قناة فالوب.
3. خلق باقي الأطوار من العلقة إلى نهاية الحمل، وهذه المرحلة مكانها الرحم، قال الله (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
● رابعاً: لماذا لا يدخل تجويف البطن في الظلمات الثلاث؟
1. لدلالة حرف الجر في (في بطون)، و(في ظلمات)، وهو يستعمل كظرف مكان، فالجنين مظروف أولاً في البطون، ثم مظروف داخل البطون في ظلمات ثلاث، فدل ذلك على أن ظلمة البطن ليست من الظلمات الثلاث، وأن الظلمات الثلاث تقع جميعاً داخل بطن الأم، ولذا لا يصح أن يدخل فيها ظلمة صلب الرجل أو ظلمة الليل، وهو قول لبعض المُفسرين.
2. لأنه لا يوجد تخليق للجنين في تجويف البطن، فالآية تصف مراحل تخلق الجنين خلقاً من بعد خلق، فلابد من عملية إيجاد من موجود سابق في كل ظلمة. في المبيض هناك خلق للبويضة من الخلية البيضية الأولية، وفي قناة فالبوب هناك خلق للنطفة الأمشاج من نطفتين، وفي الرحم هناك خلق للعلقة وباقي الأطوار، ولكن البويضة حين تمر في تجويف البطن إلى قناة فالوب تبقى كما هي فلا يحدث فيها أي تخليق، وعليه فأماكن التخليق ثلاثة وليس أربعة، ومن أحسن من الله قيلا.
● خامساً: دلالة (خلقاً من بعد خلق)، ولماذا ليست (أطواراً)؟
أجمع المفسرون على أن (خلقا من بعد خلق) تعني الأطوار، وبدايتها النطفة، ولكن لابد أن معنى (خلقاً من بعد خلق) في الآية أدق وأوسع دلالةً من ذكر الأطوار، حيث جاءت خلق الأولي نكرة، والثانية نكرة، وهذا معناه أن الخلق الأول مختلف عن الخلق الثاني، وعن كل كل خلق لاحق، لأن النكرة تفيد التنوع والإختلاف، كما في آية (فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا) فلا يغلب عُسر واحد يسرين، لأن يسر نكرة، فاليسر الأول غير الثاني. وعلمياً الجنين يمر بمراحل تخليق مُتعددة ليس فيها مرحلة تشبه التالية، فمع كل إنقسام خلوي تحدث زيادة في حجم الجنين، وإنتاج بروتينات جديدة، وتخصص خلوي، ولذا فناتج كل إنقسام لا يُشبه ما قبله من إنقسامات، وهذا الوصف يناسبه الخلق من بعد خلق، وليس الأطوار التي تصف مراحل جنينية معلومة بصفة معينة (صورة ٢)، وهذا الوصف مُعجز بشكل يفوق التصور، فالعلم حتى يشرح الإختلاف بين كل إنقسام لخلايا الجنين والذي يليه إلى نهاية الحمل، يحتاج للعديد من الكتب التي يصف فيه التغيرات الجينية والبروتينية، وما نتج عنها من خلايا مُتخصصة، وأنسجة وأعضاء، فسبحان الله الخلاق العليم.
● سادساً: دلالة الظرف (من بعد) في الآية.
(من بعد) تصلح ظرف زمان، وأيضاً ظرف مكان، ولأنها فصلت خلق الأولي عن خلق الثانية (خلقاً من بعد خلق)، فهذا يعني أن الجنين يتحرك في بطن أمه من مكان لآخر عبر الزمان، فطور النطفة الأمشاج داخل قناة فالوب، يحدث بعد طور النطفة في المبيض، والأطوار داخل الرحم تحدث بعد طور النطفة الأمشاج في قناة فالوب. وعكس (من بعد) هو (من قبل)، فلو عُدنا للخلف في وصف أماكن تخلق الأطوار، فسنقول قناة فالوب قبل الرحم، والمبيض قبل قناة فالوب، وهذا يؤكد على أن الظلمات تقع بعضها بعد بعض، وليست داخل بعض، وأن الجنين قبل تعلقه بجدار الرحم كان يتحرك من مكان مظلم إلى آخر بعده في الترتيب. وهذا الفهم يؤكده حديث مُسلم (يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النِّطْفَةِ بَعْدَمَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِم........الحديث). والشاهد من الحديث قول (بعدما تستقر في الرحم)، ومعلوم أن الإستقرار ضد الحركة، وفي ذلك إشارة لأن النطفة كانت مُتحركة، وتنتقل من مكان لآخر حتي وصلت للرحم لتستقر فيه (قرار مكين).
● سابعاً: دلالة (في ظُلمات ثلاث)
تنكير الجمع (ظلمات ثلاث)، له دلالة الإطلاق والعموم، والتنوع، فينبغي أن تكون ظلمات مُختلفة، وذلك مثل قول الله (أو كصيب من السماء فيه ظلمات)، فتنكير الجمع (ظلمات) أفاد تنوعها واختلافها. وعليه فتنكير (ظلمات ثلاث) أفاد أنها ظلمات متنوعة مختلفة عن بعض، فلا تقع كلها داخل الرحم. يقول ابن عاشور في تفسيره (ويتعلق قوله في ظلمات ثلاث بالفعل يخلقكم)، وعليه فينبغي أن تستوعب الظلمات الثلاث جميع أطوار الجنين إبتداءاً من النطفة، فالفعل (يخلقكم) كما رأينا أعلاه يبدأ من النطفة.
بعد هذا الفهم السابق، لو أخذنا بقول المفسرين بأن الظلمات الثلاث هي ظلمة البطن والرحم والمشيمة، فقد وقعنا في عدة أخطاء؛
1. الظلمات الثلاث مظروفة مكانياً داخل البطون، فمُحال أن يكون تجويف البطن من الظلمات الثلاث.
2. سنخرج كل مراحل خلق الجنين قبل الرحم من الظلمات الثلاث، مع أنها داخل البطن، وداخل ظُلمة.
3. المشيمة علمياً لا تكتمل إلا بعد ثلاثة أسابيع بعد التلقيح، فيستحيل أن يقع الجنين داخل ظلمة المشيمة من بداية الحمل لنهايته.
وحديثاً بعد أن تبين أنه لا إعجاز في القول بأن الظلمات الثلاث هي المشيمة والرحم والبطن، فقد عدل بعض المُفسرين وكُتاب الإعجاز العلمي عن هذا القول، وفسروا الظلمات الثلاث بالأغشية الجنينية وعددها إثنان ( الأمنيوسي، والكوريوني)، وأما الظلمة الثالثة فعدها البعض الرحم، وعدها البعض الآخر الطبقة الداخلية من الرحم (الغشاء الساقط الكيسي). ولا فرق عندي بين القولين فكلاهما من الرحم، وهذا الرأي خطأ علمياً، ويخالف مفهوم الآية لغوياً كالآتي:
1. جعل الظلمات تبدأ من بعد مرحلة العلقة، بينما الآية تصف كل مراحل الخلق قبل وبعد العلقة، كما بينت أعلاه.
2. أغشية الجنين عددها إثنان في أول أربعة أشهر من الحمل (الأمنيوسي، والكوريوني)، ولكن يتحدان في غشاء واحد في باقي الحمل، وعليه فالظلمات ستكون صفر قبل العلقة، وثلاثة بعد العلقة في أول الحمل، ثم إثنان في باقي الحمل. ولا عبرة لمن يقول بأنه رغم إتحاد الغشاءان، فإن تركيبهما الخلوي مُختلف، فلو سلمنا لهم بذلك لإعتبرنا جدار الرحم ثلاث ظلمات وليست واحدة، لأن جدار الرحم يتكون من ثلاث طبقات مُتحدة مع بعض، وتركيبها مُختلف، وعندها سيكون الجنين مُحاط بخمس ظُلمات وليس ثلاث.
3. لو كان تخلق الجنين داخل الرحم فقط، والثلاث ظلمات داخل الرحم، فلا معنى عندها لذكر البطون في الآية، ولقال الله (يخلقكم في أرحام أمهاتكم)، وهو ما لم يحدث، فالبطون أدق من الأرحام، لإشتمالها على كل الأعضاء التي تتم فيها مراحل تخلق الجنين (المبيض، فالوب، الرحم). وأرجو ألا يُقال أطلق الله الكُل (بطون) وأراد البعض (الأرحام)، فخلق الجنين لا يتم داخل الرحم فقط.
■ خُلاصة ما سبق
1. قال القُرآن بخلق الجنين من خلال ثلاث مراحل مُختلفة (نطفة، نطفة أمشاج، باقي الأطوار)، وذلك في ثلاث ظلمات مختلفة ومتنوعة داخل بطون الأمهات، وهذا العدد مُتفق مع ما توصل له العلم عن خلق الجنين داخل ثلاثة أماكن مختلفة داخل بطن الأم، إبتداءاً من البويضة في المبيض، ثم النطفة الأمشاج في قناة فالوب، ثم باقي الأطوار في الرحم، وبذلك يظهر الإعجاز العلمي الحقيقي للظلمات الثلاث.
2. تفسير الظلمات الثلاث بالمبيض، وقناة فالوب، والرحم، هو أصوب من تفسيرها بطبقات المشيمة، أو بالمشيمة والرحم والبطن، وعلى المُخالف أن يثبت أن جميع مراحل الخلق من بعد خلق تقع كلها داخل الرحم، وأن جميع المراحل مُحاطة بالمشيمة من بداية النطفة إلى نهاية الحمل، وهو المستحيل بإذن الله تعالى، لأنه قول غير علمي، ولم يقل به القرآن.
3. كان القُرآن دقيقاً حين قال (يخلقكم) ليستدعي بداية الخلق بإحداث النطفة الأنثوية في بطن الأم، وهذا الفهم يُثبت أنه لا علاقة لنطفة المرأة بالإحتلام وماء الشهوة (الإفرازات الجنسية للمهبل)، ولكنها تتكون في ظلمات بطون الأمهات، ولهذه النقطة بحث خاص بإذن الله.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر

كُلُ من فسر الظُلمات الثلاث بطبقات المشيمة فقط (قول عُلماء الإعجاز حديثاً)، أو المشيمة، والرحم، وجدار البطن (قول أكثر المُفسرين قديماً)، فلازم قولهم أن جميع مراحل الجنين إبتداءاً من النُطفة تحدث داخل الرحم، وأن المشيمة تغطي الجنين من بداية الحمل لنهايته. وهذا فهم غير علمي، فالجنين يُخلق في بطن أمه عبر ثلاث مراحل مُتعاقبة؛ وهي خلق البويضة (النطفة الأنثوية) في المبيض، وخلق النطفة الأمشاج التي تنقسم وتتحول لكتلة خلوية داخل قناة فالوب، وأخيراً خلق باقي الأطوار في الرحم. والمشيمة والأغشية الجنينية لا تبدأ في الظهور بوضوح إلا بعد الأسبوع الثالث من الحمل. ولذا لابد من إعادة تدبر لآية (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث)، فالمُضارع (يخلقكم) يستدعي ماضي الجنين من أول خلق النطفة في المبيض، والظلمات الثلاث مُتعلقة بالفعل (يخلقكم)، وهذا يقتضي إنتقال خلق الجنين من ظلمة لأُخرى بمرور زمن الحمل، من ظُلمة المبيض لظلمة قناة فالوب، وأخيراً لظُلمة الرحم، وإليكم التفصيل.
■ المراحل العلمية لخلق الجنين في بطون الأمهات
1. يبدأ خلق الجنين في بطن أمه بإستكمال خلق البويضة (النطفة الأنثوية) في المبيض، وذلك أثناء الدورة الشهرية بعد البلوغ. فخلق البويضة يتم على مرحلتين (صورة ١)، وهي كالتالي (مرجع ١):
المرحلة الأولى: تبدأ في مبيض الأنثى وهي جنين في بطن أمها، حيث تدخل الخلية البيضية الأولية وبها ٤٦ كروموسوم في الانقسام الميوزي (المنصف)، ولكنه يتوقف عند الطور الأول (prophase)، ولذا لا يتغير تركيب الخلية البيضية الأولية، فتولد الأنثى ومبيضها يحتوي على بويضات أولية غير مكتملة الخلق، بها ٤٦ كروموسوم، فلا تصلح للتلقيح وخلق الجنين حتى تتم مراحل الخلق بعد البلوغ.
المرحلة الثانية: تبدأبعد البلوغ، مع كل دورة شهرية، وبتأثير بعض الهرمونات يُستكمل الإنقسام الميوزي (المنصف) في الخلية البيضية الأولية، فتنقسم إلى خلية مختلفة تسمى الخلية البيضية الثانوية بها نصف عدد الصبغيات (٢٣ كروموسوم)، وبذلك تصبح صالحة للتلقيح وخلق الجنين.
2. بعد إتمام خلق البويضة داخل حوصلة جراف، تنفجر الحوصلة، وتخرج البويضة لتجويف البطن، ثم تنتقل لقناة فالوب، حيث تنتظر الحوين (نطفة الذكر)، فيتم التلقيح، فينتج الزيجوت (النطفة الأمشاج). مع العلم بأن المبيض وقناة فالوب تشريحياً يقعان داخل تجويف البطن، وكلاهما من مُلحقات الرحم (صورة ٢).
3. يستمر التخليق داخل النطفة الأمشاج وهي تتحرك بداخل قناة فالوب حيث تنقسم إلي خليتين، ثم أربعة، ثم ثمانية، ثم ستة عشر، ثم إثنان وثلاثون خلية، وتعرف هذه المرحلة بالتوتية (morula)، ثم عندما تكون عدد الخلايا حوالي مائة تتكون الكيسة الأريمية (Blastocyst). مع العلم بأن التوتية تتكون في قناة فالوب، والكيسة الأريمية تتكون داخل الرحم قبل طور العلقة (صورة ٢).
4. في اليوم السادس أو السابع من الحمل، تفقس الكيسة الأريمية، وتخرج منها الكتلة الخلوية، التي تستقر أخيرا وتنغرس في بطانة الرحم فتتكون العلقة (صورة ٢).
5. في الأسبوع الثاني من الحمل يتكون الغشاء الجنيني الأول، وهو الغشاء الأمنيوسيي (amnion). واعتباراً من اليوم الرابع عشر يبدأ الغشاء الثاني في التكون، وهو الغشاء الكوريوني (chorion)، وتظهر المشيمة بعمر ٣ اسابيع وتستكمل نموها في الاسابيع التالية. ثم ينشأ غلاف ثالث من بطانة الرحم يحيط بالغشاء الكوريوني، وإسمه الغشاء الساقط الكيسي (decidua capsularis). وبعد ٤ شهور من الحمل يتحد الغشاء الأمنيوسي، والكوريوني في غشاء جنيني واحد (صورة ٣)، (مرجع ٢، ٣).
■ الدلالة اللغوية والعلمية لآية الزُمر (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ).
● أولاً: معنى الخلق (تمهيد لفهم الخلق من بعد خلق)
الخلق قد يكون من عدم، أو من مادة سابقة كخلق آدم من طين. وفي هذه الآية خلق أطوار الجنين كلها من بدايتها لنهايتها، فيها إيجاد من موجود سابق، فالنطفة الأنثوية (البويضة) خُلقت في المبيض من الخلية البيضية الأولية، والنطفة الأمشاج خُلقت من النطفة الأنثوية والذكرية، والعلقة خُلقت من النطفة الأمشاج، والمُضغة خُلقت من العلقة، والعظام واللحم من المُضغة، فلا يوجد طور إلا وهو مخلوق من خلق سابق.
● ثانياً: دلالة الفعل المُضارع (يخلقكم)
جاء المضارع (يخلقكم) مسبوق بالماضي (خلقكم)، وأهل اللغة والبلاغة يقولون بأن المضارع يشير للحاضر والمستقبل، ولكن إذا سبقه ماضي فإن المُضارع يُشير لماضي الشيء وبدايته. وقد قال كثير من المُفسرين وعلى رأسهم الطبري أن (خلقا من بعد خلق) هي أطوار الجنين، وبدايتها النطفة، قال الطبري (يبتدئ خلقكم أيها الناس في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق، وذلك أنه يحدث فيها نطفة، ثم يجعلها علقة، ثم مضغة، ثم عظاما، ثم يكسو العظام لحما، ثم يُنْشئه خلقا آخر). وعلمياً إحداث الله لنطفة المرأة يكون في المبيض، وليس في الرحم أو المشيمة، وعدم علم المفسرين بالمبيض ودوره هو ما جعلهم يتوهمون أن كل مراحل الجنين تكون داخل الرحم والمشيمة.
وقد ذكر القُرآن خلق الإنسان من نطفة في أكثر من موضع، قال الله (من نطفة خلقه)، وقال (ألم يك نطفة من مني يمنى)، وقال (خلق الإنسان من نطفة)، وقال (أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة)، وقال (فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق)، وكل من الزوجين له ماء دافق، والماء الدافق للمرأة والذي منه خلق الجنين يخرج من المبيض، ويكون أصفر رقيق كما قال النبي (ماء المرأة أصفر رقيق)، وهذا وصف لماء البويضة، ثم بين النبي أثر هذه النطفة الأنثوية في خلق الجنين فقال، فاذا علا ماء المراة ماء الرجل نزعت الولد أو أشبه أخواله، وفي رواية أنث باذن الله. وكل هذه الأدلة تبين دور نطفة المرأة في خلق الجنين، فبدونها لا ينعقد خلق النطفة الأمشاج لاحقاً.
وعليه فلا يمكن إهمال أن بداية خلق الجنين هو النطفة التي تُخلق في المبيض. ولكن للأسف شاع بين الناس أن الأنثى تولد وبويضاتها كاملة الخلق في مبيضها، ولذا يفترض البعض أن بداية تخليق الجنين يحدث في قناة فالوب بخلق النطفة الأمشاج، وليس بخلق النطفة في المبيض. وهذا التصور علمياً خطأ، فكما رأينا في الجزء العلمي أعلاه، فإن خلق البويضة يبدأ في مبيض الأنثى وهو جنين، ولكنه يتوقف أثناء الإنقسام الميوزي (المنصف) فتظل الخلية البيضية الأولية كما هي وبها ٤٦ كروموسوم، وبعد البلوغ يكتمل الانقسام الميوزي، وتخلق الخلية البيضية الثانوية وبها ٢٣ كروموسوم. وبدون مرحلة استكمال خلق البويضة داخل المبيض فلن تحدث مرحلة التلقيح في قناة فالوب، فكان المبيض هو أول ظلمة، والله أعلم.
● ثالثاً: دلالة ذكر البطون وليس الأرحام (في بطون)
ذكر الله البطون في الآية ولم يذكر الأرحام، لأن البطون أشمل من الأرحام، فبداخلها أماكن كثيرة غير الرحم، وكلمة الأرحام مذكورة في القرآن مثل (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء)، وطالما عدل الله عنها للبطون، فالبطون أدق في هذه الآية، فأطوار الخلق من بعد خلق ليست كُلها في الرحم، ولكنها تبدأ قبله، فهناك خلق للبويضة في المبيض، وخلق للنطفة الأمشاج في قناة فالوب، وكلاهما خارج الرحم، ولذا لفظة بطون في الآية أدق وأكثر إعجازاً (صورة ٢). وهذا الفهم متوافق مع حكي القُرآن لخلق الجنين عبر ثلاث مراحل أساسية وهي كالآتي:
1 خلق الإنسان من نطفة، وقد ذكرت أدلته أعلاه، وهذه هي مرحلة خلق البويضة (نطفة المرأة) في المبيض.
2. خلق الإنسان من النطفة الأمشاج (التلقيح بين النطفة الذكرية والأنثوية)، فقال الله (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج)، وهذه المرحلة تحدث في قناة فالوب.
3. خلق باقي الأطوار من العلقة إلى نهاية الحمل، وهذه المرحلة مكانها الرحم، قال الله (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
● رابعاً: لماذا لا يدخل تجويف البطن في الظلمات الثلاث؟
1. لدلالة حرف الجر في (في بطون)، و(في ظلمات)، وهو يستعمل كظرف مكان، فالجنين مظروف أولاً في البطون، ثم مظروف داخل البطون في ظلمات ثلاث، فدل ذلك على أن ظلمة البطن ليست من الظلمات الثلاث، وأن الظلمات الثلاث تقع جميعاً داخل بطن الأم، ولذا لا يصح أن يدخل فيها ظلمة صلب الرجل أو ظلمة الليل، وهو قول لبعض المُفسرين.
2. لأنه لا يوجد تخليق للجنين في تجويف البطن، فالآية تصف مراحل تخلق الجنين خلقاً من بعد خلق، فلابد من عملية إيجاد من موجود سابق في كل ظلمة. في المبيض هناك خلق للبويضة من الخلية البيضية الأولية، وفي قناة فالبوب هناك خلق للنطفة الأمشاج من نطفتين، وفي الرحم هناك خلق للعلقة وباقي الأطوار، ولكن البويضة حين تمر في تجويف البطن إلى قناة فالوب تبقى كما هي فلا يحدث فيها أي تخليق، وعليه فأماكن التخليق ثلاثة وليس أربعة، ومن أحسن من الله قيلا.
● خامساً: دلالة (خلقاً من بعد خلق)، ولماذا ليست (أطواراً)؟
أجمع المفسرون على أن (خلقا من بعد خلق) تعني الأطوار، وبدايتها النطفة، ولكن لابد أن معنى (خلقاً من بعد خلق) في الآية أدق وأوسع دلالةً من ذكر الأطوار، حيث جاءت خلق الأولي نكرة، والثانية نكرة، وهذا معناه أن الخلق الأول مختلف عن الخلق الثاني، وعن كل كل خلق لاحق، لأن النكرة تفيد التنوع والإختلاف، كما في آية (فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا) فلا يغلب عُسر واحد يسرين، لأن يسر نكرة، فاليسر الأول غير الثاني. وعلمياً الجنين يمر بمراحل تخليق مُتعددة ليس فيها مرحلة تشبه التالية، فمع كل إنقسام خلوي تحدث زيادة في حجم الجنين، وإنتاج بروتينات جديدة، وتخصص خلوي، ولذا فناتج كل إنقسام لا يُشبه ما قبله من إنقسامات، وهذا الوصف يناسبه الخلق من بعد خلق، وليس الأطوار التي تصف مراحل جنينية معلومة بصفة معينة (صورة ٢)، وهذا الوصف مُعجز بشكل يفوق التصور، فالعلم حتى يشرح الإختلاف بين كل إنقسام لخلايا الجنين والذي يليه إلى نهاية الحمل، يحتاج للعديد من الكتب التي يصف فيه التغيرات الجينية والبروتينية، وما نتج عنها من خلايا مُتخصصة، وأنسجة وأعضاء، فسبحان الله الخلاق العليم.
● سادساً: دلالة الظرف (من بعد) في الآية.
(من بعد) تصلح ظرف زمان، وأيضاً ظرف مكان، ولأنها فصلت خلق الأولي عن خلق الثانية (خلقاً من بعد خلق)، فهذا يعني أن الجنين يتحرك في بطن أمه من مكان لآخر عبر الزمان، فطور النطفة الأمشاج داخل قناة فالوب، يحدث بعد طور النطفة في المبيض، والأطوار داخل الرحم تحدث بعد طور النطفة الأمشاج في قناة فالوب. وعكس (من بعد) هو (من قبل)، فلو عُدنا للخلف في وصف أماكن تخلق الأطوار، فسنقول قناة فالوب قبل الرحم، والمبيض قبل قناة فالوب، وهذا يؤكد على أن الظلمات تقع بعضها بعد بعض، وليست داخل بعض، وأن الجنين قبل تعلقه بجدار الرحم كان يتحرك من مكان مظلم إلى آخر بعده في الترتيب. وهذا الفهم يؤكده حديث مُسلم (يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النِّطْفَةِ بَعْدَمَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِم........الحديث). والشاهد من الحديث قول (بعدما تستقر في الرحم)، ومعلوم أن الإستقرار ضد الحركة، وفي ذلك إشارة لأن النطفة كانت مُتحركة، وتنتقل من مكان لآخر حتي وصلت للرحم لتستقر فيه (قرار مكين).
● سابعاً: دلالة (في ظُلمات ثلاث)
تنكير الجمع (ظلمات ثلاث)، له دلالة الإطلاق والعموم، والتنوع، فينبغي أن تكون ظلمات مُختلفة، وذلك مثل قول الله (أو كصيب من السماء فيه ظلمات)، فتنكير الجمع (ظلمات) أفاد تنوعها واختلافها. وعليه فتنكير (ظلمات ثلاث) أفاد أنها ظلمات متنوعة مختلفة عن بعض، فلا تقع كلها داخل الرحم. يقول ابن عاشور في تفسيره (ويتعلق قوله في ظلمات ثلاث بالفعل يخلقكم)، وعليه فينبغي أن تستوعب الظلمات الثلاث جميع أطوار الجنين إبتداءاً من النطفة، فالفعل (يخلقكم) كما رأينا أعلاه يبدأ من النطفة.
بعد هذا الفهم السابق، لو أخذنا بقول المفسرين بأن الظلمات الثلاث هي ظلمة البطن والرحم والمشيمة، فقد وقعنا في عدة أخطاء؛
1. الظلمات الثلاث مظروفة مكانياً داخل البطون، فمُحال أن يكون تجويف البطن من الظلمات الثلاث.
2. سنخرج كل مراحل خلق الجنين قبل الرحم من الظلمات الثلاث، مع أنها داخل البطن، وداخل ظُلمة.
3. المشيمة علمياً لا تكتمل إلا بعد ثلاثة أسابيع بعد التلقيح، فيستحيل أن يقع الجنين داخل ظلمة المشيمة من بداية الحمل لنهايته.
وحديثاً بعد أن تبين أنه لا إعجاز في القول بأن الظلمات الثلاث هي المشيمة والرحم والبطن، فقد عدل بعض المُفسرين وكُتاب الإعجاز العلمي عن هذا القول، وفسروا الظلمات الثلاث بالأغشية الجنينية وعددها إثنان ( الأمنيوسي، والكوريوني)، وأما الظلمة الثالثة فعدها البعض الرحم، وعدها البعض الآخر الطبقة الداخلية من الرحم (الغشاء الساقط الكيسي). ولا فرق عندي بين القولين فكلاهما من الرحم، وهذا الرأي خطأ علمياً، ويخالف مفهوم الآية لغوياً كالآتي:
1. جعل الظلمات تبدأ من بعد مرحلة العلقة، بينما الآية تصف كل مراحل الخلق قبل وبعد العلقة، كما بينت أعلاه.
2. أغشية الجنين عددها إثنان في أول أربعة أشهر من الحمل (الأمنيوسي، والكوريوني)، ولكن يتحدان في غشاء واحد في باقي الحمل، وعليه فالظلمات ستكون صفر قبل العلقة، وثلاثة بعد العلقة في أول الحمل، ثم إثنان في باقي الحمل. ولا عبرة لمن يقول بأنه رغم إتحاد الغشاءان، فإن تركيبهما الخلوي مُختلف، فلو سلمنا لهم بذلك لإعتبرنا جدار الرحم ثلاث ظلمات وليست واحدة، لأن جدار الرحم يتكون من ثلاث طبقات مُتحدة مع بعض، وتركيبها مُختلف، وعندها سيكون الجنين مُحاط بخمس ظُلمات وليس ثلاث.
3. لو كان تخلق الجنين داخل الرحم فقط، والثلاث ظلمات داخل الرحم، فلا معنى عندها لذكر البطون في الآية، ولقال الله (يخلقكم في أرحام أمهاتكم)، وهو ما لم يحدث، فالبطون أدق من الأرحام، لإشتمالها على كل الأعضاء التي تتم فيها مراحل تخلق الجنين (المبيض، فالوب، الرحم). وأرجو ألا يُقال أطلق الله الكُل (بطون) وأراد البعض (الأرحام)، فخلق الجنين لا يتم داخل الرحم فقط.
■ خُلاصة ما سبق
1. قال القُرآن بخلق الجنين من خلال ثلاث مراحل مُختلفة (نطفة، نطفة أمشاج، باقي الأطوار)، وذلك في ثلاث ظلمات مختلفة ومتنوعة داخل بطون الأمهات، وهذا العدد مُتفق مع ما توصل له العلم عن خلق الجنين داخل ثلاثة أماكن مختلفة داخل بطن الأم، إبتداءاً من البويضة في المبيض، ثم النطفة الأمشاج في قناة فالوب، ثم باقي الأطوار في الرحم، وبذلك يظهر الإعجاز العلمي الحقيقي للظلمات الثلاث.
2. تفسير الظلمات الثلاث بالمبيض، وقناة فالوب، والرحم، هو أصوب من تفسيرها بطبقات المشيمة، أو بالمشيمة والرحم والبطن، وعلى المُخالف أن يثبت أن جميع مراحل الخلق من بعد خلق تقع كلها داخل الرحم، وأن جميع المراحل مُحاطة بالمشيمة من بداية النطفة إلى نهاية الحمل، وهو المستحيل بإذن الله تعالى، لأنه قول غير علمي، ولم يقل به القرآن.
3. كان القُرآن دقيقاً حين قال (يخلقكم) ليستدعي بداية الخلق بإحداث النطفة الأنثوية في بطن الأم، وهذا الفهم يُثبت أنه لا علاقة لنطفة المرأة بالإحتلام وماء الشهوة (الإفرازات الجنسية للمهبل)، ولكنها تتكون في ظلمات بطون الأمهات، ولهذه النقطة بحث خاص بإذن الله.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر