هشام صدقي الابراشي
New member
إبطال الشريعة الظاهرة (الأمر والنهي)ليس إنتاجاً علمانياً..!!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم-.
مازالت العقول البشرية - مع شدة تباينها واختلافها- تستعيدُ صورَها وتصوراتِها..
فلا جديد في الأطروحات والانحرافات العقلية البشرية..
وإنّ الناظر في أفكار الناس وتصوراتهم وفلسفاتهم وعقائدهم اليوم = فلابد له أن يخرج بنتيجةٍ متوقعة ، ألا وهي :
أنّ عقائد الفرق النارية كــــ الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والممثلة والمرجئة والخوارج والجبرية والقدرية والروافض والنواصب والصوفية بل وأهل الحلول والباطنية وغيرهم..
كلُّ هذه البدع العقدية موجودة في رؤس الناس اليوم ، سواء علموا انتسابهم إليها أوجهلوه، وسواء بأسمائهم القديمة أو بأسماء ومصطلحات معاصرة ..
فمن ظنّ أنّ ضلالةً حدثتْ ولم تكن قبلُ = فقد ظنّ وهماً ، وليراجع تراث الملل والنحل.
ومن تلك الضلالات القديمة المعاصرة: إبطال الشريعة وإسقاط وتعطيل الأمر والنهي والعمل بهما والتحاكم إليهما، وليس بخافٍ عنكم أنّ تلك الضلالة ليست إنتاجاً علمانياً معاصراً محضاً،بل انتاج :
جهمي جبري..
أوصوفي باطني..
أو اعتزالي مصلحي(عقلاني)..
وفي هذا المقال نربط بين الضلالتين ليعلمَ أعداءُ الشرع أنهم على طريق إخوانهم الذين ضلوا حذو النعل .
قال البزار متحدثاً عن شيخ الاسلام: "ولقد أكثر - رضي الله عنه - التصنيف في الأصول، فضلا عن غيره من بقية العلوم، فسألته عن سبب ذلك، والتمست منه تأليف نص في الفقه يجمع اختياراته وترجيحاته ليكون عمدةً في الإفتاء، فقال لي ما معناه:
الفروع أمرها قريب، ومتى قلد المسلم فيها أحد العلماء المقلدين، جاز له العمل بقوله ما لم يتيقن خطأه.
وأما الأصول: فإني رأيت أهل البدع والضلالات والأهواء؛ كالمتفلسفة، والباطنية، والملاحدة، والقائلين بوحدة الوجود، والدهرية، والقدرية، والنصيرية، والجهمية، والحلولية، والمعطلة، والمجسمة، والمشبهة، والراوندية، والكلابية، والسليمية، وغيرهم من أهل البدع قد تجاذبوا فيها بأزمة الضلال، وبان لي أن كثيرا منهم إنما قصد إبطال الشريعة المقدسة المحمدية الظاهرة..."اهـ(الأعلام العلية صـ 35-37.)
فلزم تلك الفرق والتزموا إبطال الشريعة الظاهرة بما أصَّلوه من أصولٍ إلحادية باطنية.
ومن أبرز الفرق المنتسبة إلى الاسلام إبطالاً للشرع :
الجهمية الجبرية:
تلك الطائفةُ أو الفكرُ أغرقَ في إثبات القَدر حتى نفى استطاعةَ العبد ومشيئته، ثم احتجوا بهذا الفهم المعكوس على اسقاط الشرع تعظيماً للقدر – زعموا-!
قال ابن القيم: ولكن يقال لكم معاشر الجبرية لا تكونوا ممن يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع المعترض في عينه فقد ألزمتكم القدرية ما لا محيد لكم عنه وقالوا: من نفى فعلَ العبد جملةً فقد عطلَ الشرائع والأمر والنهي، فان الأمر والنهي لا يتعلق إلا بالفعل المأمور به فهو الذي يؤمر به وينهى عنه ويثاب عليه ويعاقب فإذا نفيتم فعل العبد فقد رفعتم متعلق الأمر والنهي وفي ذلك أبطال الأمر والنهي.
فلا فرق بين رفع المأمور به المنهي عنه ورفع المأمور والمنهي نفسه فان الأمر يستلزم آمر أو مأمورا به ولا يصح له حقيقة إلا بهذه الثلاث ومعلوم أن أمر الآمر بفعل نفسه ونهيه عن نفسه يبطل التكليف جملة فان التكليف لا يعقل معناه إلا إذا كان المكلف قد كلف بفعله الذي هو المقدور له التابع لارادته ومشيئته وأما إذا رفعتم ذلك من البين وقلتم بل هو مكلف بفعل الله حقيقة لا يدخل تحت قدرة العبد لا هو متمكن في الآتيان به ولا هو واقع بإرادته ومشيئته فقد نفيتم التكليف جملة من حيث أثبتوه وفي ذلك أبطال للشرائع والرسالة جملةً..اهـ (مفتاح دار السعادة 2-94)
فاعتقادهم الجبر المحض يلزم منه إبطال الشريعة والامر والنهي.
وقال شيخ الاسلام: وقال هؤلاء: بل هو مريد لكل حادث، فإنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
والكفر والفسوق والعصيان مرادٌ له فيكون محبوباً مرضياً، فيكون محباً راضياً، فيكون محباً راضياً بالكفر والفسوق والعصيان، فهؤلاء سووا بين المأمور والمحظور في أن الجميع محبوب مرضي فلزمهم تعطيل الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وإن لم يلتزموه.اهـ (درء التعارض 8-23)
وقال ابن القيم: والحق في نفس الأمر : نسبة الأفعال إلى الفاعلين قياما ومباشرة وصدورا منهم وذلك محل الأمر والنهي والثواب والعقاب والقدح في ذلك مستلزم لإبطال الشرع.."اهـ (مدراج السالكين 2-286)
وغير ذلك من النقول التي لا تخفاكم.
فتبيّن مما سلبق أنّ القول بإبطال الشريعة ليس إنتاجاً علمانياً بل هو مذهب جبري جهمي قديم!.
وهذا يفسر لك الصمت العميق والبرود الفكري لدى الطرق الصوفية وإخوانهم الاشاعرة – إلا من رحم الله - عندنا في مصر تجاه قضية تحكيم الشريعة.
وأما صلة الصوفية الغلاة و الباطنية بإبطال الشرع:
فاعتمادهم على أصلهم الفاسد =الشريعة لها ظاهر وباطن متأولين قصة موسى والخضر تأويلاً فاسداً غير سائغ ،ومن ثَمَّ يسقطون الشرع الظاهر عمّن بلغ أوصافاً مضبوطةً في مذهبهم.!
وتجده واضحاً في تراجمهم ككتب "طبقات الصوفية" بل وبعض كتب السلوك لديهم.
قال شيخ الاسلام: نقل عن الشاذلي : يكون الجمع في قلبك مشهوداً ؛ والفرق على لسانك موجوداً ؛ كما يوجد في كلامه وكلام غيره أقوال وأدعية ، وأحزاب تستلزم تعطيل الأمر والنهي..اهـ (14-358)
وقال - أيضاً - عن القرامطة الباطنية: فسموا بذلك كل من اعتقد صحة ظاهر الشريعة فمن قال عندهم بوجوب الصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصوم رمضان وحج البيت وتحريم الفواحش والمظالم ونحو ذلك سموه حشويًّا كما رأينا ذلك مذكورًا في مصنفاتهم..اهـ (تلبيس الجهمية 2-130)
وقال ابن القيم عن هذا الصنف: ومن كيده : ما ألقاه إلى جهال المتصوفة من الشطح والطامات وأبرزه لهم في قالب الكشف من الخيالات فأوقعهم في أنواع الأباطيل والترهات وفتح لهم أبواب الدعاوي الهائلات وأوحى إليهم : أن وراء العلم طريقا إن سلكوه أفضى بهم إلى كشف العيان وأغناهم عن التقيد بالسنة والقرآن.
فحسن لهم رياضةَ النفوس وتهذيبها وتصفية الأخلاق والتجافي عما عليه أهل الدنيا وأهل الرياسة والفقهاء وأرباب العلوم والعمل على تفريغ القلب وخلوه من كل شيء حتى ينتقش فيه الحق بلا واسطة تعلم.
فلما خلا من صورة العلم الذي جاء به الرسول نقش فيه الشيطان بحسب ما هو مستعد له من أنواع الباطل وخيله للنفس حتى جعله كالمشاهد كشفاً وعياناً فإذا أنكره عليهم ورثة الرسل قالوا :
لكم العلم الظاهر ولنا الكشف الباطن ولكم ظاهر الشريعة وعندنا باطن الحقيقة ولكم القشور ولنا اللباب فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب والسنة والآثار كما ينسلخ الليل من النهار..اهـ (إغاثة اللهفان 1-119)
وقال – أيضاً - : وهؤلاء أعظم كفراً وإلحاداً حيث عطلوا العبودية وظنوا أنهم استغنوا عنها بما حصل لهم من الخيالات الباطلة التي هي من أماني النفس وخدع الشيطان وكأن قائلهم إنما عنى نفسه وذوى مذهبه بقوله
رضوا بالأماني وابتلوا بحظوظهم ... وخاضوا بحار الحب دعوى فما ابتلوا
فهم في السرى لم يبرحوا من مكانهم ... وما ظعنوا في السير عنه وقد كلوا .
وقد صرح أهل الاستقامة وأئمة الطريق بكفر هؤلاء فأخرجوهم من الإسلام وقالوا لو وصل العبد من القرب إلى أعلى مقام يناله العبد لما سقط عنه من التكليف مثقال ذرة أي ما دام قادرا عليه وهؤلاء يظنون أنهم يستغنون بهذه الحقيقة عن ظاهر الشريعة
وأجمعت هذه الطائفة على أن هذا كفر وإلحاد وصرحوا بأن كل حقيقة لا تتبعها شريعة فهي كفر.."اهـ (مدارج السالكين 3-118)
وفي مناظرة شيخ الاسلام لطائفة الرفاعية قال لهم: ولو فعلتم ما فعلتم لم يكن في ذلك ما يدل على صحة ما تدعونه من مخالفة الشرع . ولا على إبطال الشرع ؛ فإن الدجال الأكبر يقول للسماء أمطري فتمطر ؛ وللأرض أنبتي فتنبت وللخربة أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه ؛ ويقتل رجلا ثم يمشي بين شقيه ثم يقول له قم فيقوم ومع هذا فهو دجال كذاب ملعون لعنه الله..." اهـ (مجموع الفتاوى 11-466)
وهذا يفسر لك الصمت العميق والبرود الفكري لدى الطرق الصوفية وإخوانهم الاشاعرة – إلا من رحم الله - عندنا في مصر تجاه قضية تحكيم الشريعة.
وأما صلة المعتزلة بإبطال الشريعة:
فتتلخص في استنادهم الى مسألتهم الشهيرة (التحسين والتقبيح العقليان)
فكلُّ نصٍ شرعي خالف العقل المعتزلي فليس بشرع ، لأن الشرع عندهم كاشف لا يمكن وروده بخلاف العقل..
قال الزركشي : ظَاهِرُ النَّقْلِ السَّابِقِ عَنْهُمْ أَنَّ الْعَقْلَ يُوجِبُ وَيُحَرِّمُ على جِهَةِ الِاسْتِقْلَالِ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالْآيَةِ وما كنا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا يَقْتَضِيهِ يَقْتَضِيهِ وَالتَّحْقِيقُ في ذلك عن الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْفِعْلَ إنْ اشْتَمَلَ على مَصْلَحَةٍ خَالِصَةٍ أو رَاجِحَةٍ اقْتَضَى الْعَقْلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَلَبَهُ، وَإِنْ اشْتَمَلَ على مَفْسَدَةٍ خَالِصَةٍ أو رَاجِحَةٍ اقْتَضَى الْعَقْلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَلَبَ تَرْكَهُ.
وَإِنْ تَكَافَأَتْ مَصْلَحَةُ الْفِعْلِ وَمَفْسَدَتُهُ أو تَجَرَّدَ عنهما أَصْلًا كان مُبَاحًا وَلَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا عِنْدَهُمْ لِثُبُوتِهِ قبل وُرُودِ الشَّرْعِ وَأَنَّ الْعَقْلَ أَدْرَكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجِبُ له بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ أَنْ لَا يَدَعَ مَصْلَحَةً في وَقْتٍ ما إلَّا أَوْجَبَهَا وَأَثَابَ عليها وَلَا يَدَعَ مَفْسَدَةً في وَقْتٍ ما إلَّا حَرَّمَهَا وَعَاقَبَ عليها تَحْقِيقًا لِكَوْنِهِ حَكِيمًا وَإِلَّا لَفَاتَتْ الْحِكْمَةُ في جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ..اهـ (البحر المحيط في أصول الفقه 1-112)
أقول: وإن كان الزركشي –رحمه الله – تأول هذا الظاهر لكلام المعتزلة لكنه لازم مذهبهم.
بمثل هذا يحتج "التنويريون الاسلاميون" بمسألة"التحسين والتقبيح العقليين" التي أنتجتها المعتزلة.!
ويُنَظِّرون لإبطال أغلب الشريعة تسللاً من ثغرات "المصلحة" وفلسفة الطوفي فيها!
ويسوّغ القومُ إبطالَ الشريعة لعشرات السنبين احتجاجاً ببدعة" التدرج في الاحكام"!!
فيجمع العلمانيون كلّ هذه الحجج والشبهات ثم يبرزون مذهبهم في إبطال العمل بالشريعة ووجوب تعطيلها= على أنه مذهب اسلامي عريق قائم على النظر العقلي والدليل الفقهي !!
هذا..
ليعلم الناسُ أن أصلَ كلِّ شرٍ إنما أنتجته الفرقُ البدعية في هذه الامة.
وانشغال المصلحين بغير تطهير هذا المستنقع الآسن من الانحرافات= كمن يحرث في الماء.
===============================
والحمد لله رب العالمين..
والحمد لله رب العالمين..