أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ

إنضم
18/05/2011
المشاركات
1,237
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
مقال للدكتور أحمد فؤاد باشا في الكشف عن وجه الأمر في قوله تعالى: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {17}(الغاشية).
حيث قال: في هذه الآية الكريمة يخص الله سبحانه وتعالى ـ الإبل من بين مخلوقاته الحية، ويجعل النظر إلى كيفية خلقها أسبق من التأمل في كيفية رفع السموات ونصب الجبال وتسطيح الأرض، ويدعو إلى أن يكون النظر والتأمل في هذه المخلوقات مدخلاً إلى الإيمان الخالص بقدرة الخالق وبديع صنعه .
في هذه الآية الكريمة يحضنا الخالق العليم بأسرار خلقه حضاً جميلاً رفيقاً، على التفكير والتأمل في خلق الإبل، باعتباره خلقاً دالاً على عظمة الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ وكمال قدرته وحسن تدبيره. وسوف نرى أن ما كشفه العلم حديثاً عن بعض الحقائق المذهلة في خلق الإبل يدل على سبق القرآن الكريم في الإشارة إلى هذا المخلوق الفريد الذي يدل خلقه على عظمة خالقه سبحانه وتعالى كما يدل على أن القرآن الكريم هو الكتاب المعجز الذي نزل من عند الله تعالى على قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .

الإعجاز العلمي:
إن أول ما يلفت الأنظار في الإبل الشكل الخارجي الذي لا يخلو تكوينه من الآيات البينات التي تأخذ بالألباب :
أذنا الإبل:
فالأذنان صغيرتان قليلتا البروز، فضلاً عن أن الشعر يغطيها من كل جانب ليقيها من الرمال التي تحملها الرياح، وكما أن لها القدرة على الانثناء خلفاً والالتصاق بالرأس إذا ما هبت العواصف الرملية.
منخرا الإبل:
كذلك المنخران يتخذان شكل شقين ضيقين محاطين بالشعر وحافتهما لحمية مما يسمح للجمل أن يغلقهما أمام ما تحمله الرياح إلى رئتيه من دقائق الرمال.
عينا الإبل:
إن لعيني الجمل رموش ذات طبقتين مثل الفخ بحيث تدخل الواحدة بالأخرى وبهذا فإنها تستطيع أن تحمي عينيها وتمنع دخول الرمال إليهما.
ذيل الإبل:
وذيل الجمل يحمل كذلك على جانبيه شعراً يحمى الأجزاء الخلفية من حبات الرمل التي تثيرها الرياح والتي كأنها وابل من طلقات الرصاص .
قوائم الإبل:
أما قوائم الجمل فهي طويلة لترفع جسمه عن كثير مما يثور تحته من غبار، كما أنها تساعده على اتساع الخطو وخفة الحركة، وتتحصن أقدام الجمل بخف يغلفه جلد قوي غليظ يضم وسادة عريضة لينة تتسع عندما يدوس الجمل بها فوق الأرض، ومن ثم يستطيع السير فوق أكثر الرمل نعومة، وهو ما يصعب على أية دابة سواه ويجعله جديراً بلقب "سفينة الصحراء".
فما زالت الإبل في كثير من المناطق القاحلة الوسيلة المثلى لارتياد الصحاري وقد تقطع قافلة الإبل بما عليها من زاد ومتاع نحواً من خمسين أو ستين كيلومتراً في اليوم الواحد، ولم تستطع السيارات بعد من منافسة الجمل في ارتياد المناطق الصحراوية الوعرة غير المعبدة .
عنق الإبل:
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإبل ذوات أعناق مرتفعة حتى تتمكن من تناول طعامها من نبات الأرض، كما أنها تستطيع قضم أوراق الأشجار المرتفعة حين مصادفتها، هذا فضلاً عن أن هذا العنق الطويل يزيد الرأس ارتفاعاً عن الأقذاء ويساعد الجمل على النهوض بالأثقال.
وحين يبرك الجمل للراحة أو يناخ ليعد للرحيل يعتمد جسمه الثقيل على وسائد من جلد قوي سميك على مفاصل أرجله، ويرتكز بمعظم ثقله على كلكله، حتى أنه لو جثم به فوق حيوان أو إنسان طحنه طحناً .
وهذه الوسائد إحدى معجزات خلقه التي أنعم الله بها على هذا الحيوان العجيب، حيث إنها تهيئه لأن يبرك فوق الرمال الخشنة الشديدة الحرارة التي لا يجد الجمل سواها مفترشاً له في أكثر الأحيان، فلا يبالي بها ولا يصيبه منها أذى . والجمل الوليد يخرج من بطن أمه مزودا بهذه الوسائد المتغلظة، فهي شيء ثابت موروث وليست من قبيل ما يظهر بأقدام الناس من الحفاء أو لبس الأحذية الضيقة .
معدة الإبل:
وأما معدة الإبل فهي ذات أربعة أوجه وجهازه الهضمي قوى بحيث يستطيع هضم أي شئ بجانب الغذاء في الامكان الجافة .
إن الإبل لا تتنفس من فمها ولا تلهث أبداً مهما اشتد الحر أو استبد بها العطش، وهي بذلك تتجنب تبخر الماء من هذا السبيل.
تنظيم جسم الإبل للحرارة :
يمتاز الجمل بأنه لا يفرز إلا مقداراً ضئيلاً من العرق عند الضرورة القصوى بفضل قدرة جسمه على التكيف مع المعيشة في ظروف الصحراء التي تتغير فيها درجة الحرارة بين الليل والنهار .
إن جسم الجمل مغطى بشعر كثيف وهذا الشعر يقوم بعزل الحرارة ويمنعها من الوصول إلى الجلد تحتها، ويستطيع جهاز ضبط الحرارة في جسم الجمل أن يجعل مدى تفاوت الحرارة نحو سبع درجات كاملة دون أن يصيبه ضرر، أي بين 34م و41 م، ولا يضطر الجمل إلى العرق إلا إذا تجاوزت حرارة جسمه 41م ويكون هذا في فترة قصيرة من النهار أما في المساء فإن الجمل يتخلص من الحرارة التي اختزنها عن طريق الإشعاع إلى هواء الليل البارد دون أن يفقد قطرة ماء، وهذه الآلية وحدها توفر للجمل خمسة لترات كاملة من الماء، ولا يفوتنا أن نقارن بين هذه الخاصة التي يمتاز بها الجمل وبين نظيرتها في جسم الإنسان الذي ثبتت درجة حرارة جسمه العادية عند حوالي 37 م، وإذا انخفضت أو ارتفعت يكون هذا نذير مرض ينبغي أن يتدارك بالعلاج السريع، وربما توفي الإنسان إذا وصلت حرارة جسمه إلى القيمتين اللتين تتراوح بينهما درجة حرارة جسم الجمل ( 34م و41م)
إنتاج الإبل للماء :
يقوم الجمل بإنتاج الماء والذي يساعده على تحمل الجوع والعطش وذلك من الشحوم الموجودة في سنامه بطريقة كيماوية يعجز جسم الإنسان عن مضاهاته.
فمن المعروف أن الشحم والمواد الكربوهيدراتية لا ينتج عن احتراقها في الجسم سوى الماء وغاز ثاني أسيد الكربون الذي يتخلص منه الجسم في عملية التنفس، بالإضافة إلى تولد كمية كبيرة من الطاقة اللازمة لمواصلة نشاطه بحيوية .
والماء الناتج عن عملية احتراق الشحوم من قبيل الماء الذي يتكون على هيئة بخار حين تحترق شمعة على سبيل المثال، ويستطيع المرء أن يتأكد من وجوده إذا قرب لوحاً زجاجياً بارداً فوق لهب الشمعة لاحظ أن الماء الناتج من الاحتراق قد تكاثف على اللوح . وهذا مصدره البخار الخارج مع هواء الزفير، ومعظم الدهن الذي يختزنه الجمل في سنامه يلجأ إليه الجمل حين يشح الغذاء أو ينعدم، فيحرقه شيئاً فشياً ويذوي معه السنام يوماً بعد يوم حتى يميل على جنبه، ثم يصبح كيساً متهدلاً خاوياً من الجلد إذا طال الجوع والعطش بالجمل المسافر المنهك .
ومن عجيب خلق الله في الإبل أن جعل احتياطي الدهون فيها كبيراً للغاية يفوق أي حيوان آخر ويكفي دليلا على ذلك أن نقارن بين الجمل والخروف المشهور بإليته الضخمة المملوءة بالشحم. فحين نجد الخروف يختزن زهاء 11كجم من الدهن في إليته، نجد الجمل يختزن ما يفوق ذلك المقدار بأكثر من عشرة أضعاف (أي نحو 120 كجم)، وهي كمية كبيرة بلا شك يستفيد منها الجمل بتمثيلها وتحويلها إلى ماء وطاقة وثاني أكسيد الكربون . ولهذا يستطيع الجمل أن يقضي حوالي شهر ونصف بدون ماء يشربه. ولكن آثار العطش الشديد تصيبه بالهزال وتفقده الكثير من وزنه، وبالرغم من هذا فإنه يمضي في حياته صلدا لا تخور قواه إلى أن يجد الماء العذب أو المالح فيعب منه عباً حتى يطفىء ظمأه، كما أن الدم يحتوى على إنزيم البومين بنسبة أكبر مما توجد عند بقية الكائنات وهذا الإنزيم يزيد في مقاومة الجمل للعطش وتعزى قدرة الجمل الخارقة على تجرع محاليل الأملاح المركزة إلى استعداد خاص في كليته لإخراج تلك الأملاح في بول شديد التركيز بعد أن تستعيد معظم ما فيه من ماء لترده إلى الدم .
وهنالك أسرار أخرى عديدة لم يتوصل العلم بعد إلى معرفة حكمتها ولكنها تبين صوراً أخرى للإعجاز في خلق الإبل كما دل عليه البيان القرآني .
حليب الإبل :
أما لبن الإبل فهو أعجوبة من الأعاجيب التي خص الله سبحانه الإبل بها، حيث تحلب الناقة لمدة عام كامل في المتوسط بمعدل مرتين يومياً، ويبلغ متوسط الإنتاج اليومي لها من 5 ـ 10 كجم من اللبن، بينما يبلغ متوسط الإنتاج السنوي لها حوالي 230 ـ 260 كجم .
ويختلف تركيب لبن الناقة بحسب سلالة الإبل التي تنتمي إليها كما يختلف من ناقة لأخرى، وكذلك تبعاً لنوعية الأعلاف التي تتناولها الناقة والنباتات الرعوية التي تقتاتها والمياه التي تشربها وكمياتها، ووفقا لفصول السنة التي تربى فيها ودرجة حرارة الجو أو البيئة التي تعيش فيها والعمر الذي وصلت إليه هذه الناقة وفترة الإدرار وعدد المواليد والقدرات الوراثية التي يمتلكها، وطرائق التحليل المستخدمة في ذلك.
وعلى الرغم من أن معرفة العناصر التي يتكون منها لبن الناقة على جانب كبير من الأهمية، سواء لصغارالناقة أو للإنسان الذي يتناول هذا اللبن، فإنها من جانب آخر تشير وتدل دلالة واضحة على أهمية مثل هذا اللبن في تغذية الإنسان وصغار الإبل وبشكل عام يكون لبن الناقة أبيض مائلاً للحمرة، وهو عادة حلو المذاق لاذع، إلا أنه يكون في بعض الأحيان مالحاً، كما يكون مذاقه في بعض الأوقات مثل مذاق المياه، وترجع التغيرات في مذاق اللبن إلى نوع الأعلاف والنبات التي تأكلها الناقة والمياه التي تشربها . كذلك ترتفع قيمة الأس الهيدروجيني Ph وهو مقياس الحموضة في لبن الناقة الطازج، وعندما يترك لبعض الوقت تزداد درجة الحموضة فيه بسرعة .
ويصل محتوى الماء في لبن الناقة بين 84 % و90% ولهذا أهمية كبيرة في الحفاظ على حياة صغرى الإبل والسكان الذين يقطنون المناطق القاحلة ( مناطق الجفاف ) . وقد تبين أن الناقة الحلوب تفقد أثناء فترة الإدرار ماءها في اللبن الذي يحلب في أوقات الجفاف، وهذا الأمر يمكن أن يكون تكيفاً طبيعياً، وذلك لكي توفر هذه النوق وتمد صغارها والناس الذين يشربون من حليبها ـ في الأوقات التي لا تجد فيها المياه ـ ليس فقط بالمواد الغذائية، ولكن أيضا بالسوائل الضرورية لمعيشتهم وبقائها على قيد الحياة، وهذا لطف وتدبير من الله سبحانه وتعالى .
وكذلك فإنه مع زيادة محتوى الماء في اللبن الذي تنتجه الناقة العطشى ينخفض محتوى الدهون من 4،3 % إلى 1،1 %، وعموماً يتراوح متوسط النسبة المئوية للدهون في لبن الناقة بين 2،6 إلى 5،5%، ويرتبط دهن اللبن بالبروتين الموجود فيه.
وبمقارنة دهون لبن الناقة مع دهون ألبان الأبقار والجاموس والغنم لوحظ أنها تحتوي على حموض دهنية قليلة، كما أنها تحتوي على حموض دهنية قصيرة التسلسل ويرى الباحثون أن قيمة لبن الناقة تكمن في التراكيز العالية للحموض الطيارة التي تعتبر من أهم العوامل المغذية للإنسان، وخصوصاً الأشخاص المصابين بأمراض القلب.
ومن عجائب لبن الإبل أن محتوى اللاكتوز في لبن الناقة يظل دون تغيير منذ الشهر الأول لفترة الإدرار وحتى في كل من الناقة العطشى والنوق المرتوية من الماء . وهذا لطف من العلي القدير فيه رحمة وحفظ للإنسان والحيوان، إذ إن اللاكتوز (سكر اللبن) سكر هام يستخدم كمليّن وكمدّر للبول، وهو من السكاكر الضرورية التي تدخل في تركيب أغذية الرضع .
وفضلاً عن القيمة الغذائية العالية لألبان الإبل، فإن لها استخدامات وفوائد طبية عديدة تجعله جديراً بأن يكون الغذاء الوحيد الذي يعيش عليه الرعاة في بعض المناطق، وهذا من فضل الله العظيم وفيضه العميم .
أهمية الإبل في الأمن الغذائي :
ففي عامي 1984 و1985، حين أصيبت أفريقيا بالجفاف هلكت ـ أو كادت تهلك ـ القبائل التي في كينيا وكانت تعيش على الأبقار التي كفت عن إفراز اللبن ثم مات معظمها، بينما نجت القبائل التي كانت تعيش على الإبل، لأن النوق استمرت في الجود بألبانها في موسم الجفاف . ومن هنا أصبح للاهتمام بالإبل أيضاً دوافع اقتصادية ومستقبلية مهمة ودعا أهل الاختصاص إلى التعمق في دراسة هذا الحيوان في عالم تستنفذ موارده من الغذاء والطاقة بسرعة .
ولقد سبق أن أوضحنا أن النظرة المتأملة في الإبل أقنعت الناس منذ عهد نزول الوحي بصورة ظاهرة فيها من إعجاز الخلق ما يدل على قدرة الخالق، كما أن العلماء والباحثين المتعمقين لا يزالون حتى اليوم يجدون آيات خفية جديدة في ذلك الحيوان العجيب تزيد في الإيمان بقدرة الخالق سبحانه وتحقق التوافق والانسجام بين حقائق العلم الموضوعية التي يكشف عنها العلماء وبين ما أخبر به الله في كتابه الكريم .
مقارنة بين قدرات الإبل والإنسان :
ولعل في المقارنة بين بعض قدرات الإبل والإنسان ما يزيد الأمر إيضاحاً بالنسبة لنموذج الإبل الفريد في الإعجاز . فقد أكدت تجارب العلماء أن الإبل التي تتناول غذاءً جافاً يابساً يمكنها أن تتحمل قسوة الظمأ في هجير الصيف لمدة اسبوعين أو أكثر، ولكن نتيجة هذا العطش الشديد سوف تصاب بالهزال إلى درجة أنها قد تفقد ربع وزنها تقريباً في خلال هذه المدة الزمنية. ولكي ندرك مدى هذه المقدرة الخارقة نقارنها بمقدرة الإنسان الذي لا يمكنه أن يحيا في مثل هذه الظروف أكثر من يوم واحد أو يومين . فالإنسان إذا فقد نحو 5% من وزنه ماء فقد صوابه وحكمه على الأمور، وإذا زادت هذه النسبة إلى 10% صُمَّت أذناه وخلط وهذى وفقد احساسه بالألم ( وهذا من رحمة الله به ولطفه في قضائه ). أما إذا تجاوز الفقد 12% من وزنه ماء فإنه يفقد قدرته على البلع وتستحيل عليه النجاة حتى إذا وجد الماء إلا بمساعدة منقذيه . وعند إنقاذ إنسان قد أشرف على الهلاك من الظمأ ينبغي على منقذيه أن يسقوه الماء ببطء شديد تجنباً لآثار التغير المفاجئ في نسبة الماء بالدم . أما الجمل الظمآن إذا ما وجد الماء فإنه يستطيع أن يعب منه عباً دون مساعدة أحد ليستعيد في دقائق معدودات ما فقد من وزنه في أيام الظمأ .
وثمة ميزة أخرى للإبل على الإنسان، فإن الجمل الظمآن يستطيع أن يطفئ ظمأه من أي نوع وجد من الماء، حتى وإن كان ماء البحر أو ماء في مستنقع شديد الملوحة أو المرارة، وذلك بفضل استعداد خاص في كليتيه لإخراج تلك الأملاح في بول شديد التركيز بعد أن تستعيد معظم ما فيه من ماء لترده إلى الدم . أما الإنسان الظمآن فإن أية محاولة لإنقاذه بشرب الماء المالح تكون أقرب إلى تعجيل نهايته . وأعجب من هذا كله أن الجمل إذا وضع في ظروف بالغة القسوة من هجير الصحراء اللافح فإنه سوف يستهلك ماء كثيراً في صورة عرق وبول وبخار ماء مع هواء الزفير حتى يفقد نحو ربع وزنه دون ضجر أو شكوى . والعجيب في هذا أن معظم هذا الماء الذي فقده استمده من أنسجة جسمه ولم يستنفذ من ماء دمه إلا الجزء الأقل، وبذلك يستمر الدم سائلاً جارياً موزعاً للحرارة ومبددا لها من سطح جسمه، ومن ثم ترتفع درجة حرارته ارتفاعاً فجائياً لا تتحملها أجهزته ـ وخاصة دماغه ـ وفي هذا يكون حتفه .
وهكذا نجد أن الآية الكريمة (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) تمثل نموذجاً لما يمكن أن يؤدي إليه العلم بكافة مستوياته الفطرية والبحثية، وليس في نصّها شيء من حقائق العلوم ونظرياتها وإنما فيها ما هو أعظم من هذا وهو مفتاح الوصول إلى تلك الحقائق بذلك التوجيه الجميل من الله العليم الخبير بأسرار خلقه .
هذه بعض أوجه الإعجاز في خلق الإبل من ناحية الشكل والبنيان الخارجي، وهي خصائص يمكن إدراكها بفطرة المتأمل الذي يقنع البدوي منذ الوهلة الأولى بإعجاز الخلق الذي يدل على قدرة الخالق .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

من كتاب رحيق العلم والإيمان للدكتور أحمد فؤاد باشا .
 
قال عبدالدائم كحيل:
أعربت جماعة من العلماء عن أملها في أن تستفيد من "صحة" الجمل لعلاج العديد من الأمراض التي تصيب الآدميين. وقد وجه العلماء اهتمامهم إلى نظام المناعة لدى هذا المخلوق الصحراوي ذي الطبيعة الفزيولوجية المتفردة. وجاء في تقرير نشرت تفاصيله مجلة (ذي بايولوجيست) الطبية أن الأجسام المضادة الموجودة في الجهاز المناعي للجمل تتميز بصغر الحجم مقارنة بنظيراتها لدى الإنسان وباقي الثدييات.
وقال العلماء إن صغر حجم هذه الأجسام المضادة يجعلها قادرة على اختراق أعماق الأنسجة والخلايا التي لا يمكن الوصول إليها عادة. ويشير التقرير إلى أن الأجسام المضادة عند الجمل تتميز بالقدرة على مقاومة الفيروسات، لأنها تستطيع إبطال مفعول إفرازاتها التي لها دور مهم في الإصابة بالمرض.
وقال العلماء إن هذه الأجسام المضادة تجعل الإبل في منأى عن الإصابة بأمراض ناجمة عن الفيروسات، مثل الحمى القلاعية. وأضاف التقرير إن ما حمل العلماء على الاتجاه نحو الجمل هو الحاجة التي باتت ماسة إلى إيجاد أدوية قادرة على التصدي للانتشار المتزايد للأجسام الدقيقة المقاومة لمفعول الأدوية.
وقال الدكتور صباح جاسم، وهو من (معهد الشيخ زايد لأبحاث الأعشاب والطب التقليدي) في الإمارات العربية المتحدة، إنه يمكن الاستفادة مخبرياً من هذه الخصائص المتوفرة في الجمل لخدمة الإنسان. وأضاف أن البساطة البنيوية للأجسام المضادة عند الإبل تجعلها أكثر قابلية للتوالد بشكل اصطناعي من مضادات الأجسام الموجودة عند البشر. ويشار إلى أن الإبل قادرة على تحمل العطش لمدة طويلة، وتخزين الماء في دمائها، والاحتفاظ بالغذاء في الشحم الموجود في سنامها، فضلا عن أن لبنها قادر على البقاء طازجا مدة ثلاثة أشهر أكثر من حليب البقر والبشر.
jamal(1).jpg

أفلا نتفكر في هذه المخلوقات؟
ربما ندرك بعد هذه الدراسة لماذا أمرنا الله أن نتأمل الإبل وننظر إليها فقال: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [الغاشية: 17]. فالعلماء يؤكدون الطبيعة المميزة للجمال والتي تنفرد بها عن بقية المخلوقات، حتى في نظامها المناعي فهي مختلفة ولذلك تستحق النظر والتفكّر. وربما ندرك لماذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتداوى بألبان الإبل، فهذه الألبان تحوي كمية كبيرة من الأجسام المناعية التي تفيد الإنسان وتقاوم الجراثيم، ويمكن القول إن لبن الإبل يعتبر مصدراً مهماً للمضادات الحيوية!
ولا ننسى أن الناقة كانت معجزة عظيمة لسيدنا صالح عليه السلام، يقول تعالى: (وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59]. فلولا أهمية هذا المخلوق لم يجعله الله معجزة لأحد أنبيائه، ولم يأمرنا بالنظر والتفكر في خلقها. ومن هنا يمكننا أن نقدم نصيحة لكل من لديه مرض مزمن أو يوجد لديه خلل في نظامه المناعي أو يحس بالوهن والضعف، أن يتناول لبن الإبل، وحبذا لو يقرأ عليها شيئاً من القرآن، وبخاصة سورة الفاتحة سبع مرات التي هي رأس الشفاء، والله أعلم.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
 
قال الألوسي رحمه الله:
{ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ } استئناف مسوق لتقرير ما فصل من حديث الغاشبة وما هو مبني عليه من البعث الذي هم فيه مختلفون بالاستشهاد عليه بما لا يستطيعون إنكاره وأخرج عبد بن حميد وغيره عن قتادة قال لما نعت الله تعالى ما في الجنة عجب من ذلك أهل الضلالة فأنزل سبحانه وتعالى : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ } الخ ويرجع هذا في الآخرة إلى إنكار البعث كما لا يخفى والهمزة للإنكار والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام وكملة كيف منصوبة بما بعدها على أنها حال من مرفوع خلقت كما في قوله تعالى : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله }[ البقرة : 28 ] معلقة لفعل النظر والجملة بدل اشتمال من الإبل . وقد تبدل الجملة وفيها الاستفهام من الاسم الذي قبلها كقولهم : عرفت زيداً أبو من هو على أصح الأقوال على أن العرب قد أدخلت إلى علي كيف بلا واسطة إبدال كما أدخلت عليها على فحكى عنهم أنهم قالوا : انظر إلى كيف يصنع كما حكي عنهم أنهم قالوا على كيف تبيع الأحمرين وذكر أبو حيان في «البحر» والتذكرة وغيرهما أنه إذا علق الفعل عما فيه الاستفهام لم يبق الاستفهام على حقيقته وقيل كيف بدل من الإبل وتعقبه في «المغني» بما في بعضه نظر وجوز في «مجمع البيان» كونها في موضع نصب على المصدر وهو كما ترى والإبل يقع على البعران الكثيرة ولا واحد له من لفظه وهو مؤنث ولذا إذا صغر دخلته التاء فقالوا أبيلة وقالوا في الجمع آبال وقد اشتقوا من لفظه فقالوا أبل وتابل الرجل وتعجبوا من هذا الفعل على غير قياس فقالوا ما آبل زيداً ولم يحفظ سيبويه فيما قيل اسماً جاء على فعل بكسر الفاء والعين غير ابل أي أينكرون ما أشير إليه من البعث وأحكامه ويستبعدون وقوعه من قدرة الله عز وجل فلا ينظرون إلى الإبل التي هي نصب أعينهم يستعملونها كل حين كيف خلقت خلقاً بديعاً معدولاً به عن سنن خلق أكثر أنواع الحيوانات في عظم جثتها وشدة قوتها وعجيب هيآتها اللائقة بتأتي ما يصدر عنها من الأفاعيل الشاقة كالنوء بالأوقار الثقيلة وهي باركة وإيصالها الأثقال الفادحة إلى الأقطار النازحة وفي صبرها على الجوع والعطش حتى إن ظمأها ليبلغ العشر بكسر فسكون وهو ثمانية أيام بين الوردين وربما يجوز ذلك وتسمى حينئذٍ الحوازي بالحاء المهملة والزاي واكتفائها بالسير ورعيها لكل ما يتيسر من شوك وشجر وغير ذلك مما لا يكاد يرعاه سائر البهائم وفي انقيادها مع ذلك للإنسان في الحركة والسكون والبروك والنهوض حيث يستعملها في ذلك كيف يشاء ويقتادها بقطارها كل صغير وكبير وفي تأثرها بالصوت الحسن على غلظ أكبادها إلى غير ذلك وخصت بالذكر لأنها أعجب ما عند العرب من الحيوانات التي هي أشرف المركبات وأكثرها صنعاً ولهم على أحوالها أتم وقوف وعن الحسن أنها خصت بالذكر لأنها تأكل النوى وألقت وتخرج اللبن وقيل له الفيل أعظم في الأعجوبة فقال العرب بعيدة العهد بالفيل ثم هو حنزير لا يؤكل لحمه ولا يركب ظهره أي على نحو ما يركب ظهر البعير من غير مشقة في ترييضه ولا يحلب دره وقال أبو العباس المبرد الإبل هنا السحاب لأن العرب قد تسميها بذلك إذ تأتي إرسالاً كالإبل وتزجى كما تزجى الإبل وهي في هيآتها أحياناً تشبه الإبل يعني أن إرادته منها هنا على طريق التشبيه والمجاز وكأنه كما قال الزمخشري لم يدع القائل بذلك إلا طلب المناسبة بين المتعاطفات على ما يقتضيه قانون البلاغة وهي حاصلة مع بقاء الإبل في عطنها قال الإمام التناسب فيها أن الكلام مع العرب وهم أهل أسفار على الإبل في البراري فربما انفردوا فيها والمنفرد يتفكر لعدم رفيق يحادثه وشاغل يشغله فيتفكر فيما يقع عليه طرفه فإذا نظر لما معه رأى الإبل وإذا نظر لما فوقه رأى السماء وإذا نظر يميناً وشمالاً رأى الجبال وإذا نظر لأسفل رأى الأرض فأمر بالنظر في خلوته لما يتعلق به النظر من هذه الأمور فبينها مناسبة بهذا الاعتبار وقال عصام الدين : إن خيال العرب جامع بين الأربعة لأن مالهم النفيس الإبل ومدار السقي لهم على السماء ورعيهم في الأرض وحفظ مالهم بالجبال وما ألطف ذكر الإبل بعد ذكر الضريع فإن خطورها بعده على طرف الثمام وإذا صح ما روي من كلام قريش عند نزول تلك الآية كان ذكرها ألطف وألطف وقرأ الأصمعي عن أبي عمرو إلى الإبل بسكون الباء وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس رضي الله تعالى عنهما إبل بتشديد اللام ورويت عن أبي عمرو وأبي جعفر والكسائي وقالوا : إنها السحاب عن قوم من أهل اللغة .
 
وجاء في فتح القدير:
قال أبو عمرو بن العلاء: إنما خص الإبل لأنها من ذوات الأربع تبرك فتحمل عليها الحمولة، وغيرهما من ذوات الأربع لا يحمل عليه إلا وهو قائم: قال الزجاج: نبههم على عظيم من خلقه قد ذلله للصغير يقوده وينيخه وينهضه ويحمل عليه الثقيل من الحمل وهو بارك، فينهض بثقل حمله، وليس ذلك في شيء من الحوامل غيره، فأراهم عظيماً من خلقه ليدل بذلك على توحيده.
وسئل الحسن عن هذه الآية، وقيل له الفيل أعظم في الأعجوبة، فقال: أما الفيل فالعرب بعيدة العهد به، ثم هو حنزير لا يركب ظهره ولا يؤكل لحمه ولا يحلب دره، والإبل من أعز مال العرب وأنفسه، تأكل النوى والقت وتخرج اللبن ويأخذ الصبي بزمامها فيذهب بها حيث شاء مع عظمها في نفسها.
 
عودة
أعلى