أَحسَنَ ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم ... القرآن أحسن من ماذا ؟

منيب عرابي

New member
إنضم
07/06/2010
المشاركات
143
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،

أثناء قراءتي للقرآن الكريم تدور في ذهني بعض الأسئلة بشكل يومي تقريباً. ولا أجد دائماً الوقت لبحث تفسيرها أو يكون تفسيرها غير كاف وشاف. وهذا السبب الرئيسي لتسجيلي في هذا الموقع المبارك. وسأقوم بطرح أسئلتي إن شاء الله علي أرتقي بفهمي لآيات الله.

السؤال:
وَاتَّبِعوا أَحسَنَ ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذابُ بَغتَةً وَأَنتُم لا تَشعُرونَ ﴿٥٥﴾

في التفسير: أحسن ما أنزل: هو القرآن.

السؤال: القرآن أحسن من الكتب السماوية السابقة. ولكن الكتب السماوية لم تنزل على العرب. القرآن هو من "أنزل إليكم من ربكم". فما معنى لفظ التفضيل "أحسن".
أي أن "ماذا أحسن من ماذا" ؟
 
الأخ الفاضل أرجو أن تجد الإجابة في التالي:
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله:
"قوله تعالى : { الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه } .
أظهر الأقوال في الآية الكريمة ، أن المراد بالقول ، ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، من وحي الكتاب والسنة ، ومن إطلاق القول على القرآن قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول } [ المؤمنون : 68 ] الآية . وقوله تعالى : { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هوَ بالهزل } [ الطارق : 1314 ] . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه } أي يقدمون الأحسن ، الذي هو أشد حسناً ، على الأحسن الذي هو دونه في الحسن ، ويقدمون الأحسن مطلقاً على الحسن . ويدل لهذا آيات من كتاب الله .
أما الدليل على أن القرآن الأحسن المتبع . ما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم من الوحي ، فهو في آيات من كتاب الله كقوله تعالى : { واتبعوا أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ } [ الزمر : 55 ] وقوله تعالى لموسى يأمره بالأخذ بأحسن ما في التوراة { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } [ الأعراف : 145 ] .
وأما كون القرآن فيه الأحسن والحسن ، فقد دلت عليه آيات من كتابه .
واعلم أولاً أنه لا شك في أن الواجب أحسن من المندوب ، وأن المندوب أحسن من مطلق الحسنن فإذا سمعوا مثلاً قوله تعالى : { وافعلوا الخير لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الحج : 77 ] قدموا فعل الخير الواجب ، على فعل الخير المندوب ، وقدموا هذا الأخير ، على مطلق الحسن الذي هو الجائر ، ولذا كان الجزاء بخصوص الأحسن الذي هو الواجب والمندوب ، لا على مطلق الحسن ، كما قال تعالى : { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النحل : 97 ] وقوله تعالى { وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الزمر : 35 ] كما قدمنا إيضاحه في سورة النحل ، في الكلام على قوله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النحل : 97 ] ، وبينا هناك دلالة على أن المباح حسن ، كما قال صاحب المراقي :
ما ربنا لم ينه عنه حسن ... وغيره القبيح والمستهجن
ومن أمثلة الترغيب في الأخذ بالأحسن وأفضليته مع جواز الأخذ بالحسن قوله تعالى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } [ النحل : 126 ] فالأمر في قوله : { فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } للجواز ، والله لا يأمر إلا بحسن . فدل ذلك على أن الانتقام حسن ، ولكن الله بين أن العفو والصبر ، خير منه وأحسن في قوله : { وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } وأمثال ذلك كثيرة في القرآن ، كقوله تعالى في إباحة الانتقام ، { وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } [ الشورى : 41 ] ، مع أنه بين أن الصبر والغفران خير منه ، في قوله تعالى : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور } [ الشورى : 43 ] ، وكقوله في جواز الانتقام { لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسواء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ } [ النسا : 148 ] مع أنه أشار إلى أن العفو خير منه ، و أنه من صفاته جل وعلا مع كمال قدرته وذلك في قوله بعده : { إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهْ أَوْ تَعْفُواْ عَن سواء فَإِنَّ الله كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً }[ النساء : 149 ] . وكقوله جل وعلا مثنياً على من تصدق ، فأبدى صدقته { إِن تُبْدُواْ الصدقات فَنِعِمَّا هِيَ } [ البقرة : 271 ] ثم بين أن إخفاءها وإيتاءها الفقراء ، خير من إبدائها الذي مدحه بالفعل الجامد ، الذي هو لإنشاء المدح الذي هو نعم ، في قوله { إِن تُبْدُواْ الصدقات فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقرآء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 271 ] .
وكقوله في نصف الصداق اللازم ، للزوجة بالطلاق ، قبل الدخول ، فنصف ما فرضتم ، ولا شك أن أخذ كل واحد من الزوجين النصف حسن ، لأن الله شرعه في كتابه في قوله { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [ البقر : 237 ] مع أنه رغب كل واحد منهما ، أن العفو للآخر عن نصفه ، وبين أن ذلك أقرب للتقوى وذلك في قوله بعده { وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ } [ البقرة : 237 ] .
وقد قال تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] ثم أرشد إلى الحسن بقوله { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله } [ الشورى : 40 ] وقال تعالى : { والجروح قِصَاصٌ } [ المائدة : 45 ] ثم أرشد إلى الأحسن ، في قوله : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } [ المائدة : 45 ] ".

ويقول الطاهر بن عاشور رحمه الله:
"( و { أحْسَنَ } اسم تفضيل مستعمل في معنى كامل الحسن ، وليس في معنى تفضيل بعضه على بعض لأن جميع ما في القرآن حسن فهو من باب قوله تعالى : { قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه } [ يوسف : 33 ] ."
 
رد محكم من الشنقيطي رحمه الله كفّى ووفّى ... وقد قرأت جواب ابن عاشور رحمه الله من قبل ولم أجده شافياً.
جزاك الله خيراً.

بالمناسبة ... سأرسل الكثير من مثل هذه الأسئلة الخفيفة.
فأنا إنسان بسيط لا أبحث عن التحقيق العلمي العميق لمثل هذه الأسئلة ولكن أبحث عن فهم لآيات تمر علي وأنا أقرأ القرآن وأتدبره. فإن وجدت أن فهمك كاف للآية فتفضل به وليس من الضروري أن تعزوه إلى كلام مفسر أو نقل كلامه بعينه - من أجل الدقة العلمية - أو تقوم ببحث لتفسير الآية من عدة مفسرين أو ما شابه.

أقول هذا لأسهل عليك وعلى إخواننا في هذا المنتدى لمن يريد أن يجيب أسئلتي ويساعدني في فهم كلام الله عز وجل.
 
مرحبا بك أخي منيب العرابي ..

والملتقى في خدمة جميع طلاب العلم مثلك، وفقك الله وسددك.

أما قولك إنك لم تجد في كلام ابن عاشور ما يشفي فأظن أن هذا راجع لعدم الاستيعاب الوافي لما قال، وكلنا نقع في مثل هذا، فكلامه فيها من أشهر ما قيل في معنى الآية.
يمكن أن يوضح معناه بأن (أحسن) لا يلزم منه التفضيل، بمعنى أنه لا يلزم من هذا التعبير أن يكون هناك مفضل ومفضل عليه (حسن وأحسن)، بل يكون معنى أحسن هو (كامل الحُسن)، وهذا أسلوب عربي يدركه العرب، وأصبح خافيا علينا -مثل كثير من التعابير- بسبب العجمة التي أصابتنا.

ومرحبا بك أخي الفاضل مرة أخرى.
 
عودة
أعلى