علي حسين خلاف
New member
[align=justify] لا ينكر أحد فضل الإمام عبد القاهر الجرجاني كمؤسس لعلم البلاغة ، ولا ينكر أحد عبقريته الفذة في وضع نظرية النظم واستنباط قواعد هذا العلم الفريد ، فحين تقرأ كتاب دلائل الإعجاز لابد وأن تنبهر بهذه العبقرية.
غير أنه ما من عالم يؤسس علما جديدا إلا ويأتي من بعده من يضيف أو يعدل في هذا العلم ، وهذا لا يقلل من شأن المعلم الأول.
وفي هذا الموضوع أود أن أطرح عليكم مأخذا قد لمسته في إحدى القواعد التي ذكرها عبد القاهر في كتابه دلائل الإعجاز ، وأرى أنه أخطأ فيها وأنها يجب أن تكون على غير ما وصف ، وهذا الخطأ (من وجهة نظري) ، قد تناقلته الكتب ، حتى أحدث كتاب اطلعت عليه في هذا العلم ، وهو كتاب (معاني النحو) للدكتور السامرائي.
وأود من الأساتذة الأفاضل مناقشة كلا الرأيين كي نصل إلى الصواب بأذن الله .
== قال عبد القاهر الجرجاني تحت عنوان "التقديم والتأخير في النفي"
وإذ قد عرفت هذه المسائل في الاستفهام، فهذه مسائل في النفي. إذا قلت: ما فعلت كنت نفيت عنك فعلاً لم يثبت أنه مفعول. وإذا قلت: ما أنا فعلت. كنت نفيت عنك فعلا ثبت أنه مفعول. تفسير ذلك أنك إذا قلت: ما قلت هذا. كنت نفيت أن تكون قد قلت ذاك، وكنت نوظرت في شيء ثبت أنه مقول. وكذلك إذا قلت: ما ضربت زيداً. كنت نفيت عنك ضربه، ولم يجب أن يكون قد ضرب، بل يجوز أن يكون قد ضربه غيرك، وألا يكون قد ضرب أصلاً. وإذا قلت: ما أنا ضربت زيداً: لم تقله إلا وزيد مضروب، وكان القصد أن تنفي أن تكون أنت الضارب.
ومن أجل ذلك صلح في الوجه الأول أن يكون المنفي عاماً كقولك: ما قلت شعراً قط وما أكلت اليوم شيئاً، وما رأيت أحداً من الناس. ولم يصلح في الوجه الثاني فكان خلفاً أن تقول: ما أنا قلت شعراً قط، وما أنا أكلت اليوم شيئاً، وما أنا رأيت أحداً من الناس وذلك لأنه يقتضي المحال، وهو أن يكون هاهنا إنسان قد قال كل شعر في الدنيا، وأكل كل شيء يؤكل، ورأى كل أحد من الناس. فنفيت أن تكونه ومما هو مثال بين في أن تقديم الاسم يقتضي وجود الفعل قوله، من المتقارب:
المعنى: كما لا يخفى على أن السقم ثابت موجود، وليس القصد بالنفي إليه، ولكن إلى أن يكون هو الجالب له، ويكون قد جره إلى نفسه.
ومثله في الوضوح قوله، من الطويل:
الشعر مقول على القطع والنفي، لأن يكون هو وحده القائل له.
وهاهنا أمران يرتفع معهما الشك في وجوب هذا الفرق، ويصير العلم به كالضرورة أحدهما أنه يصح لك أن تقول: ما قلت هذا ولا قاله أحد من الناس. وما ضربت زيداً، ولا ضربه أحد سواي. ولا يصح ذلك في الوجه الأخر. فلو قلت: ما أنا قلت هذا، ولا قاله أحد من الناس. وما أنا ضربت زيداً ولا ضربه أحد سواي، كان خلفاً من القول، من بعده: ما ضربه أحد من الناس، ولست القائل ذلك. فتثبت أنه قد قيل، ثم تجيء فتقول: وما قاله أحد من الناس والثاني من الأمرين أنك تقول: ما ضربت إلا زيداً، فيكون كلاماً مستقيماً، ولو قلت: ما أنا ضربت إلا زيداً، كان لغواً من القول، وذلك لأن نقض النفي بإلا يقتضي أن تكون ضربت زيداً. وتقديمك ضميرك وإيلاؤه حرف النفي يقتضي نفي أن تكون ضربته، فهما يتدافعان، فاعرفه.
وخلاصة قول عبد القاهر أنك إن أردت قصر النفي على الاسم (الفاعل) مع إثبات وقوع الفعل قدمته . ومن يقرأ الأمثلة التي ضربها يشعر أن كلامه صحيح ، ففي كل مثال ضربه كان المعنى كما تقرره القاعدة تماما ، الفعل مجزوم بوقوعه ولكن من فاعل آخر.
إلا أننا يجب ألا ننسى أنه حين يتقدم الاسم فإن )ما( سوف تعمل عمل ليس ، مثلا الآية الكريمة (وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ) ، )ما( تعمل عمل "ليس" وسيكون ذلك الاسم هو (اسم ما) والجملة الفعلية هي خبر )ما( ، وحينئذ لا يصح أن نقول أن النفي منصرف للاسم ، لأنه لابد أن ينصرف إلى الخبر فينفيه عن ذلك الاسم ، ففي هذا المثال لا يصح أن نقول أن الآية نفت "الله" عن إرادة الظلم ، ولكن الصحيح أنها نفت إرادة الظلم عن الله ، هذا ما يقرره عبد القاهر في موضع آخر من كتابه ، فيقول: (.... المبتدأ لم يكن مبتدأ لأنه منطوق به أولاً، ولا كان الخبر خبراً لأنه مذكور بعد المبتدأ، بل كان المبتدأ مبتدأ لأنه مسند إليه ومثبث له المعنى، والخبر خبراً لأنه مسند ومثبت به المعنى) .
أما الأمثلة التي ضربها فصحيح أن النفي كان منصرفا فيها إلى الفاعل ولكن ليس بسبب تقدمه بل بسبب آخر ربما نبينه فيما بعد.
إن القاعدة الصحيحة يجب أن تكون هكذا :
== 1- حين تأتي الجملة على بابها (أداة النفي – الفعل – الفاعل – المفعول ) فإن النفي ينصرف إلى الفعل ، مثل (ما كذب الفؤاد ما رأى ) : ولكن صدق
2 - لبيان اختصاص المفعول بالنفي مع الجزم بوقوع الفعل من الفاعل ولكن على مفعول غيره ، يقدم المفعول على الفعل ، فتقول (ما شعرا قلت) ، لتثبت أنك قلت شيئا ولكن ليس شعرا بل نثرا مثلا.
3 – لبيان اختصاص الجار والمجرور بالنفي يقدم الجار والمجرور على الفعل ، فتقول (ما بهذا أمرتك) ، أي أني أمرتك بغيره .
إلى هنا لا يوجد اختلاف مع ما أورده عبد القاهر في كتابه ، ويبقى ما هي الصيغة التي تثبت الفعل وتنفي الفاعل .
لقد نظر العرب فوجدوا أن الفاعل لا يجوز أن يتقدم على عامله ، فلا يصح أن تقول (الرجال جاء أو الرجلان جاء ) على اعتبار أن الرجال والرجلان فاعل مقدم ، ولكن حين يتقدم الاسم على الفاعل فإن الجملة ستصبح جملة اسمية ، فإن نفيت سينصرف النفي إلى الخبر كما بيناه آنفا .
صحيح أن الكوفيون قد أجازوا تقدم الفاعل على عامله إلا أن هذا رأي ضعيف قد رد عليه البصريون بما يثبت بطلانه ، فإن جملا مثل (الرجال جاء ، الرجلان جاء ) لم نسمع بها عن العرب ، كما أنهم – الكوفيين - إنما أجازوا ذلك من باب التوسع في اللغة لا غير.
فلما كان الفاعل لا يجوز أن يتقدم على عامله ويبقى فاعلا ، وإذا تقدم فصار (اسم ما) فإن النفي ينصرف إلى الخبر لا إلى هذا الفاعل ، فإنهم كي يختصوا الفاعل بالنفي فبدلا من تقديمه فلامتناع ذلك فإنهم أخروه عن المفعول ، فتقول إذا أردت أن تثبت وقوع الضرب على عمرو من فاعل آخر غير زيد : (ما ضرب عمرا زيدُ) ، لأنك إن قدمت الفاعل فقلت : (ما زيد ضرب عمرا) فإنك إن قصدت أن زيد فاعل مقدم فإن هذا لا يجوز ، لعدم جواز تقدم الفاعل على عامله ، وإن كان زيد (اسم ما) انصرف النفي لخبرها لا غير.
فتكون القاعدة في اختصاص الفاعل بالنفي هو أن تأخره لا أن تقدمه ، وهذا عكس ما ذهب إليه الجرجاني.
فأرجوا منكم مناقشة هذا الأمر : (لكي نخص الفاعل بالنفي هل تقدمه كي يلي أداة النفي أم تأخره عن المفعول والجار والمجرور).
وهذا مثال من القرآن لنرى كيف سيكون معنى الآية حسب ما ذهب إليه عبد القهر الجرجاني ، وكيف سيكون معناها حسب ما ذهبت إليه.
قوله تعالى (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ)
حسب القاعدة التي استنبطُها ، وهي أن النفي ينصرف إلى الفاعل إذا أُخٍّر ، سيكون معنى الآية كالآتي : 1- إثبات التنزل 2- إثبات أن المتنزل به هو القرآن 3- نفي أن يكون المتنزلون بالقرآن هم الشياطين وإثبات ذلك لغيرهم (الملائكة مثلا).
حسب القاعدة التي قررها الجرجاني وهو أن النفي ينصرف إلى الفاعل إن قدم ، فلا يصح أن نقول أن التنزل ثابت ولكن من غير الشياطين ، لأنه لو أراد ذلك – حسب الجرجاني- لقال (وما الشياطين تنزلت به) ، ولا يصح أن نقول أن النفي خاص بالجار والمجرور ، لأنه يجب أن يكون ( وما به تنزلت الشياطين ) , فتقدم الجار والمجرور على الفعل ، ولم يبق غير نفي الفعل من الشياطين ، فالشياطين لم تتنزل بالقرآن ولكن تصعدت به مثلا ، أو لم تتنزل بالقرآن ولكن أتت به بطريقة أخرى غير التزل ، المهم أن تنفي الفعل وثبت فعلا آخر فعلته الشياطين بالقرآن.
وهذا حسب ما ذهب إليه الجرجاني.
فأي القاعدتين صحيح؟
[/align]
غير أنه ما من عالم يؤسس علما جديدا إلا ويأتي من بعده من يضيف أو يعدل في هذا العلم ، وهذا لا يقلل من شأن المعلم الأول.
وفي هذا الموضوع أود أن أطرح عليكم مأخذا قد لمسته في إحدى القواعد التي ذكرها عبد القاهر في كتابه دلائل الإعجاز ، وأرى أنه أخطأ فيها وأنها يجب أن تكون على غير ما وصف ، وهذا الخطأ (من وجهة نظري) ، قد تناقلته الكتب ، حتى أحدث كتاب اطلعت عليه في هذا العلم ، وهو كتاب (معاني النحو) للدكتور السامرائي.
وأود من الأساتذة الأفاضل مناقشة كلا الرأيين كي نصل إلى الصواب بأذن الله .
== قال عبد القاهر الجرجاني تحت عنوان "التقديم والتأخير في النفي"
وإذ قد عرفت هذه المسائل في الاستفهام، فهذه مسائل في النفي. إذا قلت: ما فعلت كنت نفيت عنك فعلاً لم يثبت أنه مفعول. وإذا قلت: ما أنا فعلت. كنت نفيت عنك فعلا ثبت أنه مفعول. تفسير ذلك أنك إذا قلت: ما قلت هذا. كنت نفيت أن تكون قد قلت ذاك، وكنت نوظرت في شيء ثبت أنه مقول. وكذلك إذا قلت: ما ضربت زيداً. كنت نفيت عنك ضربه، ولم يجب أن يكون قد ضرب، بل يجوز أن يكون قد ضربه غيرك، وألا يكون قد ضرب أصلاً. وإذا قلت: ما أنا ضربت زيداً: لم تقله إلا وزيد مضروب، وكان القصد أن تنفي أن تكون أنت الضارب.
ومن أجل ذلك صلح في الوجه الأول أن يكون المنفي عاماً كقولك: ما قلت شعراً قط وما أكلت اليوم شيئاً، وما رأيت أحداً من الناس. ولم يصلح في الوجه الثاني فكان خلفاً أن تقول: ما أنا قلت شعراً قط، وما أنا أكلت اليوم شيئاً، وما أنا رأيت أحداً من الناس وذلك لأنه يقتضي المحال، وهو أن يكون هاهنا إنسان قد قال كل شعر في الدنيا، وأكل كل شيء يؤكل، ورأى كل أحد من الناس. فنفيت أن تكونه ومما هو مثال بين في أن تقديم الاسم يقتضي وجود الفعل قوله، من المتقارب:
وما أنا أسقمت جسمي به ولا أنا أضرمت في القلب نارا
ومثله في الوضوح قوله، من الطويل:
وما أنا وحدي قلت ذا الشعر كله
وهاهنا أمران يرتفع معهما الشك في وجوب هذا الفرق، ويصير العلم به كالضرورة أحدهما أنه يصح لك أن تقول: ما قلت هذا ولا قاله أحد من الناس. وما ضربت زيداً، ولا ضربه أحد سواي. ولا يصح ذلك في الوجه الأخر. فلو قلت: ما أنا قلت هذا، ولا قاله أحد من الناس. وما أنا ضربت زيداً ولا ضربه أحد سواي، كان خلفاً من القول، من بعده: ما ضربه أحد من الناس، ولست القائل ذلك. فتثبت أنه قد قيل، ثم تجيء فتقول: وما قاله أحد من الناس والثاني من الأمرين أنك تقول: ما ضربت إلا زيداً، فيكون كلاماً مستقيماً، ولو قلت: ما أنا ضربت إلا زيداً، كان لغواً من القول، وذلك لأن نقض النفي بإلا يقتضي أن تكون ضربت زيداً. وتقديمك ضميرك وإيلاؤه حرف النفي يقتضي نفي أن تكون ضربته، فهما يتدافعان، فاعرفه.
وخلاصة قول عبد القاهر أنك إن أردت قصر النفي على الاسم (الفاعل) مع إثبات وقوع الفعل قدمته . ومن يقرأ الأمثلة التي ضربها يشعر أن كلامه صحيح ، ففي كل مثال ضربه كان المعنى كما تقرره القاعدة تماما ، الفعل مجزوم بوقوعه ولكن من فاعل آخر.
إلا أننا يجب ألا ننسى أنه حين يتقدم الاسم فإن )ما( سوف تعمل عمل ليس ، مثلا الآية الكريمة (وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ) ، )ما( تعمل عمل "ليس" وسيكون ذلك الاسم هو (اسم ما) والجملة الفعلية هي خبر )ما( ، وحينئذ لا يصح أن نقول أن النفي منصرف للاسم ، لأنه لابد أن ينصرف إلى الخبر فينفيه عن ذلك الاسم ، ففي هذا المثال لا يصح أن نقول أن الآية نفت "الله" عن إرادة الظلم ، ولكن الصحيح أنها نفت إرادة الظلم عن الله ، هذا ما يقرره عبد القاهر في موضع آخر من كتابه ، فيقول: (.... المبتدأ لم يكن مبتدأ لأنه منطوق به أولاً، ولا كان الخبر خبراً لأنه مذكور بعد المبتدأ، بل كان المبتدأ مبتدأ لأنه مسند إليه ومثبث له المعنى، والخبر خبراً لأنه مسند ومثبت به المعنى) .
أما الأمثلة التي ضربها فصحيح أن النفي كان منصرفا فيها إلى الفاعل ولكن ليس بسبب تقدمه بل بسبب آخر ربما نبينه فيما بعد.
إن القاعدة الصحيحة يجب أن تكون هكذا :
== 1- حين تأتي الجملة على بابها (أداة النفي – الفعل – الفاعل – المفعول ) فإن النفي ينصرف إلى الفعل ، مثل (ما كذب الفؤاد ما رأى ) : ولكن صدق
2 - لبيان اختصاص المفعول بالنفي مع الجزم بوقوع الفعل من الفاعل ولكن على مفعول غيره ، يقدم المفعول على الفعل ، فتقول (ما شعرا قلت) ، لتثبت أنك قلت شيئا ولكن ليس شعرا بل نثرا مثلا.
3 – لبيان اختصاص الجار والمجرور بالنفي يقدم الجار والمجرور على الفعل ، فتقول (ما بهذا أمرتك) ، أي أني أمرتك بغيره .
إلى هنا لا يوجد اختلاف مع ما أورده عبد القاهر في كتابه ، ويبقى ما هي الصيغة التي تثبت الفعل وتنفي الفاعل .
لقد نظر العرب فوجدوا أن الفاعل لا يجوز أن يتقدم على عامله ، فلا يصح أن تقول (الرجال جاء أو الرجلان جاء ) على اعتبار أن الرجال والرجلان فاعل مقدم ، ولكن حين يتقدم الاسم على الفاعل فإن الجملة ستصبح جملة اسمية ، فإن نفيت سينصرف النفي إلى الخبر كما بيناه آنفا .
صحيح أن الكوفيون قد أجازوا تقدم الفاعل على عامله إلا أن هذا رأي ضعيف قد رد عليه البصريون بما يثبت بطلانه ، فإن جملا مثل (الرجال جاء ، الرجلان جاء ) لم نسمع بها عن العرب ، كما أنهم – الكوفيين - إنما أجازوا ذلك من باب التوسع في اللغة لا غير.
فلما كان الفاعل لا يجوز أن يتقدم على عامله ويبقى فاعلا ، وإذا تقدم فصار (اسم ما) فإن النفي ينصرف إلى الخبر لا إلى هذا الفاعل ، فإنهم كي يختصوا الفاعل بالنفي فبدلا من تقديمه فلامتناع ذلك فإنهم أخروه عن المفعول ، فتقول إذا أردت أن تثبت وقوع الضرب على عمرو من فاعل آخر غير زيد : (ما ضرب عمرا زيدُ) ، لأنك إن قدمت الفاعل فقلت : (ما زيد ضرب عمرا) فإنك إن قصدت أن زيد فاعل مقدم فإن هذا لا يجوز ، لعدم جواز تقدم الفاعل على عامله ، وإن كان زيد (اسم ما) انصرف النفي لخبرها لا غير.
فتكون القاعدة في اختصاص الفاعل بالنفي هو أن تأخره لا أن تقدمه ، وهذا عكس ما ذهب إليه الجرجاني.
فأرجوا منكم مناقشة هذا الأمر : (لكي نخص الفاعل بالنفي هل تقدمه كي يلي أداة النفي أم تأخره عن المفعول والجار والمجرور).
وهذا مثال من القرآن لنرى كيف سيكون معنى الآية حسب ما ذهب إليه عبد القهر الجرجاني ، وكيف سيكون معناها حسب ما ذهبت إليه.
قوله تعالى (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ)
حسب القاعدة التي استنبطُها ، وهي أن النفي ينصرف إلى الفاعل إذا أُخٍّر ، سيكون معنى الآية كالآتي : 1- إثبات التنزل 2- إثبات أن المتنزل به هو القرآن 3- نفي أن يكون المتنزلون بالقرآن هم الشياطين وإثبات ذلك لغيرهم (الملائكة مثلا).
حسب القاعدة التي قررها الجرجاني وهو أن النفي ينصرف إلى الفاعل إن قدم ، فلا يصح أن نقول أن التنزل ثابت ولكن من غير الشياطين ، لأنه لو أراد ذلك – حسب الجرجاني- لقال (وما الشياطين تنزلت به) ، ولا يصح أن نقول أن النفي خاص بالجار والمجرور ، لأنه يجب أن يكون ( وما به تنزلت الشياطين ) , فتقدم الجار والمجرور على الفعل ، ولم يبق غير نفي الفعل من الشياطين ، فالشياطين لم تتنزل بالقرآن ولكن تصعدت به مثلا ، أو لم تتنزل بالقرآن ولكن أتت به بطريقة أخرى غير التزل ، المهم أن تنفي الفعل وثبت فعلا آخر فعلته الشياطين بالقرآن.
وهذا حسب ما ذهب إليه الجرجاني.
فأي القاعدتين صحيح؟
[/align]