أين ومتى بدأ نقد الاستشراق

إنضم
11/04/2006
المشاركات
157
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
لما عرفت إقبالكم على الاستشراق وجدت أن لدي بعض مقالات قديمة نوعاً ما فأحببت أن أقدمها بين أيديكم وأرجو أن تحوز رضاكم وإليكموها:
نشرت جريدة الحياة اللندنية مقالة لموريس أبو ناضر زعم فيها أن كتاب إدوارد سعيد (الاستشراق) هو أول دراسة تحليلية نقدية للاستشراق متجاهلاً الجهود الكبيرة التي بذلها علماؤنا الكبار في هذا المجال. ولأن مثل هذا الرأي بعيد عن الصدق والموضوعية فقد اخترت في هذه المقالة أن أعرف برائد حقيقي في دراسة الاستشراق في العالم الإسلامي . كما وجدت أن جامعة اكستر البريطانية قد عقدت ندوة أو مؤتمراً بمناسبة مرور الذكرى الثانية لوفاة المؤرخ المصري محمد عبد الحي شعبان الذي عمل في هذه الجامعة رئيساً لقسم الدراسـات الإسلامية مدة طويلة. وقد اطلعت على بعض إنتاج المؤرخ المذكور فوجدته أساء إلى التاريخ الإسلامي أكثر مما قام بمثله كثير من المستشرقين، وهاهم يحتفلون بذكره أو ذكراه، فكم من مؤتمر عقدنا في الجامعات العربية الإسلامية احتفاءً بذكرى السباعي رحمه الله وأمثاله ممن قدموا جهداً ونتاجاً فكرياً مباركا؟
نشأته وتعليمه
ولد الشيخ مصطفى السباعي عام 1334ـ1915م في مدينة حمص السورية لأسرة عريقة في العلم والتدين والجهاد. فقد كان والده حسني السباعي من علماء حمص المعدودين، وكان خطيب الجامع الكبير فيها. بدا رحمه الله تعليمه بحفظ القرآن الكريم ومبادئ العلوم الشرعية، ثم التحق بالمدارس النظامية حتى أنهى الدراسة الثانـوية عام 1930م، ولم يكن التعليم النظامي المصدر الوحيد للتعليم لدى السباعي.
وفي عام 1933م التحق بقسم الفقه في الجامعة الأزهرية بالقاهرة، ثم انتقل إلى كلية أصول الدين ونال الماجستير منها، أما بحثه للدكتوراه فكان بعنوان السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي الذي ردّ فيه على شبهات المستشرقين حول السنة وبخاصة شيخهم المجري اليهودي إجناز جولدزيهر بأسلوب علمي رصين
حياته التعليمية
بدأ السباعي التدريس في المدارس الثانوية بحمص، و لم يجد في المدارس ما يشفي غليله من ناحية المنهج أو الأهداف التربوية فأسس المعهد العربي في دمشق و كان أول مدير له. و في عام 1950 انتقل للتدريس في كلية الحقوق بجامعة دمشق، و لكنه كان يرى أن الشريعة الإسـلامية يجب أن تحظى بكلية خاصة فدعا إلى ذلك و أسهم إسهاماً كبيراً في إنشائهـا و كان أول عميد لها حينمـا تأسست عام 1955م
ولم يقتصر عمله على التدريس أو العمل عميداً للكلية أو رئيساً لقسم الفقه ومذاهبه في الكلية نفسها بل كان له نشاط مكثف في إلقاء المحاضرات العامة رغم ما كانت تسبب له من إرهاق شديد، وكان يقاوم متاعبه الجسمية للقيام بهذه المهام الصعبة وكان يقول :" خير لي أن أموت وأنا أقوم بواجبي نحو الله من أن أموت على فراشي فالآجال بيد الله ، وإن ألمي من حرمان الطلاب من دروس التوجيه أشد وأقسى من آلامي الجسدية ، وحسبي الله عليه الاتكال "

حياته العملية والسياسية
بالإضافة إلى هذه الأعمال العليمة التي تحتاج إلى فريق من الناس، فقد تطلع السباعي إلى خدمة أمته في مجالات أخرى حيث دخل البرلمان نائباً عن مدينة دمشق، وقد اختير نائباً لرئيس المجلس، كما اشترك في وضع مسوّدة الدستور ، فكان له جهد مبارك في تأكيد هوية البلاد الإسلامية
ومن المجالات التي عمل فيها السباعي: الصحافة حيث أنشأ جريدة " المنار " واستمرت حتى عام 1349م حيث تم إيقافها. وفي عام 1955م أسس جريدة "الشهاب" واستمرت في الصدور حتى عام 1958م. وفي الوقت نفسه أصدر السباعي " مجلة المسلمون" التي أصبحت تحمل اسم مجلة " حضارة الإسلام" منذ عام 1958م
علامات بارزة في حياة السباعي
إن المتتبع لحياة الشيخ الدكتور السباعي يجدها غنية بالمواقف و النشاطات والإنتاج العلمي الغزير. و من هذه المواقف مقاومته للغزو الفكـري المتمثل في المدارس الأجنبية و الإرساليات التنصيرية فقد ذكر محمد بسام الأسطواني أن السباعي رحمه الله كان صاحب مواهب وحماسة و همة و إمكانات أكبر بكثير من سنّه ،فقد كان أول عمل من أعماله محـاربة الغزو الفكري الذي اتخذ من المدارس الأجنبيــة أداة لتنفيذ هذا الغزو،" يضيف الأسطواني" وكان أول عمل قـام به تأليف جمعية سرية لمقاومة مدارس التبشير الأجنبية التي أنشئت بمسـاعدة وحماية السلطات الاستعمارية أيـام الانتداب ، هذه المدارس كانت تنفث سمومهـا الاستعمارية الخبيثة في أبناء (الطبقة الراقية) و تحبب إلى طلابها الثقافة الغربية والأخلاق والعادات الإفرنجية، وتعمل على إبعادهم عن عقيدتهم وثقافتهم الدينية والعربية، فعمل على محاربتها وأخذ يكتب المنشورات ويعمل عـلى طبعها سراً أو يتولى مع رفاقه توزيعها على الناس داعياً فيها إلى محاربة الاستعمار ومدارسه ومظالمه وجرائمه." مجلة حضارة الإسلام: عدد تذكاري جمادى الآخرة –رجب 1348هـ.تشرين الأول-كانون أول 1964م.
السباعي والاستشراق
ولقد بدأ الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله تعالى خطوة عملية في مواجهة الاستشراق سبق بها زمنه بعشرات السنين، ولكن هذه الخطوة لم تجد من يواصل طريقها اللاحب، لذلك عندما ظهر كتاب إدوارد سعيد "الاستشراق" ظن كثيرون أنه أول من فضح الاستشراق وعرّاه. وبالرغم من أهمية كتاب إدوارد سعيد إلاّ أن أعمال الشيخ السباعي لم تنل ما تستحقه من الاهتمام والإشادة بها، فهي محطة بارزة في المواجهة مع الاستشراق. وقد تمثلت خطوات السباعي أولاً برسالة الدكتوراه حول السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي التي انتقد فيها موقف المستشرق المجري جولدزيهر كما ردّ على كثير من الآراء الاستشراقية حول علماء الحديث كالإمام الزهري وغيره
و في عام 1956م اتخذت جامعة دمشق خطوة مباركة حيث أوفدت الدكتور السباعي رحمه الله لزيارة الجامعات الغربية للاطلاع على مناهج الدراسات الإسلامية هناك. فزار تركيا وإيطاليا وبريطانيا و أيرلندا وبلجيكا وهولندا و الدنمرك والنرويج و فلندا والنمسا وسويسرا وفرنسا. واجتمع في هذا البلاد كلها بالمستشرقين من أساتذة الدراسات الإسلامية والشرقية، وكانت هذه الزيارة فرصة لمناقشة المستشرقين في مؤلفاتهم وتوضيح أخطائهم المنهجي، وكان السباعي صاحب حجة وبيان مما دعا بعض المستشرقين إلى التراجع عن افتراءاتهم وأخطائهم.
وكان من نتائج هذه الزيارة إصدار كتاب صغير في الحجم كبير في القيمة الأدبية والعلمية ذلكم هو كتابـــــه الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم الذي تحدث فيه عن هذه الجولة وأبرز المناقشات التي دارت بينه وبين المستشرقين،وكم كان مضراً بالمواجهة بين الإسلام والاستشراق أن هذه الخطوة الإيجابية الرائعة لم تتعبها خطوات أخرى مماثلة، وبخاصة أن المواجهات كانت تحتاج إلى علمـاء متمكنين في العلوم الشرعية يعتزون بانتمائهم للإسلام ولهم حجة قوية وبيان ناصع. وحبذا لو قام أكثر من باحث بدراسة "مجلة حضارة الإسلام" ومجلة الدراسة لدراسة الاستشراق في بداية الصحوة الإسلامية
و مما يمكن أن يضاف إلى مواجهة الاستشراق الكتابة الإيجابية عن الحضارة الإسلامية أو ما أطلق عليه الدكتور أكرم العمري " تمثيل أنفسنا أمام أنفسنا " فقد أصدر الشيخ الدكتور السباعي كتابه " من روائع حضارتنا " ابرز فيه أهم معالم الحضارة الإسلامية والأسس التي قامت عليها هذه الحضارة واختلفت فيها عن الحضارات الأخرى. وقد كتب الشيخ محمد حميدة – أحد علماء المدينة المنورة المعاصرين- يؤكد على ضرورة أن يقرأ شباب الأمة الذين قد تخدعهم الحضارة الغربية بمنجزاتها المادية وزخرفها هذا الكتاب. واقترح الشيخ حميدة ضرورة ترجمة الكتاب إلى اللغات العالمية ليعرف العالم حقيقة حضارتنا
ومن الجهود الإيجابية في الرد على الاستشراق كتابه القيم المرأة بين الفقه والقانون الذي أوضح فيه حقيقة موقف الإسلام من المرأة، وانتقد فيها وضع المرأة في الحضارات الأخرى وبخاصة الحضارة الغربية، وقد تناول موضوعات كثيرة تخص المرأة من أبرزها العلاقة بين المرأة والرجل وموقف تشريعات الإسلام من المرأة مقارناً إياها بالتشريعات الغربية. وفي الكتاب معلومات وإحصائيات دقيقة حبذا لو طبع الكتاب طبعة جديدة مع تحديث هذه المعلومات القيمة.
السباعي - عالم مجاهد
عرف السباعي رحمه الله مسؤولية العالم معرفة حقيقية فلم يحصر نفسه بين القرطاس والقلم، ولكنه كان صاحب مواهب قيادية ففي مصـر حيث الاستعمار الإنجليزي وقف السباعي في وجه هذا الاحتلال حتى اعتقل عام 1934م، واستمر في الكفاح فاعتقل مرة أخرى عام 1940 بتهمة تأليف جمعية سرية لتأييد ثورة رشيد عالي الكيلاني، وسجن شهرين ثم أُطلق سراحه ثم سُلّم للسلطات الإنجليزية في فلسطين التي سجنته مدة أربعة أشهر، ثم عاد إلى سوريا وفي عام 1941 أُلقي القبض عليه من قبل السلطات الفرنسية التي تركته في السجن قرابة سنتين ونصف تنقل خلالها في عدة سجون ومعتقلات منها معتقل : "الميّة الميّة " و" قلعة راشيا " بلبنان حيث عاني خلالها من التعذيب الوحشي والمعاملـة القاسية.
رحم الله الشيخ الدكتور مصطفى السباعي رحمة واسعة فقد كان مثالاً للعلماء العالمين الذين ينبغي أن تُدرَسَ حياتُهم وتُنشر أعمالهم
 
أين ومتى بدأ نقد الاستشراق

[align=justify]

ما زال نقد الاستشراق من الموضوعات المثيرة للجدل. ومن الكتابات الأخيرة التي اطلعت عليها في هذا المجال ما كتبته موريس أبو ناضر في جريدة )الحياة( العدد رقم 11501 الصادر يوم 14 آب (أغسطس) 1994م. واستعرض مجموعة من الآراء التي تناقلت الاستشراق إما بالدفاع عنه كفرع معرفي غير خاضع للإيديولوجيات أو السياسة أو الدين أو باعتباره فرعا معرفيا غارقا في الأيديولوجية والالتزام بالنظرة الأوربية الاستعلائية أو بالعقيدة النصرانية. وذكر أبو ناضر مجموعة من الباحثين والعلماء المسلمين وغير المسلمين الذين تناولوا الاستشراق بالنقد أو الدفاع. ومن هؤلاء محمد البهي وأنور عبد الملك وإدوارد سعيد وهشام جعيط وبرنارد لويس والآن روسييون وغيرهم.

وكان عرض أبو ناضر جيدا لو لا أن المساحة المتاحة وطبيعة الموضوع اضطرتاه إلى اختزال كثير من الأفكار والمرور ببعض مقولات المستشرقين مرور الكرام، وكذلك إهمال جانب مهم من النقد الموجه للاستشراق، وهو الأثر الحقيقي الذي نجح الاستشراق في تحقيقه في فكر بعض أبناء المسلمين الذين تمثلوا مقولات المستشرقين وآراءهم وأصبحوا يدافعون عنها كأنها من بنات أفكارهم، وأنها الحق الذي لا يمكن التسامح مع رأي آخر مضاد له، بل كان تشجيع الاستشراق لبعض تلاميذهم سببا في أن سار هؤلاء التلاميذ خطوات أبعد في الجرأة على مسلمات الأمة الإسلامية وثوابتها. ولعل من وسائل التشجيع هذه : نشر أفكار التلاميذ وإعطاؤهم مناصب مهمة في مراكز البحوث وأقسام الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية
وأحب أن أتوقف قليلا عند بعض المقولات التي أوردها أبو ناضر نقلا عن برنارد لويس الذي زعم أن نقد الاستشراق بدأ بعد الحرب العالمية الثانية. وأن هذا النقد ارتبط بظهور الطبعة الثانية من دائرة المعارف الإسلامية على لسان شخص يدعى "إمام المسلمين" الألمان للباكستان الغربية، لكن ضجة هذا الهجوم لم تدم طويلا، ولم تحدث صدى واسعا في بقية الأجزاء الأخرى في العلم الإسلامي.
كتب برنارد لويس هذه العبارة الغامضة في مقالته التي كان يرد فيها على كتاب إدوارد سعيد - بعد أربعة أعوام على صدور الكتاب - وتلاحظ هنا محاولة لويس التقليل من شأن هذا العالم المسلم الباكستاني، وزيادة في الاحتقار ربط قوميته بالألمان ولعله قصد أنه مثقف باللغة الألمانية، فهل كان لثقافته الألمانية أثر في النقد، ثم أن ترك اسمه مجهولا وكذلك ما قاله إنما يقصد منه التقليل من شأنه وشأن نقد الاستشراق. كما أن لويس يريد أن يوحي بأن المسلمين ناموا منذ العام 1945 حتى 1978م حين صدر كتاب إدوارد سعيد.
والحقيقة أن نقد الاستشراق بدأ قبل الحرب العالمية الثانية في صحافة الحركات الإسلامية وفي كتابات زعماء الإصلاح. وتناولت هذه الصحافة كثيرا من مفتريات المستشرقين وآرائهم وبخاصة أن التعاون كان وثيقا بين الاستشراق والاستعمار وكان التمييز بين المستشرق والمستعمر أمرا صعبا. ومن الأمثلة على هذا النقد والمواجهة: أرادت السلطات الاستعمارية في الجزائر إصدار مجلة عدلية للأحكام الشرعية وأوكلت هذا الأمر لأستاذ القانون الشريعة في جامعة الجزائر (موران) للإشراف على ذلك، فما كان من العلماء المسلمين إلا التصدي لهذه المجلة حتى صرفت السلطات الاستعمارية النظر عنها.
وإذا أردنا حقا معرفة بداية الاستشراق فعلينا الرجوع إلى رسالة الدكتوراه التي تقدم بها أحمد سمايلوفتش بعنوان: "فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر" عام 1974 ورجع فيها إلى كثير من المراجع التي تؤكد أن نقد الاستشراق لم يبدأ من العالم الباكستاني الذي أغفل لويس اسمه عمدا بل قبل ذلك بكثير. فهذا حسين الهراوي يصدر كتابه "المستشرقون والإسلام" عام 1936 وأصدر محمد فريد وجدي كتابه "نقد كتاب الشعر الجاهلي" عام 1926، ولا بد من الرجوع إلى الدوريات العربية - وان كانت قليلة - فنجدها تناولت الاستشراق ومنها ما كتبه أحمد أمين في مجلة "الرسالة" عن دائرة المعارف الإسلامية في طبعتها الأولى عام 1933، وكتب علي العناني مقالة بعنوان "المستشرقون والآداب العربية" في مجلة "الهلال" عام 1932م، وكتب كوركيس عواد أربع مقالات عام 1945م ينتقد دائرة المعارف الإسلامية، وكتب محمد روحي فيصل ينتقد أغراض الاستشراق في مجلة "الرسالة" عام 1935م.
ولئن كان لويس حدد بداية نقد الاستشراق بطريقته الساخرة والبعيدة عن المنهج العلمي، فإن أبو ناضر على رغم اهتمامه الواضح بالاستشراق ومعرفته العميقة به لم يكن مصيبا عندما قال إن كتاب إدوارد سعيد "الاستشراق" وهو أول كتاب تحليلي نقدي، وربما الوحيد حتى الآن في مجال الدراسات الاستشراقية، لأن ما سواه من الكتب ليست سوى مؤلفات وصفية تعريفية أو معجمية. وذكر من هذه الكتب ما وضعه ميشال جحا ونجيب العقيقي وعبد الرحمن بدوي. وأغفل أبو ناضر بهذا التعميم الجارف كثيرا من الكتابات التحليلية النقدية في أنحاء العالم الإسلامي، وقد يكون له عذره بسبب ضعف التبادل الثقافي بين أنحاء العالم الإسلامي وإن كان مثل هذا العذر لا يقبل من الباحثين المتخصصين.
بدايات نقدية للاستشراق في الهند وباكستان وتركيا وغيرها....
بدأت أولى الكتابات التحليلية النقدية لكتابات المستشرقين في شبه القارة الهندية حيث كان الاحتكاك حكرا بالثقافة الغربية، ومن أبرز العلماء الهنود الشيخ رحمة الله الكيرانوي الذي ناظر القسيس فندر، وكذلك شبلي النعماني والشيخ أبو الأعلى المودودي، وأبو الحسن الندوي وغيرهم، كما وضع علماء أتراك كتابات تحليلية نقدية للاستشراق، وكذلك ظهرت كتابات تحليلية نقدية باللغة الإنكليزية ومن ذلك ما كتبه الدكتور عبد اللطيف طيباوي في مقالته: المستشرقون الناطقون باللغة الإنكليزية، اللتين نشرتهما جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بترجمة الدكتور قاسم السامرائي.
وإنني أعجب كيف غاب عن الدكتور أبو ناضر قيام جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بإنشاء قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة قبل أكثر من عشرة أعوام، وفي هذا القسم أنجزت العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه. وهي دراسات تحليلية نقدية لكتابات المستشرقين، وقد أصدر القسم أيضا العدد الأول من كتابه الدوري "دراسات حضارية واستشراقية" ومجموعة من الدراسات التحليلية والنقدية.
ولا بد أن أذكر هنا أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومكتب التربية العربي لدول الخليج تعاونا على إصدار كتاب في جزأين بعنوان "مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية" عام 1985م (1405هـ). ورعى مجمع المصنفين في الهند ندوة علمية عن الإسلام والاستشراق عام 1984م والقائمة تطول، لكن المجال ليس مناسبا لتعداد هذه الكتابات التي على رغم أهميتها يبقى كتاب إدوارد سعيد "الاستشراق" علامة بارزة في الكتابات النقدية للاستشراق.
وإن كان من الأمور الصعبة الحديث عن النفس إلا أنها الحقيقة العلمية التي ينبغي ذكرها وهي أن قسم الاستشراق في كلية الدعوة منح أول درجة دكتوراه لكاتب هذه السطور وكان البحث " دراسة تحليلية نقدية لكتابات المستشرق برلنارد لويس في دراسة الجوانب الفكرية في التاريخ الإسلامي" وكشفت هذه الدراسة التحليلية النقدية المغالطة الكبرى التي يصر عليها لويس - وأوردها أبو ناضر من دون مناقشة - وهي أن ((رجال الاستشراق الحقيقيين هم في معظمهم أساتذة جامعات مستقلون عن المؤسسات الإمبراطورية الكبرى من كهنوتية أو تجارية، وانتقدوها بقوة في بعض الأحيان لأن هاجسهم الاستشراقي كان وما زال قائما على التبحر التحليلي والنقدي والرغبة في المعرفة والفهم..، فلويس بدأ حياته الاستشراقية الحقيقية في أحضان الحكومة البريطانية حيث أعيرت خدماته من الجيش حيث كان يؤدي الخدمة العسكرية إلى وزارة الخارجية، وبعد سنوات من نهاية الحرب وبالذات في العام 1954م طلبت وزارة الخارجية البريطانية من لويس القيام بجولة لزيارة أكثر من عشرين جامعة أمريكية والحديث للإذاعة والتلفاز الأمريكي. ولئن كانت تقارير مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية لم تحدد طبيعة هذه الجولة، فإنها لا يمكن أن تخرج عن الترويج لموقف الحكومة البريطانية السياسي من الأحداث في العالم العربي الإسلامي وبخاصة قضية فلسطين، وكانت الخارجية تريد لموقفها أن يتم الترويج له بصورة علمية أكاديمية.
واستمر لويس في ارتباطه السياسي والصهيوني بالتحديد وبخاصة عندما قدم استشارة للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي مرات عدة ومنها محاضرة في تلك اللجنة في 8 آذار (مارس) 1974م. ونظرا إلى اعتزاز إسرائيل بهذه الشهادة قامت بنشرها بعد شهر أو أقل من ذلك حيث صدرت في نشرة خاصة صادرة عن وزارة الخارجية الإسرائيلية في نيسان (إبريل) 1974م.
وليس لويس بدعا من المستشرقين فإن كثيرا من هؤلاء ما زال يقدم الاستشارات لحكومته (شهادات المتخصصين في شؤون العالم الإسلامي حول الأصولية في حزيران وتموز وآب 1985م للكونغرس الأمريكي). كما يقوم هؤلاء بالترويج لموقف حكوماتهم من خلال وسائل الإعلام المختلفة.
وأخيرا أذكر كلمة موجزة بخصوص فهم الذات والآخر، فإن أبرز ما يميز الإسلام عن غيره من الأديان أنه ليس معقدا بحيث يصعب على من لا ينتمي إليه أن يفهمه لو أراد حقا أن يفهم، وليس المسلم الذي يحجر على الآخرين دراسة الإسلام والكتابة عنه ما داموا يحترمون مقدساته ويدركون مسلماته، ولكن عندما يفشل الغربيون في فهم الإسلام لا بد من البحث الدقيق في خلفياتهم الثقافية والعقدية لمعرفة أسباب الفشل.
وفي رأيي المتواضع ليست المسألة مسألة رفض الآخرين أو قبولهم ليدرسوا الإسلام عقيدة وشريعة وتاريخيا وحضارة فهذا من حق أي إنسان ويجب أن نشجع أي محاولة جادة لفهم الإسلام مع التسليم للأمة التي يراد دراستها بثوابتها وما تعتقده يقينا واحترام خصوصياتها والابتعاد عن الإسقاطات والاستعلاء والإسفاف.


[/align]
 
الاستشراق حسب فهمي المتواضع هو دراسة للآخر الشرقي لأحد هدفين:فهم الآخر لمعرفة نقاط القوة والضعف عنده تمهيدا للسيطرة عليه وسلبه أهم مقوماته الفكرية والمادية،أو فهم الآخر لاستيعاب حركة التاريخ الفكرية للاستفادة منها من الناحية العلمية البحتة.
لكن غالبية المستشرقين تخلوا عن الحيادية في دراساتهم واستغرقوا الجهد كله في سبيل تحقيق اهداف كونيالية استعمارية،لافتا الى اننا نجد فروقات بين هؤلاء المستشرقين حسب طبيعة المرجعيات الفكرية التي يستندون اليها وجهة التمويل! التي تقف خلف جهدهم الجبار.
وربما كتاب"تغطية الاسلام"لادوارد سعيد يكشف الطريقة التي يتعامل بها المستشرف مع الآخر بصفته عدوا لا طرفا في المعادلة الحضارية..وكتابه"الاستشراق" يفضح النزعة العدائية لمفكري الاستشراق من خلال فضح الاساليب التي اعتمدوها في بحوثهم ودراساتهم.
المسلمون لغاية اليوم،لضعف فيهم،لم يتمكنوا من القيام بمهمة تقابل استشراقهم ودراسة غربهم كي نكون على دراية بطرائق تفكيرهم وتمييز غثهم من سمينهم والتحذير من مغبة الاستغراق في مخرجات استشراقهم التي يتبناها يعض مفكري العرب المتيمن بهم ،مجسدين مقولة مالك بن نبي في قابليتهم الاستعمار
 
العلامة مصطفى السباعيرحمه الله ابلى بلاءً حسنا في الذب عن حياض الاسلام ووقف مواقف مشهودة في حياته ودعوته وتتلمذ على يديه الكثيرون وما زالت مؤلفاته تدرس الى يومنا هذا وكأنها حديثة عهد في المحتويات.
لكنني رأيت في توظيفه لأثر الاشتراكية،الذي كان سائدا في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته تحت وطأة القطبية السوفيتية،في الفكر الاسلامي ليس اكثر من شاهد على فقه الاستشراق الذي كان محل تحذير وشك من قبله هو رحمه الله قبل ان يكون من الآخرين...
فالاشتراكية كفكر بشري سقط بعد تأليف الكتاب بسنوات قليلة،ومحاولة السباعي في ابراز اشتراكية الاسلام لم يكن سوى اظهار لفقه"العدالة الاجتماعية" الذي جلّاه سيد قطب رحمه الله في كتابه الشهير،ولم يبتعد الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله عن ذلك الطرح عندما تناول"مشكلة الفقر في الاسلام"،طبعا ليس المقصود ان هناك فقرا اسلاميا وآخر غير اسلامي انما القصد كيف عالج الاسلام مشكلة الفقر.
ويؤكد ذلك فصول كتابه" اشتراكية الإسلام "من الرابع الى السابع التي تناولت هذه القضية
"مبادئ التملك : الكون كله لله، المال وسيلة للخير، الفقر مرض اجتماعي، العمل أهم وسائل التملك، تأميم الموارد الطبيعية، طرائق التملك، الحجر على السفهاء، التملك وظيفة اجتماعية، كراهية تكديس الثروات.
بحوث حول حق التملك : إحياء الموات، الإقطاع، حقوق العمال، التأميم، تحديد الملكية.
قوانين التكافل : التكافل المعاشي، التكافل الاجتماعي، التكافل الأدبي، التكافل العلمي، التكافل السياسي، التكافل الدفاعي، التكافل الجنائي، التكافل الأخلاقي، التكافل الاقتصادي، التكافل العبادي، التكافل الحضاري.
قوانين التكافل الاجتماعي : الفئات التي تستحق التكافل، موارد نفقات التكافل، المؤيدات ( الحوافز الإيجابية والسلبية ) : الاعتقادية، الأخلاقية، المادية، التشريعية"
وهي الاساس المادي الذي استند اليه الاشتراكيون من كارل ماركس الى ماوتسي تونغ لكنها تبتعد كثيرا عن العدالة الاجتماعية التي طرحها الاسلام.
ارجو ان نضع هذا الموضوع بين يدي الباحثين لعقد مقارنة بين كتابات المفكرين الاسلاميين قبل سقوط المنظومة الاشتراكية وبعد سقوطها،ونحرر طرائق التفكير ومدى تأثرها بالسائد العالمي من النتاج الفكري،ومحاكمتها حسب لوائح العدالة الاسلامية.
 
رحم الله الدكتور مصطفى السباعي وغفر له وأجزل له المثوبة ، وبارك الله فيكم يا دكتور مازن على هذه المقالة التعريفية بالدكتور، وأؤيد مقترح أخي أبي صهيب وفقه الله حول دراسة حول موقف الباحثين المسلمين قبل سقوط المنظومة الاشتراكية وبعد سقوطها فهو بحث طريف مفيد .
 
رحم الله الدكتور مصطفى السباعي وغفر له وأجزل له المثوبة ، وبارك الله فيكم يا دكتور مازن على هذه المقالة التعريفية بالدكتور، وأؤيد مقترح أخي أبي صهيب وفقه الله حول دراسة حول موقف الباحثين المسلمين قبل سقوط المنظومة الاشتراكية وبعد سقوطها فهو بحث طريف مفيد .
بارك الله فيكم دكتور عبد الرحمن
واتمنى من علماء ومفكري ورواد هذا الملتقى ان يدلو بدلوهم في هذا الموضوع
أليس موضوعا مستجدا لا تكرار فيه ولم يطرق من قبل؟؟
 
عودة
أعلى